
نــبي أتــانا بعــد يأس وفـــترة......من الرسل والأوثانُ في الأرض تعبد
فأمسى سـراجاً مستنـيراًوهادياً...... يلـوح كـما لاح الصــقيل المهـــــــند(3)
مولده :
إختلف أئمة الإسلام في مولده ، فلم يثبتوا على يوم واحد فمنهم من قال أنه كان لليلتين خلتا منه قاله ابن عبد البر في الاستيعاب ورواه الواقدي عن أبي معشر نجيح بن عبد الرحمن المدني. وقيل لثمان خلون منه حكاه الحميدي عن ابن حزم.
ورواه مالك وعقيل ويونس بن يزيد وغيرهم عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم ونقل ابن عبد البر عن أصحاب التاريخ أنهم صححوه وقطع به الحافظ الكبير محمد بن موسى الخوارزمي ورجحه الحافظ أبو الخطاب بن دحية في كتابه التنوير في مولد البشير النذير وقيل لعشر خلون منه نقله ابن دحية في كتابه ورواه ابن عساكر عن أبي جعفر الباقر ورواه مجالد عن الشعبي كما مر.
وقيل لثنتي عشرة خلت منه نص عليه ابن إسحاق ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن عفان عن سعيد بن مينا عن جابر وابن عباس أنهما قالا: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفيل يوم الاثنين الثامن عشر من شهر ربيع الأول وفيه بعث وفيه عرج به إلى السماء وفيه هاجر وفيه مات. وهذا هو المشهور عند الجمهور والله أعلم. وقيل لسبع عشرة خلت منه كما نقله ابن دحية عن بعض الشيعة. وقيل لثمان بقين منه نقله ابن دحية من خط الوزير أبي رافع بن الحافظ أبي محمد بن حزم عن أبيه والصحيح عن ابن حزم الأول أنه لثمان مضين منه كما نقله عنه الحميدي وهو أثبت.
والقول الثاني: إنه ولد في رمضان نقله ابن عبد البر عن الزبير بن بكار وهو قول غريب جدا وكان مستنده أنه عليه الصلاة والسلام أوحي إليه في رمضان بلا خلاف وذلك على رأس أربعين سنة من عمره فيكون مولده في رمضان وهذا فيه نظر والله أعلم (4).
الفرح بمولده :
لم يكن المسلمون الأوّلون في القرون الثلاثة المفضلة الأولى يُفكّرون في تعيين زمن خاص يذكّرون فيه النّاس عظمة سيّدنا محمّد صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ لأنّهم كانوا يحتفلون به في كلّ وقت وحين تذكيرًا بشمائله وذِكرًا لفضائله وهَدْيًا على سُنّته وسيرته واتّباعًا لمنهاجه صلى الله عليه وسلم بخلاف ما نحن عليه اليوم من مجانبة للسنن و البعد عنها، بل و إنكار بعضها. و المعلوم من الدين أن الفرح بالنبي صلى الله عليه وسلم و حبه من تمام الإيمان ، فكان علي بن الحسين ـ رضي الله عنه ـ يقول : " كنا نُعلَّم مغازي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما نعلم السورة من القرآن "(5) . وكان الزهري يقول : " علم المغازي والسرايا علم الدنيا والآخرة "(6) .
وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ: " كان أبي يعلمنا المغازي ويعدها علينا ويقول: يا بني هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوها "(6) . قال ابن القيم: " فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى، فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم بسبب إهمال الآباء لهم وتركهم دون أن يعلموهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغارا، فلم ينتفعوا بهم كبارا" (7).
لذا اهتم المسلمون بسيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعلما وتعليما، واقتداءً واتباعاً، امتثالا منهم لقوله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(8) .
فيوم أن فكروا في تخصيص يوم له يحيون فيه مآثره صلى الله عليه وسلم و يتذاكرون فيما بينهم فضله ، أسموه بالمولد. وما استحدثوه حبا فيه صلى الله عليه وسلم و إنما مبالغة في اتباعهم لليهود و النصارى في احتفالهم بالمواليد، الذي ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أن كان حيا ، إذ أنه احتفل بنجاة موسى عليهما الصلاة والسلام وأقره فصام العاشر من عاشوراء و أمر أمته من بعده أن يصوموه . بخلاف أنه لم يحتفل بمولد عيسى عليهما الصلاة و السلام . فدل ذلك على عدم مشروعية الإحتفال بالمواليد.
أول من احتفل بالمولد :
إن أول من سن سنة الإحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، و احتفلوا به بشكل منظم من كل سنة هم بني عبيد القداح، الذين يسمون أنفسهم بالفاطميين، وينتسبون إلى ولد علي أبي طالب- رضي الله عنه-، وهم في الحقيقة من المؤسسين للدعوة الباطنية، فجدهم هو ابن ديصان المعروف بالقداح، وكان مولى لجعفر بن محمد الصادق، وكان من الأهواز وأحد مؤسسي مذهب الباطنية، وذلك بالعراق، ثم رحل إلى المغرب، وانتسب في تلك الناحية إلى عقيل بن أبي طالب، وزعم أنه من نسله، فلما دخل في دعوته قوم من غلاة الرافضة، ادعى أنه من ولد محمد بن إسماعيل بن جعفر بن جعفر الصادق، فقبلوا ذلك منه، مع أن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق مات ولم يعقب ذرية. (9)
وقد سُئِل شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- عنهم، فأجاب: "بأنهم من أفسق الناس، ومن أكفر الناس، وأن من شهد لهم بالإيمان والتقوى، أو بصحة النسب، فقد شهد لهم بما لا يعلم، وقد قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}، وقال تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}. وهؤلاء القوم يشهد عليهم علماء الأمة، وأئمتها، وجماهيرها، أنهم كانوا منافقين زنادقة، يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر، فالشاهد لهم بالإيمان، شاهد لهم بما لا يعلمه ؛ إذ ليس معه شيء يدلّ على إيمانهم، مثل ما مع منازعيه ما يدل على نفاقهم وزندقتهم. " أ.هـ.(10)
قال المقريزي: "ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية، وتكثر نعمهم.وكان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم وهي: موسم رأس السنة، وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ومولد الحسن، ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه، وموسم ليلة رمضان، وغرة رمضان، وسماط رمضان، وليلة الختم، وموسم عيد الفطر، وموسم عيد النحر، وعيد الغدير ،وكسوة الشتاء، وكسوة الصيف، وموسم فتح الخليج، ويوم النوروز، ويوم الغطاس، ويوم الميلاد، وخميس العدس، وأيام الركوبات".أ.هـ.(11)
فهذا دليل على أن العبيديين هم أبعد الناس عن الإسلام و محاربتهم له، يحتفلون بمولد النبي ، ليس محبة له -صلى الله عليه وسلم- كما يزعمون، وإنما غايتهم نشر العقائدة الفاسدة بين الناس، وإبعادهم عن الدين الصحيح بابتداعهم لمثل هذه الإحتفالات. التي ما أنزل الله بها من سلطان .
فوجب على المسلمين الإنتباه لهذا الأمر العظيم وأن يكونوا ملتزمين بما شرعه الله متبعين لسنة نبيه لا مبتدعين متشبهين بالكافرين. وكفى به من دليل على وجوب معاداتهم و عدم موافقتهم فيما شرعوه للناس ، لحرمة مودتهم وموالاتهم
هذا و الله أعلم ، و الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
و كتبه أبو عبد الرحمن محمد صالحي - عفا الله عنه -
في عين مران ، ليلة السبت 12 من ربيع الأول 1441 للهجرة
الموافق لـ : 09 نوفمبر 2019 نصراني
و كتبه أبو عبد الرحمن محمد صالحي - عفا الله عنه -
في عين مران ، ليلة السبت 12 من ربيع الأول 1441 للهجرة
الموافق لـ : 09 نوفمبر 2019 نصراني
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [البقرة:129]؛
(2) [الصف:6]؛
(3) حسان بن ثابت رضي الله عنه ؛
(4) البداية والنهاية - ابن كثير - ج 2 - الصفحة 320؛
(5) رواه الخطيب البغدادي في «الجامع» (2/195)؛
(6) رواه الخطيب البغدادي في «الجامع» (2/195)؛
(7) تحفة الودود فى أحكام المولود ؛
(8) [الأحزاب الآية: 21]؛
(9) الفرق بين الفرق ص (266، 267) ، وبيان مذهب الباطنية وبطلانه ص (20،20)؛
(10) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 1-6 ج3 ؛
(11) الخطط المقريزية:1/490.
تعليق