توجيه لطلبة كلية العلوم الإسلامية بعد تخرجهم

رقم المَجلِس: 70
رقم الفَتوى: 1
المُؤلف: الشيخ أزهر سنيقرة
تاريخ المَجلِس: 04-07-1439 هـ
الملف الصَّوتي تحميل
تحميل

السؤال:

يقول السائل بعض الإخوة الدارسين بكلية العلوم الإسلامية بالجزائر العاصمة يريدون منكم توجيها بعد التخرج بحيث يجد البعض في أنفسهم شيئا من تولي مسؤولية الإمامة ولا يخفى عليكم أن ما تقدمه هذه الكلية غير كافي في تكوين الطالب وبعضهم يود أن يقوم بالتدريس في المدارس، أرشدونا بارك الله فيكم.

الجواب:

-خطبة الحاجة-

في هذه الليلة المباركة ليلة الجمعة نلتقي بأحبتنا وأبنائنا وإخواننا عبر هذه الإذاعة التي نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلها فاتحة خير علينا وناشرة للحق فينا كما نسأله جل وعلا أن يثبتنا على الحق، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجنبنا كيد الفجار إنه سميع مجيب.

أقول وبالله التوفيق حامدا ربي جل وعلا، ومصليا على نبينا وحبيبنا – صلى الله عليه وسلّم – جوابا على هذا السؤال المتعلق بتساؤل طلبتنا من كلية العلوم الإسلامية بجامعة الجزائر حول موضوع متعلق بتخرجهم وهذا مما ينبغي أن يفكر فيه الطالب في أثناء طلبه، أن يفكر في الرسالة العظيمة التي سيتحملها بعد تخرجه من هذه الجامعة، وهي أمانة ومسؤولية عظيمة أمام الله تبارك وتعالى، مسؤولية هذا العلم الذي يتلقاه الطالب، كيف يتقي الله جل وعلا فيما يتعلم ويتقيه تبارك وتعالى بعد ذلك بالعمل فيما أو بما علم، ويتقيه بعد ذلك في نشر هذا العلم للأمة من غير أن يغشهم، ومن غير أن يخون هذه الرسالة وهذه الأمانة و المسؤولية،  فينبغي أن يعلم بالدرجة الأولى أنها وظيفة سيّد الأولين والآخرين، الذي هو أول إمام في هذه الأمة كيف كان يوجّههم من على منبره، كيف كان يبيّن لهم الحق ويدعوهم إليهم، كيف كان يحذرهم من أنواع الشرور كلها التي كانت في زمانه وفي وقته، والتي لم تكن بعد، وهذا من حرصه على خير هذه الأمة، وكذلك ينبغي أن يكون الإمام، أن يكون أمينا في هذا الباب، وأن يكون ناصحا لنفسه ولإخوانه جميعا من خلال إمامته، لا أن يجعل إمامته وسيلة من وسائل تكسّبه، فالإمامة أمانة يا عباد الله، ومسؤولية أمام الله تبارك وتعالى فيما تفعله، وفيما تقوله، في حالك، وفي أقوالك، وفي معاملتك للناس، والإمامة ليست مقتصرة على الزاد العلمي الذي ينبغي أن يكون عليه الإمام، وهو أمر لا بد منه؛ لأن من شروط الإمامة أن يتقدم لها الأعلم ومن تعلّم وله النصاب العلمي الذي يؤهله أن يكون في الناس إماما،  ولهذا جاءت شروطها في السنة بيّنة واضحة، وهذا دليل على أهميتها من جهة، ودليل على حرص نبيّنا -عليه الصلاة والسلام- فلا يتقدم لها إلا من قدمه الشرع، قال -صلى الله عليه وسلم-: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء، فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء، فأقدمهم سلما… »(1).

ولهذا أنصح إخواني في هذا الباب، حتى لا أطيل في هذا الجواب أن يهتموا أولا بالتحصيل، وأن لا يكتفوا بما هو في كليّتهم، وأن يجعلوا هذا فاتحة لطلبهم، وأن يكون اجتهادهم الاجتهاد الشخصي الفردي بالاستفادة من كتب أهل العلم الأثبات من المتقدّمين والمتأخّرين، ومن الاستفادة من دروس علمائنا وأئمتنا والله -جل وعلا- قد منّ علينا في هذا الزمان بتوافر دروسهم ومحاضراتهم بين أيدينا نسمعها متى شئنا وأين أردنا، وهذا فضل عظيم ومنّة كريمة من ربنا -تبارك وتعالى- علينا، ويكون جهدنا واجتهادنا في هذا الباب حتى نوفّق في التحصيل أو في أدنى الزاد العلمي الذي يبوئونا هذه المسؤولية التي نسأل الله -جل وعلا- أن يوفق إخواننا فيها، والأَولى إذا استطاعوا في هذا الباب أن يتقدوا للإمامة وأن يقدموا الإمامة على غيرها، لأنّكم تعلمون ما في التعليم والمؤسسات التي تسمّى بالمؤسسات التعليمية من المخالفات الشرعية، والواجب على المسلم دائما وأبدا أن يفكّر كيف ينجّي نفسه، أن يفكر في نجاته بين يدي ربّه -تبارك وتعالى- وأن لا يجعل الوسيلة تبرر غايته؛ أبدا، فينبغي كما أن الغاية طيّبة أن يكون الوسيلة طيّبة كذلك، وهذا الذي دلّت عليه النصوص الشرعية خلافا لتلك القاعدة الكفرية التي ليست من قواعدنا الشرعية، بل هي من المخالفة للقواعد الشرعية، فوسائلنا كلها طيّبة موافقة لغاياتنا التي تعبدنا الله -جل وعلا- بها إنّ الله طيب لا يقبل إلا طيّبا، ولهذا أنصح إخواني وأبنائي في هذا الباب أن يجتهدوا وأن يحرصوا على مثل هذا الأمر إضافة إلى ما فيه من الخير والأجر العظيم أن يكونوا ناصحين معلّمين مربّين لإخوانهم والنّبي -عليه الصلاة والسلام- قد بشّرنا في هذا الباب ببشائر عظيمة فقال: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه»(2)، وقال: «من دل على الخير كان له من الأجر كأجر فاعله»(3)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «من سن في الإسلام سنة حسنة، فله أجرها، وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء»(4).

فالواجب أن يجتهدوا في هذا الباب وأن يسألوا الله جل وعلا العون والتوفيق فيه، وأن يكونوا على صلة بإخوانهم ومشايخهم لإرشادهم وتوجيههم، والعلم عند الله تبارك وتعالى.


(1) مسلم:673.

(2) البخاري:5027.

(3) الصحيحة: 1660.

(4) مسلم:1017.