بسم الله الرحمن الرحيم
تحريف الصعافقة لعقيدة المسلمين
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، ولا عدوان إلا على الظالمين؛ أما بعد:
فقد رأيت تغريدة للمدعو: مهدي قاسي بن صالح البجائي، يقعد فيها بالجهل والهوى على جواز تحريف اسم الله الودود إلى عدود، وهذا اللئيم -أجهل من حمار أهله- لا يفرق بين النحت والتصغير!
وهذا يبين أنهم فعلا صعافقة جهال؛ يتصدرون للدعوة والكلام في المسائل الكبار مع ضعف شديد في العلم والديانة، فلا تعجب بعد ذلك من كل هذه الفتنة العارمة والفرقة الكبيرة التي أحدثوها في الصف السلفي.
"عدود" ليس تصغيرا كما ادعى الصعفوق، وأوزان التصغير ثلاثة فقط: فعيل وفعيعل وفعيعيل. وأما فعلول فلم يسمع به الأولون ولا الآخرون في هذا الباب، لو كان سيبويه حيا لأفتى بجلدك!
فكل اسم متمكن قصد تصغيره فلا بد من ضم أوله وفتح ثانيه وزيادة ياء ساكنة بعده، فأين حصل ذلك في "عدود"؟!
قال ابن مالك:
فعيلا اجعل الثلاثي إذا *** صغرته نحو قذي في قذى
فعيعل مع فعيعيل لما *** فاق كجعل درهم دريهما
وغير هذا فشاذ لا يقاس عليه.
ثم يا صعفوق اعلم أن أسماء الله تعالى وكل ما كان معظما لا يصغر، لأن التصغير يفيد التحقير، كأنك قلت شيء حقير، فهل تصف أسماء الله تعالى بالحقارة؟!
ولذلك ذهب كثير من النحاة إلى منع صرف الاسم المصغر لأنه وصف في المعنى، نحو: أعيم تصغير أعمى، للوصفية ووزن الفعل، واختلفوا هل يلحقه تنوين العوض أو لا.
ثم اعلم يا صعفوق أن تصغير المركب الإضافي يكون بتصغير صدره فقط دون العجز، نحو: عبيد الله، فعبد الودود يقال فيه: عبيد الودود ولا يقال أبدا عدود، فلا يعرف هذا التصغير أحد من العرب!
وهذا جهل عظيم بالعقيدة الصحيحة في باب الأسماء والصفات، ولا غرابة فقد عهدنا شطحات فواز والظفيري في هذا الباب، وعهدنا إنكار كبير الصعافقة لحديث في الصفات لأنه يخالف عقله.
ونحت أسماء الله محرم بل هو من الإلحاد فيها كما قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون}، وذلك كقول المشركين اللات في "الله"، والعزى في "العزيز"، ومناة في "المنان".
وهذا الرجل زاد "عدود"، وهو منحوت من عبد الودود، أخذوا العين من الصدر و"دود" من العجز، كقول العرب: عبشم في عبد شمس، وعبدر في عبد الدار.
فتبين أن هذا من باب النحت وليس من باب التصغير ولا يخلط بين البابين إلا جاهل.
ثم ترتب على جهله هذا أن حرف اسما من أسماء الله وألحد فيه وأراد أن يقعد لجوازه! نسأل الله العفو والعافية.
والأدهى والأمر في ذلك -وهو السبب الذي دفعني للكتابة- أن هذا الجاهل نسب جواز الإلحاد في أسماء الله إلى شيخ الإسلام في هذا الزمان وهو الشيخ ابن باز رحمه الله، أتظن أن الشيخ ابن باز مخلط مثلك؟!
وهذه فتوى الشيخ:
(لا بأس بالتصغير في الأسماء المعبدة وغيرها، ولا أعلم أن أحدًا من أهل العلم منعه، وهو كثير في الأحاديث والآثار؛ كأنيس وحميد وعبيد وأشباه ذلك، لكن إذا فعل ذلك مع من يكرهه، فالأظهر تحريم ذلك؛ لأنه حينئذ من جنس التنابز بالألقاب، الذي نهى الله عنه في كتابه الكريم، إلا أن يكون لا يُعرف إلا بذلك، فلا بأس، كما صرح به أئمة الحديث في رجال؛ كالأعمش، والأعرج ونحوهما).
فالملاحظ أن الشيخ ابن باز تكلم عن التصغير فقط بدليل ما مثل به، ولم يتطرق إطلاقا إلى النحت.
ومراده بالأسماء المعبدة نحو قولك: عبد الله وعبد الرحمن وما شابه ذلك، فتقول: عبيد الله وعبيد الرحمن، بتصغير الصدر دون العجز، ولا يصغر اسم الله تعالى بالإجماع.
ثم مثل الشيخ لغير المعبد بنحو: أنيس في أنس من الأنس، وحميد في حمد أو حامد من الحمد، وعبيد في عبد من العبودية، فأين هو النحت من الصدر والعجز مثل عدود؟!
فتبين أن فتوى الشيخ في واد وتقعيد الصعفوف في واد آخر، فلجهله غلط بين النحت والتصغير ثم حمل كلام الشيخ على غير مراده ونسبه إلى تحريف أسماء الله تعالى.
وقد يستدل بعضهم على جواز النحت في الأسماء المعبدة بنحو: دحيم، قال ابن حجر: (هو عبد الرحمن بن إبراهيم...).
ولا دليل في ذلك على أنه منحوت من عبد الرحمن ثم صغر، وإنما يفيد أن دحيم اسم للمدعو عبد الرحمن بن إبراهيم.
وقد صرح ابن حبان أن: (دحيم تصغير تصغير دحمان، ودحمان بلغتهم: خبيث، وكان يكره أن يقال له: دحيم).
فأفاد كلامه أن دحيم تصغير لدحمان، ولم ينحت من عبد الرحمن خلافا لمن توهم ذلك، ودحمان ليس منحوتا من عبد الرحمن وإنما هو اسم جنس بمعنى خبيث، ثم سمي به، وهو مشتق من الدحم وهو الدفع.
قال في "القاموس": (دحمه، كمنعه: دفعه شديدا،... ودحم ودحمان، بفتحهما -أي: بفتح الدال-، وكزبير -أي: دحيم-: أسماء).
فبين رحمه الله أن "دحم" و "دحمان" و "دحيم" كلها أسماء مشتقة من الدحم وهو الدفع، وليس شيء منها منحوتا من عبد الرحمن.
وقال في "الصحاح": (دحم، الدحم: الدفع الشديد، وبه سمي الرجل دحمان ودحيما).
تنبيه:
هناك من جوز تصغير الأسماء المعبدة -لا نحتها- على إرادة المسمى دون الاسم، ولم أقف له على مثال صحيح، إذ ما يمثلون به إما أن يكون من تصغير عبد، وقد لا يكون تصغيرا، نحو: عباد وعبود، وهذا كله اشتقاق من كلمة "عبد" وحدها، فلا حجة فيها على جواز التصغير أو النحت من اسم الله المضاف إليه.
وإما أن يكون تصغيرا لما هو مشترك مما يسمى به الله تعالى ويسمى به العبد، نحو: عزيز في العزيز، وقد لا يكون تصغيرا نحو: عزوز، فلا حجة فيه لأنه ليس مما يختص به الله عز وجل.
وفي الأخير؛ فإننا ندعوا العلماء والمشايخ إلى الأخذ بيد هؤلاء الصعافقة وأن يكفوهم عن إفساد عقيدة المسلمين وتحريفها.
هذا ما حضرني دون سبق تحضير وتحرير، ولذلك فقد يكون في المقال نقص في الدقة والتحرير، ونرجوا من الأعضاء ألا يبخلوا علينا بملاحظاتهم.
وصلى الله على نبينا محمد.
كتبه: أبو قيس عماد البجائي.
يوم الأربعاء 12 شعبان 1440
الموافق 17 أفريل 2019.
يوم الأربعاء 12 شعبان 1440
الموافق 17 أفريل 2019.
تعليق