<بسملة1>
لا تجعل قدوتك من كان عافلا عن الله متبعا لهواه وكان أمره فرطا
لا تجعل قدوتك من كان عافلا عن الله متبعا لهواه وكان أمره فرطا
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين،وعلى آله وصحبه أجمعين: أما بعد:
فإن من المسائل المهمة؛ أن يعتني المسلم بالقدوة الصالحة ليقتدي ويأتسي بها،وأن يحذر من القدوة السيئة التي تهلكه وتحرفه عن صراط الله المستقيم، ومن الآيات التي تبين صفات من لا يقتدى به قوله تعالى :(وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)
قال ابن كثير في تفسيره 5/154: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} أَيْ: شُغِلَ عَنِ الدِّينِ وَعِبَادَةِ رَبِّهِ بِالدُّنْيَا { وَاتَّبَعَ هَوَاهُوَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} أَيْ: أَعْمَالُهُ وَأَفْعَالُهُ سَفَهٌ وَتَفْرِيطٌ وَضَيَاعٌ، وَلَا تَكُنْ مُطِيعًا لَهُ وَلَا مُحِبًّا لِطَرِيقَتِهِ، وَلَا تَغْبِطْهُ بِمَا هُوَ فِيهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طَه:131]
وقال ابن السعدي في تفسيره 475: {وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا} غفل عن الله، فعاقبه بأن أغفله عن ذكره.
{وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} أي: صار تبعا لهواه، حيث ما اشتهت نفسه فعله، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه، فهو قد اتخذ إلهه هواه، كما قال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم} الآية. {وَكَانَ أَمْرُهُ} أي: مصالح دينه ودنياه {فُرُطًا} أي: ضائعة معطلة. فهذا قد نهى الله عن طاعته، لأن طاعته تدعو إلى الاقتداء به، ولأنه لا يدعو إلا لما هو متصف به، ودلت الآية، على أن الذي ينبغي أن يطاع، ويكون إماما للناس، من امتلأ قلبه بمحبة الله، وفاض ذلك على لسانه، فلهج بذكر الله، واتبع مراضي ربه، فقدمها على هواه، فحفظ بذلك ما حفظ من وقته، وصلحت أحواله، واستقامت أفعاله، ودعا الناس إلى ما من الله به عليه، فحقيق بذلك، أن يتبع ويجعل إماما، والصبر المذكور في هذه الآية، هو الصبر على طاعة الله، الذي هو أعلى أنواع الصبر، وبتمامه تتم باقي الأقسام. وفي الآية، استحباب الذكر والدعاء والعبادة طرفي النهار، لأن الله مدحهم بفعله، وكل فعل مدح الله فاعله، دل ذلك على أن الله يحبه، وإذا كان يحبه فإنه يأمر به، ويرغب فيه.انتهى
وقد أفاد العلامة السعدي-رحمه الله-أن من أعظم صفات معلم الناس الخير والقدوة له أن يكون صاحب عبادة ولهج بذكر الله،وأن يكون حازما في طاعة الله مجتنبا لهواه.
وفي مقابل ذلك يجتنب ويبتعد عمن كان غافلا متبعا لهواه وشهواته قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله-:(فالغفلة والشهوة أصل الشر، قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف: 28] ، والهوى وحده لا يستقل بفعل السيئات إلا مع الجهل، وإلا فصاحب الهوى إذا علم قطعاً أن ذلك يضره ضرراً راجحاً، انصرفت نفسه عنه بالطبع؛ فإن الله تعالى جعل في النفس حباً لما ينفعها، وبغضاً لما يضرها، فلا تفعل ما تجزم بأنه يضرها ضرراً راجحاً، بل متى فعلته كان لضعف العقل)مجموع الفتاوى 14/289
فبين شيخ الإسلام أن الجهل والهوى سبب لاقتحام الآثام والمنكرات،ولمثل هذا لا ينبغي أن يكون قدوة في الدين.
ويؤكد شيخ الإسلام-رحمه الله-هذا المعنى أن الغفلة والشهوة خطر عظيم وداء وبيل حيث قال:(قَالَ الله تَعَالَى فذرهم فِي غمرتهم حَتَّى حِين أَي فِيمَا يغمر قُلُوبهم من حب المَال والبنين الْمَانِع لَهُم من المسارعة فِي الْخيرَات والأعمال الصَّالِحَة وَقَالَ تَعَالَى قتل الخراصون الَّذين هم فِي غمرة ساهون الْآيَات أَي ساهون عَن أَمر الْآخِرَة فهم فِي غمرة عَنْهَا أَي فِيمَا يغمر قلبوهم من حب الدُّنْيَا ومتاعها ساهون عَن أَمر الْآخِرَة وَمَا خلقُوا لَهُ وَهَذَا يشبه قَوْله وَلَا تُطِع من أَغْفَلنَا قلبه عَن ذكرنَا وَاتبع هَوَاهُ وَكَانَ أمره فرطا فالغمرة تكون من اتِّبَاع الْهوى والسهو من جنس الْغَفْلَة وَلِهَذَا قَالَ من قَالَ السَّهْو الْغَفْلَة عَن الشَّيْء وَذَهَاب الْقلب عَنهُ وَهَذَا جماع الشَّرّ الْغَفْلَة والشهوة فالغفلة عَن الله وَالدَّار الْآخِرَة تسد بَاب الْخَيْر الَّذِي هُوَ الذّكر واليقظة والشهوة تفتح بَاب الشَّرّ والسهو وَالْخَوْف فَيبقى الْقلب مغمورا فِيمَا يهواه ويخشاه غافلا عَن الله رائدا غير الله سَاهِيا عَن ذكره قد اشْتغل بِغَيْر الله قد انفرط أمره قد ران حب الدُّنْيَا على قلبه)
مجموع الفتاوى 10 596
فتبين أن صاحب الغفلة واتباع الهوى والأمر الفرط لا يتخذ قدوة في الخير كما أشار إلى ذلك الإمام ابن القيم-رحمه الله-حيث قال:(وأصل ذلك من الغفلة واتباع الهوى فإنهما يطمسان نور القلب ويعميان بصره، قال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً} .
فإذا أراد العبد أن يقتدي برجل فلينظر: هل هو من أهل الذكر أو من الغافلين؟ وهل الحاكم عليه الهوى أو الوحي.
فإن كان الحاكم عليه هو الهوى وهو من أهل الغفلة كان أمره فرطاً.
ومعنى الفرط قد فسر بالتضييع، أي أمره الذي يجب أن يلزمه ويقوم به وبه رشده وفلاحه ضائع قد فرط فيه، وفسر بالإسراف أي قد أفرط، وفسر بالإهلاك، وفسر بالخلاف للحق.
وكلها أقوال متقاربة، والمقصود أن الله سبحانه وتعالى نهى عن طاعة من جمع هذه الصفات، فينبغي للرجل أن ينظر في شيخه وقدوته ومتبوعه فإن وجده كذلك فليبعد منه.
وإن وجده ممن غلب عليه ذكر الله تعالى عز وجل واتباع السنة وأمره غير مفروط عليه بل هو حازم في أمره فليستمسك بغرزه، ولا فرق بين الحي والميت إلا بالذكر، فمثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت)
الوابل الصيب ص41
ولا شك أن أهل الدنيا من أرباب الشهوات المحرمة على اختلاف نحلهم ومللهم لا يقتدي بهم العبد ولا يميل إليهم ولا يركن إليهم،وكذلك الشأن مع أصحاب الشبهات من أهل البدع والمحدثات والطرق المختلفة والبدع المقيتة،وأصحاب الغلو في الدين،وأصحاب التميع والتساهل والتهاون ليسوا قدوة صالحة يؤتسى بهم،فليحذر المسلم من هذه الأصناف،وليقبل على أهل الصدق والإيمان والعمل الصالح،ممن عرفوا بالعلم النافع والعمل الصالح،واللهج بذكر الله،والحزم في أمورهم،والبعد عن الأهواء المضلة،والله الهادي إلى سواء السبيل.
تعليق