تحذير المسلمين من الرأي المناقض للدين / عبد الصمد سليمان

المؤلف عبد الصَّمد سليمان

 

بسم الله الرحمن الرحيم


مما لا شك فيه ولا ريب يعتريه أن لكل قوم وارث، فكما أن أهل السنة والجماعة في العصر الحاضر ورثوا أسلافهم من أهل الحديث والأثر فساروا على دربهم وسلكوا طريقهم في اتباع الآثار والتقيد بها وعدم مخالفتها، كذلك أهل الرأي اليوم سلكوا طريق أسلافهم في اتباع الآراء وتقديمها على الآثار والاعتماد عليها والغلو فيها، بل من الآرائيين المعاصرين من اعتبرها من الدين، وتمنى أن تدرج تحت كلمة الإسلام لتنسب إلى دين رب العالمين:


– قال فهمي هويدي[1] في مقدمة كتابه القرآن والسلطان ص 5 :« إنما غاية ما أتمناه أن يظل كل حوار أو رأي – وإن أخطأ – محكوما دائما بلافتة واحدة, ومدرجا دائما تحت كلمة واحدة هي الإسلام وكفى!».


– أنظروا رحمكم الله كيف استهل مؤلف كتاب القرآن والسلطان كتابه!؛ استهله وابتدأه بفاقرة لا يتفوه بها رجل يدري ما يقول, فضلا أن يكون ممن يُصدِّر نفسه أنه مفكر من أرباب الحجا والعقول.


– والفاقرة هي: تمنيه أن يدرج كل حوار أو رأي – وإن أخطأ – تحت كلمة واحدة هي الإسلام وكفى – على حد تعبيره -, ومجرد تصور هذا الرأي يغني عن الاشتغال بالرد عليه, إذ تمنيه نسبة الآراء الخاطئة للإسلام وإدراجها تحت دائرته من أعظم التجني على دين الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حميد, فالإسلام دين الله الذي أوحى به إلى رسوله صلى الله عليه وسلم, فلا يسوغ والحالة هذه أن ينسب إليه رأي بشر كائنا من كان خصوصا إذا تبيّن خطئه فيه, بل الواجب على كل مسلم أنه إذا ثبت عنده خطأ قول أو رأي أن يرده وينزه الإسلام عنه, فإن كان قائله من أهل الاجتهاد ومن أهل السنة اعتذر له ورجا من الله أن يأجره على اجتهاده, وإن كان من غير أهل الاجتهاد أو من أهل البدع عامله بما يستحق وحذر النّاس منه ومن أمثاله الذين يقولون في دين الله بلا علم ولا بصيرة.


– ومما يوضح قبح ما صدر عن فهمي هويدي في كلمته المتقدمة أمور هي:

– 1- الأمر الأول: أنه قد جاء في الشرع التفريق بين حكم الله وبين حكم المجتهدين.


– قال الإمام ابن القيم في إعلام الموقعين عن رب العالمين ج 2 ص 74[2]:
وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أميرَهُ بريدة أن ينزل عدوه إذا حاصرهم على حكم الله، وقال:” فإنك لا تدري أتصيبُ حكم الله فيهم أم لا, ولكن أَنْزِلْهُم على حكمك وحكم أصحابك”، فتأمل كيف فرَّق بين حكم الله وحكم الأمير المجتهد, ونهى أن يُسمَّى حكم المجتهدين: حكم الله.


– ومن هذا: لما كتب الكاتب بين يدي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه حكما حكم به؛ فقال: هذا ما أرى الله أمير المؤمنين عمر, فقال: لا تقل هكذا ولكن قل: هذا ما رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب.

2- الأمر الثاني: تفريق الصحابة رضي الله عنهم للرأي بين ما يكون صوابا فينسبونه إلى الله أي:

ينسبون التوفيق في إصابته إلى الله, وبين ما يكون خطأ فينسبونه إلى أنفسهم والشيطان، ويبرؤون الله ورسوله منه، ثم يستغفرون الله على قوله وإبدائه والله المستعان.


– وقد نقل ابن القيم العديد من أقوال الصحابة فيما يتعلق بذم الرأي كما في إعلام الموقعين عن رب العالمين وإليكم ما يتعلق بموضوعنا منها:


1- القول الأول: قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه[3]:


وذكر الحسن بن علي الحلواني: حدثنا عارم، عن حماد بن زيد، عن سعيد بن أبي صدقة، عن ابن سيرين قال:” لم يكن أحد أهيب بما لا يعلم من أبي بكر رضي الله عنه، ولم يكن أحد بعد أبي بكر أهيب بما لا يعلم من عمر رضي الله عنه، وإن أبا بكر نزلت به قضية فلم يجد في كتاب الله منها أصلا، ولا في السنة أثرا فاجتهد برأيه، ثم قال: هذا رأيي، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ؛ فمني وأستغفر الله”.


2- القول الثاني: قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه[4]:


قال سفيان الثوري: ثنا أبو إسحاق الشيباني، عن أبي الضحى، عن مسروق، قال:”كتب كاتب لعمر بن الخطاب:”هذا ما رأى الله ورأى عمر”، فقال:” بئس ما قلت، قل: هذا ما رأى عمر، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن خطأ فمن عمر”.


3- القول الثالث: قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه[5]:


وصح عن عبد الله بن مسعود في المفوضة[6] أنه قال: أقول فيها برأيي, فإن يكن صوابا فمن الله, وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان, والله ورسوله بريء منه.

الأمر الثالث ׃أن الإمام ابن القيم ساق أربعة أنواع من الرأي المذموم وذكر اتفاق السلف على ذمها وإخراجها من دائرة الدين، وها هي مع نوع من الاختصار:


– قال رحمه الله كما في إعلام الموقعين ج2 ص 125 و126[7]:


والرأي الباطل أنواع:
 

أحدها: الرأي المخالف للنص، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين الإسلام فساده وبطلانه…
 

النوع الثاني: هو الكلام في الدين بالخرص والظن، مع التفريط والتقصير في معرفة النصوص وفهمها واستنباط الأحكام منها…
 

النوع الثالث: الرأي المتضمن تعطيل أسماء الرب وصفاته وأفعاله بالمقاييس الباطلة التي وضعها أهل البدع والضلال من الجهمية والمعتزلة والقدرية ومن ضاهاهم، حيث استعمل أهله قياساتهم الفاسدة وآراءهم الباطلة وشبههم الداحضة في رد النصوص الصحيحة الصريحة؛ فردوا لأجلها ألفاظ النصوص التي وجدوا السبيل إلى تكذيب رواتها وتخطئتهم، ومعاني النصوص التي لم يجدوا إلى رد ألفاظها سبيلا، فقابلوا النوع الأول بالتكذيب، والنوع الثاني: بالتحريف والتأويل….
 

النوع الرابع: الرأي الذي أحدثت به البدع، وغُيِّرت به السنن، وعَمَّ به البلاء، وتربَّى عليه الصغير، وهَرِمَ فيه الكبير.


– ثم قال رحمه الله بعد ذكره لهذه الأنواع ج2 ص 127:” فهذه الأنواع الأربعة من الرأي الذي اتفق سلف الأمة وأئمتها على ذمه وإخراجه من الدين”.


– ثم ذكر رحمه الله بعد هذه الأنواع الأربعة المذمومة المتفق على ذمها, نوعا خامسا ذكر أن جمهور أهل العلم على أنه مذموم, وهذه الأنواع الخمسة التي ذكرها الإمام ابن القيم كلها تندرج تحت نوع واحد هو: الرأي الخطأ الذي جانب أصحابه الصواب، ويريد منا صاحب كتاب القرآن والسلطان أن ننسبه للإسلام، فخالف بذلك ما أجمع عليه السلف وأئمة المسلمين؛ من ذمه وإخراجه من الدين، والله المستعان.

4 – الأمر الرابع: ما أثر عن التابعين والأئمة من بعدهم: من ذم الرأي والتحذير منه، وتسميتهم له بالباطل، وتفريقهم بينه وبين السنة، حيث جعلوهما في شقين متباينين, وهاك بعض أقوالهم كما نقلها الإمام ابن القيم رحمه الله عنهم في كتابه إعلام الموقعين عن رب العالمين ج2 ص 137[8] وما بعدها[9]:


1- قال الإمام الشعبي: لعن الله أرأيت.


2- عن صالح بن مسلم قال: سألت الشعبي عن مسألة من النكاح فقال: إن أخبرتك برأيي فبل عليه.


– قالوا: فهذا قول الشعبي في رأيه, وهو من كبار التابعين, وقد لقي مائة وعشرين من الصحابة, وأخذ عن جمهورهم.


3- عن الشعبي قال: ما جاءكم به هؤلاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخذوه, وما كان من رأيهم فاطرحوه في الحش.


4- عن عمرو بن دينار قال: قيل لجابر بن زيد: إنهم يكتبون ما يسمعون منك, قال: إنا لله وإنا إليه راجعون يكتبونه وأنا أرجع عنه غدا.


5- قال سفيان بن عيينة: اجتهاد الرأي هو مشاورة أهل العلم, لا أن يقول هو برأيه.


6- عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب للناس: إنه لا رأي لأحد مع سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.


7- قال أبو بصيرة: سمعت أبا سلمة عبد الرحمان يقول للحسن البصري: بلغني أنك تفتي برأيك, فلا تفت برأيك إلا أن يكون سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


8- عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: إيَّاك ومجالسة من يقول: أرأيت، أرأيت.


9- عن مالك عن ابن شهاب قال: دعوا السنة تمضي, لا تعرضوا لها بالرأي.


10- عن أبي الأسود قال: سمعت عروة ابن الزبير يقول: ما زال أمر بني إسرائيل معتدلا حتى نشأ فيهم المولّدون، أبناء سبايا الأمم, فأخذوا فيهم بالرأي، فَأَضَلُّوهُم.


11- وذكر ابن وهب، عن ابن شهاب أنه قال وهو يذكر ما وَقَعَ فيه الناسُ من هذا الرأي وتركهم السنن، فقال: إنَّ اليهود والنصارى إنَّما انسلخوا من العلم الذي بأيديهم حين اتَّبعوا الرأي وأخذوا فيه.


12- وقال ابن وهب: حدثني ابن لهيعة أن رجلا سأل سالم بن عبد الله بن عمر عن شيء, فقال: لم أسمع في هذا شيئا, فقال له الرجل: فأخبرني أصلحك الله, فقال: لا, ثم أعاد عليه, فقال: إني أرضى برأيك, فقال سالم: إني لعلِّي إن أخبرتك برأيي ثم تذهب فأرى بعد ذلك رأيا غيره فلا أجدك.


13– وعن مالك بن أنس قال: كان ربيعة يقول لابن شهاب: إن حالي ليس يشبه حالك, أنا أقول برأيي من شاء أخذه ومن شاء تركه.


14– قيل لأيوب السختياني: مالك لا تنظر في الرأي؟. فقال أيوب: قيل للحمار ما لك لا تجتر؟. قال: أكره مضغ الباطل.


15- وكان الأوزاعي يقول: عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس, وإيَّاك وآراء الرجال وإن زخرفوا لك القول.


16- وقال أبو زرعة: حدثنا أبو مسهر قال: كان سعيد بن عبد العزيز إذا سئل لا يجيب حتى يقول: لا حول ولا قوة إلاَّ بالله, هذا الرأي والرأي يخطئُ ويصيب.


17- عن أبي حنيفة أنه قال: عِلْمُنُا هذا رَأْيٌ, وهو أحسن ما قدرنا عليه, ومن جاءنا بأحسن منه قبلناه منه.


18- عن أشهب بن عبد العزيز قال: كنت عند مالك فسئل عن البتَّة, فأخذت ألواحي لأكتب ما قال فقال لي مالك: لا تفعل فعسى في العشي أقول أنها واحدة.


19- وقال معن بن عيسى القزاز: سمعت مالكا يقول: إنما أنا بشر أخطئ وأصيب, فانظروا في قولي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به, وما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه.


– ثم قال الإمام ابن القيم بعد نقله كل هذه الآثار: فرضي الله عن أئمة الإسلام, وجزاهم عن نصيحتهم خيرا, ولقد امتثل وصيتهم وسلك سبيلهم أهل العلم والدين من أتباعهم[10].


– ثم نقل في الكتاب نفسه آثارا أخرى في ج2 ص 144 وما بعدها:


20- عن مالك أنه كان يكثر أن يقول:”إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ” سورة الجاثية من الآية 32.


21- وقال القعنبي: دخلت على مالك بن أنس في مرضه الذي مات فيه, فسلَّمتُ عليه، ثم جلست, فرأيته يبكي, فقلت له: يا أبا عبد الله ما الذي يبكيك؟ فقال لي: يا ابن قعنب وما لي لا أبكي؟ ومن أحق بالبكاء مني؟ والله لوددت أني ضربت بكل مسألة أفتيت فيها بالرأي سوطا, وقد كانت لي السعة فيما قد سبقت إليه، وليتني لم أفت بالرأي.


22- عن أحمد بن سنان قال: سمعت الشافعي يقول: مَثَلُ الذي يَنْظُر في الرأي ثم يتوب منه مثل المجنون الذي عُولج حتى بَرأ فأعقل ما يكون قد هاج به.


23- وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت أبي يقول: لا تكاد ترى أحدا نظر في الرأي إلاّ وفي قلبه دغل.


24- وقال عبد الله بن أحمد أيضا: سمعت أبي يقول: الحديث الضعيف أحب إلي من الرأي, فقال عبد الله: سألت أبي عن الرجل يكون ببلدٍ لا يجدُ فيه إلَّا صاحبَ حديثٍ لا يعرفُ صَحِيحَهُ من سقيمه وأصحابَ رأي، فتنزل بهم النازلة؟ فقال أبي: يسأل أصحابَ الحديث, ولا يسأل أصحابَ الرأي, ضعيفُ الحديثِ أقوى من الرأي.


– ثم قال بعد ذلك ص 146:
والمقصود أن السلف جميعَهم على ذم الرأي والقياسِ المخالفِ للكتاب والسنة، وأنه لا يحل العمل به لا فتيا ولا قضاء, وأن الرأي الذي لا يعلم مخالفته للكتاب والسنة ولا موافقته فغايته أن يسوغ العمل به عند الحاجة إليه، من غير إلزام ولا إنكار على من خالفه.


– ثم نقل آثارا أخرى ص 147:


25- عن عبد الله بن يحي عن أبيه أنه كان يأتي ابن وهب فيقول له: من أين؟ فيقول له: من عند ابن القاسم, فيقول له ابن وهب: اتق الله, فان أكثر هذه المسائل رأي.


26- وعن أبان بن عيسى بن دينار قال: كان أبي قد أجمع على ترك الفتيا بالرأي، وأحبَّ الفتيا بما رُوي من الحديث، فأعجلته المنية عن ذلك.


27- وقال أبو عمر: وروى الحسن بن واصل أنه قال: إنما هلك من كان قبلكم حين تشعبت بهم السبل, وحادوا عن الطريق وتركوا الآثار, وقالوا في الدين برأيهم فضلوا وأضلوا.


28- وعن مسروق أنه قال: من يرغب برأيه عن أمر الله يضل.


29- وذكر ابن جرير في كتابه « تهذيب الآثار » له عن مالك قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تم هذا الأمر واستكمل, فإنما ينبغي أن تتبع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تتبع الرأي, فإنه من اتبع الرأي جاء رجل آخر أقوى منه في الرأي فاتبعه, فأنت كلما جاء رجل غلبك اتبعته.


30- عن عبد الله بن وهب أن رجلا جاء إلى القاسم بن محمد, فسأله عن شيء, فأجابه فلما ولى الرجل دعاه فقال له: لا تقل إن القاسم زعم أن هذا هو الحق, ولكن إذا اضطررت إليه عملت به.


31- وقال أبو عمر: قال ابن وهب: قال لي مالك بن أنس وهو ينكر كثرة الجواب للمسائل: يا أبا عبد الله, ما علمته فقل به ودل عليه, وما لم تعلم فاسكت, وإيَّاك أن تتقلد للناس قلادة سوء.


32- وعن أبي عثمان سعيد بن محمد الحداد قال: سمعت سحنون بن سعيد يقول: ما أدري ما هذا الرأي! سُفِكت به الدِّماء، واستحلت به الفروج, واستُحِقَّت به الحقوق, غير أنَّا رأينا رجلا صالحا فقلدناه.


33- وقال سلمة بن شبيب: سمعت أحمد يقول: رأي الشافعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة كله عندي رأي، وهو عندي سواء, وإنما الحجة في الآثار.


34- عن محمد بن جعفر أنشدنا عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه:


دين النبي محمد آثار نعم المطية للفتى الأخبار
لا تخدعن عن الحديث وأهله فالرأي ليل والحديث نهار
ولربما جهل الفتى طرق الهدى والشمس طالعة لها أنوار


35- قال الإمام ابن القيم ولبعض أهل العلم:


العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس خلف فيه
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين النصوص وبين رأي سفيه
كلا! ولا نصب الخلاف جهالة بين الرسول وبين رأي فقيه
كلا! ولا رد النصوص تعمدا حذرا من التجسيم والتشبيه
حاشا النصوص من الذي رميت به من فرقة التعطيل والتمويه



– ويتلخص لنا من هذه الآثار السلفية التي نقلها الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله: تنفير السلف من الرأي بطرق مختلفة هي كالتالي:


1- إما بلعنه كما في الأثر الأول.


2- وإما باحتقاره، حيث ذكروا أنه حقيق بأن يبال عليه، ويلقى في الحشوش وهي الكنف ومواضع قضاء الحاجة، كما في الأثر الثاني، والثالث، فكيف ينسب إلى الإسلام والرأي الذي قيل عنه هذا هو رأي كبار التابعين.


3- وإما بذكرهم أنه قابل للتغير، وقد يترك لما هو أحسن منه، وهذا عكس الحق فلا يتغير ولا يتبدل لأنه لا أحسن منه، كما في الأثر الرابع، والثاني عشر، والسابع عشر، والثامن عشر.


4- وإما بنهيهم عن الفتيا به، وأمرهم بالفتيا بالسنة، كما في الأثر السادس، والسابع، والتاسع، ولو كان من الدين لما نهوا عن الفتيا به.


5- وإما بنهيهم عن مجالسة أهله، كما في الأثر الثامن، والخامس والعشرين، ولو كان الرأي من الدين لما نهوا عن مجالسة أهله.


6- وإما بذكرهم أنه كان سبب ضلال وهلاك الأمم السابقة، كما في الأثر العاشر، والحادي عشر، والسابع والعشرين، فكيف يكون من الدين ما كان سببا لهلاك وضلال أمم بأكملها.


7- وإما أنهم لم يلزموا أحدا بالأخذ بآرائهم مع علو قدرهم وعظيم فقههم، كما في الأثر الثالث عشر، ولو كان من الدين لرغبوا فيه غيرهم على الأقل.


8- وإما بتسميتهم له بالباطل، كما في الأثر الرابع عشر, وهل يسمى شيء من الدين باطلا؟.
9

– وإما بتحذيرهم منه ولو زخرف وزوق وزين ونمق وأمرهم بآثار السلف بدله، كما في الأثر الخامس عشر.
10

– وإما بإعلانهم أن الرأي يخطئ ويصيب لأنه قول البشر، وأمرهم بتركه إن علم أنه مخالف للكتاب والسنة، كما في الأثر السادس عشر، والتاسع عشر, فهذا أمر منهم بتركه ونبذه، فكيف بمن يتمنى أن يدرجه تحت كلمة الإسلام والله المستعان.


11– وإما بتصريحهم أنه من الظن وأن ظن لا يغني من الحق شيئا، كما في الأثر العشرين.


12- وإما ببكاء بعضهم عند موته، وتمنيه أنه ضرب بالسياط على كل الذي أفتى فيه برأيه، كما في الأثر الحادي والعشرين، فانظروا رحمكم الله الفارق الشاسع بين من يتمنى أن يضرب بالسياط على رأيه, ومن يتمنى أن يلحق الرأي بالدين وينسبه وإن كان خطأ إليه.


13- وإما بذكرهم أن التائب منه كالمجنون يفيق ويبرأ بعد شدة جنونه، كما في الأثر الثاني والعشرين، فهل يشبه بالجنون ويذكر أنه يُتَابُ منه ما كان من الدين؟.


14- وإما بإخبارهم أن كل من نظر فيه فسد قلبه، كما في الأثر الثالث والعشرين، وهل يكون من الدين ما يفسد القلب؟.


15- وإما بنصحهم بسؤال أهل الحديث وعدم استفتاء أهل الرأي، لتفضيلهم الحديث الضعيف على الرأي، كما في الأثر الرابع والعشرين.


16- وإما بعزم بعضهم على ترك الفتيا به للفتيا بالحديث مكانه، ولكن عاجلته – قبل تحقيق ذلك – المنية، فنسأل الله أن يأجره على تلك النية، كما في الأثر السادس والعشرين.


17- وإما بذكرهم عدم ثبات المتبع للرأي واضطرابه وتنقله من رأي لغيره، وما ذلك إلاَّ لتدافعها وتفاوت قوة أصحابها في عرضها وتزيينها، كما في الأثر التاسع والعشرين.


18- وإما بأمرهم به عند الضرورة لعدم جزمهم بصحته، كما في الأثر الثلاثين.


19- وإما بذكرهم أنه سبب سفك الدِّماء واستحلال الفروج واستحقاق الحقوق، كما في الأثر الثاني والثلاثين, وهل يكون من الدين ما يوقع في هذه الآثام؟.


20- وإما بذكرهم أنه ولو كان رأي كبار الأئمة فليس بحجة, فما بالك برأي من سلك الطرق المنحرفة والمعوجة، كما في الأثر الثالث والثلاثين.


21- وإما بتشبيههم له بالليل تحذيرا منه، في الحين الذي شبهوا الحديث بالنهار ترغيبا فيه وفي أهله، كما في الأثر الرابع والثلاثين.


22- وإما بإخراجهم له عن دائرة العلم، وحصرهم للعلم في الكتاب والسنة وآثار الصحابة، كما في الأثر الخامس والثلاثين. والله المستعان.


تنبيه: بقي شيء آخر يجب التنبيه إليه وهو ربما قال قائل: كل هذه الآثار التي ذكرتها هي في الرأي المذموم بمختلف أنواعه, ولكن هناك أنواع أخرى من الرأي المحمود، ولعل المؤلف الذي تنتقد عليه عبارته كان يقصد الرأي المحمود, والجواب على هذا الاعتراض من وجهين:


1- الوجه الأول: أن يقال إن المؤلف ممن عرف بآرائه الشاذة المخالفة للكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة, فآرائه على هذا تدخل ضمن الرأي المذموم, ولعله سيأتي _ إن شاء الله في مقالات أخرى _ رد ونقض العديد منها، وبيان أنها من الآراء المذمومة، انطلاقا من الكتاب والسنة وفهم سلف الأمة واستنادا على أقوال أئمة العلم الثقاة رحم الله ميتهم وحفظ الأحياء منهم.


2- الوجه الثاني: أن المؤلف نفسه قد صرح بالرأي الذي يريد ويتمنى أن يدرجه تحت كلمة الإسلام، وهو: مطلق الرأي وإن أخطأ, ولا شك أن الرأي الذي ثبت خطئه بالكتاب والسنة هو الرأي المذموم, لأن الذم إنما لحقه لمخالفته للكتاب والسنة. وهذا تصريح من المؤلف لا يدع تشكيكا لمشكك ولا تأويلا لمؤول والله المستعان.


5- الأمر الخامس: سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله كما في فتاوى أركان الإسلام ص 196.
س 111 ׃ هل يجوز أن يقول الإنسان للمفتي ما حكم الإسلام في كذا وكذا؟ أو رأي الإسلام؟.
– فأجاب رحمه الله: لا ينبغي أن يقال “ما حكم الإسلام في كذا”, أو “ما رأي الإسلام في كذا”، فإنه قد يخطئ فلا يكون ما قاله حكم الإسلام, لكن لو كان الحكم نصا صريحا فلا بأس مثل أن يقول: ما حكم الإسلام في أكل الميتة؟ فنقول: حكم الإسلام في أكل الميتة أنها حرام” اهـ.


– انظروا رحمكم الله كيف فرق العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله بين ما فيه نص صريح فينسب إلى الإسلام, وما طريقه الاستنباط والرأي فلا ينسب إلى الإسلام وعلل ذلك بأنه قد يخطئ, إذًا فما أمكن فيه الخطأ والصواب فلا ينسب إلى الإسلام والفتوى واضحة في ذلك، كما أن الآثار عن الصحابة والتابعين تؤيد هذا القول كذلك وبالله التوفيق.


وأخيرا: أنصح من أراد أن يلم بموضوع الرأي وما يتعلق به؛ أن يرجع لأول كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين للإمام ابن القيم رحمه الله، فقد ذكر فيه ما يغني الطالب المستفيد، والباحث المسترشد، والله الهادي إلى سواء السبيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.
 

 

وكتبه:
عبد الصمد سليمان
الخميس: 1 ربيع الأول 1435 ه / 02- 01- 2014م

 

 

 

 

 


[1]- التعريف بهويدي: هو: محمود فهمي عبد الرزاق هويدي. ولد في 30 أغسطس عام 1937م، بمدينة الصف محافظة الجيزة. متزوج وله 3 أبناء. حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة.
عمل رساما للكاركتير!بمجلة الإخوان المسلمين عام 1954م. سجن سنتين من عام 1954م إلى 1956م. ثم عمل محررا بقسم الأبحاث بجريدة الأهرام عام 1958م. ثم سكرتير تحرير سنة 1965م. ثم تولى ما يسمى بالصفحة الدينية بجريدة الأهرام عام 1972م بتوصية من العلماني الشهير أحمد بهاء الدين!. ثم مدير تحرير مجلة العربي الكويتية 1976 – 1982م. ثم نائب رئيس تحرير مجلة أرابيا 1982 – 1984م. ثم مساعد رئيس تحرير جريدة الأهرام 1984م. يعمل حاليا بجريدة الأهرام. ( نقلت هذا التعريف الموجز به من كتاب فهمي هويدي في الميزان ).
[2]- طبعة دار ابن الجوزي تحقيق مشهور بن حسن آل سلمان.
[3]- إعلام الموقعين ج 2 ص 101 طبعة دار ابن الجوزي تحقيق مشهور بن حسن آل سلمان.
[4]- إعلام الموقعين ج 2 ص 101 طبعة دار ابن الجوزي تحقيق مشهور بن حسن آل سلمان.
[5]- إعلام الموقعين ج 2 ص 107 طبعة دار ابن الجوزي تحقيق مشهور بن حسن آل سلمان.
[6]- التفويض في النكاح: التزويج بلا مهر.
[7]- طبعة دار ابن الجوزي تحقيق مشهور بن حسن آل سلمان.
[8]- طبعة دار ابن الجوزي تحقيق مشهور بن حسن آل سلمان.
[9]- مع التنبيه أنني قمت بحذف أسانيد الآثار التي ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله طلبا للاختصار وحتى لا يشق ذلك على القارئ.
[10]- وقطعا ليس منهم فهمي هويدي ومن على شاكلته ممن يُعَظِّمُ الرأي ويترك لأجله السنن والآثار والله المستعان.