<بسملة1>
الرد الأقوى على المعترض بالجهل والهوى
الرد الأقوى على المعترض بالجهل والهوى
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أما بعد:
فقد رأيت كلاما لبعض الصبية الجهال بعقيدة أهل السنة والجماعة وبطريقة السلف في باب الأسماء والصفات؛ يحاول أن يقعد لجواز النحت في أسماء الله تعالى -على طريقة المشركين- بكلام لأبي سعيد السيرافي شارح "كتاب سيبويه" -وأنى لمثله أن يفهم كلام السيرافي فضلا عن فهم كلام سيبويه- حيث قال:
(وأما "عبدل" فذكر الأخفش أن معناه عبد الله، فهذا يحتمل معنيين: أحدهما: أن تكون اللام زائدة كما ذكر سيبويه، والوجه الثاني: أن تكون اللام التي في قولك: ”الله”، كأنك بنيت ”عبدلا” من حروف ”عبد” ومن بعض حروف قولنا: ”الله” كما قالوا في النسبة إلى عبد الدار: ”عبدري”، و“عبقسي” في النسبة إلى عبد القيس).
الجواب على هذا الكلام بأوجه:
أولا: السيرافي حاول توجيه كلام كانت تذكره العرب وتستعمله وهو قولهم: "عبدل"، ولم يقل البتة أن هذا جائز! ولا قاله الأخفش!
كما أن العرب تستغيث بغير الله بأساليب مختلفة، فيأتي النحاة ويتكلمون عن تلك الأساليب والقواعد المسنبطة منها، وتوجيهاتها حتى لا تنتقض عليهم القواعد والأصول، فهل يمكن أن يستدل بذلك عاقل على جواز الاستغاثة بغير الله؟!
كما أنهم يقسمون بغير الله في تراكيب مختلفة؛ فيأتي النحاة ويذكرون تلك الأساليب وأحكامها، فهل يعني ذلك جواز الحلف بغير الله؟! ما أجهلكم!
ثانيا: سيبويه سلفي العقيدة؛ وقد ذكر أن اللام زائدة وليست من الاسم الحسن "الله"، فهذه حجة على المعاند لو كان يعقل، {إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور} - {ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور}.
قال العباس بن الرياشي: (كان سيبويه سنيا على السنة).
قيل لأبي بكر بن عياش: يا أبا بكر ما السني؟ قال: (الذي إذا ذكرت له الأهواء لم يتعصب لشيء منها).
وقال شيخ الإسلام: (لفظ السنة في كلام السلف يتناول السنة في العبادات وفي الاعتقادات).
وكيف لا يكون سيبويه سنيا سلفيا وهو الذي أخذ عن حماد بن سلمة، وعن أبي عمرو بن العلاء، وعن يونس بن حبيب وعن الخليل بن أحمد.
قال إبراهيم الحربي: (كان أهل البصرة أهل العربية، منهم أصحاب الأهواء إلا أربعة فإنهم كانوا أصحاب سنة: أبو عمرو بن العلاء، والخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب، والأصمعي).
وقال اللالكائي: (سياق ذكر من رسم بالإمامة في السنة والدعوة والهداية إلى طريق الاستقامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إمام الأئمة)، ثم ذكر منهم: أبا عمرو بن العلاء وحماد بن سلمة.
أما حماد بن سلمة: فهو إمام أهل السنة الذي عرف بنبذ البدعة ومحاربة أهلها ونصرة السنة وعقيدة السلف، أخذ عن ثابت البناني وقتادة وسماك، وأخرج له الشيخان في صحيحيهما.
وكان يقول رحمه الله -وهذه نصيحة نافعة للجاهل المعترض-: (من طلب الحديث ولم يتعلم العربية فهو مثل الحمار تعلق عليه المخلاة ليس فيها شعير).
قال أحمد: (وحماد بن سلمة لا أعلم أحدا أروى في الرد على أهل البدع منه).
وقال ابن حبان: (ولم يكن من أقران حماد من مثله بالبصرة في الفضل والدين والعلم، والنسك والجمع والكتبة، والصلابة في السنة والقمع لأهل البدع، ولم يكن يثلبه في أيامه إلا قدري أو مبتدع جهمي؛ لما كان يظهره من السنة الصحيحة التي ينكرها المعتزلة).
وقال عنه: (ممن لزم العبادة والعلم والورع، ونصرة السنة والطبق على أهل البدع).
وقال الذهبي: (كان رحمه الله من أئمة السنة، لهجا ببث أحاديث الصفات، رأسا في العلم والعمل).
قال شيخ الإسلام: (كان معنيا بجمع أحاديث الصفات وإظهارها).
ولذلك قال يحيى بن معين: (إذا رأيت إنسانا يقع في عكرمة وحماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام).
وقال أحمد: (إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام، فإنه كان شديدا على المبتدعة).
وكلامه في السنة وتقرير عقيدة السلف والرد على المبتدعة مشهور مبثوث في كتب السنة والاعتقاد.
وأما أبو عمرو بن العلاء: فهو من كبار أئمة أهل السنة بالبصرة، حدث عن أنس رضي الله عنه، وأخذ عن مجاهد وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وابن شهاب وغيرهم، وكان إماما في القراءات والعربية والنحو.
قال أبو بكر بن مجاهد: (وكان مع علمه باللغة وفقهه بالعربية متمسكا بالآثار).
وكان أبو عمرو يقول: (أكثر من تزندق بالعراق لجهلهم بالعربية).
وكانت له مناقشات مع عمرو بن عبيد المعتزلي؛ فمن ذلك:
- أن عمرو بن عبيد جاء إلى أبي عمرو فقال له: يا أبا عمرو أيخلف الله وعده؟ فقال: لا.
فقال: أفرأيت من وعده الله على عمل عذابا أيخلف وعده فيه؟
فقال أبو عمرو: من العجمة أوتيت أبا عثمان، إن الوعد غير الوعيد، إن العرب لا تعد عارا ولا خلفا، والله جل وعلا إذا وعد وفى، وإذا أوعد ثم لم يفعل كان ذلك كرما وتفضلا، وإنما الخلف أن تعد خيرا ثم لا تفعل.
قال: فأوجد لي هذا في كلام العرب، قال: نعم، أما سمعت قول الأول:
ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي *** ولا أختتي من صولة المتهدد
وإني وإن أوعدته أو وعدته *** لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
- وجاءه مرة فقال: كيف تقرأ: {إن يستعتبوا}؟
فقال أبو عمرو: {إن يستعتبوا} -بفتح الياء- {فما هم من المعتبين} -بفتح التاء-.
فقال عمرو: ولكني أقرأ {إن يستعتبوا} -بضم الياء- {فما هم من المعتبين} -بكسر التاء-.
فقال أبو عمرو: ومن هنا أبغض المعتزلة، لأنهم يقولون برأيهم.
وأما يونس بن حبيب: فهو صاحب سنة وإمام أهل البصرة في النحو، تعلم على يد أبي سلمة وأبي عمرو، وأخذ عنه كبار الأئمة في النحو كالكسائي والفراء أبي عبيد وخلف الأحمر وأبي زيد والأصمعي.
وكان يقول: (لو كان أحد ينبغي أن يؤخذ بقوله كله في شيء واحد؛ لكان ينبغي لقول أبي عمرو أن يؤخذ كله، ولكن ليس من أحد إلا أنت آخذ من قوله وتارك).
وقد حاول بعضهم النيل منه والقدح في عقيدته فوضعوا عليه روايات باطلة لا تصح، وقد تقدم كلام إبراهيم: (كان أهل البصرة أهل العربية، منهم أصحاب الأهواء إلا أربعة فإنهم كانوا أصحاب سنة: أبو عمرو بن العلاء، والخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب، والأصمعي).
وأما الخليل بن أحمد: فكان صاحب سنة وكان إماما في اللغة والنحو، وأكثر علم سيبويه من علم الخليل، أخذ عن أيوب السختياني وأبي عمرو، وكان مشهورا بالعبادة والزهد والورع.
قال النضر بن شميل: (ما رأيت أحدا أعلم بالسنة بعد ابن عون من الخليل بن أحمد).
وقال الثوري: (من أحب أن ينظر إلى رجل خلق من الذهب والمسك فليظر إلى الخليل بن أحمد).
والنضر بن شميل والثوري من كبار أئمة السنة وما كانا ليمدحا من ليس على السنة.
وفي كتابه "العين" ما يدل على مذهبه في الأسماء والصفات وسيره على طريقة السلف.
قال الخليل في قوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء} أي: ارتفع، فاستدل به ابن عبد البر والذهبي وابن تيمية وابن القيم على أن الاستواء في اللغة بمعنى الارتفاع والعلو.
وذكر ابن تيمية عن ابن هبيرة أنه قال في "الإفصاح": (سئل الخليل: هل وجدت في اللغة استوى بمعنى استولى؟ قال: هذا ما لا تعرفه العرب، ولا هو جائز في لغتها).
فعلق بقوله: (وهو -أي الخليل- إمام في اللغة على ما عرف من حاله، وحينئذ حمله -أي الاستواء- على ما لا يعرف حمل باطل).
ونقول: (سيبويه إمام في اللغة على ما عرف من حاله، وحينئذ حمل "عبدل" على ما لا يعرف -وهو النحت من اسم الله- حمل باطل).
وحاول المبتدعة من الشيعة وغيرهم أن يشوهوا صورته ونسبوا إليه ما هو باطل ومخالف لحقيقة حاله.
فكيف بمن تتلمذ على يد هؤلاء الأئمة السنيين -أعني سيبويه- أن يقول بتحريف أسماء الله تعالى؟!
ثالثا: القول بأن اللام من اسم "الله" هذا رأي الأخفش، وقد حاول السيرافي أن يجد له تخريجا نحويا، ولم يذكر لتخريجه أي دليل نحوي أو لغوي، إلا القياس على عبدري وعبقسي.
وهذا قياس مع الفارق؛ لأن عبدري وعبقسي فيهما قرينة تدل على النحت فيها، وهو أخذ حرفين من كلمة "دار"، وحرفين من كلمة "قيس"، فالنحت واضح للقرينة.
أما ادعاء النحت لوجود حرف واحد فهذا بعيد ولا وجه له.
فلقائل أن يقول: هي لام العليم، ولآخر أن يقول: لام اللطيف، وهكذا في جميع الأسماء التي فيها اللام، فمن أوحى إليه أنها لام ”الله”؟! فإن لم يأت بسماع عن العرب فقوله مردود.
ولذلك أعرض عنه سيبويه؛ لأنه شافه العرب وهو أدرى بمقاصدها في كلامها وأوجه تعابيرها.
ومنعه من ذلك أيضا ما أشرنا إليه من معرفته لعقيدة أهل السنة وأخذه العلم عن أئمتها العارفين بطريقة السلف في باب الأسماء والصفات.
وظاهر كلام السيرافي أن ”عبدل” مقيس على ”عبشمي” ونحوها، وهذا ليس بجيد لأن البابين مختلفان، فالأول في النحت والثاني في النسبة إلى المنحوت، وقد نص النحاة في كتبهم أن النسبة إلى المنحوت شاذة، ولعله قصد القياس على المنحوت قبل أن ينسب إليه، فكان الأولى به حينئذ أن يمثل بنحو: ”عبقس” و “عبدر” قبل النسبة، لأن النحت من المركب الإضافي مقيس وأما النسبة إليه فشاذة.
رابعا: إن الأخفش هذا هو: سعيد بن مسعدة أبو الحسن، ويعرف: بالأخفش الأوسط، كان مبتدعا قدريا معتزليا، أخذ الاعتزال عن أبي شمر، وروى الحديث عن الكلبي المعتزلي والنخعي وهشام بن عروة، وروى عنه أبو حاتم السجستاني.
وقد أدرجه أحمد بن يحيى المرتضى في "طبقات المعتزلة" ضمن النحاة القائلين بالعدل، وذلك بسبب ما نثره في كتابه "معاني القرآن" من الاعتزال.
قال أبو حاتم السجستاني: (كان الأخفش رجل سوء قدريا شمريا، وهم صنف من القدرية نسبوا إلى أبي شمر، ولم يكن يغلو في القدر).
قال المبرد: (أخبرني المازني قال: كان الأخفش أعلم الناس بالكلام وأحذقهم بالجدل، وكان غلام أبي شمر، وكان على مذهبه).
وقال أبو حاتم: (كتابه في المعاني صويلح، إلا أن فيه مذاهب سوء في القدر).
فمن سوء ما فيه تأويل الصفات على طريقة المعتزلة، وأكتفي بثلاثة أمثلة في بيان ذلك:
- قوله تعالى: {وكلم الله موسى تكليما}، قال الأخفش: (الكلام خلق من الله على غير الكلام منك، وبغير ما يكون منك، خلقه الله ثم أوصله إلى موسى).
- وقوله تعالى: {ثم استوى إلى السماء}، قال: (فإن ذلك لم يكن من الله تبارك وتعالى لتحول، ولكن يعني فعله، كما تقول: كان الخليفة في أهل العراق يوليهم، ثم تحول إلى أهل الشام، إنما تحول فعله).
- وقوله: {الرحمن على العرش استوى}، قال: (علا، ومعنى علا: قدر، ولم يزل قادرا ولكن أخبر بقدرته).
قال البغدادي في "الفرق بين الفرق": (وهذه الفرقة -أي المرجئة القدرية- أكفر أصناف المرجئة، لأنها جمعت بين ضلالتي القدر والإرجاء، والعدل الذي يشير إليه أبو شمر شرك على الحقيقة لأنه أراد به إثبات خالقين كبيرين غير الله تعالى، وتوحيده الذي أشار إليه تعطيل لأنه أراد به نفي علم الله تعالى وقدرته ورؤيته وسائر صفاته الأزلية [وكذا الاختيارية، وإنما اقتصر على الأزلية فقط لأشعريته]، وقوله في مخالفيه: إنهم كفرة، وإن الشاك في كفرهم كافر؛ مقابل بقول أهل السنة فيه: إنه كافر، وإن الشاك في كفره كافر).
وأما السيرافي: فهو الحسن بن عبد الله أبو سعيد، كان أبوه مجوسيا ثم أسلم، برع في علوم عدة، وكان رأسا في الكلام والمنطق والعربية، وكان زاهدا لا يأكل إلا من كسب يده.
قال الحاكم: (كان من كبار عباد الصوفية).
قال ابن كثير: (ونسبه بعضهم إلى الاعتزال وأنكره آخرون).
قال الخطيب البغدادي: (ذكر محمد بن أبي الفوارس أبا سعيد فقال: كان يذكر عنه الاعتزال، ولم يكن يظهر من ذلك شيئا).
وتابعه على ذلك جماعة من الحفاظ والمترجمين كالذهبي في "العبر"، والزبيدي في "طبقات النحويين"، وياقوت في "معجم الأدباء"، والمرتضى في "طبقات المعتزلة"، والسمعاني في "الأنساب"، وابن الأنباري في "نزهة الألباء"، وابن الجوزي في "المنتظم"، وغيرهم.
وخالفهم الفيروزآبادي حيث قال في "البلغة": (وكان يتجاهر بالاعتزال).
ولعل اعتزاله ثابت، ولكن الخلاف في مجاهرته به، لما يلي:
- ما ذكره ياقوت أن أبا الفتح منصور بن المقدر الأصبهاني المعتزلي ألف كتابا في الرد على الأشاعرة سماه "ذم الأشاعرة"، وافتخر فيه بأبي سعيد والرماني وعدهما من المعتزلة.
- وما نقل عن أبي حيان التوحيدي المعتزلي الجاحظي من تمجيده لأبي سعيد والمبالغة في تعظيمه، ولم يكن يفعل ذلك إلا مع المعتزلة، وكان يقول فيه: (شيخ الشيوخ وإمام الأئمة).
- وكان يثني على الجاحظ ويقدمه على غيره كما نقل عنه أبو حيان التوحيدي.
- وكانت له علاقة وصحبة مع شيخ المعتزلة وقاضي بغداد؛ أبي محمد عبيد الله بن أحمد بن معروف.
- وكانت له علاقة حميمة بالصاحب بن عباد المعتزلي، ولما ورد بغداد تفقد أبا سعيد والرماني المعتزلي شارح ”كتاب سيبويه”، وعرض عليهما السير إلى الري مقره، ووعدهما ومناهما، وأظهر المباهاة بهما.
فلو لم يكن معتزليا لما تباهي به ويقرنه بالرماني.
- وكان يرى بالتحسين والتقبيح، وتقديم العقل، فقد قال التوحيدي: (كان أبو سعيد يفتي على مذهب الإمام أبي حنيفة وينصره، فجرى ذكر حديث تحليل النبيذ عنده؛ فقال له بعض الخراسانيين: دعنا من حديث أبي حنيفة وقول الشافعي، ما ترى أنت في شرب النبيذ، والقدر الذي يسكر ولا يسكر؟
فقال: أما المذهب فمعروف لا عدول عنه، وأما الذي يقتضيه الرأي ويوجبه العقل، ويلزم من حيث الاحتياط والأخذ بالأحسن والأولى: فتركه والعدول عنه.
فقيل له: بين لنا عافاك الله، فقال: اعلم لو أنه كان المسكر حلالا في كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم لكان يجب على العاقل رفضه وتركه بحجة العقل والاستحسان، فإن شاربه محمول على كل معصية ومدفوع إلى كل بلية، مذموم عند كل ذي عقل ومروءة...).
فانظر كيف أن هذا المعترض الجاهل يستدل بكلام المعتزلة على تحريف أسماء الله، ويلقي بكلام أهل السنة وراء ظهره!
وخلاصة البحث: أن من ادعى كون "عدود" المنحوت من "عبد الودود" جائزا فقد أتى بما يخالف عقيدة أهل السنة، وأما استدلاله بكلام السيرافي فهذا جهل فاضح لوجوه:
أولا: أنه مخالف لما قرره من عرف مقاصد العرب وعقيدة أهل السنة وهو سيبويه.
ثانيا: أن ادعاء النحت في "عبدل" قول الأخفش، وهو معتزلي لا يعول عليه في مسائل الاعتقاد.
وتخربج السيرفي كذلك مردود عليه لأنه متعزلي لا يقبل كلامه في العقيدة إلا إذا وافق أهل السنة.
ثالثا: أن كلام الأخفش مجرد رأي ولم يقم عليه أي دليل، ولم يذكر أي شاهد من كلام العرب على أن لام "عبدل" من الاسم الحسن "الله".
رابعا: أن العبرة بالدليل وليس بكلام السيرافي ولا غيره، وإنما يستأنس بكلامهم لتقوية الحجة لا أن يكون هو الحجة.
خامسا: أن كلام السيرافي لا حجة فيه لأنه بحث في توجيه ما سمع عن العرب ولم يبحث في الحكم الشرعي، ولو قبل توجيهه فلا حجة فيه على الجواز، لأنه لم يدع الجواز أصلا.
سادسا: لو فرضا أن السيرافي أجاز هذا النوع من النحت فلا عبرة بكلامه لأنه مخالف لما قرره علماء السنة في باب الاعتقاد.
سابعا: توجيه السيرافي مردود لأنه قياس مع الفارق، فأما النحت في "عبدري" و "عبقسي" فقد دلت عليه القرينة، وأما النحت في "عبدل" فلا قرينة فيه.
وهو محتمل لأوجه متعددة وحمله على وجه دون آخر بلا دليل تحكم.
وهذا الاستدلال قد دخله الاحتمال، والدليل إذا دخله الاحتمال فقد سقط به الاستدلال.
ثامنا: أن النحاة مختلفين أصلا في لام "عبدل" فقيل هي أصلية، فلا يكون هذا نحتا فلا حجة فيه على النحت.
وذهب سيبويه إلى أنها زائدة، وليس من باب النحت.
وذهب الأخفش إلى أنها من باب النحت دون ذكر أي دليل، وحاول السيرافي تخريج وجه لكلامه، وقد تبين ما فيه من البعد.
ثم لو كان تخربجه صحيحا فهو لم يفت بالجواز إنما بحث عن وجه تركيب هذه الكلمة، ثم لو قال بجوازه وقياسه فهو باطل مردود.
وقد تبين أن الأخفش والسيرافي كلاهما معتزلي؛ فكيف يقبل كلامهما في العقيدة وفي أسماء الله؟!
ولهذا يتبين جهل المعترض بقواعد النحو والاعتقاد، وجهله بمقاصد النحويين والعرب، بل وجهله بمقاصد الشريعة وبالأحكام المتعلقة بذات الله وأسمائه، وإن تجرؤ مثل هؤلاء على كلام سيبويه وأبي سعيد مع عدم بضاعة في النحو وإتقان لمبادئه دليل على قلة عقل -إن لم نقل عدمه-، ففضحوا أنفسهم وظهر جهلهم الفاضح بكلام النحاة، وتبينت قلة ممارستهم لهذا الفن، وإنما يسارعون إلى البرامج والنت والشاملة ليبحثوا عن المتاشبه الذي يخدم هواهم؛ على طريقة أهل الزيغ، نسأل الله العافية، والمحروم من حرمه الله.
جهلت ولم تعلم بأنك جاهل *** فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري
هذا وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبه: أبو قيس عماد البجائي.
يوم: الجمعة 06 جمادى الآخرة 1441 من الهجرة.
الموافق: 31 جانفي 2020.
يوم: الجمعة 06 جمادى الآخرة 1441 من الهجرة.
الموافق: 31 جانفي 2020.
تعليق