<بسملة1>
صَرْعُ الطعَّانِ العيَّابِ وكَسْرُ قَلَمِه وإزالةُ الغِشاوة عن البَقِيَّةِ المنخَدِعَةِ به
صَرْعُ الطعَّانِ العيَّابِ وكَسْرُ قَلَمِه وإزالةُ الغِشاوة عن البَقِيَّةِ المنخَدِعَةِ به
ردٌّ على مقالِ حمودةَ: "ترهاتُ محمد كربوز
"-الحلقة الأولى-
كتبه:مُحِبُّ الصِّدقِ وذَامُّ المُراوغَةِ
تجد في هذا المقال: تأكيدا لهوى حمودةَ وتَمَيُّعِه، وجهله وتعالُمِه وتَطاوُلِه، وسوءِ أَدَبِه وتربيتِه، وتجد فيه نُقولاتٍ لفوائدَ عقديَّةٍ ومَنهجيَّةٍ وعِلميَّةٍ، وبعضَ الحقائق المَخفِيَّة.
الحمدُ للهِ مُقَدِّرِ الأحداث، المخرِجةِ ما في القلوب من المكنوناتِ، والمظهرةِ لمستوى كُلِّ أحدٍ، في العلمِ، والأدبِ، والتَّربيةِ، والصلاة والسلام على النبي الخاتم، مُتَمِّمِ الأخلاقِ والأدبِ، أما بعدُ فإنَّ من المقولات الشهيرة الكثيرة التداول بين النَّاس في هذه الأحداث: "الصُّراخ على قدر الألم"، ولقد أوجع حمودةَ مقالان فاضحان لهواه وتعالمه، "البيان الفاضح لجهل وتعالم صاحب البيان الواضح"، و"المقال الفاضح لهوى حمودة وانتصاره لنفسه في دندنته على تحقيق كتب أهل البدع، وفي بيانه الواضح"، فذهب يُشَوِّه صورةَ من اعتقد أنَّه صاحبُ المقاليْن وحسابِ "محبُّ الصِّدق وذامُّ المراوغة"، الأخِ محمد كربوز ‑سدّده الله‑ ليَصرف القُرَّاءَ عن مضمونِ المقالَيْن، وعن الحقائق والأدلة المضَمَّنّة في تغريداتي جَرْيًا على طريقة الحزبيين في ردِّ الحقِّ وإحقاقِ الباطل، وسأحاول قَدْرَ المستطاع الاختصارَ في الردِّ عليه، مُعْرضًا عن سِبابه وشَتَائِمِه، لأنَّ الأصل تهميشُ القوم، وهذا استثناء.
قال حمودة: "المسألة الأولى: تشبيه كربوز لفعل الصَّحابيِّ البَدْرِيِّ حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه بوثيقة محمد الإمام مع الحَوَثَة، وحكمه على فعلِ حاطبٍ بأنَّه مُحتَمِلٌ للكفر!
قال في تغريداتٍ له: "ما أفقه الشيخ محمد بن هادي، وما أجهل الصعافقة، فقياس فعل الإمام على فعل الصحابي البدري حاطب رضي الله عنه الذي أعان المشركين على المسلمين بإخبارهم بأن النبي يريد غزوهم، يدل على أمور:
1/أن الشيخ محمد بن هادي يرى أن فعل الإمام ضلال عن سواء السبيل (الآية 1من الممتحنة).
2/ويدل على أن فعل محمد الإمام محتمل للكفر، كما أن فعل حاطب رضي الله عنه، احتمل ذلك، ولهذا سأله النبي صلى الله عليه وسلم عن قصده: ((ما حملك على هذا؟))، فبين حاطب أنه أراد حماية أهله بمكة، لا ظهور الشرك على الإسلام، فعذره النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك عذر الشيخ محمد بن هادي الإمام لأنه ظهر له في البداية أنه مضطر يريد حماية المركز وأهله، خاصة الأجانب منهم، خاصة النساء منهم، ودَفْعُ الكفر عن المسلم مع وجود الشبهة أو التأويل أو الإكراه مسلك شرعي.
3/على فرض خطأ الشيخ فهو عالم يدور بين الأجر والأجرين، يرد خطؤه، وتحفظ كرامته، بخلاف الصعافقة الطاعنين فيه، فليس لهم إلا الوزر".
التعليق:
التغريداتُ ليس فيها إنشاءُ تَشبيه وقياسٍ، وإنَّما فيها دفاع عن العلامة محمد بن هادي بتوجيهِ تشبيهه وقياسه فعلَ محمد الإمام، على فعلِ الصحابي الجليل حاطبٍ رضي الله عنه، فقد نَقَل بعضُ مؤيِّدي صعافِقَةِ المدينةِ من أهلِ اليَمَنِ، عن الشيخ العلَّامة محمد بن هادي، بُغْيَةَ الطعن فيه، أنه قال([1]): "ولا تَنسَوْا أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد عَذَرَ حاطبَ بن أبي بلتعة، ودافع عنه" ثم قالوا: "فقلنا يا شيخ إن حاطبا رضي الله عنه لم يأت مكفرا، وأمَّا محمدا الإمام فقد وَقع على وثيقةِ الكفر."
ثمَّ قال حمودة: "أقول: قوله: "فعل الصحابي البدري حاطب الَّذي أعان المشركين على المسلمين بإخبارهم بأن النبي يريد غزوهم" غير سديد ولا صحيح، لأنًّ حاطبًا رضي الله عنه بيَّن للنَّبيِّ أنَّه كان يثق في نصر الله له، وأنَّ إرسالَه الخبر إلى المشركين لن ينفعهم، ولن يكون عونًا لهم على رسول الله ، بل هو مصلحةٌ له يحمي بها أهله وماله في مكَّة، ولا ضرر فيها على النَّبيِّ وأصحابِه، ففي مسند الإمام أحمد (14774) ومسند أبي يعلى (2265) بإسناد صحيح أنَّه قال : ((أمَا إنِّي لم أفعله غِشًّا لرسول الله ‑وقال يونس: غشًّا يا رسول الله‑ ولا نفاقًا، قد علمت أنَّ الله مظهرٌ رسولَه، ومتمٌّ له أمرَه)).
وأخرج الهيثم بن كليب والبزار والحاكم وغيرهم هذا الحديث من رواية عمر رضي الله عنه وفيه أن حاطبًا قال: ((أما والله إني لناصح لله ورسوله، ولكن كنت غريبًا في أهل مكة وكان أهلي بين ظهرانيهم فخفت عليهم فكتبت كتابا لا يضر الله ورسوله شيئا، وعسى أن تكون فيه منفعة لأهلي))، قال الحافظ ابن كثير في مسند الفاروق (2/303): "هذا إسنادٌ جيِّد، اختاره الضياء في كتابه".
فقد تبيَّن بهذا أنَّه لَم يُعِنْ المشركين على المسلمين، ولم يقصد ذلك رضي الله عنه، ومن هنا كان محمل فعلِه عند العلماء على الموالاة من أجل غرضٍ دُنيويٍّ، وهي ذنبٌ من الذُّنوب كما بيَّنه شيخ الإسلام ابن تيميَّة في فتاويه (7/522-523)، وغيرُه من أهل العلم."
التعليق:
أقول: تأمّل أخي القارئ جزمَه بالحكم بنفي ثبوت إعانة حاطب رضي الله عنه للمشركين، في قوله: "أقول: قوله: "فعل الصحابي البدري حاطب الَّذي أعان المشركين على المسلمين بإخبارهم بأن النبي يريد غزوهم" غيرُ سديد ولا صحيح" ثمَّ علَّل هذا الحكمَ بتعليلٍ لا أثر له في الحُكمِ، ثمَّ أكَّد جزمَه بالحكم بِنَفي ثبوت الإعانة فقال: "فقد تبيَّن بهذا أنَّه لَم يُعِنْ المشركين على المسلمين، ولم يقصد ذلك رضي الله عنه"
ثمَّ بعد ذكره للفروق بين فعل محمد الإمام وفعل الصحابيِّ الجليل حاطبٍ رضي الله عنه، انتقل حمودة إلى تَخطئة ثانية، وتَشنيعٍ ثانٍ، على إثباتي احتمالَ فعلِ حاطبٍ رضي الله عنه الكفرَ، فقال: "قد استنكرت تساهلَ كربوز في إطلاق القول أنَّ فعل حاطبٍ يحتمل الكفر! فلم أُحِبَّ له هذا، ولم أُرِدْ في المقابل أن أُشنِّع عليه فيه، ثمَّ وقفتُ على كلمةٍ بديعة، وأدبٍ عالٍ من الإمام الشَّافعي رحمه الله، أسوقها إليه لعلَّه أن يتأدَّب بأدبه، ويتعلَّم استعمال ما ينبغي من الاحتياط مع أصحاب النَّبيِّ ، قال الشَّافعي رحمه الله في كتاب الأم (4/264) بعد أن روى قصَّة حاطب: "في هذا الحديث مع ما وصفنا لك: طرحُ الحكم باستعمال الظُّنون، لأنَّه لَمَّا كان الكتابُ يحتمل أن يكون ما قال حاطب كما قال من أنَّه لم يفعله شاكًّا في الإسلام، وأنَّه فَعَلَه ليمنع أهله، ويحتمل أن يكون زلَّة لا رغبةً عن الإسلام، واحتمل المعنى الأقبح، كان القولُ قولَه فيما احتمل فِعْلُه"، فانظر إلى قوله: "واحتمل المعنى الأقبح"، كيف جمع فيه بين البيان المطلوب، مع الأدب المرغوب."
التعليق:
عجيبٌ أمرُ حمودةَ، يجعل عنوانا يُنكر فيه القولَ باحتمال فعل حاطب رضي الله عنه للكفر، ثمَّ يقول بعد أسطر: "ولم أُرِد أن أشنِّع عليه"، ثمَّ يَنقُض نفسَه، فيذكر كلاما للإمام الشافعي يُثبتُ هذا الاحتمال!!، ثمَّ يشنّع بالاتِّهام بالتعصُّب!!
يحصُل منه هذا الاضطرابُ، مع مخالفتِه الصَّريحة للعلماء في الحُكْمِ بأنَّ حاطبا رضي الله عنه أعان المشركين على المسلمين، وفي الحكم باحتمال ذلك الفعلِ الكُفرَ، فهاك أخي القارئ كلاما نفيسا للعلامة صالح آل الشيخ حفظه الله في شرح ناقض الإسلام "مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين".
قال حفظه الله: "أمَّا مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين، هذا من نواقض الإسلام، كما هو مقرَّر في كتب فقه الحنابلة، وذكره العلماء، ومنهم: شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في النواقض العشر، الناقض الثاني.
وهذا الناقض مبني على أمرين:
الأول: المظاهرة.
والثاني: الإعانة.
قال: "مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين".
والمظاهرة: أن يتخذ، أو أن يجعل طائفةٌ من المسلمين أنفسهم ظَهرًا للكافرين، يَحمونهم فيما لو أراد طائفةٌ من المؤمنين أن يقعوا فيهم، يَحمونهم، ويَنصرونهم، ويَحمون ظهورَهم وبَيضتَهم، هذه مظاهرة، بمعنى أنَّه صار ظهرا لهم.
قولُ الشيخ رحمه الله: "مظاهرة المشركين وإعانتهم على المسلمين" مُركَّبةٌ من أمرين:
المظاهرة، بأن يكون ظهرا لهم، بأيِّ عمل، أي يكون ظهرا يَدفع عنهم، ويقف معهم، ويَضرب المسلمين لأجل حماية هؤلاء.
وأما الثاني: فإعانةُ المشرك على المسلم، فضابطُها أن يُعين قاصدا ظهورَ الكفر على الإسلام؛ لأنَّ مُطلق الإعانة غيرُ مُكَفِّرٍ؛ لأنَّ حاطبا رضي الله عنه حصل منه إعانة لهم، إعانةٌ للمشركين على الرسول صلى الله عليه وسلم بنوعٍ مِن العمل، والإعانةُ بكتابة سرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسيرِ إليهم، لكنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم استفصل منه، فدلَّ على أنَّ الإعانةَ تحتاج إلى استفصال، والله جل وعلا قال في مطلق العمل هذا: {وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} [سورة الممتحنة:1] ، لكن ليس بمُكفِّرٍ إلا بقصد، فلمَّا أجاب حاطبٌ بأنَّه لم يكن قصدُه ظهورَ الكفر على الإسلام، قال: ((يا رسول الله ما فعلت هذا رغبةً في الكفر بعد الإسلام، ولكن ما مِن أحد من أصحابك إلا له يدٌ يدفع بها عن أهله وماله، وليس لي يدٌ في مكة، فأردت أن يكون لي بذلك يدٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم))، وحاطبٌ فَعَل أمرين:
الأمر الأول: ما استُفصل فيه، وهي مسألة: هل فَعَلُه قاصدا ظهورَ الكفر على الإسلام، ومحبَّةً للكفر على الإسلام؟
لو فعل ذلك لكان مُكَفِّرا، ولم يَكن حُضُورُه لأهل بدر غافرًا لذنبه، لأنَّه يكون خارجا عن أمر الدين.
الأمر الثاني: أنَّه حصل منه نوعُ إعانة لهم، وهذا الفعلُ فيه ضلالٌ وذنبٌ، والله جل وعلا قال: {تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِٱلۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ ٱلۡحَقِّ} [سورة الممتحنة:1] إلى قوله: {وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ ٱلسَّبِيلِ} إلى قوله: {لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ ٱللَّهَ وَٱلۡيَوۡمَ ٱلۡأٓخِرَۚ} [سورة الممتحنة:6] أي في إبراهيم ومن معه.
وهذا يدلُّ على أنَّ الاستفصال في هذه المسألة ظاهر، فالإعانة فيها استفصال، وأمَّا المظاهرة بأن يكون ظَهرا لهم، ويدفع عنهم، ويَدرأ عنهم ما يأتيهم، ويَدخل معهم ضدَّ المسلمين في حالِ حربهم لهم، هذا من نواقض الإسلام التي بيَّنها أهلُ العلم." (شرح مسائل الجاهلية، نقلا من كتاب: "فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة، وتبرئة دعوة وأتباع محمد بن عبد الوهاب من تهمة التطرف والإرهاب" (257/259))
وبعد هذا النقل النَّفيس في هذه المسألة العقدية العلمية، يتبيًّن مَن المصيبُ؟ مُثبتُ الإعانةِ والاحتمال، أو نافيهما؟ ويتبيَّنُ للقارئ مبلغُ علمِ حمودةَ في هذه المسائل العقديَّة.
قال حمودةُ: "المسألة الثانية تأييد فتوى جمعة في إحراق كُتبٍ تدافع عن الصَّحابة أيَّد كربوز فتوى جمعة بإحراق كتب الَّذين يخالفونه بما فيها كتبهم في الردِّ على الشِّيعة والدِّفاع عن الصّحابة، ودافع عمَّن طبق هذه الفتوى المجرمة، بل نسب هذه الحدادية الواضحة إلى الشيخ ربيع والشيخ عبيد، إذ قال تعليقًا على تغريدةٍ للشَّيخ عبد الرحمن الدَّاموسي يُنكِر فيها على جمعة فتياه: "الحمد لله الذي وفقنا وشيوخنا لإنتهاج منهج إمامنا ربيع السنة ‑بارك الله في أنفاسه‑، وريحانة اليمن مقبل الوادعي رحمه الله خلافا للجهلة بالمقاصد والقياس والعلل". ثمَّ وضع رابطًا لـ«شبكة سحاب» في حكم الاستفادة من كتب من كان على الجادة ثم انحرف https://www.sahab.net/forums/index.php?app.
وقال كربوز في تغريدة أخرى: "إن كلام الله أشرف مما كتبه الهابط، وقد حرقه عثمان رضي الله عنه لدفع المفسدة، فيقاس عليه حرق ما هو دونه شرفا لدفع المفسدة، ومن أكبر المفاسد تعلق قلوب الشباب بالمتطاولين المتعالمين الفتانين، وقد أغنانا الله بكتب أئمة المسلمين". وقال أيضًا: "عفوا إنك مخطئ، إنما هو إحراق لكتب صاحب هوى، متطاول على أسياده العلماء، قد أصابه التميع بالثناء على متبرجة ثارت على المبادئ والعادات والتقاليد، وداعية للتحرر وتسيب النساء، والاختلاط، المثنية على طه حسين، إلى غير ذلك من الطامات، فهل هذا يشهر بكتبه؟!"
فأقول: قد حكم الشيخ عبيد الجابري بأن هذا الفعل حدادية، فهنيئا لك!! وحسبي هنا أن أُوَثِّقَ تأييدك لهذه الفتوى الَّتي سمعتَ صاحبها يحلف للشَّيخ ربيع بالذي رفع السماوات والأرض! أنَّه لم يُفْتِ بها، ثمَّ بَقِيت مُصِرًّا على تأييده فيها."
التعليق:
سئل الإمامُ ربيع بن هادي المدخلي ‑حفظه الله تعالى وبارك في عمره‑: "بعض من تُكُلِّم فيه، كانت له كتب، يعني بعض الناس يسأل: هل يُنْتَفَعُ بها؟ كتبها من قبل أن يتكلَّموا فيه، ومن قبل أن يظهرَ انحرافُه عن المنهج السلفي؟ هل يُنْتَفَعُ بكتبه القديمة أم لا؟"
فأجاب ‑حفظه الله‑: "بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، أما بعد، فإجابة عن هذا السؤال أقول: "إنْ كان هذا الذي ذكرتم، له كتبٌ على منهج السلف الصالح عقيدةً ودعوةً ومنهجًا، وليس فيها شوائب، ثم انحرف، فنَنظر إلى انحرافه، إن كان زلَّةً من زلات بعض العلماء، أو من زلات العلماء الذين يُرجى لهم التوبة والرجوع عن الباطل، فهذا تُغتَفَر زلَّتُه، ويُرجى له الخير، ويتأنَّى به. وإن كان انتشر شرُّه واستفحل وعاند واستكبر وأبى أن يعود إلى الصواب، فهذا من عقوباته ألا يُقبَل منه الحقُّ، كما قال بعض السلف: "من عقوبة أهل البدع أن لا يُقبَل منهم الصدق."
ونحن في غنًى عن هؤلاء بكتاب الله وبسُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالتراث الواسع العظيم الذي خَلَّفَه أسلافُنا في كل المجالات في العقيدة والمنهج والأخلاق والحلال والحرام وما شاكل ذلك.
الناس يتسرَّعون ويتهافتون إلى الجديد، وقد يكون هذا الجديدُ، قد ينطوي على البلايا والمنايا.
فعليكم أولاً في الدرجة الأولى بكتاب الله وسُنَّة رسوله عليه الصلاة والسلام، فيهما الهدى، وفيهما النور، وفيهما الكفاية والغنى، ثم بآثار السلف التي تدور حول هذين المحوَرَيْن، حول كتاب الله وسنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتثبيت الناس على مضامين كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم في العقائد والمناهج وهي كثيرة وكثيرة جدًّا.
فعليكم أن تستقوا العلوم منها ولله الحمد؛ لأنه يُخشَى على الطالب أن يُغتَال من قبل هؤلاء الذين تظاهروا بالمنهج السلفي ثم أظهر الله حقيقتهم وكشف نيَّاتهم.
هذا حصل في هذا العصر، كثيرٌ مِن هذا، كان ناسٌ، ظاهرُهم على المنهج السَّلفي، ثم جاءت الليالي والأيام والأحداث، فإذا بهم يَنكشفون، لا ندري ‑الله أعلم‑ هل أنَّهم كانوا على حقٍّ وقناعة بالمنهج السلفي، أو كانوا مُتستِّرين فالله أعلم بحقيقة حالهم، هؤلاء أرى أن يُستغنَى عنهم، ولا يُؤسف عليهم وعلى ما قدَّموا، وعندنا ما يغني ويكفي ولله الحمد، والله سبحانه وتعالى أسأله أن يثبتنا وإياكم على الحقِّ، وأن يُجنِّبنا وإياكم الفتن، ما ظهر منها وما بطن، إنَّ ربَّنا لسميعُ الدعاء وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم».[المصدر: اللباب من مجموع نصائح الشيخ ربيع للشباب، ص:381].
وسُئل الشيخ العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله: "الذين كانوا يُعتبرون على المنهج الصحيح، ثم زاغوا عنه، هل يجوز لنا الاستماعُ إلى أشرطتهم أو قراءة كتبهم المؤلَّفة قديماً، وكذا محاضراتهم؟
فأجاب رحمه الله بقوله: "أنا لا أنصح بقراءة كتبهم ولا سماع أشرطتهم، وتعجبني كلمةٌ عظيمةٌ لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول فيها: لو أنَّ الله ما أوجد البخاريَّ ومسلماً ما ضَيَّع دينه.
فالله سبحانه وتعالى قد حفظ الدين، يقول الله تعالى: {إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ ٩} [سورة الحجر:9]، فأنصح بالبعد عن كتبهم وأشرطتهم وحضور محاضراتهم."[المصدر: تحفة المجيب، ص: 209]
فها هُما إمامان كَبِيرَان من أئمَّة الجرح والتَّعديل المعاصرين، وأحدُهما حاملُ لوائِه، يَحكمان على من انحرف، فانتشر شرُّه واستفحل، وعاند واستكبر، وأبى أن يعود إلى الصواب، بأنَّه لا يُقرأ له، ولا يُسمع له، حتَّى ما كان فيه على الجادة، وهذا الذي يعتقده مشايخُنا، ونَعتقده فيكم، أنَّكم انحرفتم، واستفحل شرُّكم، وعاندتم، بل نعتقد أنَّ علماءَنا ربيعَ السنة وعُبيدا، لو اطَّلعوا على ما اطَّلع عليه مشايخُنا، لبادروا إلى تجريحكم والتَّحذير منكم، والحداديةُ هي التحذيرُ ممَّن هو على الجادة، لا ممَّن انحرف وعاند.
قال حمودةُ: "المسألة الثَّالثة تحقيق جمعة لكتب الصُّوفية والقبوريِّين
لَمَّا كتبتُ "البيان الواضح لما في تحقيق جمعة لكتاب عليش من الخزايا والقبائح" جُنَّ الكربوز، وجعل يضرب أخماس في أسداس للردِّ عليَّ، وكتب في ذلك مقالَيْن، أحدهما بعنوان: "البيان الفاضح لجهل وتعالم صاحب البيان الواضح"، نشره في المطَّة، والآخر بعنوان: "المقال الفاضح لهوى حمودة وانتصاره لنفسه"، نشَرَهُ في حسابه المستعار بصيغة (بي دي أف)، ويرجع انتقاده إلى أمرين:
الأوَّل: أنَّ ما أصبتُ فيه انطلقتُ فيه من هوًى، قال: "ويكفي في هذا قولُ الفقيه سليمان الرحيلي"، يعني كلامه حين سُئِل عن الرُّدود على جمعة فاستنكرها وقال: "كُتُب الشيخ عبد المجيد موجودة من سنين، اليوم اطَّلعتم على أخطاء فيها؟! إنَّما هو الهوى".
الثَّاني: أنِّي قد وقَعْتُ فيما هو أشدُّ ممَّا انتقدته على جمعة، وهو الثَّناء على عددٍ من محقِّقي كتب المعتزلة والأشاعرة والصُّوفية، أتى به من مقالي "الكُليَّات المُرشِدة"
وجوابي عن الأوَّل من وجوه:
الأوَّل: أنَّ (الفقيه) الرحيلي يُحتجُّ له ولا يُحتَجُّ به، فقولك: "يكفي في هذا قولُه" قولٌ باطلٌ، إلَّا إن أقمت الدَّليل على أن قولَهُ حجَّة بنفسه فتكون ساوَيتَه بالرسول.
الثَّاني: أنَّ (الفقيه) سليمان الرحيلي اعتذر من الشَّيخ رضا لمَّا علم أنه هو الرادُّ على جمعة، وأقسم له عندما زاره مع عددٍ من المشايخ أنَّه لم يكن يعلَمُ أنه رَدَّ عَليه، وقال: ظننتُ أنَّ الذي ردَّ هم بعضُ الصِّغار!! فالفقيه إذًا يُفَرِّق بين ردِّ الصَّغير فهو هوى، وردِّ غير الصَّغير فليس كذلك، وهذا يهدم قولَه من أصلِه.
الثَّالث: أنَّ كلام (الفقيه) سليمان مخالفٌ للأدلة، ولِعَمل العلماء في القديم والحديث، وأكتفي بكلام كربوز نفسه، حيث قال في تعليق له: "اربع على نفسك، فما تزداد بإسهالك إلا كشفا لجهلك، فإن من صلح واستقام وحسن حاله، تجوز عن ماضيه، ومن انحرف وعاند واعوج، أخذ بحاله وماضيه، وهذا جواب لكثير من الجهلة الذين انتقدوا إمامنا الربيع وغيره على ذكر هنات وزلات لبعض المردود عليهم، وقعت منهم وقت حسن ماضيه، أو وقت إحسان الظن به".، فقد وصف كربوز من يقول بقول (الفقيه) سليمان بأنَّه من الجهلة، وأقَرَّ بأنَّ الشيخَ ربيعًا وغيرَه فعلوا هذا، واحتجَّ لهم بالحجَّة الَّتي ذَكَرَ، ثمَّ لَمَّا تعلَّق الأمر بمن يتعصَّب له قلَب هذا كلَّه وتنكَّر لَهُ، وجعله دليلًا على اتِّباع الهَوَى!!.
الرَّابع: سلَّمنا أنَّه عن هوى، لكن كونه عن هوى لا يجعله باطلًا مردودًا، فصاحبُ الهوى إذا قال حقًّا وردَّ باطلًا وجبَ قبول قوله، ولا يُردُّ بسبب كونه صاحبَ هوى، فقولك: "ما أصاب فيه يكفي أنه هوى"، قولٌ مخالف لإجماع المسلمين وعمَلِهم، وليس هو إلا ذريعةً مختلقَةً للتَّهرُّب من الجواب.
والجواب عن الأمر الثَّاني من وجوه أيضًا:
الأوَّل: نفرض أنَّ ما كتَبتُه دليلٌ على أنِّي صاحب هوى، وأنَّ ما فعلتُه غير جائز، فما قولك فيما فعلَه جمعة؟ ما قولك وأنت تستخرج ما تزعمه طعونًا من ردِّي على تحقيقيه لعليش وتترك تلك البوائق الَّتي مرت عليك، تستنكر على المشايخ ثناءَهم على فلان وفلان، فأين ثناؤهم عليه من قول جمعة في عليش والشرنبلالي وأمثالهما؟!
الثَّاني: أن الَّذي عاب على جمعة تحقيقَه لكتب أهل البدع هو الشَّيخ ربيع وليس حمودة! فإن كنت شجاعًا فانتقد الشَّيخَ ربيعًا كما فعل جماعتك من وراء السِّتر، ففضحهم الله شرَّ فضيحة!
الثَّالث: أنَّ الذي قلته ـ ولا أزال عليه ـ هو بيان جودة تحقيق هؤلاء المُسَمَّيْن، بحسب فهمي وما بلَغَته معرفتي، فهؤلاء محقِّقون بارعون مُجِيدون، ولو حقَّقوا كُتَبَ أصحاب بدع وضلالٍ، فأنا لم أُثْنِ على واحد منهم في شخصه ومنهجه وعقيدته، ولم أمدَحْ الكُتب الَّتي حقَّقوها، وأنت تجد العلماء يثنون على تحقيقات المستشرقين وهم كفَّار، فالوصف والإشادة تعلَّق بعمَلِهم الَّذي أتقنوه، وهذا مثلُ ما نقول إن عمرو بنَ وُدٍّ كان شجاعًا فاتكًا ماهرًا في القتال، مع أنه كان يقاتل المسلمين ويقتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالثناء لم يقع على ما فعله، وإنما على شجاعته وإقدامه، وهذا الَّذي وقع منِّي ومن العلماء الَّذين أثنَوا على تحقيقات المستشرقين الكَفَرَة، فأنا أقول: هؤلاء محقِّقون أحسنوا وأجادوا التَّحقيقَ فيما نشروه من كتب، ولو كان جُمعة يُجِيدُ التَّحقيق لأثنيت على تحقيقه وآخذته بتحقيقِه لكتب أهل البدع، ولكنَّه جَمَعَ بين سوء كَيْلٍ اكتالَهُ للسَّلفيِّين، وحَشفٍ خادَعَهُم به! حيث تجد المخدوع منهم المحسنَ الظنَّ به يشتري بماله كُتُب أهل البدع ويوزِّعها توزيعًا خيريًّا، لأنَّ المُحقِّق هو الدُّكتور جمعة، وهو من أفعلِ النَّاس لهذا، فالله حسيبُه، وحسيبُ مَنْ يُدافع عنه بالباطل.
الرَّابع: إذا كان هذا منك غَيْرةً على السنة والعقيدة، فأين هي غيرتك عليها في إنكارك تحقيقَ جمعة لكتب أهل الضلال؟ وأين هي غيرتك من بيع لزهر وتوزيعه لكتب المنحرفين؟ وأين هي غيرتك من ثناء فركوس على كتاب "الإشارات" لابن سينا ووصفه له بأنَّه يتَّسم بسُمُوِّ العبارة وعمقِ الآراء؟ وأين أنت من ثنائه على دولة الموحِّدِين؟".
التعليق:
اشتملت هذه المسألة التي هي سرُّ كتابة مقاله، وسرُّ خَبطه وخلطه، على فقرات متنوِّعة، ذات أباطيل متعدِّدة.
قال حمودة: "وجوابي عن الأوَّل من وجوه:
الأوَّل: أنَّ (الفقيه) الرحيلي يُحتجُّ له ولا يُحتَجُّ به، فقولك: "يكفي في هذا قولُه" قولٌ باطلٌ، إلَّا إن أقمت الدَّليل على أن قولَهُ حجَّة بنفسه فتكون ساوَيتَه بالرسول."
أمَّا الدَّليل القطعيُّ على هواك، فقد أقامه صاحب مقال: "المقال الفاضح لهوى حمودة وانتصاره لنفسه في دندنته على تحقيق كتب أهل البدع، وفي بيانه الواضح"، فقد قال في مقدِّمته: "الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتَّبع هداه.
أما بعد، فقد شنّ الطعّان العيّاب المتعالم المتطاول: حمودة، حربا لا هوادة فيها على الشيخ الدكتور عبد المجيد جمعة ‑حفظه الله‑ لأجل تحقيق ستة كتب لبعض أهل البدع، رأى المصلحة في تحقيقها، وجرّته هذه الحرب إلى التطاول على علامة الديار ومفتيها: الشيخ الدكتور محمد علي فركوس ‑حفظه الله‑، والطعن فيه، وإساءة الأدب معه ‑نسأل الله السلامة والعافية‑ ولما كانت لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في منتقصيها معلومة، عجّل الله بالفضيحة لهذا المتطاول، ببيان أنه صاحب هوى، فإنه كما سيتبين لك ‑أخي القارئ‑ إذا أراد استعراض عضلاته، أثنى الثناء العَطِر على المحققين لكتب أهل الأهواء والبدع، ولو كان بعض هؤلاء المحقّقين، من حِلِّيقي اللِّحَى، المتزيّين بزيّ الإفرنج ‑هذه الهيئة التي تعطي فكرة عن منهج هؤلاء المحقّقين‑ بل يثني حتى على من يُحكم عليها بالميزان الشرعي بأنها من أهل التبرج، والتسيّب، وإذا أراد الانتصار لنفسه، وجماعته، ومن زجَّ به، أظهر غيرةً مصطنعةً، فيطعن في الشيخ عبد المجيد جمعة، مع عدم اختلاف عمل الشيخ عن عمل أولئك، ومع اختلافه عنهم في منهجه، وهيئته، وهديه، فعلى ميزانه مع الشيخ، فبعض أولئك أولى بالطعن، وعلى ميزانه مع بعض أولئك، فالشيخ عبد المجيد أولى بالثناء، لو كان طعنه وثناؤه صادقا، وخالصا لوجه الله الكريم."
ورحِم الله من قال مبيِّنا هواك وهوى شيخِك، في تتبُّع أخطاء تحقيق الشيخ عبد المجيد كتابَ رياضِ المتعلِّمين، لابن السُّنِّي: "لقد قامت ردودٌ قويَّةٌ بين العلَّامَتَيْن الألباني والتويجري ‑رحمهما الله‑، سببُها انتقادُ كلِّ واحد منهما على أخيه شيئا من تحقيقاته وتخريجاته، وربما وصل الأمر في بعض ذلك إلى التَّجهيل، ولكنَّهما كانا مُخلِصَين، نحسبهما كذلك، ولا نزكي على الله أحدا، والله حسيبُهما، إذ كان مقصودُ كلِّ واحد منهما نُصرةَ العلم والسُّنَّة، والغيرةَ عليهما، وكان ردُّ كلِّ واحد منهما على أخيه، من حين يَظهر له خطؤُه، ولم يكن الواحدُ منهم ينتظر حتى تقوم خصومةٌ مع أخيه ليفتِّش عن أخطائه، ليُبرزَها ويُظهرها، فهذا انتصارٌ للنَّفس، وفجورٌ في الخصومة".
فدليلُ هواك ثابتٌ وقطعيٌّ، وأمَّا كفايةُ قولِ الشيخ الفقيه سليمان ‑حفظه الله‑، فهي اكتفاءٌ به عن الذاكرين الدَّليلَ على هواك، فلا نحتاج بعده إلى شيخٍ آخرَ يُنَبِّهنا إلى الدليل على ذلك.
والعجيب أنَّك نَقَلْتَ بنفسك كلامَ الشيخِ سُليمان، وفيه ذِكْرُه الدَّليلَ على هواك، فقلت: "يعني كلامه حين سُئِل عن الرُّدود على جمعة فاستنكرها وقال: "كُتُب الشيخ عبد المجيد موجودة من سنين، اليوم اطَّلعتم على أخطاء فيها؟! إنَّما هو الهوى"فلا معنى بعد هذا لقولك الباطل: "الأوَّل: أنَّ (الفقيه) الرحيلي يُحتجُّ له ولا يُحتَجُّ به، فقولك: "يكفي في هذا قولُه" قولٌ باطلٌ، إلَّا إن أقمت الدَّليل على أن قولَهُ حجَّة بنفسه فتكون ساوَيتَه بالرسول."
قال حمودة: "الثَّاني: أنَّ (الفقيه) سليمان الرحيلي اعتذر من الشَّيخ رضا لمَّا علم أنه هو الرادُّ على جمعة، وأقسم له عندما زاره مع عددٍ من المشايخ أنَّه لم يكن يعلَمُ أنه رَدَّ عَليه، وقال: ظننتُ أنَّ الذي ردَّ هم بعضُ الصِّغار!!".
التَّعليق:
هنا يَصدُق قولُك: "الفقيه سليمان الرحيلي يُحتجُّ له، ولا يُحتجُّ به".
قال حمودة: "وقال: ظننتُ أنَّ الذي ردَّ هم بعضُ الصِّغار!! فالفقيه إذًا يُفَرِّق بين ردِّ الصَّغير فهو هوى، وردِّ غير الصَّغير فليس كذلك، وهذا يهدم قولَه من أصلِه".
التعليق:
إنَّ التفريق بين الصغير والكبير في التعامل، منهجٌ سلفيٌّ، يُعمل به في كثير من الصُوَر، فيُغتفر للكبير ما لا يغتفرُ للصغير فيها، خاصَّة إذا ظهرت الأدلَّة على هوى الصغير، كما هو حالُك في صورة الردِّ على الشيخ الدكتور عبد المجيد جمعة.
قال حمودة: "الثَّالث: أنَّ كلام (الفقيه) سليمان مخالفٌ للأدلة، ولِعَمل العلماء في القديم والحديث، وأكتفي بكلام كربوز نفسه، حيث قال في تعليق له: "اربع على نفسك، فما تزداد بإسهالك إلا كشفا لجهلك، فإن من صلح واستقام وحسن حاله، تجوز عن ماضيه، ومن انحرف وعاند واعوج، أخذ بحاله وماضيه، وهذا جواب لكثير من الجهلة الذين انتقدوا إمامنا الربيع وغيره على ذكر هنات وزلات لبعض المردود عليهم، وقعت منهم وقت حسن ماضيه، أو وقت إحسان الظن به". فقد وصف كربوز من يقول بقول (الفقيه) سليمان بأنَّه من الجهلة، وأقَرَّ بأنَّ الشيخَ ربيعًا وغيرَه فعلوا هذا، واحتجَّ لهم بالحجَّة الَّتي ذَكَرَ، ثمَّ لَمَّا تعلَّق الأمر بمن يتعصَّب له قلَب هذا كلَّه وتنكَّر لَهُ، وجعله دليلًا على اتِّباع الهَوَى!!"
التعليق:
أربع على نفسك، فالشيخ الفقيه سليمان يكون مخالفا للأدلة، ولعمل العلماء في القديم والحديث، لو كان شيخُنا الدكتور الفقيه عبدُ المجيد جمعة، عنده مُنحرفا، أمَّاوالشيخ عبد المجيد عند أخيه الشيخ سليمان ‑كما صرَّح به تصريحا أدخل عليك الهمَّ والغمَّ والنَّكدَ‑ مِن علماء الجزائر الكبار([2])، فلا وجود لأيِّ مخالفة، أو تجهيل.
قال حمودة: "الرَّابع: سلَّمنا أنَّه عن هوى، لكن كونه عن هوى لا يجعله باطلًا مردودًا، فصاحبُ الهوى إذا قال حقًّا وردَّ باطلًا وجبَ قبول قوله، ولا يُردُّ بسبب كونه صاحبَ هوى، فقولك: "ما أصاب فيه يكفي أنه هوى"، قولٌ مخالف لإجماع المسلمين وعمَلِهم، وليس هو إلا ذريعةً مختلقَةً للتَّهرُّب من الجواب."
التعليق:
ليس الهوى في ردِّ أخطاء الشيخ عبد المجيد في تحقيقه، فالخطأ يُردُّ على صاحبه، كائنا من كان، مع حفظ كرامة المُخطئ، إن كان من أهل السُّنَّة، ولكن هواك الظاهرُ، يَكْمُنُ في قصدِك الفاسد من ردِّ الخطأ. وشيخُنا عبد المجيد هو أوَّل المستفيدين من بيانكما لأخطائه في تحقيقه، ولكنَّه ليس لكما ولأمثالكما من الشاكرين، وذلك لسوء قصدِكما.
قال حمودة: "والجواب عن الأمر الثَّاني من وجوه أيضًا:
الأوَّل: نفرض أنَّ ما كتَبتُه دليلٌ على أنِّي صاحب هوى، وأنَّ ما فعلتُه غير جائز، فما قولك فيما فعلَه جمعة؟ ما قولك وأنت تستخرج ما تزعمه طعونًا من ردِّي على تحقيقيه لعليش وتترك تلك البوائق الَّتي مرت عليك، تستنكر على المشايخ ثناءَهم على فلان وفلان، فأين ثناؤهم عليه من قول جمعة في عليش والشرنبلالي وأمثالهما؟!"
التعليق:
أنا لا أفرض، بل أنت في دندنتك على مسألة تحقيق كتب أهل البدع، صاحبُ هوى، وهذا المراد من ردِّ صاحب المقال عليك، والجواب على الفقرة السابقة، وعلى الفقرة الآتية، سيغنيك عمَّا تبقَّى من أسئلتك.
قال حمودة: "الثَّاني: أنَّ الَّذي عاب على جمعة تحقيقَه لكتب أهل البدع هو الشَّيخ ربيع وليس حمودة! فإن كنت شجاعًا فانتقد الشَّيخَ ربيعًا كما فعل جماعتك من وراء السِّتر، ففضحهم الله شرَّ فضيحة!"
التعليق:
إنَّ هذه الفقرة من المقال تؤكِّد استحكام الهوى فيك، إذ المتأمِّل أدنى تأمُّل في مقالك وما أوردت فيه من تغريداتي، يدرك أنّك تتبَّعتها وتكلَّفت ذلك، فلو كنت صادقا، فهلَّا ذكرت ما يُشيرُ إلى مَوْقفي من منع الإمامِ ربيعِ السُّنَّة إحياءَ تُراث أهل البدع، بالتحقيق ونحوه، ولا زالت التغريدتان موجودتين، وقد حُمت حولهما كثيرا، فهما بتاريخ 20/10/2018، وكانت جوابا على الاعتراض الآتي: "وكم أعجبني التماسك الأعذار لجمعة دون حمودة"، فأجبته: "لا شك أنَّ صاحب هذه الفتوى (وجعلت رابطا لفتوى الإمام ابن باز رحمه الله بعنوان: "تفصيل ماتع في تحقيق كتب المبتدعة") من الأئمة المصلحين، بل هو مجدِّد العصر، وشيخ الإسلام، وبَقيَّة السلف¬ رحمة واسعة، وليست القضية في الصواب في هذه القضية، فقد أكون مثلَك مرجِّحا قولَ إمامنا ربيعٍ فيها، ولكن القضية في هوى حمودة، وكيلِه بالمكيالين فيها، ولولا كيلُه بالمكيالين، فلربما اعتُذِر له كما اعتُذِر لشيخنا عبد المجيد، وتبقى هذه القضيةُ التي أثارها القومُ، هوىً، خارجةً عن محلِّ النِّزاع والخلاف، وهو انتهاج منهج التميُّع، والاحتواء في الجملة، وهذا الذي نصحتك بإتيان الشيخ جمعة لأجله، أو شيخِنا فركوس"
وأُعلنها لك ولغيرك الآن، لتعلمَ أنِّي لست بالجبان، أنِّي مرجِّحٌ رأيَ العلامة ربيع السُّنَّة ‑حفظه الله‑ في المنع من تحقيق كتب أهل البدع وإحياء تراثهم، مع حفظِ كرامةِ مَن رأى خلافَ ذلك، وعمِل به لمصلحةٍ رآها، مِن أئمتِّنا وعُلمائنا ومشايخنا، ولعلَّ المسألةَ تحتاج إلى دراسة وتحرير، حتى لا نَفتح على علمائنا وأئمَّتنا بابَ شرٍّ، لا نَقدِرُ على غلقه، إلّا بالتكلُّفِ.
تنبيه مُهِمٌّ: إنَّ قول حمودة: "فإن كنت شُجاعا، فانتقد الشَّيخ ربيعا" كلامٌ يفوحُ بالجهالةِ والهوى، والتَّقديس والتعصُّب المقيت.
وإلَّا، ألم يقُل الدكتور ماضي ‑وهو ممَّن أراد أن يجعل انتقاد عابدين، طعنا وتجريحا، والطعنَ في الشيخ فركوس انتقادا‑: "لا أحد فوق النَّقد"، أو: "لا أحد أكبرُ من النَّقد"؟ (كلمةُ حقٍّ أراد بها الباطل).
ألم تُجيزوا في طليعتكم الخسيسة، لخِسَّة قَصد أصحابِها، انتقادَ الكبير، وسُقتم لذلك الأدلةَ والفتاوى؟!
إنَّ انتقادَ الكبيرِ، جائزٌ شرعًا، ولكن يُشترطُ فيه:
الأدبُ، وحُسنُ القَصد، والصدقُ، والإدلاءُ بالحُجَّة والبُرهان، وقد يُشترَط ‑أحيانا‑ في إظهاره والجهرِ به، مراعاةُ المصالحِ والمفاسد.
فتبيَّن حينئذ، أنَّه لا معنى لكلامِك السَّابقِ، إلَّا الإرهابَ الفكريَّ، والتَّقديسَ الباطلَ، والتَّعصُّبَ المَقيتَ.
قال حمودة: "الثَّالث: أنَّ الذي قلته ‑ولا أزال عليه‑ هو بيان جودة تحقيق هؤلاء المُسَمَّيْن، بحسب فهمي وما بلَغَته معرفتي، فهؤلاء محقِّقون بارعون مُجِيدون، ولو حقَّقوا كُتَبَ أصحاب بدع وضلالٍ، فأنا لم أُثْنِ على واحد منهم في شخصه ومنهجه وعقيدته، ولم أمدَحْ الكُتب الَّتي حقَّقوها"
التعليق:
الله أكبر، هل رأيتم شخصا يكتب كتابة لِيُقيمَ بها الحجَّةَ على نفسه، مثلَ هذا؟!، ولقد قلتُ لك أخي القارئ في أوَّل تعليقٍ على هذه المسألة: "اشتملت هذه المسألة التي هي سرُّ كتابة مقاله، وسرُّ خَبطه وخلطه، على فقرات متنوِّعة، ذات أباطيل متعدِّدة."
إنَّ مِن هؤلاء المحققين، يا حمودة، من لا يُعرف عنه تحقيقُ كتاب واحد لأهل السُّنَّة، فعن أيِّ براعةٍ وجودةٍ تتحدَّث؟! وكيف لو اطَّلع إمامُنا ربيع السُّنَّة، أو العلَّامةُ عبيدٌ، على خبطِك وخلطِك هذا؟!
ثمَّ قال حمودة: "وأنت تجد العلماء يثنون على تحقيقات المستشرقين وهم كفَّار، فالوصف والإشادة تعلَّق بعمَلِهم الَّذي أتقنوه"
التعليق:
سمِّ لنا ‑يا حمودة‑ علماءَ أهل السُّنة الذين أثنوا على تحقيقات الكفرة من المستشرقين، وأشادوا بعملهم الذي أتقنوه!!، وكيف أتقنوه، ومقاصدُهم سيّئة، ولسانُهم فاسد؟! فكم أفسدوا من كتاب وحرَّفوه، تحريفات مُضحكة مُبكيَّة؟ ولعلَّ الأمر التبس عليك لشدَّة أثر المقالَيْن الفاضِحَيْن عليك، فخلَّطت بين الثناء على إنشائهم الفهارسَ الحديثيَّةَ، وبين تحقيقاتهم.
ثمَّ ‑يا حمودة‑ ألا تستحي؟ ألا تتقي الله؟ هكذا على سبيل العموم والإطلاق، بالإتيان بالألف واللام، الدَّالة على الاستغراق، في قولك: "العلماء"، وقولك: "المستشرقين".
فإن قلت: أتريد أن تعامل كلامَ غير المعصوم ككلام المعصوم، طريقةَ الضالِّ أبي الحسن المأربي؟
فيقال لك: هذه طريقتك، كما سيأتي في فصل: "الغُلُّوِّ في الشيخ فركوس"، فهي بضاعتُك، رُدَّت إليك، واستعمالٌ لمِكيَالك الذي تَكيلُ به لغيرك.
وإن قلت: أردت بالعموم الخصوصَ، خصوصَ المُتقِنين منهم.
فيقال لك: سيأتيك في فصل: "التبديع بالجملة" أنَّك حَمَلت كلامي المخصَّصَ تخصيصا واضحا، بالقرينة اللَّفظية والمعنوية، على عمومه، تلبيسا وتشويها، ثمَّ تريد من غيرك حملَ عمومك الظاهرِ على خصوصه؟!
ثمَّ هب أنَّ عمومك، مرادٌ به الخصوصُ في الَّلفظين، فسمِّ لنا هؤلاء العلماء الذين أَثْنَوْا، وسمِّ لنا المحقِّقين المستشرقين المُثنى عليهم، والكتبَ المحقَّقةَ مِن قبلهم، لنرى هل أثنوْا على تحقيقهم كتبَ أئمة البدع والضَّلال، لأجل جودة تحقيقهم!!
قال حمودة: "وهذا مثلُ ما نقول إن عمرو بنَ وُدٍّ كان شجاعًا فاتكًا ماهرًا في القتال، مع أنه كان يقاتل المسلمين ويقتل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالثناء لم يقع على ما فعله، وإنما على شجاعته وإقدامه"
التعليق:
كلامٌ يعلِّق على نفسِه، ويغني عن كلِّ تعليق.
قال حمودة: "وهذا الَّذي وقع منِّي ومن العلماء الَّذين أثنَوا على تحقيقات المستشرقين الكَفَرَة"
التعليق:
مَن هؤلاء العلماء الذين حشرت أَنفك في زُمرتهم؟! وفي عطف العلماء على نفسِك أسرار، وكم لحرف العطف "الواو" مِن دلالات وأحكامٍ لأهل الاعتبار، سلَّمَنا اللهُ الواحدُ القهَّار.
قال حمودة: "فأنا أقول: هؤلاء محقِّقون أحسنوا وأجادوا التَّحقيقَ فيما نشروه من كتب، ولو كان جُمعة يُجِيدُ التَّحقيق لأثنيت على تحقيقه، وآخذته بتحقيقِه لكتب أهل البدع، ولكنَّه جَمَعَ بين سوء كَيْلٍ اكتالَهُ للسَّلفيِّين، وحَشفٍ خادَعَهُم به! حيث تجد المخدوع منهم المحسنَ الظنَّ به يشتري بماله كُتُب أهل البدع ويوزِّعها توزيعًا خيريًّا، لأنَّ المُحقِّق هو الدُّكتور جمعة، وهو من أفعلِ النَّاس لهذا، فالله حسيبُه، وحسيبُ مَنْ يُدافع عنه بالباطل".
التعليق:
هل هذا منهجُ الشيخ العلامة ربيع ‑يا حمودة‑ أعني: الثناءَ على جودةِ تحقيقِ مُبتدعةٍ لكتب أهل البدع وأئمَّة الضلال؟! وأيُّهما أقبحُ ‑يا حمودة‑، الثناءُ على جَوْدَةِ تَناوُلِ مُبتدعةٍ لمسألة فقهيَّةٍ، أم الثناءُ على جَوْدَةِ تحقيقهم لكتب أهل البدع وأئمَّة الضلال؟!
لقد قُلتَ في مقدِّمةِ مقالك: "الكلياتُ المرشدة إلى الطبعات المجوَّدة": "فهذه الكليات المرشدة إلى معرفة الطبعات المجوَّدة، أكتبها لمن شاء الله أن يطَّلع عليها من إخواننا لتكون عونا لهم على التمييز بين ما يَصلح اقتناؤه والاعتمادُ عليه من كتب العلم من حيث جَوْدَةُ التَّحقيق وسلامةُ الطَّبع، وما لا يصلح لذلك حسبما بلغه علمي"
أليس هذا ‑يا حمودة‑ غِشًّا لإخوانك، وخديعةً لهم، تحثُّهم على اقتناء كُتُب أئمَّة البدع والضلال، بتحقيق مُبتدِعَةٍ، والاعتمادِ عليها، لأجل جَوْدَةِ تحقيقها، هذه الجودةُ التي تزيد من بَهْرَجةِ ضَلالها، والافتِتان بمضمونها، وتحثُّ ‑يا حمودة‑ على ذلك مِن غير تَنبيه على فساد عقيدة صاحب الكتاب المحقَّق، ولا فَسادِ مَنهجِ المحقِّق، أحشفا ‑يا حمودة‑ وسوءَ كيلة؟! فأيُّ شَرٍّ في الدَّعوة إلى اقتِناء كُتب أهل البدع، أعظمُ من هذا الشَّرِّ؟ فالله حسيبك، وحسيبُ مَن يَنفُخ فيك بالباطل.
تذكير مهمٌّ: تذكيرٌ مهمٌّ: ألم تجعل ‑يا حمودةُ‑ أوَّلَ ما نشرت مقالك السَّابق: "الكليات المرشدة" الحلبيَّ ومشهورا من أهل الطبقة الأولى في التحقيق، وأثنيت عليهما، فلمَّا بلغك الإنكارُ الشَّديدُ عليك، بادرت إلى حذف المقال، ثم عُدت إلى نشره على الصورة التي هو عليها اليوم، وليس المقصودُ من ذكر هذا، ثناءَك على المبتدع الحلبي وخِدنه، وإنَّما المقصودُ، ما تنصَّلت به من فضيحةِ مقالك هذا، وهو ادِّعاؤُك أنَّك أَثنيت على تحقيقات أهل البدع لكتب أئمَّة البدع، لأجل جودةِ التَّحقيق، فبالله عليك، أيُّ جودةٍ موجودةٌ في تحقيقات صاحب الدعاوى العريضة، السارقِ تحقيقَ غيره، أعني الحلبيَّ؟!
قال حمودة: "الرَّابع: إذا كان هذا منك غَيْرةً على السنة والعقيدة، فأين هي غيرتك عليها في إنكارك تحقيقَ جمعة لكتب أهل الضلال؟ وأين هي غيرتك من بيع لزهر وتوزيعه لكتب المنحرفين؟ وأين هي غيرتك من ثناء فركوس على كتاب "الإشارات" لابن سينا ووصفه له بأنَّه يتَّسم بسُمُوِّ العبارة وعمقِ الآراء؟ وأين أنت من ثنائه على دولة الموحِّدِين؟"
التعليق:
استح ‑يا حمودة‑ فبعد مقالك الذي فضحك، ينبغي أن تكون من آخر من يتحدَّث عن الغيرة على العقيدة السَّلفيَّة، والمنهج السَّلفي.
وأمَّا قولك: "وأين هي غيرتك من بيع لزهر وتوزيعه لكتب المنحرفين؟"، فعجبٌ من ثلاثة أوجه:
الوجه الأوَّلُ: لقد جَعَلْتَ ‑يا حمودة‑ مَن لم يَحكُم عليك بعدُ، بأنَّك صاحبُ هوى، في حَيْرَةٍ مِن أمره، إذ كيف يُجمعُ بين حثِّك على اقتنائها، وبين إنكارِك بَيْعَها وتَوزيعَها؟! أليس الحرصُ على اقتنائِها، إقرارًا لبيعها وتوزيعِها؟!
الوجه الثاني: ألم تكن ‑وأنت المحقِّق الخبيرُ بكُتب المتقدِّمين والمتأخرين‑ (فلربَّما) ألصقَ بالمكتبة من الشيخ الذي أكرمك، وتنكَّرت له؟!
الوجه الثالث: إذا كان هذا البيعُ مُتَعمَّدًا مُتَقَصَّدًا، فأين غيرتُك المزعومةُ، ولم يُعلم عنك إنكارٌ على صِهرك ‑الزَّاعمِ في تَطَاوُلِه على الشَّيخ فركوس، نفيَ المحدثات والضلالات!!‑ مُباشرتَه بيعَ هذه الكتب حَوْلَيْن كامِلَين، وغالبُ الظن أنَّك أنت الذي شَفَعْت له عند الشيخ، لتَحصيله هذا العمل؟!
تنبيهٌ مُهِمٌّ: لقد دندن القوم حول مسألة: "إنكارِ بيع كتب المبتدعة" ‑مع وقوعهم فيما هو أشد، وهو طبع بعضها ونشرُها وتَسويقُها وبيعُها‑ مِن غير تحريرٍ للمسألة، ولا ذكرِ تفصيلٍ فيها، وهذا الإطلاقُ خطيرٌ جدا، وعواقبُه وخيمةٌ، يُشبه صنيعَ محمود الحدَّاد وفرقتِه الحداديَّةِ، أو يَفوقه، فإنَّ هذا الإطلاقَ الخطيرَ، يَلزم منه المنعُ من بيع أغلب شروح السُّنةِ والحديث، لِأَنَّ أصحابَها أشاعرةٌ أو حنفيَّةٌ ماترديَّةٌ، والمنعُ مِن بيع كثيرٍ مِنَ التفاسير المطبوعة التي أصحابُها كذلك، والمنعُ من بيع المتون العلميَّة وشروحِها، وكتبِ العلوم والفنون المتنوّعة!!
ولهذا يظهر ‑والله أعلم‑ من تصرُّفات الأئمَّة والعلماء، في القديم والحديث، وفتاواهم ‑ترجيحا لحِفظ علوم القرآن والسُّنَّة، والعلوم الخادمةِ لهما، كترجيح المحدِّثين الروايةَ عن أهل البدع بشَرطِه حِفاظا على السُّنَّة النبويَّة‑ التَّفريقُ في هذا الباب، بابِ بيع كتب أهل البدع، بين كتابٍ وكتابٍ، وبين الأموات والأحياء مِن مؤلِّفيها. فما ألَّفه العالِمُ الميِّتُ ‑الذي أظهر أهلُ السُّنَّة عقيدتَه، وانحرافاتِه‑ في نُصرة بدعتِة، فإنَّه لا يُباع، وما كان من تأليفاته في أنواع العلوم، خالصًا من كلِّ شائبة، فلا حرج في بيعه، و كذا ما ألَّفه خدمةً للقرآن والسُّنَّة، وأورد فيه شيئًا من مُعتقدِه، مع صرف العوام عن اقتنائِه، وأما الحيُّ، فلا يُباع له شيءٌ، ولو كان خالصًا صافيًا، لئلَّا تتعلق به القلوبُ، فتُقبلَ على جميع مَنتوجِه.
ولكن لا حرجَ في توزيعِ مؤلَّفاته الخاليةِ من كلِّ شائبة، على طلبة العلم السَّلفيِّين، المتخصِّصين في موضوع تأليفه، كالباحثين، والأكاديميِّين، ولعلَّ هذه هي الوسطيَّةُ التي بين الحداديَّة والتَّمييعيَّة، والحمد لله ربِّ البريَّة.
--------------------------
( 1 ) أنظر المرفق 1
( 2 ) أنظر المرفق 2
... يتبع
وكتبه : مُحِبُّ الصِّدقِ وذَامُّ المُراوغَةِ
وكتبه : مُحِبُّ الصِّدقِ وذَامُّ المُراوغَةِ
تعليق