<بسملة1>
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ،وبعد
فهذه فائدة أنقلها للقارئ الكريم من أجوبة العلماء المحقّقين فيما اعتقَده بعض الناس حول مضاعفة السيئة في أماكن وأوقات معينة لعظم حرمتها ، كرمضان وليلة القدر وأماكن الحرم بمكة وغيرها ، وهذا بناءا على ما يتناقله الناس أو يسمعوه من آثار وأحاديث نسبها العلماء للضعف فلا يصح العمل بها أو اعتقادها ، وقد بين العلماء كما سيأتي الصواب في المسألة ، وهو أنه يعظم العقاب والجزاء على السيئة الواحدة لا أن تتضاعف تلك السيئة في عددها كما هو الحال بالنسبة للحسنة التي تضاعف إلى عشرة أضعاف وأكثر .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله جوابا على سؤال : السؤال: هل تضاعف السيئة في مكة مثل ما تضاعف الحسنة؟ ولماذا تضاعف في مكة دون غيرها؟:
"..... أما السيئات فالذي عليه المحققون من أهل العلم أنها لا تضاعف من جهة العدد، ولكن تضاعف من جهة الكيفية، أما العدد فلا؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [الأنعام:160]. فالسيئات لا تضاعف من جهة العدد لا في رمضان ولا في الحرم ولا في غيرهما، بل السيئة بواحدة دائمًا وهذا من فضله وإحسانه.
ولكن سيئة الحرم وسيئة رمضان وسيئة عشر ذي الحجة أعظم في الإثم من حيث الكيفية لا من جهة العدد، فسيئة في مكة أعظم وأكبر وأشد إثما من سيئة في جدة والطائف مثلًا، وسيئة في رمضان وسيئة في عشر ذي الحجة أشد وأعظم من سيئة في رجب أو شعبان ونحو ذلك، فهي تضاعف من جهة الكيفية لا من جهة العدد...."
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في تفسيره لقوله تعالى : ﴿وَمَن جَاۤءَ بِٱلسَّیِّئَةِ فَكُبَّتۡ وُجُوهُهُمۡ فِی ٱلنَّارِ هَلۡ تُجۡزَوۡنَ إِلَّا مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [النمل: ٩٠]
.... وَإذا عَلِمْتَ أنَّ السَّيِّئاتِ لا تُضاعَفُ، فاعْلَمْ أنَّ السَّيِّئَةَ قَدْ تَعْظُمُ فَيَعْظُمُ جَزاؤُها بِسَبَبِ حُرْمَةِ المَكانِ؛ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِن عَذابٍ ألِيمٍ﴾ [الحج: ٢٥]، أوْ حُرْمَةِ الزَّمانِ؛ كَقَوْلِهِ تَعالى في الأشْهُرِ الحَرامِ: ﴿فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أنْفُسَكُمْ﴾ [التوبة: ٣٦] .
وَقَدْ دَلَّتْ آياتٌ مِن كِتابِ اللَّهِ أنَّ العَذابَ يَعْظُمُ بِسَبَبِ عِظَمِ الإنْسانِ المُخالِفِ؛ كَقَوْلِهِ تَعالى في نَبِيِّنا ﷺ: ﴿وَلَوْلا أنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا﴾ ﴿إذًا لَأذَقْناكَ ضِعْفَ الحَياةِ وضِعْفَ المَماتِ﴾ [الإسراء: ٤٧]، وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الأقاوِيلِ لَأخَذْنا مِنهُ بِاليَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنهُ الوَتِينَ﴾ الآيَةَ [الحاقة: ٤٤ - ٤٦]، وَكَقَوْلِهِ تَعالى في أزْواجِهِ ﷺ: ﴿يانِساءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَها العَذابُ ضِعْفَيْنِ﴾ الآيَةَ [الأحزاب: ٣٠]، وقَدْ قَدَّمْنا طَرَفًا مِنَ الكَلامِ عَلى هَذا، في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذًا لَأذَقْناكَ ضِعْفَ الحَياةِ وضِعْفَ المَماتِ﴾ [الإسراء: ٧٥]، مَعَ تَفْسِيرِ الآيَةِ، ومُضاعَفَةِ السَّيِّئَةِ المُشارِ إلَيْها في هاتَيْنِ الآيَتَيْنِ، إنْ كانَتْ بِسَبَبِ عِظَمِ الذَّنْبِ، حَتّى صارَ في عِظَمِهِ كَذَنْبَيْنِ، فَلا إشْكالَ، وإنْ كانَتْ مُضاعَفَةُ جَزاءِ السَّيِّئَةِ كانَتْ هاتانِ الآيَتانِ مُخَصَّصَتَيْنِ لِلْآياتِ المُصَرِّحَةِ، بِأنَّ السَّيِّئَةَ لا تُجْزى إلّا بِمِثْلِها، والجَمِيعُ مُحْتَمَلٌ، والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى.
و للشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله كذلك في (العذب النميرمن مجالس الشنقيطي في التفسير) في الكلام على قوله تعالى: {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ}:
{فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} ومن هنا تعرفون أن ما يجري على ألسنة العامة: أن السيئات تضاعف في مكة كما تضاعف الحسنات، أن ذلك الإطلاق لا يجوز؛ لأن مضاعفة السيئات ممنوعة قطعًا؛ لأن الله يقول: {وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا} وهو نص صريح قرآني في أن السيئات لا تُضَاعَف، ولكن السيئة في حرم مكة مثلا تعظم؛ لأن السيئة تعظم بحسب عظم الزمان والمكان، فإذا عظمت السيئة عظم جزاؤها؛ لأن الجزاء بحسب الذنب، إذا عظم الذنب عظم الجزاء، وإذا صَغُرَ الذنب صغر الجزاء، فهو من عظم الذنب، وعظم الجزاء تبعاً لعظم الذنب، لا من المضاعفة؛ لأن السيئات لا تضاعف، ولكنها تعظم وتكون أكبر في زمان من زمان، وفي محل من محل؛ ولذا قال في حرم مكة: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: آية 25] وقال في الأشهر الحرم: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} ثم قال: {ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} [التوبة: آية 36] مع أن ظلم النفس في غيرهن حرام.
وجاء في جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي رحمه الله في شرحه على الحديث السابع والثلاثين :
عَنِ ابنِ عَبَّاسَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما عَنْ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فِيمَا يَروي عَنْ رَبِّهِ تَباركَ وتَعَالى قَالَ: ((إنَّ الله - عز وجل - كَتَبَ الحَسَناتِ والسيِّئاتِ، ثمَّ بَيَّنَ ذلك....."
قال رحمه الله : فتضمنت هذه النُّصوص كتابةَ الحسنات، والسيِّئات، والهمّ بالحسنةِ والسيِّئة، فهذه أربعة أنواع: ...
وقوله: ((كتبت له سيِّئة واحدة)) إشارةٌ إلى أنّها غيرُ مضاعفة، ما صرَّح به في حديث آخر، لكن السَّيِّئة تعظُمُ أحياناً بشرف الزَّمان، أو المكان، كما قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ
أَنْفُسَكُمْ} . قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية: {فَلا تَظلِموا فِيهِنَّ أنفُسَكُم} : في كلِّهنَّ، ثم اختصَّ من ذلك أربعةَ أشهُر، فجعلهنَّ حرماً، وعظم حُرماتهنَّ، وجعل الذَّنبَ فيهنَّ أعظمَ، والعمل الصالح والأجر أعظم .
وقال قتادة في هذه الآية: اعلموا أنَّ الظلمَ في الأشهر الحُرُمِ أعظمُ خطيئةً ووزْراً فيما سوى ذلك، وإن كان الظُّلمُ في كلِّ حالٍ غيرَ طائل، ولكنَّ الله تعالى يُعظِّم من أمره ما يشاء تعالى ربنا.
وقد روي في حديثين مرفوعين أنَّ السيِّئاتِ تُضاعَفُ في رمضان، ولكن إسنادهما لا يصحُّ.
وقال الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} . قال ابن عمر : الفسوق: ما أُصيبَ مِنْ معاصي الله صيداً كان أو غيره، وعنه قال: الفسوق إتيان معاصي الله في الحرم.
وقال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} .
وكان جماعة من الصحابة يتَّقونَ سُكنى الحرم، خَشيةَ ارتكابِ الذُّنوب فيه منهم: ابنُ عباس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وكذلك كان عمر بن عبد العزيز يفعل، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: الخطيئةُ فيه أعظم . ورُوي عن عمر بن الخطاب، قال: لأَنْ أُخطئ سبعينَ خطيئةً - يعني: بغيرِ مَكَّةَ - أحبُّ إليَّ مِنْ أن أُخطئ خطيئة واحدةً بمكة . وعن مجاهد قال: تُضاعف السيِّئات بمكة كما تُضاعف الحسنات . وقال ابن جريج: بلغني أن الخطيئة بمكة بمئة خطيئة، والحسنة على نحو ذلك.
وقال إسحاق بن منصور: قلتُ لأحمدَ: في شيءٍ من الحديث أنّ السيِّئة
تُكتب بأكثرَ مِنْ واحدة؟ قال: لا، ما سمعنا إلاَّ بمكَّة لِتعظيم البلد ((ولو أنَّ رجلاً بعدن أبين همَّ)) . وقال إسحاق بن راهويه كما قال أحمد، وقوله: ولو أنَّ رجلاً بعدن أبين همَّ هوَ من قول ابن مسعود، وسنذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
وقد تُضاعَفُ السيِّئاتُ بشرف فاعلها، وقوَّة معرفته بالله، وقُربِه منه، فإنَّ مَنْ عَصى السُّلطان على بِساطِه أعظمُ جُرماً مِمَّن عصاه على بُعد، ولهذا توعَّد الله خاصَّةَ عباده على المعصية بمضاعَفةِ الجزاء، وإن كان قد عصمَهم منها، ليبيِّنَ لهم فضله عليهم بِعصمَتهم مِنْ ذلك، كما قال تعالى: {وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} .
وقال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ للهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} . وكان عليُّ بن الحسين يتأوَّل في آل النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من بني هاشم مثل ذلك لقربهم من النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
وجاء في الآدب الشرعية لابن مفلح رحمه الله ، في صيانة المساجد وآدابها وكراهة زخرفتها
[فَصْلٌ زِيَادَةُ الْوِزْرِ كَزِيَادَةِ الْأَجْرِ فِي الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ الْمُعَظَّمَةِ]
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: الْمَعَاصِي فِي الْأَيَّامِ الْمُعَظَّمَةِ وَالْأَمْكِنَةِ الْمُعَظَّمَةِ تُغَلَّظُ مَعْصِيَتُهَا وَعِقَابُهَا بِقَدْرِ فَضِيلَةِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ انْتَهَى كَلَامُهُ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ الْجَوْزِيِّ وَغَيْرِهِ.
وَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ التَّمِيمِيُّ فِي التَّرْغِيبِ ثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ ابْنِ حَمْدَيْهِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إبْرَاهِيمَ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْعَوَّامِ ثَنَا أَبُو خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا فَذَكَرَهُ وَفِي آخِرِهِ «فَاتَّقُوا شَهْرَ رَمَضَانَ فَإِنَّ الْحَسَنَاتِ تُضَاعَفُ فِيهِ وَكَذَلِكَ السَّيِّئَاتُ» وَهُوَ خَبَرٌ ضَعِيفٌ
وقال ابن حجر رحمه الله في فتح الباري ، المجلد 11 :
(قوله فان هو هم بها فعملها كتبها الله له سيئة واحدة) فِي رِوَايَةِ الْأَعْرَجِ فَاكْتُبُوهَا لَهُ بِمِثْلِهَا وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فَجَزَاؤُهُ بِمِثْلِهَا أَوْ أَغْفِرُ وَلَهُ فِي آخِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْ يَمْحُوهَا وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ يَمْحُوهَا بِالْفَضْلِ أَوْ بِالتَّوْبَةِ أَوْ بِالِاسْتِغْفَارِ أَوْ بِعَمَلِ الْحَسَنَةِ الَّتِي تُكَفِّرُ السَّيِّئَةَ وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَفِيهِ رَدٌّ لِقَوْلِ مَنِ ادَّعَى أَنَّ الْكَبَائِرَ لَا تُغْفَرُ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ وَيُسْتَفَادُ مِنَ التَّأْكِيدِ بِقَوْلِهِ وَاحِدَةً أَنَّ السَّيِّئَةَ لَا تُضَاعَفُ كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ وَهُوَ عَلَى وَفْقِ قَوْلِهِ تَعَالَى فَلَا يُجْزَى إِلَّا مثلهَا قَالَ بن عَبْدِ السَّلَامِ فِي أَمَالِيهِ فَائِدَةُ التَّأْكِيدِ دَفْعُ تَوَهُّمِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ إِذَا عَمِلَ السَّيِّئَةَ كُتِبَتْ عَلَيْهِ سَيِّئَةُ الْعَمَلِ وَأُضِيفَتْ إِلَيْهَا سَيِّئَةُ الْهَمِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِنَّمَا يُكْتَبُ عَلَيْهِ سَيِّئَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدِ اسْتَثْنَى بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وُقُوعَ الْمَعْصِيَةِ فِي الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ قَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قُلْتُ لِأَحْمَدَ هَلْ وَرَدَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ السَّيِّئَةَ تُكْتَبُ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ قَالَ لَا مَا سَمِعْتُ إِلَّا بِمَكَّةَ لِتَعْظِيمِ الْبَلَدِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى التَّعْمِيمِ فِي الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ لَكِنْ قَدْ يَتَفَاوَتُ بِالْعِظَمِ وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَاب ضعفين لِأَنَّ ذَلِكَ وَرَدَ تَعْظِيمًا لِحَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ مِنْ نِسَائِهِ يَقْتَضِي أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْفَاحِشَةِ وَهُوَ أَذَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَ مُسْلِمٌ بَعْدَ قَوْلِهِ أَوْ يَمْحُوهَا وَلَا يَهْلِكُ عَلَى اللَّهِ إِلَّا هَالِكٌ أَيْ مَنْ أَصَرَّ عَلَى التَّجَرِّي عَلَى السَّيِّئَةِ عَزْمًا وَقَوْلًا وَفِعْلًا وَأَعْرَضَ عَنِ الْحَسَنَاتِ هَمًّا وَقَوْلًا وَفِعْلًا قَالَ بن بَطَّالٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ فَضْلِ اللَّهِ الْعَظِيمِ عَلَى هَذِهِ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ لَوْلَا ذَلِكَ كَادَ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ لِأَنَّ عَمَلَ الْعِبَادِ لِلسَّيِّئَاتِ أَكْثَرُ مِنْ عَمَلِهِمُ الْحَسَنَاتِ وَيُؤَيِّدُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ مِنَ الْإِثَابَةِ عَلَى الْهَمِّ بِالْحَسَنَةِ وَعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ عَلَى الْهَمِّ بِالسَّيِّئَةِ ......
وللجنة الدائمة للإفتاء جواب جاء فيه :
هل الحسنات مضاعفة في المشاعر، وهل السيئات كذلك ؟
الحسنات تضاعف في الحرم لشرف المكان، فالصلاة في المسجد الحرام عن مائة ألف صلاة فيما سواه، وذلك يشمل الحرم كله مما هو داخل الأميال على الصحيح، وأما السيئة في الحرم فإنها تغلظ؛ لقول الله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ، لكنها لا تضاعف من جهة العدد؛ لقول الله تعالى: وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا .
والله أعلم والحمد لله رب العالمين .