نصيحة الأخ الشَّفيق لأهل المغرب الشَّقيق
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ واجب النَّصيحة لعامَّة المسلمين يملي علينا أن نُذَكِّر إخواننا بما يجب عليهم شرعًا في مثل هذه الظُّروف العصيبة الَّتي تمرُّ بها الأمَّة الإسلاميَّة عامَّة، وبُلداننا المجاورة الشَّقيقة خاصَّة، أعني ما يحدث في ليبيا وتونس، وما يسعى لإشعال نار الفتنة فيه بالمغرب، الَّذي عهدنا به آمنًا مستقرًّا، أهلُه مجتمعون على السَّمع والطَّاعة لوليِّ أمرهم ـ وفقه الله ـ، متعاونون فيما بينهم على ما فيه صلاح وخير بلدهم. هذا الأمر الَّذي لا يُرضِي أعداءهم ويألِّبُ الحاقدين عليهم.
هذه النِّعمة الَّتي يجب على إخواننا في المغرب الشَّقيق أن يؤدُّوا حقَّ شكرها طاعةً لله، تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿فَليعبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلبيتِ ٱلَّذِيٓ أَطعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوف﴾ وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَنْ أصبَحَ منكُم آمنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِندَهُ قوتُ يومِهِ، فكأنَّما حِيزَت لَهُ الدُّنيا» [رواه التِّرمذي (2346)، وصحَّحه ابن حبَّان (671) والألباني في «الصَّحيحة» (2318)].
إنَّها نعمة الأمن في الأوطان، الَّتي فقدها الكثير من إخواننا في بلدانهم لمَّا خرجوا على حكامهم ـ وإن كانوا ظالمين ـ، بسبب تلك الدَّعاوي الزَّائفة الباطلة، والَّتي سمَّوها ظلمًا وعدوانًا بـ «الرَّبيع العربي»! فأيُّ ربيعٍ هذا الَّذي كان سببًا في إزهاق أرواح الآلاف، وتشريدهم وحرمانهم ممَّا يتمتَّع به إخوانهم في باقي البلاد.
وحتَّى لا تقع الفتنة، وإشفاقًا على إخواننا في المغرب، وتحذيرًا لهم من كلِّ هذه الشُّرور المحدقة بهم، فإنِّي أتوجَّه بالنَّصيحة الأخويَّة لكافَّة إخواني وأحبابي في المغرب الغالي، أن لا ينخدعوا بتلك الدَّعوات المغرضة الَّتي ظاهرها يبدو منه الرَّحمة، وباطنها هو الفتنة والعذاب، وأن يحافظوا على اجتماع كلمتهم، وتآلف قلوبهم، تحت ظلِّ حُكْمِ مَلِكهم وفَّقه الله.
وإن رأيتم اعوجاجًا فيه أو في أعوانه فعليكم بالطَّريقة الشَّرعيَّة النَّبويَّة في النُّصح وحُسْنِ البيان.
واحذروا الخروج على وليِّ أمركم، فإنَّ في ذلك سفكًا لدمائكم، وتدميرًا لدياركم وتشريدًا لشعبكم.
واسمع إلى قول الحبيب الحريص على ما ينفعنا في عاجل أمرنا وآجله، فعن وائل ابن حجر رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله! أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا ويسألونا حقهم؟ فقال: «اسمَعُوا وأطِيعُوا، فإنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ» رواه مسلم.
وروى البخاري في «صحيحه» عن زيد بن وهب قال: سمعت عبد الله قال: قال لنا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّكم سَتَرَونَ بَعْدِي أَثَرَةً وأمورًا تنكرونها»، قالوا: ما تأمرنا يا رسول الله؟ قال: «أدُّوا إليهم حقَّهم وَسَلُوا الله حَقَّكُم».
قال ابن بطَّال كما في «فتح الباري» لابن حجر رحمه الله (13/ 9): «في الحديث حجَّة في ترك الخروج على السُّلطانِ ولو جار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السُّلطان المتغلِّب والجهاد معه، وأنَّ طاعته خيرٌ من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدِّماء وتسكين الدَّهماء، وحجَّتهم هذا الخبر وغيره ممَّا يساعده، ولم يستثنوا من ذلك إلَّا إذا وقع من السُّلطان الكفر الصَّريح، فلا تجوز طاعته في ذلك، بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها…» إلخ.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله في «منهاج السنَّة» في معرض كلامه عن ذلك ما يلي:«ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنَّة أنَّهم لا يرون الخروج على الأئمَّة وقتالَهم بالسَّيف وإن كان فيهم ظلم، كما دلَّت على ذلك الأحاديث الصَّحيحة المستفيضة عن النَّبيِّ ج، لأنَّ الفساد في القتالوالفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة…،ولعلَّه لا يكاد يعرف طائفةٌ خرجت على ذي سلطان إلَّا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الَّذي أزالته» [«منهاج السنَّة النَّبويَّة» (3/390)].
فكونوا كما عهدناكم في حسن وفائكم وولائكم لأئمَّتكم، وشديد حرصكم على حفظ مصالحكم، والدِّفاع عن كرامتكم.
وعلى وليِّ الأمر ـ سدَّده الله ـ أن يرفق برعيَّته ويحسن إليهم ولا يشقَّ عليهم، مستحضرًا قول النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: «اللَّهم من وَلِي من أمر أمَّتي شيئًا فشقَّ عليهم، فاشقُق عليه، ومن وَلِي من أمر أمتي شيئًا فرَفَق بهم، فارفق به» [أخرجه مسلم].
وعليه أن يتفقَّد حاجاتهم ويسعي عليهم، عملًا بقول جدِّه ج من حديث عمرو بن مرَّة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَا مِنْ إمامٍ أو والٍ يُغلِقُ بابَهُ دُونَ ذَوِي الحَاجَة والخَلَّةَ والمَسْكَنَة، إلَّا أغلَقَ الله أبوابَ السَّمَاءِ دُونَ خَلَّتِهِ وَحَاجَتِهِ وَمَسْكَنَتِهِ» [أخرجه أحمد والتِّرمذي، وصحَّحه الألباني في «الصَّحيحة» (629)].
سلَّم الله المغرب وأهله من كلِّ سوء، ودفع عنهم الفتن والشُّرور، وعصمهم من كيد المفسدين، وعدوان المجرمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
أخوكم ومحبُّكم والنَّاصح لكم/ أزهر سنيقرة
5/رمضان/ 1438