إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

" تأمّلاتٌ في قول الله عزّ و جلّ { وما قدروا الله حقّ قدره }" للشّيخ حسن آيت علجت الجزائري حفظه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • " تأمّلاتٌ في قول الله عزّ و جلّ { وما قدروا الله حقّ قدره }" للشّيخ حسن آيت علجت الجزائري حفظه الله


    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته



    تأمّلات في قول الله عزّ و جلّ { و ما قدروا الله حقّ قدره }


    للشّيخ الفاضل :


    حسن آيت علجت الجزائري


    - حفظه الله و رعاه -






    لقد ذكر الله هذه الجملة : { وما قدروا الله حقّ قدره } في ثلاثة مواضع من كتابه العزيز :

    الموضع الأول : في سورة الأنعام : { و ما قدروا الله حقّ قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا و هدى للنّاس تجعلونه قراطيس تبدونها و تخفون كثيرا و علّمتم مالم تعلموا أنتم و لا آباؤكم قل الله ثمّ ذرهم في خوضهم يلعبون } [الأنعام:91].

    الموضع الثّاني : في سورة الحجّ : { يا أيّها النّاس ضرب مثل فاستمعوا له إنّ الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا و لو اجتمعوا له و إن يسلبهم الذّباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب و المطلوب ما قدروا الله حقّ قدره إنّ الله لقويّ عزيز }[الحج:73-74]

    الموضع الثّالث : في سورة الزّمر : { و ما قدروا الله حقّ قدره و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السّماوات مطويّات بيمينه سبحانه و تعالى عمّا يشركون }[الزمر:67].

    و لعلماء التّفسير في هذه الجملة : { وما قدروا الله حقّ قدره } أربعة تأويلات ذكرها الماورديّ في " النّكت و العيون " (2/141) :

    أحدها : و ما عظّموه حقّ عظمته ، قاله الحسن البصري ، و الفرّاء ، و الزّجاج .
    و الثّاني : و ما عرفوه حقّ معرفته ، قاله أبو عبيدة.
    و الثّالث : و ما وصفوه حقّ صفته ، قاله الخليل .
    و الرّابع : و ما آمنوا بأنّ الله على كل شيء قدير ، قاله ابن عباس رضي الله عنه.

    و على هذا ، فإنّ هذه الأقوال تدور على ثلاثة أمور :

    الأوّل : إثبات توحيد الله عزّ و جلّ و عظمته .
    الثّاني : إثبات صفاته السّنيّة العليا من : تكليمه سبحانه لرسله ، و إرساله إيّاهم ، و من قبضه الأرضين ، و طيّه للسّماوات بيمينه يوم القيامة .
    الثّالث : إثبات قدرته على البعث و إحياء الموتى.

    ففي سورة الحج ، ذكر سبحانه هذه الجملة في معرض إثبات وحدانيّته ، و أنّه لا يستحق العبادة إلا هو ، و في سورة الأنعام ، في معرض إثبات ما أنزله – جلّ و علاّ – على رسله ، و في سورة الزّمر في معرض إثبات المعاد و قيام النّاس لربّ العالمين.

    و هذه الأصول الثّلاثة ، و هي : التّوحيد ، و النّبوّات ، و المعاد ، هي الأصول الاعتقاديّة التي اتّفقت عليها جميع الملل ، و جاءت بها جميع الرّسل عليهم الصّلاة و السّلام .
    و عامة السّور المكّيّة تضمّنت هذه الأصول التي اتّفقت عليها رسل الله ، إذ كان الخطاب فيها يتضمّن الدّعوة لمن لا يقرّ بأصل الرّسالة (1).

    لهذا نجد أنّ السّور التي وردت فيها هذه الجملة : { و ما قدروا الله حقّ قدره } و هي سور : الأنعام ، و الحجّ ، و الزّمر ، و هي سور مكّيّة ، على خلاف في سورة الحجّ ، و من المعلوم أنّ الاعتناء في السّور المكّيّة ، إنّما هو بمسائل الاعتقاد – أو المسائل العلميّة الخبريّة - ، من تقرير التّوحيد ، و المعاد ، و النّبوّة ، و أمّا تقرير الأحكام و الشّرائع – أو المسائل العمليّة الطلبيّة – فمظنّة السّور المدنيّة (2).

    من أجل ذلك ، نجد أنّ في كلّ موطن من المواطن الثّلاثة التي ذكرت فيه هذه الجملة ، ردّا على صنف ممّن تنكّب طريق الحقّ في باب الاعتقادات فلم يقدر ربّ العالمين حقّ قدره (3). :

    الصّنف الأوّل : المشركون الذين عبدوا مع الله غيره ، و هم المذكورون في سورة الحجّ.

    الصّنف الثّاني : المعطّلة النّفاة للصّفات الإلهيّة العليا ، الذين ينكرون أنّ يكون لله عزّ و جلّ يدان ، فضلا عن أن يقبض بهما شيئا ، و هم المذكورون في سورة الزّمر.

    و قد روى البخاريّ – و اللّفظ له - ، و مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنهما قال : جاء حبر من اليهود فقال : " إنّه إذا كان يوم القيامة ، جعل الله السّماوات على إصبع ، و الأرضين على إصبع ، و و الماء و الثّرى على إصبع ، و الخلائق على إصبع ، ثمّ يهزّهنّ ، ثمّ يقول : أنا الملك ، أنا الملك " ، فلقد رأيت النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم يضحك حتى بدت نواجذه تعجّبا و تصديقا لقوله ، ثم قال النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم : { و ما قدروا الله حقّ قدره و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السّماوات مطويّات بيمينه سبحانه و تعالى عمّا يشركون }[الزّمر:67].

    و من ذلك أيضا ، ما رواه ابن عمر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قرأ هذه الآية ذات يوم على المنبر : { و ما قدروا الله حقّ قدره و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السّماوات مطويّات بيمينه سبحانه و تعالى عمّا يشركون }[الزّمر:67]، و رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يقول هكذا بيده ، و يحرّكها ، يقبل بها و يدبر : " يمجّد الرّب نفسه : أنا الجبّار ، أنا المتكبّر ، أنا الملك ، أنا العزيز ، أنا الكريم " فرجف برسول الله صلّى الله عليه و سلّم المنبر حتّى قلنا ليخرّنّ به (4).

    الصّنف الثّالث :
    منكروا النّبوّات ، الذين ينكرون إنزال شيء على البشر ، فيكذّبون بذلك بإرسال الله عزّ و جلّ للرّسل ، و إنزال كتبه عليهم.

    قال الإمام ابن القيّم رحمه الله في " الجواب الكافي "(ص220) مبيّنا هذا المعنى : " فما قدر الله حقّ قدره من عبد معه غيره ، كما قال تعالى : { يا أيّها النّاس ضرب مثل فاستمعوا له إنّ الذين تدعون من دونه لن يخلقوا ذبابا و لو اجتمعوا له و إن يسلبهم الذّباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطّالب و المطلوب ما قدروا الله حقّ قدره إنّ الله لقويّ عزيز}[الحجّ:73-74] ، فما قدر الله حقّ قدره من عبد معه من لا يقدر على خلق أضعف حيوان و أصغره ، و إن يسلبهم الذّباب شيئا ممّا عليه ، لم يقدروا على الاستعاذة منه ، و قال تعالى : { و ما قدروا الله حقّ قدره و الأرض جميعا قبضته يوم القيامة و السّماوات مطويّات بيمينه سبحانه و تعالى عمّا يشركون }[الزّمر:67] ، فما قدر – من هذا شأنه و عظمته – حقّ قدره من أشرك معه في عبادته من ليس له شيء من ذلك ألبتّة ، بل هو أعجز شيء و أضعفه ، فما قدر القويّ العزيز حقّ قدره من أشرك معه الضّعيف الذّليل ، و كذلك ما قدره حقّ قدره من قال : إنّه لم يرسل إلى خلقه رسولا ، و لا أنزل كتابا ، بل نسبه إلى ما لا يليق به ، و لا يحسن منه ، من : إهمال خلقه و تضييعهم ، و تركهم سدى ، و خلقهم باطلا عبثا ، و كذا ما قدره حقّ قدره من نفى حقائق أسمائه الحسنى ، و صفاته العلى : فنفى سمعه ، و بصره ، و إرادته ، و اختياره ، و علوّه فوق خلقه ، و كلامه و تكليمه لمن شاء من خلقه بما يريد " ... إلى آخر كلامه.

    فيتقرّر من هذا أنّ في هذه الجملة ردّا على المشركين و المعطّلين الجاحدين لتوحيده و لصفاته ، و ردّا على منكري كتبه و رسله ، و هذان هما أصلا الإسلام : شهادة أن لا إله إلا الله و أنّ محمدا رسول الله (5) .

    و دلّت هذه الجملة على أنّ لله جلّ و علا قدرا عظيما ، فكما أنّه لا يحصي ثناءه سبحانه أحد من خلقه ، كذلك لا يحصي تعظيمه أحد من خلقه التّعظيم الذي يستحقّه جلّ في علاه ، و لهذا قال أعلم الخلق بالله عزّ و جلّ ، ألا و هو عبده و رسوله محمد صلّى الله عليه و سلّم : " لا أحصي ثناءا عليك أنت كما أثنيت على نفسك " (6) .

    فهو سبحانه و تعالى : { ذو الجلال و الإكرام }[الرّحمن:27] ، أي : أهل أن يجلّ في نفسه ، و أهل أن يكرم .

    قال شيخ الإسلام ابن تيميّة في " المجموع "(16/320) : " و العباد لا يحصون ثناءا عليه ، فهو كما أثنى على نفسه ، كذلك هو أهل أن يجلّ و أن يكرم ، و هو سبحانه يجلّ نفسه و يكرم نفسه ، و العباد لا يحصون إجلاله و إكرامه ، و الإجلال : من جنس التّعظيم ، و الإكرام : من جنس الحبّ و الحمد ، و هذا كقوله : { له الملك و له الحمد }[التّغابن:1] ، فله الإجلال و الملك ، و له الإكرام و الحمد " اه.

    و في هذا جاء حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعا إلى النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم : " إنّ من إجلال الله : إكرام ذي الشّيبة المسلم ، و حامل القرآن غير الغالي فيه و الجافي عنه ، و إكرام ذي السّلطان المقسط " (7).

    و لما كان الأمر بهذه المثابة ، أمر رسول الله صلّى الله عليه و سلّم بالإكثار من الدّعاء ب : " يا ذا الجلال و الإكرام " ، ففي الحديث المرويّ عن جماعة من الصّحابة مرفوعا : " ألظّوا ب : يا ذا الجلال و الإكرام " (8).

    قال ابن الأثير في " النّهاية "(4/252) : ْ أي : الزموه ، و اثبتوا عليه ، و أكثروا من قوله ، و التّلفظ به في دعائكم ، يقال : ألظّ بالشّيء ، يلظّ ، إلظاظا : إذا لزمه ، و ثابر عليه " اه.

    و قد أنكر نبيّ الله نوح عليه السّلام على قومه عدم تعظيمهم لربّ العالمين فقال : { مالكم لا ترجون لله وقارا }[نوح:13] ، أي : لا تعاملونه معاملة من توقّرونه ، و الوقار : العظمة ، اسم من التّوقير و هو : التّعظيم ، و منه قوله تعالى : { و توقّروه }[الفتح:9] (9).

    و هذا التّعظيم الذي يجب على العبد نحو خالقه – جلّ و علا – هو أحد ركني العبادة التي خلقه الله عزّ و جلّ لأجلها ، ذلك بأنّ " العبادة مبنيّة على أمرين عظيمين ، هما : المحبّة و التّعظيم ، النّاتج عنهما : { إنّهم كانوا يسارعون في الخيرات و يدعوننا رغبا و رهبا و كانوا لنا خاشعين }[الأنبياء:90] ، فبالمحبّة تكون الرّغبة ، و بالتّعظيم تكون الرّهبة و الخوف ، و لهذا كانت العبادة أوامر و نواهي :

    - أوامر مبنيّة على الرّغبة ، و طلب الوصول إلى الآمر.

    - و نواهي مبنيّة على التّعظيم ، و الرّهبة من هذا العظيم "
    (10).

    فتضمّنت هذه الجملة أحد الرّكنين الذين تقوم عليهما عبادة الإنسان لربّه عزّ و جلّ و هو التّعظيم.

    و الله تعالى أعلم ، و الحمد لله ربّ العالمين .





    الحواشي :


    (1) انظر : " فتاوى ابن تيمية "(15/159- 160) ، و " شرح العقيدة الأصفهانية "(ص211).
    (2) انظر : " فتاوى ابن تيمية (8/24) ، و " الصواعق المرسلة " لابن القيم (4/1363-1364).
    (3) انظر " التبيان في أقسام القرآن " لابن القيم (ص140).
    (4) صحيح : أخرجه أحمد – و السياق له - ، و ابن أبي عاصم في " السنة " ، و ابن خزيمة في " التوحيد " . انظر : " الصحيحة " (7/1/596-597).
    (5) انظر : " الصواعق المرسلة " لابن القيم (4/1363).
    (6) رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها (485).
    (7) حسن : رواه أبو داود . " صحيح الترغيب " (98).
    (8) صحيح : رواه أحمد و الحاكم . " الصحيحة " (1536).
    (9) انظر : " تفسير البغوي " (ص231) ، و " الفوائد " لابن القيم (ص242- ط : دار النفائس).
    (10) قاله العلامة ابن عثيمين في " شرح الواسطية " (1/24-25 ، ط : ابن الجوزي).




    انظر: مجلة " الإصلاح " السّنة الثّانية - العدد الثّامن - ربيع الأوّل / ربيع الثّاني 1429ه .

  • #2
    يرفع للفائدة

    تعليق


    • #3
      باب
      قول الله تعالى :
      { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ }
      ختم المصنف رحمه الله تعالى كتابه بهذه الترجمة و ذكر النصوص الدالة على عظمة الرب العظيم وكبريائه، ومجده وجلاله وخضوع المخلوقات بأسرها لعزه ، لأن هذه النعوت العظيمة والأوصاف الكاملة أكبر الأدلة والبراهين على أنه المعبود وحده، والمحمود وحده ، الذي يجب أن يبذل له غاية الذل والتعظيم وغاية الحب والتأله ، وأنه الحق وما سواه باطل ، وهذه حقيقة التوحيد ولبه وروحه وسر الإخلاص .
      فنسأل الله أن يملأ قلوبنا من معرفته ومحبته والإنابة إليه ، إنه جواد كريم .

      من القول السديد بقلم العلامة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي

      تعليق


      • #4
        بارك الله فيك أخي الفاضل

        تعليق

        الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
        يعمل...
        X