إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

::: إعلان النكير على عقيدة التكفير ::: ( نقد لفوزي البحريني )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ::: إعلان النكير على عقيدة التكفير ::: ( نقد لفوزي البحريني )

    ::: إعلان النكير على عقيدة التكفير :::
    ( نقد لفوزي البحريني )







    بسم الله الرحمن الرحيم


    ﴿ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أنيب (*)



    الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً مزيداً.
    أما بعد:

    فإن أئمة الإسلام لا يزالون يذودون عن حماه ، فينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، و تأويل الجاهلين العابثين بأصول الدين وسنة سيد المرسلين.

    ولكل قوم وارث ، فلا يزال أهل البدع والأهواء في سكرتهم يعمهون ، لا يفتئون يجلبون على أهل السنة والجماعة بمحدثات الأمور ، ومن أعظم البدع حدوثاً في الإسلام بدعة الخوارج ، فُتِحَ بها باب فتنة لن يغلق حتى يخرج في أعراضهم الدجال.

    ومن الأصول التي أحدثوها وخرجوا بها على المسلمين وأئمتهم واستباحوا دماءهم التكفير بكبائر الذنوب ، وتوارث الخوارج هذا الأصل فئة عن فئة إلى يومنا هذا ، وقد وُجِدَ من يحمل هذا الفكر وهو ينتسب إلى السنة والأثر!

    واليوم نقف مع أنموذج من هؤلاء الهمج وهو الأخرق ( فوزي البحريني).
    فقد وقفت على كلام خطير لهذا الأخير متعلق بأمر العقيدة في باب توحيد الإلهية، خالف فيه مذهب أهل السنة والجماعة ، ووافق فيه الغلاة وأهل التكفير في إنكار سماحة الإسلام والتسرع في تكفير المسلمين،فأحببت أن أستعرض كلامه عليكم - بعون الله - بشيء من التوضيح من كلام العلماء الذي يبين موضع المخالفة ، والله المستعان.

    سئل المدعو ( فوزي البحريني ) هذا السؤال فكان منه ذاك الجواب (!) وإلى القارئ الكريم السؤال والجواب :

    [- سؤال : هل محبة أحد من الخلق كحب الله أو أكثر توجب غضب الله وسخطه وهل هذا من الشرك ؟

    قال : بينت هذا الأمر في شرح كتاب التوحيد بأن جعل المحبة المطلقة للعبد كالزوجة أو الأولاد أو المال أو غير ذلك فهذه المحبة من الشرك ومن الشرك الأكبر ، فلا يجوز للعبد أن يشرك مع الله سبحانه وتعالى في المحبةوفي الدعاء وفي الخوف وفي الرجاء وفي غير ذلك مما تكلمنا عنه. لكن الحب الطبيعي لا بأس به كحب الزوجة حب الأولاد حب الوالدين حب المسلم في الله سبحانه وتعالى فهذا أمر مطلوب ومشروع . لكن الحب المطلق فلا يجوز إلا لله سبحانه وتعالى فمَثَل (!) : تجد أب ذهب بأولاده إلى النزهة مثلاً : وأذن أذان المغرب مثلاً والمساجد متوفرة في هذا المكانوالمسجد متوفر مع هذا لحبه لأولاده يجعلهم يلعبون ويترك الصلاة فممكن أن يقول لهالطفل : لا . أريد أن ألعب يبكي يصيح فيرق عليه لحبه إليه (!) فيترك الصلاة فهذا الحب شرك بالله سبحانه وتعالى لو كان هذا صادقاً في حب الله لأخذ الأولاد وذهب يصلي لأنَّ الله سبحانه وتعالى ينادي الناس بالأذان فلا يذهب إلى الخمس صلوات (!) . مثلاً يصلي في الدكان خوفاً على ضياع المال لحبه للمال فهذا شرك والعياذ بالله فلا بد أن نتنبه في هذه الأمور فالحب المطلق لله سبحانه وتعالى والخوف المطلق لله سبحانه وتعالىوالرغبة والرهبة لله سبحانه وتعالى والخشية لله وهكذا. نعم.] شرح الأصول الثلاثة.

    هكذا كان جواب فوزي على هذا السؤال ، ويبدو جلياً من كلامه أنه لم يدرك حقيقة العبادة ومعنى المحبة وكذا غيرها من أنواع العبادة ، ولم يعرف سماحة الإسلام ورحمة الله لعباده وإعذارهم في الخوف على أنفسهم أو أموالهم وعذرهم في التخلف عن الجمعة والجماعة ونحو ذلك، وسوف أناقشه في هاتين المسألتين.

    • المسألة الأولى: بيان سماحة الشريعة الإسلامية وما فيها من الأعذار الشرعية

    قال الإمام العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
    فالشرائع التي جاء بها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام طُرُقٌ ظاهرة بينة واضحة لمن تأملها، توصل من استقام عليها واتبعها وأخذ بها إلى النجاة والسعادة والحياة الطيبة الكريمة في الدنيا والآخرة، فشريعة نبينا عليه الصلاة والسلام أفضلها وأكملها، وليس فيها آصار ولا أغلال، قد وضع الله عن هذا النبي وعن أمته الآصار والأغلال، فلله الحمد والمنة " شريعة سمحة " كما قال في الحديث الصحيح: « بعثت بالحنيفية السمحة »، وقال عليه الصلاة والسلام: « إن هذا الدين يسر ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه »، وقال لما بعث معاذاً وأبا موسى رضي الله عنهما إلى اليمن: « يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا » ، فهذه الشريعة شريعة التيسير، وشريعة المسامحة، وشريعة الرحمة والإحسان، وشريعة المصلحة الراجحة، وشريعة العناية بكل ما فيه نجاة العباد وسعادتهم وحياتهم الطيبة في الدنيا والآخرة(أ).

    وقال الإمام العلامة محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى:
    حتى إذا وجد الحرج تيسر الدين؛ فأصله ميسر، وإذا وجد الحرج تيسرثانية، وإذا لم يمكن القيام به أبداً سقط؛ فلاواجب مع العجز، ولا حرام مع الضرورة(ب).

    " فنقول للحدادية : هل تعترفون أن في الإسلام سماحة ؟ .
    إن قلتم: لا سماحة فيه كذبتم وشوهتم الإسلام .
    وإن قلتم نعم فبينوا ما هو مجال هذه السماحة ؟ أهو الأصول أم الفروع ثم في السنن فقط كما حصرتم المصالح والمفاسد في السنن ؟!فهات الأدلة الواضحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على هذا التفريق والحصر في السنن" (ج).

    ومن المعلوم عند أهل العلم بالفقه الإسلامي أن هناك أعذاراً تسقط بها واجبات مثل حضور الجمعة والجماعات :

    قال الموفق ابن قدامة -رحمه الله- في المقنع (1/219-220): ( ويعذر في الجمعة والجماعة المريض ومن يدافع الأخبثين والخائف ضياع ماله أو فواته أو ضرر فيه أو موت قريبه أو على نفسه من ضرر سلطان أو ملازمة غريم ولا شيء معه أو فوات رفقته أو غلبة النعاس أو الأذى بالمطر والوحل والريح الشديد في الليلية المظلمة الباردة ) .

    قال المُحَشِّي- وهو العلامة سليمان بن عبد الله بن الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله- : [ قوله : ( والخائف من ضياع ماله... الخ ) الخوف يتنوع ثلاثة أنواع :
    أحدها: الخوف على نفسه بأن يخاف سلطاناً يأخذه أو لصاً أو سبعاً أو سيلاً أو نحو ذلك مما يؤذيه في نفسه أو يخاف غريماً يحبسه ولا شيء معه يعطيه فإن حبس المعسر ظلم واستثنى القادر على الأداء ومن عليه حد قذف أو حد لله.
    ثم قال:
    الثاني : أن يخاف على ماله من لص أو سلطان أو نحوه أو يخاف على بهيمته من سبع أو شرود إن ذهب وتركها أو على منـزله أو متاعه أو زرعه.
    وسرد عدداً من نحو هذه الأعذار ثم قال : فهذا وأشباهه عذر في التخلف عن الجمعة والجماعة لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( أو خوف ) ولأن في أمره صلى الله عليه وسلم بالتخلف بالصلاة في الرحال لأجل الطين والمطر مع أن عذرهما أيسر من ذلك تنبيهاً على جوازه.
    وقال:
    الثالث : الخوف على أهله وولده أن يضيعوا أو يخاف موت قريبه ولا يشهده فهذا عذر في ترك الجمعة والجماعة وبه قال عطاء والحسن والشافعي ولا نعلم فيه خلافاً وقد استصرخ ابن عمر-رضي الله عنهما- على سعيد بن زيد وهو يتجهز للجمعة فأتاه في العقيق وترك الجمعة ) ].
    وساق الأدلة على هذه الأنواع وغيرها من الأعذار التي تحصل بها الرخصة .

    قال الإمام محمد بن عثيمين رحمه الله تعالى:
    قوله: «فصل» هذا الفصلُ عَقَدَه المؤلِّفُ لبيان الأعذارِ التي تُسقِطُ الجمعةَ والجماعة، وهو مبنيٌّ على قوله تعالى: ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج: 78] وقوله: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة: 185] . ومِن القواعدِ المشهورة: المشقةُ تجلبُ التيسير، ولا شَكَّ أنَّ الجمعةَ أوكد بكثير مِن الجماعة لإجماعِ المسلمين على أنَّها فَرْضُ عَين؛ لقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ [الجمعة: 9] .
    أما الجماعةُ فإنَّه سَبَقَ الخِلافُ فيها، وأنَّ القولَ الرَّاجحَ أنَّها فَرْضُ عَين، لكن آكديتها ليست كآكدية صلاة الجُمُعة، ومع ذلك تسقط هاتان الصَّلاتان للعُذر.

    وقال - أيضاً - رحمه الله:
    قوله: « وخائف من ضياع ماله، أو فواته، أو ضرر فيه» هذا نوعٌ رابعٌ مما يُعذر فيه بتَرْكِ الجُمعةِ والجماعةِ، أي: إذا كان عنده مالٌ يَخشى إذا ذَهَبَ عنه أن يُسرقَ، أو معه دابةٌ يَخشى لو ذهبَ للصَّلاةِ أن تنفلتَ الدَّابةُ وتضيع، فهو في هذه الحال معذورٌ في تَرْكِ الجُمُعةِ والجَماعةِ؛ لأنَّه لو ذَهَبَ وصَلَّى فإن قلبَه سيكون منشغلاً بهذا المال الذي يَخافُ ضياعه.
    وكذلك إذا كان يَخشى مِن فواتِه بأن يكون قد أضاعَ دابَّته، وقيل له: إنَّ دابَّتك في المكان الفلاني؛ وحضرتِ الصَّلاةُ، وخَشيَ إنْ ذهب يُصلِّي الجُمعةَ أو الجماعةَ أنْ تذهبَ الدَّابةُ عن المكان الذي قيل إنَّها فيه، فهذا خائفٌ مِن فواتِه، فله أنْ يتركَ الصَّلاةَ، ويذهب إلى مالِه ليدرِكَه.
    ومِن ذلك أيضاً: لو كان يخشى مِن ضَررٍ فيه، كإنسان وَضَعَ الخُبزَ بالتنورِ، فأُقيمت الصَّلاةُ، فإنْ ذهبَ يُصلِّي احترقَ الخبزُ؛ فله أن يَدَعَ صلاةَ الجماعة مِن أجلِ أن لا يفوتَ مالُه بالاحتراق.
    والعِلَّةُ: انشغالُ القلبِ.
    لكن يُؤمرُ الخَبَّازُ أن يلاحظ وقت الإِقامةِ، فلا يدخل الخبزَ في التنور حينئذٍ.
    وظاهرُ كلامِ المؤلِّفِ: أنَّه لا فَرْقَ بين المالِ الخطير والمال الصَّغيرِ الذي لا يُعتبر شيئاً؛ لأنه أطلق فقال: «مِن ضياع ماله» وقد يُقال: إنَّه يُفرَّقُ بين المالِ الخطير الذي له شأن، وبين المال القليل في صلاة الجُمعةِ خاصَّة؛ لأنَّ صلاةَ الجُمعة إذا فاتت فيها الجماعةُ لا تُعادُ وإنَّما يُصلَّى بدلها ظُهراً، وغير الجُمعةِ إذا فاتت فيها الجماعةُ يصلِّيها كما هي(*).

    فإن كان هذا ( المتطرف ) يرى أن الذي " يصلي في الدكان خوفاً على ضياع المال " يكفر فقد أتى بعقيدة ينكرها أهل السنة قاطبة والمسلمون عامة ، وسبب هذا ( التطرف) هو إنكار سماحة الشريعة الإسلامية والجهل بالتيسير الذي جاءت به.
    فهل لشخص - يرى بعين الحق والتجرد له - أن ينكر كون هذا ( المتطرف) يتبنى أصول ومنهج الخوارج ؟!
    • المسألة الثانية : بيان المفهوم الصحيح للعبادة ( ومنها المحبة )

    وإليك أخي القارئ تفصيل أهل العلم في العبادة :
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة.."(1)

    وقال بعض أهل العلم " العبادة هي : التذلل لله محبة وتعظيماً بفعل أوامره واجتناب نواهيه على الوجه الذي جاءت به شرائعه "

    وهذا يسمى التعبد الشرعي أو العبادة الشرعية ، وهذه خاصة بالمؤمنين بالله سبحانه ، وهم يؤجرون عليها.

    وأما العبادة الكونية فهي: الخضوع لأمر الله الكوني كالزلازل والأعاصير والفيضانات وغيرها ، وهذه يخضع لها المؤمن والكافر والبر والفاجر ، ولا يؤجر عليها العبد لأنها ليست من إرادته ، وإنما قد يحصل على أجر الصبر على أقدار الله والشكر عند عطاياه سبحانه.

    واعلم أن العبادة بجميع أنواعها ( كالخوف والرجاء والمحبة... الخ ) إما محمودة أو مذمومةكما ذكر ذلك أهل العلم ، وبيان ذلك:
    إذا كان الخوف من الله يحملك على تقوى الله عز وجل فالتعبد لله بهذا الخوف محمود ، وهو مطلوب شرعاً.
    أما إن كان يحملك على القنوط من رحمة الله واليأس منه سبحانه فهذا الخوف مذموم منهيٌّ عنه شرعاً.
    كذلك الرجاء ، إذا كان يحملك على عبادة الله مع الطمع فيما عنده - سبحانه - من الأجر والثواب فهذا الرجاء محمود مطلوب شرعاً.
    وإن كان يحملك على التراخي في العبادة والتهاون والتمني على الله فهو مذموم منهيٌّ عنه شرعاً.
    وهكذا سائر أنواع العبادة ، ومنها المحبة(2).

    ويجدر بنا هاهنا أن نذكر أقوال العلماء فيما يخص " المحبة":
    أما معاني المحبة فقد استطرد شيخ الإسلام وطبيب القلوب الإمام محمد ابن القيم - رحمة الله عليه - في ذكرها وبيان معانيها ، وذِكْرُ ذلك في هذا المقام لا يتسع ، فراجعها أخي القارئ الكريم تفضلاً(3).

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
    ولابد من التنبيه على قاعدة تحرك القلوبإلى الله عز وجل فتعتصمبه ، فتقل آفاتها أو تذهب عنها بالكلية بحول الله وقوته‏.‏
    فنقول‏:‏ اعلم أن محركات القلوب إلى الله عز وجل ثلاثة‏:‏ المحبة ،والخوف ، والرجاء‏.وأقواها الـمحبة، وهى مقصودة تراد لذاتها ؛ لأنها تراد في الدنياوالآخرة بخلاف الخوف فإنه يزول في الآخرة ، قال الله تعالى ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [‏يونس‏:‏ 62‏]
    والخوف المقصود منه‏:‏ الزجر والمنع من الخروج عن الطريق ، فالمحبة تلقى العبد في السير إلى محبوبه ، وعلى قدر ضعفها وقوتها يكون سيره إليه ، والخوف يمنعه أن يخرجعن طريق المحبوب ، والرجاء يقوده.
    فهذا أصل عظيم ، يجب على كل عبد أن ينتبه له ، فإنهلا تحصل له العبودية بدونه ، وكل أحد يجب أن يكون عبداً لله لا لغيره ‏.‏
    فإن قيل‏: ‏فالعبد في بعض الأحيان قد لا يكون عنده محبة تبعثه علىطلب محبوبه ، فأي شيء يحرك القلوب ‏؟‏ قلنا‏:‏ يحركها شيئان ‏:‏
    أحدهما‏:‏ كثرة الذكر للمحبوب ؛ لأن كثرة ذكره تعلق القلوب به ، ولهذاأمر الله عز وجل بالذكر الكثير ، فقال تعالى﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا الآية ‏[‏ الأحزاب‏:‏ 41-42‏]‏
    والثاني‏:‏ مطالعة آلائه ونعمائه ، قال الله تعالى‏: ‏‏﴿ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [‏ الأعراف‏:‏ 69‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ‏[‏ النحل‏:‏53 ‏]‏‏.‏ وقال تعالى‏:‏ ‏﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ‏[‏ لقمان‏:‏ 20 ‏]‏،وقال تعالى‏: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [‏ إبراهيم‏:‏ 34‏]‏‏.‏
    فإذا ذكر العبد ما أنعم الله به عليه من تسخير السماء والأرض ، ومافيها من الأشجار والحيوان ، وما أسبغ عليه من النعم الباطنة من الإيمان وغيره ،فلابد أن يثير ذلك عنده باعثا.
    وكذلك الخوف ، تحركه مطالعة آيات الوعيد والزجروالعرض والحساب ونحوه ، وكذلك الرجاء ، يحركه مطالعة الكرم والحلم والعفو‏.‏
    وما ورد في الرجاء والكلام في التوحيد واسع‏ ،‏ وإنما الغرض التنبيهعلى تضمنه الإستغناء بأدنى إشارة، والله - سبحانه وتعالى - أعلم وصلى الله على محمدوآله وصحبه وسلم(4).

    وأرجو من القارئ الكريم أن يتأمل جيداً في استرسال الأئمة الأعلام عند كلامهم عن موضوع المحبة وما يبذلونه من الجهد في بيانها وبيان فضلها وأحكامها ، عكس ما يفعله الجهال الضالون المضلون.

    قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله :
    لما كانت محبته سبحانه هي أصل دين الإسلامالذي يدور عليه قطب رحاه ، فبكمالها يكمل ، وبنقصها ينقص توحيد الإنسان ، نبه المصنف على ذلك بهذه الترجمة(5).

    قال الشيخ العلامة محمد الصالح العثيمين رحمه الله:
    · والمحبة تنقسم إلى قسمين :
    القسم الأول : محبة عبادة ، وهي التي توجب التذلل والتعظيم ، وأن يقوم بقلب الإنسان من إجلال المحبوب وتعظيمه ما يقتضي أن يمتثل أمره ويجتنب نهيه ، وهذه خاصة بالله ، فمن أحب مع الله غيره محبة عبادة ، فهو مشرك شركاً أكبر ، ويعبر العلماء عنها بالمحبة الخاصة .
    القسم الثاني : محبة ليست بعبادة في ذاتها ، وهذه أنواع :
    النوع الأول :المحبة لله وفي الله ، وذلك بأن يكون الجالب لها محبة الله ، أي: كون الشيء محبوباً لله تعالى من أشخاص ، كالأنبياء ، والرسل ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين .
    أو أعمال ، كالصلاة ، والزكاة ، وأعمال الخير ، أو غير ذلك .
    وهذا النوع تابع للقسم الأول الذي هو محبة الله .
    النوع الثاني : محبة إشفاق ورحمة ، وذلك كمحبة الولد . والصغار ، والضعفاء ، والمرضى .
    النوع الثالث : محبة إجلال وتعظيم لا عبادة ، كمحبة الإنسان لوالده ، ولمعلمه ، ولكبير من أهل الخير .
    النوع الرابع : محبة طبيعية ، كمحبة الطعام ، والشراب ، والملبس ، والمركب ، والمسكن .
    وأشرف هذه الأنواع النوع الأول ، والبقية من قسم المباح ، إلا إذا اقترن بها ما يقتضي التعبد صارت عبادة ، فالإنسان يحب والده محبة إجلال وتعظيم ، وإذا اقترن بها أن يتعبد لله بهذا الحب من أجل أن يقوم ببر والده صارت عبادة وكذلك يحب ولده محبة شفقة ، وإذا اقترن بها ما يقتضي أن يقوم بأمر الله بإصلاح هذا الولد صارت عبادة.
    وكذلك المحبة الطبيعية ، كالأكل والشرب والملبس والمسكن إذا قصد بها الاستعانة على عبادة صارت عبادة ، ولهذا « حبب للنبي عليه الصلاة والسلام النساء والطيب »من هذه الدنيا ، فحبب إليه النساء ، لأن ذلك مقتضى الطبيعة ولما يترتب عليه من المصالح العظيمة ، وحبب إليه الطيب ، لأنه ينشط النفس ويريحها ويشرح الصدر ، ولأن الطيبات للطيبين ، والله طيب لا يقبل إلا طيباً.
    فهذه الأشياء إذا اتخذها الإنسان بقصد العبادة صارت عبادة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : « إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ».
    وقال العلماء : إن ما لا يتم الواجب إلا به ، فهو واجب ، قالوا : الوسائل لها أحكام المقاصد ، وهذا أمر متفق عليه(6).

    فمثال فوزي تجده هنا كما ذكره الشيخ العثيمين - رحمه الله -في ( محبة الشفقة والرحمة ) وهي محبة مشروعة ، بل إن الله تعالى فطر العباد عليها.

    ولكن: كيف الجواب على ما أورده فوزي من أن الرجل ترك الصلاة جماعة استجابة لرغبة أولاده ؟!

    يقول أهل العلم في هذه الحال أن هذا الحب - الشفقة والرحمة - مباحٌ أصلاً محرم قصداً ، حيث إنه حمل صاحبه على معصية الله فصار محرماً لغيره(7).

    وما ذكره فوزي من المحبة لا ينطبق عليها وصف العبادة ، وهي المحبة التي تستلزم الذل والخضوع والتعظيم وكمال الطاعة، وإنما هي محبة طبيعية حملت صاحبها على معصية الله ، فتنبه (!).


    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
    الذنوب تنقص من محبة الله:
    والذنوب تنقص من محبة الله تعالى بقدر ذلك ، لكن لا تزيل المحبة لله ورسوله إذا كانت ثابتة في القلب ولم تكن الذنوب عن نفاق ، كما في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب حديث حمار الذي كان يشرب الخمر وكان النبي يقيم عليه الحد فلما كثر ذلك منه لعنه رجل فقال النبي « لا تلعنه فإنه يجب الله ورسوله» وفيه دلالة على أننا منهيون عن لعنة أحد بعينه وإن كان مذنبا إذا كان يحب الله ورسوله ، فكما أن المحبة الواجبة تستلزم لفعل الواجبات ، وكمال المحبة المستحبة تستلزم لكمال فعل المستحبات ، والمعاصي تنقض المحبة وهذا معنى قول الشبلي لما سئل عن المحبة فقال: ما غنت به جارية فلان:


    تعصي الإله وأنت تزعم حبه ** هذا محال في القياس شنيع
    لو كان حبك صادقا لأطعته ** إن المحب لمن أحب مطيع

    وهذا كقوله « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حيث يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن » وقد تكلمنا على هذا في غير هذا الموضع(8).

    ولو تأملنا في تاريخ أسلافنا الصالحين لما وجدناهم يحكمون على مرتكب الكبيرة بالكفر ، إنما هذا من دين الخوارج والمعتزلة.

    لقد تخلف الصحابي الجليل كعب بن مالك - رضي الله عنه وأرضاه - عن غزوة تبوك ، فلم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن هجره تعزيراً له رضي الله عنه ، ولم يُنقل عند أحد من الصحابة أو من بعدهم أن النبي كفره بسبب تخلفه.

    ولكن على منهج هذا الغالي ( المتطرف ) فإن صاحب الكبيرة يكفر ، فكعب وماعز بن مالك والغامدية والمخزومية من الصحابة أو من تبعهم بإحسان - رضي الله عنهم - إلى يومنا هذا ، كل من وقع في مخالفة لأمر الله فإنه كافر خارج عن الملة!! لأنه - على ميزان فوزي - لو كان صادقاً في عبادته لله لماأشرك به !... نعوذ بالله من الخذلان.

    ومما هو مجمع عليه بين أهل السنة والجماعة أن الذين يكفرون مرتكب الكبيرة هم الخوارج ، والمعتزلة إذا مات صاحبها عليها ، وقد دوَّن السلف وعلماء الخلف الكلام عن الفِرَق - ومنهم الخوارج والمعتزلة -ومذهبها في الإيمان والكفر ، فراجعها أخي القارئ الكريم تفضلاً.

    قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى :
    ومحبة المرء إن كانت لله فهي من محبته ، وإن كانت لغير الله فهي منقصة لمحبة الله مضعفة لها. ويصدق هذه المحبة بأن يكون كراهته لأبغض الأشياء إلى محبوبه - وهو الكفر- بمنزلة كراهته لإلقائه في النار أو أشد. ولا ريب أن هذا من أعظم المحبة؛ فإن الإنسان لا يقدم على محبة نفسه شيئا ، فإذا قدم محبة الإيمان بالله على نفسه ... وهي محبة تقتضي تقديم المحبوب فيها على النفس والمال والولد ، وتقتضي كمال الذل والخضوع والتعظيم والإجلال والطاعة والانقياد ظاهرا وباطنا ، وهذا لا نظير له في محبة مخلوق ولو كان المخلوق من كان(9).

    وقال الشيخ عبد العزيز الراجحي حفظه الله:
    أصل محبة الله ورسوله شرط في الإيمان، فمن لم يحب الله ورسوله فليس بمؤمن، وكون محبة الله ورسوله فوق محبة النفس وجميع الناس من كمال الإيمان الواجب، كما قال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: « حتى أكون أحب إليك من نفسك » ثم قال: « الآن يا عمر » ؛ أي الآن بلغت كمال المحبة الواجبة ، ومن كانت محبة الله مساوية لمحبة أهله أو دونها فلا يكون كافرا بل يكون عاصيا ؛ لأنه لم يأت بالإيمان الواجب،، ولا يكون كافرا حتى يحبه محبة العبادة التي تقتضي وقوع الشرك من دعائه أو الذبح له أو النذر له، وقوله -تعالى-:﴿ يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ؛ أي محبة العبادة بدليل أول الآية ﴿ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا ﴾.
    محبة العبادة هي المحبة التي تقتضي الذل والخضوع والتعظيم وكمال الطاعة، وإيثار المحبوب على غيره، فهذه إذا صرفت لغير الله كان العبد بها مشركا من الكافرين، وهذه المحبة تقتضي تسوية آلهة المشركين برب العالمين، كما قال الله عنهم في النار ﴿ تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (10).

    قال الإمام البربهاري في شرح السنة :" واعلم أنَّ الخروج عن الطريق على وجهين :
    أمَّا أحدهما:فرجلٌ قد زلَّ عن الطريق وهو لا يريد إلاَّ الخير فلا يُقتدى بزللـه ، فإنَّه هالك.
    وآخر:عاند الحق ، وخالف من كان قبله من المتقين ، فهو ضالٌّ مضل شيطانٌ مَرِيدٌ في هذه الأمة ، حقيقٌ على من عرفه أن يحذِّر الناس منه ويبين لهم قصته لئلا يقع في بدعته أحد فيهلك " اهـ.

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :

    ومثل هؤلاء إذا لم يجعلوا ما ابتدعوه قولاً يفارقون به جماعة المسلمينيوالون عليه ويعادون كان من نوع الخطأ والله سبحانه وتعالى يغفر للمؤمنين خطأهم فيمثل ذلك ، ولهذا وقع في مثل هذا كثير من سلف الأمة وأئمتها لهم مقالات قالوها باجتهاد وهي تخالف ما ثبت في الكتاب والسنة. بخلاف من والى موافقه وعادى مخالفه وفرق بينجماعة المسلمين وكفر وفسق مخالفه دون موافقه في مسائل الآراء والاجتهادات ، واستحلقتال مخالفه دون موافقه فهؤلاء من أهل التفرق والاختلافات(11).

    وما يحمل على كتابة هذا المقال هو " النصيحة " في دين الله أولاً ، ثم بيان حقيقة فوزي ومبلغه من العلم (!) ،ومن ثم التنبيه لمن اغتروا به وجلسوا إليه ليأخذوا عنه حتى يدركوا خطورة ما هم بصدد تعلمه من عقيدة منحرفة مآلها الغلو في دين الله وتكفير المسلمين.

    قال فضيلة الشيخ العلامة صالح الفوزان حفظه الله :
    والمحبة بابها باب عظيم ينبغي التنبه له ومعرفته؛ لأن عليه مداراً عظيماً في العقيدة وأمور الدين، فالإنسان لا يمشي إمعة، لا يدري من يحب ومن يبغض، بل يجعل المحبة والبغضاء ميزاناً يفرق بين أولياء الله وأولياء الشيطان، ولا يجعله ميزاناً دنيوياً وهوى، فمن وافقه على دنياه وهواه وأعطاه شيئاً من الدنيا أحبه، ولو كان من أكفر الناس وأفسقهم، وإن لم يعطه شيئاً أبغضه، ولو كان من أصلح الصالحين، فهذا لا يجوز (12).



    أسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ، وأن يجعلنا هداةً مهتدين غير ضالين ولا مضلين.



    والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .




    وكتب
    أبو حــــــاتم
    رضوان حدادي
    البُلَيْــــــدِي
    حرر ليلة الثلاثاء 28 شوال 1429

    ــــــــــــــــــــــــــــــــ

    (*)( هـود 88 )

    (أ) مقال بعنوان : الشريعة الإسلامية ومحاسنها وضرورة البشر إليها

    (ب)شرح العقيدة الواسطية

    (ج)" سماحة الشريعة الإسلامية " للعلامة ربيع المدخلي ( 8 ط مجالس الهدى - الجزائر )

    (*)الشرح الممتع على زاد المستقنع ( 4 / باب صلاة الجماعة )

    (1)المجموع: 10 - 149

    (2)انظر شرح الأصول الثلاثة / العثمين - الفوزان ، وكذلك شرح كتاب التوحيد للعلامة العثيمين رحمه الله

    (3)روضة المحبين ونزهة المشتاقين

    (4) المجموع ( 1/ 95 - 96 )

    (5)فتح المجيد 306

    (6)القول المفيد ج2 / 20

    (7)انظر المصدر السابق

    (8) قاعدة في المحبة : ( 1 / 72 - 73 )

    (9)روضة المحبين - ص 200

    (10)تقييد الشوارد من القواعد والفوائد /118-119

    (11) مجموع الفتاوى (3/ 349 )

    (12)التعليقات المختصرة على العقيدة الطحاوية 170
    التعديل الأخير تم بواسطة ضيف; الساعة 2010-06-09, 03:38 PM.

  • #2
    جزاك الله خيرا اخي الفاضل -حقيقة- مقال ماتع ، رزقني الله المحبة الكاملة و اياك اخي.
    فاذن كلام الشيخ عمر الحاج كان عاما و هذا كلام مفصل و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

    تعليق


    • #3
      آمين وإياك أخي مهدي
      وللتنبيـــــــــه
      فإن المقال كما بينت في خاتمته قد كُتِبَ منذ سنتين ( 1429هـ ) ويأتي من لا عقل له فيظن أن المقال كتب حديثاً منذ بضعة أيام، فاللهم لك الحمد على سلامة العقل.
      وأخبر القوم أن المقال لم ينزل إلا بعد أن راجعه أحد أئمة أهل السنة والحديث في زماننا وأقر نشره، يا من تتمسحون بهم بالباطل.
      التعديل الأخير تم بواسطة ضيف; الساعة 2010-06-11, 06:27 PM.

      تعليق

      الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
      يعمل...
      X