فوائد حسان في حديث من أحاديث الفتن

المؤلف: الشيخ أ.د عبد المجيد جمعة حفظه الله
الملف الصَّوتي تحميل
تحميل

وفـي الحديث فوائد منها : أنه كما قلت سابقاً، عَلَم من أعلام نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه صلى الله عليه وسلم أخبر بوقوع الفتن وقد وقعت كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، كما سيأتي بيانه بعد قليل إن شاء الله تعالى.
- وفيه أن الناس تتفاوت أقدامهم ومراتبهم في هذه الفتن، فليسوا على درجة واحدة في الإثم والجرم، بل تتفاوت مراتبهم بحسب مشاركتهم في هذه الفتن، فليس كما قلت سابقاً القاعد كالقائم وليس القائم كالماشي وليس الماشي كالساعي في الفتن، والمقصود أن المرء لا يكون أحداً من هذه الأصناف، فلا تكن قاعداً ولا قائماً ولا ماشياً ولا ساعياً، ولا تكن مضطجعاً وأنت يقضان، فأقل المراتب أن تكون نائماً وهذا أقلهم جرماً وإثماً، لأن هولاء كلهم راضون بهذه الفتن وكل شارك فيها بِحَسَبِ حاله، والناجي هو الذي يعتزل هذه الفتن إينعم.
- وفيه أيضا أن من سعى في الفتن فهو كمن وقع فيها، ألم ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أشرك القاعد في الفتنة والقائم أشركه في الإثم، لِمَا ؟ لأن هذا القاعد قد رضي بها وإن لم يشارك بسيفه وسلاحه ولم يشارك بجسمه، فإنه رَضِيَ بها فمن رَضِيَ بالمنكر فهو مُنكر وهو آثم فهذا مُنكر وهو آثم.
- وفيه أيضا دلالة على أن الثَّواب والعقاب على قدر الأعمال، فالناس يجازون ثواباً أو عقاباً على قدر أعمالهم، فالذين أوغلوا في الفتن أيضاً يجازون على قدر أعمالهم، فليس كما قلت القاعد كالقائم، ففي الحديث دلالة على أن العقوبة أو الثواب تتفاوت بِحَسَبِ أعمال الناس.
- وفيه الحث على إعتزال الفتن والتقليل من شرها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال (القاعد خير من القائم) لأن القاعد قَلَّلَ من الفتنة بالمقارنة مع القائم والقائم قَلَّلَ من الفتنة بالمقارنة مع الماشي والماشي قَلَّلَ من الفتنة بالمقارنة مع الساعي والساعي قَلَّلَ من الفتنة بالمقارنة مع من شارك فيها بسلاحه وبسيفه وبجسمه، فهذا يدل على ماذا؟ يدل على وجوب إعتزال الفتن والتحذير منها.
- وفيه بيان عظم الفتن وخطورتها وشدتها، لأنه من إستشرف إليها تخطفه، فهذا يدل على عِظَمِها وعلى شِدَّتِها، ولهذا حَذَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الفتن بل إستيقظ ذات يوم وقال (ويل العرب من شر قد إقترب) "ويل العرب من شر قد إقترب"، وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من هذه الفتن في دُبر صلواته عليه الصلاة والسلام ويقول (أعوذ بالله) إذا أتم التشهد الأخير وقبل أن يسلم يقول (أعوذ بالله من جهنم ومن فتنة القبر ومن [فتنة المحيا والممات] ومن فتنة المسيح الدجال) فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الفتن وأمر أمته أن تتعوذ من الفتن.
- وفيه أيضا دليل على من قال إنه لا يجب المشاركة في الفتن وإن ظهر الحق مع إحدى الطائفتين: كما وقع في الصفين وهذا هو الصحيح فإن الذين إعتزلوا الفتنة في الصفين كانوا هم أقرب إلى الصواب، كأبي بكرة كما سيأتي حديثه بعد هذا وابن عمر وغيرهما من الصحابة ونبينا صلى الله عليه وسلم أثنى على الحسن لأنه أصلح بين الطائفتين أصلح بين الطائفتين وقال (لعل إبني هذا يصلح على يديه الطائفتين) وسمي ذلك اليوم بيوم الجماعة، والمقصود هو أن إعتزال الفتن مطلقًا هو الأصْوَب والأرجح.
- وفيه أيضا شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ومدى نُصْحه لها، فما من شيء يُقَرِّبُها إلى الله
عزَّ وجل وما من خير يعلمه لهذه الأمة إلا دل عليه، وما من شيء يبعدها عن الله إلا حذرها منه، فأخبر أمته وحذرها من هذه الفتن، فدل هذا على كمال شفقته صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأمته ولا شك أن المرء إذا وقف على مثل هذه الأحاديث ومدى نُصح النبي صلى الله عليه وسلم لأمته فيزداد له حُباً وإحتراماً ويكون أشد الناس له إتباعاً وإحياءً لسُنَّتِه صلى الله عليه وعلى آله وسلم إينعم.