السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
حكم التّصوير و تعليق الصّور في الشّريعة الإسلاميّة
بقلم فضيلة الشّيخ :
عبد الغنيّ عوسات الجزائري
- حفظه الله و رعاه -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين و الصلاة و السلام على سيّد المرسلين.
إنّ من المسائل التي تناولتها نصوص السّنة النّبوية بأحكام صحيحة و بعبارات و دلالات صريحة مسألة التّصوير ( التي عمت بها البلوى في زمننا هذا و كثر عنها السؤال و كذا الجدال ) و بيان حكم الشّرع فيها فجاءت النّصوص مبيّنة حرمة التّصوير ، و أنّ المصوّرين هم أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة ، و أنّهم الذين يضاهون بخلق الله و أنّ الله سيأمرهم يوم القيامة أن ينفخوا الرّوح في الصّورة ، و أنّه سيكون بكلّ صورة ممّا صوّروه نفسا يعذّبون بها في النّار ، كما أكّدت النّصوص الشّرعية خاصّة الحديثيّة منها على وجوب كون بيوت المسلمين خالية من هذه الصّور و التّماثيل ، لأنّ وجودها ( هذه الصّور ) معصية تمنع دخول ملائكة الرّحمة إلى المنزل و أنّه لا يجوز نقش أو تعليق و لا صورة على جدار ، كما بيّنت هذه النّصوص النّبوية كذلك و أكّدت أنّه لا يستثنى من هذه الصّور إلا ما كان رقمًا في ثوب غير معلّق مهان ، أو دمية ( لعبة ) بيد طفل .
1) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول : ْ إنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون ْ .( متفق عليه )
2) و عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال : ْ إنّ الذين يصنعون هذه الصّور يعذّبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم ْ.( متفق عليه )
3) و عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يقول : ْ كلّ مصوّر في النّار ، يجعل له بكلّ صورة صوّرها نفسا فتعذّبه في النّار ْ.( رواه مسلم و أحمد )
و هذه النّصوص عامّة تشمل كلّ مصوّر حتّى الذين يصوّرون بالآلات الفوتوغرافية و اللّوحات اليدويّة لأنّهم يتناولهم الحكم كما يشملهم الوصف و الاسم ( أي المصوّر ) لغة و عرفًا . فتنبّه و احذر ، و تذكّر و اعتبر ، و اجتنب التّصوير و اهجر .
حرمة تعليق الصّور :
و إليك بعض الأحاديث الواردة في تحريم تعليق الصّور :
1) عن عائشة رضي الله عنها قالت : ْدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و قد سترت سهوة (1) لي بقرام (2) فيه تماثيل ، ( و في رواية فيه الخيل ذوات الأجنحة ) فلما رآه هتّكه و تلوّن وجهه و قال : يا عائشة أشدّ النّاس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ، ( و في رواية : إن أصحاب هذه الصور يعذّبون ، و يقال لهم أحيوا ما خلقتم ، ثم قال : إنّ البيت الذي فيه الصّور لا تدخله الملائكة ، قالت عائشة : فقطّعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين ، [ فقد رأيته متّكئا على إحداهما و فيها صورة ] ْ . ( أخرجه البخاري و مسلم و السّياق له و البيهقي و غيرهم )
2) و عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال : ْ أتاني جبريل عليه السّلام فقال لي : أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلاّ أنّه كان على الباب تمثال [ الرجال ] و كان في البيت قرام ستر فيه تماثيل ، و كان في البيت كلب ، فمُر برأس التّمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشّجر ، و مُر بالسّّتر فليقطع فليُجعل منه وسادتان توطآن و مُر بالكلب فليخرج (3) [ فإنّا لا ندخل بيتا فيه صورة و لا كلب ] و في رواية فقال : يا عائشة متى دخل هذا الكلب ؟ فقالت و الله ( يا رسول الله ) ما دريت ، فأمر به فأخرج ثمّ أخذ بيده ماء فنضخ مكانه .
3) و عن أبي طلحة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يقول : ْ لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب و لا ( تمثال ) تماثيل ْ. ( رواه مسلم )
4) و عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : ْ إنّ جبريل عليه السّلام قال : إنّا لا ندخل بيتا فيه كلب و لا صور ْ. ( أخرجه البخاري و مسلم برواية عن عائشة و ميمونة مثله )
5) و عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ْ نهى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم عن الصّورة في البيت و نهى أن يُصنع ذلك ْ. ( أخرجه الترمذي و قال حسن صحيح )
ما يستثنى من الصّور :
و ممّا رخّص فيه الشّارع الحكيم من الصّور و استثناه ممّا حرّمه من الصّور المانعة من دخول الملائكة لا من التّصوير الباقي على المنع ، الصّورة التي تكون رقماً في ثوب غير معلّق فيوطأ و يُمتهن ، أو الصّورة التي هي لعبة يلعب بها الأطفال ، و هذا لما جاء من الأحاديث الدّالة على ذلك و إليك بعضها :
1) فعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّه دخل على أبي طلحة يعوده قال : ْ فوجد عنده سهل بن حنيف فدعا أبو طلحة رجالا فنزع نمطاً من تحته فقال له سهل : لم تنزعه ؟ قال : إنّ فيه تصاوير و قد قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فيها ما علمت . فقال سهل : ألم يقل رسول الله صلّى الله عليه و سلّم – إلا ما كان رقمًا في ثوب – قال : بلى و لكنّه أطيب لنفسي ْ. ( رواه مالك و النسائي و الترمذي و قال حسن صحيح )
2) و عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : ْ كنت ألعب بالبنات ( الدّمى ) عند النبيّ صلّى الله عليه و سلّم و كان لي صواحب يلعبن معي ، فكان رسول الله صلّى الله عليه و سلّم إذا دخل يتقمّعن منه ، فيسّر بهنّ إليّ يلعبن معي ْ. ( أخرجه البخاري و مسلم )
3) و من وجه آخر جاء عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : ْ قدم رسول الله صلّى الله عليه و سلّم من غزوة تبوك أو خيبر – إلى أن ذعرت و قالت - : فكشف ناحية السّتر على بنات لعائشة ( لعب ) ، فقال : ما هذا يا عائشة ؟ قالت : بناتي . قالت و رأى فيها فرسا مربوطا له جناحان ، فقال : ما هذا ؟ قلت : فرس له جناحان ، قلت : ألم تسمع أنّه كان لسليمان خيل لها أجنحة ؟ فضحك ْ (4) .
4) عن سعيد بن أبي الحسن قال : ْ كنت عند ابن عبّاس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال : يا ابن عباس ، إنّي إنسان إنّما معيشتي من صنعة يدي ، و إنّي أصنع هذه التّصاوير . فقال ابن عباس رضي الله عنهما : لا أحدّثك إلاّ ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ، سمعته يقول : ( من صوّر صورة فإنّ الله معذّبه حتّى ينفخ فيها الرّوح ، و ليس بنافخ فيها أبدا ) فربا الرّجل ربوة شديدة ، و اصفرّ وجهه فقال : ويحك ، إن أبيت إلاّ أن تصنع فعليك بهذا الشّجر ، و كلّّ شيء ليس فيه روح ْ. ( أخرجه البخاري )
وجوب إزالة الصّور و طمسها :
فبعدما تبيّن حكم الصّور و بصورة أوكد اتّخاذها زينة و تعليقها في البيوت العامّة و الخاصّة و تأكّد كون ذلك ممّا حرّمه الشّارع الحكيم و نهى عنه أيّما نهي إذ شدّد فيه النّكير و حذّر المصوّر و المعلّق للصّور أشدّ التّحذير ، فيجدر بنا الآن أن نسوق لك بعض الأحاديث النّبويّة الصّّحيحة التي تأمر بطمس التّّصاوير و نقض التّّصاليب و التّماثيل ، فإليكها مختصرة غير مخلّة .
1) عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ْ لم يكن النّبيّ صلى الله عليه و سلم يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلاّ نقضه ْ. ( أخرجه البخاري و غيره )
2) و عن أبي الهيّاج الأسدي قال : ْ قال لي عليٌّ رضي الله عنه : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أن لا تأتي صورة إلاّ طمستها ، و لا قبرا مشرفا إلاّ سوّيته ْ . ( أخرجه مسلم )
3) و عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : ْ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم أمر عمر بن الخطّاب زمن الفتح و هو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كلّ صورة فيها ، فلم يدخلها النذبيّ صلّى الله عليه و سلّم حتّى مُحيت كلّ صورة فيها ْ . ( أخرجه أبو داود في سننه )
بيان عدم جواز بيع الصّور أو صناعتها :
لقد أصّل الشّارع الحكيم أصولا و قواعد كفيلة للمسلم بجلب البركة و الخير و دفع اللّعنة و الشّر ، و هذه القواعد الشّرعيّة الدّقيقة على ضوئها يُتوصّّل إلى تأصيل الأحكام العامّة و حتّى الخاصّة منها ، و من هذه القواعد الجامعة المانعة و التي احتوت على حكم ماتعة و أحكام نافعة ، قاعدة في بيان حقيقة الحرام و هي ( ما يحرم اقتناؤه يحرم نقله و بيعه ) و دليل هذه القاعدة قوله صلّى الله عليه و سلّم كما جاء من رواية عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما : ْ إنّ الله إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه ْ . ( رواه أبو داود في سننه و أحمد في مسنده )
و في الختام فإنّه لا يسعني إلاّ أن أذكّر قارىء هذه النّصوص الشّرعيّة أو مستمعها ممّن يقرؤها بهذه الآيات التي تصف لنا المؤمنين في تعاملهم مع نصوص القرآن و السّنّة و تجاوبهم مع الأحكام المستفادة منها :
1) قوله تعالى : { إنّما كان قولَ المؤمنين إذا دعوا إلى الله و رسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا و أطعنا و أولئك هم المفلحون } [ النّور : 51 ] .
2) و قوله تعالى : { و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم و من يعص الله و رسوله فقد ضلّ ضلالا مبينا } [ الأحزاب : 36 ] .
و قوله صلى الله عليه و سلم : ْ ما نهيتكم فاجتنبوه و ما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم ... ْ ( رواه مسلم ) .
و من أقوال الأئمّة الأعلام اخترت لك قولا للإمام محمّد بن إدريس الشّافعي الذي جاء فيه : ْ أجمع المسلمون على أنّ من استبانت له سنّة أن لا يدعها لقول أحد ْْ .
و صلى الله على محمد و على آله و سلم و الحمد لله ربّ العالمين .
الحواشي :
(1) سهوة : هو بيت صغير منحدر من الأرض قليلا ، شبيه بالمخدع و الخزانة ، كذا قال ابن الأثير .
(2) القرام : هو السّتر الرّقيق وراء السّتر الغليظ .
(3) رواه أحمد و أبو داود و التّرمذي و صحّحه .
(4) إنّ ضحك النّبي صلى الله عليه و سلّم ممّا يراه من فعل أو يسمعه من قول يعتبر إقرارا منه له ، و هذا مقرّر في أصول الشّريعة و يسمّى بالسنّة التّقريريّة .
المصدر :
مطويّة دعويّة من إصدار مؤسّسة مجالس الهدى للإنتاج و التوزيع بالجزائر العاصمة .
حكم التّصوير و تعليق الصّور في الشّريعة الإسلاميّة
بقلم فضيلة الشّيخ :
عبد الغنيّ عوسات الجزائري
- حفظه الله و رعاه -
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين و الصلاة و السلام على سيّد المرسلين.
إنّ من المسائل التي تناولتها نصوص السّنة النّبوية بأحكام صحيحة و بعبارات و دلالات صريحة مسألة التّصوير ( التي عمت بها البلوى في زمننا هذا و كثر عنها السؤال و كذا الجدال ) و بيان حكم الشّرع فيها فجاءت النّصوص مبيّنة حرمة التّصوير ، و أنّ المصوّرين هم أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة ، و أنّهم الذين يضاهون بخلق الله و أنّ الله سيأمرهم يوم القيامة أن ينفخوا الرّوح في الصّورة ، و أنّه سيكون بكلّ صورة ممّا صوّروه نفسا يعذّبون بها في النّار ، كما أكّدت النّصوص الشّرعية خاصّة الحديثيّة منها على وجوب كون بيوت المسلمين خالية من هذه الصّور و التّماثيل ، لأنّ وجودها ( هذه الصّور ) معصية تمنع دخول ملائكة الرّحمة إلى المنزل و أنّه لا يجوز نقش أو تعليق و لا صورة على جدار ، كما بيّنت هذه النّصوص النّبوية كذلك و أكّدت أنّه لا يستثنى من هذه الصّور إلا ما كان رقمًا في ثوب غير معلّق مهان ، أو دمية ( لعبة ) بيد طفل .
1) عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سمعت رسول الله يقول : ْ إنّ أشدّ النّاس عذابا يوم القيامة المصوّرون ْ .( متفق عليه )
2) و عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال : ْ إنّ الذين يصنعون هذه الصّور يعذّبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم ْ.( متفق عليه )
3) و عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يقول : ْ كلّ مصوّر في النّار ، يجعل له بكلّ صورة صوّرها نفسا فتعذّبه في النّار ْ.( رواه مسلم و أحمد )
و هذه النّصوص عامّة تشمل كلّ مصوّر حتّى الذين يصوّرون بالآلات الفوتوغرافية و اللّوحات اليدويّة لأنّهم يتناولهم الحكم كما يشملهم الوصف و الاسم ( أي المصوّر ) لغة و عرفًا . فتنبّه و احذر ، و تذكّر و اعتبر ، و اجتنب التّصوير و اهجر .
حرمة تعليق الصّور :
و إليك بعض الأحاديث الواردة في تحريم تعليق الصّور :
1) عن عائشة رضي الله عنها قالت : ْدخل عليّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم و قد سترت سهوة (1) لي بقرام (2) فيه تماثيل ، ( و في رواية فيه الخيل ذوات الأجنحة ) فلما رآه هتّكه و تلوّن وجهه و قال : يا عائشة أشدّ النّاس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ، ( و في رواية : إن أصحاب هذه الصور يعذّبون ، و يقال لهم أحيوا ما خلقتم ، ثم قال : إنّ البيت الذي فيه الصّور لا تدخله الملائكة ، قالت عائشة : فقطّعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين ، [ فقد رأيته متّكئا على إحداهما و فيها صورة ] ْ . ( أخرجه البخاري و مسلم و السّياق له و البيهقي و غيرهم )
2) و عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه و سلّم قال : ْ أتاني جبريل عليه السّلام فقال لي : أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلاّ أنّه كان على الباب تمثال [ الرجال ] و كان في البيت قرام ستر فيه تماثيل ، و كان في البيت كلب ، فمُر برأس التّمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشّجر ، و مُر بالسّّتر فليقطع فليُجعل منه وسادتان توطآن و مُر بالكلب فليخرج (3) [ فإنّا لا ندخل بيتا فيه صورة و لا كلب ] و في رواية فقال : يا عائشة متى دخل هذا الكلب ؟ فقالت و الله ( يا رسول الله ) ما دريت ، فأمر به فأخرج ثمّ أخذ بيده ماء فنضخ مكانه .
3) و عن أبي طلحة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلّى الله عليه و سلّم يقول : ْ لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب و لا ( تمثال ) تماثيل ْ. ( رواه مسلم )
4) و عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم : ْ إنّ جبريل عليه السّلام قال : إنّا لا ندخل بيتا فيه كلب و لا صور ْ. ( أخرجه البخاري و مسلم برواية عن عائشة و ميمونة مثله )
5) و عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ْ نهى رسول الله صلّى الله عليه و سلّم عن الصّورة في البيت و نهى أن يُصنع ذلك ْ. ( أخرجه الترمذي و قال حسن صحيح )
ما يستثنى من الصّور :
و ممّا رخّص فيه الشّارع الحكيم من الصّور و استثناه ممّا حرّمه من الصّور المانعة من دخول الملائكة لا من التّصوير الباقي على المنع ، الصّورة التي تكون رقماً في ثوب غير معلّق فيوطأ و يُمتهن ، أو الصّورة التي هي لعبة يلعب بها الأطفال ، و هذا لما جاء من الأحاديث الدّالة على ذلك و إليك بعضها :
1) فعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّه دخل على أبي طلحة يعوده قال : ْ فوجد عنده سهل بن حنيف فدعا أبو طلحة رجالا فنزع نمطاً من تحته فقال له سهل : لم تنزعه ؟ قال : إنّ فيه تصاوير و قد قال رسول الله صلّى الله عليه و سلّم فيها ما علمت . فقال سهل : ألم يقل رسول الله صلّى الله عليه و سلّم – إلا ما كان رقمًا في ثوب – قال : بلى و لكنّه أطيب لنفسي ْ. ( رواه مالك و النسائي و الترمذي و قال حسن صحيح )
2) و عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : ْ كنت ألعب بالبنات ( الدّمى ) عند النبيّ صلّى الله عليه و سلّم و كان لي صواحب يلعبن معي ، فكان رسول الله صلّى الله عليه و سلّم إذا دخل يتقمّعن منه ، فيسّر بهنّ إليّ يلعبن معي ْ. ( أخرجه البخاري و مسلم )
3) و من وجه آخر جاء عن عائشة رضي الله عنها أنّها قالت : ْ قدم رسول الله صلّى الله عليه و سلّم من غزوة تبوك أو خيبر – إلى أن ذعرت و قالت - : فكشف ناحية السّتر على بنات لعائشة ( لعب ) ، فقال : ما هذا يا عائشة ؟ قالت : بناتي . قالت و رأى فيها فرسا مربوطا له جناحان ، فقال : ما هذا ؟ قلت : فرس له جناحان ، قلت : ألم تسمع أنّه كان لسليمان خيل لها أجنحة ؟ فضحك ْ (4) .
4) عن سعيد بن أبي الحسن قال : ْ كنت عند ابن عبّاس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال : يا ابن عباس ، إنّي إنسان إنّما معيشتي من صنعة يدي ، و إنّي أصنع هذه التّصاوير . فقال ابن عباس رضي الله عنهما : لا أحدّثك إلاّ ما سمعت من رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ، سمعته يقول : ( من صوّر صورة فإنّ الله معذّبه حتّى ينفخ فيها الرّوح ، و ليس بنافخ فيها أبدا ) فربا الرّجل ربوة شديدة ، و اصفرّ وجهه فقال : ويحك ، إن أبيت إلاّ أن تصنع فعليك بهذا الشّجر ، و كلّّ شيء ليس فيه روح ْ. ( أخرجه البخاري )
وجوب إزالة الصّور و طمسها :
فبعدما تبيّن حكم الصّور و بصورة أوكد اتّخاذها زينة و تعليقها في البيوت العامّة و الخاصّة و تأكّد كون ذلك ممّا حرّمه الشّارع الحكيم و نهى عنه أيّما نهي إذ شدّد فيه النّكير و حذّر المصوّر و المعلّق للصّور أشدّ التّحذير ، فيجدر بنا الآن أن نسوق لك بعض الأحاديث النّبويّة الصّّحيحة التي تأمر بطمس التّّصاوير و نقض التّّصاليب و التّماثيل ، فإليكها مختصرة غير مخلّة .
1) عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ْ لم يكن النّبيّ صلى الله عليه و سلم يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلاّ نقضه ْ. ( أخرجه البخاري و غيره )
2) و عن أبي الهيّاج الأسدي قال : ْ قال لي عليٌّ رضي الله عنه : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلّى الله عليه و سلّم أن لا تأتي صورة إلاّ طمستها ، و لا قبرا مشرفا إلاّ سوّيته ْ . ( أخرجه مسلم )
3) و عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : ْ أنّ النّبيّ صلّى الله عليه و سلّم أمر عمر بن الخطّاب زمن الفتح و هو بالبطحاء أن يأتي الكعبة فيمحو كلّ صورة فيها ، فلم يدخلها النذبيّ صلّى الله عليه و سلّم حتّى مُحيت كلّ صورة فيها ْ . ( أخرجه أبو داود في سننه )
بيان عدم جواز بيع الصّور أو صناعتها :
لقد أصّل الشّارع الحكيم أصولا و قواعد كفيلة للمسلم بجلب البركة و الخير و دفع اللّعنة و الشّر ، و هذه القواعد الشّرعيّة الدّقيقة على ضوئها يُتوصّّل إلى تأصيل الأحكام العامّة و حتّى الخاصّة منها ، و من هذه القواعد الجامعة المانعة و التي احتوت على حكم ماتعة و أحكام نافعة ، قاعدة في بيان حقيقة الحرام و هي ( ما يحرم اقتناؤه يحرم نقله و بيعه ) و دليل هذه القاعدة قوله صلّى الله عليه و سلّم كما جاء من رواية عبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما : ْ إنّ الله إذا حرّم شيئا حرّم ثمنه ْ . ( رواه أبو داود في سننه و أحمد في مسنده )
و في الختام فإنّه لا يسعني إلاّ أن أذكّر قارىء هذه النّصوص الشّرعيّة أو مستمعها ممّن يقرؤها بهذه الآيات التي تصف لنا المؤمنين في تعاملهم مع نصوص القرآن و السّنّة و تجاوبهم مع الأحكام المستفادة منها :
1) قوله تعالى : { إنّما كان قولَ المؤمنين إذا دعوا إلى الله و رسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا و أطعنا و أولئك هم المفلحون } [ النّور : 51 ] .
2) و قوله تعالى : { و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم و من يعص الله و رسوله فقد ضلّ ضلالا مبينا } [ الأحزاب : 36 ] .
و قوله صلى الله عليه و سلم : ْ ما نهيتكم فاجتنبوه و ما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم ... ْ ( رواه مسلم ) .
و من أقوال الأئمّة الأعلام اخترت لك قولا للإمام محمّد بن إدريس الشّافعي الذي جاء فيه : ْ أجمع المسلمون على أنّ من استبانت له سنّة أن لا يدعها لقول أحد ْْ .
و صلى الله على محمد و على آله و سلم و الحمد لله ربّ العالمين .
الحواشي :
(1) سهوة : هو بيت صغير منحدر من الأرض قليلا ، شبيه بالمخدع و الخزانة ، كذا قال ابن الأثير .
(2) القرام : هو السّتر الرّقيق وراء السّتر الغليظ .
(3) رواه أحمد و أبو داود و التّرمذي و صحّحه .
(4) إنّ ضحك النّبي صلى الله عليه و سلّم ممّا يراه من فعل أو يسمعه من قول يعتبر إقرارا منه له ، و هذا مقرّر في أصول الشّريعة و يسمّى بالسنّة التّقريريّة .
المصدر :
مطويّة دعويّة من إصدار مؤسّسة مجالس الهدى للإنتاج و التوزيع بالجزائر العاصمة .
تعليق