الفرقُ بين الشح و البخل وحدُّ السخاء

المؤلف: الشيخ العلامة عبد العزيز ابن باز رحمه الله
الملف الصَّوتي تحميل
تحميل

بيان صفة البخيل والسَّخي، وما جاء في هذا من الآثار كلها تدل على شرعية الجود والكرم والإحسان والبذل والإنفاق في سبيل الله، وعدم الشح والبخل، وأنَّ السَّخي قريبٌ من الله، وقريبٌ من عباده، ومن أهله، ومن الجنة، والبخيل بعيدٌ من الله، ومن أهله، ومن الناس، ومن الجنة.
فالذي ينبغي للمؤمن العناية بهذا الأمر، وأن يُجهز نفسه حتى يُؤدي حقَّ الله وحقَّ عباده، وحتى لا يبخل بما أوجب الله عليه، فالسَّخاء هو: بذل المال في محلّه، وفي جهاته المناسبة، وفي أوقاته المناسبة، هذا هو السَّخاء، أما قول بعضهم: "الجود بذل الموجود" فهذا غلط؛ لأنَّ بذل الموجود يدخل فيه الإسراف والتبذير، وهذا لا يصح، لكن السَّخاء والجود هو: أن يبذل المال في محلِّه: للضيف، للفقير، يُنفق على مَن يستحقّ النفقة، يُنفق في المشاريع الخيرية، يطلب ما عند الله، فهو يبذل المال في المحل المناسب، ولا يُبَذِّر ولا يُسْرِف.
وقد مثَّل النبيُّ ﷺ السَّخي والبخيل برجلين عليهما جبتان أو جُنتان من حديد، فالبخيل جبته ضيقة، قد أمسكت يديه إلى عنقه، كلَّما أراد أن يُخرج يده لم يستطع من شدَّة ما في قلبه من الشحّ والبخل وحب المال، وكأنَّه ممسوكٌ، وكأنَّ عليه أربطة تربطه؛ لضيق نفسه، وحرجه، وعدم انبساطه للبذل، أمَّا السخي: فجبته تتسع، كلما أراد اتسعت، فهذه إشارة إلى ما في قلبه من الخير، كلَّما أراد أن يُنفق انشرح صدره، واتسع قلبه، وفرح بالنفقة، فهو يُوسعها فتتسع، حتى ينشرح لها صدره، وحتى تُعفي أثرَه، وتُغطِّي أقدامه؛ لما في قلبه من الرخاء والمحبة للنفقة والأُنس بها.
فينبغي للمؤمن أن يُعوِّد نفسَه السخاء والجود والإحسان في محله، وأن يحفظ المالَ عن الإسراف والتبذير، فيكون جوادًا بالمال في محل البذل: في الصدقة على الفقراء، في مشاريع الخير، إلى غير هذا من وجوه الخير، ولكن يحفظه عن التبذير، وعن الإسراف والبذل فيما لا يصح، والله يقول: وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِه [محمد:38] مضرة عليه.
فالشَّحيح هو الحريص على المال بكل طريقٍ، من حرامٍ وحلالٍ، وإذا أمسكه بخل به، يُقال له: شحيح، حريص على المال، بخيل في إخراجه وتصريفه، فالبخل نتيجة الشح، فهو شحيح قبل وجود المال، حريص على كسب المال بكل طريقٍ من حلالٍ وحرامٍ، ومتى وُجِدَ المالُ بَخِلَ به ولم يُنفقه، قال تعالى: وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الحشر:9]، فمَن وقاه الله شحَّ نفسه فأنفق المال وأخذه من وجهه فقد أفلح.
وكان عبدالرحمن بن عوف يطوف بالبيت ويقول في طوافه: "اللهم قني شحَّ نفسي، اللهم قني شحَّ نفسي"، فقال له بعضُ الناس: ألا تدعو بغير هذا؟ قال: "إذا وقاني الله شحَّ نفسي فقد أفلحتُ"، فهذا دعاءٌ مهمٌّ، اللهم قني شحَّ نفسي.
وفَّق الله الجميع.