{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً}
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:
فيقول الله عز وجل في كتابه الكريم:{لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ} [الأنعام:67]، قال في " أضواء البيان " « قال غير واحد من العلماء: {لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ}، أي: لكل خبر حقيقة ووقوع، فإن كان حقاً تبين صدقه ولو بعد حين، وإن كان كذباً تبين كذبه، وستعلمون صدق هذا القرآن ولو بعد حين »انتهى .
فالخبر مهما ذاع و انتشر، و مهما طال أمده أو قصُر، لابد له من مستقرِّ يستقرُّ فيه، إمَّا في مستقر الصدق، و إما في مستقر الكذب .
ألا و إنَّ من الأنباء التي راجت و اشتهرت و استفاضت حتى تواترت: ما أخبر به مشايخنا الأثبات لله عن مشايخ مجلة الإصلاح، و ما حصل منهم من التغير، و انتهاج نهج الاحتواء مع المخالفين، و تقاربهم مع كثيرٍ منهم و على رأسهم عبد المالك رمضاني و بن حنفية، و ركوبهم منهج التمييع في الجملة، و كان هذا من الأسباب الأساسية في مفارقة مشايخنا لهم، و مفاصلتهم عنهم، و تركهم إياهم، بيدَ أنَّ ذلك قوبل من قبلِ الجماعة بالنَّفي القاطع، و التكذيب العام، جملةً و تفصيلًا! ثم تعدَّاه إلى الطعن في مشايخنا و اتهامهم بالكذب و الظلم و الجهالة و العدوان، و السعي في تفريق كلمة السلفيين، و تمزيق الدعوة! فهبَّ كثيرٌ من إخواننا الثقات،-و من مناطق مختلفة-إلى نصرة مشايخهم الأثبات فأدلوا بما عندهم من شهادات مُوثَّقة، و أخبارٍ و قصصٍ مُؤَكَّدة، بأنواعٍ من المؤكدات، و مُوثقة بأنواع من التوثيقات، تُؤيِّد ما أخبر به مشايخنا عن أصحاب مجلة الإصلاح، و أنه حقٌّ لا مرية فيه، فقوبلت كذلك من قبل أصحاب مجلة الإصلاح بالتفنيد، و الطعن في عدالة الشهود، و القدح في نزاهتهم، و وصفهم بأبواق الفتنة، و بالنمامين و المحرشين، كلُّ ذلك: لإسقاط شهاداتهم و إبطالها! و تفنيد أخبارهم و إلغائها! لأنها ببساطة: قاصمة ظهورهم .
و عِوض أن يتوب القوم من أخطائهم، و يتراجعوا عن مؤاخذاتهم، التي ثبتت عنهم بأنواع من الأدلة و البراهين، و منها شهادات الثقات كما تقدَّم، عمدوا إلى استجلاب التزكيات من مشايخنا في بلاد الحرمين، بالتشكي و التباكي، و التَّزيُّن بالمظاهر الجوفاء، لتغطية مخالفاتهم، وإخفاء مؤاخذاتهم، مع الاجتهاد في تحسين صورتهم عند العلماء، متواطئين في ذلك مع الصعافقة اللئام، طمعًا في أن يُسهم ذلك في تغيير الموازين على الأرض!، و في الساحة الدعوية، فحصلوا على ما يُريدون، إلا أنَّ ذلك لم ينفعهم! لأنَّ الرجل الوسخ لا ينفعه أن يتجمل بالمجوهرات، و الثياب الحسنة، بل عليه أن يغتسل لإزالة درنه أوَّلًا!
ثم انتقل القوم إلى مرحلةٍ، أُخرى و هي تشويه صورة مشايخنا عند العلماء هناك، بإثارة مسائل جانبية، و تلفيق التُهمٍ، بالتعاون و التنسيق التام مع الصعافقة كذلك، قصد استخراج جرح من العلماء لمشايخنا يصرفون به وجوه الناس عن انحرافاتهم و مؤاخذاتهم، و يشغلونهم به عن محلِّ النزاع، و يُخرجونهم به عن محور الخلاف، و جوهر القضية، فحصلوا على شيء من ذلك! لكنه لم يُغيِّر من الواقع شيئًا! لأن الحق أكبر من الرجال، و هو أبلج، و أوضح من ضوء الشمس .
فثارت ثائرتهم، فأصيبوا بإسهال البيانات! فتتابعت بياناتهم في مشايخنا بما لم نعهده منهم في عتاة الحزبيين، بل قد طولبوا بكتابتها في حقِّ بعض رؤوس المخالفين فأبوا! أتدرون لماذا؟!: لأنها قبورهم التي سيحفرونها بأيديهم!! إذ إن ذلك سيُؤدي حتمًا إلى استفزاز هؤلاء المنحرفين، فيحملهم ذلك على الخروج عن صمتهم، و وضع ملفِّ القومِ على الطاولة، و كشف النقاب عن علاقاتهم الحميمية، و نظراتهم التوافقية، و تقارباتهم المنهجية، و لقاءاتهم السرية، التي ختموا على سريتها بختم: « المجالس بالأمانة!» .
لكن، يأبى الله إلا أن يفضح من ليس بصادق ، فإذا بعبد المالك رمضاني يخرج عن صمته، و يُفاجئهم بخرجة غير مُتوقعة لم تكن في حسبانهم، كشف فيها المستور، و أخرج بها المكنون، أربك بها القوم و أوقعهم في ورطة كبيرة، و فضيحة مخزية مدوية، حيث أبان عن تفاصيل مُثيرة، و دقائق خطيرة، بشهاداتٍ نزلت عليهم كالصواعق، أثبت بها ما أجهدَ القومُ أنفسهم لإخفائه و التستر عنه، و إسدال الستار عليه، و صدق القائل:
مهما تكن عند امرئٍ من خليقةٍ * * * و إن خالها تخفى على النَّاس تُعلمِ.
فإن قيل! - و قد قيل -: كيف صدَّقتم عبد المالك و قبلتم خبره و شهادته و بنيتم عليها هذه الطعون في جماعة الإصلاح، و أسستم عليها هذه المعاملة تُجاههم، و هو عندكم رجلٌ منحرفٌ ليس بثقة؟! قلنا:
الجواب من وجوه:
الأول: أن مفارقة مشايخنا لجماعة الاحتواء لم تكن بسبب ما أخبر به عنهم عبد المالك من المخازي! و معنى ذلك: أن مشايخنا لم يكونوا معهم على وفاق، ثم بمجرد أن تكلم فيهم عبد المالك بذلك الكلام تركوهم و فارقوهم استنادًا إلى خبره و شهادته! و لكنهم فاصلوهم قبل ذلك، و تركوهم قبل ذلك بوقت ليس باليسير، لما عندهم من الحجج و البراهين التي جاء ما يُوافقها و يُؤكدها من كلام عبد المالك.
الثاني: أنَّ الحق يُقبل من كلِّ من جاء به، كما أن الباطل يُردُّ على كلِّ من قال به، و الرجل إنما جاء بالحق الذي ثبت أصلًا بغير شهادته، و قبل شهادته، بأدلة متنوعة، و براهين مختلفة، سبق ذكرها، فأخذنا بشهادته التي جاء بها طواعية، لأنها موافقة لواقع القوم و حالهم، و لما شهد عليهم به الثقات من إخواننا، و لما نطق به مشايخنا .
الثالث: أن تصديقنا لخبر عبد المالك، ليس لذاته، و لكن لما حفَّه من قرائن دلَّت على صدق ما أخبر به عن القوم .
والتي منها: عدم مُقابلة القوم لشهادات عبد المالك بتفنيدٍ و تكذيبٍ واضح و صريح! حيث اكتفوا بردِّ توفيق عمروني في بضع كلمات يسيرة عامَّةٍ في غاية الهزال و البرودة، فلم يكن ردُّهم باهرًا على ما يقتضيه المقام، و لا قويًّا على قدر التُّهم الخطيرة المُوجَّهة إليهم، و لا مُفصَّلًا بحيث يستوعب جميع ما نسبه إليهم عبد المالك أو على الأقل: جلَّ ذلك، فما أشبهه بالتورية!! التي يُراد بها ذرُّ الرماد على العيون، للمحافظة على مساندة و تأييد من تعلمون! لأن سكوتهم قد يُفقدهم هذا المكسب!
و منها: طمع المميعة فيهم، و حسن ظنهم بهم، فكيف يا ترى كسبوا ثقتهم لولا مواقفهم التي يعرفونها عنهم، و منها ما شهد عليهم به عبد المالك؟!
و لا بأس أن أنقل هنا بعض أقوال كتاب منتدى «الكل» لنقف على حقيقة ذلك.
فهذا المدعو عمر بن محمد بدير الحلبي كتب مقالًا في منتدى «الكل» بعنوان " تعقيب وتثريب على بيان الأستاذ عز الدين رمضاني الموسوم بـ (نصيحة لإخواني السلفيين في الجزائر) " .
فكان من تعليقات الحلبيين على المقال، قول أحدهم: « لم نكن نتوقع مثل هذا البيان من الشيخ عز الدين،و كنا نحسن الظن به، ونلتمس فيه الخير، إذ لم يكن ديدنه الجرح والتجريح، والغوض في الفتن والسعي لنشر الفرقة والتحريش بين السلفيين، كما هو حال بعض المشايخ المحسوبين على الدعوة السلفية في الجزائر، ولكن للأسف الشديد لقد خاب ظننا فيه » .
فما هو يا تُرى سبب حسن ظن الحلبيين بهؤلاء؟ و طمعهم فيهم؟
و الجواب: هو منهجهم الذي يعلمونه عنهم، و مواقفهم التي لا تخفى عليهم، و التي هي من جنس ما شهد عليهم به عبد المالك، و هاك ما يدلُّ على ذلك من أقوال الحلبيين:
قال أحدهم مُعلِّقًا على مقال البومرداسي آنف الذِّكر: « هذا البيان من الشيخ عز الدين جاء تبرئة لنفسه بعد الاتهامات الكثيرة التي اتهم بها بعد الجلسة المسجلة بين أحد أعضاء هذا المنتدى وهو مسعود مسعودي والشيخ عبد المالك الرمضاني، حيث أدلى هذا الأخير بتصريحات مفادها أنَّ الشيخ عز الدين يؤيده في منهجه، مما سبب له مشاكل مع بعض المشايخ الذين معه » .
و في مقالٍ آخر لهذا البدير بعنوان " عز الدين رمضاني بين تأصيلات الشيخ ربيع و تأصيلات الشيخ الحلبي "، قال فيه مُخاطبًا عز الدين رمضاني: « لقد طالبك لزهر في تعليق صوتي على كلمتك الصوتية حول الشيخ عبد المالك رمضاني ، ببيان موقفك الصريح ممن سماهم سنيقرة عبد الزهير المدعو لزهر - بالمدافعين عن عبد المالك الرمضاني و الحلبي فمن هم يا عز الدين رمضاني؟؟؟!!!! .
إنهم من أقرب الناس إليك و هم بشهادتك من خيرة الخطباء و طلاب العلم و لن أسميهم الآن كما لم يسمهم سنيقرة، فهل ستتخلى عنهم و عن الدفاع عنهم؟ » .
فتأمل في الذي جعلهم يحسنون الظنَّ بالرجل، و يطمعون فيه، و في جماعته .
و علَّق هذا البدير في نفس المقال على الكلام الذي سبق نقله عن أحد الأعضاء، و الذي قال فيه: هذا البيان من الشيخ عز الدين جاء تبرئة لنفسه بعد الاتهامات الكثيرة التي اتهم بها بعد الجلسة المسجلة بين أحد أعضاء هذا المنتدى وهو مسعود مسعودي والشيخ عبد المالك الرمضاني، حيث أدلى هذا الأخير بتصريحات مفادها أنَّ الشيخ عز الدين يؤيده في منهجه، مما سبب له مشاكل مع بعض المشايخ الذين معه، فجاءت هذه البراءة من الشيخ عز الدين من منهج الشيخ عبد المالك ووصفه بالفاسد ».
فقال البومرداسي: لكنه لم يتبرأ من الشيخ بن حنفية و ثنائه عليه ،فالشيخ عبد المالك لم يكن مخطئا لأنه لمس استجابة من الشيخ عز الدين في المجلس - و خرج من المجلس و هم يضحكون و يتعانقون- و بعدها الشيخ عز الدين بدأ يحذر من الإقصاء كما في مجلس القبة (الدورة العلمية) و عين النعجة في دروسه، و في سحاولة في مسجد ذلك الذي أوقفته الوزارة لا أذكر اسمه الآن !!» .
و قال البومرداسي في مقالة له بعنوان " تعقيب وتثريب على بيان الأستاذ عز الدين رمضاني الموسوم بـ (نصيحة لإخواني السلفيين في الجزائر) "
« هل أذكرك يا فضيلة الشيخ بكلامك الذي سمعه منك الشهود – وهم كُثُر - ما قلته في هذا المنهج التجريحي الفاسد وأنك تسعى وبعض إخوانك إلى علاجه والحدِّ منه وقطع دابره!!! » .
كما كتب الحلبيون في منتداهم بشارة، بتزكية عز الدين رمضاني لعمر حمرون و نصحه بمجالسه، تحت عنوان " " بشرى للسلفيين ... الشيخ عز الدين رمضاني ينصح بحضور مجالس ودروس الشيخ عمر حمرون (جديد) " .
و أما هذه فأخبرني أنا إبراهيم بويران، أحد إخواننا الثقات: أن خالد حمودة سُئل عن حال عمر حمرون، فأجاب بقوله: الشيخ عز الدين يزكيه! و كان ذلك في منطقة بني عمران أين كان يُلقي دروسه قبل أن يتمَّ توقيفه، ففيه إثبات تزكية عزالدين رمضاني لهذا المنحرف، و موافقة حمودة له في ذلك .
و الحاصل من هذا: أن طمع الحلبيين في عز الدين رمضاني و حسن ظنهم به و بجماعته، هو هذه المواقف التي يعلمونها عنهم، من موافقتهم لعبد المالك، و استجابتهم له، و صحبتهم للمنحرفين و تقريبهم إياهم و دفاعهم عنهم، و ما أشبه ذلك، فلذلك استغربوا غاية الاستغراب من بيانه في الحلبي و عبد المالك، و حُقَّ لهم ذلك! حتى إنَّ بعضهم شكَّك في هذا البيان، و أنه لم يكن من عز الدين رمضاني عن قناعة، و إنما كان تحت الضغط و الإكراه! فقال في تعليقٍ له على المقال السابق: « أنا ذكرت للعقلاء سبب هذا الكلام الذي كتبه الشيخ عز الدين ونشره، وأنَّه فعل ذلك من باب: مكرهٌ أخاك لا بطل !» .
فهذه القرائن يكفي بعضها لإثبات صدق عبد المالك في شهاداته على القوم، فكيف بها مجتمعة؟ و كيف إذا أُضيف إليها ما سبق من شواهد الصدق؟
و الله أعلم، و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
تعليق