إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صلاة الكسوف، أسبابها، وحكمها، وكيفيتها

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صلاة الكسوف، أسبابها، وحكمها، وكيفيتها

    <بسملة1>


    صلاة الكسوف، أسبابها، وحكمها، وكيفيتها

    لفضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله






    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

    فأسباب الكسوف:
    أسباب الكسوف نوعان: نوع شرعي لا يطلع عليه إلا بالوحي، ونوع طبيعي يطلع عليه علماء الفلك ويعرفونه ويقدرونه بحساب لا يزيد دقيقة ولا ينقص دقيقة، وهذا السبب الفلكي معلوم عند العلماء، تكلم فيه العلماء قديماً كشيخ الإسلام ابن تيمية وغيره، وبينوا أن هذه الأسباب معلومة يعرفها أهل الفلك وعلماء الهيئة - يعني: علماء الفلك - ويقدرونها، ستكون في الساعة الفلانية في اليوم الفلاني أو في الليلة الفلانية؛ وذلك لأن جريان الشمس والقمر بتقدير العزيز العليم -عز وجل- لا يختلف، ولا يمكن أن يتقدم أو يتأخر، قال الله -تبارك وتعالى-: (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ )[يس:38-40].

    هذه الأسباب الطبيعية قد لا يتكلم عنها الوحي من الكتاب والسنة بكلام كثير؛ لأنها موكولة إلى العلم وتقدمه، وليست ذات فائدة كبيرة. أما السبب الثاني - السبب الشرعي - الذي لا يطلع عليه إلا بالوحي فهذا هو المهم، وهذا السبب الشرعي لا يعرفه هؤلاء الفلكيون، بل هم من أجهل الناس به.

    السبب الشرعي: هو عقوبات انعقدت أسبابها، ولكن الله -سبحانه وتعالى- برحمته رفعها عن العباد وخوفهم منها بهذا الخسوف سواء في الشمس أو في القمر، فأسبابها عقوبات انعقدت أسبابها، فكسفت الشمس أو القمر تخويفاً للعباد وإنذاراً لهم، نحن لا يمكن أن ندرك هذا بحساب ولا بتفكير، لا يدرك هذا إلا عن طريق الوحي، والنبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أخبرنا فقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته» وكانوا في الجاهلية يعتقدون أن الشمس والقمر لا ينكسفان إلا لموت عظيم أو حياة عظيم، وسبحان الله الحكيم العليم صادف كسوف الشمس في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- اليوم الذي توفي فيه إبراهيم -رضي الله عنه-، إبراهيم بن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فماذا قال الناس؟ قالوا: كسفت الشمس لموت إبراهيم، فأبطل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- هذه العقيدة، أبطلها إبطالاً تاماً؛ لأن الأفلاك والعالم العلوي لا تتأثر بما يكون في العالم السفلي أبداً، فالأفلاك العليا لا تتأثر بما يكون في العالم السفلي، ولذلك تحدث الحروب والأوبئة وغيرها من الفضائل العظيمة لكن هل تتأثر الأفلاك بذلك؟ لا: تكون الزلازل وتكون الحروب ويكون الفقر والأمراض وغيرها، لكن الشمس هي الشمس، والقمر هو القمر، والنجوم هي النجوم، وسيرها هو سيرها، بل الغمام هو الغمام، والمطر هو المطر، لكن الله -عز وجل- يحدث في العالم العلوي ما يكون سبباً لتخويف العالم السفلي وهو الكسوف.

    أما السبب الطبيعي فهو معلوم عند علماء الفلك يعرفونه بالساعة والدقيقة، والليل والنهار، لكن هذا لا يعنينا كثيراً، والذي يعنينا كثيراً ويهمنا هو الذي لا يعلم إلا عن طريق الوحي وهو السبب الشرعي.

    حكم صلاة الكسوف:
    أما حكم الصلاة - أعني صلاة الكسوف - فإن أكثر العلماء على أنها سنة، ولكن الصحيح أنها واجبة إما على الكفاية، وإما على الأعيان، على الكفاية بمعنى: أنه إذا قام بها بعض أهل البلد حصل المقصود، أو على الأعيان بمعنى: أنه يجب على كل واحد أن يصلي صلاة الكسوف، ولكن الأرجح أنها واجبة على الكفاية، وأنه لا يمكن لأهل البلد ألا يقيموا صلاة الكسوف، فإن فعلوا فهم آثمون.

    الدليل على هذا: أن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- فزع للكسوف فزعاً عظيماً، وخرج مسرعاً حتى إنهم لحقوه بردائه -عليه الصلاة والسلام-، ووضعوه على كتفه وجعل يجر رداءه من هول الفزع، وأتى إلى المسجد وأمر منادياً أن ينادي "الصلاة جامعة" واجتمع الناس، وكان يوماً حاراً، اجتمعوا وصلى بهم النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاةً غريبة، لا نظير لها في الصلوات، وشاهد في هذه الصلاة ما لم يكن يعلمه من قبل، ورأى الجنة ورأى النار، ورأى ما توعد به هذه الأمة، وكشف له عن عذاب القبر، حصل أمور عظيمة جداً جداً! مما يدل على أهميتها، وأنها لها شأن عظيم، لا يمكن أن يبلغنا ما حصل من النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثم نقول: هي سنة من شاء صلى ومن شاء لم يصل، أبداً، ثم أمر بالفزع إلى الصلاة، وبالذكر، والدعاء والتكبير، والاستغفار، والصدقة والعتق، كل هذا وقع من الرسول -عليه الصلاة والسلام-، فصلاة احتفت بها هذه القرائن العظيمة لا يمكن أن نقول: إنها سنة، بل هي فرض كفاية، إذاً: صلاة الكسوف فرض كفاية، ومعنى فرض الكفاية: أنه يجب على أهل البلد أن يصلوا، وإذا حصل العدد الذي يكفي في إقامة الصلاة فإنها تسقط عن الباقين، أما أن يدعها أهل البلد ويأتي الكسوف ويمر وكأنه سحاب مر على الأفق فهذا لا يمكن أن يقع.

    كيفية صلاة الكسوف:
    أما كيفيتها: فلها زمان ولها مكان ولها هيئة.

    زمانها: من حين أن يظهر أثر الكسوف فهناك تشرع الصلاة، فإن قدر أن الكسوف يسير ولم يتبين أي: لم ينكسر به نور الشمس أو القمر فإنها غير مشروعة، حتى لو علمنا من ناحية العلم الفلكي أنه سيكون كسوف، ولكن لم يتبين فإنه لا يشرع الكسوف؛ لأنه لا عمل على الحساب، لا بد أن يتبين انكسار النور، فمن حين يتبين يفزع الناس إلى الصلاة إلى أن ينجلي، فإذا انجلى فلا صلاة، فلو قدر أن الكسوف وقع في آخر الليل والناس نائمون، ولما استيقظوا وإذا قد بقي جزء يسير حتى ينجلي، وقد زال أثر الكسوف فهنا لا تشرع الصلاة؛ لأنه زال السبب (انتهى الزمن) وهي لا تقضى إذا فاتت لأنها من ذوات الأسباب، وكل صلاة لها سبب إذا فات سببها فإنها لا تقضى.

    أما المكان: فمكانها الجوامع، تصلى في الجوامع، هذا هو الأفضل، لأن الناس في عهد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- اجتمعوا في مسجد واحد، ولهذا قال العلماء: الأفضل في صلاة الكسوف أن تقام في المسجد الجامع، يعني: الذي تصلى فيه الجمعة، لكن إذا قدر أن المساجد الأخرى فيها عجزة، فيها شيوخ، عندهم كسل، وأقاموا صلاة الكسوف في مساجدهم فلا بأس لأن عمل الناس عليه من زمان قديم، لكن إذا أمكن أن يجتمع الناس في الجوامع فهذا أفضل وأحسن.

    أما كيفيتها: فإنها أولاً: لها نداء -أذان- لكنه ليس كالأذان المعتاد، بل يقال: الصلاة جامعة؛ حتى يجتمع الناس، تكرر هذه الكلمة بقدر ما يغلب على الظن أن الناس بلغهم ذلك، يعني: مرتين، ثلاثاً، أربعاً، خمساً، حسب الحال، قد يكون الناس في الليل نائمين فنزيد التكرار، وقد يكون في النهار والنهار ضجة وأصوات وصخب فنزيد في ذلك حسب الحال، لكن الثلاث هي الأصل، وما زاد فبحسب الحاجة، وإنما قلت: إن الثلاث هي الأصل لأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان إذا تكلم تكلم ثلاثاً، وإذا سلم سلم ثلاثاً حتى يُبلغ.

    ثم يحضر الناس، ويتقدم الإمام ويصلي بهم صلاةً جهرية حتى في النهار، لأن الصلاة النهارية الأصل فيها أنها سرية؛ لكن إذا كانت صلاةً ذات اجتماع صارت جهرية، كل صلاة يجتمع الناس عليها جميعاً في النهار فإنها تكون جهرية، انظر إلى العيد فإنها جهرية، والجمعة جهرية، والاستسقاء جهرية؛ لأن الناس يجتمعون، فإذا اجتمعوا فإنه من الحكمة أن يكونوا على قراءة الإمام يستمعون إليها جميعاً، فكل صلاة ذات اجتماع عام فإنها جهرية، أقصد في النهار أما الليل فكل صلاة جهرية.

    فيكبر ويستفتح: «سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جَدُّك، ولا إله غيرك» وهناك استفتاح آخر: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب -يعني: فلا أفعل الخطايا، اجعلها عني بعيدة- اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس -أي: اجعلني نقياً منها، لا تعلق بي كما لا يعلق الوسخ بالثوب الأبيض- اللهم اغسلني من خطاياي -بعد التنقية غسل لإزالة الأثر نهائياً- بالماء والثلج والبرد» إذاً فليستفتح إما بالأول: «سبحانك اللهم وبحمدك .».. إلخ، وإما بالثاني: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي» ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة طويلة طويلة، قدرها الصحابة -رضي الله عنهم- بنحو سورة البقرة، ثم يركع ركوعاً طويلاً طويلاً طويلاً، لكن ماذا يقول في الركوع؟ لأنا فهمنا أنه في القيام يقرأ، لكن في الركوع ماذا يقول؟ يقول: سبحان ربي العظيم، يكررها، ولو كررها ألف مرة، ويقول أيضاً: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» ويقول: «سبوح قدوس رب الملائكة والروح» لأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال في الركوع: «عظموا فيه الرب» فأكثر من تعظيم الله.

    ثم يرفع، وإذا رفع قال: سمع الله لمن حمده حين رفعه ويقول: ربنا ولك الحمد إذا استقام، إلا المأموم فيقول: ربنا ولك الحمد في حال الرفع، ثم يقرأ الفاتحة وسورةً طويلةً طويلةً لكنها دون الأولى، ثم يركع ركوعاً طويلاً طويلاً لكنه دون الركوع الأول، ثم يرفع قائلاً: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، ويطيل القيام بقدر الركوع، ماذا يقول في القيام وهو طويل؟ يحمد الله، هذا القيام محل حمد، يقول مثلاً: «ربنا ولك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد» ويكرر الحمد: «اللهم لك الحمد، أنت رب السماوات والأرض، اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض، اللهم لك الحمد أنت قيوم السماوات والأرض» وما أشبه ذلك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال في الركوع «عظموا فيه الرب» هذا في الركوع، ثم في القيام بعد الركوع ما ذكر شيئاً معيناً لكنه -عليه الصلاة والسلام- جعله محلاً للحمد.

    ثم يسجد السجدة الأولى ويطيل ويطيل ويطيل، ويقول: «سبحان ربي الأعلى» لأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «اجعلوها في سجودكم» ويكرر الدعاء؛ لأن النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: «أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فَقَمِنٌ - أي: حري - أن يستجاب لكم» أكثر من الدعاء، هذا السجود يكون بقدر الركوع، ثم يقوم من السجدة الأولى ويجلس بين السجدتين جلوساً بقدر السجود، وماذا يقول؟ يقول: «رب اغفر لي، وارحمني، وعافني، وارزقني، واجبرني، واهدني» ويكرر من الاستغفار؛ لأن هذا الجلوس جلوس استغفار فليكرر، كان النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يستغفر الله ويتوب إليه في كل يوم مائة مرة، ثم يسجد السجدة الثانية ويطيل السجدة، ثم يقوم إلى الركعة الثانية ويقرأ فيها، لكن قراءته دون قراءته الأولى، وركوعه دون ركوعه الأول، وقيامه بعد الركوع دون قيامه الأول، وسجوده دون سجوده الأول، وجلوسه بين السجدتين دون سجوده الأول، والسجود الثاني دون السجود في الركعة الأولى، ثم يتشهد ويكمل ويسلم.

    فلو انتهت الصلاة والخسوف باق، لم تنجل الشمس أو لم ينجل القمر، فماذا يصنع الإنسان؟ قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «صلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم» ورسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- انصرف من الصلاة وقد تجلت الشمس، فإذا أنهينا الصلاة والكسوف باق فالباب مفتوح -ولله الحمد- ماذا نصنع؟ نستغفر الله وندعو الله حتى ينجلي، ثم (حتى ينجلي..) هل المراد حتى يزول بالكلية، أو نقول: إذا بدأ الانجلاء فقد زال التخويف؟ ظاهر النصوص أنه إلى الانجلاء نهائياً تبقى تدعو الله، تستغفر الله، تذكر الله، تكبر الله حتى ينجلي.

    مسائل في صلاة الكسوف:
    المسألة الأولى: لو أن شخصاً دخل والإمام قد رفع من الركوع الأول وأدرك الركوع الثاني أيكون مدركاً لركعة أو لا؟

    الجواب: لا، ليس مدركاً للركعة، فإذا دخلت مع الإمام في الركعة الأولى لكنه قد فاتك الركوع الأول منها فإذا سلم الإمام تأتي بركعة، لكن هل تأتي بركعة مبتورة - أي: ليس فيها إلا ركوع واحد - أو بركعة فيها ركوعان؟

    الجواب: بالثاني، لا بد أن تأتي بركعة فيها ركوعان؛ لأن الركعة الأولى فاتتك، وقد قال النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» إذاً لا بد أن تأتي بالركعة التي فاتتك على صفتها: ركوعان في الركعة وسجودان.

    المسألة الثانية: لو أن الإنسان خفف الصلاة هل يكون قد أتى بالواجب؟

    الجواب: نعم أتى بالواجب، لكن الأفضل أن يطيل، والدليل أنه أتى بالواجب: قول النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب» وهذا قرأ، وقوله للرجل: «اركع حتى تطمئن راكعاً» وهذا اطمأن، فيجزئ لكن الأفضل الإطالة كما فعل النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-.

    المسألة الثالثة: هل يقال للنساء في البيوت، أو لمن كان في بيته لمرض وعجز، هل يقال: صلوا أو لا؟

    الجواب: يقال: صلوا لعموم الحديث: «صلوا وادعوا» فيقال لهؤلاء: صلوا في البيوت، ولا بأس أن تصلوا جماعة -أيضاً- كما لو فرض أن النساء فيهن امرأة قارئة أمتهن فلا بأس؛ لأن الحديث عام يشمل صلاتها في المساجد وصلاتها في البيت، لكن سبق لنا أنه بالنسبة للرجال الأفضل أن يصلوها في الجوامع.

    المسألة الرابعة: إذا مر الإنسان بآية السجدة في صلاة الكسوف هل يسجد ويطيل السجدة، أو يسجد سجدة خفيفة كالعادة؟

    الظاهر الأول: أنه إذا سجد للتلاوة يطيل سجدة التلاوة كما أطال سجدة الصلاة؛ وذلك من أجل أن تكون الصلاة متناسبةً؛ لأن سجود التلاوة داخل الصلاة حكمه حكم سجود الصلاة، فينبغي أن يكون طويلاً متناسباً.

    المسألة الخامسة: هل ينبغي لنا إذا علمنا متى يكون الكسوف أن نخبر الناس بذلك ليستعدوا للصلاة، أو الأفضل ألا نخبرهم؟

    الجواب الثاني: ألا نخبرهم؛ لأن كون الشيء يأتي والإنسان مستعد له يقلل من هيبته ومن خوف الإنسان، لكن إذا جاء بغتة صار له وقع في النفس، ولذلك ترى الناس الذين علموا بوقت الكسوف تراهم يترقبونه، يتراءون القمر ويتراءون الشمس كما يتراءون الهلال، يعني: أن المسألة باردة عندهم، فكون الناس لا يعلمون إلا حين وقوعه لا شك أنه أعظم مخافة وأعظم هيبة، ولهذا إذا علمت به فلا تحرص على الإخبار به لا أهلك ولا لغير أهلك.

    أسأل الله تعالى أن يقينا وإياكم شر عقوباته، وأن يعيذنا وإياكم من سخطه وعقابه، إنه على كل شيء قدير.
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الرحمن محمد ربوزي; الساعة 2018-07-27, 04:11 PM.

  • #2
    جزاكم الله خيرا أخي محمد وبارك فيكم ورحم الله الشيخ العلّامة ابن عثيمين وجزاه عنّا خير الجزاء.

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا أخي محمد وبارك فيك.

      تعليق


      • #4
        وجزاكما الله خيرا وبارك فيكما
        رحم الله الشيخ العثيمين ورفع درجته في جنات النعيم

        تعليق


        • #5
          جزاكم الله خيرا أخي محمد وبارك فيكم ورحم الله الشيخ العلّامة ابن عثيمين وجزاه عنّا خير الجزاء.

          تعليق


          • #6
            لقاءات وحوارات

            الكسوف والخسوف تخويف من الله تعالى لعباده

            السؤال1: سماحة الشيخ: طالعتنا الصحف بخبر مفاده:
            أن القمر سوف يخسف خسوفا كليا بعد غروب الشمس بقليل، وذلك قبل خسوفه بثلاثة أيام، وقد شرح الكاتب أسباب الخسوف وبدايته ونهايته مما يثير في النفس عدة تساؤلات بعد الحقائق التالية:
            أ- إن خسوف القمر والشمس شيء طبيعي؛ لأن أصحاب المراصد الفلكية أخبروا عنه قبل وقوعه بعدة أيام وحددوا قدره وبدايته ونهايته بكل دقة.
            ب- إن الرسول ï·؛ أمرنا فيما رواه مسلم عن عائشة أن نفزع في حالة الخسوف إلى الصلاة وقال: فصلوا حتى يفرج الله عنكم.
            جـ- وما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: كنا نؤمر عند الخسوف بالعتاقة -أي العتق-.
            د- ورد في فتح الباري: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده.
            فلماذا يفزع العباد والخسوف شيء طبيعي معلوم من قبل حدوثه؟
            الجواب: أولا: ثبت عن النبي ï·؛ أنه أخبر أن الكسوف والخسوف للشمس والقمر يقعان تخويفا من الله لعباده، وحثا لهم على مراعاة هذه الآيات والخوف من الله عز وجل والفزع إلى ذكره وطاعته، وأخبر عليه الصلاة والسلام أنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس ولا لحياته، وإنما هما آيتان من آيات الله يخوف الله بهما عباده، وقال: إذا رأيتم الخسوف فافزعوا إلى ذكره ودعائه[1]، وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: إذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا حتى يكشف ما بكم[2].
            وأمر في ذلك بالتكبير والعتاقة والصدقة، كل هذا مشروع عند الكسوف، الصلاة والذكر والاستغفار والصدقة والعتق والخوف من الله ïپ• والحذر من عذابه.
            وكونها آية تعرف بالحساب لا يمنع كونها تخويفا من الله جل وعلا، وأنها تحذير منه ïپ‰، فإنه هو الذي أجرى الآيات، وهو الذي رتب أسبابها كما تطلع الشمس وتغرب الشمس في أوقات معينة، وهكذا القمر، وهكذا النجوم، وكلها آيات من آيات الله ïپ‰، فكون الله جعل لها أسبابا كما ذكر الفلكيون يعرفون الخسوف بها لا يمنع من كونها تخويفا وتحذيرا من الله ïپ•، كما أن آياته المشاهدة من شمس وقمر ونجوم وحر وبرد كلها آيات فيها التخويف والتحذير من عصيان الله على هذه النعم، وأن يحذروه وأن يخافوه وأن يخشوه سبحانه، حتى يستقيموا على أمره، وحتى يدعوا ما حرم عليهم، فوجود الآيات في السماء من خسوف وكسوف وغير ذلك، وكون الفلكيين والحسابين يعرفون أسباب ذلك في الغالب، لا يمنع كونها آيات، والحساب قد يغلط، والفلكي قد يغلط في بعض الأحيان، وقد يصيب، ولكنه -في الغالب- إذا كان متقنا للحساب يدرك هذا الشيء، وليس هو من علم الغيب؛ لأن له أسبابا معلومة يسبرها الحسابون بتنقل الشمس والقمر، ويعرفون منازل الشمس والقمر، ويعرفون المنزلة التي فيها الخسوف والكسوف، وهذا لا ينافي ما أمر الله به على لسان رسوله ï·؛ من الخوف من الله أو الصدقة أو غيرها، هذا كله من مصلحة العباد، حتى يخافوا ويحذروا ويستقيموا، وكونها تعرف بالحساب لا يمنع ذلك.

            السؤال2: ألا يقلل نشر مثل هذه الأخبار من أهمية الخسوف؟
            الجواب: لو ترك النشر لكان أحسن وأفضل؛ حتى يفجأ الناس الخسوف، ويكون ذلك أقرب إلى فزعهم وخوفهم واجتهادهم في طاعة الله ïپ‰، لكن بعض الحسابين يرى أن في ذلك حثا على التهيؤ والاستعداد وعدم الغفلة؛ لأنه قد يأتي غفلة وهم لا يشعرون ولا ينتبهون، فإذا نشر في الصحف انتبه الناس لهذا الشيء وأعدوا له عدته في وقته، هذا مقصود من نشر ذلك في الأغلب.

            السؤال3: أليس التنبؤ بمثل خسوف القمر والشمس من مسابقة الأحداث ومصادمة الأدلة الشرعية، والله يحفظكم ويرعاكم؟
            الجواب: لا، قال أهل العلم: إنه ليس من أمور الغيب، وهذا مدرك بالحساب، كما قال هذا شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وغيرهما من الأولين، ومعروف عند أهل الفلك والحسابين لمنازل القمر والشمس، يعرفون هذا بطرق سبروها ودرسوها وعرفوها، وليس من علم الغيب[3].



            أخرجه البخاري في كتاب الجمعة، باب الذكر في الكسوف، برقم 1059، ومسلم في كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف الصلاة جامعة، برقم 912.
            أخرجه مسلم في كتاب الكسوف، باب ذكر النداء بصلاة الكسوف الصلاة جامعة، برقم 911.
            هذا السؤال واثنان بعده نشرت في كتاب فتاوى إسلامية، من جمع محمد المسند، ص 342. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 30/ 288).

            الموقع الرسمي للعلامة بن باز رحمة الله عليه

            تعليق


            • #7
              خطبة الكسوف للشيخ عبد الرزاق البدر

              خطبة جمعة بتاريخ : 15/07/1432 هـ .

              الحمد لله العلي القدير ، العليم الحكيم ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له ملك السموات والأرض وإليه المصير ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله البشير النذير صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
              أما بعد أيها المؤمنون : اتقوا الله تعالى ؛ فإن تقوى الله جل وعلا خير زاد يبلغ إلى رضوان الله ، قال الله تعالى : {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:197].
              أيها المؤمنون : لقد شهد الناس في الليلة قبل الماضية آيةً عظيمةً باهرةً من آيات الله العظام دالةً على كمال اقتدار الله عز وجل وكمال تدبيره سبحانه ؛ ألا وهي - عباد الله - خسوف القمر خسوفاً كلياً في ليلة الرابع عشر ليلة كمالِ الإبدار وتمامِ الضياء والنور ؛ فكانت آية عظيمة تهز القلوب وتُري العباد كمال الخالق جل وعلا ووجوب الخوف منه سبحانه واللجوء إليه عز وجل ؛ ولهذا تأسى المؤمنون برسول الله عليه الصلاة والسلام فخرجوا إلى المساجد ليصلُّوا صلاة الكسوف متأسين بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعاءٍ وذكرٍ وسؤالٍ واستغفارٍ وفزعٍ إلى الله جل وعلا ، والله تعالى يقول : { وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا } [الإسراء:59] .
              أيها المؤمنون ولقد شاهد نبينا عليه الصلاة والسلام – وهو يصلي بالناس- شاهد بعينه أثناء صلاته الجنة وشاهد النار ، ولما رأى الجنة تقدم ، ولما رأى النار تأخر ، وأخبر - عليه الصلاة والسلام - بأمورٍ شاهدها في النار على سبيل تنبيه العباد وتذكيرهم وتخويفهم من موجبات دخول النار ؛ يقول عليه الصلاة والسلام : ((لَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا)) وقال عليه الصلاة والسلام : (( فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ )) ، وقال عليه الصلاة والسلام : ((إِنِّي قَدْ رَأَيْتُكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ كَفِتْنَةِ الدَّجَّالِ)) ؛ كل ذلكم قاله عليه الصلاة والسلام للناس بعد صلاة الكسوف ؛ قالت عائشة رضي الله عنها : (( فَكُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ النَّارِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ )) .
              أيها المؤمنون : وفي خطبة نبينا عليه الصلاة والسلام وعَظَ الناس وحذَّرهم وأنذرهم ونهاهم عن الذنوب والآثام التي توجب دخول النار ، وكان تحذيره عليه الصلاة والسلام من الذنوب والآثام وكبائر الذنوب العظام بطريقةٍ تميزت في تلك الخطبة بذكره - عليه الصلاة والسلام - لأشخاصٍ رآهم في النار يذوقون حرها ويصطلون بنارها ، وذكر سبب ذلك - عليه الصلاة والسلام - تحذيراً وإنذارا .
              وبمناسبة حداثة عهدنا بخسوف القمر فلنقف - أيها المؤمنون - مع موعظة نبينا عليه الصلاة والسلام البليغة ، لنقف وقفةً يحاسب فيها العاقل نفسه ويعمل على تغيرِ حاله ؛ فإن الله تعالى يقول : { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ }[الرعد:11] . وقد جمع النبي عليه الصلاة والسلام في خطبته تلك ذِكْر ذنوب أربعة ؛ هي أعظم الذنوب وأخطرها وأكبرها وأشنعها ، جمعها عليه الصلاة والسلام تحذيراً وإنذارا ؛ وهي : الشرك ، والقتل والزنا ، والسرقة .
              أما تحذيره من الشرك وبيانه لخطورته فإنه صلى الله عليه وسلم قال : ((رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ – أي أمعاءه - كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ)) وعمرٌو هذا هو الذي سنَّ للجاهلية جاهليتهم ، وجلب الأصنام لجزيرة العرب ، ودعا الناس فأجابوه ؛ فتغيرت الفطَر وانحرف الناس وبدَّل دين إبراهيم الخليل عليه السلام فأصبحت الأصنام تُعبَد حول الكعبة بيت الله ، وأصبحت الأصنام تُنصب حول الكعبة بيت الله ويقصدها الناس حتى أن تلبيتهم في الحج تحولت إلى تلبيةٍ ملوثةً بعبادة الأصنام ؛ فكان قائلهم يقول في تلبيته : " لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ إِلَّا شَرِيكًا هُوَ لَكَ تَمْلِكُهُ وَمَا مَلَكَ " .
              والشرك - عباد الله - : هو الذنب الذي لا يُغفر ، والجرم الذي إذا مات عليه صاحبه ليس له يوم القيامة إلا النار مخلداً فيها أبد الآباد ، ولا فرق في الشرك - عباد الله - بين عبادة صنمٍ من الأصنام أو قبرٍ من القبور أو قبةٍ من القِباب ؛ فالعبادة حقٌ لله تبارك وتعالى والدعاء حقٌ لله تبارك وتعالى فهو المعبود بحقٍ ولا معبود بحقٍ سواه ، { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}[الجن:18] ، { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } [البينة:5] .
              أيها المؤمنون : وفي تحذير النبي عليه الصلاة والسلام من جريمة القتل ؛ وهي جريمةٌ شنيعة فيها تعدٍ على الأرواح المعصومة ذكر - صلى الله عليه وسلم - في خطبته تلك قال : ((رَأَيْتُ فِيهَا – أي في النار - امْرَأَةً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ تُعَذَّبُ فِي هِرَّةٍ لَهَا رَبَطَتْهَا فَلَمْ تُطْعِمْهَا وَلَمْ تَدَعْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ)) ؛ قطةٌ قتلتها هذه المرأة هذه القِتْلة الشنيعة فكان قتلها لها موجباً لدخول النار ، ورآها -عليه الصلاة والسلام- تعذب في النار بتلك الهرة ؛ فكيف - عباد الله - بمن يعتدي على الأرواح المعصومة والنفوس المسلمة !! يتعدى عليها قتلاً بأشنع أنواع القِتْلات في صورٍ نشاهد بعضها وألواناً منها في زماننا هذا من أهل وحشيةٍ وعدوان وجبروتٍ وطغيان . نسأل الله عز وجل أن يقصم كل معتدٍ آثم ، وأن يقطع دابر المجرمين ، وأن يحقن دماء المسلمين بمنِّه وكرمه .
              أيها المؤمنون : وفي تحذير نبينا عليه الصلاة والسلام من الزنا في خطبته تلك قال عليه الصلاة والسلام : (( يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ ؛ وَاللَّهِ مَا مِنْ أَحَدٍ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ أَنْ يَزْنِيَ عَبْدُهُ أَوْ تَزْنِيَ أَمَتُهُ ، يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ وَاللَّهِ لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلبَكَيْتُمْ كَثِيرًا )) ؛ فحذَّر عليه الصلاة والسلام من الزنا ، تلك الجريمة الشنيعة والذنب الفظيع الذي نهى الله جل وعلا الناس عن قربانه { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } [الإسراء:32] ، والزنا مرضٌ فتاك وداءٌ خطير ومجلَبةٌ لأنواعٍ من الفساد والأضرار في المجتمعات مما لا يعلم مداه إلا الله سبحانه وتعالى .
              أيها المؤمنون : وفي تحذير النبي عليه الصلاة والسلام من السرقة - وهي تعدٍ على الحقوق وأكلٍ لأموال الناس بالباطل - قال صلى الله عليه وسلم في خطبته تلك : (( رَأَيْتُ فِيهَا - أي النار - صَاحِبَ الْمِحْجَنِ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِى النَّارِ كَانَ يَسْرِقُ الْحَاجَّ بِمِحْجَنِهِ فَإِنْ فُطِنَ لَهُ قَالَ : إِنَّمَا تَعَلَّقَ بِمِحْجَنِى ، وَإِنْ غُفِلَ عَنْهُ ذَهَبَ بِهِ )) ؛ فرأى النبي عليه الصلاة والسلام هذا السارق الذي يسرق حجاج بيت الله الحرام يُعذَّب بسرقته في النار ، والسرقةُ جريمةٌ نكراء وذنبٌ شنيع فيه تعدٍ على الأموال المحترمة وعلى حقوق الناس ، وفيه أكلٌ لها بالباطل ، وهو موجبٌ لدخول النار كما هو واضح في هذا الحديث .
              أيها المؤمنون : هذه ذنوبٌ وجرائم أربعة هي أكبر الجرائم وأفظعها وأشنعها ؛ جمعَها النبي عليه الصلاة والسلام بالذكر في موعظته تلك تحذيراً للعباد وتخويفاً وتنبيهاً بتلك المناسبة ألا وهي شهودهم لآية الله العظيمة خسوف الشمس في زمانه – صلوات الله وسلامه عليه - ، وقد جمع صلى الله عليه وسلم هذه الذنوب الأربعة بالذكر والتحذير في غير ما مناسبة ومن ذلكم : ما جاء في حديث سلمة بن قيس الأشجعي رضي الله عنه قال : ((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ : أَلَا إِنَّمَا هُنَّ أَرْبَعٌ أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا ، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَلَا تَزْنُوا ، وَلَا تَسْرِقُوا)).
              أيها المؤمنون : لنتق الله ربنا ، ولنحاسب أنفسنا ، ولنتجنب موجبات سخط الله وأسباب دخول النار مجاهدين أنفسنا على ذلك صابرين مصابرين مرابطين راجين بذلك ثواب الله والنجاة من عقابة . أسأل الله عز وجل أن يوفقنا لفعل الخيرات واجتناب المنكرات .
              أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

              الخطبة الثانية :
              الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحبُ ربُّنا ويرضى ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ؛ صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين .
              أيها المؤمنون عباد الله : اتقوا الله تعالى .
              عباد الله : وفي خطبة النبي صلى الله عليه وسلم تلك خص النساء بالنذارة والتحذير والتخويف فقال عليه الصلاة والسلام في ذكره لما شاهده ورآه في النار : ((وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ ، قَالُوا بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ بِكُفْرِهِنَّ. قِيلَ أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ بِكُفْرِ الْعَشِيرِ وَبِكُفْرِ الإِحْسَانِ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ)) ذكر ذلك عليه الصلاة والسلام تحذيراً للنساء وتخويفاً لهن وتنبيها ، فكان عليه الصلاة والسلام ناصحاً أمينا ومربياً مشفقاً - صلوات الله وسلامه عليه - . وهذا الأمر الذي حذّر منه عليه الصلاة والسلام وأنذر تهاون فيه كثير من النساء بلا مبالاةٍ ولا اهتمام ؛ فأصبح شأنُ بعض النساء أن صارت الواحدةُ منهن خرّاجة ولّاجة لا تعتني بقرارٍ في بيت ، ولا تبالي بطاعةٍ لزوج ، ولا تعتدُ بقوامةٍ لزوجها ولا تعترف بذلك ، تركب رأسها وتمضي في شأنها في سنة جاهليةٍ وضلالةٍ عمياء ؛ فالواجب على المرأة أن تتقي الله سبحانه وتعالى وأن تحاسب نفسها وأن تزمّها بزمام الشرع الحكيم ، فإن الله تعالى لا يأمرها إلا بما فيه فلاحها وسعادتها في دنياها وأخراها ، ومع ذلك فقد رغب بعض النساء عن هدي الله ووصايا نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام واتبعن أهواء مريدي الشهوات ومتبعي الضلالات والملذات { وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا } [النساء:27].
              اللهم يا ربنا أصلح نساء المسلمين وردّهنّ إليك رداً جميلا ، وجنِّبهنّ إلهنا دعاة الفتنة ودعاة الشر والفساد ، اللهم واحفظ عليهنّ إيمانهنّ واحفظ عليهنّ إسلامهنّ واحفظ عليهنّ عفتهنّ وشرفهنّ ياحي يا قيوم ياذا الجلال والإكرام.
              عباد الله : صَلُّوا وسلِّموا - رعاكم الله - على محمّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا )) . اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميد مجيد . وارضَ اللَّهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين ؛ أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي ، وارضَ اللهم عن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنّا معهم بمنّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين .
              اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين ، وأذلّ الشرك والمشركين ، ودمّر أعداء الدين ، واحم حوزة الدين يا رب العالمين . اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا . اللهم وفق ولي أمرنا لهداك واجعل عمله في رضاك. اللهم آتِ نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى . ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين . ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

              تعليق

              الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
              يعمل...
              X