إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

«تقبيل القدم» بين أقوال المانعين والمجيزين من أهل العلم.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • «تقبيل القدم» بين أقوال المانعين والمجيزين من أهل العلم.



    «تقبيل القدم» بين أقوال المانعين والمجيزين من أهل العلم.


    لتحميل المقال بصيغة PDF:
    (https://bit.ly/2yrnl5w)


    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
    فإن من أعظم الأمور التي يحسُن الاحتراز منها، ويجمُل التنبه لها، ويقبح الغفلة عنها، بعض المسائل التي تتعلق بحقوق الرب -جل وعلا-الخاصة بأول الواجبات توحيد رب البريات، والتي قد تمس جناب العقيدة، وتهتك حياض التوحيد، وتقدح في أسس الشريعة.


    ومن تلكم القضايا المهمة، والمسائل الحساسة، مسألة «تقبيل القدم»، والتي ينبغي أن تدرس في ضوء النصوص الشرعية، بمعزل عن العواطف البشرية، والعصبيات الجاهلية، وتحقيقا لشيئ يسير من ذلك، وإسهاما بجهد قليل لتقريب المسالك، وتسهيل المدراك، قمت بتوجيه سؤال يتعلق بذلك إلى معهد الدين القيم تحت إشراف شيخنا الفاضل الحبييب علي الرملي –حفظه الله ورعاه- فكان جوابه نافعا ماتعا كعادته -حفظه الله-، ثم أرفقت ذلك بكتابة تتعلق بجزئية دقيقة تتعلق بهذه المسألة.

    نص السؤال:

    «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته نشر أحد إخواننا السلفيين هذا المنشور: (تعظيم العمّ ومعرفة قدره! عن صهيب مولى العبّاس قال: رأيت عَلِيًا يُقبّلُ يدَ العبّاس ورِجلَه ويقول: يا عم ارض عنّي. قال الذهبي: إسناده حسن). فلما أرسلت له فتوى الشيخ صالح الفوزان حفظه الله في عدم جواز تقبيل رجل الأم إذا كان فيه انحناء نقل لي أنه سئل العلامة عبدالمحسن عن تقبيل رجل الوالدين فقال له: (لا حرج فيه إن كان يفرحهما ولا يُحرجهما). ثم استدل علي بفعل علي رضي الله عنه أعلاه فقال: (قد كان السلف الصالح يفعلون هذا ولا يجدون فيه غضاضة، هذا فعل أمير المؤمنين علي مع العبّاس رضي الله عنهما، وكذا وفد عبد قيس لما دخلوا المدينة جعلوا يبادرون إلى تقبيل يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجله،وما أنكر عليهم عليه السلام بل أقرّهم، والحديث حسّنه العلّامة الألباني، وفعله اليهوديان مع النبي عليه السلام فما أنكر عليها والبيان لايجوز تأخيره عن وقت الحاجة، وكذا فعله الإمام مسلم مع شيخه البخاري رحمهما الله؛ إذ قبّل رِجله والله أعلى وأعلم). فلما رجعت إلى ضعيف الأدب المفرد وجدت الألباني رحمه الله يضعف الأثر الوارد عن علي رضي الله عنه لجهالة صهيب مولى العباس وكذلك ضعف قصة امرأة من صباح عبدالقيس تحت باب تقبيل الرجل 133 أثر رقم (975/154) والذي يليه، فما صحة الأدلة التي استدل بها الأخ، وهل هي دالة حقيقة على جواز تقبيل الرجل مع وجود الانحناء( لأنه حتى مع صحتها لم يرد أن فيه انحناء) حفاظا على جناب العقيدة، ودفعا للخدش في التوحيد، وما هو الراجح عندكم في هده المسالة جزاكم الله خيرا».

    نص الاجابة:

    «وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد؛

    فأما حديث علي والعباس؛ فضعيف فيه صهيب مولى العباس مجهول.

    ذكره ابن حبان في الثقات ولم يرد فيه جرح ولا تعديل، ولم يرو عنه سوى ذكوان. أخرجه البخاري في الأدب المفرد (976)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (26/ 372 و373)، وضعفه الألباني بصهيب هذا، والذهبي قال في السير(3/ 400): «إسناده حسن، وصهيب لا أعرفه».

    ومع أن الحافظ قال فيه في التقريب: «صدوق»؛ إلا أنه لم يذكر في التهذيب(4/ 439) شيئاً من التوثيق سوى ذكر ابن حبان له في الثقات، وكذلك فعل في اللسان، قال في اللسان(3363): «صهيب الهاشمي مولى العباس عن مولاه العباس وعثمان وعلي رضى الله عنهم، وعنه أبو صالح السمان فقط، قلت: وثقه ابن حبان» انتهى
    قلت: ابن حبان ذكره في الثقات(3457) ولم يذكر فيه شيئاً، فعبارة الحافظ في التهذيب أدق.

    وأما الأحاديث المرفوعة فورد في تقبيل الرِجل حديثان ضعيفان:
    الأول: حديث تقبيل وفد عبد القيس لرِجل النبي صلى الله عليه وسلم
    (1).
    والثاني: حديث تقبيل اليهود لرجل النبي صلى الله عليه وسلم (2).

    أما الأول: فأخرجه أبو داود(5225)، وغيره، وهو ضعيف في سنده أم أبان مجهولة، وقد ضعف إسناده الشيخ الألباني تارة، كما في ضعيف الأدب المفرد(975) بجهالة أم أبان، وحسنه دون ذكر الرجلين فيه تارة أخرى كما في صحيح سنن أبي داود(4353).
    والظاهر أنه حسنه بشواهده، ولما لم يجد شاهداً للفظة الرجل أو الرجلين كما في نسخة استثناها من التحسين، والله أعلم فأنت ترى أن الألباني لا يحسن الحديث مطلقاً كما نقل، والله أعلم.

    وأما الحديث الثاني: فهو حديث صفوان بن عسال قال: قال: يهودي لصاحبه: اذهب بنا إلى هذا النبي فقال صاحبه: لا تقل: نبي، إنه لو سمعك كان له أربعة أعين. فأتيا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسألاه عن تسع آيات بينات. فقال لهم: "لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تمشوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تقذفوا محصنة، ولا تولوا الفرار يوم الزحف، وعليكم خاصة اليهود أن لا تعتدوا في السبت" قال: فقبلوا يده ورجله. فقالا: نشهد إنك نبي. قال: "فما يمنعكم أن تتبعوني" قالوا: إن داود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي، وإنا نخاف إن تبعناك أن تقتلنا اليهود. أخرجه الترمذي (2733) وغيره.
    وفي سنده عبد الله بن سلمة المرادي لا يحتج به على الصحيح.

    قال النسائي في الكبرى (3/ 449): «وهذا حديث منكر. قال أبو عبد الرحمن: حكي عن شعبة قال: سألت عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة فقال: تعرف وتنكر. قال أبو عبد الرحمن: وعبد الله بن سلمة الأفطس متروك الحديث. قال أبو عبد الرحمن: كان هذا الأفطس يطلب الحديث مع يحيى بن سعيد القطان وكان من أسنانه». انتهى .

    قلت: الصحيح أنه المرادي وليس الأفطس؛ ولكنه ضعيف أيضاً.

    وقال ابن كثير في تفسيره (5/ 125): «وهو حديث مشكل، وعبد الله بن سلمة في حفظه شيء، وقد تكلموا فيه، ولعله اشتبه عليه التسع الآيات بالعشر الكلمات، فإنها وصايا في التوراة لا تعلق لها بقيام الحجة على فرعون، والله أعلم».انتهى

    وقال الألباني في مقدمة تحقيق الرياض (ص14): «قلت: كذا قال-أي النووي قال في الحديث: رواه الترمذي وغيره بأسانيد صحيحة-، وليس له عنده ولا عند غيره سوى إسناد واحد، وسيأتي
    الكلام مفصلاً حول قول المصنف هذا بما فيه كفاية في الفائدة الثانية، ثم إن في الإسناد عبد الله بن سلِمة - بكسر اللام - وهو المرادي، وهو مختلف فيه، وهو راوي حديث علي في النهي عن قراءة القرآن جنباً، وقد ضعفه الحفاظ المحققون كما قال المصنف نفسه، ومنهم أحمد والشافعي والبخاري وغيرهم كما ستراه مفصلاً في (ضعيف أبي داود) رقم (30) وقد نقل الزيلعي في (نصب الراية 4 / 258) عن النسائي أنه قال في حديث الترمذي هذا: هذا حديث منكر، وقال: قال المنذري: وكأن إنكاره له من جهة عبد الله بن سلمة فإن فيه مقالاً». انتهى

    وقال في نقد الكتاني(ص57): «تقبيل يد الرسول ورجليه»! ثم ساق حديثًا فيه أن يهوديين قبلا يده صلى الله عليه وسلم ورجله! قلت: ومع أن الحديث في ثبوته نظر كما سبق بيانه في موضعه (ص 14) فهل يريد الشيخ من ذلك أن يشرع للناس أن يقبل المريد رجل شيخه أيضًا اعتمادًا منه على فعل اليهوديين؟ ! فإن قيل: لكن الرسول صلى الله عليه وسلم أقرهما على ذلك؛ فيقال: اثبت العرش ثم انقش، فالحديث لم يثبت كما ذكرنا، ولو ثبت، فليس يجوز قياس المسلم على اليهودي، لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين فلئن أقر صلى الله عليه وسلم اليهوديين على تقبيل رجله، فلا يلزم منه إقرار المسلم على مثله؛ لأنه عزيز وذاك ذليل صاغر، فأي قياس أفسد من هذا على وجه الأرض؛ أن يقاس المسلم على الكافر، والعزيز على الذليل؟ ! ولو جاز فلا يجوز لأي شيخ أن يقيس نفسه على الرسول صلى الله عليه وسلم فيجيز لها ما جاز له صلى الله عليه وسلم؛لأنه من باب قياس الحدادين على الملائكة! أو هو على الأقل قياس مع الفارق!. انتهى.

    وأما حادثة البخاري ومسلم فهو طلب من مسلم ولم يفعله، ولا يُستدل بأفعال الرجال وأقوالهم، وإنما العبرة بالدليل والمنهج الذي كان عليه أصحاب القرون الثلاثة الأولى من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، والله أعلم.

    فأنت ترى أنه لا يصح شيء في تقبيل الرجل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصح عن الصحابة والتابعين وأتباعهم شيئاً في ذلك فيما نعلم، وترك تقبيل قدمي الوالدين أسلم للدين، والله أعلم.

    واختلف أهل العلم في هذا، فأجازه ابن عثيمين والعباد، وقيده الفوزان بعدم الانحناء الظاهر أنه أراد سد ذريعة الشرك كب لا يؤدي إلى السجود لغير الله لما فيه المشابهة في الصورة، والله أعلم

    وأنا أقول بقول ابن باز رحمهم الله جميعاً، سئل –في فتوى له على موقعه بعنوان: «هل يجوز نقبيل قدم الوالدين؟»-: هل يجوز للإنسان أن يقبل قدمي والديه؟ فقال: لا، المصافحة تكفي، أو تقبيل ما بين عينيه ، رأسه.
    س: والذي يفعل هذا؟
    ج: تركه أولى، تركه أولى. والله أعلم» انتهت الإجابة.

    ثم كتبت للشيخ بعدما وصلتني فتواه فقلت:

    «شيخنا الحبيب علي، وصلتني فتواكم بخصوص حكم تقبيل القدم، وبقي عندي استفسار في جزئية واحدة مهمة، وهي هل من أفتى بجواز تقبيل الرجل يرى جواز ذلك مع الانحناء الذي قد يكون ذريعة إلى الشرك أم لا؟
    وقد كتبت في ذلك شيئا لو سمحتم بعرضه عليكم لتصحيحه وتقويمه جزاكم الله خيرا.
    «اخلتف أهل العلم في تقبيل القدم-وخصوصا الوالدين أو أهل العلم والصلاح- على أقوال:
    1/ فمنهم من أباحه كابن عثيمين والعباد وابن باز على قول -مع تقييده بأن يكون أحيانا-(3).
    2/ ومنهم من منعه كالعلامة ابن باز في قوله الآخر.
    3/ ومنهم من توسط فمنع تقبيل القدم اذا كان فيه انحناء، والظاهر أن منعه سدا لذريعة الشرك لما فيه من المشابهة الظاهرة للساجد لغير الله تعالى كالفوزان.

    بقيت جزئية واحدة هي محل بحث ونظر، وهي أنه حتى على قول من قال بصحة الحديثين-حديث وفد عبد قيس وحديث اليهوديين- وغير ذلك، هل استنبطوا منهما وفهموا من وقائعهما وما جرى عند ورودهما أن تقبيل القدم كان مع الانحناء؟
    وهل من أفتى من علمائنا المعاصرين بجواز تقبيل القدم يرى نفس الحكم مع الانحناء؟
    لأنه يظهر لي والله أعلم-بغض النظر عن كلام الألباني القوي في رد الاستدلال بحديث اليهوديين لو ثبت، وعدم ثبوت لفظة الرجل لما حسن حديث وفد عبد قيس- أنه لا يوجد في لفظ الحديثين ما يدل على أن التقبيل كان بانحناء، لاسيما وأن منع هذا الأمر داخل في سد ذريعة الشرك كما هو المفهوم من فتوى الفوزان، زيادة على ذلك فإن منع التقبيل مع الانحناء جار مع قاعدة عظيمة من قواعد الشريعة في عدم المشابهة الظاهرة للمشركين، لأن المشابهة في الظاهر تؤثر على الباطن، وتغرر المقتدي والناظر، وقد ورد في تقرير هذه القاعدة نصوص كثيرة، كالمنع من الصلاة عند طلوع وغروب الشمس وكالميل يسيرا يسرة ويمنة وعدم الانتصاب للعمود في الصلاة، وكحادثة ذات أنواط وغير ذلك، ومن أجل ذلك بوب الإمام محمد بن عبد الوهاب :(باب لا يذبح لله في مكان يذبح فيه لغير الله).
    فالذي يظهر والله أعلم، عدم إرادة من قال بجواز تقبيل القدم جوازها في حالة الانحناء من ثلاث جهات:
    1/ عدم دلالة ألفاظ الأحاديث على أن التقبيل الوارد فيها كان بانحناء.
    2/ حفظا لجناب التوحيد، وحماية لحمى العقيدة، وسدا لذريعة الشرك، خصوصا إذا تحققت المشابهة الظاهرة للمنحني لتقبيل القدم مع الساجد لغير الله عز وجل.
    3/ عملا بعموم النهي عن الانحناء في حديث أنس بن مالك قال:« قلنا: يا رسول الله! أينحني بعضنا إلى بعض إذا التقينا؟ قال: لا. قلنا: أفيعتنق بعضنا بعضاً؟ قال: لا. قلنا: أفيصافح بعضنا بعضاً؟ قال: نعم».وهو ضعيف المبنى صحيح المعنى.


    ومما يؤيد ما ذكرته من عدم إرادة من قال بجواز تقبيل القدم جوازها في حالة الانحناء ما جاء في فتوى العلامة ابن باز –رحمه الله- من المنع من الانحناء مطلقا حيث قال:

    «أما الحديث الأول حديث أنس أنهم قالوا: يا رسول الله! يلقى أحدنا أخاه أينحني له؟ قال: لا. قال: فيلتزمه ويقبله؟ قال: لا. قال: فيصافحه؟ قال: نعم هذا الحديث ضعيف الإسناد عند أهل العلم، ليس بصحيح، ولكن معناه من جهة الانحناء صحيح، لا يجوز أن ينحني لأحد، فالسلام لا يكون بالانحناء لا للكبير ولا للصغير، ولكن يسلم وهو منتصب بغير انحناء، ويصافح، السنة المصافحة، فإذا كان القدوم من سفر فالسنة المعانقة، قال أنس في حديث آخر رواه الطبراني بإسناد جيد: كان أصحاب النبي ﷺ إذا تلاقوا تصافحوا، وإذا قدموا من سفر تعانقوا وهكذا قال الشعبي عن أصحاب النبي ﷺ، وهكذا جاء في أحاديث أخرى، كان الصحابة يتلاقون ويتصافحون، وكانوا يصافحون النبي عليه الصلاة والسلام، فالسنة المصافحة عند التلاقي، وإذا عانق أخاه عند طول الغيبة أو عند القدوم من السفر فلا حرج في ذلك، وقد جاء في هذا أخبار كثيرة تدل على أنه لا بأس بالمعانقة ولا بأس بتقبيل ما بين العينين والرأس عند اللقاء، عند القدوم من السفر، ومثلها طول الغيبة لا حرج في ذلك، أما الانحناء فلا يجوز الانحناء.
    وأما تقبيل اليد أو الرجل فالأفضل تركه، وقد ثبت أنه ﷺ قبله بعض أصحابه في بعض الأحيان قبل يده، بعضهم قبل قدمه، وثبت أن بعض اليهود قبلوا يده وقبلوا قدمه لكن هذا قليل، فإذا فعله المؤمن مع شيخه، أو مع الإمام الكبير، أو مع العالم، أو مع والده بعض الأحيان فلا بأس، أما اتخاذه طريقة متبعة فلا ينبغي بل يكره، وإنما ينبغي له أن يعتاد المصافحة، وإذا قبل يد العالم أو يد أبيه بعض الأحيان من غير اتخاذه عادة فلا حرج في ذلك إن شاء الله...» (فتوى على الموقع الرسمي بعنوان: «المشروع عند اللقاء والسلام»).

    فأنت ترى أنه مع تجويز العلامة ابن باز لتقبيل القدم أحيانا إلا أنه منع من الإنحناء عموما (4) لأنه يختص بالله جل في علاه، ومثله السجود لتقبيل اليد حيث قال فيه:
    «أما السجود على اليد كونه يسجد على اليد يضع جبهته على اليد هذا السجود محرم، ويسميه بعض أهل العلم السجدة الصغرى، هذا لا يجوز، كونه يضع جبهته على يد إنسان سجوداً عليها لا» (فتوى على الموقع الرسمي بعنوان: «حكم تقبيل يد الرجل الصالح والانحناء له»).

    غير أنه قد يعفى عن الانحناء اليسير إذا كان للحاجة وسلم من صبغة التعظيم، وفي ذلك يقول العلامة ابن باز –رحمه الله-:
    «وأما الانحناء فهو لا يجوز، كونه ينحني كالراكع هذا لا يجوز لأن الركوع عبادة ولا يجوز أن ينحني، أما إذا كان انحناؤه ما هو من أجل التعظيم، انحنى له لأنه قصير والمسلم طويل فانحنى له حتى يصافحه، لا لأجل التعظيم بل لأجل أن المسلم عليه قصير، أو مقعد، أو جالس فلا بأس بهذا، أما أنه ينحني لتعظيمه هذا لا يجوز، ويخشى أن يكون من الشرك إذا قصد تعظيمه بذلك، وقد روي عن النبي ﷺ أنه سئل قيل: يا رسول الله! ألقى الرجل فهل أنحني له؟ قال: لا، قال: فهل التزمه وأقبله؟ قال: لا، قال: فهل آخذ بيده وأصافحه؟ قال: نعم، وإن كان في سنده ضعف.. الحديث ضعيف الإسناد، لكن ينبغي العمل به؛ لأن الشواهد الكثيرة تشهد له في المعنى، والأدلة كذلك تدل على أن الانحناء والركوع للناس لا يجوز.
    فالحاصل أنه لا يجوز الانحناء أبداً لأي شخص لا للملك ولا لغير الملوك، ولكن إذا كان الانحناء لا لأجل التعظيم بل لأجل أن المسلم عليه قصير، أو مقعد، أو جالس، فانحنى ليسلم عليه فلا بأس بذلك. نعم» (فتوى على الموقع الرسمي بعنوان: «حكم تقبيل يد الرجل الصالح والانحناء له»).

    ومثل ذلك ما جاء في فتوى العلامة ابن عثيمين –رحمه الله- في لقاءات الباب المفتوح رقم 104، حينما سئل عن حكم الانحناء للمخلوق تكريما، فقال: «رأينا في هذا أنه لا يجوز، لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من ذلك، فلا يحل لأحد أن يحني ظه؛ره إلا لله رب العالمين، أم؛ا المخلوق فلا تحني ظهرك له، وأقبح من ذلك أن تسجد له، فإن السجود للمخلوق تعظيما وتذللا من الشرك المخرج عن الملة نسأل الله العافية، أما الانحناء فإنه حرام لكنه لا يصل إلى حد الشرك».

    ولما ذكر أحد السائلين في نفس اللقاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم أهل المدينة ليقوموا لاستقبال سعد بن معاذ رضي الله عنه، معقبا على جواب الشيخ الأول، أجابه الشيخ قائلا:

    « أما سعد بن معاذ -رضي الله عنه- فإنه لما أقبل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:( قوموا إلى سيدكم ) لأنه سيد قومه بلا شك, وقال لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم-:( قوموا إلى سيدكم ) وهذا ليس فيه إشكال أن يقال: سيد بني فلان, أو سيد آل فلان.
    وأما القيام إليه فلا بأس به -أيضا- لو أن رجلا دخل من الباب هنا ثم قمت من مكانك تستقبله فلا بأس, كما فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حين قدم وفد ثقيف وهو بـ الجعرانة فإنه قام عليه الصلاة والسلام حين أقبلوا، وهذا لا بأس به.
    وأما الانحناء فإنه خضوع ظاهر، أما الأول: إكرام استقبال وهذا إكرام بلا شك, وأما الانحناء فهو خضوع, ولهذا: ( سئل النبي صلى الله عليه وسلم: عن الرجل يلقى أخاه أينحني له، قال: لا ) لأن الانحناء لا يجوز إلا لله رب العالمين.
    وأما تقبيل يد الأب أو الأم أو الأخ الكبير أو العالم أو الشيخ الكبير احتراما، فهذا لا بأس به ولا إشكال فيه.
    السائل: فيه انحناء.
    الشيخ: لا يوجد انحناء أبدا, حتى لو فرضنا أن الرجل الذي تريد أن تقبل يده قصير ونزلت رأسك لتقبل يده فهذا ليس انحناء إكرام! هذا انحناء للوصول للتقبيل, مع أنه يمكن أن يأخذ بيده ويرفعها ويقبلها وهو واقف تمام».

    فعلق الشيخ علي الرملي –حفظه الله- على ما كتبت قائلا:

    «ما قلته يحتمل، ويحتمل أن بعضهم يفرق بين انحناء التعظيم وانحناء التقبيل -تقبيل القدم - كما فرقوا في الانحناء لتقبيل اليد.
    المسألة محتملة على كل حال، وإن كان الأسلم سد هذا الباب أفضل والله أعلم».


    قرأه وأذن بنشره فضيلة الشيخ علي الرملي –حفظه الله-.

    --------------------------------------------------------------------------------------------------------------

    الهامش:

    (1) رواه أبو داود في سننه في أَوْلُ كِتَابِ الْأَدَبِ، بَابٌ : «فِي قُبْلَةِ الرِّجْل» تحت رقم «5225» فقال:«حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى ابْنُ الطَّبَّاعِ ، حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْنَقُ ، حَدَّثَتْنِي أُمُّ أَبَانٍ بِنْتُ الْوَازِعِ بْنِ زَارِعٍ ، عَنْ جَدِّهَا زَارِعٍ - وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ - قَالَ : لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا، فَنُقَبِّلُ يَدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَهُ. قَالَ : وَانْتَظَرَ الْمُنْذِرُ الْأَشَجُّ حَتَّى أَتَى عَيْبَتَهُ فَلَبِسَ ثَوْبَيْهِ، ثُمَّ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ : «إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ ؛ الْحِلْمُ وَالْأَنَاةُ ». قَالَ : «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا أَمِ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا ؟» قَالَ : «بَلِ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا» قَالَ : «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ».
    قوله صلى الله عليه وسلم:«الحلم والأناة»:
    قال العلامة أبو الطيب العظيم آبادي في عون المعبود (13/263):
    «قال الشيخ عبد الحق الدهلوي في اللمعات شرح المشكاة: روى أنه لما وفد عبد القيس تبادروا من رواحلهم وسقطوا عنها على الأرض وفعلوا ما فعلوا وقررهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك والذي كان رأسهم ومقدمهم اسمه الأشج نزل أولا في منزل له واغتسل ولبس الثياب البيض ثم دخل المسجد فصلى فيه ركعتين ودعا فقصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم خاضعا خاشعا بتأني ووقار فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأدب أثنى عليه وقال: إن فيك خلتين .... إلى آخره». انتهى.


    (2) رواه النسائي في سننه كِتَابُ تَحْرِيمِ الدَّمِ باب السِّحْر تحت رقم «4078»، فقال:
    «أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ ، عَنِ ابْنِ إِدْرِيسَ قَالَ : أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قَالَ : قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ : اذْهَبْ بِنَا إِلَى هَذَا النَّبِيِّ. قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ : لَا تَقُلْ نَبِيٌّ ؛ لَوْ سَمِعَكَ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَعْيُنٍ.
    فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَأَلَاهُ عَنْ { تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ }، فَقَالَ لَهُمْ « لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَلَا تَمْشُوا بِبَرِيءٍ إِلَى ذِي سُلْطَانٍ، وَلَا تَسْحَرُوا، وَلَا تَأْكُلُوا الرِّبَا، وَلَا تَقْذِفُوا الْمُحْصَنَةَ، وَلَا تَوَلَّوْا يَوْمَ الزَّحْفِ، وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً يَهُودُ أَنْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ»، فَقَبَّلُوا يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ، وَقَالُوا : نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ. قَالَ « فَمَا يَمْنَعُكُمْ أَنْ تَتَّبِعُونِي؟ » قَالُوا : إِنَّ دَاوُدَ دَعَا بِأَنْ لَا يَزَالَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ نَبِيٌّ، وَإِنَّا نَخَافُ إِنِ اتَّبَعْنَاكَ أَنْ تَقْتُلَنَا يَهُودُ».
    قوله: «إنه لو سمعك كان له أربعة أعين»: هو كناية عن المسرة التامة «أي يسر بقولك هذا النبي سرورا يمد الباصرة فيزداد به نورًا إلى نور كذي عينين أصبح يبصر بأربعة أعين فإن الفرح يمد الباصرة كما أن الهم يخل بها ولهذا يقال لمن أحاطت به الهموم: أظلمت عليه الدنيا» (تحفة الأحوذي 7/525).
    (3) وغيرهم من شراح الحديث كصاحب تحفة الأحوذي (7/527).
    (4): جاء في الآداب الرعية لابن مفلح 2/381):
    «وأما تقبيل الأرض فقال صاحب النظم : يكره كراهة شديدة ; لأنه يشبه السجود لكنه ليس بسجود لأن السجود الشرعي وضع الجبهة بالأرض على طهارة لله تعالى وحده إلى جهة مخصوصة ، وهذا إنما يصيب الأرض منه فمه وذلك لا يجزئ في السجود انتهى كلامه وهذا لا يفعل غالبا إلا للدنيا ، وقد ذكر صاحب النظم أنه يكره الانحناء مسلما وذكر أبو بكر بن الأنباري الحنبلي المشهور في قوله تعالى : (وخروا له سجدا)، أنهم سجدوا ليوسف إكراما وتحية ، وأنه كان يحيي بعضهم بعضا بذلك وبالانحناء فحظره رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الخبر الآتي: (أينحني له قال : لا)، ذكره ابن الجوزي ولم يخالفه فدل على الموافقة فهذه ثلاث أقوال .
    وجزم في كتاب الهدي بتحريم السجود والانحناء والقيام على الرأس وهو جالس».
    الملفات المرفقة

  • #2
    جزاك الله خيرا أخي الفاضل إبا عبد الرحمن وزادك الله علما ونفع بك.

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا أخي عبد الله وأحسن إليك

      تعليق


      • #4
        جزاكَ اللهُ خيرًا أخي الكَريمَ أبا عبد الرَّحمن، مقالٌ ماتعٌ نافعٌ مُفيدٌ؛ باركَ اللهُ فيكَ وفي الشَّيخِ عليٍّ الرَّمليِّ، وأسألُ اللهَ تعالى أن يحصُلَ النَّفعُ بما كتبتُماهُ.

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيك أخي عز الدين
          ولك بالمثل
          تقبل الله دعائك.

          تعليق


          • #6
            آمين وإياك
            بورك فيك أخي محمدّ.

            تعليق


            • #7
              جزاكم الله خيرا

              تعليق


              • #8
                بارك الله فيك أخي عبد الله وجزاك خيرا ونفع بك

                تعليق

                الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 3 زوار)
                يعمل...
                X