<بسملة1>
أسباب النجاة من فتنة النساء
مستفادة من قصة يوسف
عليه السلام
مستفادة من قصة يوسف
عليه السلام
الحمد لله رب العالمين،والصلاة والسلام على رسول الله،وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه،أما بعد:
فيقول الله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)
وقال:وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)
وقال:لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
ومن القصص العظيم الذي فيه أعظم المواعظ والعبر والدروس ما قصه الله علينا من قصة يوسف عليه السلام التي تدل على كمال قدرته،وعظيم بره وإحسانه،وجليل لطفه وعنايته بعبده،ومن أعظم ذلك ما وقع ليوسف من فتنة كبيرة،وبلاء عظيم يتعلق بفتنة النساء،حيث راودته امرأة العزيز عن نفسها وأحكمت غلق الأبواب ودعته لنفسها،وهددته عليه السلام، وهو عبد لها وهي سيدته مع ما كان عليه من جمال باهر،وحسن عظيم،وشباب وغربة وعزوبة،ومع هذه الدواعي العظيمة التي تسهل للعبد المعصية والإثم،إلا أن يوسف عليه السلام امتنع من الوقوع في الفاحشة العظيمة.
وفي هذه القصة عظيم العبرة لمن ابتلي بفتنة النساء،وأخذت تلك الفتنة عقله وقلبه،ففتن والعياذ بالله بهن،وصار لبه وقلبه مشغولا ومعلقا،يستغل الشيطان ذلك مع النفس الأمارة بالسوء فيوقعانه في أنواع من الانحراف في هذا الباب الخطير من نظر محرم وكلام محرم وسماع محرم،ولقاء محرم،ولمس محرم،حتى يصل الحال بالعبد إلى ارتكاب الفاحشة النكراء،والجرم العظيم،والذنب الكبير الذي قال الله فيه:(إنه كان فاحشة وساء سبيلا)،فحري بكل ناصح لنفسه،ومريد لها الخلاص،أن يتأمل في أسباب النجاة التي نجى الله بها يوسف عليه السلام وأن يقبل عليها إقبالا صادقا حتى يسلمه الله وينجيه من هذه الفتنة العمياء.
1- الاستعاذة بالله من أعظم ما يلتجئ إليه العبد مستحضرا فقره وذله بين يدي مولاه.
قال تعالى:وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ.
2- استحضار أن هذه الذنوب من الظلم البين العظيم الذي يتنزه عنه العبد ويبتعد عنه
قال تعالى:إنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)
ولا شك أن الواقع في هذه الفواحش والقاذورات قد ظلم نفسه بالآثام،وظلم غيره بتدنيس عرضه،إذ يعتدي على امرأة ذات أب أو أخ أو زوج.
3- تقوية الإيمان ومعرفة أسباب زيادته ونقصانه،ولا سيما ما يتعلق بالإيمان بالله وأسمائه وصفاته.
قال تعالى: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ
4- تحقيق الإخلاص لله،وتجريد التوحيد لله سبحانه
قال تعالى:
كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
5-الفرار من الفتنة والبعد عنها:قال تعالى: وَاسْتَبَقَا الْبابَ
ففر يوسف من الفتنة ولم يبق في بيت العزيز في ذلك الموطن الذي يهلك دين المرئ.
6- الاستعصام وعدم الاستسلام
قال تعالى:
قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)
7- الدعاء والإقبال على الله
قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ (33) فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)
8-تحقيق تقوى الله والصبر:قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90
قال الإمام السعدي في خلاصة لهذه الأسباب المفيدة: فصبر عن معصية الله، مع وجود الداعي القوي فيه، لأنه قد هم فيها هما تركه لله، وقدم مراد الله على مراد النفس الأمارة بالسوء، ورأى من برهان ربه - وهو ما معه من العلم والإيمان، الموجب لترك كل ما حرم الله - ما أوجب له البعد والانكفاف، عن هذه المعصية الكبيرة، و {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} أي: أعوذ بالله أن أفعل هذا الفعل القبيح، لأنه مما يسخط الله ويبعد منه، ولأنه خيانة في حق سيدي الذي أكرم مثواي.
فلا يليق بي أن أقابله في أهله بأقبح مقابلة، وهذا من أعظم الظلم، والظالم لا يفلح، والحاصل أنه جعل الموانع له من هذا الفعل تقوى الله، ومراعاة حق سيده الذي أكرمه، وصيانة نفسه عن الظلم الذي لا يفلح من تعاطاه، وكذلك ما منَّ الله عليه من برهان الإيمان الذي في قلبه، يقتضي منه امتثال الأوامر، واجتناب الزواجر، والجامع لذلك كله أن الله صرف عنه السوء والفحشاء، لأنه من عباده المخلصين له في عباداتهم، الذين أخلصهم الله واختارهم، واختصهم لنفسه، وأسدى عليهم من النعم، وصرف عنهم من المكاره ما كانوا به من خيار خلقه.
ولما امتنع من إجابة طلبها بعد المراودة الشديدة، ذهب ليهرب عنها ويبادر إلى الخروج من الباب ليتخلص، ويهرب من الفتنة، فبادرت إليه، وتعلقت بثوبه، فشقت قميصه، فلما وصلا إلى الباب في تلك الحال، ألفيا سيدها، أي: زوجها لدى الباب، فرأى أمرا شق عليه، فبادرت إلى الكذب، أن المراودة قد كانت من يوسف، وقالت: {مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا} ولم تقل "من فعل بأهلك سوءا" تبرئة لها وتبرئة له أيضا من الفعل.
وقال ابن عطية في تفسيره في معنى استعصام يوسف عليه السلام وعدم استسلامه لمراودة المرأة: ثم أقرت امرأة العزيز للنسوة بالمراودة واستنامت إليهن في ذلك إذ قد علمت أنهن قد عذرنها، واستعصم معناه: طلب العصمة وتمسك بها وعصاني، ثم جعلت تتوعده وهو يسمع بقولها: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ إلى آخر الآية.
وقال البغوي في تفسير معنى التقوى والصبر: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ} بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي، {وَيَصْبِرْ} عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ.
وقال القرطبي: (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) أَيْ يَتَّقِ اللَّهَ وَيَصْبِرْ عَلَى الْمَصَائِبِ، وَعَنِ الْمَعَاصِي. (فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أَيِ الصَّابِرِينَ فِي بَلَائِهِ، الْقَائِمِينَ بِطَاعَتِهِ.
وكم يحتاج الناس إلى هذه الأسباب ولا سيما مع عظيم فتنة النساء في هذا الزمان التي تيسرت وسهلت عبر وسائل التواصل ومواقع الانترنت،وهذه الأسباب يحرص العبد على العمل بها،ونشرها للناس حتى ينتفعوا بها،والله الموفق،وهو نعم المولى ونعم النصير.
تعليق