حكم السهر بعد العشاء للاختبارات وطلب العلم وغيره
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وبعد:
فهذه كلمات مما وقفت عليه تجاه ما عمّ وابتلينا به من السهر بعد العشاء في مناسبات عديدة حررتها تذكرة لي ولإخواني المسلمين.
قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) ...[يونس : 67].
وقال سبحانه : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا . وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) [النبأ : 10 - 11]
وفي الصحيحين عن أبي برزة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها متفق عليه.
قال النووي رحمه الله في شرحه للحديث:
"قال العلماء : وسبب كراهة النوم قبلها أنه يعرضها لفوات وقتها باستغراق النوم ، أو لفوات وقتها المختار والأفضل ، ولئلا يتساهل الناس في ذلك فيناموا عن صلاتها جماعة.
وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر ، ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل ، أو الذكر فيه ، أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز ، أو في وقتها المختار أو الأفضل ، ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدين والطاعات ومصالح الدنيا .
قال العلماء: والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها . أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه ، وذلك كمدارسة العلم ، وحكايات الصالحين ، ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس ، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة ، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم ، والحديث في الإصلاح بين الناس والشفاعة إليهم في خير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والإرشاد إلى مصلحة ونحو ذلك ، فكل هذا لا كراهة فيه ، وقد جاءت أحاديث صحيحة ببعضه ، والباقي في معناه، وقد تقدم كثير منها في هذه الأبواب والباقي مشهور . ثم كراهة الحديث بعد العشاء المراد بها بعد صلاة العشاء لا بعد دخول وقتها . واتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها إلا ما كان في خير"انتهى.
وقال في رياض الصالحين:
"باب كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة المراد به الحديث الذي يكون مباحا في غير هذا الوقت وفعله وتركه سواء، فأما الحديث المحرم أو المكروه في غير هذا الوقت فهو في هذا الوقت أشد تحريما وكراهة، وأما الحديث في الخير كمذاكرة العلم وحكايات الصالحين ومكارم الأخلاق والحديث مع الضيف ومع طالب حاجة ونحو ذلك فلا كراهة فيه، بل هو مستحب وكذا الحديث لعذر وعارض لا كراهة فيه وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على كل ما ذكرته ".
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه:"فتح الباري" (3/377):
" ومتى كان السمر بلغو ، ورفث ، وهجاء ، فإنه مكروه بغير شك ".
وقال الحافظ ابن حجر رحمهالله في "فتح الباري" (2 / 73) :
" وَالسَّمَر بَعْدَهَا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى النَّوْم عَنْ الصُّبْح ، أَوْ عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار ، أَوْ عَنْ قِيَام اللَّيْل .وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ يَضْرِب النَّاس عَلَى ذَلِكَ وَيَقُول : أَسَمَرًا أَوَّلَ اللَّيْل وَنَوْمًا آخِرَهُ ؟".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في اللقاء الشهري" (1 / 333):
" وإذا أطال الإنسان السهر ، فإنه لا يعطي بدنه حظه من النوم ، ولا يقوم لصلاة الصبح ، إلا وهو كسلان تعبان ، ثم ينام في أول نهاره عن مصالحه الدينية والدنيوية .
والنوم الطويل في أول النهار يؤدي إلى فوات مصالح كثيرة ، وقد جرب الناس أن العمل في أول النهار أبرك من العمل في آخر النهار ، وأنه أسد وأصلح وأنجح ، فإن البكور مبارك فيه ، وهؤلاء الذين يسهرون الليالي ، لا شك أنهم لا يستطيعون البقاء بدون نوم ، فلا بد للجسم من النوم ، وطول السهر يحول دون ذلك ". انتهى.
وأختم مقالتي بما قاله شيخنا االمجدد الألباني رحمه الله تعقيبًا على كلام الإمام النووي في مقدمة تحقيقه لرياض الصالحين على كلام النووي رحمه الله في الرياض:
ينبغي أن يقيّد ذلك بما إذا لم يترتّب على الحديث بعد العشاء إضاعة شيء من الواجبات العينية، كالشاب مثلا يسهر في دراسة العلم أو الإستعداد للإختبار إلى قريب من نصف الليل ثم ينام منهكا، فتفوته صلاة الصبح، فمثل هذا السهر - و لو في طلب العلم -لا يجوز، لأن مثله كمثل كمن يبني قصرا و يهدم مصرا.
وإنما عليه أن ينام مبكرا بعد صلاة العشاء، ليستيقظ مبكرا لصلاة الصبح، و ليجعل دراسته بعدها، و صدق رسول الله صلى الله عليه و سلّم إذ يقول: "بورك لأمة في بكورها" فليتنبه لهذا فإن أكثر الشباب عنه غافلون، والله المستعان".
والله أسأل لي وللمسلمين ولإخواننا وأبنائنا الطلاب النجاح والتفوق والسداد.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين وبعد:
فهذه كلمات مما وقفت عليه تجاه ما عمّ وابتلينا به من السهر بعد العشاء في مناسبات عديدة حررتها تذكرة لي ولإخواني المسلمين.
قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) ...[يونس : 67].
وقال سبحانه : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا . وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) [النبأ : 10 - 11]
وفي الصحيحين عن أبي برزة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها متفق عليه.
قال النووي رحمه الله في شرحه للحديث:
"قال العلماء : وسبب كراهة النوم قبلها أنه يعرضها لفوات وقتها باستغراق النوم ، أو لفوات وقتها المختار والأفضل ، ولئلا يتساهل الناس في ذلك فيناموا عن صلاتها جماعة.
وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر ، ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل ، أو الذكر فيه ، أو عن صلاة الصبح في وقتها الجائز ، أو في وقتها المختار أو الأفضل ، ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عما يتوجه من حقوق الدين والطاعات ومصالح الدنيا .
قال العلماء: والمكروه من الحديث بعد العشاء هو ما كان في الأمور التي لا مصلحة فيها . أما ما فيه مصلحة وخير فلا كراهة فيه ، وذلك كمدارسة العلم ، وحكايات الصالحين ، ومحادثة الضيف والعروس للتأنيس ، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة والحاجة ، ومحادثة المسافرين بحفظ متاعهم أو أنفسهم ، والحديث في الإصلاح بين الناس والشفاعة إليهم في خير ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والإرشاد إلى مصلحة ونحو ذلك ، فكل هذا لا كراهة فيه ، وقد جاءت أحاديث صحيحة ببعضه ، والباقي في معناه، وقد تقدم كثير منها في هذه الأبواب والباقي مشهور . ثم كراهة الحديث بعد العشاء المراد بها بعد صلاة العشاء لا بعد دخول وقتها . واتفق العلماء على كراهة الحديث بعدها إلا ما كان في خير"انتهى.
وقال في رياض الصالحين:
"باب كراهة الحديث بعد العشاء الآخرة المراد به الحديث الذي يكون مباحا في غير هذا الوقت وفعله وتركه سواء، فأما الحديث المحرم أو المكروه في غير هذا الوقت فهو في هذا الوقت أشد تحريما وكراهة، وأما الحديث في الخير كمذاكرة العلم وحكايات الصالحين ومكارم الأخلاق والحديث مع الضيف ومع طالب حاجة ونحو ذلك فلا كراهة فيه، بل هو مستحب وكذا الحديث لعذر وعارض لا كراهة فيه وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على كل ما ذكرته ".
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله في كتابه:"فتح الباري" (3/377):
" ومتى كان السمر بلغو ، ورفث ، وهجاء ، فإنه مكروه بغير شك ".
وقال الحافظ ابن حجر رحمهالله في "فتح الباري" (2 / 73) :
" وَالسَّمَر بَعْدَهَا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى النَّوْم عَنْ الصُّبْح ، أَوْ عَنْ وَقْتهَا الْمُخْتَار ، أَوْ عَنْ قِيَام اللَّيْل .وَكَانَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ يَضْرِب النَّاس عَلَى ذَلِكَ وَيَقُول : أَسَمَرًا أَوَّلَ اللَّيْل وَنَوْمًا آخِرَهُ ؟".
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في اللقاء الشهري" (1 / 333):
" وإذا أطال الإنسان السهر ، فإنه لا يعطي بدنه حظه من النوم ، ولا يقوم لصلاة الصبح ، إلا وهو كسلان تعبان ، ثم ينام في أول نهاره عن مصالحه الدينية والدنيوية .
والنوم الطويل في أول النهار يؤدي إلى فوات مصالح كثيرة ، وقد جرب الناس أن العمل في أول النهار أبرك من العمل في آخر النهار ، وأنه أسد وأصلح وأنجح ، فإن البكور مبارك فيه ، وهؤلاء الذين يسهرون الليالي ، لا شك أنهم لا يستطيعون البقاء بدون نوم ، فلا بد للجسم من النوم ، وطول السهر يحول دون ذلك ". انتهى.
وأختم مقالتي بما قاله شيخنا االمجدد الألباني رحمه الله تعقيبًا على كلام الإمام النووي في مقدمة تحقيقه لرياض الصالحين على كلام النووي رحمه الله في الرياض:
ينبغي أن يقيّد ذلك بما إذا لم يترتّب على الحديث بعد العشاء إضاعة شيء من الواجبات العينية، كالشاب مثلا يسهر في دراسة العلم أو الإستعداد للإختبار إلى قريب من نصف الليل ثم ينام منهكا، فتفوته صلاة الصبح، فمثل هذا السهر - و لو في طلب العلم -لا يجوز، لأن مثله كمثل كمن يبني قصرا و يهدم مصرا.
وإنما عليه أن ينام مبكرا بعد صلاة العشاء، ليستيقظ مبكرا لصلاة الصبح، و ليجعل دراسته بعدها، و صدق رسول الله صلى الله عليه و سلّم إذ يقول: "بورك لأمة في بكورها" فليتنبه لهذا فإن أكثر الشباب عنه غافلون، والله المستعان".
والله أسأل لي وللمسلمين ولإخواننا وأبنائنا الطلاب النجاح والتفوق والسداد.
تعليق