إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حماية جناب التوحيد عند توسعة المسجد النبوي

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حماية جناب التوحيد عند توسعة المسجد النبوي

    <بسملة1>

    حماية جناب التوحيد
    عند توسعة المسجد النبوي

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحبه ومن والاه، واهتدى بهداه، أما بعدُ:



    فإن من المتقرر عند أهل السنة والجماعة أن شهادة التوحيد تتضمن النفي والإثبات، إثبات العبادة الله وحده ونفيها عما سواه.
    قال الله تعالى: ( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم ) [ البقرة: 256]
    قال الحافظ ابن كثير في تفسيره للآية: أي : من خلع الأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله، ووحد الله فعبده وحده، وشهد أن لا إله إلا هو ( فقد استمسك بالعروة الوثقى ) أي: فقد ثبت في أمره واستقام على الطريقة المثلى والصراط المستقيم.

    وعن عبد الله بن طارق بن أشيم، -وهو الأشجعي- رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- يقول: "من قال: لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله تعالى" رواه مسلم (23)
    فلا يتحقق التوحيد من العبد حتى يكفر بكل ما عُبِد من دون الله.

    ومن هذا المنطلق وجب على العبد أن يحذر من الوقوع في الشرك، وأن يتحرز من كل الأسباب المُفضية إليه، وقد جاءت الشريعة الغراء مراعية لهذا الأصل العظيم، وهو سدُّ الذرائع المفضية إلى الوقوع في الشرك، والاِحتياط لجناب التوحيد، وقد كنتُ عقدتُ العزم على الكتابة في هذا الموضوع، إلا أني وجدت مسألة تستحق الإفراد بالكتابة، لعظيم خطرها، وتمسك أهل البدع القبوريين بها، ألا وهي التمسك بشبهة وجود قبر النبي –صلى الله عليه وسلم- داخل المسجد النبوي، حيث جعلوا منها دليلا على جواز بناء القبور على المساجد، تاركين للنصوص المحكمات، ومتبعين للمتشابهات، كما هو ديدن أهل البدع والأهواء.
    قال الله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ) [ آل عمران: 7]
    قال العلامة السعدي –رحمه الله- في تفسيره: { منه آيات محكمات } أي: واضحات الدلالة، ليس فيها شبهة ولا إشكال { هن أم الكتاب } أي: أصله الذي يرجع إليه كل متشابه، وهي معظمه وأكثره، { و } منه آيات { أخر متشابهات } أي: يلتبس معناها على كثير من الأذهان: لكون دلالتها مجملة، أو يتبادر إلى بعض الأفهام غير المراد منها، فالحاصل أن منها آيات بينة واضحة لكل أحد، وهي الأكثر التي يرجع إليها، ومنه آيات تشكل على بعض الناس، فالواجب في هذا أن يرد المتشابه إلى المحكم والخفي إلى الجلي، فبهذه الطريق يصدق بعضه بعضا ولا يحصل فيه مناقضة ولا معارضة، ولكن الناس انقسموا إلى فرقتين { فأما الذين في قلوبهم زيغ } أي: ميل عن الاستقامة بأن فسدت مقاصدهم، وصار قصدهم الغي والضلال وانحرفت قلوبهم عن طريق الهدى والرشاد { فيتبعون ما تشابه منه } أي: يتركون المحكم الواضح ويذهبون إلى المتشابه، ويعكسون الأمر فيحملون المحكم على المتشابه { ابتغاء الفتنة } لمن يدعونهم لقولهم، فإن المتشابه تحصل به الفتنة بسبب الاشتباه الواقع فيه، وإلا فالمحكم الصريح ليس محلا للفتنة، لوضوح الحق فيه لمن قصده اتباعه. انتهى كلامه – رحمه الله –

    هذا وإن المسلمين راعَوْا جناب التوحيد في هذه القضية، ويظهر ذلك من خلال ما يأتي:
    فقد نهى الشرع الحنيف عن اتخاذ القبور مساجد كما جاء صريحا من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – في الصحيحين أن النبي –صلى الله عليه وسلم – قال: " قاتل الله اليهودَ والنَّصارى اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد" متفق عليه، وفي الصحيحين أيضا من طريقٍ آخرَ " لعن الله اليهود والنصارى، اتَّخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذِّرُ ما صنعوا
    ولما توفي النبي – صلى الله عليه وسلم- دُفِن في حجرة عائشةَ –رضي الله عنها- لأن الأنبياء يُدفنون حيث يُقبضون، ولم يكن دفنه في المسجد.
    وفي عهد الخليفتين عمر وعثمان –رضي الله عنهما- حدثت توسعةٌ للمسجد النبوي، ولم يتمَّ التَّعرض لحجرات أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم- ومنها حجرة عائشة –رضي الله عنها- حتى كان عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك الذي حدثت في عهده توسعة أخرى للمسجد النبوي، وشملت – لأول مرة – الجهة الشرقية التي تقع فيها الحجرة التي دُفن فيها رسول الله – عليه الصلاة والسلام –
    وبناءً على هذه التوسعة التي حدثت بعد اِنقضاء عهد الصحابة قطعا، تبنى القبوريون شبهة جواز بناء المساجد على القبور، ولا يُسَلَّمُ لهم ذلك لورود عدة اِحتمالات على هذا الاِستدلال:

    الاحتمال الأول: أن القبر ليس في المسجد، وإنما هو مجاور له وملتصقٌ به

    الاحتمال الثاني: أن القبر ليس داخل المسجد، وإنما يُحيط المسجد به، فلم يقل أحدٌ أن حجرته محلٌّ للصلاة وأن الصلاة فيها تضاعف الأجور

    يقول شيخ الإسلام في زمانه سماحة الإمام ابن باز –رحمه الله-: لأن هذا بيت مستقل أُدخل في المسجد للحاجة للتوسعة، وهذا من جنس المقبرة التي أمام المسجد مفصولة عن المسجد لا تضره، وهكذا قبر النبي – صلى الله عليه وسلم- مفصول بجدار وقضبان.
    ( مجموع فتاوى ومقالات متنوعة 10/306)

    وبقي الاحتمال الثالث: وهو أن القبر أُدخل في المسجد، ولو فرضنا جدلا صحة هذا الاِحتمال؛ فقد رد عليه أهل العلم بما يكفي ويشفي بإذن الله، وليس هذا موضع بسطه، إذ الغرض من هذا الكتابة هو بيان الاحتياط الذي جاءت به الشريعة وكان عليه المسلمون عند حدوث هذه التوسعة، ومن أراد زيادة تفصيل في هذا الباب فعليه بالرسائل التالية:

    تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد للعلامة المحدث الألباني –رحمه الله-

    الجواب الصحيح في إبطال شبهات من أجاز الصلاة في مسجد فيه ضريح للعلامة د/ محمد علي فركوس –حفظه الله-

    الجواب عن شبهة الاستدلال بالقبر النبوي على جواز اتخاذ القبور مساجد للدكتور صالح سندي – وقد أفدتُ من هذه الرسالة كثيرا وما ذكرته سابقا من الاحتمالات مأخوذ منها-

    وعَوْدًا إلى موضوعنا أقول:

    مع وقوع هذه المعضلة – كَوْنا وقدرا لا شرعا – بعد موت جميع الصحابة الذين كانوا في المدينة بالاتفاق، فقد اِحتاط المسلمون أشد الاِحتياط قطعا لوسائل الشرك وحماية لجناب التوحيد وتحقيقا لقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: " اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعْبَدُ " رواه الإمام أحمد تحت رقم (7352) وصححه الألباني في تحذير الساجد

    قال النووي – رحمه الله – في شرح مسلم (5/14):
    ولما احتاجت الصحابة والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة – رضي الله عنها – مدفنُ رسولِ الله –صلى الله عليه وسلم – وصاحبيه أبي بكر وعمر َ – رضي الله عنهما- بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله، لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرَّفوهما حتى التقيا، حتى لا يتمكن أحد من اِستقبال القبر.

    وقال أبو العباس القرطبي – رحمه الله – في المفهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/128):
    بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي – صلى الله عليه وسلم-، فأعلوا حيطان تربته، وسدُّوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره –صلى الله عليه وسلم-، ثم خافوا أن يُتَّخذ موضع قبره قبلة –إذ كان مستقبل المصلين- فتتصور الصلاة إليه بنية العبادة؛ فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلث من ناحية الشمال؛ حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره.

    قال شيخنا محمد علي فركوس –حفظه الله- في الجواب الصحيح (ص46): فهذا الاِحتياط المبالغ فيه حيال قبره الشريف وقبرَيْ صاحبيْه إنما هو اِستجابة لدعائه –صلى الله عليه وسلم-: " اللهم لا تجعل قبري وثنا يُعبد " فحماه الله تعالى بما حال بينه وبين الناس فلا يُوصَلُ إليه.

    *** فتحصَّل مما سبق أن الشريعة المطهرة حمَتْ جناب التوحيد في هذه المسألة الخطيرة، ولذلك اِحتاط المسلمون فيها أشد الاِحتياط صيانةً للتوحيد، وقطعا لدابر الشرك، ويظهر ذلك من الأوجه التالية:

    1/ الوعيد الشديد الوارد في بناء المساجد على القبر.

    2/ دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- أن لا يُجعل قبره وثنا يُعبد، ودعاؤه مستجاب بلا ريب.

    3/ الخلفاء الراشدون الذين أمرنا باتباع سنتهم لم يتعرضوا للحجرة التي تضم قبره.

    4/ التوسعة التي شملت حجرة السيدة عائشة – رضي الله عنها- لم يحضرها أحد من الصحابة قطعا.

    5/ إنكار كثير من السلف لهذا الفعل في حينه

    6/ الحجرة التي تضم بيته مستقلة عن المسجد؛ فإما هي ملتصقة به ومجاورة له، وإما أن المسجد يحيط بها من جميع جوانبها، وهو توجيه ذكره بعض العلماء، ومما يدل عليه أنه لم يوجد أحد من العلماء سلفا وخلفا من يثبت الأجر المضاعف لمن صلى داخل الحجرة الشريفة، ولو كانت من المسجد لثبت فيها الفضل.

    7/ سدُّ الأبواب المؤدية إلى الحجرة الشريفة

    8/ بناء حيطان مرتفعة مستديرة حول القبر لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام، ويقعون في المحظور

    9/ إحاطة قبره الشريف –صلى الله عليه وسلم- بثلاثة جدران:
    الأول: جدار الحجرة
    الثاني: جدار خماسي يلتقي ضلعان منه في جهة الشمال على هيئة مثلث، حتى لا يصلي إليه أحد
    الثالث: الجدار الحديدي المشبك من جميع جهات الحجرة، إلا من جهة القبلة فقد أقيمت شبابيك من نحاس، وهذا الجدار الأخير هو الذي يشاهَدُ اليوم حول الحجرة

    10/ أن جسده الشريف لم يُدفن في مسجده، وإنما دُفن في بيته حيث قُبض -صلوات ربي وسلامه عليه-، هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ فإن المسجد لم يُبن على القبر اِبتداءّ، وإنما ألجات الضرورة المسلمين إلى ماهم عليه اليوم في هذه المسألة التي لا وجه لتمسك القبوريين بها، إذا لا يخلو حالهم من أمرين:
    إما أن المسجد هو الأصل والقبر طارئ عليه بحيث دُفن فيه بعد بنائه
    وإما أن القبر هو الأصل، ثم بُني المسجد عليه، وكلتا الحالتين منتفيتان عن قبره الشريف -صلى الله عليه وسلم-

    ومن أحسن ما نختم به هذا الموضوع كلماتٌ جميلةٌ جدا للعلامة ابن القيم –رحمه الله- ذكرها في الكافية الشافية (النونية) حيث يقول:

    ولقــد نهانا أن نُصيِّر قبرَه *** عيدًا حَذارَ الشرك بالرحمن
    ودعا بأن لا يُجعَل القبر الذي *** قد ضَمَّه وثنًا من الأوثــان
    فأجاب رب العالمين دُعاءَه *** وأحاطه بثلاثة الجــــــدران
    حتى اغتدت أرجاؤه بدعائه *** في عِزة وحماية وصيــــان
    ولقد غدا عند الوفاة مُصرِّحًا *** باللَّعْن يَصرُخ فيهم بــــــأذان
    وعَنَى الأُلى جعلوا القبور مساجدًا *** وهم اليهودُ وعابدو الصُلبان
    والله لولا ذاك أُبرِز قبرُه *** لكنهم حجبوه بالحيطـــــــــــان
    قصدوا إلى تسنيم حجرته ليمْــ *** تنع السجود له على الأذقان
    قصدوا موافقة الرسول وقصده الـ *** تجريد للتوحيد للرحمانِ

    هذا؛
    وصلى الله على نبينا محمد
    –صلى الله عليه وسلم-
    وعلى آله وصحبه
    أجمعين.

    قيده:
    أبو أيوب إسماعيل جابر
    –غفر الله له ولوالديه-
    صبيحة يوم الإثنين 4 ذي الحجة 1440 هـ الموافق لـ 5 أوت 2019م



    التعديل الأخير تم بواسطة إسماعيل جابر; الساعة 2019-08-05, 07:55 PM.

  • #2
    الحمدُ لله على ما أنعمَ به وتفضَّل؛ والحمدُ لهُ - سُبحانهُ وتعالى - أن سخَّرَ في هذه الأمَّةِ مَن يقُومُ ببيانِ الحَقِّ للخلقِ، ويدعُو إلى التَّوحيدِ ونبذِ الشِّرْكِ.
    جزاكَ اللهُ خيرًا أخي الحَبيبَ الأستاذ إسماعِيل، مقالٌ ماتعٌ نافعٌ، أحسنتَ تلخيصَهُ وترتيبَهُ؛ أسألُ اللهَ تعالى أن ينفعَ بهِ.

    تعليق


    • #3
      بسم الله الرحمن الرحيم

      جزى الله أخي الكريم اسماعيل خير الجزاء وأوفاه على ما تفضل به، وأسأله سبحانه أن يزيده من فضله وإخوانه من أهل السنة إن ربي جواد كريم، ثم إني أستسمح أخي الكريم في ذكر ما يدل على أن الجدران ثلاثة سوى الجدار الحديدي، قال الشيخ العلامة صالح آل الشيخ حفظه الله:
      ولما زيد في بناء المسجد النبوي، في عهد الوليد بن عبد الملك، وكان أمير المدينة يوم ذاك: عمر بن عبد العزيز رحمه الله وأخذوا بعضا من حجر زوجات النبي عليه الصلاة والسلام بقيت حجرة النبي عليه الصلاة والسلام كذلك، فأخذوا من الروضة جزءا، وبنوا عليه جدارا آخر غير الجدار الأول، بنوه من ثلاث جهات وجعلوا جهة الشمال مسنمة، أي: مثلثة، فصار عندنا الآن جداران: الجدار الأول مغلق تماما، وهو جدار حجرة عائشة، والجدار الثاني الذي عمل في إمرة عمر بن عبد العزيز رحمه الله زمن الوليد بن عبد الملك، وهو من جهة الشمال وهي عكس القبلة جعلوه مسنما، لأنه في تلك الجهة جاءت التوسعة، فخشوا أن يكون ذلك الجدار مربعا، يعني مسامتا للمستقبل، فيكون إذا استقبله أحد فقد استقبل القبر، فجعلوه مثلثا، يبعد كثيرا عن الجدار الأول، وهو جدار حجرة عائشة، لأجل أن لا يمكن لأحد أن يستقبل القبر لبعد المسافة، ولأن الجدار صار مثلثا.
      ثم بعد ذلك بأزمان بني جدار ثالث أيضا حول ذينك الجدارين، وهو الذي قال فيه بن القيم رحمه الله، في النونية في وصف دعاء النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد. قال:
      فأجاب رب العالمين دعاءه *** وأحاطه بثلاثة الجدران
      حتى اغتدت أرجاؤه بدعائه*** في عزة حماية وصيان
      فأصبح قبر النبي عليه الصلاة والسلام محاطا بثلاثة جدران، وكل جدار ليس فيه باب، فلا يمكن لأحد أن يدخل ويقف على القبر بنفسه، لأنه صار ثم جداران وكل جدار ليس له باب، ثم بعد ذلك، وضع الجدار الثالث، وهذا الجدار أيضا ليس له باب، وهو كبير مرتفع وهو الذي وضعت عليه القبة فيما بعد، فلا يستطيع أحد الآن أن يدخل إلى القبر، أو أن يتمسح به، أو أن يرى مجرد القبر، ثم بعد ذلك: وضع السور الحديدي بينه وبين الجدار الثالث نحو متر ونصف في بعض المناطق، ونحو متر في بعضها، وفي بعضها نحو متر وثمانين إلى مترين، يضيق ويزداد، لكن من مشى فإنه يمشي بين ذلك الجدار الحديدي وبين الجدار الثالث. اهـ من التمهيد لشرح كتاب التوحيد ص249ـ250.
      ومما يؤكد كلام الشيخ صالح حفظه الله ما نقله الكاتب وفقه الله تعالى من كلام الإمامين القرطبي والنووي حيث قال وفقه الله وسدده وأجزل لنا وله الأجر والثواب:
      قال النووي – رحمه الله – في شرح مسلم (5/14):
      ولما احتاجت الصحابة والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة – رضي الله عنها – مدفنُ رسولِ الله –صلى الله عليه وسلم – وصاحبيه أبي بكر وعمر – رضي الله عنهما- بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله، لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرَّفوهما حتى التقيا، حتى لا يتمكن أحد من اِستقبال القبر.
      وقال أبو العباس القرطبي – رحمه الله – في المفهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (2/128):
      بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي – صلى الله عليه وسلم-، فأعلوا حيطان تربته، وسدُّوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره –صلى الله عليه وسلم-، ثم خافوا أن يُتَّخذ موضع قبره قبلة –إذ كان مستقبل المصلين- فتتصور الصلاة إليه بنية العبادة؛ فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلث من ناحية الشمال؛ حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره. اهـ .

      فقول النووي رحمه الله: بنوا على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله، لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور.اهـ. فيه ذكر الحائط الذي بني قبل الجدارين، ومن وصفه أنه لم يكن مسنما من جهة الشمال، بل هذا الحائط المذكور هو حائط الحجرة زيد فيه كما بينه القرطبي رحمه الله بقوله: فأعلوا حيطان تربته، وسدُّوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره –صلى الله عليه وسلم-.
      ثم ذكرا جميعا: أنهم بنوا جدارين بعد هذا الجدار المذكور، قال النووي رحمه الله:
      ، ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرَّفوهما حتى التقيا، حتى لا يتمكن أحد من اِستقبال القبر. اهـ
      وقال القرطبي رحمه الله: فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلث من ناحية الشمال؛ حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره.
      وبهذا يظهر جليا بإذن الله أن الحيطان ثلاثة والحائط الحديدي هو الرابع والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

      تعليق


      • #4
        بوركت أخي منصور، سعدت بمرورك

        تعليق


        • #5
          وجزاك الله خيرا أخي مكي المهداوي
          منكم نستفيد
          ولعل هذا الذي وقع من اِختلاف في عدد الجدران مردُّه -والله أعلم- إلى اعتبار دخول جدار الحجرة في عدد الجدران
          وأكرر شكري لك على هذا التنبيه

          تعليق

          الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
          يعمل...
          X