<بسملة1>
الدعوة إلى الله
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا ؛ من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [آل عمران:102].
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)[النساء:1].
(ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الأحزاب] ؛ أما بعد :
فإن خير الحديث كتاب الله ؛ وخير الهدي هدي محمد ﷺ؛ وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ؛ ثم أما بعد :
فإن الدعوة إلى الله من أهم المهمات، وأوجب الواجبات ؛ بها يستقيم أمر الفرد، ويصلح حال المجتمع ؛ قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [يوسف:108]، والمقصود بالدعوة إلى الله التي هي سبيل رسول الله ﷺ: الدعوة إلى دينه وهو الإسلام (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ )[آل عمران:19]، الذي جاء به محمد ﷺ من ربّه تعالى.
فالإسلام هو موضوع الدعوة وحقيقتها، و هو الأصل الأول للدعوة، وركنها المتين، وقد بلغ الرسول الكريم ﷺ هذا الإسلام العظيم أحسن تبليغ وأكمله ؛ وظل يدعو إلى الله منذ أن أكرمه الله بالرسالة إلى حين انتقاله إلى جوار ربّه الكريم ؛ ولهذا أرسله الله تعالى كما أخبرتعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الأحزاب]؛ (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) على أمتك بإبلاغهم الرسالة، (ﭠ) المؤمنين منهم بالرحمة والجنة، (ﭡ) للعصاة والمكذبين من النار، (ﭣ) إلى توحيد الله وعبادته وحده بأمره إياك، (ﭧ ﭨ) لمن استنار بك، فأمْرك ظاهر فيما جئتَ به من الحق كالشمس في إشراقها وإضاءتها، لا يجحدها إلا معاند(1).
والقائل في حقه أيضا : (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الحج:67]؛ والقائل في حقه -أيضا-:(ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [القصص:87]،
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله- عند هذه الآية الكريمة (ﮁ ﮂ ﮃ) : «أي اجعل الدعوة إلى ربك، منتهى قصدك وغاية عملك»(2).
والقائل في حقه -أيضا-: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الشورى:15].
فالدعوةَ إلى الله وظيفة نبيّنا الأولى ؛ بل هي طريقُ الأنبياء ، وعلى رأسهم أولو العزم منهم ، كما قال تعالى فيهم -مثَبِّتاً نبيَّه ﷺ على الصبر في سبيل الدعوة إليه تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ)[الأحقاف:35]، فهو ﷺ الداعي الأول إلى الإسلام.
فإذا كان الأصل الأول للدعوة هو الإسلام ، فالداعي أصلها الثاني ؛ ولما كانت وظيفة الداعية إلى الله تعالى هي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام، والرسل هم قدوة الدعاة إلى اللّه، وأولاهم محمد ﷺ،بدليل قوله: ( ﮉ ﮊ ﮋ )[يوسف:108]؛ فأُمّته تبع له في أجل وظائفه : (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [آل عمران:104].
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-: «فكل من دعا الناس إلى خير على وجه العموم ، أو على وجه الخصوص ، أو قام بنصيحةٍ عامة أو خاصة ، فإنه داخل في هذه الآية الكريمة»(3) إهـ.
ولما كانت الدعوة إلى الله عبادة وقربة فهي كسائر العبادات والقربات، لها أحكامها وآدابها ، وحكمها وثمراتها ؛ قال الله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ)[النحل:125].
فحكمها الوجوب للأمر الوارد في الآية؛ فهي من فروض الكفايات الملقاة على عاتق طائفة من هذه الأمة، وإن كان الجميع مأمور بها كل بحسب طاقته وقدرته، فأهل العلم بما آتاهم الله منه، وهم أهل الرِّيادَةِ في هذا الشّأن ، وأصحاب المال بما ينفقون في سبيل نشرها، وتحمل ما يتطلبه ذلك، وأصحاب الجاه بجاههم، حتى يحقق الجميع قول ربهم جل في علاه: ( ﮉ ﮊ ﮋ )؛ لذا قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- في حكم الدعوة إلى الله: «فبيّن سبحانه أن أتباع الرسول ﷺ هم الدعاة إلى الله، وهم أهل البصائر، والواجب كما هو معلوم هو اتباعه، والسير على منهاجه ﷺكما قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأحزاب:21]، وصرح العلماء أن الدعوة إلى الله ¸ فرض كفاية، بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة، فإن كل قطر وكل إقليم يحتاج إلى الدعوة وإلى النشاط فيها، فهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب، وصارت الدّعوة في حق الباقين سنّة مؤكّدة، وعملا صالحا جليلا وإذا لم يقم أهل الإقليم، أو أهل القطر المعين بالدعوة على التمام، صار الإثم عاما، وصار الواجب على الجميع، وعلى كل إنسان أن يقوم بالدعوة حسب طاقته وإمكانه، أما بالنظر إلى عموم البلاد، فالواجب: أن يوجد طائفة منتصبة تقوم بالدعوة إلى الله جل وعلا في أرجاء المعمورة، تبلغ رسالات الله، وتبين أمر الله عز وجل بالطرق الممكنة، فإن الرسول ﷺ قد بعث الدعاة، وأرسل الكتب إلى الناس، وإلى الملوك والرؤساء ودعاهم إلى الله ¸»(4).
ومما يدل على عظم شأنها وعلو قدرها أنها أحد نوعي الجهاد بل أعظمه ، ألا وهو جهاد الحجة والبيان الذي يفوق جهاد السّنان ؛ لأنّ الأمة لا تستغني عنه في جميع أوقاتها وكافة أحوالها ؛ قال تعالى آمراً به نبيّه ﷺ: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)[الفرقان:52]، فأمره الله تعالى أن يجاهد الكفار بالقرآن جهادا كبيرا وهذه الآية من سورة الفرقان وهي مكية ، نزلت قبل أن يهاجر النبي ﷺ وقبل أن يؤمر بالقتال ، وإنما كان هذا الجهاد بالعلم والقلب والبيان والدعوة لا بالقتال.
قال ابن القيم -رحمه الله-(5): «فهذا جهاد لهم بالقرآن وهو أكبر الجهادين وهو جهاد المنافقين».
من آدابها: الحكمة والموعظة الحسنة في التعامل والمخاطبة للمدعويين، كما قال عليٌّ رضي الله عنه (6): «أتريدون أن يكذب الله ورسوله»، قال الشيخ العثيمين -رحمه الله-: «الاستفهام للإنكار ؛ أي: أتريدون إذا حدثتم الناس بما لا يعرفون أن يكذب الله ورسوله، لأنك إذا قلت: قال الله وقال رسوله كذا وكذا، قالوا: هذا كذب؛ إذا كانت عقولهم لا تبلغه، وهم لا يكذبون الله ورسوله، ولكن يكذبونك بحديث تنسبه إلى الله ورسوله ؛ فيكونون مكذبين لله ورسوله، لا مباشرة ولكن بواسطة الناقل.
فإن قيل: هل ندع الحديث بما لا تبلغه عقول الناس، وإن كانوا محتاجين لذلك؟!
أجيب: لا نَدَعه ؛ ولكن نحدثهم بطريق تبلغه عقولهم ؛ وذلك بأن ننقلهم رويدا رويدا ، حتى يتقبلوا هذا الحديث ويطمئنوا إليه، ولا نَدَع ما لا تبلغه عقولهم ونقول: هذا شيء مستنكر لا نتكلم به.
ومثل ذلك: العمل بالسنة التي لا يعتادها الناس، ويستنكرونها ؛ فإننا نعمل بها، ولكن بعد أن نخبرهم بها ؛ حتى تقبلها نفوسهم، ويطمئنوا إليها.
ويستفاد من هذا الأثر أهمية الحكمة في الدعوة إلى الله ¸ وأنه يجب على الداعية أن ينظر في عقول المدعوين وينزل كل إنسان منزلته»(7).
والحكمة في الدعوة لا تتحقّق إلّا بالبصيرة، وهي العلم النّافع الذي بعث به رسول الهُدى ﷺ، قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ)[التوبة:33]، فـ«الهدى»: العلم النافع، و«دين الحق» العمل الصالح.
مصداقًا لقوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [يوسف:108]، هذه الآية في آخر سورة يوسف، يأمر الله تعالى نبيه محمداً ﷺ أن يُعلن للناس عن بيان منهجه ومنهج أتباعه، وهو الدعوة إلى الله على بصيرة، فدلّ على أن من لم يدعُ على بصيرة؛ فإنه لم يحقق اتباع النبي ﷺ وإن كان عالماً وفقيهاً.
قوله تعالى: (ﮀ) أي: قل يا محمد للناس.
(ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ) [آل عمران:102].
(ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ)[النساء:1].
(ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ) [الأحزاب] ؛ أما بعد :
فإن خير الحديث كتاب الله ؛ وخير الهدي هدي محمد ﷺ؛ وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ؛ ثم أما بعد :
فإن الدعوة إلى الله من أهم المهمات، وأوجب الواجبات ؛ بها يستقيم أمر الفرد، ويصلح حال المجتمع ؛ قال تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [يوسف:108]، والمقصود بالدعوة إلى الله التي هي سبيل رسول الله ﷺ: الدعوة إلى دينه وهو الإسلام (ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ )[آل عمران:19]، الذي جاء به محمد ﷺ من ربّه تعالى.
فالإسلام هو موضوع الدعوة وحقيقتها، و هو الأصل الأول للدعوة، وركنها المتين، وقد بلغ الرسول الكريم ﷺ هذا الإسلام العظيم أحسن تبليغ وأكمله ؛ وظل يدعو إلى الله منذ أن أكرمه الله بالرسالة إلى حين انتقاله إلى جوار ربّه الكريم ؛ ولهذا أرسله الله تعالى كما أخبرتعالى: (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ) [الأحزاب]؛ (ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ) على أمتك بإبلاغهم الرسالة، (ﭠ) المؤمنين منهم بالرحمة والجنة، (ﭡ) للعصاة والمكذبين من النار، (ﭣ) إلى توحيد الله وعبادته وحده بأمره إياك، (ﭧ ﭨ) لمن استنار بك، فأمْرك ظاهر فيما جئتَ به من الحق كالشمس في إشراقها وإضاءتها، لا يجحدها إلا معاند(1).
والقائل في حقه أيضا : (ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ) [الحج:67]؛ والقائل في حقه -أيضا-:(ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ) [القصص:87]،
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله- عند هذه الآية الكريمة (ﮁ ﮂ ﮃ) : «أي اجعل الدعوة إلى ربك، منتهى قصدك وغاية عملك»(2).
والقائل في حقه -أيضا-: (ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ) [الشورى:15].
فالدعوةَ إلى الله وظيفة نبيّنا الأولى ؛ بل هي طريقُ الأنبياء ، وعلى رأسهم أولو العزم منهم ، كما قال تعالى فيهم -مثَبِّتاً نبيَّه ﷺ على الصبر في سبيل الدعوة إليه تعالى: (ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ)[الأحقاف:35]، فهو ﷺ الداعي الأول إلى الإسلام.
فإذا كان الأصل الأول للدعوة هو الإسلام ، فالداعي أصلها الثاني ؛ ولما كانت وظيفة الداعية إلى الله تعالى هي وظيفة الرسل عليهم الصلاة والسلام، والرسل هم قدوة الدعاة إلى اللّه، وأولاهم محمد ﷺ،بدليل قوله: ( ﮉ ﮊ ﮋ )[يوسف:108]؛ فأُمّته تبع له في أجل وظائفه : (ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ) [آل عمران:104].
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله-: «فكل من دعا الناس إلى خير على وجه العموم ، أو على وجه الخصوص ، أو قام بنصيحةٍ عامة أو خاصة ، فإنه داخل في هذه الآية الكريمة»(3) إهـ.
ولما كانت الدعوة إلى الله عبادة وقربة فهي كسائر العبادات والقربات، لها أحكامها وآدابها ، وحكمها وثمراتها ؛ قال الله تعالى: (ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ)[النحل:125].
فحكمها الوجوب للأمر الوارد في الآية؛ فهي من فروض الكفايات الملقاة على عاتق طائفة من هذه الأمة، وإن كان الجميع مأمور بها كل بحسب طاقته وقدرته، فأهل العلم بما آتاهم الله منه، وهم أهل الرِّيادَةِ في هذا الشّأن ، وأصحاب المال بما ينفقون في سبيل نشرها، وتحمل ما يتطلبه ذلك، وأصحاب الجاه بجاههم، حتى يحقق الجميع قول ربهم جل في علاه: ( ﮉ ﮊ ﮋ )؛ لذا قال الشيخ ابن باز -رحمه الله- في حكم الدعوة إلى الله: «فبيّن سبحانه أن أتباع الرسول ﷺ هم الدعاة إلى الله، وهم أهل البصائر، والواجب كما هو معلوم هو اتباعه، والسير على منهاجه ﷺكما قال تعالى: (ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ) [الأحزاب:21]، وصرح العلماء أن الدعوة إلى الله ¸ فرض كفاية، بالنسبة إلى الأقطار التي يقوم فيها الدعاة، فإن كل قطر وكل إقليم يحتاج إلى الدعوة وإلى النشاط فيها، فهي فرض كفاية إذا قام بها من يكفي سقط عن الباقين ذلك الواجب، وصارت الدّعوة في حق الباقين سنّة مؤكّدة، وعملا صالحا جليلا وإذا لم يقم أهل الإقليم، أو أهل القطر المعين بالدعوة على التمام، صار الإثم عاما، وصار الواجب على الجميع، وعلى كل إنسان أن يقوم بالدعوة حسب طاقته وإمكانه، أما بالنظر إلى عموم البلاد، فالواجب: أن يوجد طائفة منتصبة تقوم بالدعوة إلى الله جل وعلا في أرجاء المعمورة، تبلغ رسالات الله، وتبين أمر الله عز وجل بالطرق الممكنة، فإن الرسول ﷺ قد بعث الدعاة، وأرسل الكتب إلى الناس، وإلى الملوك والرؤساء ودعاهم إلى الله ¸»(4).
ومما يدل على عظم شأنها وعلو قدرها أنها أحد نوعي الجهاد بل أعظمه ، ألا وهو جهاد الحجة والبيان الذي يفوق جهاد السّنان ؛ لأنّ الأمة لا تستغني عنه في جميع أوقاتها وكافة أحوالها ؛ قال تعالى آمراً به نبيّه ﷺ: (ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ)[الفرقان:52]، فأمره الله تعالى أن يجاهد الكفار بالقرآن جهادا كبيرا وهذه الآية من سورة الفرقان وهي مكية ، نزلت قبل أن يهاجر النبي ﷺ وقبل أن يؤمر بالقتال ، وإنما كان هذا الجهاد بالعلم والقلب والبيان والدعوة لا بالقتال.
قال ابن القيم -رحمه الله-(5): «فهذا جهاد لهم بالقرآن وهو أكبر الجهادين وهو جهاد المنافقين».
من آدابها: الحكمة والموعظة الحسنة في التعامل والمخاطبة للمدعويين، كما قال عليٌّ رضي الله عنه (6): «أتريدون أن يكذب الله ورسوله»، قال الشيخ العثيمين -رحمه الله-: «الاستفهام للإنكار ؛ أي: أتريدون إذا حدثتم الناس بما لا يعرفون أن يكذب الله ورسوله، لأنك إذا قلت: قال الله وقال رسوله كذا وكذا، قالوا: هذا كذب؛ إذا كانت عقولهم لا تبلغه، وهم لا يكذبون الله ورسوله، ولكن يكذبونك بحديث تنسبه إلى الله ورسوله ؛ فيكونون مكذبين لله ورسوله، لا مباشرة ولكن بواسطة الناقل.
فإن قيل: هل ندع الحديث بما لا تبلغه عقول الناس، وإن كانوا محتاجين لذلك؟!
أجيب: لا نَدَعه ؛ ولكن نحدثهم بطريق تبلغه عقولهم ؛ وذلك بأن ننقلهم رويدا رويدا ، حتى يتقبلوا هذا الحديث ويطمئنوا إليه، ولا نَدَع ما لا تبلغه عقولهم ونقول: هذا شيء مستنكر لا نتكلم به.
ومثل ذلك: العمل بالسنة التي لا يعتادها الناس، ويستنكرونها ؛ فإننا نعمل بها، ولكن بعد أن نخبرهم بها ؛ حتى تقبلها نفوسهم، ويطمئنوا إليها.
ويستفاد من هذا الأثر أهمية الحكمة في الدعوة إلى الله ¸ وأنه يجب على الداعية أن ينظر في عقول المدعوين وينزل كل إنسان منزلته»(7).
والحكمة في الدعوة لا تتحقّق إلّا بالبصيرة، وهي العلم النّافع الذي بعث به رسول الهُدى ﷺ، قال تعالى: (ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ)[التوبة:33]، فـ«الهدى»: العلم النافع، و«دين الحق» العمل الصالح.
مصداقًا لقوله تعالى: (ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ) [يوسف:108]، هذه الآية في آخر سورة يوسف، يأمر الله تعالى نبيه محمداً ﷺ أن يُعلن للناس عن بيان منهجه ومنهج أتباعه، وهو الدعوة إلى الله على بصيرة، فدلّ على أن من لم يدعُ على بصيرة؛ فإنه لم يحقق اتباع النبي ﷺ وإن كان عالماً وفقيهاً.
قوله تعالى: (ﮀ) أي: قل يا محمد للناس.
(ﮁ ﮂ): السبيل معناها: الطريق التي أسير عليها.
(ﮃ ﮄ ﮅ): إلى توحيد الله ¸ وإفراده بالعبادة، وترك عبادة ما سواه ؛ وكذلك الدعوة إلى بقيّة شرائع الدين ؛ فتكون الدعوة للكفار للدخول في الإسلام، وتكون الدعوة للعصاة من المسلمين للتوبة إلى الله ¸ وأداء الواجبات ،والتحذير من الوقوع في الشرك، واجتناب المحرمات ؛ فالدعوة ليست مقصورة على دعوة الكفار، ومن هنا كانت ضرورة تسخير كافة الوسائل المشروعة لحمل لوائها والاجتهاد في نشرها .
وإن من وسائل هذا الزمان إنشاء المواقع الدعوية، التي استغلها البعض في إثارة الشبهات من خلال بث الفرقة، وإثارة الأكاذيب، وإشغال شباب الأمة بما يُضعف شوكتهم، ويُثني عزيمَتهم، بخلاف من أنعم الله عليه بالهداية إلى صراطه المستقيم، والسير على نهج السلف الصالحين؛ فالغاية الطّيّبة عندهم لا تُنالُ إلا بوسيلة مثلِها ؛لذا استعنّا بالله مع ثلّة من إخواننا للإسهام في هذا الباب بما يفتح الله به علينا ، سائلين الله تعالى أن يوفقنا للدعوة إلى سبيله، وأن يتقبل منّا صالحَ الأعمال.
وإن من وسائل هذا الزمان إنشاء المواقع الدعوية، التي استغلها البعض في إثارة الشبهات من خلال بث الفرقة، وإثارة الأكاذيب، وإشغال شباب الأمة بما يُضعف شوكتهم، ويُثني عزيمَتهم، بخلاف من أنعم الله عليه بالهداية إلى صراطه المستقيم، والسير على نهج السلف الصالحين؛ فالغاية الطّيّبة عندهم لا تُنالُ إلا بوسيلة مثلِها ؛لذا استعنّا بالله مع ثلّة من إخواننا للإسهام في هذا الباب بما يفتح الله به علينا ، سائلين الله تعالى أن يوفقنا للدعوة إلى سبيله، وأن يتقبل منّا صالحَ الأعمال.
[1]انظر: «تفسير ابن كثير» (3/498).
[2]«تفسير السعدي» (ص 625).
[3]«تفسير السعدي» (ص 971).
[4]«مجموع فتاوى ابن باز»(1/330).
[5]«مفتاح دار السعادة» (1/271).
[6]فيما أخرجه البخاري في كتاب العلم من «صحيحه» (1/62) /[ باب من خص بالعلم قوما دون قوم ].
[7]«القول المفيد على كتاب التوحيد» (2/192).
تعليق