إبطال النّكير على بيان "نصيحة وتحذير"
ردًّا على فرية الاحتوائيّين أنَّ بيان مشايخنا للأمّة الجزائريّة بيان سياسي وليس سلفي !!
أبو فهيمة عبد الرّحمن عيّاد البجائي
ردًّا على فرية الاحتوائيّين أنَّ بيان مشايخنا للأمّة الجزائريّة بيان سياسي وليس سلفي !!
أبو فهيمة عبد الرّحمن عيّاد البجائي
الحمد لله ربّ العالمين، القائل في محكم التّنزيل :((لولا ينهاهم الرَّبَّانيّون والأحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السُّحت لبئس ما كانوا يصنعون)) ]المائدة: 63[؛ والصّلاة والسّلام على البشير النّذير، الذي بيّن أنّ الدّين يقوم على الإصلاح والنّصيحة، فقال -صلّى الله عليه وسلّم- :"الدّين النّصيحة." (رواه مسلم)، وعلى آل بيته الكرام الأطهار وسائر صحابته المتّقين الأبرار.
أمّا بعد: فإنّنا نحمد الله سبحانه وتعالى على ما منّ به في بلادنا الغالية الجزائر من علماء يعلِّمون الأمّة دينها على منهج نبيّها -صلّى الله عليه وسلّم-، ويبيّنون لأبنائها سبل النّجاة ويحذّرونهم من سبل الهلاك.
ومن هذا المنطلق الرّبّاني السّلفي، جاء توجيه وتحذير علمائنا الأجلّة للأمّة الجزائريّة، رؤوس الدّعوة السّلفيّة في هذا البلد: العلّامة الأصولي محمّد علي فركوس، وإخوانه المشايخ الأفذاذ الشّيخ عبد المجيد جمعة، والشّيخ أزهر سنيقرة والشّيخ نجيب جلواح -حفظهم الله جميعا-؛ وذلك بما ضمّنوه في بيانهم الموسوم ب"نصيحة وتحذير" من غالي نصائحهم، ونفائس كلامهم، ودرر توجيهاتهم لأمّتهم، بيان مرصّع بالأدلّة السّلفيّة من الكتاب والسّنّة؛ راجين لها الخير والصّلاح ولبلدهم الأمن والسّلامة والرّخاء والازدهار؛ فتلقّى النّاس بيانهم ونصيحتهم بالتّرحاب والقبول والشّكر والعرفان، وكتب الله سبحانه له أن ينتشر انتشارا كبيرا في وقت وجيز، ليعمّ به النّفع على الجميع، فيزيد أهل الخير والإصلاح قوة ومضيّا في مواصلة جهودهم في إحلال الأمن والأمان ودفع الشّرور والبلاء، ويستفيق من شاء الله ممن جرفته أوهام وأحلام من يطعن في خاصرة هذا البلد في الدّاخل والخارج، بما يبثّه من سموم في خطاباته ومرئيّاته وكتاباته.
ولكنّ العجب العجاب أنّه بعد مرور سويعة من الوقت من صدور البيان وانتشاره إلّا ويخرج علينا شيوخ منهج التّمييع والاحتواء في الجزائر، ليدّعوا في جواب عنهم، نقله أحد أتباعهم، أنّ بيان مشايخنا لا يعتدّ به، ولا يؤبه له، لأنّه ليس سلفيّا وإنّما سايسيٌّ !!
فيا لله، ما يصنع الهوى والحسد وإبطان الشّر في قلوب وألسنة أصحابه.
ولكنّها أمارة أخرى ودليل آخر لمن أراد الله له النّجاة ممّن لا يزال يحسن الظّنّ بهم، لعلّهم يتّعظون ويرجعون.
أمّا من زاغ قلبه فزاغت به السّبل إليهم، لقوّة التّشابه والتّشاكل، بل التّجانس بينهم؛ في منهجهم وطريقتهم وتفكيرهم وتديّنهم؛ فهؤلاء لا سبيل لنا عليهم، وإنّما أمرهم إلى ربّهم سبحانه، وهذه حقيقة لا غبار عليها، يجب على إخواننا السّلفيّين أن يعوها.
فلقد نُشرت رسالة لأحد أتباع الاحتوائيّين الجهلة، أصحاب المنهج الجديد، هذا نصّها:
"طرحت سؤال (كذا) على شيوخنا الكرام (كذا !!) على بيان الثلاثي الريحانة ومحقق كتب المبتدعة وبائعها فقالوا: "هذا بيان سياسي وليس سلفي" وحصر البيان للريحانة (كذا) وأتباعه دليل على أنهم فصلوا أنفسهم على (كذا) الدعوة السلفية وتحزبوا فيما بينهم." اه.
فبغض النّظر عن الفهاهة التي في المنشور والأخطاء اللغوية، فالذي يتعجّب منه المرء بل ويتوجّس منه هو حكم هؤلاء المميّعة على ذلك البيان المليء بالنّصح والشّفقة وحبّ الخير، والدّعوة إلى الجماعة والاجتماع على ولاة الأمور؛ بما اقتضته قواعد الشّريعة التي تستشفّ من تلك النّصوص والآثار التي يزخر بها البيان، ثم يقال عنه سياسي !؛ فذلك الحكم الباطل الغاشّ من أصحاب المنهج الجديد (الذي لطالما سعوا لسنين جاهدين ومثابرين على فرضه على عموم السّلفيّين، ولكنّ الله خيّبهم، وشكر الله لمشايخنا الذين ذبّوا عن حياض السّنّة في بلدنا فلم يحابوهم، بل ردّوا عليهم)؛ فذلك الحكم يخفي وراءه الغش للأمّة والغلّ على علمائها النّصحة، وخيانة أمانة العلم والدِّين المتمثّلة في النّصح للمسلمين.
فقد روى الإمام مسلم رحمه الله في "صحيحه"، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ -رضي الله عنه- : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :"الدِّينُ النَّصِيحَةُ." قُلْنَا لِمَنْ ؟، قال :"لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ."
قال الإمام ابن رجب –-حمه الله تعالى-:" وأما النَّصيحة للمسلمين: فأن يحبَّ لهم ما يحبُّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويشفق عليهم، ويرحم صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم ، وإن ضرَّه ذلك في دنياه؛ كرخص أسعارهم، وإن كان في ذلك فوات ربح ما يبيع في تجارته، وكذلك جميع ما يضرُّهم عامَّة، ويحبُّ ما يصلحهم ، وألفتهم ودوام النِّعم عليهم، ونصرهم على عدوِّهم، ودفع كلِّ أذى ومكروه عنهم، وقال أبو عمرو بن الصَّلاح: النَّصيحة كلمة جامعة تتضمَّن قيام النَّاصح للمنصوح له بوجوه الخير، إرادة وفعلا ." (جامع العلوم والحكم"، ص. 80).
ولقد بيّن مشايخنا في بيانهم أنّ الذي دفعهم لكتابته هو واجب النّصيحة التي حمّلها الله إيّاهم؛ فهذا واجبهم نحو النّاس عامّة وحكّاما.
قال الله تعالى :((وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للنّاس ولا تكتمونه)) ]آل عمران: 187[. عن قتادة -رحمه الله- أنّه قال :" هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم، فمن علم شيئا فليعلّمه، وإيّاكم وكتمان العلم، فإنّ كتمان العلم هلكة." (تفسير الطّبري). ولهذا قال الله تعالى :((إنّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّنّاه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللّاعنون)) ]البقرة: 159[. قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- :"هذا وعيد شديد لمن كتم ما جاءت به الرّسل من الدّلالات البيّنّة على المقاصد الصّحيحة والهدى النّافع للقلوب، من بعد ما بيّنه الله تعالى في كتبه، التي أنزلها على رسله." (تفسير ابن كثير).
وانطلاقا من هذه الآيات، فإنّك تبصر أخي السّلفي من الذي استجاب لأمر الله -تعالى- ونبيّه -عليه الصّلاة والسّلام-؛ فبيّن الحقَّ ودعا الأمّة إلى هدايتها في هذه الظروف العصيبة، ولم تمنعه مهابة النّاس من قول الحقّ؛ وعلى العكس من ذلك؛ من الذي سكت عن بيان الحقّ، وأخفى بيان الهدى للخلق في بلدنا، في محنته هذه، وهم في أحوج ما يكونون إلى من ينير طريقهم ويأخذ بأيديهم إلى برّ الأمان، والهدى والرّشاد.
فهذا هو الفرق الذي بين علمائنا الدّعاة إلى الله على بصيرة وعن علم وهدى؛ بإخلاص وصدق –نحسبهم كذلك-، وبين أهل الاحتواء الذين في الحقيقة إنّما تهمّهم مصالحهم وأنفسهم، وإلّا فهل رضوا لأنفسهم أن يسكتوا عن بيان الحقّ وأن يبصّروا الأمّة؟ أليست هذه وظيفة أهل العلم؟ أم أنّ الحقيقة أنّهم تسنّموا جبل العلم يوم أن كانوا بصحبة العلّامة فركوس ! وها قد فضحتهم هذه الحقبة الهامّة من تاريخ الجزائر في هذه الأيّام.
ثمّ يقال كيف تكذبون على من استخففتم بعقولهم أنّ البيان سياسي، وأنتم كنتم كتبتم بيانا مثله برئاسة العلّامة فركوس عام 2014، عشيّة الانتخابات الرّئاسيّة آنذاك؟! بل ولقد خرج حينها الرّمضاني الصّغير في حصّة على قناة النّهار ليشرح فحوى ذلك البيان، وإذا به يخوض في أمور السّياسة ويجيب على أسئلة الصّحافي... !
ثمّ أصبحتم اليوم تنكرون ما كنتم تعرفون وتفعلون ! وهذا يدلّ كلّ سلفيّ أنّ الفتنة أصابتكم؛ فأصبحتم لا تقرّون هذا المعروف، ولا تنكرون ضدّه، وأصبحتم تنكرون ما كنتم تعرفون، في قضيّة من قضايا الأمّة الكبرى وهي النّصيحة لعموم الأمّة في الجزائر زمن الفتن!
قال الصّحابيّ الجليل، حافظ سرّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- :"فاعلم أَنَّ الضَّلالةَ حقَّ الضَّلاَلة أَن تعرِف ما كنت تُنكر وأن تنكرَ ما كنت تَعرف، وإيَّاكَ وَالتَّلَوُّن؛ فإِنَّ دِينَ اللَّهِ وَاحِد." (الإبانة الكبرى 1/189).
فإنّ النّصيحة في أمور الأمّة الكبار، المتعلّقة بالفتنة وحلول الفوضى وإراقة الدّماء، لهي من الجهاد في سبيل الله، ودفع شر الأعداء المتربّصين بالمسلمين، والحثِّ لهؤلاء بلزوم الجماعة والطّاعة لوليّ الأمر في المعروف، والبعد عن مسالك أهل الغواية الذين لا يفتئون يدعون إلى إدخال البلاد في الفوضى والاضطرابات، وهل بيان مشايخنا يصبّ في غير هذا، وهذا سبيل أهل العلم من السّلف والخلف وبذلك كانوا يأمرون ويوصون وينصحون، ويعملون.
قال العلّامة المحدّث عبد المحسن العبّاد -حفظه الله تعالى- :" وقد جاء عن جماعة من السَّلف الحثُّ على السَّمع والطَّاعة ولزوم الجماعة والتَّحذير من الفرقة والخروج على الأئمَّة، ففي سنن الدَّارمي (257) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "إنَّه لا إسلام إلَّا بجماعة، ولا جماعة إلَّا بإمارة، ولا إمارة إلَّا بطاعة"، وقال الإمام أحمد في اعتقاده كما في السُّنَّة للالكائي (1/161): "ولا يحلُّ قتال السُّلطان ولا الخروج عليه لأحد من النَّاس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السُّنَّة والطَّريق"، وقال الطَّحاوي كما في عقيدة أهل السُّنَّة: "ولا نرى الخروجَ على أئمَّتِنا ووُلاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا نَنْزِعُ يداً مِن طاعتهم، ونرى طاعتَهم مِن طاعة الله عزَّ وجل فريضة، ما لم يأمروا بمعصيةٍ، وندعو لهم بالصّلاح والمعافاة"، وقال ابن أبي جمرة كما في فتح الباري لابن حجر (13/7) في شرح حديث: "مَن رأى مِن أميره شيئاً يكرهُه فليصبر عليه؛ فإنَّه مَن فارق الجماعةَ شبرًا فمات إلَّا مات مِيتةً جاهليّة" قال: "المرادُ بالمفارقة السَّعيُ في حلّ عقد البيعة التي حصلتْ لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكنَّى عنها بمقدار الشِّبر؛ لأنَّ الأخذَ في ذلك يؤول إلى سفك الدِّماء بغير حقٍّ." (مقال "حقوق ولاة الأمر المسلمين النُّصح والدّعاء لهم والطّاعة في المعروف"، منشور على موقع الشّيخ حفظه الله ).
وهل مضمون وفحوى بيان مشايخنا الفضلاء إلّا عصارة سلفيَّة نقيّة صافية لهذه الآثار، وغيرها الكثير؛ المبيّنة والمفصّلة لعقيدة السّلف ومنهجهم، من أيّام الصّحابة الكرام إلى زمننا هذا، يتناقلها السّلفيّون من جيل إلى جيل، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ وهذا لا شكّ أنّه داخل في النُّصح لولاة أمور المسلمين وعامّتهم.
قال الإمام النّووي -رحمه الله تعالى- في بيانه لمعنى النّصيحة لولاة أمور المسلمين في حديث مسلم المذكور آنفا :" مُعاونتهم على الحقِّ، وطاعتهم فيه وأمرهم به، وتنبيهم وتذكيرهم برفق ولطف، وَإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتأَلُّفُ قلوب النَّاس لطاعتِهم." (شرح مسلم للنّووي، 2/38).
وبهذا سار ركب علمائنا في هذا العصر؛ بهذه العقيدة وبهذا المنهج القويم؛ النّابض بالنّصح والتّوجيه والتّسديد، أمثال العلماء الإئمّة ابن باز والألباني والعثيمين ومقبل الوادعي والنّجمي وزيد المدخلي-رحمهم الله رحمة واسعة-، ومن بعدهم سماحة العلّامة الفوزان والعلّامة اللحيدان والعلّامة العبّاد والعلّامة ربيع والعلّامة عبيد وسائر أئمّة وعلماء السّنّة أتباع السّلف المعاصرين.
قال العلّامة محمّد علي فركوس -حفظه الله تعالى-:"فاعلمْ أنّ العلماءَ أجمعوا على وجوبِ طاعةِ الحاكمِ المتغلِّبِ، وأنّ طاعتَه خيرٌ من الخروجِ عليه، لما في ذلك من حقنِ الدّماءِ وتسكينِ الدّهماءِ، ولِمَا في الخروجِ عليه من شقِّ عصا المسلمين وإراقةِ دمائِهم وذهابِ أموالِهم، فإذا استتبّ له الأمرُ، وتمّ له التّمكينُ -وإن لم يستجمعْ شروطَ الإمامةِ- صحّتْ إمامتُه ووجبتْ بيعتُه وطاعتُه في المعروفِ، وحَرُمَتْ منازعتُه ومعصيتُه، فأحكامُه نافذةٌ، ولا يجوز الخروجُ عليه قولاً واحدًا، وقد حكى إجماع ذلك الحافظُ ابن حجرٍ في"الفتح" ( "فتح الباري"، لابن حجر: (١٣/ ٧).) والنّوويُّ في "شرح مسلم" ("شرح مسلم" للنّووي: (١١/ ٢٢٩)). والشّيخُ محمّدُ بنُ عبدِ الوهّابِ في "الدّرر السّنيّة" ("الدّرر السّنيّة في الأجوبة النّجديّة": (٧/ ٢٣٩)).، فمن خرج عن طاعةِ الحاكمِ الذي وقع الاجتماعُ عليه فارق الجماعةَ الذين اتّفقوا على طاعةِ الإمامِ الذي انتظم به شملُهم، واجتمعتْ به كلمتُهم، وحاطهم من عدوِّهم، فمات ميتةً جاهليّةً؛ فقد أخرج البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحَيْهما عن ابنِ عبّاسٍ رضي الله عنهما قال : قال رسولُ الله صلّى الله عليه وآلِه وسلّم: "مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ، فَإٍنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" (خرجه البخاريّ: (١٣/ ٥) في "الفتن"، باب قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:"سَتَرَوْنَ مِنْ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَ"، وفي "الأحكام"، باب السّمع والطّاعة للإمام ما لم تكن معصية؛ ومسلم: (١٢/ ٢٣٩) في "الإمارة"، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن.)، وفي لفظٍ :"مَنْ رَأَى مِنْ أَمٍيرٍهِ شَيْئاً يَكْرَهُهُ فلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ، فَإٍنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ، إلاَّ مَاتَ مِيتةً جَاهِلِيَّةً" ("المصدران السابقان".)، ذلك أنّ أهلَ الجاهليّةِ لم يكنْ لهم إمامٌ يجمعهم على دينٍ، ويتألّفُهم على رأيٍ واحدٍ -كما ذكر الخطّابيُّ- بل كانوا طوائفَ شتّى وفرقًا مختلفين، آراؤُهم متناقضةٌ، وأديانُهم متباينةٌ، وذلك الذي دعا كثيرًا منهم إلى عبادةِ الأصنامِ، وطاعةِ الأزلامِ، رأيًا فاسدًا اعتقدوه في أنّ عندها خيرًا، وأنّها تملك لهم نفعًا أو تدفع عنهم ضرًّ. (انظر «العزلة» للخطاّبيّ: (٥٧).) "
فهو منهج واحد، منهج السّلف الصّالح، يسير عليه علماؤنا ومشايخنا الأفاضل، لم يبدّلوا ولم يغيّروا، وبيانهم الذي وجّهوه للأمّة هذه الأيّام، هو نتاج علمهم ونصحهم، جاء على نفس الخطّ الذي يسيرون عليه؛ حيث تزخر مجالسهم ولقاءاتهم وفتاويهم ودروسهم بهذا التوجّه، وبنفس المضمون ولو اختلف الأسلوب؛ لأنّ المنهج واحد لم يتغيّر، بخلاف الذين غيّروا منهجهم تدريجيّا، وأدخلوا فيه ما ينافي منهج السّلف الكرام، ثم تراهم ينكرون ويتملّصون، ولكنّ: "الوقت جزء من العلاج"، وهذه الحقبة التّاريخيّة المصيريّة من أزمة بلادنا هي واحدة من أجزاء العلاج، بيّنت لعموم الجزائيّين، بله السّلفيّين: مَنْ هُم العلماء.
وسبحانك اللّهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلّا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
بجاية، صبيحة يوم الجمعة: 16 ربيع الآخر 1441ه.
الموافق ل: 13 ديسمبر 2019م.
تعليق