لا شكّ أنّ بلية الاختلاط ، من أعظم البلايا وأكبر الرّزايا ، التي ورثتها بلادنا وأغلب بلاد المسلمين ، عن دولة الاستعمار ، وحقبة الاستدمار ، وذلك لما حملته هذه البلوى من مصائب ، وفجائع ، نزلت على دين المسلمين ، كالصواعق المرسلة ، والفتن المدلهمة ، فأفسدت أديانهم وشوّهت أعراضهم ، وذهبت بالشّرف ، والمروءة ، والحياء ، والحشمة من حياتهم .
وقد كنّا إلى أمد قريب نظنّ أنّ حرمة الاختلاط من القضايا المسلمة ، والأحكام القطعية ، التي لا يتسلل إليها شك ، ولا تحوم حولها شبهة ، حتى ظهر فينا على حين غفلة ، من يطلب ضرب ديننا ، والقدح في شرعنا بوجه خفيّ ، ومكر مستتر بلباس شرعي ، وأظهر من كان ينتسب الى العلم والدين - بهتانا وزورا - من الكلام ما يندى له الجبين وتذهل له العقول ، وتحار له الأفئدة
ذلك أنه زعم أن الكلام في الاختلاط حادث مبتدع من المتعصّبين والمتزمّتين ، وألا وجود لهذا الحكم في نصوص الوحي ، ولا كلام السّلف ، وألا أثر له في كتب العلماء ودواوين الاسلام ، وألا دليل في الشرع على حرمته ، بل تمادى أكثر من ذلك ، فزعم أن تركه خلاف الأولى ، وأنّ فعله أقرب إلى روح الشريعة ، وأنسب بحال العصر ، وأحرى بتحقيق المصلحة ، وحشد في سبيل ذلك العديد من الشبه والأباطيل التي يحقّ في مثلها قول الشّعر :
وقد أحببت أن أجمع في هذا المقال شتات هذه المسألة ، وأضبط حدّها ، وأبيّن حكمها ، وأدلّتها ، وأقوال السلف والعلماء فيها ، وأرد الشبه عنها ومن حولها ، حتى لا يبقى بعد ذلك في قلب قارئه ما يحزّ بنفسه من كلام المبطلين ودعاوى المغرضين ، فأقول وبالله التوفيق وعليه التكلان وهو حسبي ونعم الوكيل .