إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

التعليق على أثر أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: «من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إلى أبيها وأخيها فإنها تأتيه بأحدهما ».

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • التعليق على أثر أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: «من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إلى أبيها وأخيها فإنها تأتيه بأحدهما ».

    <بسملة1>


    التعليق على أثر أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-: «من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إلى أبيها وأخيها فإنها تأتيه بأحدهما ».

    لتحميل المقال : «https://bit.ly/322hSPW».



    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

    فدونك أخي القارئ الكريم أثرا من أنفس الآثار، وأغلى الأخبار، لضبط الحياة الاجتماعية على الطريقة السوية، والسابلة المرضية، ذكره الشيخ النسابة أبو عبد الله المصعب بن عبد الله في كتابه «نسب قريش، ص273» في معرض حكايته قصة الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير بن العوام، في فتح افريقية فقال:


    «وغزا عبد الله بن الزبير إفريقية مع عبد الله بن أبي سرح العامري.
    قال ابن الزبير: هجم علينا جرجير ملك إفرنجة في عشرين ومائة ألف؛ فأحاطوا بنا، والمسلمون في عشرين ألفاً، فاختلف الناس على ابن أبي سرح؛ فدخل فسطاطاً له، فخلا فيه، ورأيت غرة من جرجير: بصرت به خلف عساكره على برذون أشهب، معه جاريتان تظللان عليه بريش الطواويس، بينه وبين جنده أرض بيضاء ليس فيها أحد، فخرجت أطلب الإذن على ابن أبي سرح، لأخبره بغرته؛ فأتيت حاجبه؛ فأبى أن يأذن لي عليه؛ فدرت من كسر الفسطاط؛ فدخلت عليه؛ فوجدته مستلقياً على ظهره يفكر؛ ففزع واستوى جالساً؛ فقلت: «إيه، كل أزب نفور»(1)، قال: «ما أدخلك علي يا ابن الزبير، بغير إذن؟ قلت: رأيت عورة من العدو، فاخرج فانتدب الناس»،قال:«وما هي؟» فأخبرته؛ فخرج معي مسرعاً؛ فقال: «يا أيها الناس! انتدبوا مع عبد الله بن الزبير»، فاخترت ثلاثين فارساً، فقلت: «احموا لي ظهري»، وحملت في الوجه الذي رأيت فيه جرجير.
    فما كان إلا أن خرقت الصف إليه، فخرجت صامداً إليه؛ ما يحسب هو وأصحابه إلا أني رسول، حتى دنوت منه؛ فعرف الشر؛ فقبل برذونه مولياً، وأدركته، فطعنته؛ فسقط، وسقطت الجاريتان عليه؛ وأهويت إليه، فضربته بالسيف؛ فأصبت يد إحدى الجاريتين فقطعتها، وذففت عليه؛ ثم احتززت رأسه، وجعلته على رمحي، وكبرت، ورفعت الرمح. وحمل المسلمون في الوجه الذي كنت فيه، وارفض العدو من كل وجه، ومنح الله أكتافهم.
    فوجهني ابن أبي سرح بشيراً إلى عثمان بن عفان؛ فقدمت عليه، فأخبرته بفتح الله ونصره، ووصفت أمرنا كيف كان.
    فلما فرغت من ذلك، قال: «هل تستطيع أن تؤدي هذا إلى الناس؟»، قال: قلت:
    «وما يمنعني من ذلك؟ أنت أهيب عندي منهم». قال: «فاخرج إلى المسجد، فأخبرهم»، فخرجت حتى أتيت المنبر، فاستقبلت الناس؛ فتلقاني وجه أبي، الزبير بن العوام؛ فدخلتني له هيبة؛ فعرفها مني؛ فقبض قبضة من حصى، وجمع وجهه في وجهي، وهم أن يحصبني؛ فاعتزمت، فتكلمت.
    قال أبي الزبير، حين فرغت: «كأني سمعت كلام أبي بكر الصديق: «فمن أراد أن يتزوج امرأة فلينظر إلى أبيها وأخيها، فإنها تأتيه بأحدهما»»».

    فلا عجب ولا غرابة أن يكون عبد الله بن الزبير –رضي الله عنه- بتلك الروح الأبية من الشجاعة، وبهذا النفس العالي من الإقدام، وجده من أمه صديق هذه الأمة خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين، أول من أجاب إلى الإسلام، يقول عنه ابن القيم –رحمه الله- في كتابه «الفروسية، ص466-469»:
    « وكان الصديق رضي الله عنه أشجع الأمة بعد رسول الله... برز على الصحابة كلهم بثبات قلبه، في كل موطن من المواطن التي تزلزل الجبال، وهو في ذلك ثابت القلب، ربيط الجأش، يلوذ به شجعان الصحابة وأبطالهم، فيثبتهم ويشجعهم، ولو لم يكن له إلا ثبات قلبه يوم الغار، وليلته، وثبات قلبه يوم بدر، وهو يقول للنَّبي يا رسول الله كفاك بعض مناشدتك ربك، فإنه منجز لك ما وعدك، وثبات قلبه يوم أحد، وقد صرخ الشيطان في النَّاس بأن محمدًا قد قتل، ولم يبق أحد مع رسول الله إلا دون عشرين في أحد، وهو مع ذلك ثابت القلب ساكن الجأش، وثبات قلبه يوم الخندق وقد زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، وثبات قلبه يوم الحديبية، وقد قلق فارس الإسلام عمر بن الخطاب، حتى إنَّ الصديق ليثبته ويسكنه ويطمئنه، وثبات قلبه يوم حنين حيث فر النَّاس وهو لم يفر، وثبات قلبه حين النازلة التي اهتزت لها الدنيا أجمع، وكادت تزول لها الجبال، وعقرت لها أقدام الأبطال، وماجت لها قلوب أهل الإسلام ،كموج البحر عند هبوب قواصف الرياح، وصاح لها الشيطان في أقطار الأرض أبلغ الصياح، وخرج النَّاس بها من دين الله أفواجًا، وأثار عدو الله بها أقطار الأرض عجاجًا، وانقطع لها الوحي من السماء، وكاد لولا دفاع الله لطمس نجوم الاهتداء، وأنكرت الصحابة بها قلوبهم، وكيف لا وقد فقدوا رسولهم من بين أظهرهم، وحبيبهم، وطاشت الأحلام، وغشي الآفاق ما غشيها من الظلام، واشْرَأَبَّ النفاق، ومد أهله الأعناق، ورفع الباطل رأسًا كان تحت قدم الرسول موضوعًا، وسمع المسلمون من أعداء الله ما لم يكن في حياته بينهم مسموعًا، وطمع عدو الله أن يعيد النَّاس إلى عبادة الأصنام، وأن يصرف وجوههم عن البيت الحرام، وأن يصد قلوبهم عن الإيمان والقرآن، ويدعوهم إلى ما كانوا عليه من التهود، والتمجس، والشرك، وعبادة الصلبان، فشمَّر الصديق رضي الله عنه من جده عن ساق غير خوار، وانتضى سيف عزمه الذي هو ثاني ذي الفقار، وامتطى من ظهور عزائمه جوادًا لم يكن يكبو يوم السباق، وتقدم جنود الإسلام فكان أفرسهم إنَّما همه اللحاق، وقال والله لأجاهدن أعداء الإسلام جهدي، ولأصدقنهم الحرب حتى تنفرد سالفتي، أو أفرد وحدي، ولأدخلنهم في الباب الذي خرجوا منه، ولَأَرُدَّنَّهُمْ إلى الحق الذي رغبوا عنه، فثبَّت الله بذلك القلب الذي لو وزن بقلوب الأمة لرجحها جيوش الإسلام، وأذلَّ بها المنافقين، والمرتدين، وأهل الكتاب، وعبدة الأصنام، حتى استقامت قناة الدين من بعد اعوجاجها، وجرت الملة الحنيفية على سننها ومنهاجها، وتولَّى حزب الشيطان وهم الخاسرون، وأذَّن مؤذن الإيمان على رؤوس الخلائق «فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ» (المائدة: 56).
    هذا وما ضعفت جيوش عزماته، ولا استكانت ولا وهنت، بل لم تزل الجيوش بها مؤيَّدة ومنصورة، وما فرحت عزائم أعدائه بالظفر في موطن من المواطن، بل لم تزل مغلوبة مكسورة، تلك لعمر الله الشَّجَاعَة التي تضاءلت لها فرسان الأمم، والهمَّة التي تصاغرت عندها عليات الهمم، ويحق لصديق الأمة أن يضرب من هذا المغنم بأوفر نصيب، وكيف لا وقد فاز من ميراث النبوة بكمال التعصب».

    ولعلك أخي الفاضل بهذه المقدمة التاريخية شممت رائحة مضمون المقال، وأشرفت على إبصار محتوى معاني الموضوع، الذي يتلخص في أن المقبل على الزواج ينبغي له بل يجب عليه أن يسأل عن نسب من يختارها لتكون أم أولاده، فإنها تأتيه بأحدهما: يعني: يكون ولده كجده أو كخاله غالبا.

    وقد جاء الترغيب في مراعاة النسب مصرحا به في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «تنكح المرأة لأربع: لجمالها ولمالها ولحسبها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك» (البخاري 4818).
    قال القسطلاني في إرشاد الساري (363/11) في شرح قوله صلى الله عليه وسلم:«لحسبها»:
    «حسبها: لشرفها والحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدّوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره.
    وقد قال أكثم ابن صيفي: «يا بني تميم لا يغلبنكم جمال النساء على صراحة الحسب فإن المناكح الكريمة مدرجة للشرف».
    وقال بكير الأسدي:
    وأول خبث المرء خبث ترابه ::: وأول لؤم المرء لؤم المناكح
    وقال آخر:
    وإذا كنت تبغي أيـمّا بجهالة ::: من الناس فانظر من أبوها وخالها
    فإنهما منها كما هي منهما ::: كقدّك نعلًا أن أريد مثالها
    ولا تطلب البيت الدنيء فعاله ::: ولا يد ذا عقل لورهاء مالها
    فإن الذي ترجو من المال عندها ::: سيأتي عليه شؤمها وخبالها»

    عن عروة بن الزبير قال:«ما رفع أحد نفسه بعد الإيمان بالله بمثل منكح صدق، ولا وضع نفسه له بعد الكفر بالله بمثل منكح سوء»(العقد الفريد لابن عبد ربه 88/7).
    وكان من قوله-رحمه الله-:«إني لأعشق الشرف كما أعشق الجمال، فعل الله بفلانة، ألفت بني فلان وهم بيض طوال، فقلبتهم سودا قصارا»(تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر (160/22)).

    وقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم: «تخيروا لنطفكم فإن النساء يلدن أشباه إخوانهم وأخواتهن»، ومعنى ذلك: أن المرء يتخير الوعاء الذي يضع فيه نطفته، فإن العرق دساس: أي عرق السوء يأتي بخفاء ولطف بالسوء، وعرق الخير يأتي بالخير كذلك.

    قال المناوي في فيض القدير (288/3): «(تخيروا لنطفكم): أي لا تضعوا نطفكم إلا في أصل طاهر، أي: لا تكلفوا (2) طلب ما هو خير المناكح وأزكاها وأبعدها عن الخبث والفجور».

    وقد ترجم البخاري –رحمه الله- (بابٌ إِلَى مَنْ يَنكِحُ؟ وأيُّ النِّساءُ خَيْرٌ؟ وَمَا يُتَحَبُّ أنْ يَتَخَيَّرَ لِنُطْفِهِ مِنْ غَيْرِ إيجابٍ) ثم استدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: « خيْرُ نِسَاءَ رَكِبْنَ الإبِلَ صَالِحُو نِساءِ قُرَيْشٍ: أحْناهُ علَى ولَدٍ فِي صِغَرِهِ، وأرْعاهُ علَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِه».

    قال العيني –رحمه الله- في عمدة القاري (110/20) –بتصرف-: «...وَقد اشْتَمَلت هَذِه التَّرْجَمَة على ثَلَاثَة أَنْوَاع، وَحَدِيث الْبَاب وَاحِد.
    الأول: قَوْله: (إِلَى من ينْكح) وَالثَّانِي: قَوْله: (وَأي النِّسَاء خير) وَالثَّالِث:(وَمَا يسْتَحبّ أَن يتَخَيَّر لنطفه).
    وَمن الحَدِيث تُؤْخَذ الْمُطَابقَة للْأولِ وَالثَّانِي ظَاهرا، والثَّالِث لَا تُؤْخَذ إلاَّ بطرِيق اللُّزُوم، بَيَانه أَن الَّذِي يُرِيد النِّكَاح يَنْبَغِي أَن يتَزَوَّج من قُرَيْش لِأَن نساءهن خير النِّسَاء، وَهَذَان نَوْعَانِ ظَاهران فِي الْمُطَابقَة، وَأما النَّوْع الثَّالِث فَهُوَ أَنه لما ثَبت أَن نسَاء قُرَيْش خير النِّسَاء، وَأَن الَّذِي تزوج مِنْهُنَّ قد تخير لنطفه لأجل أَوْلَاده، وَهَذَا لَا يفهم من الحَدِيث صَرِيحًا، وَلَكِن بطرِيق اللُّزُوم، على أَنا نقُول: يحْتَمل أَنه أَشَارَ إِلَى حَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه من حَدِيث عَائِشَة مَرْفُوعا: «تخَيرُوا لنُطَفِكُمْ وَأنْكحُوا الْأَكفاء»، وَأخرجه الْحَاكِم أَيْضا وَصَححهُ».

    ورُوي عن أنس رضي الله عنه: «تزوجوا في الحجز الصالح فإن العرق دساس».
    قال المناوي –رحمه الله- في فيض القدير (293/3): «(تزوجوا في الحجز) -بضم الحاء المهملة وكسرها وسكون الجيم-: الأصل والمنبت، (الصالح): كناية عن العفة، وقيل: هو فصل ما بين فخذ الرجل والفخذ الآخر من عشيرته سمي به لأنه يحتجز بهم أي يمتنع وبالكسر بمعنى الحجز كناية عن العفة وطيب الإزار ذكره الزمخشري.
    (فإن العرق دساس) أي دخال بالتشديد لأنه ينزع في خفاء ولطف يقال دسست الشيء إذا أخفيته وأخملته ومنه {وقد خاب من دساها} أي أخمل نفسه وأبخس حظها وقيل معنى دساس خفي قليل وكل من أخفيته وقللته فقد دسسته والمعنى أن الرجل إذا تزوج في منبت صالح يجيء الولد يشبه أهل الزوجة في العمل والأخلاق ونحوهما وعكسه بعكسه».

    وهذا واقع مرئي مشاهد، وأمر محسوس متعاهد، فإن منشأ الخير ومبدأ الفضيلة ومهبط المكارم لا ينتج منه إلا أمثاله كما قال عز وجل:«ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم»(آل عمران:34).
    قال السعدي-رحمه الله- في (تيسير الكريم الرحمن ص134):«﴿ذرية بعضها من بعض﴾ أي: حصل التناسب والتشابه بينهم في الخلق والأخلاق الجميلة، كما قال تعالى لما ذكر جملة من الأنبياء الداخلين في ضمن هذه البيوت الكبار ﴿ومن آبائهم وإخوانهم وذرياتهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم﴾».

    قال تعالى في قصة مريم البتول لما أتت قومها بالمسيح تحمله: «ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا»(مريم:28).
    ساق ابن جرير الطبري بسنده عن قتادة في قوله تعالى: ﴿يَاأُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ قال: «كانت من أهل بيت يُعرفون بالصلاح، ولا يُعرفون بالفساد، ومن الناس من يُعرفون بالصلاح ويتوالدون به، وآخرون يُعرفون بالفساد ويتوالدون به» (تفسير ابن كثير –رحمه الله-(109/3)).

    قال الألوسي –رحمه الله- في روح المعاني(409/6):«﴿ما كانَ أبُوكِ امْرَأ سَوْءٍ وما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا﴾ تَقْرِيرٌ لِكَوْنِ ما جاءَتْ بِهِ فَرِيًّا أوْ تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ ارْتِكابَ الفَواحِشِ مِن أوْلادِ الصّالِحِينَ أفْحَشُ وفِيهِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الفُرُوعَ غالِبًا تَكُونُ زاكِيَةً إذا زَكَتِ الأُصُولُ ويُنْكَرُ عَلَيْها إذا جاءَتْ بِضِدِّ ذَلِكَ».

    قال تعالى: «والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا» (الأعراف:58).

    ومن الآثار المحسوسة لذلك، ما جاء في تفسير قوله تعالى في سورة الكهف: «أما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا» (الكهف:82)، فقد قال صديق حسن خان القنوجي –رحمه الله- في فتح البيان(94/8):
    «(وكان أبوهما صالحاً) فكان صلاحه مقتضياً لرعاية ولديه وحفظ مالهما، فظاهر اللفظ أنه أبوهما حقيقة، وقيل هو الذي دفنه، وقيل هو الأب السابع من عند الدافن له. قاله جعفر بن محمد وقيل العاشر وكان يسمى كاشحاً وكان من الأتقياء قاله مقاتل، واسم أمهما دنيا. ذكره النقاش، ففيه ما يدل على أن الله يحفظ الصالح في نفسه وفي ولده وإن بعدوا. قال ابن عباس: «حفظا بصلاح أبيهما».
    وأخرج ابن مردويه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله عز وجل يصلح بصلاح الرجل الصالح ولده وولد ولده وأهل دويرته، وأهل دويرات حوله، فما يزالون في حفظ الله تعالى ما دام فيهم»، وعن ابن عباس نحوه وقال: «موضع حفظ الله في ستر من الله وعافية».
    قال سعيد بن المسيب: «إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي».
    وقد رُوي أن الله يحفظ الصالح في سبعة من ذريته، وعلى هذا يدل قوله تعالى (إن وليّيّ الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين) قاله القرطبي».

    قال الألوسي –رحمه الله- في روح المعاني (13/16):
    «وأيًّا ما كانَ فَفي الآيَةِ دَلالَةٌ عَلى أنَّ صَلاحَ الآباءِ يُفِيدُ العِنايَةَ بِالأبْناءِ، وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وأحْمَدُ في الزُّهْدِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ خَيْثَمَةَ قالَ: «قالَ عِيسى عَلَيْهِ السَّلامُ طُوبى لِذُرِّيَّةِ المُؤْمِنِ ثُمَّ طُوبى لَهم كَيْفَ يُحْفَظُونَ مِن بَعْدِهِ وتَلا خَيْثَمَةُ هَذِهِ الآيَةَ».
    وأخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ وهْبٍ قالَ: «إنَّ اللَّهَ تَعالى لَيَحْفَظُ بِالعَبْدِ الصّالِحِ القَبِيلَ مِنَ النّاسِ».
    وعَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّهُ قالَ لِبَعْضِ الخَوارِجِ في كَلامٍ جَرى بَيْنَهُما: «بِمَ حَفِظَ اللَّهُ تَعالى مالَ الغُلامَيْنِ؟
    قالَ: بِصَلاحِ أبِيهِما. قالَ: فَأبِي وجَدِّي خَيْرٌ مِنهُ، فَقالَ الخارِجِيُّ أنْبَأنا اللَّهُ تَعالى: أنَّكم قَوْمٌ خَصِمُونَ».
    وذَكَرَ مِن صَلاحِ هَذا الرَّجُلِ أنَّ النّاسَ كانُوا يَضَعُونَ عِنْدَهُ الوَدائِعَ فَيَرُدُّها إلَيْهِمْ كَما وضَعُوها».

    قال ابن كثير-رحمه الله- معلقا على نحو هذه الآثار في تفسيره(90/3):
    «وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ، وَوَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ وَإِنْ صَحَّ، لَا يُنَافِي قَوْلَ عِكْرِمَةَ: أَنَّهُ كَانَ مَالًا لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ لَوْحًا مِنْ ذَهَبٍ، وَفِيهِ مَالٌ جَزِيلٌ، أَكْثَرُ مَا زَادُوا أَنَّهُ كَانَ مُودَعًا فِيهِ عِلْمٌ، وَهُوَ حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ، وَاللَّهُ أَعْلَم».

    ويحسن التنبيه أن من ثمرات حسن الاختيار في هذا الباب، أن المرأة مع زوجها ليست على وتيرة واحدة ولا على طبع فريد، فإن الرجل يستمتع بها وهي على عوج كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم:(إن المرأة خلقت من ضلع لن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمتعت بها وبها عوج ...)، فإذا اعوجت وكنت قد اخترت أباها وأخاها من أهل الصلاح، كانا عونا لك على تقويم اعوجاجها، وفصل ملحها من أجاجها.

    وعلى العكس من ذلك، فإن بؤرة الفساد ومركز الرذيلة ومكمن الشر يؤثر في الذرية مهما تباعد المكان، وتطاولت الأزمان، إلا أن يشاء الله، كما جاء في الأثر «واذا غضبت لعنت ولعنتي تبلغ السابع من الولد»، فتقع الذرية في الشر والفساد -إلا من رحم الله-، لأنها عاشت في أحضانه، وتلطخت بأدرانه، وتربت في محيط عفن، وترعرعت في واقع نتن، فألفته النفوس، واعتادته الطبائع، حتى صار يسري في العروق، ويجري مع الدماء.
    وفي المثل: «إيَّاكم وخضراءَ الدِّمَنِ»
    «والدِّمَن جمع دِمْنة وهي المزبلة‏، وخضراء الدِّمَنِ: هي ما تُدَمِّنُه الإبلُ والغنمُ من أبوالِها وأبعارِها، لأنه ربَّما نَبَتَ فيها النباتُ الحسنُ فيكون منظرُه حسنًا أنيقًا ومنبتُه فاسدًا.
    يُضرب: للشيء الحسن الذي نبت في مكانٍ خبيثٍ أو الذي له أصولٌ غيرُ طيِّبةٍ».
    (مجمع الأمثال للميداني (34/1)).
    «وَمَعْنَاهُ أنه كره نِكَاح الْفَاسِدَة لَان أولادها ينزعون لما فِيهَا من عرق السوء
    وَتَفْسِير حَقِيقَته أن النَّبَات ينْبت على البعر فِي الْموضع الْخَبيث فَيكون ظَاهره حسنا وباطنه قبيحا، فالدمن جمع دمنة وَهِي البعر شبهت الْفَاسِدَة نسبا وأصلا بالنبات فِي البعر بِجَامِع مَا فِي كل من النضارة فِي الظَّاهِر والقبح وَالْفساد فِي الاصل ثمَّ رشح لذَلِك التَّشْبِيه بِذكر الدمن فَهِيَ اسْتِعَارَة بِالْكِنَايَةِ يتبعهَا اسْتِعَارَة ترشيحية» (الإفصاح عن أحاديث النكاح، لابن حجر الهيثمي-رحمه الله-،ص68).

    وأخيرا يحسن أن أذكر لك مثالا يتضح به المقال، وهو قول القائل:
    «إذا أردت أن تبحث عن النساء فلا تبحث عن النساء، ولكن ابحث عن الرجال ففي بيوت الرجال يوجد النساء».

    وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


    -----------------------------------------------------------------------------------------
    الهامش:
    (1): مثل يضرب في عيب الجبان، قال أبو هلال العسكري-رحمه الله- في جمهرة الأمثال:
    « قَوْلهم كل أزب نفورٌ يضْرب مثلا للرجل ينفر من كل شىء
    والأزب من الْإِبِل الْكثير شعر الْوَجْه حَتَّى يشرف على عَيْنَيْهِ فَكلما رَآهُ نفر فَهُوَ دَائِم النفار، والمثل لزهير بن جذيمة العبسى وَكَانَ خَالِد بن جَعْفَر بن كلاب يَطْلُبهُ بذحلٍ
    -الثأر- فَأقبل يَوْمًا وزهيرٌ يهنأ إبِله وَمَعَهُ أَسد بن جذيمة وَكَانَ أشعر فَأخْبر زهيراً بمجيئه فَقَالَ زُهَيْر كل أزب نفورٌ يعْنى أَنه لَيْسَ على مِنْهُ ضَرَر وَإِنَّمَا نفورك مِنْهُ كنفور الأزب من شعر عَيْنَيْهِ وَوَجهه وَقَالَ الشَّاعِر
    (كَمَا حاد الأزب عَن الظعان ... ).
    والظعان حَبل يشد بِهِ الهودج ».
    (2): كَلِفَ الأمرَ: احتمله عَلى مشقَّة وعُسْر.
    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة أبوعبدالرحمن عبدالله بادي; الساعة 2019-06-30, 02:43 PM.

  • #2
    جزاكَ اللهُ خيرًا أخي عبد الله، وأرجُو أن ينتفعَ بهِ إخوانُكَ جميعًا.
    وفَّقكَ ربُّنا - عزَّ وجلَّ - لمزيدٍ منَ العَطَاءِ.

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا وبارك فيك أخي الكريم.

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيرا يا غالي.

        تعليق


        • #5
          جزاك الله خيرا وبارك فيك أخي أبو عبد الرحمن

          تعليق


          • #6
            بارك الله فيك اخي عبد الله وجزاك الله خيرا

            تعليق


            • #7
              أحسن الله إليك أخي الحبيب منصور، أسأل الله أن يتقبل دعائك.

              تعليق

              الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 3 زوار)
              يعمل...
              X