إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هل انحرفت التصفية والتربية السلفية حقا؟ كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هل انحرفت التصفية والتربية السلفية حقا؟ كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.


    بسم الله الرحمن الرحيم

    هل انحرفت التصفية والتربية السلفية حقا؟ كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا(1).



    الحمدلله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، يعلم السر وأخفى، ويحيط بالإثم والنجوى، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو الخبير ببواطن الأمور، وصلى الله وسلم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمرنا بالصدق والأمانة، ونهانا عن الكذب والخيانة، وعلى آله وصحبه وسلم إلى يوم الدين، أما بعد:

    فقد سمعت -كما سمع غيري- سؤالا طُرح على فضيلة الشيخ العلامة المجاهد عبيد بن عبدالله بن سليمان الحمداني الجابري -حفظه الله وشفاه وعافاه وسلمه من كل سوء ومكروه- بخصوص منتديات التصفية والتربية، حوى جملة من المغالطات والبوائق، وسلكوا في نسجه كل سبيل لتعمية الحقائق، بطريقة ماكرة، وأسلوب خسيس، وذلك لما أظهروا بعض الأمور على خلاف الواقع تمويها وتلبيسا، وخداعا وتدليسا، وأخفوا غيرها خوفا وهلعا، وذعرا وجزعا من أن ينكشف سترهم، ويظهر حالهم، فتكسد سلعتهم، وتبور تجارتهم، وكانوا قد اجتهدوا في نسج كلامهم، ورفع أعلامهم، بحبلين قصيرين، وخيطين واهيين، سأحاول جاهدا في هذا المقال قطعهما بسيف الحق، حتى تمزق أعلامهم، وينسف نسج كلامهم، عملا بنصيحة العلامة عبيد-حفظه الله- في الصوتية ذاتها: « المسلمون من قديم يرد بعضهم على بعض ردا علميا يبين الحق بدليله ويحذر من الباطل بدليله»، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

    الحبل الأول: فتح الباب أمام تصدر الشباب الصغار والمجاهيل من أصحاب الأسماء المستعارة للكلام في الفتن بمباركة منه لذلك.


    اعلم -رحمني الله وإياك- أن الأصل في الكتابة بالأسماء المستعارة عدم الجواز، لما ينجر على ذلك من المفاسد الكبيرة، والأضرار الكثيرة، ولما في الكتابة بالإسم الحقيقي من الوضوح والمصداقية اللذين هما من أبرز صفات المنهج السلفي.

    غير أن لكل قاعدة اسثناء(2)، ويتبين ذلك جليا إذا علمنا أن إخفاء الكاتب لاسمه -إذا أثنى على كتاباته أهل العلم، ونشرت في مواقع سلفية موثوقة بسلامة منهجها، وكانت كتابته مؤصلة مدعمة بالأدلة الشرعية، ومرصعة بنقولات منسوبة لكتب أهل العلم- فيه من المصالح الشرعية، والمنافع المرعية ما بينه أهل العلم في كتاباتهم، ووضحه السلف الصالح في طريقتهم، وسأسوق هنا بعض هذه المصالح حتى لا يبقى لذي شك وشبهة ارتياب، ولا لصاحب هوى طعن وشتم وسباب.

    المصلحة الأولى: الخوف من الأذى بجميع أنواعه من التحريش والبهتان والظلم والقتل وغير ذلك.

    اعلم -وفقني الله وإياك- أن مما شرعه الله عز وجل لعباده دفع الصائل، ويندرج تحت ذلك ما إذا خشي الكاتب من حصول الأذى ووقوع الظلم بجميع أنواعه، فيجوز له حينها إخفاء اسمه دفعا لذلك، والدفع مقدم على الرفع، والوقاية خير من العلاج كما هو معلوم.

    ومن أوضح الأمثلة التي يحسن ذكرها في هذا المقام من المتقدمين، ما قام به مؤلف كتاب الحيدة المنسوب لعبد العزيز الكناني -رحمه الله- من إخفاء اسمه خشية تسلط الجهمية في ذلك الوقت وتعرضهم له بالأذى بالقتل والتعذيب ونحوه.
    هذا الكتاب المليئ بالحجج العقلية، والمدجج بالردود القوية، والذي تلقته الأمة بالقبول، ونقل منه العلماء في الكثير من الأبواب والفصول، وتبعا لطريقة القوم طبعا في عدم قراءة كتابات المجاهيل دون استثناء، فإن لازم كلامهم أن لا يقرأ فيه، ولا يستفاد منه، لأن كاتبه – على قول من الأقوال(3)- مجهول العين والحال، ولا يجوز أخذ العلم عن المجاهيل كما يزعمون، ويا ليت قومي يعلمون.

    أما أهل العلم الصادقين، والمشايخ المنصفين، فقد عرفوا لمؤلف هذا الكتاب حقه، ونشروا ثناءه وفضله، واعتمدوا بيانه ورده، واعتذروا له في اخفاء اسمه ورسمه.

    ومن هؤلاء العلماء حامل لواء الجرح والتعديل الشيخ العلامة ربيع بن هادي – متعه الله بالصحة والعافية-، فقد سئل ما نصه:

    « هل كتاب الحيدة لعبد العزيز الكناني ثابت عنه أم لا؟

    الجواب : بعضهم قال : أنه لم يثبت عنه ! لكن الأمّة تلقت هذا الكتاب بالقبول لما تضمنه من الحجج والبراهين التي تدحض أباطيل أهل القول بخلق القرآن ؛أباطيل المعتزلة ومن جرى مجراهم من الجهمية الذين يقولون :
    ( القرآن مخلوق ) ؛فيها حجج دامغة ,فيها نصرة لسنة الرسول عليه الصلاة والسلام والذبّ عن دينه فجزى الله المؤلف خيرا.
    لعل المؤلف من كبار علماء السنة ,ولا شك أنه عالم بارع ولا نستبعد أنه من تلاميذ الشافعي ولا نستبعد أنه هذا الكناني ( عبد العزيز ) .
    لكن سواء أثبتناه لهذا الإمام أولم نثبته ؛فإنّ كاتبه عالم ضليع ومتعمّق في اللغة ومتعمّق في معرفة أسرار القرآن وطرق الاحتجاج به فهذا مما يُنصَر به ,فمن يطعن في هذا الكتاب أخشى أن فيه نزعة بدعية يريد أن يوهن حجج أهل السنة والجماعة .
    فنحن نقول : هذا ألفه عالم قد يكون ما استطاع أن يظهر اسمه لأنّ السلطة كانت بأيدي الجهمية فخاف أن يُنال بالأذى ,بالقتل وغيره كما أوذي أهل السنة وامتحنوا بالقول بخلق القرآن فخشي على نفسه فألف هذا الكتاب .

    فإما أن يكون هو الكناني وإما أن يكون غيره ,ولا شك أنه من علماء السنة ومن أئمتها النوابغ ,رحمه الله وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرا». اهـ(4).


    أما من العلماء المتأخرين الذين سلكوا هذا المسلك الشرعي بجلاء، مع الصعافقة الأغمار الجبناء، العلامة سليمان بن سحمان -رحمه الله- في رسالته (رجم أهل التحقيق والإيمان في الرد على مكفري حسن خان ص26) حيث يقول:

    (وأما قوله -أي المعترض الصعفوق-: ولم أزل متعجبا من راقم هذه الرسالة، ومملي هذه الجهالة ، كيف لم يذكر اسمه فيها ولم يوضح رسمه.

    فأقول نعم لم أذكر اسمي في جوابكم ، ولم ارقمه في خطابكم ، لعلمي أنكم اذا التحمت الهُزاهز-الهُزاهز من السيوف: الصافي المعدن-، ولبس لامته المبارز ، تدعون النكاية، وتفزعون إلى الشكاية، كيف وقد وقع ذلك منكم، ثم أنا اذ ذاك في ولاية من نخاف سطوته، ونحاذر ضغطته، فهذا هو الموجب لذلك، وستعلم إن لم تكن قد علمته، وإني لأظنك كاذبا، وستنكص على عقبيك إن شاء الله خاسئا راهبا).


    فإن اعترض شخص قائلا، وأنكر متسائلا: وأين الأذى الذي يُخشى أن يتعرض له من كان في حال الكناني أو غيره، من الأذى المتوهم الذي تزعمونه أنتم هذه الأيام؟

    فأقول: لا أجد لك في تصوير مدى الأذى الذي قد يتعرض له صاحب الحق إذا لم يخف اسمه هذه الأيام أحسن من كلام نُقل عن الشيخ سليمان الرحيلي -حفظه الله- حيث قال فيه:

    « أمّا هؤلاء الذين انتفخوا في الانترنت ، ولا يطلبون العلم عند العلماء ، ولا يتأدّبون مع العلماء هم يسعون جاهدين إلى أن يكُونوا المرجع دون العلماء ، بحجّة أو بدعوى كاذبة ينشرونها بين الناس
    وهو أنهم الواسطة بين الناس والمشايخ ، فلن تصل إلى الشيخ إلا عن طريقنا ، فتقرّب إلينا لنقرّبك ، و اسألنا "لنفلتر" سؤالك -كما يقولون- ، ثم نحن نسأل الشيخ و "نفلتر" جواب الشيخ ، فليس كل ما يقوله الشّيوخ يصلح أن يخرج للناس -سبحان الله- !
    هذا ترى واقع يا إخوة هذه أمور نعرفها يقينا ونعرف أصحابها يقينا ، وحقيقة الأمر أنهم يريدون أن يكون المرجع إليهم !
    أيضا يُرْهِبُون طلاب العلم : اخضع ! اركع ! كن طالبًا عندنا ! تردّد علينا ! وإلا نُخرج من الشيخ كلامًا فيك !
    هؤلاء شرّ وفتنة وبلاء ويجب الوقوف في وجههم، إن لم يتوبوا إلى الله و يرجعوا إلى الله ويجلسوا في حلق العلماء ، ويتركوا هذه الدعوة الباطلة»اهـ.
    (مقطع من شرح العقيدة الواسطية ليوم السبت 29/02/1439 هـ الموافق لـ: 18/11/2017).


    ومما يضاف كمثال جلي في هذا المقام يندرج تحت فروع هذه المصلحة، ما صنعه شارح الطحاوية ابن عبدالعز رحمه الله حيث نقل أقوال شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهما الله دون التصريح بأسمائهما لترويج كتابه وخوفا من أن تتلف كتبهما من طرف من اعتنق مذاهب الخلف في الاعتقاد وهذا داخل في حفظ العلم ممن يعتدي عليه.

    قال الدكتور عبدالكريم الخضير -عفا الله عنه- في درسه في شرح العقيدة الطحاوية ( الدرس الأول د3):

    «لكن الشرح الذي يقرأ في هذا الدرس على المنهج الصحيح على عقيدة أهل السنة والجماعة لأن مؤلفه ابن أبي العز من تلاميذ الحافظ ابن كثير وتأثره بشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم واضح ونقوله عنهم كثيرة إلا أنه لا يصرح بأسمائهم، لا يقول قال شيخ الإسلام، والنقل موجود في مصنفات شيخ الإسلام بالحرف ولا يصرّح باسم ابن القيم كذلك، وهذا لعله من باب ترويج الكتاب؛ لأن الناس في وقته لا سيما أهل العلم الذين يعتنقون مذاهب الخلف في مسائل الاعتقاد والأسماء والصفات وغيرها شوهوا صورة شيخ الإسلام ابن تيمية وحملوا عليهم فصارت كتبهم تتلف فلا يستطيع ابن أبي العز أن يصرِّح باسم شيخ الإسلام أو ابن القيم لكي يروج كتابه مثل ما صنع ابن عروة رتب صحيح مسند الإمام أحمد على صحيح البخاري ثم شرحه وحفظ في هذا الشرح مؤلفات شيخ الإسلام وابن القيم فالناس إذا رأوا هذا الكتاب الكبير الكواكب الدراري الذي يبلغ مائة وعشرين مجلدا كبارا بالمخطوط ويزيد على الثلاثمائة في المطبوع حفظ لنا كتب شيخ الإسلام من الضياع لأنها تُتلف في وقته، ألف هذه الموسوعة وضمنها كتب شيخ الإسلام فإذا مر بمسألة فيها تصنيف لشيخ الإسلام أو لابن القيم كتبه بحروفه وهذا من باب حفظ العلم ممن يعتدي عليه»اهـ.



    المصلحة الثانية: ما درج عليه بعض المؤلفين من إخفاء أسماءهم سعيا للإخلاص ودفعا للرياء.


    فمن المعلوم أن التأليف والكتابة إذا لم تحط بسوار الإخلاص، ولم تغطى بستار الصدق، فإن صاحبها معرض لسيول جارفة، ورياح صارفة، قد تضعه في مصاف من شرب خمر الإعجاب بنفسه حتى الثمالة، وتردى في مهاوي الكبر حتى يرى جميع الناس حثالة، وحينئذ تنقلب الخطرات حسرات، والكلمات آهات، والعبارات زفرات.

    وفي إطار هذا الواقع الخطير، وجدنا كثيرا من العلماء أخفوا أنفسهم تحقيقا لهذا الغرض النبيل، والهدف الجليل، وفي مقدمتهم صاحب المتن الشهير، والسفر الصغير: الآجرومية نسبة إلى صاحبها ابن آجروم.
    ويليه صاحب المنظومة المختصرة، والأرجوزة المشتهرة البيقوني رحمه الله التي سارت بها الركبان، وتلقتها الأمة بالقبول والرضوان، رغم أن مؤلفها لا يعرف على وجه التأكيد إلا بنسبته البيقوني(5).

    قال الدكتور عبدالكريم الخضير- عفا الله عنه-في البسط المستدير في شرح البيقونية ص19:
    « الناظم لا يوجد له ترجمة، وقد اختلف في اسمه، هل هو طه أو عمر، ولا يعرف على وجه التأكيد إلا البيقوني، لإشارته إلى هذه النسبة في آخرها، أما اسمه فمختلف فيه، ولا يعرف عن حياته شيئ يذكر، وهذا يسلكه بعض العلماء لإخفاء نفسه مبالغة في الإخلاص لله تعالى، فالبيقوني وابن آجروم لا يعرف لهم كبير ترجمة، القحطاني الذي نونيته سارت بها الركبان لا يعرف له ترجمة، فيهمنا العلم الذي بين أيدينا، وأجره ثابت – إن شاء الله تعالى- لصاحبه، ولو لم يعرف، يكفيه أن يقال: قال -رحمه الله تعالى-، والله المستعان»اهـ.



    المصلحة الثالثة:

    ومما قد يندرج تحت جملة المصالح في هذا الباب، ما ذكره علماء المصطلح عن سلف هذه الأمة الذين استعملوا تدليس الشيوخ -هو وصف الشيخ بما لا يعرف- لمقاصد حسنة وأغراض نبيلة، وأتركك أخي القارئ مع كلام نفيس للسخاوي رحمه الله يبين لك حال السلف في هذا الباب فيقول -رحمه الله-كما في فتح المغيث في شرح ألفية الحديث (1/336):

    « وَلَا مَانِعَ مِنْ قَصْدِهِمُ الِاخْتِبَارَ لِلْيَقَظَةِ، وَالْإِلْفَاتِ إِلَى حُسْنِ النَّظَرِ فِي الرُّوَاةِ وَأَحْوَالِهِمْ وَأَنْسَابِهِمْ إِلَى قَبَائِلِهِمْ وَبُلْدَانِهِمْ وَحِرَفِهِمْ وَأَلْقَابِهِمْ وَكُنَاهُمْ، وَكَذَا الْحَالُ فِي آبَائِهِمْ، فَتَدْلِيسُ الشُّيُوخِ دَائِرٌ بَيْنَ مَا وَصَفْنَا.
    وَقَدْ ذَكَرَ الذَّهَبِيُّ فِي فَوَائِدِ رِحْلَتِهِ أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ بِابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ سَأَلَهُ التَّقِيُّ: مَنْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْهِلَالِيُّ؟ فَقَالَ: سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، فَأَعْجَبَهُ اسْتِحْضَارُهُ.
    وَأَلْطَفُ مِنْهُ قَوْلُهُ لَهُ: مَنْ أَبُو الْعَبَّاسِ الذَّهَبِيُّ؟ فَقَالَ: أَبُو طَاهِرٍ الْمُخَلِّصُ.
    وَكَذَا مَرَّ فِي صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ - وَأَنَا بَيْنَ يَدَيْ شَيْخِنَا - قَوْلُهُ: ثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الدِّمَشْقِيُّ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ فَبَادَرْتُهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْنِي بِذَلِكَ، وَقُلْتُ: هُوَ أَبُو الْحَسَنِ أَحْمَدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ جَوْصَاءَ، فَأَعْجَبَهُ الْجَوَابُ دُونَ الْمُبَادَرَةِ لِتَفْوِيتِهَا غَرَضًا لَهُ، وَلِذَا قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إِنَّ فِي تَدْلِيسِ الشَّيْخِ الثِّقَةِ مَصْلَحَةً، وَهِيَ امْتِحَانُ الْأَذْهَانِ، وَاسْتِخْرَاجُ ذَلِكَ وَإِلْقَاؤُهُ إِلَى مَنْ يُرَادُ اخْتِبَارُ حِفْظِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالرِّجَالِ.
    عَلَى أَنَّهُ قَدْ قِيلَ فِي فِعْلِ الْبُخَارِيِّ فِي الذُّهَلِيِّ: إِنَّهُ لَمَّا كَانَ بَيْنَهُمَا مَا عُرِفَ فِي مَحَلِّهِ ; بِحَيْثُ مَنَعَ الذُّهَلِيُّ أَصْحَابَهُ مِنَ الْحُضُورِ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِمَانِعٍ لِلْبُخَارِيِّ مِنَ التَّخْرِيجِ عَنْهُ ; لِوُفُورِ دِيَانَتِهِ وَأَمَانَتِهِ وَكَوْنِهِ عُذْرَهُ فِي نَفْسِهِ بِالتَّأْوِيلِ، غَيْرَ أَنَّهُ خَشِيَ مِنَ التَّصْرِيحِ بِهِ، أَنْ يَكُونَ كَأَنَّهُ بِتَعْدِيلِهِ لَهُ صَدَّقَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَأَخْفَى اسْمَهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِه»اهـِ.

    وممن نحا نحوهم واقتفى أثرهم مجدد التوحيد في هذا العصر الشيخ العلامة المغربي محمد تقي الدين الهلالي -رحمه الله تعالى –حيث قال كما في رسالته ( الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة) تحت عنوان الحدث الثاني في تطوان وضواحيها ص47:

    «وضعت حاشية على كتاب كشف الشبهات لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب و طبعتها و نشرتها, و لكني استعملت في ذكر اسمه ما يسمى في مصطلح الحديث بتدليس الشيوخ, و هو جائز بل مستحسن إذا أريد به الإصلاح, و ذلك أن الشيخ يكون له اسمان اشتهر بأحدهما و لم يشتهر بالآخر فيذكره الراوي عنه بالاسم الذي لم يشتهر به لمصلحة في ذلك, أما إذا فعل ذلك ليوهم الناس علو سنده و ترفعه عن الرواية عنه ليوهم الناس أنه لا يتنزل للرواية عن مثله لصغر سنه أو عدم شهرته و غير ذلك من حظوظ النفس الأمارة فهو مذموم, و قد سميت الشيخ محمد بن عبد الوهاب محمد بن سليمان الدرعي فنسبته إلى جده ثم نسبته إلى الدرعية و ذلك حق فهي بلدته و لكن لم يشتهر بذلك, و زاد الأمر غموضا أن في المغرب كورة تسمى (درعة) و النسبة إليها درعي, فنجحت فيما قصدته من ترويج الكتاب, فقد طبعت ألف نسخة فبيعت في وقت قصير, و لم يتفطن أحد لذلك حتى الشيخ أحمد بن الصديق مع سعة اطلاعه و علو همته في البحث و كثرة ما في خزائنه من الكتب بقي في حيرة لأنه بحث في تاريخ المنسوبين إلى درعة فلم يجد أحدا منهم بذلك ولا أثر عنه هذا الكتاب, فبعث إلي يسألني عن هذا المؤلف !! من هو فأخبرته بالحقيقة, و لما اطلع العالم الأجل مفتي المملكة العربية السعودية و شيخ شيوخها محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه على هذا العمل استحسنه كل الاستحسان.

    و إنما فعلت ذلك لأن المتأخرين من رجال الدولة العثمانية حرضوا شرار العلماء في جميع البلاد الإسلامية على تشويه سمعة الشيخ محمد بن عبد الوهاب و كذبوا عليه, وأوهموا أتباعهم أنه جاء بدين جديد, و أنه يتنقص جانب النبي الكريم و يكفر المسلمين, إلى غير ذلك من الأكاذيب. و قد تبين لأكثر الناس بطلان تلك الدعوى و علموا علم اليقين أن محمد بن عبد الوهاب من كبار المصلحين الذين فتح الله بدعوتهم عيونا عميا و آذانا صما, و أنه أحيا العمل بكتاب الله و سنة رسوله في جزيرة العرب بعدما كاد يندثر. و إلى الآن لا يزال بعض الغربان ينعقون بسبه كالغراب الذي تقدم ذكره, و ذلك لا يضره: إن كانوا مسلمين فإن سبهم له يجعل حسناتهم في صحيفته و إن كانوا مشركين فإن الله يزيدهم عذابا.

    و لما طبع هذا الكتاب غضب عباد القبور و أصحاب الطرائق و خطب كثير من أئمة المساجد خطبة الجمعة و نبهوا المستمعين إلى ما في هذا الكتاب من الضلال بزعمهم, لأن توحيد الله عندهم أعظم الضلال و لكن لم يستمع لهم أحد, أما العلماء المحققون, كالأستاذ محمد الطنجي و الأستاذ المجاهد عبد السلام المرابط و الأستاذ العبقري عبد الله كنون فإنهم رحبوا بطبع هذا الكتاب و أثنوا عليه و على مؤلفه و ناشره, و لا يضر السحاب نبح الكلاب.

    ما ضر بدر السما في الأفق تنبحه ::: سود الكلاب و قد مشى على مهل

    ثم طبعتُ رسالة زيارة القبور مع حواشي قليلة لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية و سميته أحمد بن عبد الحليم الحراني, و لم أذكر لفظ بن تيمية للعلة السابقة الذكر, فراج الكتاب و انتشر و نفع الله به المسلمين, و لما بعثت من كل من الكتابين نسخة إلى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله عليه فرح بنشرهما و استحسن الطريقة التي سلكتها لبعد نظره و وفور عقله و حكمته»اهـ.

    وخير ما نختم به الإجهاز على قطع هذا الحبل -الذي على قصره أطلت النفس فيه لتبجح القوم به كثيرا في إلقاء الشبه على عوام السلفيين- فتوى عزيزة لشيخ الإسلام في هذا الزمان عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- حيث سئل كما في كتاب فتاوى إسلامية جمع وترتيب محمد بن عبدالعزيز المسند (4/370):
    « ما حكم الكتابة بالاسم المستعار في الصحافة ، كأن يكتب الشخص مقالا بغير اسمه الحقيقي ؟
    فأجاب الشيخ : إذا كان فيه مصلحة فلا بأس، وتكون الأسماء صادقة ، كأن يكتب : مسلم بن عبد الله ، أو : عبد الله بن عبد الرحمن ، وهكذا»اهـ.


    الحبل الثاني: حذف نصائح العلماء الداعية للم الشمل و رأب الصدع.

    وبعد قطع الحبل الأول وتمزيقه، وتوزيع فُتاته على قادة التدليس والتلبيس، وعند حرق بقايا الفتات انبعثت رائحة كريهة نتنة استعملنا للسلامة منها واقي الأنف، مصدرها الكذب والافتراء، والفجور والادعاء الذي هو المادة الأولية في صناعة الحبل الآخر، ولذلك ارتأيت أن يقطع الحبل بإجمال- خلافا للأول- على أن يتم ذلك بسكين البيان وخنجر البرهان للأسباب التالية:

    1/ أن بعض الاعتراضات لا ترتقي لمقام الشبهة، فسقوطها يغني عن إسقاطها.
    2/ أن المادة الأولية له هي المغالطات والافتراءات كما سبق.
    3/ أنه إذا تبين الحق بأدلته اليقينية، فإن الرد على الإعتراضات الواردة عليه والتي لا حد لها من باب التبرع، والتبرع على المفتري قد يزيد في فجوره أحيانا، ومن النافع الإعراض عنه.

    قال السعدي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: « ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك) ( تيسير الكريم الرحمن ص67): « وكذلك إذا تبين الحق بأدلته اليقينية, لم يلزم الإتيان بأجوبة الشبه الواردة عليه, لأنها لا حد لها, ولأنه يعلم بطلانها, للعلم بأن كل ما نافى الحق الواضح, فهو باطل, فيكون حل الشبه من باب التبرع»اهـ.

    وقبل قطعه نبين للقارئ الكريم مقدار ما وصل إليه القوم من الكذب والبهتان في هذا الشأن، وفي ذلك أقول:

    العبارة التي وردت في السؤال توحي بأن هذا ديدن مشرفي التصفية والتربية، وقد أصبح منهجا يسيرون عليه وينافحون عنه، وهذا من التلبيس الواضح والتدليس الفاضح.

    ولبيان ذلك أذكر هنا بعض المقالات المنشورة في منتدى التصفية والتربية للعالمين الكبيرين الشيخ ربيع بن هادي والشيخ عبيد الجابري -حفظهما الله- الداعية للم الشمل ورأب الصدع والتي منها:

    1/ مقال للشيخ ربيع بن هادي -حفظه الله- بعنوان: (منزلة إصلاح ذات البين في الإسلام)(6).
    2/ [جديد]: نصيحة الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى للسلفيين بلزوم منهج السلف والحذر من الفرقة(7).
    3/ [ نصيحة ثانية] من الشيخ العلاّمة ربيع المدخلي -حفظه الله- للجزائريين خاصة والسلفيين عامة (سجلت يوم السبت 19 ربيع الآخر 1439هـ) (8).
    4/ نداء من الشيخ العلامة: عبيد بن عبد الله الجابري ـ حفظه الله ـ إلى إخوانه وأبنائه في الجزائر(9).
    قال الشيخ لزهر حفظه الله معلقا على هذا الموضوع مرحبا بنصائح العلماء خلافا لما يصوره القوم:
    « جزى الله خيرا الشيخ ربيع و الشيخ عبيد -حفظهما الله- على نصحهما لأبنائهما، غيرة على هذه الدعوة المباركة، وعليه فعلى أبنائنا جميعا أن يكون اهتمامهم وعنايتهم بها وحرصهم على بقائها»اهـ.

    والآن بعدما سطعت شمس الحق بسراجها الوهاج، فأحرقت ما خطط له القوم من المراوغات الحقيرة والمناورات الخطيرة، حتى وصل بهم الأمر أن يشبهوا من هذا الوجه بمسترقي السمع(10)، نسوق الآن كلام الشيخ أزهر سنيقرة -حفظه الله- في الجواب على ما أوردوه، حيث قال في بيانه الأخير(11):


    «أما ادعاؤه حذفنا لوصايا العلماء فهذه أيضا من المغالطات، بل أبقينا على البعض منها وثبتناه، وأما البعض الآخر فرأينا المصلحة في عدم نشره، والمشرف العام هو الوحيد الذي يقدر المصلحة في ذلك، وقد يصيب وقد يخطئ» اهـ.


    ونرجوا من القوم أن يتعلموا من هذه الفقرة الأخيرة معاني الصدق والوضوح، والشجاعة في تحمل المسؤولية، وعدم الجزم بالصحة واحتمال ورود الخطأ في تقدير مثل هذه الأمور، لا كما عليه هم مما سبق بيانه أعلاه، ومما سأذكره من تعاونهم ونصرتهم وتخطيطهم مع من ظهر انحرافه، وبان ضياعه، وذلك منشور في حساباته، ومتداول بين معارفه، وأعني به المدعي بأنه المالك الأصلي لمنتديات التصفية والتربية، والذي لا أستبعد أن يكون بيانه المطالب به لاسترجاع المنتدى والسؤال الموجه للشيخ عبيد كُتبا بقلم واحد، ونسجا في بؤرة واحدة، ولا أدري كيف لم يكن لهم ذرة شجاعة ليذكروا للشيخ عبيد حفظه الله حال المنحرف ليعلم الشيخ كيف سيكون حال المنتدى بعد استرجاعه، إضافة إلى العلاقة المُريبة(12) بالخائن المبير -نزيل مدينتي الذي أصبح وصمة عار عليها ولا تتشرف مدينتنا ورجالها الشرفاء بنزوله فيها هو ومن عاونه وأزه- حيث أفسد في الأرض بتجسسه وكذبه في حين أنه لا يعلم المسكين أنهم اتخذوه قنطرة للوصول إلى مآربهم الدنيئة وعما قريب سيرمى في مزبلة التاريخ بعد أن يمصوا منه كل قطرة دم في جسده إن كان فيه ما يصلح لذلك.

    هذا آخر المقصود من هذا المقال الذي أسأل الله أن ينفع به كل شاك ومرتاب، ويهدي به كل مسرف كذاب، كما أسأله سبحانه أن يجعله خالصا لوجهه الكريم، ليس فيه شيئ من أمراض القلوب المحبطة للأعمال، الممحقة لبركة الأقوال، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


    ----------------------------------------------------------------------------------------------------

    (1) قد يدخل القوم-كما هي عادتهم- من استدلالي بالآية بأني أطعن في الشيخ عبيد -حفظه الله- وأرميه بالكذب، وهذا ليس بغريب عنهم مع بعده وضعفه، ولا أقصد الشيخ عبيد حفظه الله من قريب ولا بعيد، والذين أقصدهم من استدلالي بالآية هم الذين تكلمت عليهم في كل مقالي ممن نسج السؤال على هذا المنوال.

    (2) وقد كتب أخي أبو عبد الله السلفي في هذا فصلا ماتعا في مقاله الموسوم بـ: الصاعقة على رأس الصعافقة ( الحلقة الأولى) على هذا الرابط:

    فليراجعه من أراد الاستزادة فإنه نفيس في بابه.

    (3) قال الشيخ أزهر حفظه الله:

    « هذه المسألة هي مسألة قديمة، أُثير فيها الكلام الكثير، وهي صحّة نسبة كتاب الحيدة لصاحبه الكِناني -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-، وهذا الكتاب الذي اشتهر وذاع صيته ونال إعجاب علماء الأمّة؛ بل كان بعضهم يستشهد به، وينقل بعضا من فقراته كشيخ الإسلام بن تيمية -عليه رحمة الله تبارك وتعالى-، وفي الحقيقة هو كتاب عظيم في الحجج التي أوردها صاحبه فيه، بغض النّظر عن صاحبه الحقيقي، وخلاصة ما قيل في هذا الأمر أقوال:

    - القول الأول: أنه للكناني.
    - والقول الثاني: أن هذه النسبة لا تصح، بل هو منسوب إليه إلا أن هذه النسبة لا تصح.

    - القول الثالث: هو أن هذا الكتاب أصله للكناني إلا أنه زيد عليه، يعني زادوا على الأصل فأصبح أكثر مما حرره صاحبه.

    هذه أقوال ثلاث، والذي أعتقده هو القول الثاني؛ من أن هذه النسبة لا تصح، لأنّ هناك حجج ذكرها من ذكرها كالحافظ الذهبي وابن حجر في المناظرة؛ أمور لم تقع في زمن الكِناني»»اهـ.
    المصدر: « فتوى للشيخ في موقع التصفية والتربية بعنوان: كتاب الحيدة والاعتذار في الرد على من قال بخلق القرآن».

    (4) http://www.rabee.net/ar/questions.php?cat=37&id=571.

    (5)كصاحب متن بناء الأفعال في الصرف فهو مجهول، وصاحب شرح غرامي صحيح يحيى القرافي الأصفهاني، ومؤلف كتاب الحوادث المنسوب لابن الفوطي، وغيرهم كثير.

    (6) http://www.tasfia-tarbia.org/vb/showthread.php?p=87652 وقد نشر مرتين.

    (7) http://www.tasfia-tarbia.org/vb/showthread.php?t=22634

    (8) http://www.tasfia-tarbia.org/vb/showthread.php?p=83384

    (9) http://www.tasfia-tarbia.org/vb/showthread.php?t=22557

    (10) الذين يكذبون مع الخبر الصادق مئة كذبة كما صنعوا نحوه في نسجهم لحبلهم الثاني المقطوع بإذن الله، وهذا تشبيه من هذا الوجه فقط وليس من كل الأوجه كما في حديث الرؤية حيث قال العلماء أنه تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي، حتى لا يفهم القوم منها أني ألحقهم بحكم الساحر والكاهن.

    (11) http://www.tasfia-tarbia.org/vb/showthread.php?t=23839

    (12) حيث تجد البعض يناصرونه ويصبرونه ويوالونه ويجادلون عنه ناسين أو متناسين قوله تعالى: وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ غ? إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَىظ° مِنَ الْقَوْلِ غ? وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنتُمْ هَظ°ؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109)( النساء)

    قال السعدي رحمه الله في تفسيره ص 217:

    « {إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا} أي: يغفر الذنب العظيم لمن استغفره، وتاب إليه وأناب ويوفقه للعمل الصالح بعد ذلك الموجِب لثوابه وزوال عقابه.
    {وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ} "الاختيان" و "الخيانة" بمعنى الجناية والظلم والإثم، وهذا يشمل النهي عن المجادلة، عن من أذنب وتوجه عليه عقوبة من حد أو تعزير، فإنه لا يجادل عنه بدفع ما صدر منه من الخيانة، أو بدفع ما ترتب على ذلك من العقوبة الشرعية. {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} أي: كثير الخيانة والإثم، وإذا انتفى الحب ثبت ضده وهو البُغْض، وهذا كالتعليل، للنهي المتقدم.
    ثم ذكر عن هؤلاء الخائنين أنهم {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} وهذا من ضعف الإيمان، ونقصان اليقين، أن تكون مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم.
    وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم، خصوصًا في حال تبييتهم ما لا يرضيه من القول، من تبرئة الجاني، ورمي البريء بالجناية، والسعي في ذلك للرسول صلى الله عليه وسلم ليفعل ما بيتوه.
    فقد جمعوا بين عدة جنايات، ولم يراقبوا رب الأرض والسماوات، المطلع على سرائرهم وضمائرهم، ولهذا توعدهم تعالى بقوله: {وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} أي: قد أحاط بذلك علما، ومع هذا لم يعاجلهم بالعقوبة بل استأنى بهم، وعرض عليهم التوبة وحذرهم من الإصرار على ذنبهم الموجب للعقوبة البليغة.
    {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا} أي: هبكم جادلتم عنهم في هذه الحياة الدنيا، ودفع عنهم جدالُكم بعض ما تحذرون من العار والفضيحة عند الخَلْق، فماذا يغني عنهم وينفعهم؟ ومن يجادل الله عنهم يوم القيامة حين تتوجه عليهم الحجة، وتشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون؟ {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} .
    فمن يجادل عنهم من يعلم السر وأخفى ومن أقام عليهم من الشهود ما لا يمكن معه الإنكار؟ وفي هذه الآية إرشاد إلى المقابلة بين ما يتوهم من مصالح الدنيا المترتبة على ترك أوامر الله أو فعل مناهيه، وبين ما يفوت من ثواب الآخرة أو يحصل من عقوباتها.
    فيقول من أمرته نفسه بترك أمر الله ها أنت تركت أمره كسلا وتفريطا فما النفع الذي انتفعت به؟ وماذا فاتك من ثواب الآخرة؟ وماذا ترتب على هذا الترك من الشقاء والحرمان والخيبة والخسران؟
    وكذلك إذا دعته نفسه إلى ما تشتهيه من الشهوات المحرمة قال لها: هبك فعلت ما اشتهيت فإن لذته تنقضي ويعقبها من الهموم والغموم والحسرات، وفوات الثواب وحصول العقاب - ما بعضه يكفي العاقل في الإحجام عنها. وهذا من أعظم ما ينفع العبدَ تدبرُه، وهو خاصة العقل الحقيقي. بخلاف الذي يدعي العقل، وليس كذلك، فإنه بجهله وظلمه يؤثر اللذة الحاضرة والراحة الراهنة، ولو ترتب عليها ما ترتب. والله المستعان.

    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة أبوعبدالرحمن عبدالله بادي; الساعة 2018-11-29, 07:53 AM.

  • #2
    جزاك الله خيرا وبارك فيك أخي عبد الله، ، فقد قطعت بمقالك هذا حبائل القوم، بسيف الحق والعدل، فبارك الله لنا في التصفية وأبنائها ومشرفيها، وحفظها من كيد الكائدين وخيانة الخائنين.
    غفر الله له

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا أخي عبد الله

      تعليق


      • #4
        المشاركة الأصلية بواسطة عبد الله سنيقرة مشاهدة المشاركة
        جزاك الله خيرا وبارك فيك أخي عبد الله، ، فقد قطعت بمقالك هذا حبائل القوم، بسيف الحق والعدل، فبارك الله لنا في التصفية وأبنائها ومشرفيها، وحفظها من كيد الكائدين وخيانة الخائنين.
        آمين وإياك مشرفنا الكريم عبدالله.
        أحسن الله إليك على حسن تواصلك، وجمال تشجيعك.
        نفع الله بكم.

        تعليق


        • #5
          جزاكم الله خيرا أخي عبد الله وبارك فيكم ، وجوابا على سؤالكم،نعم تغيرت التصفية والتربية من الحسن إلى الأحسن،فهي تصفي و تربي.

          تعليق


          • #6
            بارك الله فيك اخي عبد الله على هذا المقال الجميل
            صدقت المنتدى تغير من الحسن الى الاحسن وهذا بجهود إخواننا القائميين عليه بارك الله فيك وفي إخواننا

            تعليق


            • #7
              جزاك الله خيرا وبارك فيك أخي عبد الله البسكري

              تعليق


              • #8
                جزاك الله خيرا أخي عبد الله بادي وبارك فيكم ونفع بمقالكم .

                تعليق


                • #9
                  لولا أني كنت مشغولا هذه الأيام بجولة دعوية للمدن الغربية لكنت أول المعلقين على مقال أخي عبد الله الذي أوضح به الحجة وأخرص به أهل البهت بالعلم والمحجة، والوقت جزء من العلاج كما يقول شيخنا، والخائن الغادر مهما كذب وتستر فإن الفضيحة ستلحقه ولو بعد حين و"الخير جاي" وهو قريب، بما يسوء الخائنين ويقض مضاجعهم ويسكب دموعهم، والتي ستكون هذه المرة دموع ألم لا دموع تماسيح كما هي عادتهم القديمة وطريقتهم الخسيسة اللئيمة التي عادت عليهم بالخزي والعار، ويوم القيامة "وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون".
                  التعديل الأخير تم بواسطة أزهر سنيقرة; الساعة 2018-07-29, 06:02 AM.

                  تعليق


                  • #10
                    الحمد لله الذي نجّى هذا الموقع من يد الأصاغر وأصحاب المنهج الاحتوائي الذين يثنون على الرمضانيين والحلبيين والحنيفيين، ويسكتون عمن يطعن في أهل العلم كالشيخ الفوزان وربيع وعبيد ومحمد بن هادي وفركوس، ويوجهون سهام وسموم طعوناتهم لأهل الفضل الناصحين الذي يبيّنون لهم الحق ويدعونهم لاتباعه، فلمزوهم بالحدادية!
                    وهل البراءة من أصحاب المنهج الأفيح حدادية؟!
                    انقلبت عندهم الموازين، فأصبح ما كانوا يعرفونه بالأمس منكرا!
                    عن عدي بن حاتم رضي الله عنه: «إنَّكم لن تزالوا بخيرٍ ما لم تَعرِفوا ما كنتُم تُنكِرون، وتُنكِروا ما كنتُم تَعرِفون، وما دام عالمُكُم يتكلمُ بينكَم غيرَ خائف!»

                    تعليق


                    • #11

                      جزاكم الله خيرا شيخنا الحبيب لزهر على كرم اعتناءكم، وجيد اهتمامكم.

                      أخي الكريم النبيل باهي نبيل: نعم الجواب جوابك، فأحسن الله إليك.

                      الإخوة يوسف، طارق، يوسف، جابر، مدني، بارك الله فيكم على طيب التواصل، وحسن التفاعل.
                      التعديل الأخير تم بواسطة أبوعبدالرحمن عبدالله بادي; الساعة 2018-07-29, 07:37 PM.

                      تعليق


                      • #12
                        جزاكم الله خيراً أخي عبد الله وبارك فيكم

                        تعليق


                        • #13
                          جزاك الله خيرا أخي عبد الله بادي على الموضوع
                          و استسمحك عذرا فقد وضعت موضوعك بعضويتي في المنتدى المسروق

                          تعليق


                          • #14
                            بارك الله فيك أخي عبد الله ونفع بك

                            قد أصبت القوم في مقتل بمقال جميل من غير ما خلل
                            أقمت به الحجة وأبنت به المحجة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
                            لكن و للأسف الشديد فإن القوم يتبعون أهواءهم ، ومن أضل ممن يتبع هواه بغير هدى من الله
                            ومن أكبر أسباب رد الحق اتباع الهوى
                            كما قال تعالى:فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} (القصص:50)
                            ومن أضر نتائج اتباع الهوى زيغ القلب وضلاله عن الحق
                            قال تعالى: ((وَإِذْ قَالَ مُوسَىظ° لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَد تَّعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ غ– فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ غ? وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ))
                            قال الإمام ابن كثير رحمه الله عند تفسيره لهذه الآية:
                            أي : فلما عدلوا عن اتباع الحق مع علمهم به ، أزاغ الله قلوبهم عن الهدى ، وأسكنها الشك والحيرة والخذلان

                            وكما قال الله تعالى لنبيه داود عليه الصلاة والسلام
                            ((يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىظ° فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ غ?...))
                            قال الإمام الطبري رحمه الله:

                            ( وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى ) يقول: ولا تؤثر هواك في قضائك بينهم على الحق والعدل فيه, فتجور عن الحقّ( فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) يقول: فيميل بك اتباعك هواك في قضائك على العدل والعمل بالحقّ عن طريق الله الذي جعله لأهل الإيمان فيه, فتكون من الهالكين بضلالك عن سبيل الله.

                            وكماقال تعالى في قصة ذاك الرجل الذي قيل عنه أنه كان يعرف اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى:

                            { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ.....)).
                            والعاصم من هذا وذاك كله بعد الله سبحانه تذكر يوم الحساب والوقوف بين يدي الجبار سبحانه وتعالى كما قال تعالى في تمام الآيات سالفت الذكر
                            ((إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ))

                            وكما قال سبحانه وتعالى:وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} النازعات

                            وأهل الإيمان لما عرفوا حقيقة الأمر وعظمته كان دعاؤهم:
                            ربنا لاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
                            التعديل الأخير تم بواسطة أبوأمامه محمد يانس; الساعة 2018-07-31, 01:47 AM.

                            تعليق


                            • #15
                              جزاك الله خيرا أخي عبد الله

                              تعليق

                              الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
                              يعمل...
                              X