توجيه فيما يجب لطالب العلم من تعظيم العلماء وحفظ مكانتهم، ونصيحة له عند وقوع الفتن

رقم المَجلِس: 69
رقم الفَتوى: 8
المُؤلف: الشيخ أزهر سنيقرة
تاريخ المَجلِس: 27-06-1439هـ
الملف الصَّوتي تحميل
تحميل

السؤال:

أحسن الله إليكم شيخنا وبارك فيكم نعود للسؤال الأول، وهو الذي طلب فيه السائل توجيها منكم -حفظكم الله تعالى- فيما يجب على طالب العلم من تعظيم العلماء واحترامهم وحفظ مكانتهم، وما نصيحتكم لطالب العلم عند وقوع الفتن؟ وهل ما يحدث في بلدنا هذه الأيام يصح أن يقال فيه أنه فتنة؟

الجواب:

لم يبقَ من الوقت الشيء الكثير، ولهذا أقول: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، جوابا على هذا السؤال: وأبدؤه بما ختم به السائل وهو قضية هل ما يحدث يعتبر فتنة؟

ينبغي أن نعلم ونحدد معنى الفتنة، الفتنة هي التي يختلط فيها الحق مع الباطل على النّاس، والفتنة أتت بمعان كثيرة في كتاب الله جل وعلا وسنّة رسوله، ونحن نتحدث عن المعنى المقصود في هذا السؤال، فإذا كان الأمر كذلك يقال هذه فتنة والواجب على الناس أن يرجعوا إلى المستبصرين بها؛ وهم العلماء -عليهم رحمة الله تبارك وتعالى-، فالعلماء يعرفون الفتنة إذا أقبلت ولهذا يحذرون منها ويحذرون من شرّها، وينأون عنها ولا يدخلون ولا يخوضون فيها، ولنا في هذا مآثر عن سلف هذه الأمة كيف تعاملوا مع الفتن وكيف نجَّى الله جل وعلا بسببهم أناسا كثر وهكذا، أما إذا ظهر الحقّ من الباطل في قضية من القضايا أو أمر من الأمور، هذه لا يقال عنها فتنة، هي فتنة بالنسبة لمن فُتن بها ولم يعرف طريقه فيها، صحيح يقال هذا في حقه فتنة وهو مفتون.

أما إذا وقع كالذي وقع عندنا؛ فقد اختلف أناس كما يختلف الناس دائما وأبدًا، وإذا اختلفوا ففيهم المحق والمبطل، ومعرفة المحق من المبطل بما عندهم، ما عندك أنت في هذه المسألة؟ انتقد أناس غيرهم في مسائل منهجية واضحة جلّية يعرفون حكمها وكلام العلماء فيها؛ فبيّنوا ما يعتقدون ونصحوا في هذا الأمر وما استجيب لنصيحتهم؛ فوجب عليهم أن يتكلموا كما قلنا سابقا.

والله جل وعلا أظهر هذا الأمر: أنه لا افتراء فيه ولا كذب على غيرنا، وخاصة من إخواننا وأنا دائما أقول هذا الكلام: «نحن أحرص على إخواننا من غيرنا» أمام الناس جميعا، قلتها يوما لواحد جاء يناقشني في عبد المالك، قلت له يا أخي: أسألك سؤالا، هذا الرجل تعرفه أحسن منّي ؟ قال لي: لا، قلت له: عاشرته أكثر منّي؟ قال لي: لا، قلت له: تحبّه أكثر منّي؟ قال لي: لا، قلت: أنت أقرب إليه منّي؟ قال لي: لا ، والله الذي لا إله غيره، فقلت له: إذا يا أخي أربع على نفسك، واترك هذا الأمر لغيرك، أنت تتكلّم وتضيّع وقتي فقط، نحن نعلم ما نفعل، وما نتقصد ظلم أحد من الناس ناهيك أن يكون من إخواننا.

والأمر قد ظهر؛ ناصحناه وتابعناه بشهادة الجميع، وكانت آخر نصيحة من قبل الجماعة وكنت نائبا عنهم بتفويض منهم، وعلى رأسهم الشيخ فركوس -حفظه الله جل وعلا-، وهذا في بيتي بصريح العبارة يقول: أنا أدري ما أفعل وأنا ماضٍ فيما أنا عليه، انتهى الأمر، بيّنّا له أنه مخطئ، وهذا كلام أهل العلم، وهذا كلام كذا، فوقع هذا الأمر وانتهى.

فالأمور واضحة جليّة، الذي ما ظهرت له الأمور فهي موجودة أدلتها بالصوت والصورة، ما يحزنك بطبيعة الحال.

فالواجب على الناس أن يكونوا في القضايا كلّها مع الحق، وأن يكونوا مع كبارهم في العلم وفي القدر والمنزلة، والحمد لله هذه المسألة قد تكلّم فيها الشيخ ونصح وبيّن، إلا أنه لما نصح وبين أصبح متهما بالظّلم والميل إلى طائفة دون طائفة، فحسبنا الله ونعم الوكيل.

ولهذا النصيحة التي نصح بها الشيخ  أبناءه وإخوانه في أولئك الذين ركبوا الفتنة، ولا أقول ركبوا الفتنة فقط بل كانوا يديرون الفتنة، من أولئك المشاغبين -وأنا لا أقصد المشايخ-، الذين زعموا في بدايتها أنّهم سيصلحون، ووالله ما أصلحوا؛ بل أفسدوا فسادًا عظيما ومازال فسادهم إلى اليوم، نقول لإخواننا وأبنائنا: اتركوهم وهمِّشوهم ولا تلتفتوا إلى أقوالهم، ولا إلى كتاباتهم وتشغيباتهم.

في بعض الأحيان يعني يضطرّ إخواننا إلى الكتابة؛ لأنهم يصبحون يتكلمون في شهادات، يتّهمون في نواياهم وعدالتهم، يتّهمونا نحن بالكذب فيما نخبر، نسأل الله جل وعلا العفو والعافية، ووالله الذي لا إله غيره ما تكلّمنا في هذه المسألة بكلمة واحدة تَقَصّدنا فيها كذبًا أبدًا، وكلّ ما ذكرناه هو شيء عايشناه ونحن على يقين منه لسنا شاكين ولا متذبذبين، سواء ما تعلق بما سمعنا من علمائنا ومشايخنا وهذا اعتقادنا أن من تمام التعظيم للعالم أنك لا تقوِّلُه ما لم يقله، وأنك لا تتصرف في كلامه لا بزيادة ولا بنقصان يغيّر معناه، لأننا نعتقد أن العالم له مكانته وله قدره، ولكن لا نعتقد أنه معصوم من الخطأ، نعتقد أنه يخطئ ويصيب، ونعتقد أنه قد يحكم على بعض الأشخاص أو في بعض الحالات بخلاف ما نعتقده نحن، نحن كنّا في بعض الرجال على خلاف ما كان يعتقد فيهم الشيخ ربيع -حفظه الله-، والله عز وجل أظهر الحق بعد ذلك، نحن كنّا نترجى الشيخ ربيع في يوم من الأيّام أن يكلّم فالح الحربي، وأن يوقف شرّه عن المسلمين وفسادَه، وكان هو يذكُره آنذاك بخير يحسن به الظّن، حتى تبيّن فساده وشره.

ولكن يبقى هؤلاء قدرهم محفوظا ومنزلتهم في قلوب المؤمنين محفوظة بذلك، يُتهم أمثالنا أنّنا نطعن في الشيخ ربيع نعوذ بالله تبارك وتعالى من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وهؤلاء -والله الذي رفع السماء بغير عمد- لا يريدون خيرا للأمة؛ لأن الإنسان الذي يتقصد الافتراء على إخوانه بمثل هذه الأمور، التي ربما ما تعلّمها إلا عنده، ولا عرف قدر أمثال هؤلاء المشايخ إلا في مجالسنا ومجالس إخواننا، ثم يفتري علينا ويلبّس علينا.

وأختم بما بدأ به السائل سؤاله عند قوله: فيما يجب على طالب العلم من تعظيم العلماء واحترامهم.

 هذا في الحقيقة ميزةٌ ميّز الله جل وعلا بها هذه الدّعوة المباركة، التي من أعظم أصولها: الاهتمام بالعلم النافع وتعظيم أهله، وأهله هم العلماء، العلماء الربانيون الذين نعتقد أنهم هداة هذه الأمّة، الذين يدُلّونها على الخير، وهم أحرص الناس على خيرها وصلاحها، وأكثر الناس غيرة على دينها وعلى سنة نبيها -عليه الصلاة والسلام-، فلا يمكن أن يكون جهدهم وجهادهم إلا في هذا الباب.

وانظروا إلى سِيَرهم وإلى مآثرهم، كيف كان الشيخ العثيمين في إعطاء عمره ووقته كلّه للدعوة إلى الله وتعليم دين الله جل وعلا، ونشر سنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، كيف كان الشيخ الألباني قابعا في بيته؛ وعلمُهُ يصل إلى الدنيا بأسرها إلى أدغال إفريقيا وإلى أقصى آسيا وإلى أوربا وأمريكا، يتلقّفه الناس، وانظر إلى الشيخ ربيع الآن كيف منزلته وكيف مكانته في قلوب أهل السنة في العالم الإسلامي كلّه، وانظر إلى مكانة شيخنا الشيخ فركوس في بلدنا، فالناس جميعا طلبتهم وعوامّهم، رجالهم ونساؤهم على قلب رجل واحد، في معرفة قدره وجلاله، ولا ينكر هذا القدر إلا من حرمه الله جل وعلا هذا الخير، فكانوا من الشانئين له الطاعنين فيه وفي علمه، المنتقصين لمكانته ومنزلته، وعلامة أهل البدع والأهواء الوقيعة في أهل الأثر.

فالله نسأل أن يوفقنا لمعرفة قدر علمائنا عملا بقول نبينا – صلى الله عليه وسلّم –: ” ليس منا من لم يجل كبيرنا ويرحم صغيرنا! ويعرف لعالمنا حقه(1) .

نسأل الله جل وعلا أن يبارك لنا في هذه الأوقات، وأن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح، وبارك الله فيكم جميعا، والحمد لله رب العالمين.


(1) صحيح الجامع:5443.