إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

[جديد] أحشفا وسوء كيل ؟ ( ردٌّ على من اتَّهم ريحانة البِلاد بِالسَّرقات العلميَّة.)... -الحلقة الأولى-

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • [جديد] أحشفا وسوء كيل ؟ ( ردٌّ على من اتَّهم ريحانة البِلاد بِالسَّرقات العلميَّة.)... -الحلقة الأولى-

    <بسملة1>


    « أحشفًا وسُوءَ كيْلٍ؟ »
    هذه بِضاعةُ صاحبِ المقالينِ اللّذَينِ رَوَّج لهما الصَّعافقةُ في اتِّهامِهم ريحانة البِلاد بِالسَّرقات العلميَّة.

    الحمد لله الذي هدانا وأكرمنا بنعمة الإسلام، وأرسل إلينا خاتمَ رسله فأخرجنا به من دياجير الظَّلام، عليه من ربِّهِ أزكى صلاة وأتمُّ سلام، وعلى آلِه وصحبِه الذين قصُرت عن بيانِ حُسنِ سِيرتهم الأقلام، والتَّابعين ومَنْ تَبِعهُم بإحسانٍ مُقْتدِيًا بهؤلاء الخِيَارِ الأَعْلام، إلى يَوْمٍ يُجازَى فيه من رماهُم بالظُّنون والأوهام.
    أمَّا بَعْدُ: فإنَّ من أَشَدِّ الابتلاءاتِ المهلِكة لصاحبها، وأعظمِ الرَّزايَا التي ليسَتْ لِمثلِها رَزِيئَةٌ؛ إنكارَ فَضْلِ مَنْ قد أُجمِعَ على فضله وعُلِم، واستِباقَ التَّميُّزِ والاشتهارِ بالطَّعنِ في عُلمَاء الأمَّةِ الأبرار، والتَّعرض لهم بالذمِّ والتنقُّصِ، وتزدادُ هذه الرَّذيلةُ قُبْحًا، وتكونُ وَصمَةُ العارِ فيها أبلغَ وأنْكَى؛ إذا استُعمِلت في جميع تلك المردياتِ الْأَغَالِيطُ، وقد قالَ الْأَوْزَاعِيُّ- رحمة ربِّي عليه-:«إِذَا أَرَادَ اللَّهُ -عزوجل- أَنْ يَحْرِمَ عَبْدَهُ بَرَكَةَ الْعِلْمِ أَلْقَى عَلَى لِسَانِهِ الْأَغَالِيطَ»([1]).
    وممَّنْ أدْرَجَ نفْسَهُ وزَجَّ بها في ذلك- شاءَهُ أم لم يقصِدهُ- صاحِبُ المقالَيْنِ الذي أتَى في حقِّ شَيْخِنا ووالدِنا وريحانَتِنَا محمَّد على فَركُوس- يحفظه الله ويرعاهُ- مُنكراً مِن القَوْلِ وزُورًا، وأسْرَفَ في التَّطاوُل والسُّخْرِية، مُتَّكِئًا على ما اتَّهم الشيخ به من السَّرقاتِ العلميَّةِ، ومُدَّعيًا أنَّه يُناقِشُ المسألة بإنصافٍ، وسيقِفُ القارئُ بنفسِهِ -إن شاء اللَّه- على حقيقة الحَالَين من التُّهْمة والادِّعاء، وأنَّه جمع إلى الدَّواعى المُزيَّفةِ، والأقوالِ المخترعة الموهومة- التي عَدَّها في الباب فَصلاً- قلَّةَ الأدَبِ مع العُلماء، وإذا كانت هذه الخصلةُ ليسَتْ تَسُوغُ لِمن شُهدِ لهُ ببلُوغ رُتَبِ العُلماء، فكيف بِمَنْ هُو أبعَدُ مِن ذَلكَ وأنْأَى، إنْ لم يَكُن عن أصْلِ الفِناءِ بمَعْزِل؟
    - أَوْرد ابن عبد الهادي كلامَ أبي بكر بن العربي المالكي-رحمة ربِّي عليه- في الظاهرية: «هي أُمَّةٌ سخيفة، تَسَوَّرت على مرتبة ليست لها، وتكلَّمتْ بكلامٍ لم تفهمه، وكان أوَّل بِدْعة لقِيتُ في رِحْلتي القَوْل بالباطن، فلمَّا عُدْت وَجَدْت القَوْلَ بالظَّاهر قد مَلأَ بِهِ المَغْربَ سخيفٌ كان من بادية إشبيلية يُعْرف بابنِ حَزْم...وزَعَم أنَّه إمام الأمة، يَضَعُ ويرفعُ، ويحكم ويشرع، يَنْسُبُ إلى دينِ الله ما ليس فيه، ويقول عن العُلَماء ما لم يقولوا، تنفيرًا للقلوب عنهم..([2]) ثمَّ قال مُعلِّقًا: «أطال ابنُ العربي في الحَطِّ على ابن حَزْمٍ والظَّاهرية بما فيه نَظَرٌ، وقد نُوقش عليه، والله يُحِبُّ الإِنصاف»([3]).
    وقال الذَّهبي:«لم يُنْصِفْ القاضي أبو بكر -رحمه الله- شيخ أبِيه في العلم، ولا تكلَّم فيه بالقسط، وبالغَ في الاسْتِخفَاف به، وأبو بكر على عظمته في العلم لا يَبْلُغ رُتبةَ أبي محمد ولا يكاد، فَرَحِمَهُما الله وغفر لهما»([4])، فانظُر إنصَاف العلماء بعضهم لبعض والتزامهم المنهج الرَّصين في الردِّ العلميِّ المبنيِّ على الأدلَّة دُون التَّطاوُل وتجاوز الحدِّ.
    - هذَا وفيمَا هو ببابِنَا ألصَقُ مَا اتَّهم به السَّخاويُّ السيوطيَّ رحمةُ الله عليهما- مِن أنَّه اختَلَس منه حين تردُّدِهِ عليه كثيرًا من الأعمال، وأنَّه أخذ من كُتُب المحموديَّة وغيرها كثيرًا من التصانيف المتقدمة التي لا عَهْد لكثيرٍ من العصريين في زمنهم بها من فنون، فغيَّر فيها يسيرًا، وقدَّم وأخَّر، ونَسَبَها لنفسه، كما اتَّهمهُ أيضًا بأنَّ كثيرًا من كُتُبه قد اختلسها من مصنَّفات ابنِ حجر ومسَخَها ثمَّ نسبَها لنفسه، وغير ذلكَ.
    قال الشَّوكاني: «فإنَّ السخاوي فِي الضَّوْء اللامع وَهُوَ من أقرانه ترْجم لَهُ تَرْجَمَة مُظْلِمَة غالبُها ثَلْبٌ فظيع وَسَبٌّ شنيع وانتقاص وغمط لمناقبه تَصْرِيحًا وتلويحاً..، وَقَوْله إنه مسخ كَذَا وَأخذ كَذَا لَيْسَ بِعَيْب فإن هَذَا مازال دأب المصنفين يأتي الآخر فَيَأْخُذ من كتب من قبله فيختصر أَو يُوضح أَوْ يعْتَرض أَو نَحْو ذَلِك من الْأَغْرَاض الَّتِى هي الباعثة على التصنيف وَمن ذَاك الذي يعمد إلى فن قد صنف فِيهِ من قبله فَلَا يَأْخُذ من كَلَامه.. وَقَوله إنه كثير التَّصْحِيف والتحريف مُجَرّد دَعْوَى عاطلة عَن الْبُرْهَان فَهَذِهِ مُؤَلَّفاته على ظهر البسيطة محررة أحسن تَحْرِير ومتقنة أبلغ إتقان وعَلى كل حَال فَهُوَ غير مَقْبُول عَلَيْهِ»([5]).
    وفيما يَلِي من المرقُومِ نَظْرَةُ إنصافٍ مع صاحبِ المقالينِ ومَقالَيْهِ اللَّذَيْنِ روَّج لهما الصَّعافقة ومِن بَعْدِهُم وُريقاتُ الصُّحُفِ والجرائِدِ ومعدنُ الشّر وقناتُهُ في بلدِنا الحبيبِ فبئس الاجتماع معهم في خندق واحدٍ رَغْبةً في إسقاط الشَّيخ وأنَّى لهم ذلك والخافض الرَّافع هو الله -عزوجل-، وطار بِفَحْوَى الفِرْية المحتوَاة فيهما إلى الحجاز مَاضيهِم الذي لا تَسألْ عن حَالِهِ هوَ في هذا الباب، ليرجِع مُخْبِرًا عن الإمام الرَّبيع- سلمَّهُ ربِّي من شَّر كلِّ ذي شرٍّ- أنَّه كان يظنُّ الشَّيخ فركوس كذا وكذا، فإذا هو بهذه الحالِ، أي: التي صُوِّرت لهُ، وعند الله تَحْتَكِمُ الخصومُ، وقد أَرْجَعْتُ الحديثَ في الموضوع إلى أربعةِ فُصولٍ:
    الفصل الأوَّل: في بيان مُناقضة المقالَيْنِ ومُصَادَمةِ أوَّلِهِما لآخِرِهِما، والمستوى اللُّغَوي لصاحبهِما.
    الفصلُ الثَّاني: هل نَقْلُ الفَقَراتِ دُونمَا عَزوٍ لا يشمَلُهُ مصطلحُ السَّرقاتِ العلميَّة، وهل السَّرقة محصورةٌ في انتحال التَّصانيفِ؟
    الفصل الثَّالثُ: مَدَى صحَّةِ الاحتجاجِ بصَنيعِ الأقْدَمِين، والقياس عليه في تَسْوِيغ تَرْكِ العَزْوِ.
    الفصل الرَّابع: إسقاطُ الوَاسِطَة في الإِحالةِ.
    وخاتمة تَلِيقُ بما نُصِبَتْ لأجله الكتابةُ.

    وأَسْميتُهُ: «أحشفًا وسُوءَ كيْلٍ؟ هذه بِضاعةُ صاحبِ المقالينِ التي رَوَّج لهما الصَّعافقةُ في اتِّهامِهم ريحانة البِلاد بِالسَّرقات العلميَّة»، والله سبحانه وحدَهُ المسؤُولُ أن يجعل ما خُطَّ في السُّطور خاليًا مِن العُجْبِ والغُرور، وفي جُمْلةِ صالحِ ما يُرْجَى أجرُهُ بِدَار الحُبُور مع من صُحْبَتُهم لذَّةٌ وبهجةٌ وسُرورٌ إنَّه جَوادٌ كريمٌ غفورٌ شكورٌ، وصلَّى الله على نَبيِّنَا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    الفصل الأوَّل: في بيان مُناقضة المقالَيْنِ ومُصَادَمةِ أوَّلِهِما لآخِرِهِما، والمُستوى اللُّغَوي لصاحبهِما.

    قال صاحبُ المقالَيْنِ: «ومن كلمات الحق التي استعملت في الباطل كلمة "السرقات العلمية" فقد عُبث بمفهومها ومعناها، وسلط الجهل على مقصودها وحقيقتها، وقد كان للباطل بسبب ذلك جولة تغوّل بها على الحق حتى كاد يطمسه لولا رحمة الله».
    أوَّلُ ما يُقالُ إجْمَالاً لما سَيَعْقُبُهُ التَّفصيلُ أنَّهُ يَعْسُر في الحقيقة مُناقشةُ فقراتِكَ لسبب لعلَّهُ لم يكن خَافيًا عليك، ألا وهو الاحتيال في التملُّصِ والتَّخلُّصِ من تَبِعات القول فما تَلْبَثُ أن تُقرِّرَ شيئًا إلَّا تجدُ نفسك مُسارعًا للاحتياط والتحرُّز بجعله مفروضَ ما قالهُ غيرُك ثم تَبْني عليه وتُؤصِّلُ، وقد تعودُ لِبنائِكَ المبنيِّ على دعائم مَنْ سِواك فتَهْدِمُه من أساسه وتَرْقُمُ نَقِيضَهُ كما سَيَلْحظُه مُمْعِنُ النَّظر بإنصافٍ، فالحديثُ معهُ وإليه وإلاَّ فَغَيْرُ المنصِف لا حِيلة فيه وطَلَبُ الْإِنْصَافِ أصلاً مِنْ قِلَّةِ الْإِنْصَافِ([6]).
    ما مَحَلُّ قولِك في جانب صنيع الريحانةِ؛ أنَّ فعله لا يعدو صنيع سابقيه من أهل العلم، وأنَّ الحكم عليه بالسرقة لا يجري إلا على قاعدة ما سمَّيته بـ «البدعة العمارية»، ورحت في جميع مقالك الأول مُقررا لهذه الفرضية بشتى ألوان البيان؛ الذي أعوزك الإتيانُ بخير منه، فمِمَّا أوردته مُسْتَثنِيًا:«وسأنقل في هذا الفصل السرقات العلمية- على اللغة العمارية- للشيخ محمد علي فركوس فإن نقلنا لهذه السرقات-على لغته دائما-»، فانظر كلامك:«على لغته دائما»، وقُلْتَ أيْضًا:«ولا يتمسك بهذه السرقات- إن كانت تسمى فعلا سرقات- بعد أن وقف على هذا القول من شيخ إلا حدادي خسيس أو بغل استحمر عقله هذا العمار»، فجَعلْتَ مُعْتبِرَ ذلك سرقاتٍ بهذه الأوصاف القبيحة، وقُلتَ: «أقول ما أقول ليس لأحكم على الشيخ أنه سارق للعلم، ولكن لأبين أنه ما وقع فيه أسوء من ما وقع فيه الشيخ رضا» وقد حَكمْتَ عليه بعدَهَا بأشنعَ من ذلك من وَصْفٍ بالنَّهْبِ ونحوِه، وكتبْتَ مُؤكِّدًا:«ولتخفيف وطأة فعلته- السرقة على لغة عمار- قام بإحالة تلك الفائدة»، وزِدتَ مُقرِّرًا: «أقول ما أقول لو سلمنا لهذا الملبس أن نقل الفقرة والفقرتين من العلماء هو سرقه علمية، ولكن قد مر من قبل أن هذا ليس من السرقات العلمية رغم أنف هذا الجاهل المستحمر لعقول أتباعه».
    أليس هذا منك صريحًا في كونِ نَقْلِ الفقرة والفقرتين دُون عَزْوٍ ليس يُعدُّ سَرقةً علميةً؟ بل جَعْلتَ وَصْفَ هذا النَّوع من النَّقْلِ بالسَّرقة بِدْعَةً، وأنَّهُ: «لم يستطعه الأوائل»، فاحفَظْ هَذا لحينِ جوابهِ- أيُّها القارئُ بإنصافٍ-، وخَتَمْتَ قبل تَحوُّلِك وتَنَاقُضِك وانقِلاَبك رَأْسًا على عَقِبٍ، فقُلْتَ:«لحكمنا على الشيخ فركوس أنه الأقرب منها، وأنه متهم بالنوع الثاني من السرقات وهي سرقة التصانيف، أقول هذا إلزاما للخصم وإلا فليس لمثلي من يقرر ذلك»، هذا ما سُقْتَه جَميعًا بنَصِّهِ وفَصِّهِ لتَحْكُمَ على نفسك آخرَ تَطْوافِكَ أنَّها ليست لمِثْلِ هذَا أهلاً ولا تَغفلْ عن كَوْنِ استِهْلالِك أيضًا قد سِيقَ فيه شَبِيهُ هذا ونظيرُه: «ولقد كنت مترددا في كتابة هذا الموضوع لمعرفتي قدر نفسي»، فلِمَ أَقْحمْتَ هذه النفسَ الضَّعيفةَ مِضمارًا شَهِدَتْ هِيَ عليه أوَّلاً وآخرًا أنَّها ليست لهُ أهلاً، وأشْغَلْتَ وَقتًا كان ينبغي صَرْفُه في خَيْرٍ من بيانِ تناقُضِكَ.
    هَا أنت في كلِّ ما تقدَّمَ مُضمِرٌ لما يعلمه الله سبحانه وشاء لحكمته أنَّك مُخْرِجُهُ بعد ذلك، وبان ما وراء الأكَمة وما انطوى عليه الكَشْحُ، وأنَّ هذا التورُّعَ البارِدَ عن الطَّعن في الشيخِ قد كان آخر مَا أمْكَنَك كتمُه لِتَشْرَع في سلسلة من الفجور والألفاظ الهجينة التي يترَّفعُ عنها من هو أَدْوَنُ من هذا بكثير، أليس ما سبقَ أيُّها القارئ المنصِفُ تُصَادِمُهُ لواحقُ العبارات من قوله:«وهي أن لعالم الغرب الإسلامي! سرقات علمية»،«ولهذا أجد نفسي مضطرا إلى كشف سرقات الدكتور العلمية!، وأبين أنه من أبعد الناس عن الأمانة العلمية»،«وكل ما قلته عن أفعال الدكتور هو تماما ما يفعله سُراق التصانيف»، «وفي هذه السلسلة سيقف القارئ على فضيحة علمية للدكتور فركوس من العيار الثقيل»، وخَطِّهِ كذلكَ:«ومن براعته في طمس آثار سرقته»، و«تتيقن أن الريحانة غارق بالتشبَّع بما لم يعط، ومحاولاته في تغطية هذه الجريمة (السرقة) كثيرة»، «فالذي جعل الدكتور يقع في هذه المخازي هو أخذه (سرقته) لهذه المسألة»، «وهذه الإضافة زادها الدكتور من أجل أن تتلاءم سرقته مع شرحه لمتن ابن باديس ويقال أن كل هذا الكلام هو من كيسه وهذا -والله- من أشد الخيانات العلمية والله المستعان»
    وانظر الاسْتِهَتارَ وقلَّة الأدَبِ في قوله:«ووالله إنها لمهزلة وفضيحة يخجل منها صغار طلبة العلم فما بالك بمن قيل فيه ريحانة بلد بحجم الجزائر! بل وعلامة الغرب الإسلامي!!»، وقوله: «لقد حدث للدكتور ما يحدث للسارق بعد سرقته»،«ونهبه الفاضح والواضح» ليُعمِّمَ على الفتاوى:«فإن فتاواه الموجهة للنشر لا يفتي بها إلا مِن وَرَاءِ حِجَابٍ! لأسباب أصبحت لا تخفى عن اللبيب»، «فماذا نقول الآن هل هي فتوى من مجتهد؟ أو من مقلد؟ أو من سارق؟»، ويختِمُ هُنا مُسْتَأْسِدًا بِعكْسِ ما جَبُنَ عنهُ هُناك لو تَذْكُرُ، فقال هذا المخذُولُ الذي ليس بمَنْصُورٍ مُصوِّرا نِتاجَ ما وصَلَتْ إليه نَفْسُهُ التي قد مرَّ معنَا كَيفَ قَد حَكَمَ هُو عليها بعدم الأهليَّةِ: «يا ناس صدقوني، العلماء في واد وفركوس في واد آخر فاعطوا لكل ذي حق حقه ومنزلته فإن معرفة مراتب العلماء من المسائل التي بسببها هلك الناس والمثال أمامكم، فأفيقوا يا قوم!».
    وَدَعْنَا بعد كل هَاتِه الطُّعونِ الجائرةِ ممَّا وَصفْت به من عَرفَ قَدْرَ الشيخ- حفظه ربِّي- وانتفعَ بعُلُومِه، حتَّى إنه لم تَكْفِك لغة العرب الواسعة لتستخرج منها ما تُسوِّدُ به صحيفتك بل عمدت إلى اشتقاقات ومخالفات شاذَّةٍ سمجة لقياس العرب الخُلَّصِ([7])وكأنَّ ما يَفُوهُ به لسانك هو السماع الأصيل الذي تقع به الحُجَّةُ، أَخْبرني يا هذا عن مصطلح الاستحمار- أجلَّنا الله عن مثل هذا السفول والانحدار- وقولك: «لم أجد تعليقا على هذا الإستحمار للأتباع إلا قول الشيخ ربيع»، من سوَّغَ لك هذا التركيب المستخرج من اسم عين الحمار؟ ولكن معذرة، فإنَّ الوُلوجَ في مُناقشةِ جواز مثل هذا عَسِرٌ عليك، ومُحْوِجٌ في التَّدرُّج معك لكثير ممَّا هو قبله ويَبْعُده بمراحل، فكيف يُخاض فيه وقد ذكرني إيرادُك لهذا اللفظ -الإستحمار- خبطك خبط عشواء في باب الهمزات الوصلية، وقد نزَّهتك عن هذا ابتداء في أوائل مواطن وُرودها علَّهَا من سبق القلم -كما يقال-، ولكن سُرعان ما تبيَّن شِدَّةُ احتياجِك لدَرْسٍ في هذا الباب، وقد كان هذا من أوَّل ما يجب عليك ويحسُن بك ضبطُه وأنت مُقْبِلٌ على سلسلة أو سلاسل في موضوع السرقات.
    لا يليقُ بمثلك وأنت الذي يَسْقُطُ بك فرض الكفاية على حدِّ وَصْفِكَ: «فرأيت من واجبي أن أقوم بهذا الواجب الكفائي لتقوم الحجة وتتبين المحجة»، لاَ يليقُ ألْبتَّةَ أن تقول:«الإمتحان والإختبار، الإستحمار، الإختصار، إثنان في مجلة الإصلاح، ومتلبسين بما لم يعطو، فضلا أن يكون مُسقطً(ا) للعدالة...»، وقد قُلْتَ فيما أَدْرَجْتَهُ من زمرة الأمثال: «من الأمثال-ولعلها من الحكم- التي تعلمناها في أيام الدراسة هي: [يوم الإمتحان يكرم المرء أو يهان]، وكانت كثيرا ما نذكر بها في يوم الإمتحان»، وقد صدقت حقًّا فيوم الامتحان يُكرَمُ المرء أو يَغْشاهُ الهَوان.
    وكان من أهمِّ ما يلزمُك - وأنت تتكلَّمُ عن اللوازم- ضَبْطُ هذا الباب ومعرفةُ أوزان الأفعال، والمصادر القياسيَّة التي تطَّرِد فيها همزاتُ الوصل كالافتعال والاستفعال، والكلمات المسموعة في ذلك حتى لا تقول مرة أخرى: «إثنان»، ولا تجعلها تختلطُ عليك بقطع الهمزة في باب الأمر من الرُّباعيِّ ووزن الإِفْعَالِ، فأَرْجِع- من: أرجَعَ لا رَجَعَ - الهمزةَ المسروقةَ في قولك:«فاعطوا»، «اسقاط»، فإن ضَبطتَ هذا فانتقل إلى درس جديد متعلِّق بالجزم وعلاماته وركِّز فيه على جهة الحذف حتى تُحسِنَ تَصْويبَ قَوْلِكَ: «إما أن يسلموا لنا ويعترفوا أن هذا النوع من النقولات ليست من السرقات العلمية ، أو يفجرون في الخصومة معنا ويتهموننا بالطعن في الشيخ فركوس»، وقولك: «عسى أن يتوقفوا مع مرور الوقت...عن الكلام في هذا الموضوع ويتحللون»، وتُرجِع في المقابل النونَ التي سُرِقت من قولك:«فهل هؤلاء تعتبروهم»، ولا تَنْسَ أيضًا علاماتِ إعرابِ الأسماء الخمسة أو السِّتَّة حتَّى تعرفَ كيف يُجرُّ ما أضِيفَ إليه في قَوْلك: «لفظ أبو شامة»، ويا للأسَفِ أهكذا يُخوض في السرقات من لا يحسن بَدِيهيَّات النحو وما تُقام به التَّراكيبُ.
    وإن رُمْتَ على ما سبق مزيدًا فشَمِّرْ عن ساعد الجدِّ اجتهادًا كي تتخلَّص من هذه الرَّكاكة التي تُوردها في كلامك حتى تجعل السامع يمُجُّه ويَسْتهجِنُه :«أن ترغمني أن أقوم»، «هل تحكم عليهم- يعني: الفُحولَ- ومعهم الشيخ رضا»، «أقول ما أقول ليس لأحكم على الشيخ أنه سارق»، «وأن ما قرره من قبل لا يعدو أن يكون إلا شنشنة فجر بها»، «ولكني سأفعل إذا اضطررتني إلى ذلك وبقيت وأتباعك»... ولا أدري أَتَفْهَمُ مثل هذا إذا خِيض معك فيه، وتحاول الفَهْمَ وحُسْنَ التَّعلُّمِ بإنصاف، والتَّفرقة بين الأفْصَحِ والفصيح والرَّديءِ، وقد تسأل أصحابك ليَجِدوا لك مَخْرجًا في مُستقبل تسويداتِك، أم تُنشِئُ في الفُجُور قاموسا آخرَ، وتَجِدُ على حَدِّ تعبيرك: «من يصفق له بكل صفاقة وبلا حرج»، فانظُر ما يَلْزَمُك إعادةُ النَّظرِ فيه من تراكيبِك الركيكة ولا تَنْسَ أساليبَ الشَّارع الذي فيه تسمعُ مثل صَادر ملفوظك المعبِّر عن المُستوى الأَخْلاَقِيِّ :«بغل استحمر عقله هذا العمار»، وها أنت تنقُل عن ذاك الذي لم يزل مُرابطًا على هُبوطه قَوْلَتَهُ: (أُسُودُ الكرتون) وتَستحسِنُ وتُنمِّقُ، فإنا لله وإنا إليه راجعون من أناس قد كانوا رُشِّحوا لقيادة سُوق عُكاظ.
    قَال المبرِّدُ: (النحوُ يَبْسُطُ من لسانِ الأَلْكَنِ*** والمرءُ تُكْرِمُه إذا لم يَلْحَنِ)


    (يتبع ...)
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ

    ([1]) انظر: جامع بيان العلم وفضله (2/ 1073).
    ([2]) انظر: العواصم والقواصم (2/336-337).
    ([3]) انظر: طبقات علماء الحديث (3/ 350).
    ([4]) انظر: سير أعلام النبلاء (18/ 190).
    ([5]) انظر: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (1/ 329)
    ([6]) انظر: أدب الدنيا والدين (173).
    ([7]) من ابتداء هذا الكلام إلى مُنتهاه تَفْهَمُ ثانِي شطري عنوانِ الفصل الأوَّل: (والمُستوى اللُّغَوي لصاحبهِما).
    عنوان البريد الإلكتروني
    [email protected]

  • #2
    جزاك الله خيرا وبارك فيك على هذا المقال، المرصّع بالعلم والبيان، والمحلى بالأدب وحسن الكلام.
    حفظ الله الشيخ الهمام، وأعظم له المثوبة والإحسان.
    غفر الله له

    تعليق


    • #3
      جزاكم الله خيرا وبارك فيكم وذب عن وجهكم النار كما ذببتم عن الشيخ العلامة
      ولو كان المردود عليه ذا عقل لانخنس حياء من فواجعه وفواقره اللغوية الأدبية
      ولكن الله المستعان

      تعليق


      • #4
        مرحبا بلغة العِلم ولله در الكاتب أجزل الله له المثوبة في الدارين

        تعليق


        • #5
          جزاكم الله خيرا وبارك فيكم وذب عن وجهكم النار وحفظ الله شيخنا الوالد وبارك فيه وفي علمه

          تعليق


          • #6
            جزاكم الله خيرا أخي الكريم؛ على مقالك ووفائك.
            التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2020-02-04, 12:03 PM.

            تعليق


            • #7
              بوركت وبورك يراعك

              تعليق


              • #8
                جزاك الله خيرا.
                وحفظ الله شيخنا .

                تعليق


                • #9
                  جزاكم الله خيرا وذبّ الله عن وجهكم النار.

                  تعليق


                  • #10
                    جزاكم الله خيرا على ما وفقتم لبيانه في هذه الحلقة الأولى ردا على تطاول البغاث على النسور، ولكنها سنن الله التي لا تتبدل ولا تتحول؛ فلا يزال الله عزوجل يبتلي أهل العلم بالجهال الذين يحسبون أنفسهم على شيء، لنقصهم وجهلهم، فتراهم يردون على العلماء الفحول! أما علامة الغرب الإسلامي حقا وصدقا، الذي شهد له بالعلم والتمكن والفتوى في النوازل من يميز العلماء من غيرهم وهم العلماء، فلما أوجعهم موقفه الثابت فيهم ومتبوعيهم، ولما أقض مضاجعهم تهميشه المؤلم لهم، راحوا يؤلبون عليه الغلام "المرابط على هبوطه" وشلته، وهذا والله الذي لا إله غيره لهي من أسطع الحجج على ان شيخنا وريحانة بلدنا -حفظه الله ورعاه- على حق، فهي السنن أن يسلط الجهال على العلماء، وفي حوادث التاريخ عبرة لمن يعتبر.

                    تعليق


                    • #11
                      أحسن الله إليكم وجزاكم خيرا .

                      تعليق


                      • #12
                        <جزاكم الله خيرا>

                        تعليق

                        الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 2 زوار)
                        يعمل...
                        X