أَهلُ الحَديث* !!!
أم مَشَايخ ( العَصر الحَديث )* ؟!
" قد رأيت خلقا من أهل هذا الزمان ينتسبون إلى الحديث ويعدّون أنفسهم من أهله المتخصصين بسماعه ونقله وهم أبعد الناس مما يدَّعون وأقلَّهم معرفة بما إليه ينتسبون ,
يرى الواحدُ منهم إذا كتَب عَدَدا قليلا من الأجزاء واشتغل بالسَّماع برهةً يسيرةً من الدَّهر أنه صاحب حديث على الإطلاق ، ولماَّ يجهد نفسه ويتعبها في طلابه ولا لحقته مشقة الحفظ لصنوفه وأبوابه .... وهم مع قلَّة كتبهم له وعدم معرفتهم به أعظمُ الناس كبرا وأشدُّ الخلق تيهًا وعجبًا لا يراعون لشيخ حرمة ولا يوجبون لطالب ذمة يخرقون بالراوين ويعنفون على المتعلمين خلاف ما يقتضيه العلم الذي سمعوه وضد الواجب مما يلزمهم أن يفعلوه "1
يرى الواحدُ منهم إذا كتَب عَدَدا قليلا من الأجزاء واشتغل بالسَّماع برهةً يسيرةً من الدَّهر أنه صاحب حديث على الإطلاق ، ولماَّ يجهد نفسه ويتعبها في طلابه ولا لحقته مشقة الحفظ لصنوفه وأبوابه .... وهم مع قلَّة كتبهم له وعدم معرفتهم به أعظمُ الناس كبرا وأشدُّ الخلق تيهًا وعجبًا لا يراعون لشيخ حرمة ولا يوجبون لطالب ذمة يخرقون بالراوين ويعنفون على المتعلمين خلاف ما يقتضيه العلم الذي سمعوه وضد الواجب مما يلزمهم أن يفعلوه "1
'' وأكثر كَتَبَة الحديث في هذا الزّمان بعيد من حفظه خال من معرفة فقهه ، لا يفرّقون بين معلّل وصحيح ولا يمّيزون ما بين معدّل من الرُّوَّاة ومجروح ، ولا يسألون عن لفظ أشكل عليهم رسمه ولا يبحثون عن معنى خفي عنهم علمه ! ، مع أنهم قد أذهبوا في كتبه أعمارهم وبعدت في الرحلة لسماعه أسفارهم! ، فجعلوا لأهل البدع من المتكلّمين ولمن غلب عليه الرَّأي من المتفقّهين ، طريقاً إلى الطعن على أهل الآثار ومن شغل فيه بسماع الأحاديث والأخبار ، حتى وصفوهم بضروب الجهالات ونبذوهم بأسوء المقالات ، وأطلقوا ألسنتهم بسبهم وتظاهروا بعيب المتقدمين وثلبهم ، وضربوا لهم المثل بقول الشاعر :
زوامل للأسفار لا علم عندهم**** بجيدها إلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري المطي إذا غدا *** بأحماله أو راح ما في الغرائر
كل ذلك لقلّة بصيرة أهل زماننا بما جمعوه وعدم فقههم بما كتبوه وسمعوه ، ومنعهم نفوسهم عن محاضرة الفقهاء وذمهم مستعملي القياس من العلماء ، لسماعهم الأحاديث التي تعلق بها أهل الظاهر في ذم الرأي والنّهي عنه ، والتحذير منه ، وأنهم لم يميزوا بين محمود الرأي ومذمومه بل سبق إلى نفوسهم أنه محظور على عمومه ، ثم قلدوا مستعملي الرأي في نوازلهم وعوَّلوا فيها على أقوالهم ومذاهبهم ، فنقضوا بذلك ما أحلُّوه واستحلًّوا ما كانوا حرَّموه ، وحقَّ لمن كانت حاله هذه أن يُطلق فيه القولُ الفظيع ويشنَّعَ عليه بضروب التَّشنيع ،
فبلغ منَّي ما ذكرتُه اغتماماً وأثَّر في معرفتي به اهتماماً ، لأمرين : أحدهما قصدُ من ذكرتُ لك الوقيعة في متقدَّمي أئمة أهل الحديث القائمين ، بحفظ الشريعة ، لأنهم رأس مالي وإلى علمهم مآلي ، وبهم فخري وجمالي ، نحو مالك ، والأوزاعي ، وشعبة ، والثوري ، ويحيى بن سعيد القطان وابن مهدي عبد الرحمن ، وعلي بن المديني الأمين وأحمد بن حنبل وابن معين ، ومن خلفهم من الأئمة الأعلام ، على مضيَّ الأوقات وكرور الأيّام ، فبهم في علم الحديث أكثر الفخر لا بناقليه وحامليه في هذا العصر ، كما أنشدني أبو عبد الله محمد بن علي الصوري قال : أنشدني أبو يعلى محمد بن الحسين البصري لنفسه
أهل التصوف أهلي *وهم جمالي ونبلي
ولست أعني بهذا *إلا لمن كان قبلي
ولست أعني بهذا *إلا لمن كان قبلي
والأمر الآخر ازدراؤهم بمن في وقتنا والمتوسَّمين بالحديث من أهل عصرنا ، فإن لهم حرمةً ترعى وحقاً يجب أن يؤدَّى ، لتحلَّيهم بسماعه واكتتابه ، وتشبُّههم بأهله وأصحابه ، وقد دلّتنا الشريعة على السَّماع منهم وأذنت لنا في الأخذ عنهم ، وورد بذلك مأثور الأثر عن سيد البشر وأقر بالزلفى عينيه في قوله : ( نضَّر الله امرءاً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره . . . إلى آخر الكلام الذي أوردناه في أوَّل هذا الفصل''2 .
_______________
* من الجناس ما نطق!!..
* من الجناس ما نطق!!..
1 شرف أصحاب الحديث نقلا من جامع بيان العلم وفضله تحقيق أبي الأشبال الزهيري ص 21
2 الفقيه و المتفقه للخطيب البغدادي ص 2/140.141
تعليق