إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الحسام المهنَّد في الرَّدِّ على من قال إنَّ رسالة "أصول السنَّة" منسوبة للإمام أحمد

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الحسام المهنَّد في الرَّدِّ على من قال إنَّ رسالة "أصول السنَّة" منسوبة للإمام أحمد

    الحسام المهنَّد
    في الرَّدِّ على من قال إنَّ رسالة "أصول السنَّة" منسوبة للإمام أحمد



    بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
    الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّه الصَّادق الأمين، نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد:

    فإنَّه وممَّا يداع ويشاع في مجالس الحديث وروايته هذه الأيَّام، من فَيْنةٍ لأخرى، قصداً أو عن غير قصد، تارةً من جهة بعض المسندين الكبار كما يقال لهم؛ ذوي المنهج الأشعريِّ والطَّريقة الصُّوفيَّة، وتارةً أخرى من مريديهم الصِّغار؛ ذوي الألقاب الفضفاضة الفارغة، فإنَّهم يقولون زوراً وينشرون كذباً، ومن غير ورعٍ ولا حياءٍ. ومن هؤلاء القوم أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر، الشَّيخ الدَّكتور يوسف المرعشليُّ البيروتيُّ؛ الذي سمعناه ــ مرَّة أو مرَّتين ــ يقول:
    "إنَّ كتاب أو رسالة (أصول السنَّة) هي ليست للإمام أحمد، وإنَّما هي منسوبة له؛ ونحن نعرف ذلك"؛ هكذا قال أو كما هو في معناه. ويؤكِّده كثيرا تلميذه (المدنيُّ!!). وهذا منهما ــ كما يرى ذلك الفطن الذَّكيُّ!! ــ حتَّى لا تتعارض عقيدتهما مع عقيدة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله، كونهما أو كون الأشاعرة قاطبة فضلاً عن الصُّوفيَّة والطُّرقيَّة؛ يدَّعون بأنَّهم هم (أهل السنَّة والجماعة!!) كما هو معروف في كتاباتهم وخطاباتهم لمن وقف عليها وتمعَّن فيها، وقد ألمحنا إلى هذا في عدَّة بحوثٍ سابقة، كمثل ما جاء في "رفع الغمَّة" و"قنادل الومضات" و"السَّيل الطُّوفاني"؛ وغيرها.
    ثمَّ الرَّدُّ على هذا الكلام ــ الهزيل العليل ــ يكون من عدَّة أوجه:
    (الأوَّل): أنَّ هذا من الشَّيخ فقط تقليداً لشيخه المسند الكبير (حسن المالكيِّ!!!) الذي سبقه فيه قولاً وكتابة؛ فقال في كتابه الموسوم بـ "قراءة في كتب العقائد"(ص/100 و101): "ومجموعة من الرَّسائل المنسوبة لأحمد بن حنبل". نقلاً عن شيخنا العبَّاد في "الإنتصار"(ص/29).
    ومن هذه الرَّسائل ــ بزعمهم!! ــ ما يتعلَّق منها بمذهب أهل السُّنة كرسالته لمُسدِّد، ورسالته للحسن بن إسماعيل الرَّبعيِّ، ورسالته لمحمَّد بن يونس السرَخسيِّ، ورسالته لأحمد بن جعفر الإصطخْريِّ، ورسالته لمحمَّد بن عوف الطَّائيِّ، ورسالة "الصَّلاة" لمهنَّا بن يحيى، و"الورع" للمروذيِّ، و"الرَّدُّ على الزَّنادقة" لابنه عبد الله بن أحمد، والأهمُّ ما يتعلَّق ببحثنا في رسالته المسمَّاة بـ "أصول السنَّة" برواية عبدوس بن العطَّار. فهذه كما يزعمون ــ وبالأخصِّ منها الأخيرة ــ أنَّها منسوبة إلى الإمام، بل هي مكذوبة عليه؛ وهو الذي يريدون إثباته فعلاً ونقلاً بأيِّ طريقةٍ كانت وبأيِّ وسيلة لزمت، بل بأيِّ نوعٍ من أنواع عدم الثِّقة أو القناعة بنقول هؤلاء الأئمَّة أو بأسانيدهم. وما هذه الدَّعاوى منهم هنا وهنالك إلاَّ منها كما تعلم؛ فتنبَّه.
    (الثَّاني): وهو في غاية الأهميَّة هنا؛ وهو أنَّ العبرة في نفيها عن الإمام ــ نفياً مطلقاً ــ هم الأوائل ممَّن قد عاصره من نفس طبقته، إمَّا من أتباعه وأقرانه، وإمَّا من جاء بعده ــ أو بعدهم ــ من جملة النقَّاد والمحقِّقين والمدقِّقين في ذلك الزَّمان، وهؤلاء أيضاً قد يكونوا ممَّن يوافقونه في العقيدة والمنهج، أو قد يكونوا ممَّن يخالفونه فيهما؛ وبالخصوص من أئمَّة الماتريديَّة والأشاعرة. المهمُّ! أنَّهم جميعاً لم يذكروا هذا النَّفي المشار إليه في كونها منسوبة إليه. فهذا ممَّا لم يقله أحدٌ منهم؛ لا كذباً ولا صدقاً. بل على العكس من ذلك تماماً؛ فهي قد اشتهرت ــ أي هذ (الرَّسالة!!!) ــ وتواترت ذكراً ونقلاً في كتب الأثبات والفهارس وغيرها، كمثل ما جاء مثلاً في كتاب "معجم الكتب"(ص/43) وكذا في "النِّهاية في اتِّصال الرِّواية"(ص/128)؛ وكلاهما للإمام ابن عبد الهادي الحنبليِّ، وأيضاً ما جاء في كتاب "صلة الخلف"(ص/246و247) للرَّوداني المالكيِّ؛ وغيرها. كما ذكرها أيضاً ــ وبتمامها ــ ما جمعه القاضي أبي الحسين الحنبليِّ في "طبقات الحنابلة"(1/241 وما بعدها)؛ والأهمُّ أنَّه لم يقل أو يشير ــ تلميحاً أو تصريحاً ــ أنَّها منسوبة له، وكذلك تابعه الإمام الحافظ ابن رجب في "ذيله" عليه؛ ولم يشر إلى ذلك لا تعقيباً ولا استدراكاً. ممَّا يقطع عندئذٍ بصحَّة نسبتها له ويجزم كذا بأنَّها له رحمه الله.
    (الثَّالث): وهو تبعٌ لما سبق؛ إذ يزيديها تأكيداً أكيداً مؤكَّداً في نسبتها له، وذلك في كون أنَّ شيخ الإسلام ابن تيميَّة قد نسبها له في عدَّة من مؤلَّفاته الكبيرة والصَّغيرة؛ منها مثلاً في "نقض المنطق"(ص/149و220) وفي "الفتاوى الكبرى"(6/623) و"درء تعارض العقل والنَّقل"(7/317)؛ كما قد حكى فيه (9/51) ــ وأعني طبعاً هذا "الدَّرء" ــ عن أبي الخطَّاب الكلوذانيِّ نسبته له في "تمهيده" لمَّا نقل عن شيخه القاضي أبي يعلى؛ وهذه فائدة مليحة ونفيسةٌ من كلا الإمامين: الكلوذانيُّ والقاضي أبي يعلى. وكذلك في رسالة "قاعدة مختصرة في وجوب طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمور"(ص/6)، و"مجموع الفتاوى"(4/102)؛ في مواضع مختلفة منه، وكذا في "منهاج السنَّة"(1/529)؛ في مواضع مختلفة منه أيضا. و"التَّسعينيَّة"(3/942)؛ وغيرها.
    كما نسبها له أيضا شيخ الإسلام ابن القيِّم في "مختصر الصَّواعق"(ص/540).
    فهما ــ أي شيخي الإسلام ابن تيميَّة وابن القيِّم ــ من أهل التثبُّت والتَّوثيق، وكذا ممَّن يعتمد في نقلهما وضبطهما، وهذا معلوم لكلِّ من استقرأ مصنَّفاتهما حقيقة الإستقراء وحقيقة المطالعة، إذ لم يرمهما أحد ما ــ كما أعلم ــ لا بالوهم ولا بالخطأ في النَّقل، فإذا نقلا وقالا بأنَّ رسالة "أصول السنَّة" هي منسوبة للإمام أحمد رحمه الله، فهي صحيحة له ــ كما قالا ــ بلا شكٍّ.
    ونسبها له أيضا العلاَّمة ابن بدران الدِّمشقيُّ كما في كتابه "المدخل"(ص/69)، وهو من هو في اطِّلاعه الواسع على كتب الحنابلة؛ فهو إذا تحدَّث عن عالم أو عن كتاب(1) تحدَّث حديث من قرأ له، وخبره، وتتبَّع آراءه وعرف مزاياه، فهو لا يعتمد على ما ينقل في الكتب عن مذهب أحمد وعلمائه وكتبهم، بل جمعها ودرسها، فحديثه حديث صاحب الخبرة(2).
    (الرَّابع): زيادة على ما ذكر آنفا، وما فيها أيضاً من القوَّة والإعتماد على أصحابها، في ذاك النَّقل والذِّكر، نصل بعدها ــ وبعد هذا الإطناب والإسهاب! ــ إلى من بقي ممَّن يعتمد عليهم في نقلها وذكرها من الأئمَّة الحفَّاظ، وهذا يعتمد أيضاً على الوقوف أو على دراسة أسانيدها عند من نقلها لنا ورواها، كالإمام اللاَّلكائيِّ وابن الجوزيِّ وابن أبي يعلى الفرَّاء وأبي محمَّد المقدسيِّ والخلاَّل؛ كما في "تاريخ الإسلام" للذَّهبيِّ وكما في كتاب "السُّنة" للخلاَّل نفسه، إضافة إلى إسناد المطبوعة. ومن العلم عند من وقف على تراجم هؤلاء الأئمَّة المذكورين، وما عرفوا به من التحرِّي والتثبُّت، فضلاً عن عدالتهم وثقتهم؛ فإنَّه لا يتصوُّر منهم هذا النَّقل ــ أو هذه الرِّواية ــ من غير أن يتحرُّوا فيها كما هي عادة أهل الحديث وأهل النَّقد؛ وهذا واضح.
    فإذا عرفنا هذا؛ بقي حينها أن نعرف ــ أو لنقل: نذكر أمامنا ــ هذه الأسانيد كما هي مرويَّة عن أصحابها الأعلام، إذ هي الأصل والعمدة في هذا البحث، والأصل كذا في الوقوف على الحقيقة، وليس قول فلان أو علاَّن.
    (1) [الإسناد الأوَّل]: وهو إسناد الإمام الحافظ أبو القاسم اللاَّلكائيُّ:
    أخرج في "شرح أصول اعتقاد أهل السنَّة والجماعة"(1/175) قال: أخبرنا عليُّ بن محمَّد بن عبد الله السُّكَّريُّ؛ قال: حدَّثنا عثمان بن أحمد بن عبد الله بن بُرَيْدٍ الدَّقيقيُّ؛ قال: حدَّثنا أبو محمَّد الحسن بن عبد الوهَّاب أبو العنبر قراءةً من كتابه في شهر ربيعٍ الأوَّل سنة ثلاثٍ وتسعين ومائتين؛ قال: حدَّثنا أبو جعفرٍ محمَّد بن سليمان المنقرِيُّ بتِنِّيسَ؛ قال: حدَّثني عبدوس بن مالك العطَّار؛ قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمَّد بن حنبلٍ؛ يقول: [فساقها].
    (2) [الإسناد الثَّاني]: وهو إسناد الإمام الحافظ ابن أبي يعلى الفرَّاء:
    أخرج في "طبقات الحنابلة"(1/241) قال: قرأت على المبارك؛ قلت له: أخبرك عبد العزيز الأزَجيُّ، أخبرنا عليُّ بن بشران، أخبرنا عثمان المعروف بابن السَّمَّاك، حدَّثنا الحسن بن عبد الوهَّاب، حدَّثنا سليمان بن محمَّد المنقريُّ، حدَّثني عبدوس بن مالك العطَّار؛ قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبلٍ رضي الله عنه؛ يقول: [فساقها].
    قلت: أمَّا عبد العزيز الأزجيُّ (444هـ) هذا؛ فهو كما قال الإمام الذَّهبيُّ في "تاريخ الإسلام"(10/820): عبد العزيز بن عليِّ بن أحمد بن الفضل بن شكَّر، أبو القاسم البغداديُّ الأَزَجيُّ، الخيَّاط المفيد. ومثله في كتابه "السِّير"(18/18و19)؛ وزاد فيه: الشيخ الإمام المُحدِّث المُفيد.
    قال الخطيب في "تاريخ بغداد"(10/468): "كتبنا عنه، وكان صدوقًا كثير الكتاب".
    وأمَّا الرَّاوي عنه وهو المبارك بن الطيوريُّ (500هـ)؛ فهو كما قال ابن نقطة في "التَّقييد" (1/438و439): المبارك بن عبد الجبَّار بن أحمد بن القاسم، أبو الحسين الصيرفيُّ المعروف بابن الطُّيوريِّ.
    وقد حكى ــ أي ابن نقطة ــ عن الحافظ أبو الفضل محمَّد بن ناصر أنَّه كان يقول في "أماليه": ثنا الشَّيخ الثَّبت، ومرَّةً يقول: ثنا الشَّيخ الثِّقة، ومرَّةً يقول: ثنا الشَّيخ الصَّالح الصَّدوق أبو الحسين.
    وقال الأمير أبو نصر عليُّ بن هبة الله بن عليِّ بن جعفرٍ المعروف بابن ماكولا في [باب: الحمَاميُّ] بالتَّخفيف من كتاب "المُؤتلف والمختلف": "وصديقنا أبو الحسين المبارك بن عبد الجبَّار بن أحمد بن القاسم يُعرف بالحمَاميِّ، سمع أبا عليٍّ بن شاذان وخلقًا كثيرًا بعده، وهو من أهل الخير والعفاف والصَّلاح".
    وقال السَّمعانيُّ: كان محدِّثًا مكثرًا، صالحًا أمينًا، صدوقًا، صحيح الأصول، صيِّنًا ورعًا، حسن السَّمت وقوراً، كثير الكتابة كثير الخير، سمع النَّاس بإفادته من الشُّيوخ، ومتَّعه الله بما سمع؛ حتَّى انتشرت عنه الرِّواية، وصار أعلى البغداديِّين سماعا.
    قلت: وقد حكى عن المؤتمن السَّاجيِّ بأنَّه كان سيِّئ الرَّأي فيه، وكان يرميه بالكذب ويُصرِّح بذلك.
    قال ــ أي السَّمعانيُّ ــ: وما رأيتُ أحدًا من مشايخنا الثِّقات يوافقه، فإنِّي سألت جماعة ــ مثل: عبد الوهَّاب الأنماطيُّ وابن ناصر؛ وغيرهما ــ فأثنوا عليه ثناءً حسنًا، وشهدوا له بالطَّلب والصِّدق والأمانة، وكثرة السَّماع.
    وقد ذكره أبو عليٍّ بن سُكَّرة؛ فقال: الشَّيخ الصَّالح الثِّقة، كان ثبتًا فهمًا، عفيفًا، مُتقنًا، صحب الحُفَّاظ ودرَّب معهم.
    وقال ابن ناصر في"أماليه": حدَّثنا الثِّقة الثَّبت الصَّدوق أبو الحسين.
    وقال السِّلفيُّ: ابن الطيوريُّ محدِّثٌ كبير، مفيد، ورع، لم يشتغل قطُّ بغير الحديث، وحصَّل ما لم يحصِّله أحدٌ من التَّفاسير والقراءات وعلوم القرآن والمسانيد والتَّواريخ والعلل والكتب المصنَّفة والأدبيَّات والشِّعر؛ كلُّها مسموعة له،...ثمَّ طوَّل السِّلفيُّ الثَّناء عليه.
    (3) [الإسناد الثَّالث]: وهو إسناد الإمام الحافظ ابن الجوزيُّ:
    أخرج في "مناقب الإمام أحمد"(ص/216) قال: أخبرنا محمَّد بن أبي منصور؛ قال: أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه؛ قال: حدَّثنا عليُّ بن محمَّد المعدًّل؛ قال: أخبرنا ابن السَّمَّاك؛ قال: حدَّثنا الحسن بن عبد الوهَّاب؛ قال: حدَّثنا محمَّد بن سليمان؛ قال: حدَّثني عبدوس بن مالك العطَّار؛ قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل: [وساق قطعة منها في التَّفضيل].
    (4) [الإسناد الرَّابع]: وهو إسناد الإمام الحافظ أبو بكرٍ الخلاَّل:
    أخرج الإمام الذَّهبيُّ في "تاريخ الإسلام"(5/1024) قال: قال الخلاَّل: أخبرني محمَّد بن سليمان الجوهريُّ؛ قال: حدَّثنا عبدوس بن مالك العطَّار: سمعت أحمد بن حنبلٍ؛ يقول: [فساق من قوله: أصول السنَّة عندنا...إلى غاية: وإنَّ الله يكلِّم العباد يوم القيامة، ليس بينهم وبينه ترجمان].
    قلت: وهذه الرِّواية موجودة فعلاً في كتاب "السنَّة" للخلاَّل، وقد جاءت عنده في موضعين، وهي تؤكِّد بلا شكٍّ سلامة نقل الإمام الذَّهبيِّ لها ولاسم محمَّد بن سليمان؛ وهو الجوهريُّ نسبة لصنعته.
    ــ أمَّا الموضع الأوَّل منه: في (1/172 رقم:168) قال: حدَّثنا محمَّد بن سليمان الجوهريُّ، ثنا عبدوس بن مالك العطَّار، سمعت أبا عبد الله؛ يقول: "أصول السنَّة" ــ فذكر كلاما كثيراً ــ وقال: "قتال اللُّصوص والخوارج جائز؛ قال: ولا يجهز عليه إن صرع، أو كان جريحا، وإن أخذ أسيراً فليس له أن يقتله، ولا يقيم عليه الحد، ولكن يرفع أمره إلى من ولاَّه الله فيحكم".
    ــ وأمَّا الموضع الثَّاني منه: في (1/174 رقم:171) قال: حدَّثنا محمَّد بن سليمان الجوهريُّ، ثنا عبدوس بن مالك العطَّار، سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبلٍ؛ قال: "قتال اللُّصوص والخوارج جائز، إذا عرضوا للرَّجل في نفسه وماله، فله أن يقاتل عن نفسه وماله، ويدفع عنهما بكلِّ ما يقدر عليه، وليس له إذا فارقوه، أو تركوه أن يطلبهم، ولا يتبع آثارهم، ليس ذلك لأحدٍ إلاَّ للإمام، أو ولاة المسلمين، إنَّما له أن يدفع عن نفسه في مقامه ذلك، وينوي بجهده أن لا يقتل أحداً، فإن أتى على بدنه في دفعه عن نفسه في المعركة، فأبعد الله المقتول، وإن قتل هذا في تلك الحال وهو يدفع عن نفسه وماله رجوت له الشَّهادة كما جاء في الأحاديث، وجميع الآثار في هذا إنَّما أمر بقتاله، ولم يؤمر بقتله ولا اتِّباعه".
    فهذه مواضع ثلاثة من المطبوع والمنقول من كلام الإمام الذَّهبيِّ عن "السَّنة" لأبي بكرٍ الخلاَّل، وهي تتَّفق في أسانيدها كما رأيناه آنفاً، على أنَّها من نفس رواية محمَّد بن سليمان المِنقريِّ الجوهريِّ المصريِّ عن عبدوس بن مالك ذاك؛ وهو المهمُّ.
    (5) [الإسناد الخامس]: وهو إسناد المطبوعة المتداولة بين النَّاس:
    لقد جاء في طبعة الشَّيخ الوليد بن محمَّد نبيه بن سيف النَّصر، والتي اعتمد عليها شارحها أبو لوز، وإسنادها عنده كما يلي: حدَّثنا الشَّيخ أبو عبد الله يحيى بن الحسن بن البنَّاء؛ قال: أخبرنا والدي أبو عليٍّ الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنَّاء؛ قال: أخبرنا أبو الحسين عليُّ بن محمَّد بن عبد الله بن بشران المعدَّل؛ قال: أنا عثمان بن أحمد بن السَّمَّاك؛ قال: ثنا أبو محمَّد الحسن بن عبد الوهَّاب بن أبي العنبر، قراءةً عليه من كتابه في شهر ربيع الأوَّل من سنة ثلاثٍ وتسعين ومائتين (293ﻫ)؛ قال: ثنا أبو جعفر محمَّد بن سليمان المِنْقريُّ البصريُّ بـ"تِنِّيس"؛ قال: حدَّثني عبدوس بن مالك العطَّار؛ قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن محمَّد بن حنبلٍ؛ يقول: [...وساقَها].
    قلت: وبهذا الإسناد ــ كما في المخطوطة ــ هو بسماع الحافظ أبي محمَّد عبد الواحد المقدسيِّ، وهو نفسه الإسناد الذي حكاه الشَّيخ ربيع المدخلي في "شرحه(3)"(ص/4) عن العلاَّمة الألبانيِّ؛ فقال: "كذلك الشَّيخ الألباني وجد مخطوطة في (مجموع) في المكتبة الظَّاهريَّة ونسخها بقلمه رحمه الله..."؛ فذكر إسناده في الهامش: "قال الشَّيخ الإمام أبو المظفِّر عبد الملك بن عليٍّ بن محمَّد الهمدانيُّ، حدَّثنا الشَّيخ أبو عبد الله يحيى بن أبي الحسن بن البنَّا؛ قال:..."؛ بزيادة لفظة (أبي).
    • فأبو المظفَّر عبد الملك بن عليٍّ بن محمَّد الهمداني؛ هكذا بالدَّال، والصَّواب الهمذانيُّ كما في "تاريخ بغداد"(16/61و62) للخطيب: "عبد الملك بن عليٍّ بن محمَّد بن حمد بن إبراهيم؛ أبو المظفَّر البزَّاز. من أهل همذان". وقال:
    "وكان شيخًا صدوقًا من مسموعاته، حسن الطريقة مُتديِّنًا، إلاَّ أنَّه كان قليل البضاعة من العلم، وفي خطِّه سقمٌ كثيرٌ، سمع منه جماعة من الأئمَّة". وقال أيضاً:
    "قرأت في كتاب الشَّريف أبي الحسن عليُّ بن أحمد الزَّيديِّ بخطِّه؛ قال: ...صنَّف كتبًا كثيرة، وكان يصحِّف فيها لقلَّة معرفته بالأسانيد".
    وللفائدة أن نذكر هنا أيضاً؛ أنَّ في ترجمة ابنه محمَّد ــ وهو أبو المحاسن ــ فائدةٌ قد نقلها لنا الإمام الذَّهبيُّ في " تاريخ الإسلام" والخطيب البغداديُّ في "تاريخ بغداد"، من أنَّه قد أجاز للضِّياء المقدسيِّ؛ ممَّا يدلُّ على أنَّه أخذ هذه الرِّسالة عنه، وكذلك ذكر ذلك الإمام ابن نقطة في "إكمال الإكمال".
    ويدلُّ على ذلك ــ صراحة ــ ما ترجم في شيخه التَّالي الذي ذكر أنَّه يروي عنه ابن الجوزيُّ وابن عساكر وجماعة، لم يذكر فيهم أبا محمَّد المقدسيُّ، بل إنَّ الضِّياء يروي عن طبقة تلامذة أبي المظفَّر، كعبد الباقي بن عثمان الهمذاني (توفي سنة 602ﻫـ)، الذي أخذ عن ابن المترجم وطبقة ابن الجوزيِّ كذلك، وهو ممَّن أخذ عن تلامذة المترجم؛ فتنبَّه.
    • وأمَّا أبو عبد الله يحيى بن الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنَّاء (531هـ) فهو كما ترجمه الإمام الذَّهبيُّ في "سير أعلام النُّبلاء"(14/429)؛ فقال فيه: "الشَّيخ الإمام الصَّادق العابد الخيِّر المتَّبع، الفقيه بقيَّة المشايخ، أبو عبد الله يحيى بن الإمام أبي عليٍّ الحسن بن أحمد بن البنَّاء البغداديُّ الحنبليُّ". وحكى عن السَّمعانيٍّ؛ قال:
    "سمعت الحافظ عبد الله بن عيسى الأندلسيُّ يثني على يحيى بن البنَّاء، ويمدحه ويطريه، ويصفه بالعلم والتَّمييز والفضل،... ما رأيت مثله في حنابلة بغداد". وقال: "وكذا كلُّ من سمعه كان يثني عليه ويمدحه".
    وقد حكى عنه أيضاً في "تاريخ الإسلام"(36/260)(4)؛ قال: "شيخٌ صالحٌ، من أهل الجانب الشَّرقيِّ، حسن السّيرة، مُكْثِر واسع الرِّواية. ومُتِّع بما سمع، وعُمِّر حتى حدَّث بالكثير". ونحوه ابن رجب في "ذيله"(1/425) وابن مفلح في "المقصد الأرشد"(3/89).
    وأبوه هو: الإمام ابن البنَّاء الحسن بن أحمد بن عبد الله البغداديُّ (471هـ)، وهو: الإمام العالم المفتيُّ المحدِّث، أبو عليٍّ الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنَّاء البغداديُّ الحنبليُّ، صاحب التَّواليف؛ كما في "السِّير"(13/474)(5).
    قال الذَّهبيُّ: "وقد ذكره القفطيُّ؛ فقال: كان من كبار الحنابلة. قيل: إنَّه قال: هل ذكرني الخطيب في "تاريخ بغداد" في الثِّقات أو مع الكذَّابين؟ قيل: ما ذكر أصلا. فقال: ليته ذكرني ولو مع الكذَّابين". وقال: "قال القفطيُّ:...إلاَّ أنَّه حنبليُّ المُعتقد".
    وقال (13/475): "وقال المؤتمن السَّاجيُّ: كان له رواء ومنظر ما طاوعتني نفسي للسَّماع منه".
    وقال: "قال ابن النجَّار: وتصانيفه تدلُّ على قِلَّة فَهمه، كان يُصَحِّف، وكان قليلَ التَّحصيل،...وإذا نظَرت في كلامه بان لك سوء تصرُّفه، ورأيتُ له ترتيبًا في "الغريب" لأبي عُبيد؛ قد خبَطَ وصحَّف".
    قلت: وهنا قولان يجب بيانهما لما فيهما من الأهميَّة البالغة؛ وهما:
    (الأوَّل): أنَّ هذا يثبت أنَّ ما حكاه الشَّيخ ربيع سابقاً عن الألبانيِّ ــ في ذاك الإسناد المذكور ــ من زيادة لفظة (أبي) في قوله: "أبي الحسن"؛ هي فقط من أوهامه القليلة النَّادرة، أو هو ممَّا قد أخطأ فيه بالفعل، أو نقول: هو فقط مجرَّد سبق قلمٍ؛ وما ذلك منَّا إلاَّ لإمامته التي لا تخفى عن أحدٍ في هذا المجال، وكذا لشدَّة تحرِّيه ودقَّته. المهمُّ! أنَّه ــ وكما جاءت في ترجمته الآنفة ــ هو أبو عليِّ الحسن هكذا عند الجميع، وليس أبي الحسن.
    ثمَّ ظهر لي بعد البحث رسالة قد قيِّد في آخرها ما يلي: "آخر الرِّسالة والحمد لله وحده، وصلواته على محمَّد وآله وسلِّم تسليماً. سمع جميع الرِّسالة من لفظ الشَّيخ الإمام أبي عبد الله يحيى بن أبي عليٍّ الحسن بن أحمد بن البنَّا بروايته، عن والده الشَّيخ الإمام المهذِّب أبو المظفِّر عبد الملك بن عليٍّ ابن محمَّد الهمداني؛ وقال: بها أدين الله. وسمعها كاتبها صاحب النُّسخة وكاتبها عبد الرَّحمن بن هبة الله بن المعراض الحرَّانيَّ، وذلك في أواخر ربيع الأوَّل سنة تسع وعشرين وخمسمائة. الحمد لله سمعها من لفظي ولدي أبو بكرٍ عبد الله وأخوه بدر الدِّين حسن وأمُّه بلبل بنت عبد الله وبعضه عبد الهادي، وصحَّ ذلك يوم الإثنين سابع عشرين شهر جمادي الأولى سنة سبع وتسعين وثمانمائة، وأجزت لهم أن يرووها عنِّي وجميع ما يجوز لي وعنِّي روايته بشرطه؛ وكتب يوسف بن عبد الهادي.
    يقول كاتبها لنفسه محمَّد ناصر الدِّين الألبانيُّ: فرغت من نسخها عن نسخةٍ خطيَّةٍ في ظاهريَّة دمشق "مجموع"(68 ق10 15) قبيل ظهر الأربعاء 6 شعبان سنة".
    قلت: وبهذا يتبيَّن بأنَّ الخطأ ليس من شيخنا العلاَّمة الألبانيِّ كما هو واضح، وإنَّما هو ما جاء فقط في نسخة أو في نقل شيخنا ربيع المدخليِّ ــ حفظه الله ورعاه ــ؛ فاليتنبَّه النَّبيه وليتيقَّظ اليقظان.
    (الثَّاني): وهو المهمُّ هنا؛ وهو في التَّعقيب على ذلك التَّجريح ــ الغير المبرَّر ــ الذي حكاه الإمام الذَّهبيُّ عن كلٍّ من الإمامين: القفطيُّ والسَّاجيُّ؛ وكذا ابن النجَّار. قال الذَّهبيُّ في "السِّير"(13/475):
    "قلت: هذا جرحٌ بالظَّنِّ، والرَّجل في نفسه صدوقٌ؛ وكان من أبناء الثَّمانين رحمه الله، وما التَّحنبل(6) بعار والله، ولكن آل منده وغيرهم يقولون في الشَّيخ: إلاَّ أنَّه فيه تمشعر(7)؛ نعوذ بالله من الشَّرِّ".
    وقال في "تاريخ الإسلام"(10/324): "ما تكلَّم فيه إلاَّ أهل الكلام لكونه كان لهجًا بمخالفتهم، كثير الذمِّ لهم، معنيًا بأخبار الصِّفات".
    • وأمَّا ابن بِشران(8) ذاك؛ فهو: الشَّيخ العالم المعدَّل المسند، أبو الحسين عليُّ بن محمَّد بن عبد الله بن بِشران بن محمَّد بن بِشر الأُمويُّ البغداديُّ السكَّريُّ (415هـ)؛ قال الخطيب في "تاريخه"(13/580):
    "كان صدوقاً ثقة ثبتاً، حسن الأخلاق، تام المروءة، ظاهر الدِّيانة".
    وأمَّا ابن السَّمَّاك (344هـ)؛ فهو الشَّيخ الإمام المُحدِّث المُكثِر الصادق مُسنِد العراق، أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله بن يزيد البغداديُّ الدَّقاق؛ ابن السَّمَّاك الباز الأبيض(9). قال الذَّهبيُّ في "السِّير"(12/49): "قال الدَّارقطنيُّ: كان من الثِّقات". وكذا وثَّقه أبو الحسين القطَّان كما في "مصباح الأريب"(10).
    وقال ــ أي الذَّهبيُّ ــ: "قال الخطيب: كان ابن السَّمَّاك ثقة ثبتاً".
    قلت: وأمَّا تكلُّم الإمام الذَّهبيِّ عليه فلا يضر البتَّة فيه، وخاصَّة أنَّ الحافظ قد فنَّده في "لسانه"(5/133)؛ فتنبَّه.
    • وأمَّا ابن أبي العنبر(11) (296هـ) هذا؛ فهو الحسن بن عبد الوهَّاب بن أبي العنبر؛ أبو محمَّدٍ، كما في "تاريخ بغداد"(8/313) للخطيب البغداديِّ؛ وقال:
    "وكان ثقة، ديِّناً، مشهوراً بالخير والسنَّة".
    وروى عن محمَّد بن العبَّاس؛ قال: "كتب النَّاس عنه ووثَّقوه".
    • وأمَّا شيخه محمَّد بن سليمان بن داود بن عيسى، أبو جعفرٍ المنقريُّ الجوهريُّ المصريُّ (بعد 293هـ)؛ فقد حدَّث عن جماعةٍ وروى عنه جمعٍ، كما هو في "تاريخ دمشق"(53/119) و"المقفَّى الكبير"(5/367) و"تاريخ الإسلام"(20/446).
    فقد ذكره ابن الجوزيُّ في "الضُّعفاء والمتروكون"(3/68)، وهذا منه تبعاً فقط لابن حبَّان في كتابه "المجروحين"(2/309)؛ الذي قال فيه: "يقلب الأخبار على الثِّقات، ويأتي عن الضُّعفاء بالملزقات، لا يحلُّ الإحتجاج به بحالٍ".
    وكذا هو في "لسان الميزان"(5/187) للحافظ ابن حجر.
    قلت: وهو الذي يبدو من صنيع الشَّيخ عبد الله الجديع في هامش "تحرير علوم الحديث"(1/114)؛ لمَّا قال: "وفي إسنادها من لم يُعرف بجرحٍ أو تعديل، ولا أجزم بصحَّتها عن أحمد، لكن لا بأس في الإعتبار بما فيها".
    لكنَّ هذا مندفعٌ هنا، كون أنَّ محمَّد بن سليمان المنقريَّ ذاك! أقلُّ ما فيه أنَّه ــ فقط ــ يعدُّ من العلماء المستورين أو هو مجهول الحال. بل الظَّاهر ــ والحال ذلك ــ أنَّه لا بأس به؛ وهذا لأربعة أسبابٍ تؤكِّد قولنا إن شاء الله؛ وهي:
    السَّبب الأوَّل: وهي في تلك الحكاية المشهورة عن الإمام يحيى بن معين، في إنكاره رحمه الله على أبي سلمة التَّبوذَكيِّ سماعه حديث الغار من همَّام بن يحيى؛ وقد أخرجها مسندةً الأئمَّة الأعلام؛ وهم:
    ــ أبو بكرٍ ابن المقرئ في "معجمه"(773)؛ قال: حدَّثنا أبو عليٍّ الحسن بن القاسم بن دُحَيْمٍ الدِّمشقيُّ، ثنا محمَّد بن سليمان؛ قال: قدم علينا يحيى بن معين البصرة،...[فساقها].
    ــ وأبو بكرٍ الخطيب في "الجامع لأخلاق الرَّاوي"؛ قال: أخبرنا أبو طالبٍ يحيى بن عليِّ بن الطَّيِّب الدَّسْكَريُّ لفظاً بحلوان، أنا أبو بكرٍ ابن المقرئ بأصبهان، نا الحسن بن القاسم بن دُحَيْمٍ الدِّمشقيُّ بمصر؛ قال: أنا محمَّد بن سليمان؛ قال: فذكره مثله.
    ــ وابن عساكر في "تاريخ دمشق"(13/348) من طريق ابن المقرئ: أنا الحسن بن القاسم بن دُحيمٍ الدِّمشقيُّ بمصر، نا محمَّد بن سليمان بمثله.
    قلت: فمدار هذه الحكاية ــ كما يرى القارئ ــ على محمَّد بن سليمان ذاك، وهو شيخ الحسن بن القاسم حفيد دُحيم، وقد ذكر في الثَّلاثة الأصول النَّاقلة لحكايته هكذا غير منسوب (محمَّد بن سليمان!!)؛ وقد نسبه أبو الحجَّاج المزِّيُّ عند نقله لها في "تهذيب الكمال"(29/26) تعليقاً عن الحسن بن القاسم: المنقريُّ البصريُّ. ومثله أيضا عند الذَّهبيِّ في "السِّير"(10/363). ثمَّ هما ــ أي المزِّيُّ والذَّهبيُّ ــ قد سكتا عنه ولم يذكراه بشيء، ومثلهما الحافظ في "اللِّسان"(5/187)؛ إلاَّ ما ذكره في ترجمة محمَّد بن إبراهيم بن عزرة البصريِّ (5/22)؛ فقال: "يروي عنه محمَّد بن سليمان المنقريُّ خبراً منكراً"؛ وهذا الحكم على الحديث وليس عليه كما تعلم. وخاصَّة أنَّهم ــ وأعني طبعاً المزِّيُّ والذَّهبيُّ وابن حجر ــ يعرفون تماماً مقالة ابن حبَّان فيه. لذلك قال أحد الأفاضل ــ وهو أبو محمَّدٍ الألفيُّ جزاه الله خيراً ــ: فإن يكن محمَّد بن سليمان بن داود بن عيسى أبا جعفرٍ المنقريَّ البصريَّ؛ فهو ثقةٌ، وإن يكن غيره؛ فلا اعتبار بحكايته حتَّى يعلم عدالته وصدقه.
    وقد ثبت بأنَّه هو بلا ريبٍ!!
    السَّبب الثَّاني: وهو ما ذكره الإمام ابن مفلح في كتابه "الفروع"(2/453)؛ قال: "ونقل محمَّد بن سليمان أبو جعفرٍ المنقريُّ: كان المسلمون يصلُّون خلف من يقنت ومن لا يقنت، فإن زاد فيه حرفاً فلا يصلِّي خلفه، أو جهر بمثل (إنَّا نستعينك) أو (عذابك الجدُّ) فإن كنت في صلاة فاقطعها؛ كذا قال".
    وهذا يدلُّك تماماً على إمامة الرَّجل في الفقه، وكذا شهرته فيه وبين أهله من الفقهاء؛ وإلاَّ فما معنى الإستشهاد به كما فعل ابن مفلح؟!!
    السَّبب الثَّالث: وهو في معرفة طبقة مشايخه، وأنَّ غالبيَّتهم ثقاتٌ أثباتٌ؛ إلاَّ ثلاثة منهم: إبراهيم بن نوح الموصليُّ؛ فهو مجهول الحال، ومحمَّد بن كثير الثَّقفيُّ؛ فهو مقبول، وسويد بن سعيدٍ الهرويُّ؛ فهو صدوق يخطئ كثيراً.
    وكذا في معرفة طبقة تلامذته، وأنَّ غالبيَّتهم كذلك ثقاتٌ أثبات؛ إلاَّ اثنان: أحمد بن محمَّد القرشيُّ؛ فهو مجهول الحال، وسلمان بن أحمد الرَّمليُّ؛ فهو أيضاً مجهول الحال.
    فإذا عرفنا جيِّداً طبقة مشايخه وطبقة تلامذته، وأنَّهم جميعاً من الأثبات الثِّقات، ومن الأئمَّة الحفَّاظ، عرفنا حينها قيمة هذا الإمام المترجم له؛ وهو في الغالب: إمَّا أنَّه ثقة، وإمَّا أنَّه لا بأس به؛ وهو الرَّاجح الذي نميل إليه بعد هذا الإجمال والتَّفصيل.
    السَّبب الرَّابع: وأظنُّه هو الأهمُّ والمهمُّ هنا، وذلك كون أنَّ الخلاَّل هو أحد تلاميذ أبو جعفرٍ المنقريُّ، وكذا هو ممَّن سمع منه وروى عنه، فمن الطَّبيعي جدًّا ــ إذا ما اعتمدنا قانون التَّلمذة والمشيخة!! ــ أن يعرف التَّلميذ شيخه تمام المعرفة، وأيضاً مع ما له وما عليه، وأن يعرف عينه وحاله ووصفه، وخاصَّة إذا كان هذا الرَّاوي ــ أو التَّلميذ ــ مثل الإمام الخلاَّل شيخ الحنابلة وعالمهم كما قيل. الذي صرف عنايته فقط إلى جمع مسائل وعلم الإمام أحمد بن حنبل؛ ومن أجل هذه الغاية وتحقيقها سافر لأجلها ــ إلى بلدانٍ كثيرةٍ ــ وكتبها عالية ونازلة؛ كما في "الطَّبقات" و"المناقب". فضلاً على الخصوصيَّتين اللَّتان امتاز بهما؛ وهما:
    (الخصوصيَّة الأولى): أنَّه ألَّف مؤلَّفاً بعنوان "الجامع لعلوم أحمد"، قال ابن القيِّم فيه: "إنَّه يتكوَّن من عشرين جزءاً(12)". وقال ابن كثير(13): "لم يصنِّف في مذهب الإمام أحمد مثله". وكذلك له مؤلَّف في "السنَّة"؛ في ثلاث مجلَّداتٍ. وقد ألمحنا سابقاً إلى الموضعين اللَّذين روى فيهما عن شيخه أبي جعفرٍ المنقريِّ.
    فضلاً عن كتابه "الطَّبقات" الذي استفاد منه ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة".
    (الخصوصيَّة الثَّانية): في قوَّته العلميَّة والعمليَّة، فهو إمامٌ فاضل وعالم كبير، جمع فاستوعب، وممَّا يدلُّك على ذلك أقوال علماء عصره ومن جاء بعدهم فيه. روى الخطيب في "تاريخه"(5/319) عن أبي بكرٍ محمَّد بن الحسن بن شهريار؛ قال:
    "كلُّنا تبعٌ للخلاَّل، لأنَّه لم يسبقه إلى جمعه وعلمه أحد". وقال:
    "كلُّ من طلب العلم يقابل أبا بكرٍ الخلاَّل، ومن يقدر على ما يقدر عليه الخلاَّل من الرِّواية".
    وروى عن تلميذه عبد العزيز بن جعفرٍ؛ قال: سمعت أبا الحسن عليِّ بن محمَّد بن بشَّار ــ والخلاَّل بحضرته في مسجده ــ وقد سئل عن مسألةٍ؛ فقال: "سلوا الشَّيخ فكأنَّ السَّائل أحبَّ جواب بن الحسن؛ فقال: سلوا الشَّيخ، هذا الشَّيخ ــ يعني الخلاَّل ــ إمامٌ في مذهب أحمد بن حنبل، سمعته يقول هذا مراراً".
    زيادة إلى قوَّة تحرِّيه واعتناءه بالآثار، كونه رحمه الله كان في القرن الثَّالث الذي نشطت فيه حركة الجمع والنَّقد، وكذا حركة تمييز الصَّحيح من الضَّعيف وبيان حال الرِّجال، والحكم لهم أو عليهم.
    قال ابن ناصر الدِّين ــ كما في "شذرات الذَّهب"(2/261) ــ: "هو رحَّالٌ واسع العلم شديد الإعتناء بالآثار".
    (الوجه الخامس): في كون أنَّ عبدوس بن مالك العطَّار(14) (ت:241ـ250هـ) هذا؛ هو الرَّاوي الوحيد لهذه الرِّسالة "أصول السنَّة"، بل هو من انفرد بها وعنه اشتهرت ومنه أسندت. قال ابن أبي يعلى الفرَّاء في "طبقات الحنابلة"(1/241): "عبدوس بن مالك أبو محمَّدٍ العطَّار، ذكره أبو بكرٍ الخلاَّل؛ فقال: كانت له عند أبي عبد الله منزلة في هدايا وغير ذلك، وله به أُنس شديد، وكان يُقَدِّمه، وله أخبار يطول شرحها، وقد روى عن أبي عبد الله مسائل لم يروها غيره، ولم تقع إلينا كلُّها، مات ولم تتخرَّج عنه، ووقع إلينا منها شيء أخرجه أبو عبد الله في جماع أبواب السُّنة، ما لو رحل رجلٌ إلى الصِّين في طلبها لكان قليلاً، أخرجه أبو عبد الله ودفعه إليه".
    وقد ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد"(11/116) نقلاً عن الخلاَّل أبي بكر.
    وروى عن عبد العزيز بن جعفر الحنبليِّ؛ قال: أخبرنا أبو بكرٍ الخلاَّل؛ قال: وعبدوس بن مالك العطَّار كانت له عند أبي عبد الله ــ يعني: أحمد بن حنبل ــ منزلة.
    وقال: أخبرني الحسن بن صالح العطَّار؛ قال: حدَّثنا هارون بن يعقوب الهاشميُّ؛ قال: سمعت أبي أنَّه سأل أبا عبد الله عن عبدوس العطَّار؛ فقال: "أكتب عنه؟ قال: نعم. اكْتُب عنه".
    قلت: ثمَّ الحسن بن صالح العطَّار المذكور قبل قليل؛ هو شيخٌ يروي عنه الخلاَّل في مواضع من كتاب "السُّنة"، وقد ذكره ابن أبي يعلى الفرَّاء في "الطَّبقات"(1/416) عند الحديث عن يعقوب الهاشميِّ؛ حيث قال: "يعقوب بن العبَّاس الهاشميُّ؛ قال: أبو بكر الخلاَّل عنده عن أبي عبد الله مسائلُ صالحة حسان مُشبعة، سأل عنها أبا عبد الله وقد كنت سألت ابنه هارون غير مرَّة، وكان يعدني، ثمَّ خرجت إلى طرسوس، فسمعتها من الحسن بن صالح العطَّار عنه عن أبيه، وقدمت وقد مات هارون".
    فهو مجهول الحال؛ وإن كان كلام الخلاَّل يفيد اعتماده له في هذه المسائل؛ وغيرها. إذ هو ــ أي: الإمام الخلاَّل ــ يروي: عن الحسن بن صالح العطَّار وعن هارون ذاك المذكور؛ وهو هارون بن يعقوب الهاشميُّ. سمع من أبيه يعقوب بن العبَّاس وأحمد بن حنبل الإمام. قال النَّابلسيُّ في "مختصر طبقات الحنابلة"(ص/262):
    "سمع من أحمد أشياء". كذا في "تسهيل السَّابلة"(1/373).
    قلت: في ترجمة (عبدوس!!) ذاك؛ مزايا يجب ذكرها هنا، ومعرفتها تمام المعرفة، حتَّى يقف عليها القارئ النَّبيه فضلاً عن الباحث المتمرِّس، من يكون (عبدوس!!) هذا؟ وما هي أيضاً حقيقته؟! ومِن هذه المزايا أن نذكر ما يلي:
    (الأولى): أنَّه كما يقال: صاحب الإمام أحمد، إذ كان أحمد يجلُّه ويحترمه لسنِّه(15). فلا غرابة والحال ذلك؛ أن تكون بينهما هذه المراسلة، التي نتجت ــ أو أنتجت ــ رسالة البحث المسمَّاة بـ "أصول السنَّة!!!".
    (الثَّانية): كانت له عنده منزلة، وله به أنسٌ شديد، وكان يقدِّمه؛ كما حكاه الخلاَّل. وهذا يؤكِّد ما أردفناه في الأولى، ويزيدها قوَّة في باب الصُّحبة وفي باب المراسلة؛ فتنبَّه وكن منها على يقين.
    (الثَّالثة): أنَّ الإمام أحمد كان يستدعيه لأيِّ أمرٍ يحصل أو يطرؤ، مع من يستدعيهم كحسن بن البزَّاز وهارون الحمَّال وأحمد بن منيع وابن الدَّورقيِّ؛ وغيرهم. طبعاً مع حضور ابنيه صالح وعبد الله. كما في الرِّواية من "السِّير"(11/268):
    "فلمَّا كان من السَّحر، وجَّه إلى عبدوس بن مالك، وإلى الحسن بن البزَّار، فحضرا، وحضر جماعةٌ منهم: هارون الحمَّال وأحمد بن منيع وابن الدَّورقيُّ، وأبي وأنا وصالح وعبد الله، وجعلنا نكتب من يذكرونه من أهل السِّتر والصَّلاح ببغداد والكوفة، فوجَّه منها إلى أبي كريب وللأشج، وإلى من يعلمون حاجته، ففرَّقها كلَّها ما بين الخمسين إلى المائة وإلى المائتين، فما بقي في الكيس درهم".
    وتمامه كما في "تاريخ الإسلام": "ثمَّ تصدَّق بالكيس على مسكين".
    قلت: الغاية من هذه الرِّواية بيان القرب المشار إليه آنفاً، وكذا الحضوة والمنزلة.
    (الرَّابعة): وأنَّه قد اشتهر بمؤلَّفين هامَّين: أحدهما: "مسائل الإمام أحمد"؛ كما حكيناه آنفاً عن الخلاَّل، والآخر هو: "السنَّة"؛ التي هي محلُّ الكلام عليها إجمالاً وتفصيلاً، وأصل البحث. وهي طبعاً رسالة في العقيدة كما هو واضحٌ في سياقها ومنطوقها؛ ذكرها الأئمَّة كما رأيناه ــ تتبُّعاً ــ بأسانيدهم إليها.
    فهذه المزايا تعطيك ــ نوعاً ما ــ حقيقة هذا (عبدوس)، وليس كما يدَّعيه البعض من أهل البدعة والقبوريَّة أو من أهل الأشاعرة عموماً؛ من أنَّه ادَّعاها كذباً على الإمام. فهم إذا لم يصرِّحوا بذلك صراحة، فإنَّهم بلا شكٍّ يقصدون هذا المعنى؛ فبئس ما قصدوه وبئس ما ادَّعوه؛ إن أرادوه فعلاً وقولاً. وإن كان ثمَّة فريقٌ آخر؛ يقصدون غيره هو من ادَّعاها على الإمام ونسبها إليه؛ وهو ذاك (محمَّد بن سليمان!!)، الذي جرَّحه ابن حبَّان. وسواءٌ أكان الأوَّل أم هذا؛ فهو مجرَّد دعوى غير صحيحة، بل إنَّ العكس هو الصَّحيح؛ وهو أنَّ القائلين والمقرِّين بها أكثر، فقد ثبتت الرِّوايات الواردة في "أصول السنَّة" عن الإمام أحمد بمعناها أو بخلافٍ عنها ــ نوعاً ما ــ، أو شيئاً منها عن أكثر من إمامٍ أو راوي. وهو ما سوف نراه في حينه.
    (الوجه السَّادس): وهو أنَّ تفرُّد (عبدوس) هذا بأصلها، أو تفرُّد (محمَّد بن سليمان) ذاك بروايتها، فإنَّه لا يضرُّ بها؛ لا بأصلها ولا بروايتها كما تعلم. وذلك فقط من أجل ما عليها من المتابعة المتعدِّدة أو ما لها من الشَّواهد الكثيرة، في تحقيق أصولها وتحقيق معناها، لمن أراد الحقَّ ليس إلاَّ سواه؛ وهذا واضح.
    (الوجه السَّابع): أنَّ ما جاء في رسالة (عبدوس) هو ما كان عليه الإمام أحمد من الإعتقاد الذي هو مذهب الصَّحابة والتَّابعين، والأئمَّة المجتهدين، والسَّادة المحدِّثين رضوان الله عليهم(17). هي نفسها ــ أي نفس الأصول ــ ما جاء في رسالة (مسدِّد بن مُسرْهَد)، وما جاء أيضاً عند (محمَّد بن حميد الأندرانيِّ)، وما جاء عند (الحسن بن إسماعيل الرَّبعيِّ)، وما جاء أيضاً عند (محمَّد بن عوف الطَّائيِّ الحمصيِّ)، وما جاء عند (أحمد بن جعفر الإصطخْريِّ)؛ فهؤلاء الستَّة قد اتَّفقت معاني روايتهم عن الإمام، اتِّفاقاً يؤكِّد صحَّة نسبة الرِّسالة "أصول السنَّة" للإمام، فالعبرة ــ إذن! ــ باتِّفاق المعنى وليس باختلاف المبنى؛ فتنبَّه.
    فضلاً كذلك على ما نقل عن الإمام أبي داود صاحب "السُّنن" عنه، كما جاء في أمر الإيمان مثلاً. وكذا ما نقل عن صالح وعبد الله ابني الإمام أحمد، وكذا ابن هانئ، وبالخصوص الإمام الأثرم في كتابه "السنَّة"، ولا ننسى أيضاً حربٌ الكرمانيُّ في "مسائله"(19) والمروزيُّ؛ وغيرهم.
    فهؤلاء ــ جميعاً ــ الذين ذكرتهم هم أصل المتابعة وأصل الشَّواهد للرِّسالة "أصول السنَّة"، كما أنَّه هو المقصود من كلامي السَّابق إذا ما تذكَّرت. وأيضاً لا بأس هنا إذا ما ذكرنا بعض من أسانيد هؤلاء الأئمَّة الأعلام، والأصحاب للإمام الهمام؛ منها:
    • رواية أحمد بن جعفر بن يعقوب بن عبد اللَّه أبو العبَّاس الفارسيُّ الإصْطَخْرِيُّ(18)؛ فقد أخرجها الإمام ابن أبي يعلى في "طبقاته"(1/24) قال: ما قرأت على المبارك، عن عليِّ بن عمر البَرمكيِّ؛ قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله المالكيُّ لفظاً، حدَّثنا أبي، حدَّثنا محمَّد بن إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب بن زوران، حدَّثنا أبو العبَّاس أحمد بن جعفر بن يعقوب بن عبد الله الفارسيُّ الإصطخْريُّ؛ قال: قال أبو عبد الله أحمد بن محمَّد بن حنبلٍ: "هذه مذاهب أهل العلم وأصحاب الأثر، وأهل السنَّة المتمسِّكين بعروقها، المعروفين بها، المقتدي بهم فيها، من لدن أصحاب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلى يومنا هذا، وأدركت من أدركت من علماء أهل الحجاز والشَّام وغيرهم عليها، فمن خالف شيئاً من هذه المذاهب أو طعن فيها أو عاب قائلها، فهو مبتدعٌ خارج من الجماعة، زائلٌ عن منهج السنَّة وسبيل الحقِّ".
    وأخرجها الحافظ ابن عساكر في "تاريخه"(32/175) بإسناده إلى أبي الحسين محمَّد بن رزق الله بن عبد الله المعروف بابن أبي عمرو الأسود المقرئ ــ بدمشق في الجامع يوم السَّبت الثَّالث وعشرين من ذي الحجَّة سنة اثنتين وعشرين وأربع مائة؛ ــ قلت له: حدَّثكم أبو محمَّد عبد الله بن محمَّد بن جعفر النَّهاونديُّ المالكيُّ، نا أبو بكرٍ محمَّد بن إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب بن زوران لفظاً، نا أبو العبَّاس أحمد بن جعفر بن يعقوب بن عبد الله الفارسيُّ الإصطخريُّ؛ قال: قال أبو عبد الله أحمد بن محمَّد بن حنبلٍ رحمه الله: [فساق من أوَّلها]؛ وقال: فذكر اعتقاداً في جزءٍ.
    وكذا عند الذَّهبيِّ في "السِّير"(11/302).
    قلت: فالنَّاظر إلى هذه الرِّواية يرى بأنَّها جاءت فقط من طريقين:
    (أحدهما): ما رواه ابن أبي يعلى في "طبقاته"، ورجاله: المبارك بن الطُّيوريُّ ذاك؛ وقد عرفناه سابقاً بما يكفي ويشفي. وأمَّا تلميذه عليُّ بن عمر البَرمكيُّ؛ وهو عليُّ بن عمر بن أحمد بن إبراهيم أبو الحسن البَرمكيُّ (450هـ). قال ابن نقطة في "إكمال الإكمال"(1/500): "حدَّث عن أبيه وأبي القاسم عبيد الله بن حبابة وأبي الفتح يوسف بن عمر القوَّاس، حدَّث عنه القاضي أبو بكرٍ محمَّد بن عبد الباقي البزَّاز". ونحوه ابن الخطيب في "تاريخ بغداد"(13/498)؛ وقال:
    "وكان ثقة، وكان يتفقَّه، درس على أبي حامدٍ الإسفرايينيِّ مذهب الشَّافعيِّ(20)".
    وأمَّا أحمد بن عبد الله المالكيُّ وكذا أبيه، فلم أر من ترجمهما؛ وهما مجهولان.
    (والآخر): ما رواه ابن عساكر في "تاريخه" والذَّهبيُّ في "سيره" من طريق محمد بن رزق الله؛ وهو محمَّد بن رزق الله بن عبد الله ــ والصَّواب: عبيد الله ــ أبو بكرٍ، ويقال: أبو الحسن؛ المعروف بابن أبي عمروٍ الأسود المنينيِّ المقرئ (426هـ). قال الذَّهبيُّ في "السِّير"(17/452):
    "الإمام المقرئ خطيب منين". وقال:
    "قال الدربنديُّ: وكان ثقة".
    وأمَّا عبد الله بن محمَّد بن جعفر النَّهاونديُّ؛ أبو محمَّدٍ المقرئ المالكيُّ، فلم أجد من ترجمه.
    وأمَّا محمَّد بن إبراهيم بن عبد الله بن يعقوب بن زوران؛ أبو بكرٍ الأنطاكيُّ الحارثيُّ (333هـ). قال الحافظ في "تبصير المنتبه"(2/645):
    "زوزان: بزايين معجمتين الأولى مضمومة". وقال:
    "الحافظ شيخٌ لابن جميع". ومثله ابن ناصر الدِّين في "توضيح المشتبه"(4/315). وكذا الذَّهبيُّ في "السِّير"(15/334)؛ وقال:
    "الحافظ العالم الرحَّال".
    قلت: الطَّريق الثَّانية أجود وأقوى من الأولى بسبب المجهولين اللَّذين فيه. ومع ذلك وبسبب ما جاء فيها من كلمات وألفاظٍ لا تصدر عن مثل الإمام أحمد، قال الذَّهبيُّ في "سيره"(11/286): "فهذه الرِّسالة إسنادها كالشَّمس، فانظر إلى هذا النَّفس النُّورانيِّ لا كرسالة الإصطخْريِّ ولا كالرَّدِّ على الجهميَّة الموضوع على أبي عبد الله". وكذا قال في كتابه "تاريخ الإسلام"(5/1049): "رواة هذه الرِّسالة(21) عن أحمد أئمَّة أثبات، أشهد بالله أنَّه أملاها على ولده، وأمَّا غيرها من الرَّسائل المنسوبة إليه كرسالة الإصطخريِّ، ففيها نظر؛ والله أعلم".
    إلاَّ أنَّ هذا الكلام لا يسلَّم له؛ بالرَّغم من إمامته المعلومة، بل يستدرك عليه تعقيباً بما نراه حقًّا، ويتثبَّت عليه تثبيتاً بما نراه مناسباً، وهذا في أمورٍ دقيقة؛ وهي:
    أوَّلاً: أنَّ هذا يحتاج منَّا إلى بعض البيانٍ والتَّوضيح أكثر، حتَّى لا يغترَّ من يغترُّ عن هوى، أو يأتينا آتٍ هكذا ــ كمثل من ذكرناهم ابتداءً، أو ممَّن لم نذكرهم ــ ويتبجَّح علينا بهذا الكلام الخطير من الإمام الذَّهبيِّ، كونه رحمه الله قد فتح على أهل السنَّة باباً من غير لا يدري ومن غير أن يقصد، ليلج منه من هبَّ ودبَّ من طبقة هؤلاء أهل البدعة وأهل الضَّلالة، لينالوا منهم غيظاً وبغضاً؛ وهو الواقع.
    ثانياً: أنَّ الرِّسالة ــ وأعني بها طبعاً رسالة الإصطخريُّ ــ هي في الجملة قد تصحُّ بل تصحُّ من غير شكٍّ عن الإمام، حتَّى ولو أقحم فيها فيما بعد ــ على الإحتمال المقبول والموافق لإمامة وجلالة أحمد؛ في كلامه وكتابته ــ بعض الألفاظ التي تخالف مشرب الإمام أحمد. لذلك قال الذَّهبيُّ ما قاله فيها؛ فتنبَّه.
    ثالثاً: وهو ممَّا يؤيِّد ويؤكِّد صحَّة الإقحام المشار إليه آنفاً، أنَّ الشَّيخ محمَّد حامد الفقي رحمه الله، قد أوردها من طريقٍ آخر، وأغلب الألفاظ المستغربة فيها ــ أي: رواية الإصطخريِّ ــ غير موجودة فيها. وهذا يؤكِّد لنا أمراً آخر في غاية الأهميَّة للبحث والمناقشة؛ وهو: أنَّ الإمام الذَّهبيُّ لم يقف على هذه النُّسخة الخالية من هذه الزِّيادات، فصدر من قوله المعلوم ما صدر.
    رابعاً: وهو في التَّنويه على تشكيك نسبة هذا الكتاب "الرَّدُّ على الجهميَّة" إلى الإمام أحمد، كما فعل الذَّهبيُّ آنفاً ــ وقد رأينا قوله فيه ــ في ذكره بأنَّه موضوع عليه، ولم يأت هنالك بدليلٍ مقنعٍ يدلُّ على ذلك أو يبيِّن ــ على الأقلِّ ــ صحَّة دعواه هذه، بل قال: لعلَّه قاله؛ وهذا تردُّدٌ منه. وإلاَّ فإنَّ مأخذه على الكتاب بالإجمال كونه فقط فيه كلامًا لا يصدر عن مثل الإمام أحمد، وهذا لا يكفي ــ كما يعلم الباحث المدقِّق ــ في إهدار نسبة هذا الكتاب للإمام أحمد؛ فكلٌّ يؤخذ من قوله ويردُّ إلاَّ المعصوم صلَّى الله عليه وسلَّم.
    خامساً: أنَّها قد جاءت من رواية أبي بكرٍ عبد العزيز غلام الخلاَّل عن الخلاَّل، عن الخضر بن المثنَّى، عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه؛ وهؤلاء كلُّهم أئمَّةٌ معروفون إلاَّ الخضر بن المثنَّى الكنديُّ ذاك؛ فإنَّه مجهول(22).
    لكنَّ الخلاَّل قد روى عنه، كما روى كلام عن أبي عبد الله عن أصحابه وأصحاب أصحابه، ولا يضرُّ حينها جهالة غيره له. وقد قال أيضاً: "كتبت هذا الكتاب من خطِّ عبد الله، وكتبه عبد الله من خطِّ أبيه"(23).
    والظَّاهر أنَّ الخلاَّل إنَّما رواه عن الخضر؛ لأنَّه أحبَّ أن يكون متَّصل السَّند على طريق أهل النَّقل، وضمَّ ذلك إلى الوجادة، والخضر كان صغيرًا حين سمعه من عبد الله، ولم يكن من المعمَّرين المشهورين بالعلم ولا هو من الشُّيوخ، وقد روى الخلاَّل عنه غير هذا في "جامعه"؛ فقال في كتاب الأدب من "الجامع": دفع إليَّ الخضر بن المثنَّى بخطِّ عبد الله بن أحمد أجاز لي أن أروي عنه؛ قال الخضر: حدَّثنا مهنَّا؛ قال: سألت أحمد بن حنبل عن الرَّجل يبزق عن يمينه في الصَّلاة وفي غير الصَّلاة؛ فقال: يكره أن يبزق الرَّجل عن يمينه في الصَّلاة وفي غير الصَّلاة. فقلت له: لم يكره أن يبزق الرَّجل عن يمينه في غير الصَّلاة؟ قال: أليس عن يمينه الملك؟ فقلت: وعن يساره أيضا ملك؛ فقال: الذي عن يمينه يكتب الحسنات، والذي عن يساره يكتب السيِّئات.
    وقال الخلاَّل: وأخبرنا الخضر بن المثنَّى الكنديُّ؛ قال: حدَّثنا عبد الله بن أحمد؛ قال: قال أبي: لا بأس بأكل ذبيحة المرتد إذا كان ارتداده إلى يهوديَّة أو نصرانيَّة ولم يكن إلى مجوسيَّة. قلت: والمشهور في مذهبه خلاف هذه الرِّواية وأنَّ ذبيحة المرتد حرام، رواها عنه جمهور أصحابه، ولم يذكر أكثر أصحابه غيرها(24).
    وبالتَّالي: فقد رفعت عنه تلك الجهالة ــ ونعني بها العينيَّة ــ بعد ما روى عن كلٍّ من مهنَّا وعبد الله بن أحمد، فضلاً من رواية الخلاَّل عنه؛ فتنبَّه.
    سادساً: وهو عودة لأصل رسالة الإصطخْريُّ تلك، وأنَّها قد جاءت من غير طريقه أخرجها ابن المحبُّ الصَّامت (789هـ) في كتابه "صفات ربِّ العالمين"(ص/277) بإسناده إلى أبي الحسين محمَّد بن أحمد بن عبد الرَّحمن الملطيِّ، ثنا أبو الحسن محمَّد بن أحمد بن أبي شيخ الرَّافقيُّ، ثنا الحسن بن موسى الكنانيُّ، ثنا أحمد بن وهب القرشيُّ؛ قال: قال أحمد بن محمَّد بن حنبل: [فساق بعضها].
    وقال ابن المحبُّ الصَّامت: "وراويه الملطيُّ: مقرئ مشهور؛ وثَّقه الدَّانيُّ. وإسماعيل بن رجاء: ثقة. وشيخ السِّلفيُّ: ثقة. والرَّافقيُّ: لعلَّه صاحب الجزء(25) المشهور".
    قلت: الرَّافقيُّ ذاك؛ قد يكون هو من عناه الحافظ ابن عساكر في "تاريخه"(51/61) وهو الفقيه: "محمَّد بن أحمد بن عبد الله أبو الحسن، قدم دمشق حاجاً، وحدَّث عن صالح بن عليِّ النَّوفليِّ، روى عنه: أبو عليٍّ بن أبي الزِّمزام الفرائضيُّ".
    وأمَّا شيخه الكنانيُّ فلم أعرفه.
    وأمَّا أحمد بن وهب القرشيُّ؛ فقد روى عن إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة كما في "معجم الصَّحابة"(3/153) لابن قانع. وروى كذا عن الإمام أحمد كما رأيناه سابقاً في نقل شيخ الإسلام ابن القيِّم الجوزيَّة.
    وأيضاً قد يكون المذكور في "تاريخ دمشق"(13/23): الحسن بن أحمد بن وهبٍ القرشيُّ الصَّيداويُّ؛ هو ابنه: وهو مجهول الحال.
    فهذه الطَّريق إذاً ــ وهي طريق: الإمام المحدِّث أبي بكرٍ محمَّد بن عبد الله بن أحمد ابن المحبِّ المقدسيِّ الحنبليِّ الصَّامت؛ وهو يروي عن شيخه الحافظ أبي الحجَّاج المزِّيِّ وشيخ الإسلام ابن تيميَّة، وقد أكثر النَّقل عن ابن تيميَّة خاصَّة(26)؛ فضلاً كونه: أنَّه عالم بالحديث والعلل، وينقل كذا أقوال العلماء في الرِّجال، ويخرج حتَّى من الأجزاء الحديثيَّة الصَّغيرة؛ فلا غرابة والحال ذلك أن تكون روايته هذه ــ تعزِّز رواية الإصطخريُّ السَّابقة، وهما معاً يؤكِّدان صحَّتها ونسبتها للإمام أحمد بلا شكٍّ. قال ابن المحبُّ(ص/279): "وهذا الكتاب هو الذي رواه أبو العبَّاس أحمد بن جعفر بن يعقوب بن الإصطخريُّ عن أحمد، إلاَّ أنَّ في رواية الإصطخْريِّ زيادات ليست في هذه الرِّواية؛ فالله أعلم".
    • ومنها أيضاً رواية مسدَّد بن مُسرهد بن مسربل، الإمام الحافظ الحجَّة أبو الحسن الأسديُّ البصريُّ (228هـ)؛ الذي رواها عنه أحمد ابن محمَّد التَّميميُّ، وهي كذلك مخرَّجة في "الطَّبقات"(1/341) وفي "المناقب"(ص/224).
    ــ أمَّا إسناد "الطَّبقات" قال: أنبأنا عليُّ، عن ابن بطَّة، حدَّثني عليُّ بن أحمد المقرئ المراغيُّ بالمراغة، حدَّثنا محمَّد بن جعفر بن محمَّد السُّوندينيُّ، حدَّثنا عليُّ بن محمَّد بن موسى الحافظ المعروف بابن المعدَّل، حدَّثنا أحمد بن محمَّد التَّميميُّ الزَّرنديُّ؛ قال: "لمَّا أشكل على مسدَّد بن مسرهد بن مسربل أمر الفتنة وما وقع النَّاس فيه من الإختلاف في القدر والرَّفض والإعتزال وخلق القرآن والإرجاء، كتب إلى أحمد بن حنبل...".
    قلت: وعليُّ (474هـ) ذاك؛ فهو أبو القاسم عليُّ بن أحمد بن محمَّد البسريُّ البندار، الشَّيخ المسند الثِّقة الصَّدوق. حكى الذَّهبيُّ في "تاريخ الإسلام"(10/370) عن أبي سعد السَّمعانيِّ؛ قال: "كان شيخاً صالحا، ثقة، فهما، عالما، عمَّر، وحدَّث بالكثير، وانتشرت عنه الرِّواية". وقال:
    "وسألت إسماعيل بن محمَّد بن الفضل الحافظ عنه فأثنى عليه؛ وقال: شيخٌ ثقة".
    وعن الخطيب؛ قال: "كتبت عنه، وكان صدوقا". كما في "تاريخ بغداد"(13/241).
    وأمَّا ابن بطَّة؛ فهو أبو عبيد الله بن محمَّد بن محمَّد العكبريُّ الحنبليُّ، المعروف بابن بطَّة (387هـ). قال الذَّهبيُّ في "السِّير"(16/529): "الإمام، القدوة، العابد، الفقيه، المحدِّث، شيخ العراق".
    وأمَّا عليُّ بن أحمد المقرئ المراغيُّ؛ فلم أجد من ترجمه، وكذلك هو الحال بالنِّسبة لشيخه محمَّد بن جعفر بن محمَّد السُّوندينيِّ.
    وأمَّا ابن المعدَّل؛ فهو أبو الحسن عليِّ بن محمَّد بن موسى التَّمَّار الأماليُّ البصريُّ، الحافظ الثِّقة؛ كما في "تاريخ دمشق"(16/423) و"الأنساب"(2/125) للسَّمعانيِّ. فقد حدَّث عن: إبراهيم بن عبد الله الزَّبيبيِّ، والمعذَّل بن حاتم البصريِّ، وأبي العلاء الواسطيِّ، وجعفر بن إبراهيم بن نعيم البغداديِّ، وأبي عليٍّ الصِّينيِّ، وأبي العبَّاس الأرجانيِّ، وأحمد بن محمَّد بن بحر العطَّار، وأبو يحيى السَّاجيِّ. وعنه: أبو الرِّجال البراثيُّ، وأبو عليٍّ الضبيُّ، وأبو الحسين العلويُّ المحمَّديُّ، والقاضي أبو الحسن الهمدانيُّ، وأبو منصور الأصبهانيُّ المقرئ.
    ــ وأمَّا إسناد "المناقب" قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم، أخبرنا عبد الله بن محمَّد الأنصاريُّ؛ قال: أخبرنا أبو يعقوب الحافظ؛ قال: أخبرنا محمَّد بن أحمد بن الفضل؛ قال: أخبرنا أبو عبد الله محمَّد بن بشر بن بكر؛ قال: حدَّثنا أبو بكرٍ أحمد بن محمَّد البرذعيُّ التَّميميُّ؛ قال: [فذكرها].
    قلت: رجاله أئمَّةٌ حفَّاظ؛ فعبد الملك بن أبي القاسم ذاك؛ وهو أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم عبد الله بن أبي سهل الكَروخيُّ الهرويُّ (548هـ)؛ الشَّيخ الإمام الثِّقة الصَّدوق كما في "السِّير"(15/84) وغيره. وقالوا: "راوي جامع التِّرمذيُّ".
    وأمَّا عبد الله بن محمَّد الأنصاريُّ؛ هو شيخ الإسلام أبو إسماعيل الأنصاريُّ الهرويُّ الحافظ الكبير العارف، ناصر السنَّة (481هـ)، كذا في "تاريخ الإسلام"(10/489) للذَّهبيِّ؛ وقال: قال ابن السَّمعانيُّ: سألت إسماعيل بن محمَّد الحافظ عن عبد الله الأنصاريِّ؛ فقال: "إمامٌ حافظ".
    وأمَّا أبو يعقوب الحافظ؛ فهو الإمام الحافظ محدِّث خراسان أبو يعقوب، إسحاق بن أبي إسحاق إبراهيم بن محمَّد بن عبد الرَّحمن السَّرخسيُّ ثمَّ الهرويُّ؛ صاحب التَّصانيف (429هـ)، كما في "طبقات علماء الحديث"(3/295) لابن عبد الهادي الصَّالحيِّ.
    وأمَّا محمَّد بن أحمد بن الفضل؛ فلم أقف على من ترجمه، إلاَّ ما جاء مذكوراً فقط في "معجم البلدان"(1/334) للحمويِّ و"إكمال الإكمال"(1/515) لابن نقطة.
    وأمَّا أبو عبد الله محمَّد بن بشر بن بكر؛ هو البَبْنيُّ ــ بموحَّدة مكرَّرة ــ، حدَّث عن أبي بكرٍ أحمد بن محمَّد البرديجيُّ الحافظ؛ كما في "إكمال الإكمال"(1/515) لابن نقطة وفي "توضيح المشتبه"(2/70) لابن ناصر الدِّين و"تبصير المنتبه"(1/212) لابن حجر العسقلانيِّ؛ وفي "معجم البلدان"(1/334) جاء: "بشر بن علي بن بكر".
    قلت: والببنيُّ هذا وكذا سابقه ابن المعدَّل ذاك، فهما يرويان ــ كلاهما ــ عن أبي بكرٍ أحمد بن محمَّد البرديجيِّ التَّميميِّ، وقد وقع في "الطَّبقات" الزرنديُّ، وفي "المناقب" البرذعيُّ؛ وهو الحافظ.
    • ومنها أيضا رواية الحسن بن إسماعيل الرَّبعيُّ، أخرجها الإمام ابن الجوزيُّ في "المناقب"(ص/240)؛ قال: أخبرنا المحمَّدان بن عبد الملك وابن ناصر؛ قالا: أخبرنا أحمد بن الحسن المعدَّل؛ قال ابن ناصر: وأخبرنا المبارك بن عبد الجبَّار وأحمد بن المظفَّر التَّمَّار؛ قالوا: أخبرنا عبد العزيز بن عليِّ القِرميسييُّ؛ قال: حدَّثنا أبو بكرٍ محمَّد بن أحمد الحافظ؛ قال: ثنا الحسن بن إسماعيل الرَّبعيُّ؛ قال: قال لي أحمد بن حنبل ــ إمام أهل السنَّة والصَّابر لله عزَّ وجلَّ تحت المحنة ــ: "أجمع سبعون رجلاً من التَّابعين وأئمَّة المسلمين وأئمَّة السَّلف وفقهاء الأمصار، على أنَّ السنَّة التى توفِّي عليها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، أوَّلها الرِّضا بقضاء الله، والتَّسليم لأمر الله...".
    وأخرجها الإمام ابن أبي يعلى في "طبقات الحنابلة"(1/130) قال: أنبأنا المبارك؛ قال: أخبرنا عبد العزيز الأزجيُّ، حدَّثنا أبو بكرٍ المفيد، حدَّثنا الحسن بن إسماعيل الرَّبعيُّ؛ قال: فذكره.
    قلت: والرَّبعيُّ ذاك؛ قد سمع ــ كما قال صاحب "الطَّبقات" ــ عبد الرَّحمن الفهريُّ وغيره، وروى عن إمامنا أشياء. قال الخطيب في "تاريخه"(7/54):
    "الرَّبعيُّ مجهول". وهذه الجهالة ــ طبعاً ــ جهالة الحال؛ فتنبَّه.
    • ومنها أيضا رواية محمَّد بن حبيب أبو عبد الله البزَّار الأندرانيُّ (291هـ)؛ كما جاءت في "الطَّبقات"(1/294) و"المناقب"(ص/214 وما بعدها).
    قال ابن أبي يعلى (1/293): "وهو رجلٌ معروف جليلٌ من أصحاب أبي عبد الله".
    وقال الخلاَّل: "عنده عن أبي عبد اللَّه جزء مسائل حسان". وروى عن ابن المناديِّ؛ قال: "كتب، ولكنَّه كان يمتنع أن يحدِّث، مشهور بالسِّتر".
    وغيرها من الرِّوايات الأخرى، وهي كلُّها ــ كما تعلم ــ من نفس كلام الإمام أحمد، وكذا ما جاء أيضاً من عند غيره؛ كمثل ما جاء في "أصول السنَّة" للحميديِّ، وما جاء كذلك في "عقيدة الرَّازيين" وفي جزء "اعتقاد الشَّافعيِّ" و"البخاريِّ"؛ وغيرهم من الأئمَّة والحفَّاظ. فهي جميعها إذا اختلفت في المبنى، فإنَّها ــ وهو الأصل ــ متَّفقة في المعنى، بل هي تخرج من مشكاةٍ واحدةٍ، وتصدر من منهجٍ واحد؛ وهو منهج خير القرون الثَّلاثة المفضَّلة الأولى.
    (الوجه الثَّامن): وأنَّه لا عبرة بعد ذلك بما قاله الإمام الذَّهبيُّ ــ اجتهاداً منه وغيرة على السنَّة وعلى الإمام أحمد وعلى مصنَّفاته ــ في كون رسالة الإصطخريِّ تلك، وكذا رسالة "الرَّدُّ على الجهميَّة"؛ وغيرها، هي كلُّها منسوبة للإمام كما قال. وهذا مردود عليه لقوَّة الحجَّة والعلم عند غيره؛ ومنها:
    أوَّلاً: ما ذكرناه آنفاً ــ إمَّا تلميحاً أو تلويحاً ــ من نقل شيخ الإسلام ابن القيِّم في كتابه "اجتماع الجيوش الإسلاميَّة" عن الخلّال؛ قال: "كتبت هذا الكتاب من خطِّ عبد الله، وكتبه عبد الله من خطِّ أبيه". وقال: "واحتجَّ القاضي أبو يعلى في كتابه "إبطال التَّأويل" بما نقله منه عن أحمد. وذكر ابن عقيل في كتابه بعض ما فيه عن أحمد. ونقل منه أصحابه قديمًا وحديثًا، ونقل منه البيهقيُّ وعزاه إلى أحمد، وصحَّحه شيخ الإسلام ابن تيميَّة عن أحمد، ولم يُسْمَع من أحدٍ من متقدِّمي أصحابه ولا متأخِّريهم طعنٌ فيه".
    وقال (2/210و211): "وممَّا يدلُّ على صِحَّة هذا الكتاب: ما ذكره القاضي أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى؛ فقال: قرأتُ في كتاب أبي جعفر محمَّد بن أحمد بن صالح بن أحمد بن حنبلٍ؛ قال: قرأت على أبي صالح بن أحمد بن حنبل هذا الكتاب، وقال: هذا كتاب عمله أبي في محبسه، ردًّا على من احتجَّ بظاهر القرآن، وترك ما فسَّره رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وما يلزم اتِّباعه".
    كما ثبت ذلك(27) عند شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "منهاج السنَّة"(3/108) و"مجموع الفتاوى"(12/440و441).
    ثانياً: أنَّ غير واحد من العلماء ــ العدول الثِّقات ــ قد صحَّحوا نسبة هذا الكتاب إليه، ونقلوا عنه وأفادوا منه، منهم القاضي أبو يعلى وأبو الوفاء بن عقيل والإمام البيهقيُّ وابن تيميَّة وتلميذه ابن القيِّم، كما أنَّ كثيراً من الأئمَّة الذين ينتمون إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل ينقلون عنها، ويحتجُّون بما فيها.
    ثالثاً: أنَّ شيخ الإسلام ابن تيميَّة من أعلم النَّاس في زمانه بعقيدة أهل السنَّة، وبكلام أئمَّتها جميعاً، وبالخصوص ما جاء عن الإمام أحمد؛ كمثل ما ورد في الرِّوايات المذكورة سابقاً ولاحقاً، وكذا تلميذه ابن القيِّم؛ فهما من أعلم النَّاس بألفاظها ــ وما فيها من الموافقة والمخالفة ــ من الإمام الذَّهبيِّ من غير شكٍّ. فهما حجَّة في تقديمهما عليه، فضلاً على أنَّ اعتمادهما على هذه الرِّسالة ــ وعلاَّتها!!! ــ في تقرير عقيدة أهل السنَّة في كتبهما لهو أكبر دليل على صحَّة نسبة هذه الرِّسالة ــ وكذا علاَّتها!!! ــ لإمام أهل السنَّة. ولو قلنا غير هذا لشككنا في هذا الحقِّ المثبوت في كتب هذين الإمامين الجليلين ــ ابن تيميَّة وابن القيِّم ــ حيث اعتمدا على رسالة مكذوبة، بل هي صحيحة النِّسبة كصحَّة نسبة صاحبها لإمامة أهل السنَّة والجماعة؛ فتنبَّه ولاحظ.
    رابعاً: أنَّ الألفاظ التي يبدو عليها أنَّها ليست من كلام أحمد كما قاله الذَّهبيُّ، والتي يحتمل فيها: أنَّها قد زيدت بعده أو أنَّها قد زيدت للتَّوضيح؛ وقد تكلَّمنا بعض الشَّيء عن هذا سابقاً، ثمَّ هي عموماً لا تضرُّ بأصل الرِّسالة في شيء؛ لا في هذه ولا في أخرى من (علاَّتها!!!).
    (الوجه التَّاسع): يقال بأنَّ: "أهل مكَّة أدرى بشعابها!!!"؛ فالإمام أحمد وكذا مذهبه، وكذا يقال بالنِّسبة لمصنَّفاته المسندة ومسائله الكثيرة، قد حفظها عنه وضبطها ــ مع تمام الحفظ وتمام الضَّبط ــ أصحابه وتلامذته من أهل الطَّبقة الأولى؛ الأقرب منها فالأقرب ثمَّ الأبعد منها فالأبعد، وهؤلاء فيهم الأئمَّة والحفَّاظ والأثبات والثِّقات، فهم الحجَّة لمن بعدهم من الطَّبقات اللاَّحقة من هذا المذهب الحنبليِّ العريق والعتيق؛ في أصوله وفروعه. فضلاً عن طبقة المحدِّثين الذين عنوا بـ (السنَّة!!!) جملة وتفصيلاً؛ والتي قد حفظها الإمام أحمد عمَّن سبقه جيلاً بعد جيلٍ، ودافع عنها ومات عليها. فهؤلاء جميعاً ممَّن ذكرنا هم فقط من لهم الحقُّ في نفي عن الإمام ما يجب نفيه، أو إثبات ما يجب إثباته، مثل رسالتنا هذه "أصول السنَّة" أو غيرها؛ فهم من عليهم أن ينفوها أو يثبتوها، وليس من غيرهم من مذهبٍ مخالفٍ، أو من عصرٍ متأخِّرٍ كعصر الإمام الذَّهبيِّ، أو في عصرنا هذا، وبالخصوص إذا كان على منهجٍ وعقيدةٍ تخالف منهج وعقيدة الإمام أحمد، كمثل ما جاء عند المالكيِّ والمرعشليِّ وغيرهما.
    وقد ذكرنا سابقاً بعضاً ممَّن ذكرها واعتمدها من هؤلاء الأئمَّة وكذا من الأصحاب، وتناقلوها عن بعضهم بعضاً رواية وسنداً؛ فهو الإثبات بلا شكٍّ.
    (الوجه العاشر): وهو في بيان حال أهل البدعة مع "أصول السنَّة" ومثيلاتها؛ فلهم فيها ــ حسب الإستقراء والمواقعة ــ حالان:
    الأوَّل: وهو من يقدِّم الحقَّ بأيِّ حالٍ من الأحوال على هواه وعلى معتقده، ومثل هذا كالإمام أبي عبد الله المالكيِّ الأشعريِّ المالقيِّ المعروف بابن بكر (741هـ)، فقد أثبت جزءً من رسالتنا هذه ــ أي من رواية ابن عبدوس تلك ــ في كتابه الموسوم بـ "التَّمهيد والبيان"(ص/175 وما بعدها) ولم ينكرها أو ينفيها، ولم يقدِّم أشعريَّته على الحقِّ وعلى الحقيقة؛ في كونها هي صحيحة النِّسبة للإمام أحمد؛ وهو القصد.
    والثَّاني: وهو من يقدِّم هواه ويغلِّب بدعته وحقده على (السنَّة) بأيِّ حال أو ظرف؛ فمثل هذا لا يتورَّع أبداً من إنكاره أو نفيه، وهو تماماً مثل من قال فيه الحاكم قديماً: "وهو صاحب المسائل(28) عن أحمد بن حنبل، الذي يستهزئ به المبتدعة والمتجرِّئون"(29). فهؤلاء قد أنكروا "مسائل الإمام أحمد وإسحاق برواية إسحاق بن منصور الكوسج"؛ هذه المسائل قد كتبها ابن منصور هذا عن الإمام أحمد، ثمَّ عرضها عليه مرَّة ثانية، فأقرَّها له، وأُعجب بذلك منه في قصَّةٍ مشهورة، كما عرض عبد الله بن الإمام أحمد بعض هذه المسائل على أبيه، ممَّا أضاف إليها مزيداً من التَّوثيق والتَّنقيح. لكنَّ أهل البدعة ــ وهم أشبه بـ: "عنزةٍ ولو طارت" ــ أنكروها تمام الإنكار مع الإستهزاء كما حكى الحاكم واقعهم وحالهم. ولا فرق والحال هذه؛ بين من أنكر أو نفى رسالة "أصول السنَّة" برواية عبدوس بن مالك العطَّار، ومن أنكر تلك "المسائل" برواية ابن منصور، لأنَّ إنكارهما يصدر من مصدرٍ واحد؛ وهو البدعة والبغض لأهل السنَّة ليس إلاَّ.
    ونافلة القول: نصل أخيراً ــ وبعد هذا الإسهاب والتَّفنيد، الذي لابدَّ منه ــ إلى الحقيقة التي لا تقبل الشَّكَّ ولا الرَّوغان، إلى الإعتقاد صحَّة نسبة رسالة المسمَّاة بـ "أصول السنَّة" للإمام أحمد بن حنبل إمام أهل السنَّة رحمه الله، وكذلك لعلاَّتها ومثيلاتها المذكورين هنا اعتضاداً واعتماداً، ولا عبرة بما قاله الذَّهبيُّ اجتهاداً، ولا بما يصدر عن أهل البدعة ــ كالمالكيِّ والمرعشليِّ وغيرهما ــ من ذلك النَّفي والإنكار، وخاصَّة أنَّ جمهور أئمَّة الحنابلة يثبتونها ويعتمدونها، فضلاً عن أهل السنَّة من السَّلفيِّين قديماً وحديثاً، والحمد لله ربِّ العالمين.
    وصلَّى الله على محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً.

    وكتبه ببنانه راجي عفو ربِّه:
    أبو حامد الإدريسي
    يوم الأربعاء بعد صلاة المغرب 27 ذي الحجَّة 1440هـ الموافق 28 أوت 2019م

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
    (1) كمثل رسالتنا هذه "أصول السنَّة"؛ كونه ــ رحمه الله ــ قد ذكرها أو رواها في أحد كتبه.
    (2) أنظر مقدِّمة محقِّق "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل"(ص/27) بتصرَّف.
    (3) أنظر "شرح أصول السنَّة للإمام أحمد بن حنبل"(ص/4) للشَّيخ ربيع بن هادي المدخلي.
    (4) وللمزيد في ترجمته انظر: "المعين في طبقات المحدِّثين"(ص/156 رقم:1689) و"الإعلام بوفيات الأعلام"(ص/218) و"العبر"(4/86) و"ذيل طبقات الحنابلة"(1/424) و"مرآة الجنان"(3/259) و"عيون التَّواريخ"(12/333) و"شذرات الذَّهب"(4/98) و"المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد"(3/89).
    (5) وللمزيد في ترجمته انظر: "سير أعلام النُّبلاء"(13/474 وما بعدها) و"المنتظم"(8/319) و"معجم الأدباء"(7/265) و"ذيل طبقات الحنابلة"(1/67) و"تذكرة الحفَّاظ"(3/1176و1777) و"العبر"(3/275) و"لسان الميزان"(2/195) و"النُّجوم الزَّاهرة"(5/107) و"الوافي"(11/381) و"إنباه الرواة"(1/276) و"تاريخ ابن الاثير
    (6) (10/112) و"بغية الوعاة"(1/495) و"الشَّذرات"(3/338) و"طبقات ابن الجزريِّ"(1/206) و"التَّقييد والإيضاح"؛ وغيرها.
    (7) القصد اتِّباع عقيدة الإمام أحمد بن حنبل وهي عقيدة السَّلف جميعاً، وعقيدة أهل الحديث، كما أن غالبيَّة من هم على المذهب الحنبليِّ كذلك، بخلاف المذاهب الأخرى؛ فغالبيَّتها إمَّا أشاعرة أو ماتريديَّة.
    (8) لكنَّ هذا (التمشعر!!!) هو مخالف لما عليه السَّلف، إذ عقيدة الأشاعرة هي عقيدة باطلة، وقد أبطلها مؤسِّسها أبو الحسن الأشعريِّ في كتابه الأخير "الدِّيانة"، وكذلك أئمَّته الذين تراجعوا عن هذه العقيدة إلى عقيدة السَّلف كالباقلاَّنيِّ والجويني وابن فورك وغيرهم.
    (9) وللمزيد في ترجمته انظر: "تاريخ بغداد"(13/580) و"سير أعلام النبلاء"(17/311) و"تاريخ الإِسلام"(9/258) و"العبر في خبر من غبر"(3/122) و"شذرات الذَّهب"(3/203) "المنتظم"(8/18) و"توضيح المشتبه"(5/386) و"الأنساب"(11/396) و"الرِّسالة المستطرفة"(ص/88) و"تاريخ التراث العربي"(1/380) و"إتحاف المرتقي"(ص/335).
    (10) وللمزيد في ترجمته انظر: "تاريخ بغداد"(11/302) و"الأنساب"(7/127) و"المنتظم"(6/378) و"العبر"(2/264) و"ميزان الاعتدال"(3/31) و"لسان الميزان"(4/131) و"شذرات الذَّهب"(2/366).
    (11) أنظر "مصباح الأريب في تقريب الرُّواة الذين ليسوا في تقريب التَّهذيب"(2/326) للعنسي.
    (12) أنظر "المنتظم"(13/83) لابن الجوزيِّ و"تاريخ بغداد"(8/313 للخطيب البغداديِّ.
    (13) أنظر "أعلام الوقِّعين"(1/28).
    (14) أنظر "البداية والنِّهاية"(11/148).
    (15) وللمزيد في ترجمته انظر: "مناقب الإمام أحمد"(137) و"مختصر النابلسي"(ص/179) و"المقصد الأرشد"(2/281) و"المنهج الأحمد"(2/143) ومختصره "الدُّر المنضد"(1/79) و"تاريخ بغداد"(11/116) و"تاريخ الإسلام"(5/1197 - 1180) و"طبقات الحنابلة"(1/241).
    (16) أنظر "تاريخ الإسلام"(5/1179) للذَّهبيِّ.
    (17) أنظر "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل"(ص/49) للشَّيخ العلاَّمة ابن بدران الدِّمشقيِّ.
    (18) أنظر ترجمته في "طبقات الحنابلة"(1/24) و"المقصد الأرشد"(1/84) و"تاريخ ابن عساكر"(32/175).
    (19) نقلاً من "تفسير ابن رجب الحنبلي"(1/241). وتسمَّى أيضاً: "السنَّة"، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله في "الاستقامة"(1/70): "وكذلك لفظ الحركة، أثبته طوائف من أهل السنَّة والحديث، وهو الذي ذكره حرب بن إسماعيل الكرمانيُّ في السنّة التي حكاها عن الشُّيوخ الذين أدركهم: كالحميدي، وأحمد بن حنبل، وسعيد بن منصور، وإسحاق بن إبراهيم".
    (20) لكن والده وأخاه إبراهيم كانا حنبليين.
    (21) رسالة الإمام أحمد إلى عبيد الله بن يحيى عن أبي نعيم في "الحلية"(9/216).
    (22) ومنه يقول أمثال هؤلاء المدَّعون: فكيف تثبتون هذا الكتاب عن أحمد برواية مجهولة؟!!
    (23) أنظر "اجتماع الجيوش الإسلاميَّة"(2/209) لابن القيِّم الجوزيَّة.
    (24) أنظر "اجتماع الجيوش الإسلاميَّة"(2/209و210) لابن القيِّم الجوزيَّة.
    (25) "جزء فيه من حديث أبي الحسن محمَّد بن أحمد الرَّافقيِّ عن شيوخه"، رواية أبي بكر أحمد بن عبد الكريم الحلبيِّ عنه. الظاهرية [مجموع رقم 3843 عام - مجاميع العمرية 107، ورقة (1 - 33)].
    (26) لقد ذاع صيته في الآفاق، وأثنى عليه جلَّة من العلماء ثناءً حسنا، يليق بمنزلته ومقامه. فقال ابن الجزريُّ في "غاية النِّهاية"(2/175): "شيخنا وإمامنا ومبرزنا الحافظ الكبير شمس الدِّين أبو بكر ابن الحافظ محبُّ الدِّين أبي محمَّد، الشَّهير بابن المحبِّ الصَّامت". وقال أيضا: "كان صالحا قانتا قانعا باليسير متقشِّفا، لا يألف لأحدٍ غيري، ربَّما جاءني إلى منزلي فأسمعني وأسمع أهلي وأولادي، وانتهى إليه الحفظ في زمانه رجالاً ومتناً ومعرفة الأجزاء ورواتها". وقال ابن ناصر الدِّين في "الرَّد الوافر"(ص/47): "الشَّيخ الإمام الزَّاهد العابد العلاَّمة النَّبيل المحدِّث الأصيل الحافظ الكبير المسند الكثير، عمدة الحفَّاظ شيخ المحدِّثين". وقال الذَّهبيُّ في "المعجم المختص"(ص/235): "فيه عقل وسكون وذهنه جيِّد وهمَّته عالية في التَّحصيل". وقال ابن حجر في "الدُّرر الكامنة"(5/210): "وكان كثير المروءة حسن الهيئة من رؤساء أهل دمشق". وقال الغزِّيُّ في "ديوان الإسلام"(4/162): "الإمام المحدِّث الحافظ". وقال الكتَّانيُّ في "فهرس الفهارس"(2/581): "سمع العالي والنَّازل، وكتب عن الأصاغر والأكابر". وقال المقريزيُّ في "السُّلوك"(5/204): "وكان إماما في الحديث والورع والزُّهد". وقال السُّيوطيُّ في "طبقات الحفَّاظ"(ص/539): "كان مكثرا شيوخا وسماعا، وقرأ الكثير، وأجاد، وخرج، وأفاد، وكان عالما متقنا، فقيها، أفتى، ودرس". وقال ابن العماد في "شذرات الذَّهب"(8/529): "الشَّيخ الإمام الحافظ الأصيل، بقيَّة المحدِّثين".
    (27) في قوله: "وقال: هذا كتاب عمله أبي في محبسه"؛ جاءت في بعض النُّسخ بلفظ: (مجلسه) بدل (محبسه)، والصَّواب ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيميَّة في كتابيه المذكورين، وتبعه عليه تلميذه ابن القيِّم رحمهما الله جميعا.
    (28) هو الإمام الفقيه الحافظ الثِّقة أبو يعقوب إسحاق بن منصور بن بهرام المروزيُّ المعروف بالكوسج؛ نزيل نيسابور (251هـ).
    (29) أنظر "سير أعلام النُّبلاء"(9/577) للذَّهبيِّ.
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2019-08-29, 11:06 AM.

  • #2
    جزاكم الله خيرا أخي أبا حامد. ونفع الله بكم.

    تعليق


    • #3
      بارك الله فيكم أخي أبا حامد
      اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه
      وسيم بن أحمد قاسيمي -غفر الله له-

      تعليق


      • #4
        وفيكم بارك الله، وخيرا جزاكم الله

        تعليق


        • #5
          جزيتٙ خيرًا بارك الله فيك

          تعليق


          • #6
            خيرا جزاك الله (أبا محمد) وفيك بارك الله

            تعليق


            • #7
              جزاك الله خيراً

              تعليق


              • #8
                وبالمثل جزيت (أبا أنس!!!)

                تعليق


                • #9
                  (فائدة): هنا أمران يجب التَّنويه عليهما؛ وهما:
                  الأوَّل: أنَّ الرَّدَّ ــ أو بالأحرى لنقل: التَّعقيب أو الإستدراك ــ على الإمام الذَّهبيِّ؛ هو من باب التَّنبيه على الوهم أو الخطأ لشدَّة غيرة الذَّهبيِّ على السنَّة إجمالاً وتفصيلاً، فوقع في هذا الخطأ اجتهادا. ثمَّ هو لا ينقص من إمامته وجلالته؛ كما أنَّه لا يأتي آتٍ ويقول: هذا طعنٌ في الإمام؛ فهذا بعيد كلَّ البعد؛ فتنبَّه.
                  والثَّاني: وهو أنَّ الرَّدَّ على هؤلاء المذكورين في أصل البحث هو طعنٌ فيهم باعتبارهم من أهل البدعة عموما، ومن أهل الأشاعرة خصوصا. لذلك يجب التَّفريق ما بين الأمرين: بين الرَّدِّ على السنِّي لبيان وهمه أو غلطه أو بعده عن الصَّواب؛ وهو من أهل السنَّة لا يخرجه منها أحد، وبين الرَّدِّ على من ذكرناهم وعنيناهم ابتداء وانتهاء؛ وهم من أهل البدعة. فالرَّد على هؤلاء هو طعن لهم مع الفضح والتَّشهير بهم بكلِّ قوَّة، وأمَّا الرَّدُّ على الذَّهبيِّ فهو من باب التَّعقيب على وهمه وغلطه؛ ليس إلاَّ.
                  هذا ما أردنا بيانه، والله الموفَّق وهو الهادي إلى السَّبيل.

                  تعليق


                  • #10
                    (فائدة): هنا أمران يجب التَّنويه عليهما؛ وهما:
                    الأوَّل: أنَّ الرَّدَّ ــ أو بالأحرى لنقل: التَّعقيب أو الإستدراك ــ على الإمام الذَّهبيِّ؛ هو من باب التَّنبيه على الوهم أو الخطأ لشدَّة غيرة الذَّهبيِّ على السنَّة إجمالاً وتفصيلاً، فوقع في هذا الخطأ اجتهادا. ثمَّ هو لا ينقص من إمامته وجلالته؛ كما أنَّه لا يأتي آتٍ ويقول: هذا طعنٌ في الإمام؛ فهذا بعيد كلَّ البعد؛ فتنبَّه.
                    والثَّاني: وهو أنَّ الرَّدَّ على هؤلاء المذكورين في أصل البحث هو طعنٌ فيهم باعتبارهم من أهل البدعة عموما، ومن أهل الأشاعرة خصوصا. لذلك يجب التَّفريق ما بين الأمرين: بين الرَّدِّ على السنِّي لبيان وهمه أو غلطه أو بعده عن الصَّواب؛ وهو من أهل السنَّة لا يخرجه منها أحد، وبين الرَّدِّ على من ذكرناهم وعنيناهم ابتداء وانتهاء؛ وهم من أهل البدعة. فالرَّد على هؤلاء هو طعن لهم مع الفضح والتَّشهير بهم بكلِّ قوَّة، وأمَّا الرَّدُّ على الذَّهبيِّ فهو من باب التَّعقيب على وهمه وغلطه؛ ليس إلاَّ.
                    هذا ما أردنا بيانه، والله الموفَّق وهو الهادي إلى السَّبيل.

                    تعليق

                    الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
                    يعمل...
                    X