سورة النَّحل: اختراع السَّيَّارات وغيرها في القُرآن
قال الله تعالى: ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (النَّحل 8).
امتنَّ الله تعالى في هذه الآيةِ على عِبادِه بما خلَقَه لهم مِن وَسائِل النَّقل ومَركوباتِ الأسفار، وذكَرَ مِنها نَوعَين:
- نوعٌ رآه النَّاسُ يَومَ نُزول الآيةِ وعرَفوه وتمتَّعوا بهِ لحاجاتِهم، وهو ما عيَّنَه بالخَيل والبِغال والحَمير.
- ونوعٌ لم يُعيِّنه؛ لأنَّهم لم يَرَوه ولم يَعرِفوه يَومئذٍ، وإنَّما أشارَ إليه بأنَّه سيَخلقُه لهم، وقد تحقَّقَ ذلك بما رآه النَّاسُ في عُصورٍ مُختلفةٍ، لا سيما في هذا العصر؛ حيثُ خلَقَ الله لعِبادِه عَجائبَ المَركوباتِ، من سيَّاراتٍ وقاطراتٍ وطائراتٍ وسُفُن بَحريَّةٍ وفَضائيَّةٍ ومَصاعدَ للبنايات، في أشياء وأشكالٍ تُذهِل العقول!!
قال العلامة محمد الامين الشَّنقيطي رحمه الله في كتابه (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن) (2/334-335): " ذكَرَ جلَّ وعلا في هذه الآيةِ الكريمة أنَّه يخلُقُ ما لا يَعلمُ المُخاطبون وقَتَ نُزولها، وأبهمَ ذلك الذي يخلُقُه لتَعبيره عنه بالمَوصول، ولم يُصرِّح هنا بشيءٍ مِنه، ولكنَّ قَرينةَ ذِكر ذلك في مَعرَض الامتِنان بالمَركوبات تدلُّ على أنَّ مِنه ما هو من المركوبات، وقد شوهدَ ذلك في إنعام الله على عِبادِه بمَركوباتٍ لم تكُن معلومةً وقتَ نزول الآيةِ، كالطائرات والقطارات والسيارات،ويُؤيِّدُ ذلك إشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في الحديث الصحيح، قال مُسلمُ بنُ الحجَّاج رحمه الله في صحيحه: حدَّثنا قُتيبةُ بنُ سعيدٍ حدَّثنا ليثٌ عن سعيد بن أبي سعيد عن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والله! لَيَنزِلَنَّ ابنُ مَريَمَ حَكَماً عَادِلاً، فَلَيَكسِرَنَّ الصَّلِيبَ، ولَيَقتُلَنَّ الخِنزِيرَ، ولَيَضَعَنَّ الجِزيَةَ، ولَتُترَكَنَّ القِلاصُ، فَلا يُسعى عَلَيها، ولَتَذهَبَنَّ الشَّحنَاءُ والتَّباغُضُ والتَّحاسُدُ، ولَيَدعُوَنَّ إلى المَالِ، فَلَا يَقبَلُهُ أَحَدٌ" اهـ، القِلاص: هي الفَتيَّة من النِّياق والقِلاص جمعُ الجمع، كما في (فتح الباري) لابن حجر(7/180).
ومحلُّ الشاهد من هذا الحديث الصحيح قوله: "ولَتُترَكَنَّ القِلاصُ، فَلا يُسعى عَلَيها"؛ فإنَّه قَسَمٌ من النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه ستُترك الإبل فلا يُسعى عليها، وهذا مُشاهَدٌ الآن للاستغناء عن رُكوبها بالمراكِب المذكورة، وفي هذا الحديث معجزةٌ عُظمى تدلُّ على صِحَّة نبُوَّته، وإن كانت مُعجزاتُه صلوات الله عليه وسلامه أكثر مِن أن تُحصر، وهذه الدّلالة التي ذكرنا تُسمَّى دلالة الاقتِران، وقد ضعَّفها أكثر أهل الأصول، كما أشار له صاحبُ (مَرَاقي السُّعود) بقوله:
أمَّا قِرانُ اللَّفظ في المشهور *** فلا يُساوي في سوى المَذكور"
وأصرَحُ مِنه في الدلالة على اختراع هذه المركوبات حديثُ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقولُ: سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سَيَكونُ في آخِرِ أُمَّتي رِجَالٌ يَركَبونَ على سُرُوجٍ كَأَشبَاهِ الرِّحالِ، يَنزِلُونَ على أبوابِ المَساجِدِ، نِساؤُهُم كَاسِياتٌ عارِياتٌ على رُؤوسِهِنَّ كَأسنِمَةِ البُختِ العِجافِ، العَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلعُوناتٌ، لَو كانَت وَرَاءَكُم أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ لَخَدَمنَ نِسَاؤُكُم نِسَاءِهُم كما يَخدِمنكُم نِساءُ الأُمَمِ قَبلَكُم" رواه احمد(2/223) والحاكم (4/436) وصححه هو والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على (المُسند) (12/38) و الشيخ الألباني في (السلسلة الصحيحة)(2683)، وهو غير الحديث (93) الذي تراجع عن تصحيحه رحمه الله وحذَفَه منها في الطبعة الجديدة جزاه الله خيراً.
الأسنِمة: جمه سنم، وهو أعلى كلِّ شيءٍ، والبُخت: جِمالٌ طويلةُ الأعناق، والعِجاف: جمع عجفاء وهي الهزيلة.
وفي هذا الحديث ثلاثُ مُعجزاتٍ، وهي:
الأولى: إخبارُه صلى الله عليه وسلم بتبرُّج النِّساء المُسلمات، وقد حصَلَ كما أخبَرَ، حتَّر إنَّهنَّ وقَعن في عُريٍ فاضحٍ لم يَكُن يَخطُر على بال أحدٍ من الناس في ذلك الوقت أنَّ مُسلمةً تَفعلُه!
الثانية: إخبارُه صلى الله عليه وسلم عن صِفةٍ غريبةٍ في وقتِه في تَرجيل النِّساء شُعورَهنَّ، ألا وهي أن تَضمَّ إحداهنَّ شَعرَها وتَرفعَه فوق رَأسِها، ثمَّ تبرُز بِه أمام الرِّجال من غير المحارم، حتى إنَّ رَأسَها لَيُشبِه في ارتفاع ما عليه ظهرَ البَعير النَّحيف طويل العُنُق، وهذا هو معنى أسنِمَةِ البُختِ العِجافِ!!
الثالثة: ما نحن بصدده، ألا وهو اختراع هذه المَركوبات الحديثة، وقد جاء في رواية الحاكم بلفظ: "يَركبونَ المَيَاثِرَ" ، قال عبد الله بن عياش وهو أحد رواة الحديث: " فقلت لأبي: وما المَياثِر؟ قال: سروجاً عِظاماً"، والمَياثِر جمعُ مِيثَرَة.
ومن الفوائد العزيزة التي استفدتُها من شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد حفظه الله وأعلى قدرَه في الدَّارين ما جاء في الكتاب والسُّنَّة معاً مُوافقاً لما نحن بصدده، ما رواه مسلم
(1342) عن ابن عمر: " أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بَعيرِهِ خارجاً إلى سَفَرٍ كبَّر ثلاثاً ثمَّ قال:
(سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) (الزخرف 13-14)...." ، قال: لم يُحدَّد المَركوب هُنا وإنَّما عُبِّر عنه بِلفظ: (هَٰذَا) الذي يَصلحُ أن يُطلق على كلِّ مركوبٍ على اختلاف العصور ومُختلف الاختراعات، فتأمل!
تنبيه: ذكَرَ الشيخ هُنا أنَّ ذِكرَ الخيل والبِغال والحَمير في الآية جاء في معرض الامتنان ولم يخرُج مَخرجَ التَّقييد لمنافعها بالرُّكوب واتِّخاذها زينةً فقط، وقد قيَّدَ الامتنان بالرُّكوب لا الأكل مثلاً؛ لأنَّ رُكوب المذكورات قاسمٌ مُشتركٌ بينها، أمَّا الأكلُ فمِنها حرامٌ ومنها خلالٌ، على أنَّ منَّةَ الأكل تَحصلُ بغيرِها، فإن قيل: رُكوبُها اليوم غيرُ واردٍ لاستغناء الناس عنها في ذلك؟ قيل له: إنَّ الناس لم يستغنوا عنها مطلقاً؛ فهي لا تزال زينةً يلعبون بها بل يتفاخرون بها أيَّما تفاخرٍ، لكن نبَّه الله على أنَّه سيَخلقُ مَركوباتٍ أخرى على مرِّ العصور، فتبقى المنَّةُ على مرِّ العصور وذلك قوله: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) فيُقال لمن نزل فيهم ذاك القول الكريم: هي نِعمةٌ عليكم تركبونها وتتمتَّعون بزينتها، ويُقال لمن جاء بعدهم وقد خلق الله لهم مركوباتٍ أخرى: تلك البهائم نعمةٌ عليكم تركبونها وتتمتعون بها مع زيادة ما خلق لكم من مركوباتٍ، فتأمَّل إعجازَ الكتابِ، وسبحان مَن كان كلامُه صالحاً لكلِّ زمانٍ ومكانٍ!
منقول بتصرف من كتاب "من كل سورة فائدة" إعداد: الشيخ /عبد المالك بن أحمد رمضاني
--------------------------------------------------------------------------------
قال الله تعالى: ( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ۚ وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (النَّحل 8).
امتنَّ الله تعالى في هذه الآيةِ على عِبادِه بما خلَقَه لهم مِن وَسائِل النَّقل ومَركوباتِ الأسفار، وذكَرَ مِنها نَوعَين:
- نوعٌ رآه النَّاسُ يَومَ نُزول الآيةِ وعرَفوه وتمتَّعوا بهِ لحاجاتِهم، وهو ما عيَّنَه بالخَيل والبِغال والحَمير.
- ونوعٌ لم يُعيِّنه؛ لأنَّهم لم يَرَوه ولم يَعرِفوه يَومئذٍ، وإنَّما أشارَ إليه بأنَّه سيَخلقُه لهم، وقد تحقَّقَ ذلك بما رآه النَّاسُ في عُصورٍ مُختلفةٍ، لا سيما في هذا العصر؛ حيثُ خلَقَ الله لعِبادِه عَجائبَ المَركوباتِ، من سيَّاراتٍ وقاطراتٍ وطائراتٍ وسُفُن بَحريَّةٍ وفَضائيَّةٍ ومَصاعدَ للبنايات، في أشياء وأشكالٍ تُذهِل العقول!!
قال العلامة محمد الامين الشَّنقيطي رحمه الله في كتابه (أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن) (2/334-335): " ذكَرَ جلَّ وعلا في هذه الآيةِ الكريمة أنَّه يخلُقُ ما لا يَعلمُ المُخاطبون وقَتَ نُزولها، وأبهمَ ذلك الذي يخلُقُه لتَعبيره عنه بالمَوصول، ولم يُصرِّح هنا بشيءٍ مِنه، ولكنَّ قَرينةَ ذِكر ذلك في مَعرَض الامتِنان بالمَركوبات تدلُّ على أنَّ مِنه ما هو من المركوبات، وقد شوهدَ ذلك في إنعام الله على عِبادِه بمَركوباتٍ لم تكُن معلومةً وقتَ نزول الآيةِ، كالطائرات والقطارات والسيارات،ويُؤيِّدُ ذلك إشارة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في الحديث الصحيح، قال مُسلمُ بنُ الحجَّاج رحمه الله في صحيحه: حدَّثنا قُتيبةُ بنُ سعيدٍ حدَّثنا ليثٌ عن سعيد بن أبي سعيد عن عطاء بن ميناء عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والله! لَيَنزِلَنَّ ابنُ مَريَمَ حَكَماً عَادِلاً، فَلَيَكسِرَنَّ الصَّلِيبَ، ولَيَقتُلَنَّ الخِنزِيرَ، ولَيَضَعَنَّ الجِزيَةَ، ولَتُترَكَنَّ القِلاصُ، فَلا يُسعى عَلَيها، ولَتَذهَبَنَّ الشَّحنَاءُ والتَّباغُضُ والتَّحاسُدُ، ولَيَدعُوَنَّ إلى المَالِ، فَلَا يَقبَلُهُ أَحَدٌ" اهـ، القِلاص: هي الفَتيَّة من النِّياق والقِلاص جمعُ الجمع، كما في (فتح الباري) لابن حجر(7/180).
ومحلُّ الشاهد من هذا الحديث الصحيح قوله: "ولَتُترَكَنَّ القِلاصُ، فَلا يُسعى عَلَيها"؛ فإنَّه قَسَمٌ من النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه ستُترك الإبل فلا يُسعى عليها، وهذا مُشاهَدٌ الآن للاستغناء عن رُكوبها بالمراكِب المذكورة، وفي هذا الحديث معجزةٌ عُظمى تدلُّ على صِحَّة نبُوَّته، وإن كانت مُعجزاتُه صلوات الله عليه وسلامه أكثر مِن أن تُحصر، وهذه الدّلالة التي ذكرنا تُسمَّى دلالة الاقتِران، وقد ضعَّفها أكثر أهل الأصول، كما أشار له صاحبُ (مَرَاقي السُّعود) بقوله:
أمَّا قِرانُ اللَّفظ في المشهور *** فلا يُساوي في سوى المَذكور"
وأصرَحُ مِنه في الدلالة على اختراع هذه المركوبات حديثُ عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقولُ: سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "سَيَكونُ في آخِرِ أُمَّتي رِجَالٌ يَركَبونَ على سُرُوجٍ كَأَشبَاهِ الرِّحالِ، يَنزِلُونَ على أبوابِ المَساجِدِ، نِساؤُهُم كَاسِياتٌ عارِياتٌ على رُؤوسِهِنَّ كَأسنِمَةِ البُختِ العِجافِ، العَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلعُوناتٌ، لَو كانَت وَرَاءَكُم أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ لَخَدَمنَ نِسَاؤُكُم نِسَاءِهُم كما يَخدِمنكُم نِساءُ الأُمَمِ قَبلَكُم" رواه احمد(2/223) والحاكم (4/436) وصححه هو والشيخ أحمد شاكر في تعليقه على (المُسند) (12/38) و الشيخ الألباني في (السلسلة الصحيحة)(2683)، وهو غير الحديث (93) الذي تراجع عن تصحيحه رحمه الله وحذَفَه منها في الطبعة الجديدة جزاه الله خيراً.
الأسنِمة: جمه سنم، وهو أعلى كلِّ شيءٍ، والبُخت: جِمالٌ طويلةُ الأعناق، والعِجاف: جمع عجفاء وهي الهزيلة.
وفي هذا الحديث ثلاثُ مُعجزاتٍ، وهي:
الأولى: إخبارُه صلى الله عليه وسلم بتبرُّج النِّساء المُسلمات، وقد حصَلَ كما أخبَرَ، حتَّر إنَّهنَّ وقَعن في عُريٍ فاضحٍ لم يَكُن يَخطُر على بال أحدٍ من الناس في ذلك الوقت أنَّ مُسلمةً تَفعلُه!
الثانية: إخبارُه صلى الله عليه وسلم عن صِفةٍ غريبةٍ في وقتِه في تَرجيل النِّساء شُعورَهنَّ، ألا وهي أن تَضمَّ إحداهنَّ شَعرَها وتَرفعَه فوق رَأسِها، ثمَّ تبرُز بِه أمام الرِّجال من غير المحارم، حتى إنَّ رَأسَها لَيُشبِه في ارتفاع ما عليه ظهرَ البَعير النَّحيف طويل العُنُق، وهذا هو معنى أسنِمَةِ البُختِ العِجافِ!!
الثالثة: ما نحن بصدده، ألا وهو اختراع هذه المَركوبات الحديثة، وقد جاء في رواية الحاكم بلفظ: "يَركبونَ المَيَاثِرَ" ، قال عبد الله بن عياش وهو أحد رواة الحديث: " فقلت لأبي: وما المَياثِر؟ قال: سروجاً عِظاماً"، والمَياثِر جمعُ مِيثَرَة.
ومن الفوائد العزيزة التي استفدتُها من شيخنا الشيخ عبد المحسن بن حمد العباد حفظه الله وأعلى قدرَه في الدَّارين ما جاء في الكتاب والسُّنَّة معاً مُوافقاً لما نحن بصدده، ما رواه مسلم
(1342) عن ابن عمر: " أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استوى على بَعيرِهِ خارجاً إلى سَفَرٍ كبَّر ثلاثاً ثمَّ قال:
(سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (13) وَإِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ) (الزخرف 13-14)...." ، قال: لم يُحدَّد المَركوب هُنا وإنَّما عُبِّر عنه بِلفظ: (هَٰذَا) الذي يَصلحُ أن يُطلق على كلِّ مركوبٍ على اختلاف العصور ومُختلف الاختراعات، فتأمل!
تنبيه: ذكَرَ الشيخ هُنا أنَّ ذِكرَ الخيل والبِغال والحَمير في الآية جاء في معرض الامتنان ولم يخرُج مَخرجَ التَّقييد لمنافعها بالرُّكوب واتِّخاذها زينةً فقط، وقد قيَّدَ الامتنان بالرُّكوب لا الأكل مثلاً؛ لأنَّ رُكوب المذكورات قاسمٌ مُشتركٌ بينها، أمَّا الأكلُ فمِنها حرامٌ ومنها خلالٌ، على أنَّ منَّةَ الأكل تَحصلُ بغيرِها، فإن قيل: رُكوبُها اليوم غيرُ واردٍ لاستغناء الناس عنها في ذلك؟ قيل له: إنَّ الناس لم يستغنوا عنها مطلقاً؛ فهي لا تزال زينةً يلعبون بها بل يتفاخرون بها أيَّما تفاخرٍ، لكن نبَّه الله على أنَّه سيَخلقُ مَركوباتٍ أخرى على مرِّ العصور، فتبقى المنَّةُ على مرِّ العصور وذلك قوله: (وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) فيُقال لمن نزل فيهم ذاك القول الكريم: هي نِعمةٌ عليكم تركبونها وتتمتَّعون بزينتها، ويُقال لمن جاء بعدهم وقد خلق الله لهم مركوباتٍ أخرى: تلك البهائم نعمةٌ عليكم تركبونها وتتمتعون بها مع زيادة ما خلق لكم من مركوباتٍ، فتأمَّل إعجازَ الكتابِ، وسبحان مَن كان كلامُه صالحاً لكلِّ زمانٍ ومكانٍ!
منقول بتصرف من كتاب "من كل سورة فائدة" إعداد: الشيخ /عبد المالك بن أحمد رمضاني
--------------------------------------------------------------------------------