درء المفاسد المترتبة على الدفن في المساجد
درء المفاسد
المترتبة على الدفن في المساجد
الحمد لله القائل: «وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا»، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّ الهدى الَّذي دعا وأرشدَ، وقال: «ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك» [رواه مسلم].
أمَّا بعد:
فإنَّ من المعلوم من دين الله تبارك وتعالى أنَّ المساجد أشرف بقاع الأرض عند الله تعالى، شرفها وأعلى قدرها وأمر عباده بتعظيمها، وتعظيمُها من تعظيم شعائر الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أحبُّ البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها» رواه مسلم.
ومن تشريفه لها نسبتها إليه تبارك وتعالى، فهي بيوت الله، كما أخرج مسلم في «صحيحه» من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده»، وفي صحيح مسلم أيضًا من حديث أبي هريرة أيضًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تطهر في بيته، ثمَّ مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله، كانت خطوتاه إحداهما تحط خطيئة، والأخرى ترفع درجة».
فلا شكَّ أنَّ النسبة هنا نسبة تشريف كما قرَّره أئمتنا.
ومن صور هذا التَّعظيم والاهتمام فعلُ نبيِّنا عليه الصَّلاة السَّلام بعد هجرته، إذ كان أوَّل أعماله الجليلة بناؤه للمسجد، الذي أصبح ثاني مساجد الدُّنيا تعظيمًا في الإسلام بعد المسجد الحرام الَّذي رفع قواعده خليل الله الأوَّل إبراهيم عليه السَّلام.
وهذا لنعلم أنَّ أشرف الأعمال عند أشرف خلق الله وأحبهم إليه هو بناء المساجد ورعايتها.
هذه المساجد التي لم يأذن الله برفع قواعدها وبنائها إلا ليذكر اسم الله عزَّ وجل وحده فيها ويجتمع الموحِّدون في رحابها على العبادة لله وتعظيمه والإخلاص في توحيده.
هذا التَّوحيد الَّذي لا يكون خالصًا إلَّا إذا خُلِّص من كلِّ شائبة من شوائب الشِّرك، ومن كلِّ ذريعة ووسيلة من وسائله، كما قال ابن القيِّم رحمه الله: «وليس التَّوحيد مجرد إقرار العبد بأنَّه لا خالق إلا الله، وأن الله ربَّ كل شيء ومليكه، كما كان عباد الأصنام مقرِّين بذلك وهم مشركون، بل التَّوحيد يتضمَّن من محبة الله، والخضوع له، والذلِّ له، وكمال الانقياد لطاعته، وإخلاص العبادة له، وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال، والمنع، والعطاء، والحبِّ والبغض، ما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الدَّاعية إلى المعاصي، والإصرار عليها، ومن عرف هذا عرف قول النَّبيِّ ج: «إن الله حرَّم على النَّار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله» وقوله: «لا يدخل النَّار من قال: لا إله إلا الله» [مدارج السالكين].
فحقيقة هذه الكلمة ألا وهي كلمة التوحيد أن نعتقد ما تضمَّنته من معان عظيمة وعبادات جليلة ومن هذه المعاني عدم صرف شيء ممَّا يُتعبَّد به الله تعالى من الأقوال والأعمال لغيره.
والشِّرك بالله تبارك وتعالى الذي هو أعظم الذُّنوب على الإطلاق ممَّا يُضادُّ هذه الكلمة، ولَمَّا كان هذا شأنه وهذه خطورته حرَّم الله كلَّ وسيلة من وسائله، وذريعة من ذرائعه، والَّتي من أعظمها وأشدها، بل أوَّل وسيلة للشِّرك في بني آدم سببها تعظيم الصَّالحين وتقديسهم أحياء كانوا أو أمواتا، قال تعالى: «وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا» قال ابن عبَّاس رضي الله عنهما: «صارت الأوثان الَّتي كانت في قوم نوح في العرب بعدُ:
أمَّا وُدٌّ كانت لكلب بدومة الجندل.
وأمَّا سُواع كانت لهذيل.
وأمَّا يغوث فكانت لمراد، ثمَّ لبني غطيف بالجوف عند سبإ.
وأمَّا يَعُوق فكانت لهمدان.
وأمَّا نَسْرٌ فكانت لحِمْيَر لآل ذي الكلاع.
أسماء رجالٍ صالحين من قوم نوح، فلمَّا هلكوا أوحى الشَّيطان إلى قومهم، أن انصبوا إلى مجالسهم الَّتي كانوا يجلسون أنصابًا وسَمُّوها بأسمائهم، ففعلوا، فلم تُعْبَد، حتَّى إذا هلك أولئك وتنسخ العلمُ عُبِدَت» [«صحيح البخاري» (4920)].
ومن هذا التَّعظيم المحرَّم اتخاذ قبورهم مساجد، لقوله صلى الله عليه سلم في حديث عليٍّ رضي الله عنه قال: لقيني العباس رضي الله عنه فقال يا علي! انطلق بنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإن كان لنا من الأمر شيء وإلا أوصى بنا الناس فدخلنا عليه وهو مغمى عليه فرفع رأسه أي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «لعن الله اليهود اتَّخذوا قبور الأنبياء مساجد» [«تحذير السَّاجد» للألباني رحمه الله (ص 28)] ([1]).
فانظر رحمك الله إلى حال نبيِّنا عليه الصَّلاة والسَّلام وهو يُذكِّر أمَّته بمثل هذا الأمر العظيم في مثل هذا الحال الَّذي كان فيه (في مرض موته)، يُحذِّر من أعظم وسائل الشرك! ومن شرِّ ما وقع فيه الأمم السَّابقة، الشَّرِّ الَّذي وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله بأنَّهم شِرار النَّاس عند الله تبارك وتعالى، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ من شِرار النَّاس من تُدركه السَّاعة وهم أحياء، ومن يتَّخذ القبور مساجد» [رواه ابن خزيمة وغيره بإسناد حسنٍ كما في «تحذير السَّاجد» (23)].
واتِّخاذ القبور مساجد:
إمَّا أن يُدفنَ الميِّت في المسجد أو عند المسجد، إذا قصد النَّاسُ مسجدَهم مرُّوا على قبره أو وقفوا عنده.
أو الَّذين تُبنى المساجد على قبورهم كما وقع هذا ويقع عند أهل الشِّرك بتلك القباب الَّتي تُبنى على القبور والأضرحة، عياذًا بالله تبارك وتعالى.
وإنَّ مِنْ آخر دعواته صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يقول: «اللَّهم لا تجعل قبري وثنًا، لعن الله قومًا اتَّخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد» [رواه أحمد بسندٍ صحيح كما في «تحذير السَّاجد» (23)]؛ «لعن الله قومًا…» ماذا كان صنيعهم؟ اتَّخذوا قبور الأنبياء وقبور الصَّالحين مساجد بالمعنى الَّذي ذكرنا.
قال ابن عبد البرِّ رحمه الله، عند هذا الحديث ـ وهو مالكيٌّ، ولكنِّي لم أتقصَّد ذكر علماء المالكيَّة كما يفعل البعض منَّا، ظنًّا أنَّ أولئك سيرضَوْن عنَّا إذا ذكَّرناهم بأقوال المالكيَّة، بل نحنُ نذكُر علماءنا جميعًا من سائر المذاهب، لأنَّهُم على الحقِّ كانوا، وبالحقِّ نطقوا، أبى من أبى، وكره من كره، وهذا هو صنيع أهل الحقِّ الَّذي أُمِروا به، وهو أن يصدعوا به كما أمر الله عزَّ وجلَّ نبيَّنا صلى الله عليه وسلم بقوله: ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضِ عَنِ المُشْرِكِينَ﴾ ـ، قال رحمه الله: «وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُحَذِّر أصحابه وسائر أمَّته من سوء صنيع الأمم قبله الَّذين صَلَّوا إلى قبور أنبيائهم واتَّخذوها قبلةً ومسجدًا، كما صنعت الوثنية بالأوثان الَّتي كانوا يسجدون إليها ويعظمونها، وذلك الشِّرك الأكبر» [«التَّمهيد» (5/45)]، ومن شنيع صنيعهم أنَّهم يُعظِّمون القبور بهذه الصِّفة، ويجعلونها في أماكن العبادة، وفرق بين هذا وذاك؛ بل لا يلتقيان في الإسلام كما قال ابن القيِّم ـ عليه رحمة الله ـ: «لا يجتمع في دين الإسلام: مسجد وقبر» [زاد المعاد].
بل إنَّ علماءنا قد منعوا مَنْ بنى مسجدًا من أجل أن يُدفَن فيه أن يُدفَن فيه أو في فنائه أو في ساحته، قال الحافظ العراقي ـ عليه رحمة الله ـ: «فلو بنى مسجدًا بقصد أن يُدفن في بعضه دخل في اللَّعنة، بل يحرم الدَّفن في المسجد، وإن شرطَ أن يُدفن فيه لم يصحَّ الشرط، لمخالفته لمقتضى وقفه مسجدًا» [نقله المناوي في «فيض القدير» (5/274)]. مُنِع ذلك وحَرُمَ لمخالفة هذا الشَّرط لِما جُعلت له المساجد الَّتي إنَّما أُوقفت للعبادة ولم تُوقَف لأن يُدفن فيها، لا أصحابُها ممَّن بناها ولا أئمَّتُها ممَّن كان يؤمُّ النَّاس فيها ولا علماؤُها الَّذين كان النَّاس يقصدونهم فيها، لا أحدٌ من هؤلاء جميعًا، بل حتى الأنبياء –عليهم الصَّلاة والسَّلام-، فنبيُّنا صلى الله عليه وسلم ما دُفِنَ في مسجده، بل لمَّا قبضه الله جلَّ وعلا إليه احتار الصَّحابة في دفنه أين يدفنونه، هل يدفنونه في البقيع؟ أم يدفنونه في المسجد؟ فأشار عالم هذه الأمَّة وإمامها بعد رسول الله خليفة رسول الله الصِّدِّيق ـ رضي الله عنه ـ بما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ما نسيته، قال: «ما قبض الله نبيًّا إلَّا في الموضع الَّذي يحبُّ أن يُدفَن فيه»، ادفنوه في موضع فراشه [«سنن التِّرمذي» (1018)].
فهذه خاصيَّة من خصائص الأنبياء، أنَّهم يُدفَنون في المكان الَّذي يُقبَضون فيه، فبمجرَّد ما سمع الصَّحابة هذا من الصديق –رضي الله عنه- باشروا بحفر قبره في حجرة عائشة –رضي الله عنها، وما دُفن النبي –عليه الصَّلاة والسَّلام- إلَّا في بيتها، وبقيَ زمنا وهو مفصولٌ عن المسجد حتَّى جاء وقت الوليد بن عبد الملك لمَّا أراد توسعة المسجد النبوي أمر عمر بن عبد العزيز وكان واليه على المدينة أن يشتري بيوت نساء النبي –عليه الصّلاة والسّلام- منهنَّ وأن يضمَّها إلى المسجد ويُوسِّع المسجد النبوي، وهذه كانت التوسعة الأولى في مسجد رسول الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.
فلا حجَّة لأهل الشّرك والضَّلالات أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، بل قبرُ النبي صلى الله عليه وسلم في بيته وما زال إلى الآن في بيته صلى الله عليه وسلم.
وفي الدَّفن في المساجد إساءة شنيعة ومخالفة قبيحة من وجوه عديدة:
أوَّلًا: فيه إساءة لبيوت الله تبارك وتعالى، التي إنما أمر الله ببنائها وحسن رعايتها لمقصد واحد جاء ذكره في قوله: «في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة».
وليعظم الله فيها وحده لا شريك له، لقوله تعالى: «وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا».
لأجل هذا كان الفصل بين مكان العبادة ومكان الدفن ولو كان أحدٌ من الصَّالحين أحق بمثل هذا لكان نبينا عليه الصَّلاة والسلام أو لأصحابه المرضيين الكرام، أو لأئمَّة التَّابعين وتابعيهم الأعلام، الَّذين فازوا بالخيرية بنصِّ حديث خير البريَّة عليه الصَّلاة والسَّلام: «خير الَّناس قرني ثمَّ الَّذين يلونهم ثمَّ الَّذين يلونهم» [متَّفق عليه]. لكنَّهم ولله الحمد ما دُفنوا إلَّا في مقابر المسلمين ولم يتميَّزوا عنهم، وإنَّهم لمُمَيَّزون بعلوِّ قدرهم ومنزلتهم عند ربِّهم.
ثانيًا: إساءة للميت، لأنَّ حقَّ المسلم على إخوانه بعد موته أن يحسنوا إليه في حسن تجهيزه ودفنه وإنفاذ وصيته إن لم يكن فيها مخالفة، أما ما كان خلافا لهذا فإنه يتحمل وزرهم ويلحقه إثم قبيح صنيعهم لقول نبِّينا صلى الله عليه وسلم: «إنَّ الميت ليعذَّب ببكاء أهله عليه»، فهو فيمن لم ينه أهله عن ذلك كما أشار إليه البخاري رحمه الله في تبويبه على هذا الحديث بقوله: «باب قول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «يُعَذَّب الميِّت ببعض بكاء أهلِه عليهِ» إذا كان النَّوح من سنَّته»، فساء ما فعل هؤلاء لميِّتهم، فقد أساءوا إليه إساءةً كبيرة!!
ثالثًا: إساءة للمسلمين خاصتهم عامتهم، أما خاصتهم من ولاة الأمر ونوابهم ورجال القضاء وأعوانهم والعلماء وأئمة المساجد والصحفيين فإن المسؤولية على أعناقهم أثقل من غيرهم وقد أخبرني أحد إخواننا عن كلمة طيبة نقلها له أحد مسؤولينا، عن رئيس الجمهورية (شفاه الله وعافاه) أنه قال له: «إني لا أحبُّ أن ألقى الله عزَّوجل ويسألني عن جزائري واحد قد تنصَّر»، فمثل هذه المواقف المشرفة والتي تتبع بالإجراءات الحازمة في دفع الشر والفساد عن أهلنا وبلدنا هي التي نحتاجها في مثل هذه الحالات، والقضاء في بلدنا ولله الحمد قد حسم في هذه القضية وجرم هذا الفعل، فقد جاء في الأمر رقم (79/ 75) المؤرخ في 26/ 12 / 75 أنه لا يجوز دفن الموتى في المساجد والكنائس والمعابد اليهوديَّة أو بصفة عامة كل بناية مقفلة أو مغلوقة يجتمع فيها المواطنون لتأدية عبادتهم، وكذلك داخل المدن والقرى، وعليه تخصص خارج هذه المدن والقرى وعلى بعد يقدر من قبل السلطات البلدية بدون أن يقل عن 35 م أرض معدة خصيصا لدفن الموتى.
وقد جاء التنصيص في المادة 44 على أن المخالف لهذا الأمر بأي طريقة كانت يعاقب بالحبس من 10 أيام على الأقل على شهرين على الأكثر وبغرامة مالية، إضافة على ما جاء في المادة 459 ق. ع .ج التي تعتبر عملية الدفن في مكان غير مرخص به مخالفة ويعاقب عليها القانون.
والواجب على هؤلاء جميعا أن يقوموا بمسؤولياتهم ويؤدوا واجبهم في بيان الحقِّ ونصرته والتَّحذير من الشرِّ والشِّرك بأنواعه.
أمَّا عامتهم فمثلُ هذه الأفعال تمييزٌ وتفريقٌ بينهم، والله تعالى إنَّما خلقهم وأكرمهم وسوَّى بينهم في الحقوق والواجبات، ولا فضل لأحدٍ على أحدٍ في حال حياتهم إلَّا بالتَّقوى، وبعد موتهم إلا بما عند ربِّهم تبارك وتعالى، فهم يدفنون سواسية كما كانوا من قبل يصلون سواسية، فالمسجد الَّذي كان يجمعهم في حياتهم لا ينبغي أن يُفَرِّق بينهم بعد موتهم، بأن يُدفَن فيه الشَّريف ويُبعد عنه الوضيع، بل يدفنون جميعًا في مقبرة واحدة كما دُفن مَنْ قَبلَهم وقد كانوا خيرًا منهم.
رابعًا: إساءة لبلدهم، فالبلاد إنَّما تشرف بحسن أعمال أهلها وجميل صنيعهم وأوصافهم فإذا وقع الخلل فيهم ورضوا به ولم يغيروه أدى هذا إلى تغيير هذا الوصف وتبديله كأن يكون بلد سنة وتوحيد وبلد طاعة وعبادة، فيتحول إلى بلد شرك وبدعة وبلد معصية وغفلة، إضافة إلى كونه سَنًّا لسنَّة سيِّئة قد يتبعهم غيرهم من البلاد الأخرى فيها، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ سَنَّ في الإسلام سنَّة حسنة، فله أجرها، وأجرُ من عمل بها بعدَه، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سنَّ في الإسلام سنَّة سيِّئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيءٌ» [«صحيح مسلم» (1017)].
وختامًا نقول لجميع إخواننا مشفقين ناصحين ولمن أساء في هذه الحادثة([2]) وباشر عمليَّة الدَّفن أن يتوب إلى الله تبارك وتعالى ويرجع إلى الحقِّ، فإنَّ الرُّجوع إلى الحقِّ فضيلة يؤجر ويحمد صاحبها.
فبادروا يرحمكم الله إلى تصحيح خطئكم وإصلاح إساءتكم، فإنَّ التَّائب من الذَّنب كمن لا ذنب له.
كما نُهيب بالسُّلطات العليا والقضائية والأمنية في بلدنا الحبيب أن لا يتوانوا في هذا الأمر وأن لا يُفَوِّتوا هذه الحادثة من غير نكير حتَّى يُطوَى ملفها بالتَّقادم، فإنَّها مسؤوليَّة عظيمة أمام الله، وسيسجِّلها التَّاريخ عليهم.
كما نهيب برجال الإعلام الغيورين على دينهم المدافعين عن مصالح وطنهم أن يجردوا اقلامهم ومنابرهم الإعلامية لدحض هذا الشر ودفعه عن بلدهم الذي عرف من الصالحين والعلماء الربانيِّين (نحسبهم كذلك)، والقادة الغيورين، لكنهم ما عزلوا عن مقابر إخوانهم المسلمين ممن سبقوهم بل دفنوا معهم.
إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
([1]) وهو كتابٌ جليلٌ أنصح إخواني ـ لا سيما أئمَّة المساجد ـ بالعناية به.
([2]) حادثة دفن إمام مسجد في عين مران بولاية الشَّلف في مدخل المسجد.