بسم الله الرحمن الرحيم
هذا رد على خالد المرابط
هذا رد على خالد المرابط
تمهيد:
الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على من أرسله الله رحمة للعالمين، وبعد.. فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "لا يزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم عن أصحاب محمد وأكابرهم، فإذا أتاهم العلم عن أصاغرهم هلكوا"(رواه الطبراني، برقم: 7590)، وفي الجامع(1/519) لابن عبد البر قال طاوس رحمه الله: "من السنة أن يوقر العالم"، فحق العالم؛ بهذين الأثرين، إذا هضم هلك الناس، وعدم توقيره ليس من السنة بل هو من البدعة، وقد من الله علينا بالشيخ العلامة الفقيه الأصولي السلفي الشيخ أبي عبد المعز منارة يزيد نورها كل يوم فازداد حق التوقير والأخذ عنه بزيادته، لكن مع هذا الخير أتى دخن الشر، فمن بوادر الشر أن ينكر حق العالم الكبير ممن حشر نفسه في باب الدعوة إلى السنة ولما تثبت قدمه في السنة وممن التبس بما التبس به من المخالفات المنهجية، فلما ذُكّر بمخالفاته انتفض وأخذ يسب ويقدح ويمكر ويفجر ويفسد، وتولى حمل رايتهم غلمة السوء وعلى رأسهم العياب، وقد استمعت ولم أكن أبالي به كلاما سجله وملأه بوابل من الطعن والتنقص لعالم من علماء المسلمين وفقيه حاز من الفقه وأصوله ملكة أهلته لفك مقفلات النوازل وشبه الحزبيين ودسائس الحاقدين على السنة، في حلقة من حلقات الطعن البارد الناتج عن حقد دفين قديم؛ منذ ما يقرب من عشرين سنة لم يسلم منه جناب عالمنا الجليل. فهذا دفاع عنه على ضعفه، لكنه دفاع مستند إلى دفاع الإخوة الأفاضل فيقوى بهم إن شاء الله، ولا يمنع جهل الجاهل أن يقال له أنت جاهل حتى يعرف قدره؛ لأنه حسب علمي مازال منفوخا، والآن هو ينفخ نفسه بمثل هذه الصوتية، فأردت أن أبين له مكانته في العلم وأدبِه وأدب أدائه، وقسمت الرد على أربعة محاور؛ الأول في مستواه العلمي، والثاني في تعالمه، والثالث في مستواه في أدب الطلب، والرابع في نفسه الحزبي هو وأصحابه، وفرقت المحاور على شكل نقط لفك كلامه المتداخل وإظهار طواياه ونشر ثناياه، والله الهادي.المحور الأول: قلة العلم
أولا/ قال: أردت أن أخرجها أي كلمته في قالب علمي. فأقول: لا توجد فيها ولا ذرة علم كما يأتي، وما هو إلا همز مستمر، وتشنيع وقح، ونفخ وكبر ورعونة، قصد به تتمة ما تمالأ عليه الغلمة ذوو العجلة والسفه من تتبع أخطاء الشيخ، جاءتهم من سوء الفهم واختلاط القريحة، قال التبسي رحمه الله: "فإن من رام الاعتماد على غلطات الرجال لم يعدم دليلا لأي شنيعة" (بدعة الطرائق، التمهيد)، وهو يقصد رجال العلم الذين وصفهم الزهري بقوله: "العلم ذكر ولا يحبه إلا ذكران الرجال".
والضعيف ثنى في كلامه رحلته الهزيلة في الطلب ليسحب الحكم على أول الكلام وآخره تنقصا للشيخ، فالله حسيبك.
وأخبرك بحقيقة قصتك: جلوسك للمشايخ هناك كان بوجه المتمسح الخائف عند من يطردك حقا لو علم دخيلتك التي تبرزها عندنا، وأما جلوسك بجنب الشيخ، على حد تعبيرك، فقد كان بوجه المتكبر، وصاحب هذا الخلق هو اللئيم. وأما الشيخ فإنه يعرفك ويعرف تاريخك، وقد صبر عليكم جميعا، ولكن كما قيل: من أمن العقوبة أساء الأدب. فمن يصبر على عجلة وحدة وخفة الجزائريين مثل الشيخ حفظه الله؟ الكل ضده وهو يدعوهم ويعلمهم ويصبر عليهم، وأما الطرد فقد طرد مالك وطرد أحمد وطرد قبلهما عمر رضي الله عنه، وفي سير العلماء نماذج مع من يثير الفتن ويُطلع على خبثه وفساده.
بعبارة أخرى؛ أخفيت سريرتك هناك كالسروريين وأظهرتها هنا.
ثانيا/ قلت: أردت أن أتكلم كلاما، وقبل ذلك أرد على كلمتين للشيخ، أين هو الكلام؟ ما هو إلا جهل وباطل وفراغ وإضاعة للوقت؛ مما جعل الشيخ يدعو إلى تهميشكم، ودعا إلى اقتباس الشيخ عبد المجيد لقوله صلى الله عليه وسلم:<<شغلونا شغلهم الله>>، قال ابن باديس رحمه الله: "وإن أدنى ما يغنمه المبطل أن يضيع الوقت على المحق"(الشهاب:10/392).
ثالثا/ ذكر من مسائل الفقه مسألتين، كفتا في تقييمه.
المسألة الأولى: مسألة تغير اليد وأقسام المال.
فأولا: خلط في تصوير المسألة حيث يقول: التعامل مع من ماله محرم أو مع من في ماله محرم(كذا)، وهناك فرق بين العبارتين وبين المسألتين، الأولى معاملة من ماله محرم، والآخرى معاملة من اختلط ماله بالمحرم.
وقبل ذكره لصورة المسألة يقول: كنت أعرف الخلاف في المسألة. مع عجزه عن تصورها، ثم جعلها من العقد في المعاملات وأنها مشكلة عليه، ثم يقول: أجاب الشيخ، لا أعلم على إطلاق أو على تفصيل، إلى آخر خلطه. فأنا لم أفهم هل أنت تفهم المسألة أم لا تفهمها؛ لأنك أولا تعرف الخلاف فيها، وثانيا جعلتهما مسألة واحدة، وثالثا هي مشكلة عليك وهي من العقد، ثم رابعا تجيب أنت بعد غمطك لجواب الشيخ، وأما أنا فقد قمت قاعدا وتقدمت إلى الخلف ورأيت بأذني...
أزمر على البوق إن صاحوا بشبوط وقابل القوم تخليطا بتخليط
ومع هذا كله سؤالك سؤال المسترشد لا سؤال المستفتي المستفهم؟ والحقيقة أنه من نوع أسئلة المنتفخين الفخاخيين كما يصفكم الشيخ حفظه الله.
أما القاعدة التي تحدثت عنها؛ فهي المعروفة عند الفقهاء بعبارة:"تبدل سبب الملك يقوم مقام تبدل الذات"، لا كما عبرت عنها، وعبارتها توضح مقصودها؛ حيث إن المحرم يقسم قسمين: محرم لذاته ومحرم لسببه، والمثليات كما أبينها لك من النوع الثاني، فلو ورث مسلم من أبيه الذي اختلط ماله بالحرام؛ فماله في قسمته حلال إذا لم يعرف صاحب المال ولم يطلع على جهته، يعني سبب الوالد في الكسب حرام كالغصب وغيره، وسبب الولد في الكسب حلال؛ وهو التمليك بالإرث. فتبدل سبب الملك مثل تبدل ذات المال من المحرم لغيره إلى المباح. أصلها حديث بريرة رضي الله عنها، لما تُصدق عليها أهدت للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: <<هو عليها صدقة ولنا هدية>>، وقد حرمت عليه الصدقة، وقوله في حديث عائشة عن هدية نسيبة: <<قد بلغت محلها>>، وهو كسابقه.
ثانيا: تقول إن الرد يكون للعين إن كانت قائمة، وإن تلفت يرد مثلها إن كان لها مثل أو قيمتها إن لم يكن لها مثل، وأن هذا لا يجري في النقود. لا أدري من أي شيء أعجب، من جهلك بالمثليات ما هي، والنقود أول مثال لها؟ أم من جهلك بالنقود ما هي؟ ولماذا صنفت في المثليات، وما تاريخها؛ حيث كانت ذهبا وفضة موزونين ويدخلهما الغش والخلط؟ وهو ما جرك إلى جهلك بالخلاف فيها هل تتعين بالتعيين أم لا؟ فهل لك جواب عن إبطال الحكومة لعملة وإبدالها بغيرها كيف الضمان؟ أم أعجب من شرحك للقاعدة وجوابك على المسألة وهي عندك من العقد. ثم ما هي القيمة التي يرد بها؟ قيمة يوم القبض أو يوم الرد أم غيرهما؟
ثالثا: جواب الشيخ لك بأنك تخلط، هو الجواب، لأن مسألة معاملة من ماله مختلط غير ما ذهبت إليه من أمر القاعدة، فالتعامل شيء، وانتقال المال شيء. وإن كان بينهما اتصال في بعض الفروع، ولهذا فالشيخ حتى يُفهمك أصل المسألة لا بد أن يفهمك كل الفروع السابقة مع قاعدتها، وهذا يحتاج إلى وقت، ولهذا أحالك على الفتوى في الموقع كي تترك المجال لغيرك حتى يسأل ويستفيد، وقال لك حينها: أنت تخّط، حقا.
رابعا: المسألة فيها شعب بحسب التفصيل في حال الآخذ، وكيفية الأخذ، وتوبته من المظالم، ومعرفته بأصحاب المال المظلومين من عدمه، واختلاط ماله فيه أحوال؛ فقد تكون الغلبة للحلال وقد تكون للحرام على الحلال، وقد يكون كله حراما وهذا نادر إن لم نقل معدوم، وقد تكون المعاملة في البيع والشراء وقد تكون في الشركة وقد تكون في الأكل من طعامه وقبول هديته، وقد يعرف الحرام من الحلال وقد يختلط، والمال منه ما يمكن تمييزه ومنه ما لا، وهكذا، وللعلماء فيها تفصيلات يجمع خلافهم أربعة أقوال: منهم من منع مطلقا إلا أن يعرف عين الحلال، ومنهم من أجاز مطلقا إلا إذا عرف عين الحرام، ومنهم من كره مطلقا إلا إن عرف عين الحرام، ومنهم من حدد بالثلث إن زاد عليه الحرام حرم التعامل، بل فيها تفصيل آخر في باب التركة عن باب التعامل عن باب الأخذ من بيت المال المختلط، وليراجع كتاب تفسير آيات أشكلت لشيخ الإسلام رحمه الله، وكذا مجموع الفتاوى(29/311، وما بعدها)، الاستذكار(8/608)، المغني(7/331)، المصنف لعبد الرزاق(14674ـ77)، التمهيد(4/114)، شرح ابن بطال على البخاري(3/507).
فالحاصل أن الشيخ اختار قولا، وأفتى به واستدل له، وهو أهل لذلك. وأما أنت: فقد رميت بسهمك فارتد عليك.
المسألة الأخرى: مسألة رفع الأصبع في التشهد حتى السلام وعند السلام: فالشيخ استدل بالاستصحاب وعدم الرافع، وأنت أتيت باستنباط هزيل جعلت منه دليلا على رد قول الشيخ بل وتبديعه، وهذا عين الجهل بالأصول وطرائق الاستدلال والمباحثة في العلم، ولا يتبادر إلى ذهنك قول الألباني رحمه الله في فتوى ابن باز رحمه الله في القبض بعد الرفع أنها بدعة لأنه استدل بالاستصحاب، لأن ذاك هو الألباني وأنت يقال لك فلان، فشتان بين العالم المجل للعالم وبين الطالب العقور العياب لأهل العلم. وأما أصوليا فأسألك، ولا أخرج عن باب الصلاة: ما هو دليل وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعات الصلاة مع أن الواحدة تفي بالأمر على ظاهر النص؟ ما دليل استحباب النظر إلى موضع السجود بعد الرفع من الركوع؟ ثم ما دليل استحباب الإشارة بالأصبع قبل بداية الدعاء في التشهد، أي أثناء الثناء؟
أما قولك التشهد فيه قول وفعل إلى آخر الهذرمة، فالجواب: القول انتهى بنقل الرواة من الصحابة، أما الفعل أي رفع الأصبع وصفة الجلوس وهيئة النظر وصفة التحريك ووضع اليدين، فلم ينقل انتهاؤه والأصل في الصلاة المنع والتوقيف حتى يرد الرافع للحكم، يعني هي صفات أعضاء مشتركة في بناء صفة التشهد الفعلية، فما الذي يفرق الأصبع عن اليدين والرجلين والبصر؟ والصحابة قد تحروا الدقة التامة في نقل صفة صلاته امتثالا لأمره صلى الله عليه وسلم.
فالشيخ طالبك بدليل الرفع، وليس سائلا لك كما تدعي، بناء على قاعدة الاستصحاب؛ وهي: "الأصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت رفعه"، قال ابن القيم في الإعلام: "وهذا يتضمن أنواع الاستصحاب الثلاثة"؛ وهي براءة الذمة والحكم والإجماع في محل النزاع، ومسألتنا تأخذ من الثاني والثالث. وكان يريد بناء مباحثة علمية، لكنك عجول جهول لا تدري مناهج العلم تحريرا ولا تقريرا.
وأما نسبة قوله إلى التفرد بل والبدعية، فهاك قول الشيخ ابن جبرين رحمه الله: "فإذا ابتدأ الإمام بالسلام؛ فله أن يبسط أصابعه كلها، وله أن يبقيها حتى يسلم" (من الفتوى رقم:7115، على موقعه). وقوله فله يقصد المأموم.
بل يفهم من قول المالكية في المسألة ما ذهب إليه الشيخ، والتشهد يتضمن ثناء ودعاء، والسلام دعاء خاص للحاضرين، وقد قال شيخ الإسلام في الاختيارات(38):"تستحب الإشارة بالأصبع الواحدة في التشهد والدعاء"، والحديث الذي سقته وهو في مسلم في جهة قول الشيخ، لأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بوضع اليد على الفخذ عند السلام على بعضهم، وبين صفة الإشارة الجائزة كما هي رواية أبي داود: <<ما بال أحدكم يومي بيده كأنها أذناب خيل شمس، إنما يكفي أحدكم أو ألا يكفي أحدكم أن يقول هكذا، وأشار بأصبعه، يسلم على أخيه من عن يمينه، ومن عن شماله>>. وصححه الألباني رحمه الله.
رابعا/ كيف تسمع شرحا مفردا لكتاب وتأتي لتشرحه على أنك المؤلف والشارح؟ وتتقدم بين يدي المشايخ، وهذا يؤدي إلى حصر المعلومة وضيق العطن خاصة في فن كالأصول؛ حيث يحتاج إلى نفس ومعرفة بعدة علوم، ويحتاج إلى الاطلاع على خلاف الأصوليين ومثارات الخلاف والغلط ومسالك النظر، وهذا التصرف منك مما يقدح في الملكة. وأزيدك أنه هنا في الجزائر من يحفظ المتن كما يحفظ الفاتحة، ويفهم شرحه جيدا؛ علمه ومنطقه، أفضل منك مع الأدب وحسن السمت، ولكنه لا يتقدم، أي لا يتعالم ولا يحتقر الشيوخ والكبار، وأحيلك على النقطة الثانية من المحور الثاني.
خامسا/ قولك: وكلت أمرهم إلى الآية، هذا كما يقول فواز النعموني: آية القدر دليل على صفة النزول.
سادسا/ ادعاء التحقيق: وأنت لا تفارق القص واللصق، وما لعثمتك في الإجابة إلا دليل القفز إلى ما لا تطيق من مسائل العلم أصوله وفروعه، وهو ما يسمى بالتعالم، وقد استمعت لبعض تسجيلاتك قدرا، ولم أكن أسمع بك إلا منذ سنتين أو أقل حيث أتيت إلى جامعة تاسوست بجيجل، فخبرني بعض العوام أنه استمع إلى محاضرتك، فلاحظ مع عاميته جهلك بما تريد تقديمه، حيث نقل عنك قولك: فلان الصحابي وكنيته كذا ولا أدري لم كنيته كذا، هذا دليل ادعاء التحقيق، إذ أن هذه تقال في مجالس البحث الخاصة ولا تلقى للعوام لتريهم إمعانك المدعى في البحث. وهي تدل على أشياء أخر، وقد كفتني يومها على الحكم عليك.
سابعا/ عن لغة العلم التي تخبر عن المكنون وترتب المعاني في قوالب الألفاظ: أسألك عن مسلك سكن تسلم، هل تؤدى به دلالات مشتبهة؟ فحقك أن يقال لك: السكون يلزمك بالسكوت.
ثامنا/ تعريجك على تجريح فالح لتبرئة ساحتكم من لوثته، فأعلمك أن الشيخ حذر منه ومن مسلكه قبل تجريح المشايخ له، وتبشريك له تزلف كسابقه ولاحقه في الرد على الباتني، ثم بعد هذا كيف يجمع بين قولك تركت فالحا، وقولك ثم بشرت الشيخ بكلام فالح أنه لا يلزم أن يتكلم كل أحد، على ما يدل؟ إلا على ما وسمكم به الشيخ من الفالحية وليدة الحدادية.
تاسعا/ لما ذكرت الشيخ يوسف الدخيل رحمه الله وتحقيقه لكتاب الحاكم استنبطت منه أنه متخصص في الحديث، ما يقال في هذا إلا كما قال الأول: إلى الله أشكو بالمدينة حاجة وبالشام أخرى كيف يلتقيان
ننقدك في المبادئ أم في النهايات؟ يا من تدعي الانتهاء.
عاشرا/ جهلك بحقائق المكنة العلمية والملكة الفقهية والتوفيق، فليس الشأن في كثرة الأخذ ولا كثرة الشيوخ ولا بعد المسافة ولا كثرة المحفوظ، أين الغلام من حفظ الشناقطة والأزهريين وضبطهم لعلوم الآلة، أين هو من ضبط الددو والطريفي والقرني وأقرانهم؟، فالعلم بالعمل، والفهم توفيق، والتأهل للفتوى ملكة موهوبة من الله، وأهل الفضل من أهل العلم هم من يعرف ويجل أهل العلم، وهنا مثال تقريبي تعرف به قدرك: عندنا في الجزائر من يحفظ المتون ويضبطها أكثر منك، وعندنا من طلب العلم على العلماء قبلك وأكثر منك، وعندنا من اطلع على الفنون أصولا وفروعا بقدر يؤهله للتصدر، لكنهم كلهم لا يتقدمون؛ لشيء في قلوبهم هو الخوف من التصدر، ولعدم تقدمهم بين أيدي المشايخ، ولمعرفتهم قدر العلماء، وأن دورهم للتقدم لم يحن بعد، فلكل زمان أهله، بمعنى هم يستحون من كنية: أبو اعرفوني.
حادي عشر/ نسبتك للشيخ الأمين رحمه الله الاعتناء بالمنطق، وهذا سوء تقدير وسوء فهم لمسلك الشيخ، فهناك فرق بين المعرفة بالمنطق وبين الاعتناء به، لأن الاعتناء يدل على حبه والإرشاد إليه، وتمثيلك بمبحث القياس المنطقي دليل على ما يعرف من موقفه من المنطق وعلم الكلام؛ حيث اكتفى بذكر أقسامه واختصر الكلام عليه، لأنه كان يتحاشاه هو وعلم الكلام في شرحه على المراقي كما بينه العارف به وهو شيخك، فهو يفهمه لكن لا يعتني به، وفرق بين الأمرين، لكنه الجهل منك بدلالات الألفاظ.
المحور الثاني: التعالم
أولا/ قولك: كنت آخذ كسائر طلاب العلم ما أرى أنه موافق للدليل، وأنت في حدود العشرين أو دونها، يعني تعالما صبيانيا كبر معك.
ثانيا/ ذكرك لرحلة التمشيخ مشيرا هامزا لامزا للشيخ تدلنا على اعتقادك أنك طلبت العلم وحدك، أين أنت من رحلة ابن منده الأب مدة خمس وأربعين سنة، ورحلة سحنون قرابة العشرين سنة، ورحلة الباجي عشرين سنة، ومجالسة ثابت البناني ونافع لمالك أربعين سنة، ومصاحبة أبي حنيفة لحماد بن أبي سليمان قرابة العشرين سنة، وأين ما اشتهر عن الشيخ الغديان في قوله: على طالب العلم أن يسكت ثلاثين سنة؟ أنا أشك في نيتك في الطلب؛ كأنها كانت للاستعلاء والتعالم؛ لقرينة ما يتصرفه أمثالك في الجزائر وغيرها، لا كثرهم الله.
ثالثا/ الدفاع المؤقت للتزلف أيام بداية المجلة حتى تقبل فيها وفي منتدى التصفية، شأن العكرمي الرحالة بالمقالات وأشعار المخلفين إلى باب الوادي، وعند الامتحان أصبح يتفل على الممدوح الغني عن مدحه وتزلفه، أقصد الشيخ الوقور المُجيد عبد المجيد، وعلى ذكره حفظه الله أتحداكم جميعا أن تشرحوا لنا قاعدة فقهية مستنبطة كما شرح الشيخ، وأتحداكم أن تبينوا لنا الصحيح من مباحث الأصول، ولو مسألة واحدة، دون نقل.
رابعا/ تحكي قصة في قضية المنطق تفاخرا وزهوا، مع قولك في الشيخ رأيته وانحرفت عن الطريق لأن لي مجالس ودروسا تبلغ سبعة في اليوم، والمدينة عامرة بالعلماء، هذا تصديق لمقولة الشيخ نفسه: الجزائر تتنكر لأبنائها، وهو يقصد أهلها. ومن أهلها عينة من طلاب الشهرة، وأهل الحقارة وخرثي الدعاة أمثالك.
خامسا/ ومثلها قولك لقيت الشيخ الغديان وقلت له: لا يوجد عندنا علماء، هذا عين ما يؤكد احتقاركم القديم للشيخ، يا تلاميذ شريفي أنتم مرابطون حقا (على إطلاق الصوفية المنتحلين، لا على إطلاق ابن تاشفين).
سادسا/ اعتزازك بالجلوس إلى المشايخ، وسبعة دروس في اليوم، ومجالستك للشيخ ذاته تسمى عند أهلها نعمة يجب أن تشكر شكرا لله، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله، وأما فعلك أنت وأقرانك فيسمى كفران النعمة، ومن شكرها حفظ مقام الشيوخ، ومعرفة منزلة الطالب وتأدبه بما سمع من الأحاديث التي تقرع سمعه مدة الطلب في بيان هديه صلى الله عليه وسلم، فالأدب علم والعلم أدب.
سابعا/ في أول أمرك كثر النافخون لك حتى تزببت، والآن لما افرنقعوا كما يرددها الألباني رحمه الله صرت أنت من ينفخ في نفسه: رحلت، وجلست وسألك، واعتنى بي، وهذا يعلمكم مباحث المنطق، وفتح علي، والغديان صارم مع من لا يكتب الأسئلة وأنا كتبت أسئلتي وبعضها من أربع سنوات،،،، نعم أنت أنت فقد عرفناك.
المحور الثالث: أدب العلم
أولا/ قضية الطرد والزجر من المجلس: أنت تعلم أمثلة كثيرة في ذلك، لكني أذكرك بما قال الشافعي رحمه الله:
من لم يذق مر التعلم ساعة تجرع ذل الجهل طول حياته
فإذا كنت لا تصبر على الشيخ على ما تدعيه أنت، فكيف تطالب الشيخ بالصبر عليك؟ أيُُّ أولى؟ لكن لا أولوية عندك؛ لأن الشيخ من أقرانك حيث طلبت في المعين الذي طلب فيه. هذا ما فهمنا من تصرفاتك.
ثانيا/ صفة العيب للشيوخ اللصيقة بك: وهي ظاهرة في تصرفاتك وطريقة كلامك، مما ينمي على تيه وعجب وكبر كبرت عليه، ثم اكتسبت كبرا آخر بتعلمك بعض مسائل العلم، فالناس يضيفون أدبا مكتسبا بالعلم ومخالطة أهله إلى أدبهم الفطري، وأنت قلبت القاعدة، فليهنك الإفلاس في أول الطلب.
ثالثا/ البدء بالدقائق قبل الأصول والقواعد: لو كنت تعرف أصول الطلب ما بدأت بالسند قبل المتن، فقد شهدت بما دلك به الشيخ ربيع(وقد علم أنك لا شيء؛ بشهادتك أنت في الصوتية) دلك على طلب العلم من وجهه؛ فأرشدك لحفظ البلوغ وغيره، وكذلك الشيخ الغديان أشار إلى ذلك وبين بأنك دخلت من غير الباب حتى تطرح تلك الأسئلة؛ وأن مثارها في مظانه التي بينها لك في الكتب، وهذه شهادة منك عليك بالتعالم والعجلة والطيش وبعثرة الذهن.
ولو كنت تعرف أصول الطلب لما بدأت بالأصول وخلافها قبل الفقه، ولا بالتجريح قبل معرفة من يجرح ممن يعدل، وقد شهدت في الصوتية نفسها بجهلك بالمشايخ وأسمائهم، ولما تقدمت أيضا للكتابة والتأليف والشرح قبل التمكن، ولا بالطلب قبل أدب الطلب، ولا بطلب الاحترام وأنت لم تعطه أهله.
رابعا/ قال الشيخ يوسف الدخيل رحمه الله: "من عنده فركوس لا يحتاج إلى أحد"، وهو أول واحد لقيته من علماء الحجاز، فدست كلامه في أول لقاء، ثم تأتينا بالثناء؟
هذا، وفي الوقت الذي قلت فيه للشيخ الغديان: لا يوجد عندنا علماء، قال الشيخ ربيع في الشيخ ومن معه في ذلك الوقت، وكررها بعدُ: هم علماء، وقال في الشيخ الفهيم خاصة: هنيئا لكم بهذا العالم . وهو شيخ الجزائر والمغرب العربي وأفريقا كلها، نعم كلها، حتى تغص بها، وأنت تعرف أين قالها ومن كان حاضرا من أهل المجلة.
خامسا/ بدايتك بشرح المراقي والترقي عليه يسمى الاستقواء بزاد الغير، فأما علماء السنة فلم يكن شرحهم له كثيرا لا عجزا عليه، لكنهم ربانيون، وأظنك تفهم ما أقصد. وأرشدك إلى مقدمة صاحب التكملة على النثر كيف تهيب إخراجه، مع أنه سمعه من الشيخ أحمد في حياة المؤلف، واستفتح مغاليقه من الشيخ الأمين ذاته، يعني عرف المصادر والموارد والعبارات من معينها، ومع ذلك تهيب نشر النثر حتى انتشر على يد السديس! وتناقلته الأيدي، فخاف أن يقع في أيدي أمثالك في ذلك الزمان فأخرجه، مضطرا.
سادسا/ الفجور في الخصومة: ما وصفت به الشيخ في صوتية لها ثلثا ساعة من صفات وألقاب؛ في الحقيقة هو من أول ما دفعني لهذا الرد، فتقول فيه: كلامه غمغمة، وقوله بدعة، وفي قلبه سخيمة، وتصفه بعدم الضبط، والحسد، وعدم الصبر وعدم الحلم وعدم الكرم، والكذب، وتجهله، وتقذفه بالسكوت عن شريفي وأهل البدع، والميل إلى الظلمة، والتفريق، والظلم، ثم تناديه بلقبه وبالرجل. وأنت والنبوح شيخان. وقد كتب الملكان ما لم أكتب وما لم أنتبه له، فسترى غبها واحدة واحدة.
لمز وهمز ونبز ونبس على طريقة الإخوان والجهال والمفلسين. مع نسيانك لفضله وفضل إخوانه عليكم جميعا وعلى البلاد وأهلها، ولولا هم لما رحتم ولا جئتم، ولكنها التصفية؛ أخرجت الحيات من جحورها، وتيقنا بها أن مسلك الحزبية يريد التسلل لصف السلفية، وأحيلك على المحور الأخير.
سابعا/ طريقتك في الطلب على المشايخ: مثال واحد مع شيخك الشيخ أحمد رحمه الله، فأنت ما أخذت من أدبه وتواضعه وإحالته فيما لا يحسنه، كما تقول والعهدة عليك، وهي في الحقيقة تزكية مبطنة لنفسك، ولم تأخذ من إحالته في العقيدة على العلماء؛ بل صرت المقدم الملهم بتقديم من لا يفهم، وكذلك لم تتركه يختارك للطلب عليه؛ وإنما تزلفت مدة شهرين أو أكثر حتى قبلك على مضض، وأقول هذا بناء على قاعدتك في توجيه الطلاب.
وأما مع الشيخ فركوس فتعاملك ذميم قديم، فضلا عن باقي المشايخ، وأما أول لقاء منك بالشيخ ربيع فدليل العجلة؛ حيث تسأله أسئلة المصطلح وقدمه في باب المسجد! وأما أول لقاء لك بالغديان فدليل تظاهرك بالطلب حتى يقبلك، وكذلك سؤالك للدخيل فهو كسابقه، وكم وجدنا من أصحاب الأسئلة الفخاخية والمفتعلة المتكلفة من بطون الكتب من داء على العلم وضرر على أهله. والله المستعان.
ويجمع هذه الصفات: قلة العلم، قلة الأدب، قلة التربية، عدم الحياء، قلة العمل، الغرور، سوء الفهم، سوء الطوية القديم، حرقة التعالم.
المحور الرابع: النفس الحزبي
أولا/ تصرفاتكم الصبيانية خدمت السرورية من وراء ستر، فمعاملاتكم مع حزب عبد الواحد الخارجي السروري، وحجبكم لطلاب العلم عن المشايخ ربيع وعبيد؛ على طريقة الإخوان الماسونية لاختراق الصفوف، مع قصة فالح وقرائن يعلمها الشيخ هي أسباب نفرة الشيخ منكم ومن طريقكم، وليس هو الحقد، إنما الحقد في شيخكم ماضي الذي لم أره إلا جسدا ملئ حسدا.
والمجالس السرية والمجموعات في النث ومجالس الخيانة والحماقة؛ حيث تظنون أن في الانترنت هناك ما يمكن ستره؛ فهي أصلا أنشئت للنشر والنث والبث، وأحمق منه إنكار الأدلة وهي فيها.
ثانيا/ نقولات ماضي عن العمر صاحب البدع السياسية تؤكد خطر المشرب الذي تنهلون منه العبارات والألفاظَ التي تتلقونها لخطاب خصومكم ومناقشة غيركم، فقد أسأتم للسلفية بأقوالكم وأفعالكم وتنكركم لأهل الفضل. وأظن تعبيراتكم التي تسوقونها ـ بعد فتنة الغربلةـ مستقاة من مقالات الحجاورة أهل البذاءة والرداءة، وآخر ملاحظة ذكرتها أنت في الصوتية تشير إلى ما أقول.
ثالثا/ يؤكد خطورة الانحراف لقاءاتكم مع الحزبيين من الحلبيين والمآربة والسروريين وابن حنفية وتواصلكم مع أصحاب الجمعية، فلو أنكرت شيئا من ذلك على أصحابك لتغاضينا على كثير مما صدر منك، لكن أين الإنصاف؟ وأين أهله؟ وأين الغيرة على السنة منكم؟. فأنتم مازلتم على الإصرار في الغي، فبعد التبرؤ من ابن حنفية قبل تسع سنوات تحت مظلة المشايخ، ها أنتم تجالسونه في الخفاء ليزداد إيمانكم، وليزيد في السلفيين بل في علمائهم، وتسترحمونه ليرحمكم، وتجالسون الرمضانيين والحلبيين وأصحاب المال تأكلا بالدعوة، مع ما تنسبونه لأنفسكم من بضاعة العلم وبحوث وخطب الناس سلفيهم وغير سلفيهم. وهذه هي عين لوثة مشهور والحلبي والهلالي في بداياتهم، ثم انكشف الغطاء. وستنكشفون، لأن الوقت جزء من العلاج.
رابعا/ السفريات المشبوهة من بعضكم مع بعض المسجونين، ولا نعرج كي لا نحَرِّج.
خامسا/ إطلاق عيسي البذيء لمقولة التعاون ونفيه لجزء المعذرة، مع شرحه لها، وهو تلبس بمزلق من مزالق الإخوان، مما جر إلى التميع دون التميز وجنى على الدعوة ما تراه، فالتعاون مع من ظهرت حزبيته ونواياه لا يجوز، وقد نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن اصطحاب المنافقين لما ظهرت خيانتهم، ومقولة الشيخ مقبل رحمه الله: لن نتعاون مع حزبي ولو قال لنا سأبني لكم مسجدا،مشهورة، وموقفه مع من دعا للتجمع ضد العلمانية والشيوعية معروف؛ حيث وصفها بأنها دعوة إخوانية، وعللها بأنهم سيتركونكم في وسط الطريق، لأن الغاية عندهم قضيت بكم، وقد صدق رحمه الله، لأن الله يقول{وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} فقصة الأفغان تؤكد ما صدر من الإخوان من الإثم والعدوان، واقرأ الطريق إلى الجماعة الأم.
وأقول أخيرا: أراك تقدس المراقي ولا تهتم بالسنة، ولا تقدر أهل العلم، فأنقل لك بيتا منه:
من تاب بعد أن تعاطى السببا....... فقد أتى بما عليه وجبا
فالباب مفتوح لمن تعاطى السبب. وأما: من ذاب بعد أن تعامى السببا....... فقد أُتِي بما عليه وجبا
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
كتبه:
عبد الجبار كعيبوش،
يوم الأحد، بتاريخ: 28صفر 1441 .
فُدِلُس، ميلة
عبد الجبار كعيبوش،
يوم الأحد، بتاريخ: 28صفر 1441 .
فُدِلُس، ميلة
تعليق