إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

يا ليت قومي يعلمون، وبكتاب ربهم يعملون، ولترك المظاهرات يهتدون (قصة موسى –عليه السلام- وقومه مع فرعون وملئه -عظات وعبر-).

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • يا ليت قومي يعلمون، وبكتاب ربهم يعملون، ولترك المظاهرات يهتدون (قصة موسى –عليه السلام- وقومه مع فرعون وملئه -عظات وعبر-).

    <بسملة1>


    يا ليت قومي يعلمون، وبكتاب ربهم يعملون، ولترك المظاهرات يهتدون (قصة موسى –عليه السلام- وقومه مع فرعون وملئه -عظات وعبر-).


    لتحميل المقال: (https://bit.ly/2HOKZ2D)



    الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

    فهذه لفتة قرآنية فيها الهداية، وكل القرآن هدى، ونفحة ربانية تحسم الحكاية، ولا يضل عنها إلا من عمى، خذها من كتاب ربك غضة طرية، بقلم محبك أثرية ندية.


    قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله في (تفسير سورة القصص ص8):

    «فقوله (المبين) يدل على أنه مبين لكل شيئ، ويدل لذلك قوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيئ) (النحل: 89).
    ولذلك فإن أي مشكلة تعرض لنا في ديننا نجد حلها في القرآن، والقرآن يرشدنا إلى الأخذ بالسنة، قال تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) (الحشر:7).
    إذن القرآن والسنة يحلان كل ما يعرض لنا من مشكلات في أمور ديننا، أو دنيانا، ولكن المشكلة هي القصور في فهم النص، ويرجع الأمر إلى سببين: إما هوى متبع، وإما جهل... كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الواسطية: «من تدبر القرآن طالبا للهدى منه تبين له طريق الحق»».

    ولقد جعل الله في القصص أمثلة من العبر البليغة، وأودع في الحكايات أسرارا من حكمه البديعة، ومن ذلكم ما قصه الله تعالى من «قصة موسى عليه الصلاة والسلام حيث كررها الله في القرآن ليعتبر بها أهل الإيمان، وينزجر بها أهل الطغيان، فيها عبرة وعظة للمؤمنين، وتوطين وتربية للمسلمين، بأن الباطل مهما علا وارتفع فإنه ساقط متمزق مندثر، وأن الحق مهما ابتلي واعتدي عليه وعلى أهله فإنه باق مستمر منتصر.

    لقد كان فرعون أعتا كافر على وجه الأرض بلغ من الكفر أنه ادعى الربوبية فقال لقومه: (أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى)، (مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)،وقال: (ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد)، وقال عن نفسه: (يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ* أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) يعني: موسى عليه السلام (وَلا يَكَادُ يُبِينُ) ما يكاد ينطق لما في كلامه من الثقل عليه الصلاة والسلام، (أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ) يعني: ضعيف (وَلا يَكَادُ يُبِينُ* فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ)، فصدقه قومه من جماعته من القبط وتجبروا على بني إسرائيل ذرية الأنبياء، (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ* فَلَمَّا آسَفُونَا) يعني: أغضبونا (انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ* فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ) يعني: عبرة للمتأخرين.

    ولما بلغ فرعون أن غلاما يُبعث من بني إسرائيل يكون هلاك فرعون على يده، جعل يتتبع الحوامل من بني إسرائيل، فإن ولدت ذكرا قتله وإن ولدت أنثى أبقاها للخدمة في بيوت آل فرعون: (يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ)؛ ولكن الحذر لن ينجي من القدر».(مقتبس من خطبتي جمعة للعلامة صالح الفوزان حفظه الله بتصرف يسير).

    وبعد أن تتابعت الأحداث، وتوالت الوقائع، من ولادة موسى -عليه السلام- ونشأته في قصر فرعون، وما جرى له من بطش بالقبطي، وخروجه من مصر خائفا يترقب، وتوجهه تلقاء مدين، ومكثه عشر سنوات هناك، حتى قضى الأجل وسار بأهله راجعا إلى دياره، وفي طريقه أرسله الله إلى فرعون يدعوه للإسلام، فبلغ رسالة ربه، وأدى أمانة مولاه، فأعرض عنها فرعون مستكبرا متجبرا حيث قام الملأ من قومه بتهييجه على موسى –عليه السلام-، قال تعالى: (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نسائهم وإنا فوقهم قاهرون).

    وإلى هنا وصلنا إلى بيت القصيد، وموطن الشاهد من هذه القصة العظيمة، والحكاية الكريمة.

    لما قال فرعون عن قوم موسى –عليه السلام-:(سنقتل أبنائهم ونستحيي نسائهم وإنا فوقهم قاهرون)، وهذا أشد أنواع الظلم والعدوان، وأعلى أصناف الجور والطغيان، -والذي لم نصل إليه في حياتنا المعاصرة في جزائرنا الحبيبة لأن السبل محروسة، والآفات مدسوسة، والأوطان آمنة، والأوضاع ساكنة، والحمدلله الذي بنعمته تتم الصالحات، مع نقائص مسجلة، وملاحظات مقيدة نستمد من كتاب ربنا طرق علاجها، وسبل حلها-لم يقل موسى عليه السلام:«اخرجوا هائجين، وتظاهروا غاضبين، اعملوا مليونية في جمعة الغضب، وفي حراك الانتفاضة، وقوموا بالعصيان المدني، والاعتصام السلمي...»، بل قال:(استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين).

    ولما خاطبه قومه بقولهم:(أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا)، كما يقال لنا هذه الأيام:«الأموال نهبت، والحكومة غصبت، والأسعار التهبت، والعصابة التهمت، والمصالح تعطلت، والمنشآت تدمرت، والثروات استنزفت، والخيرات استهلكت»، لم يقل لهم موسى عليه السلام:«ارفعوا الشعارات الحضارية، ونددوا بالمظاهرات السلمية، احشدوا الملايين، واملأوا الميادين»،بل قال: (عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون).

    هنا تمت الحكاية، ووصلنا إلى النهاية، لنشرع في البداية، بداية قصة أخرى ننجوا فيها ونسلم، أم نهلك فيها ونندم.

    فإلى كل من يريد الدر النضيد، ويبحث عن العيش السعيد، أقول لك:

    هذه آيات من كتاب ربك ومولاك -الذي هو أعلم بما يصلحك وينجيك، ويعصمك ويحميك-، سأسوق لك معانيها، وأتحفك بمبانيها، فاجعلها منهج حياة، واتخذها مسلك نجاة، واحذر ثم احذر من أن تعرض عنها، وتتركها وراءك ظهريا، فإن فعلت -وأعيذك بالله أن تفعل- فاستعد للمعيشة الضنكى، لأن خالقك يقول عمن أعرض عن ذكره:(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى ونحشره يوم القيامة أعمى قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى)(طه:124).


    لقد تعرض موسى –عليه السلام- وقومه من فرعون وملئه لأنواع من الأذى، وأصناف من الشذى، ينفطر له الفؤاد، وتحترق منه الأكباد، فمن القتل والاستحياء، إلى التفريق والاعتداء، قتل ذكرانهم، واستحيا نسوانهم، وجعلهم شيعا وأحزابا، وقسمهم فرقا ليكونوا سرابا، واستعمل معهم سياسة «فرق تسد»، لينال لقب «الظالم المستبد».

    قال العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- في (تفسير سورة القصص ص13):

    «إن تفريق الأمة سبب لفشلها وذلها، وذلك في قوله تعالى: (وجعل أهلها شيعا)، ومنها نعلم أن الحكمة الإنجليزية المشهورة «فرق تسد»، أصلها فرعوني، لأن فرعون هو أول من جعل أهل الأرض شيعا حتى يسود عليهم».

    قال بعض المفسرين: «اعْلَمْ أنَّ قَوْمَ مُوسى -عَلَيْهِ السَّلامُ- لَمّا سَمِعُوا ما ذَكَرَهُ فِرْعَوْنُ مِنَ التَّهْدِيدِ والوَعِيدِ خافُوا أوْ فَزِعُوا، وقالُوا: قَدْ أُوذِينا مِن قَبْلِ أنْ تَأْتِيَنا ومِن بَعْدِ ما جِئْتَنا، وذَلِكَ لِأنَّ بَنِي إسْرائِيلَ كانُوا قَبْلَ مَجِيءِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مُسْتَضْعَفِينَ في يَدِ فِرْعَوْنَ اللَّعِينِ، فَكانَ يَأْخُذُ مِنهُمُ الجِزْيَةَ، ويَسْتَعْمِلُهم في الأعْمالِ الشّاقَّةِ، ويَمْنَعُهم مِنَ التَّرَفُّهِ والتَّنَعُّمِ، ويَقْتُلُ أبْناءَهم ويَسْتَحْيِي نِساءَهم، فَلَمّا بَعَثَ اللَّهُ تَعالى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ قَوِيَ رَجاؤُهم في زَوالِ تِلْكَ المَضارِّ والمَتاعِبِ، فَلَمّا سَمِعُوا أنَّ فِرْعَوْنَ أعادَ التَّهْدِيدَ مَرَّةً ثانِيَةً عَظُمَ خَوْفُهم وحُزْنُهم، فَقالُوا هَذا الكَلامَ».

    ورغم كل ما تعرض له بنو إسرائيل من العدوان والإذاية، بعدما تفنن فيهم فرعون بالتشفي والنكاية، إلا أن الله أرسل رسوله موسى –عليه السلام- بالبراهين الجلية، والأدلة الواضحة، حيث أمره أن يخاطبه بألطف العبارات، وأحسن الكلمات، مراعيا ما كان عليه من القسوة والتجبر، والتعالي والتكبر، ذلك أن اجتماع قسوة الألفاظ بالأشداق مع قسوة الطبائع والأخلاق، تؤدي إلى الاصطدام، وتوصل إلى الاحتدام.


    قال السعدي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:﴿فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى﴾ [طه ٤٤]:

    «﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ أي: سهلا لطيفا، برفق ولين وأدب في اللفظ من دون فحش ولا صلف، ولا غلظة في المقال، أو فظاظة في الأفعال، ﴿لَعَلَّهُ﴾ بسبب القول اللين ﴿يَتَذَكَّرُ﴾ ما ينفعه فيأتيه، ﴿أَوْ يَخْشَى﴾ ما يضره فيتركه، فإن القول اللين داع لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه، وقد فسر القول اللين في قوله: ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى* وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾ فإن في هذا الكلام، من لطف القول وسهولته، وعدم بشاعته ما لا يخفى على المتأمل، فإنه أتى بـ " هل " الدالة على العرض والمشاورة، التي لا يشمئز منها أحد، ودعاه إلى التزكي والتطهر من الأدناس، التي أصلها، التطهر من الشرك، الذي يقبله كل عقل سليم، ولم يقل " أزكيك " بل قال: " تزكى " أنت بنفسك، ثم دعاه إلى سبيل ربه، الذي رباه، وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة، التي ينبغي مقابلتها بشكرها، وذكرها فقال: ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى﴾ فلما لم يقبل هذا الكلام اللين الذي يأخذ حسنه بالقلوب، علم أنه لا ينجع فيه تذكير، فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر». (تيسير الكريم الرحمن ص589).

    فيا سبحان الله، ما أعظمه من درس، وما أجلها من عبرة، رسول رب العالمين أفضل الخلق في زمنه، يرسل إلى أكفر وأفجر وأشر مخلوق في وقته، ويخاطب بهذا الأسلوب، ويدعى بهذه الطريقة؛ فهذه رسالة لنا معشر أهل الإسلام، فيها أدب عظيم في التعامل مع أولياء أمورنا، لأنه لن يكون شعب أهدى من موسى- عليه السلام-، ولا ولي أمر أكفر وأفجر من فرعون.

    «قَرَأَ رَجُلٌ عِنْدَ يَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا﴾ فَبَكَى يَحْيَى، وَقَالَ: إِلَهِي هَذَا رِفْقُكَ بِمَنْ يَقُولُ أَنَا الْإِلَهُ، فَكَيْفَ رِفْقُكَ بِمَنْ يَقُولُ أَنْتَ الْإِلَهُ؟!». (زاد المسير في علم التفسير 5/214).

    وبعد أن قام موسى –عليه السلام- بأمر ربه أحسن قيام، وخاطب الطاغية فرعون بألطف كلام، عوى وزمجر، وتعدى وتجبر، وأعرض واستكبر، وهيجه ملؤه على البطش برسول الله «فـقالَ فرعون مجيبا لهم، بأنه سيدع بني إسرائيل مع موسى بحالة لا ينمون فيها، ويأمن فرعون وقومه - بزعمه - من ضررهم: سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ أي: نستبقيهن فلا نقتلهن، فإذا فعلنا ذلك أمنا من كثرتهم، وكنا مستخدمين لباقيهم، ومسخرين لهم على ما نشاء من الأعمال وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ لا خروج لهم عن حكمنا، ولا قدرة، وهذا نهاية الجبروت من فرعون والعتو والقسوة» (تيسير الكريم الرحمن ص339).

    قال برهان الدين البقاعي –رحمه الله-:
    «ولَمّا أعْجَزَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ أنْ يَفْعَلَ أكْثَرَ مِمّا كانَ يَعْمَلُ قَبْلَ مَجِيءِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لِما يُرادُ بِهِ مِنَ الِاسْتِدْراجِ إلى الهَلاكِ، أخْبَرَ عَنْهُ سُبْحانَهُ بِما يُفْهِمُ ذَلِكَ؛ فَقالَ مُسْتَأْنِفًا: ﴿قالَ﴾ أيْ: فِرْعَوْنُ ﴿سَنُقَتِّلُ﴾ أيْ: تَقْتِيلًا كَثِيرًا ﴿أبْناءَهُمْ﴾ أيْ: كَما كُنّا نَفْعَلُ ﴿ونَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ﴾ أيْ: نُبْقِيهِمْ أحْياءَ إذْلالًا لَهم وأمْنًا مِن غائِلَتِهِمْ في المُسْتَقْبَلِ ﴿وإنّا فَوْقَهُمْ﴾ أيِ: الآنَ ﴿قاهِرُونَ﴾ ولا أثَرَ لِغَلَبَةِ مُوسى لَنا في هَذِهِ المَناظِرِ لِئَلّا تَتَوَهَّمَ العامَّةُ أنَّهُ المَوْلُودُ الَّذِي تَحَدَّثَ المُنَجِّمُونَ والكَهَنَةُ بِذَهابِ مُلْكِهِمْ عَلى يَدِهِ فَيُثَبِّطَهم ذَلِكَ عَنِ الطّاعَةِ، مُوهِمًا بِهَذا أنَّ تَرْكَهُ لِأذى مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لِعَدَمِ التِفاتِهِ إلَيْهِ يُعْجِزُهُ شَيْءٌ عَنْهُ» (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور 36/8).

    «وَلَمَّا صَمَّمَ فِرْعَوْنُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنَ الْمُسَاءَةِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، ﴿قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا﴾ وَوَعْدَهُمْ بِالْعَاقِبَةِ، وَأَنَّ الدَّارَ سَتَصِيرُ لَهُمْ فِي قَوْلِهِ: ﴿إِنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾» (تفسير ابن كثير -رحمه الله- 271/2).

    قال السعدي –رحمه الله-:
    «فـقالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ موصيا لهم في هذه الحالة، - التي لا يقدرون معها على شيء، ولا مقاومة إلا بالمقاومة الإلهية، والاستعانة الربانية: اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ أي: اعتمدوا عليه في جلب ما ينفعكم، ودفع ما يضركم، وثقوا باللّه ، أنه سيتم أمركم وَاصْبِرُوا أي: الزموا الصبر على ما يحل بكم، منتظرين للفرج.
    إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ ليست لفرعون ولا لقومه حتى يتحكموا فيها يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أي: يداولها بين الناس على حسب مشيئته وحكمته، ولكن العاقبة للمتقين، فإنهم - وإن امتحنوا مدة ابتلاء من اللّه وحكمة، فإن النصر لهم، وَالْعَاقِبَةُ الحميدة لهم على قومهم وهذه وظيفة العبد، أنه عند القدرة، أن يفعل من الأسباب الدافعة عنه أذى الغير، ما يقدر عليه، وعند العجز، أن يصبر ويستعين اللّه، وينتظر الفرج» (تيسير الكريم الرحمن ص339).

    قال بعض أهل التفسير: «ثُمَّ حَكى تَعالى عَنْ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّهُ قالَ لِقَوْمِهِ: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ واصْبِرُوا﴾ وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ الَّذِي قالَهُ المَلَأُ لِفِرْعَوْنَ والَّذِي قالَ فِرْعَوْنُ لَهم قَدْ عَرَفَهُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ ووَصَلَ إلَيْهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قالَ لِقَوْمِهِ: ﴿اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ واصْبِرُوا إنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ والعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ فَهَهُنا أمَرَهم بِشَيْئَيْنِ وبَشَّرَهم بِشَيْئَيْنِ:

    أمّا اللَّذانِ أمَرَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِهِما:
    فالأوَّلُ: الِاسْتِعانَةُ بِاللَّهِ تَعالى.
    والثّانِي: الصَّبْرُ عَلى بَلاءِ اللَّهِ.
    وإنَّما أمَرَهم أوَّلًا بِالِاسْتِعانَةِ بِاللَّهِ، وذَلِكَ لِأنَّ مَن عَرَفَ أنَّهُ لا مُدَبِّرَ في العالَمِ إلّا اللَّهُ تَعالى انْشَرَحَ صَدْرُهُ بِنُورِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ تَعالى وحِينَئِذٍ يَسْهُلُ عَلَيْهِ أنْواعُ البَلاءِ؛ ولِأنَّهُ يَرى عِنْدَ نُزُولِ البَلاءِ أنَّهُ إنَّما حَصَلَ بِقَضاءِ اللَّهِ تَعالى وتَقْدِيرِهِ، واسْتِعْدادُهُ بِمُشاهَدَةِ قَضاءِ اللَّهِ خَفَّفَ عَلَيْهِ أنْواعَ البَلاءِ.
    وأمّا اللَّذانِ بَشَّرَ بِهِما:
    فالأوَّلُ: قَوْلُهُ: ﴿إنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾ وهَذا إطْماعٌ مِن مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ قَوْمَهُ في أنْ يُورِثَهُمُ اللَّهُ تَعالى أرْضَ فِرْعَوْنَ بَعْدَ إهْلاكِهِ، وذَلِكَ مَعْنى الإرْثِ، وهو جَعْلُ الشَّيْءِ لِلْخَلَفِ بَعْدَ السَّلَفِ.
    والثّانِي: قَوْلُهُ: ﴿والعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ فَقِيلَ: المُرادُ أمْرُ الآخِرَةِ فَقَطْ، وقِيلَ: المُرادُ أمْرُ الدُّنْيا فَقَطْ، وهو: الفَتْحُ، والظَّفَرُ، والنَّصْرُ عَلى الأعْداءِ. وقِيلَ: المُرادُ مَجْمُوعُ الأمْرَيْنِ.
    وقَوْلُهُ: ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ إشارَةٌ إلى أنَّ كُلَّ مَنِ اتَّقى اللَّهَ تَعالى وخافَهُ فاللَّهُ يُعِينُهُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ».

    قال محمد الطاهر بن عاشور –رحمه الله-:

    « والتَّوَكُّلُ هو جِماعُ قَوْلِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ واصْبِرُوا وقَدْ عُبِّرَ عَنْ ذَلِكَ بِلَفْظِ التَّوَكُّلِ في قَوْلِهِ (وقالَ مُوسى يا قَوْمِ إنْ كُنْتُمْ آمَنتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ) في سُورَةِ يُونُسَ، فَإنَّ حَقِيقَةَ التَّوَكُّلِ أنَّهُ طَلَبُ نَصْرِ اللَّهِ وتَأْيِيدِهِ في الأمْرِ الَّذِي يُرْغَبُ حُصُولُهُ، وذَلِكَ داخِلٌ في الِاسْتِعانَةِ وهو يَسْتَلْزِمُ الصَّبْرَ عَلى الضُّرِّ لِاعْتِقادِ أنَّهُ زائِلٌ بِإذْنِ اللَّهِ.
    وخاطَبَ مُوسى قَوْمَهُ بِذَلِكَ تَطْمِينًا لِقُلُوبِهِمْ، وتَعْلِيمًا لَهم بِنَصْرِ اللَّهِ إيّاهم لِأنَّهُ عَلِمَ ذَلِكَ بِوَحْيِ اللَّهِ إلَيْهِ.
    وجُمْلَةُ إنَّ الأرْضَ لِلَّهِ تَذْيِيلٌ وتَعْلِيلٌ لِلْأمْرِ بِالِاسْتِعانَةِ بِاللَّهِ والصَّبْرِ، أيِ: افْعَلُوا ذَلِكَ لِأنَّ حُكْمَ الظُّلْمِ لا يَدُومُ، ولِأجْلِ هَذا المَعْنى فُصِلَتِ الجُمْلَةُ.

    وقَوْلُهُ: (إنَّ الأرْضَ لِلَّهِ يُورِثُها مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ )كِنايَةٌ عَنْ تَرَقُّبِ زَوالِ اسْتِعْبادِ فِرْعَوْنَ إيّاهم، قُصِدَ مِنها صَرْفُ اليَأْسِ عَنْ أنْفُسِهِمُ النّاشِئِ عَنْ مُشاهَدَةِ قُوَّةِ فِرْعَوْنَ وسُلْطانِهِ، بِأنَّ اللَّهَ الَّذِي خَوَّلَهُ ذَلِكَ السُّلْطانَ قادِرٌ عَلى نَزْعِهِ مِنهُ لِأنَّ مُلْكَ الأرْضِ كُلِّها لِلَّهِ فَهو الَّذِي يُقَدِّرُ لِمَن يَشاءُ مُلْكَ شَيْءٍ مِنها وهو الَّذِي يُقَدِّرُ نَزْعَهُ.
    فالمُرادُ مِنَ الأرْضِ هُنا الدُّنْيا لِأنَّهُ ألْيَقُ بِالتَّذْيِيلِ وأقْوى في التَّعْلِيلِ، فَهَذا إيماءٌ إلى أنَّهم خارِجُونَ مِن مِصْرَ وسَيَمْلِكُونَ أرْضًا أُخْرى.

    فَأجابَهم مُوسى بِتَقْرِيبِ أنْ يَكُونُوا هُمُ الَّذِينَ يَرِثُونَ مُلْكَ الأرْضِ والَّذِينَ تَكُونُ لَهُمُ العاقِبَةُ.
    وجاءَ بِفِعْلِ الرَّجاءِ دُونَ الجَزْمِ تَأدُّبًا مَعَ اللَّهِ - تَعالى -، وإقْصاءً لِلِاتِّكالِ عَلى أعْمالِهِمْ لِيَزْدادُوا مِنَ التَّقْوى والتَّعَرُّضِ إلى رِضى اللَّهِ - تَعالى - ونَصْرِهِ. فَقَوْلُهُ ﴿عَسى رَبُّكم أنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ﴾ ناظِرٌ إلى قَوْلِهِ ﴿إنَّ الأرْضَ لِلَّهِ﴾ [الأعراف: ١٢٨] وقَوْلُهُ ﴿ويَسْتَخْلِفَكم في الأرْضِ﴾ ناظِرٌ إلى قَوْلِهِ ﴿والعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: ١٢٨]» (التحرير والتنوير 59/9).

    ولما حضهم موسى –عليه السلام- على التوكل على ربهم، والثقة بموعود مولاهم، «قَالُوا لموسى متضجرين من طول ما مكثوا في عذاب فرعون، وأذيته: أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا فإنهم يسوموننا سوء العذاب، يذبحون أبناءنا ويستحيون نساءنا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا كذلك فـقَالَ لهم موسى مرجيا لهم الفرج والخلاص من شرهم: عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ أي: يمكنكم فيها، ويجعل لكم التدبير فيها فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ هل تشكرون أم تكفرون؟ وهذا وعد أنجزه اللّه لما جاء الوقت الذي أراده اللّه» (تيسير الكريم الرحمن ص340).

    قال برهان الدين البقاعي –رحمه الله-:

    «ولَمّا تَشَوَّفَ السّامِعُ إلى ما كانَ مِن جَوابِهِمْ، أشارَ تَعالى إلى أنَّ قَلَقَهم كانَ وصَلَ إلى حَدٍّ لا صَبْرَ مَعَهُ بِقَوْلِهِ مُسْتَأْنِفًا: ﴿قالُوا﴾ ولَمّا كانَ المُوجِعُ هو الأذى، لا كَوْنُهُ مِن مُعَيَّنٍ، بَنَوْا لِلْمَفْعُولِ قَوْلَهُمْ: ﴿أُوذِينا﴾ أيْ: بِالقَتْلِ والِاسْتِعْبادِ.
    ولَمّا كانَ أذاهم غَيْرَ مُسْتَغْرِقٍ لِلزَّمانِ، أثْبَتُوا الجارَّ فَقالُوا: ﴿مِن قَبْلِ أنْ تَأْتِيَنا﴾ أيْ: كَما تَعْلَمُ ﴿ومِن بَعْدِ ما جِئْتَنا﴾ أيْ: فَما الَّذِي أفادَنا مَجِيئُكَ ﴿قالَ﴾ مُسَلِّيًا لَهم وداعِيًّا ومُرَجِّيًا بِما رَمَزَ إلَيْهِ مِن قَبْلُ ﴿عَسى رَبُّكُمْ﴾ أيِ: الَّذِي أحْسَنَ إلى آبائِكم بِما تَعْرِفُونَ وإلَيْكم بِإرْسالِي إلَيْكم ﴿أنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ﴾ فَلا يَهُولَنَّكم ما تَرَوْنَ ﴿ويَسْتَخْلِفَكُمْ﴾ أيْ: ويُوجِدَ خِلافَتَكم لَهم مُتَمَكِّنِينَ، لا يَحْكُمُ عَلَيْكم غَيْرُكم ﴿فِي الأرْضِ﴾ أيْ: جِنْسِها إنْ كُنْتُمْ مُتَّقِينَ؛ ثُمَّ سَبَّبَ عَنِ الِاسْتِخْلافِ قَوْلَهُ مُذَكِّرًا لَهم مُحَذِّرًا مِن سَطَواتِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَيَنْظُرَ﴾ أيْ: وأنْتُمْ خُلَفاءُ مُتَمَكِّنُونَ ﴿كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ أيْ: يُعامِلُكم مُعامَلَةَ المُخْتَبِرِ وهو في الأزَلِ أعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ مِنكم بَعْدَ إيقاعِكم لِلْأعْمالِ، ولَكِنَّهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لِتَقُومَ الحُجَّةُ عَلَيْكم عَلى مَجارِي عاداتِكم» (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور 37/8).

    قال الألوسي –رحمه الله-:

    «﴿قالُوا﴾ أيْ قَوْمُ مُوسى لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿أُوذِينا﴾ مِن جِهَةِ فِرْعَوْنَ.
    ﴿مِن قَبْلِ أنْ تَأْتِيَنا﴾ بِالرِّسالَةِ. يَعْنُونَ بِذَلِكَ قَتْلَ الجَبّارِ أوْلادَهم قَبْلَ مَوْلِدِهِ وبَعْدَهُ إذْ قِيلَ لَهُ: يُولَدُ لِبَنِي إسْرائِيلَ غُلامٌ يَسْلُبُكَ مُلْكَكَ ويَكُونُ هَلاكُكَ عَلى يَدَيْهِ.
    ﴿ومِن بَعْدِ ما جِئْتَنا﴾ أيْ: رَسُولًا. يَعْنُونَ بِهِ ما تَوَعَّدَهم بِهِ مِن إعادَةِ قَتْلِ الأبْناءِ وسائِرِ ما كانَ يَفْعَلُ بِهِمْ لِعَداوَةِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مِن فُنُونِ الجَوْرِ والعَذابِ، وقِيلَ: إنَّ نَفْسَ ذَلِكَ الإيعادِ إيذاءٌ ...
    ﴿ويَسْتَخْلِفَكُمْ﴾ أيْ: يَجْعَلَكم خُلَفاءَ ﴿فِي الأرْضِ﴾ أيْ: أرْضِ مِصْرَ تَصْرِيحٌ بِما كَنّى عَنْهُ وتَوْكِيدٌ لِلتَّسْلِيَةِ عَلى أبْلَغِ وجْهٍ، وفِيهِ إدْماجُ مَعْنى مَن عادى أوْلِياءَ اللَّهِ تَعالى فَقَدْ بارَزَهُ بِالمُحارَبَةِ وحَقَّ لَهُ الدَّمارُ والخَسارُ، وعَسى في مِثْلِهِ قَطْعٌ في إنْجازِ المَوْعُودِ والفَوْزِ بِالمَطْلُوبِ، ونَصَّ غَيْرُ واحِدٍ عَلى أنَّ التَّعْبِيرَ بِهِ لِلْجَرْيِ عَلى سُنَنِ الكُرَماءِ.
    وقِيلَ: تَأدُّبًا مَعَ اللَّهِ تَعالى وإنْ كانَ الأمْرُ مَجْزُومًا بِهِ بِوَحْيٍ وإعْلامٍ مِنهُ سُبْحانَهُ وتَعالى وقِيلَ: إنَّ ذَلِكَ لِعَدَمِ الجَزْمِ مِنهُ عَلَيْهِ السَّلامُ بِأنَّهُمُ المُسْتَخْلَفُونَ بِأعْيانِهِمْ أوْ أوْلادِهِمْ، فَقَدْ رُوِيَ أنَّ مِصْرَ إنَّما فُتِحَتْ في زَمَنِ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ.
    وتُعُقِّبَ بِأنَّهُ لا يُساعِدُهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأوْرَثْنا القَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الأرْضِ ومَغارِبَها﴾ فَإنَّ المُتَبادَرَ اسْتِخْلافُ المُسْتَضْعَفِينَ أنْفُسِهِمْ لا اسْتِخْلافُ أوْلادِهِمْ، والمَجازُ خِلافُ الأصْلِ. نَعَمْ المَشْهُورُ أنَّ بَنِي إسْرائِيلَ بَعْدَ أنْ خَرَجُوا مَعَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مِن مِصْرَ لَمْ يَرْجِعُوا إلَيْها في حَياتِهِ، وفي قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿فَيَنْظُرَ﴾ أيْ: يَرى أوْ يَعْلَمَ.
    ﴿كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾ أحَسَنًا أمْ قَبِيحًا، فَيُجازِيكم حَسْبَما يَظْهَرُ مِنكم مِنَ الأعْمالِ. إرْشادٌ لَهم إلى الشُّكْرِ وتَحْذِيرٌ لَهم عَنِ الوُقُوعِ في مُهاوِي الكُفْرِ، وقِيلَ: فِيهِ إشارَةٌ إلى ما وقَعَ مِنهم بَعْدَ ذَلِكَ
    »(روح المعاني 30/9).

    ولما كان من سنن الله الكونية أن من قام بأمره حق القيام نصره وآواه، وأعزه وأعطاه، تكرم الله -جل في علاه- على بني إسرائيل بأن جعلهم أئمة في الدين، لما حققوا الصبر واليقين، وأنقذهم من الأمة الهالكة، وأورثهم الأرض المباركة.

    قال السعدي –رحمه الله- في تفسير قوله تعالى: ﴿كذلك وأورثناها بني إسرائيل﴾ [الشعراء 59]:

    «كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا أي: هذه البساتين والعيون، والزروع، والمقام الكريم، بَنِي إِسْرَائِيلَ الذين جعلوهم من قبل عبيدهم، وسخروا في أعمالهم الشاقة، فسبحان من يؤتي الملك من يشاء، وينزعه ممن يشاء، ويعز من يشاء بطاعته، ويذل من يشاء بمعصيته» (تيسير الكريم الرحمن ص693).

    قال تعالى في تمام القصة الكريمة في سورة الأعراف: ﴿وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون﴾ [الأعراف 137]

    «﴿وأوْرَثْنا القَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ﴾ بِالِاسْتِعْبادِ وذَبْحِ الأبْناءِ، والجَمْعُ بَيْنَ صِيغَتَيِ الماضِي والمُسْتَقْبَلِ لِلدَّلالَةِ عَلى اسْتِمْرارِ الِاسْتِضْعافِ وتَجَدُّدِهِ، والمُرادُ بِهِمْ بَنُو إسْرائِيلَ، وذُكِرُوا بِهَذا العُنْوانِ إظْهارًا لِكَمالِ اللُّطْفِ بِهِمْ وعِظَمِ الإحْسانِ إلَيْهِمْ؛ حَيْثُ رُفِعُوا مِن حَضِيضِ المَذَلَّةِ إلى أوْجِ العِزَّةِ، ولَعَلَّ فِيهِ إشارَةً إلى أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ عِنْدَ القُلُوبِ المُنْكَسِرَةِ.

    أيْ: أوْرَثْنا المُسْتَضْعَفِينَ أرْضَ مُسْتَضْعِفِيهِمْ ومُلْكَهُمْ، ومَعْنى تَوْرِيثِهِمْ إيّاها عَلى القَوْلِ بِأنَّهم لَمْ يَدْخُلُوها بَعْدَ أنْ خَرَجُوا مِنها مَعَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، إدْخالُها تَحْتَ مِلْكِهِمْ وعَدَمُ وُجُودِ مانِعٍ لَهم عَنِ التَّصَرُّفِ فِيها أوْ تَمْكِينُ أوْلادِهِمْ فِيها؛ وذَلِكَ في زَمَنِ داوُدَ وسُلَيْمانَ عَلَيْهِما السَّلامُ، ولا يَخْفى أنَّهُ خِلافُ المُتَبادَرِ كَما مَرَّتِ الإشارَةُ إلَيْهِ، عَلى أنَّ أرْضَ مِصْرَ بَعْدَ أنْ فُتِحَتْ في زَمَنِ داوُدَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمْ يَكُنْ لِبَنِي إسْرائِيلَ تَمَكُّنٌ فِيها واسْتِقْرارٌ، وإنَّما كانَ مِلْكٌ وتَصَرُّفٌ، وكانَ التَّمَكُّنُ في الأرْضِ المُقَدَّسَةِ، والسَّوْقُ عَلى ما قِيلَ يَقْتَضِي ذِكْرَ ما تَمَكَّنُوا فِيهِ لا ما مَلَكُوهُ، وأقُولُ: قَدْ يُقالُ: المُرادُ بِالأرْضِ هُنا وفِيما تَقَدَّمَ مِن قَوْلِهِ سُبْحانَهُ: ﴿عَسى رَبُّكم أنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكم ويَسْتَخْلِفَكم في الأرْضِ﴾ الأرْضُ المُقَدَّسَةُ الَّتِي طَلَبَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مِن فِرْعَوْنَ بَنِي إسْرائِيلَ لِيَذْهَبَ بِهِمْ إلَيْها؛ فَإنَّها مَوْطِنُ آبائِهِمْ فَيَكُونُ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ قَدْ وعَدَهم هَلاكَ عَدُوِّهِمُ المانِعَ لَهم مِنَ الذَّهابِ إلَيْها، وجَعَلَ اللَّهُ تَعالى إيّاهم خُلَفاءَ فِيها بَعْدَ آبائِهِمْ وأسْلافِهِمْ أوْ بَعْدَ مَن هي في يَدِهِ إذْ ذاكَ مِنَ العَمالِقَةِ» (روح المعاني 37/9).

    «﴿الَّتِي بارَكْنا فِيها﴾ أيْ: في أرْضِها بِالمِياهِ والأشْجارِ والثِّمارِ والخِصْبِ، وفي أرْزاقِها بِالكَثْرَةِ والطَّيِّبِ، وفي رِجالِها بِالعِلْمِ والنُّبُوَّةِ وفي طِباعِهِمْ بِالِاسْتِقامَةِ، وفي عَزائِمِهِمْ بِالنَّجْدَةِ والشَّجاعَةِ والمَكارِمِ، وفي جَمِيعِ أحْوالِهِمْ بِأنَّهُ لا يَبْغِيهِمْ ظالِمٌ إلّا عُوجِلَ بِالنِّقْمَةِ ﴿وتَمَّتْ﴾ أيْ: وُجِدَتْ صِحَّتُها لِوُجُودِ مَضْمُونِها في عالَمِ الشَّهادَةِ وظُهُورِهِ مِن سُتُورِ الغَيْبِ ﴿كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾ [هود: ١١٩] أيِ: المُحْسِنِ إلَيْكَ بِإنْزالِ هَذِهِ الأنْباءِ عَلى هَذِهِ الوُجُوهِ المُفِيدَةِ مَعَ إعْجازِها لِغايَةِ العِلْمِ والحِكْمَةِ ﴿الحُسْنى﴾ مُسْتَعْلِيَةً ﴿عَلى بَنِي إسْرائِيلَ﴾ أيِ: الَّتِي هي أحْسَنُ الكَلامِ وهي وعْدُهُ سُبْحانَهُ لَهم بِالخَلاصِ مِنَ العُبُودِيَّةِ وإيراثِهِمْ مَساكِنَ آبائِهِمْ كَما كانُوا يَسْمَعُونَ مِن أسْلافِهِمْ، وإذا اسْتَعْلَتْ عَلَيْهِمْ مَنَعَتْ أعْداءَهم مِنَ الوُصُولِ إلَيْهِمْ ﴿بِما صَبَرُوا﴾ أيْ: بِسَبَبِ صَبْرِهِمْ عَلى الِاسْتِعْبادِ وذَبْحِ الأوْلادِ وما حَصَلَ بَعْدَ ذَلِكَ مِن طَوِيلِ الأنْكادِ» (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور 44/8).

    «﴿بِما صَبَرُوا﴾ أيْ: بِسَبَبِ صَبْرِهِمْ عَلى الشَّدائِدِ الَّتِي كابَدُوها مِن فِرْعَوْنَ وقَوْمِهِ، وحَسْبُكَ بِهَذا حاثًّا عَلى الصَّبْرِ ودالًّا عَلى أنَّ مَن قابَلَ البَلاءَ بِالجَزَعِ وكَلَهُ اللَّهُ تَعالى إلَيْهِ، ومَن قابَلَهُ بِالصَّبْرِ ضَمِنَ اللَّهُ تَعالى لَهُ الفَرَجَ.
    وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ وغَيْرُهُ عَنِ الحَسَنِ قالَ: لَوْ أنَّ النّاسَ إذا ابْتُلُوا مِن قِبَلِ سُلْطانِهِمْ بِشَيْءٍ صَبَرُوا ودَعَوُا اللَّهَ تَعالى لَمْ يَلْبَثُوا أنْ يَرْفَعَ اللَّهُ تَعالى ذَلِكَ عَنْهُمْ،ولَكِنَّهم يَفْزَعُونَ إلى السَّيْفِ فَيُوكَلُونَ إلَيْهِ، ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ، وفي رِوايَةٍ أُخْرى عَنْهُ قالَ: ما أُوتِيَتْ بَنُو إسْرائِيلَ ما أُوتِيَتْ إلّا بِصَبْرِهِمْ، وما فَزِعَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ إلى السَّيْفِ قَطُّ فَجاءَتْ بِخَيْرٍ، وأقُولُ: قَدْ شاهَدْنا النّاسَ سَنَةَ الألْفِ والمِائَتَيْنِ والثَّمانِي والأرْبَعِينَ قَدْ فَزِعُوا إلى السَّيْفِ فَما أغْناهم شَيْئًا، ولا تَمَّ لَهم مُرادٌ ولا حُمِدَ مِنهم أمْرٌ، بَلْ وقَعُوا في حَرَّةِ رَحِيلَةَ، ووادِي خِدْباتٍ، وأُمِّ حُبُوكَرَ، ورُمُوا لَعَمْرِ اللَّهِ بِثالِثَةِ الأثافِيِّ، وقُصَّ مِن جَناحِ عَزِّهِمُ القُدامى والخَوافِي، ولَمْ يَعْلَمُوا أنَّ عَيْشَ المُضَرِّ حُلْوُهُ مُرٌّ مُقَرٌّ، وأنَّ الفَرَجَ إنَّما يُصْطادُ بِشِباكِ الصَّبْرِ. وما أحْسَنَ قَوْلَ الحَسَنِ: عَجِبْتُ مِمَّنْ خَفَّ كَيْفَ خَفَّ وقَدْ سَمِعَ قَوْلَهُ سُبْحانَهُ وتَلا الآيَةَ، ويُعْلَمُ مِنها أنَّ التَّحَزُّنَ لا يُنافِي الصَّبْرَ؛ لِأنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وصَفَ بَنِي إسْرائِيلَ بِهِ مَعَ قَوْلِهِمُ السّابِقِ لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿أُوذِينا مِن قَبْلِ أنْ تَأْتِيَنا ومِن بَعْدِ ما جِئْتَنا﴾» (روح المعاني 37/9).

    «﴿ودَمَّرْنا﴾ أيْ: أهْلَكْنا إهْلاكًا عَظِيمًا جَعَلَ يُدَمِّرُهُ كالرَّمادِ، لا خَيْرَ فِيهِ أصْلًا ﴿ما كانَ يَصْنَعُ﴾ أيْ: صُنْعًا بِغايَةِ الإقْبالِ عَلَيْهِ حَتّى كَأنَّهم خُلِقُوا لَهم ﴿فِرْعَوْنُ وقَوْمُهُ﴾ أيْ: مِنَ الصَّنائِعِ الهائِلَةِ المُعْجِبَةِ لِكُلِّ مَن يَراها أوْ يَسْمَعُ بِها مَعَ أنَّهم قَدْ مُرِّنُوا عَلَيْها فَصارَتْ أسْهَلَ شَيْءٍ عِنْدَهم ﴿وما كانُوا﴾ أيْ: بِما هو كالجِبِلَّةِ والطَّبْعِ ﴿يَعْرِشُونَ﴾ أيْ: مِنَ الجِنانِ والقُصُورِ العالِيَةِ الأرْكانِ، وكَفى بِهَذِهِ الآيَةِ حاثَّةً عَلى الصَّبْرِ وضامِنَةً عَلى كُلِّ حائِزٍ لِلْأجْرِ بِالتَّفْرِيجِ عَنِ المَظْلُومِ ونَصْرِهِ، وإهْلاكِ الظَّلُومِ وقَهْرِهِ» (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور 44/8).

    قال ابن عطية في المحرر الوجيز (447/2): «قال القاضي أبو محمد: ورَأيْتُ لِلْحَسَنِ البَصْرِيِّ أنَّهُ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ إلى آخِرِ الآيَةِ عَلى أنَّهُ لا يَنْبَغِي أنْ يُخْرَجَ عَلى مُلُوكِ السُوءِ، وإنَّما يَنْبَغِي أنْ يُصْبَرَ عَلَيْهِمْ فَإنَّ اللهَ تَعالى يُدَمِّرُهُمْ، ورَأيْتُ لِغَيْرِهِ أنَّهُ قالَ: إذا قابَلَ الناسُ البَلاءَ بِمِثْلِهِ وكَلَهُمُ اللهُ إلَيْهِ، وإذا قابَلُوهُ بِالصَبْرِ وانْتِظارِ الفَرَجِ، أتى اللهُ بِالفَرَجِ، ورُوِيَ هَذا القَوْلُ أيْضًا عَنِ الحَسَنِ».

    -مما يستفاد من القصة الكريمة والموعظة العظيمة:

    - الفائدة الأولى:
    قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- في تفسير سورة القصص ص17:
    «أن من استضعف لقيامه بالحق فلا بد أن تكون العاقبة له، لأن قوله: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض)، وإن كانت في سياق بني إسرائيل، فغيرهم داخل في العموم اللفظي، ...فسنة الله للخلق واحدة، لأنه -سبحانه- ليس بينه وبين أحد نسب، أو حسب حتى يراعيه، يقول تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم).

    قد يقول قائل: هناك أناس استضعفوا بالحق، وقتلوا، أو طردوا، أو ما أشبه ذلك، فأين العاقبة التي تزعمون؟
    فنقول: إن العاقبة لا تكون للشخص الجسدي فقط، بل للشخص المعنوي، فمقالته هذه لا بد أن تنصر.
    وانظروا الآن إلى من سبق من أهل العلم، كم من عالم أوذي في الحق، سواء قتل أم لا، تجدوا مقالاته مازالت باقية، ومنتشرة أكثر من غيره، وهذا واضح لمن تأمله.
    إذن النصر لقائل الحق في حياته، أو لمقالته بعد وفاته، والإنسان المجاهد لله هو لا يريد أن يثأر لنفسه، بل همه أن يبقى هذا الحق الذي قام به، لا يهمه بقاؤه هو، أو مماته إذا كان يدعو إلى الله، أما من يدعو إلى نفسه –نسأل الله أن يعيذنا من ذلك جميعا- نجده يقول إذا أوذي، أو أصابه ضرر: أنا ما انتصرت.
    ولكن من يدعو إلى الله لا يشغله إلا أن تنتصر الدعوة، ولهذا فإنه يقاتل من أجلها، ولا بد من نصر الحق بأسبابه، فإذا أعيتك الأمور جاء النصر من عند الله بلا سبب.
    لكنك مأمور بسلوك طريق معين حتى تنصر، وقد لا تنال النصر بسبب مخالفتك لهذا الطريق، وتقصيرك فيه، فليس كل من حسنت نيته حسن فعله ونُصر.
    فالأمر هنا يختلف، ومسائل هذا الباب من أدق المسائل، ...فلا يجب على الإنسان أن يكون كالكرة في يد غيره، يقلبه كيف يشاء، أو تذهب به ريح عاصفة بعيدا جدا، بل يجب أن يكون متزنا، لا متهورا، فإذا تهور ثم خالفه النصر، فالبلاء من عند نفسه».

    - الفائدة الثانية:
    قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- في تفسير سورة القصص ص17:
    «تمام قدرة الله عز وجل، وذلك عندما جعل هؤلاء المستضعفين أئمة، ووارثين لهؤلاء الطغاة، وذلك بإرادة من الله وحده، وليس بقدرتهم، فالمسلمون –مثلا- ورثوا ديار الفرس والروم بفعلهم وجهادهم وإرادة الله عز وجل.
    ولكن بني إسرائيل ورثوا فرعون بلا قتال، ولا فعل منهم، بل كان ذلك بإرادة الله المحضة فقط، وهذا من قوله: (ونجعلهم الوارثين)، فالله ييسر لعباده من النصر ما لم يكن في مقدورهم، ولا في حسابهم».

    - الفائدة الثالثة:

    قال الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- في تفسير سورة القصص ص19:
    «بيان فضائل بني إسرائيل، لقوله: (ونجعلهم أئمة).
    وهنا قد يشكل على الإنسان أن الله تعالى يقول ذلك، وفي آيات كثيرة يذم بني إسرائيل، ولكن الله بين السبب في جعل هؤلاء أئمة، فقال تعالى في سورة السجدة: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) (السجدة: 24)، فحينما كانوا متصفين بهذين الوصفين: الصبر واليقين، كانوا أئمة، لكن لما تخلف الصبر، وتخلف اليقين منهم صاروا: (قردة خاسئين) (البقرة: 65)، وجاءت الآيات في ذمهم، فالآيات لا يكذب بعضها بعضا، ولكن هناك أشياء توجب تخلف أحكام بعض الآيات لتخلف السبب».

    - الفائدة الرابعة:
    قد يتوهم متوهم أن في قَوْله تَعالى: ﴿قالُوا أُوذِينا مِن قَبْلِ أنْ تَأْتِيَنا﴾ كراهية بني إسرائيل لمجيئ موسى -عليه السلام-، فكيف يجاب عن ذلك؟
    قال بعض المفسرين:
    «فَإنْ قِيلَ: ألَيْسَ هَذا القَوْلُ يَدُلُّ عَلى أنَّهم كَرِهُوا مَجِيءَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ وذَلِكَ يُوجِبُ كُفْرَهم ؟
    والجَوابُ: أنَّ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمّا جاءَ، وعَدَهم بِزَوالِ تِلْكَ المَضارِّ، فَظَنُّوا أنَّها تَزُولُ عَلى الفَوْرِ، فَلَمّا رَأوْا أنَّها ما زالَتْ، رَجَعُوا إلَيْهِ في مَعْرِفَةِ كَيْفِيَّةِ ذَلِكَ الوَعْدِ، فَبَيَّنَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أنَّ الوَعْدَ بِإزالَتِها لا يُوجِبُ الوَعْدَ بِإزالَتِها في الحالِ، وبَيَّنَ لَهم أنَّهُ تَعالى سَيُنْجِزُ لَهم ذَلِكَ الوَعْدَ في الوَقْتِ الَّذِي قَدَّرَهُ لَهُ، والحاصِلُ أنَّ هَذا ما كانَ بِنَفْرَةٍ عَنْ مَجِيءِ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ بِالرِّسالَةِ، بَلِ اسْتِكْشافًا لِكَيْفِيَّةِ ذَلِكَ الوَعْدِ، واللَّهُ أعْلَمُ».

    وفي الأخير، أسأل الله -جل في علاه- أن يبصر قومي بما يُحاك، ويهدي أمتي لما اليه تُساق، وأن يجبنا الفتن والفتانين، وأن يقينا الشر والشريرين، إنه جواد كريم.

    الملفات المرفقة
    التعديل الأخير تم بواسطة أبوعبدالرحمن عبدالله بادي; الساعة 2019-07-05, 03:30 PM.

  • #2
    شكر الله سعيك ، و بارك الله فيك و في جهدك و أعانك الله .

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا وبارك فيك.
      غفر الله له

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيرا وبارك فيك أخي عبد الرحمن.

        ونفع الله بما خطت يمينك

        تعليق


        • #5
          ما شاء الله وفقك الله أخي الحبيب عبد الله وبارك فيك ونفع بما خطت يمينك

          تعليق


          • #6
            جزاك الله خيرا وبارك فيك وسددك أخي عبد الله
            التعديل الأخير تم بواسطة محمد بن موسى; الساعة 2019-03-27, 07:05 PM.

            تعليق


            • #7
              آمين وإياكم
              جزاكم الله خيرا إخواني على الدعاء
              أسأل الله أن يتقبل دعائكم.

              تعليق


              • #8
                جزاك الله خيرا أخي بادي على ما أتحفتنا به من فواتح الذكر يستنير بها من أراد أن يقتبس شعاع نور يهتدي به في ظلمات الفتن فينجوا بها فيسعد دنيا وآخرة . سدد الله قلمك وبارك في علمك وفقهك الله في دينك . آمين

                تعليق


                • #9
                  جزاك الله خيرا أخي عبد الله لقد أجدت وأفدت ويا ليت قومي يعلمون.
                  أسأل الله أن يصلح حال العباد ويحفظ أمن البلاد .

                  تعليق


                  • #10
                    مقال طيب ، بارك الله فيك و نفع بما خطت يمينك

                    تعليق


                    • #11
                      جزاك الله خيرا ونفع بك.

                      تعليق


                      • #12
                        بارك الله فيك أخي عبدالله وفقك المولى

                        تعليق


                        • #13
                          للرفع

                          تعليق

                          الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
                          يعمل...
                          X