إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

درر من التفسير .. متجدد.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • درر من التفسير .. متجدد.

    <بسملة1>

    الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وأشرف المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وبعد :
    فهذه باقة متفرّقة من درر التفاسير أجمعها من تفاسير العلماء المشهود لهم بالعلم والتحقيق ، تحوي في طياتها فوائد عديدة و أصولا مفيدة ، جزئ الله أهلها ومن وضعها خير الجزاء ورحمهم جميعا .



    قال تعالى : ﴿وَقَالَ الَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ اتَّبِعُوا۟ سَبِیلَنَا وَلنَحمِلۡ خَطَـٰیَـٰكُمۡ وَمَا هُم بِحَـٰمِلِینَ مِنۡ خَطَـٰیَـٰهُم مِّن شَیۡءٍۖ إِنَّهُمۡ لَكَـٰذِبُونَ﴾ [العنكبوت ١٢]
    1 ـ قال الشيخ السعدي رحمه الله :
    ﴿وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ وهذا الأمر ليس بأيديهم، فلهذا قال: ﴿وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ لا قليل ولا كثير. فهذا التحمُّل، ولو رضي به صاحبه، فإنه لا يفيد شيئا، فإن الحق للّه، واللّه تعالى لم يمكن العبد من التصرف في حقه إلا بأمره وحكمه، وحكمه ﴿أن لَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾
    ولما كان قوله: ﴿وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾ قد يتوهم منه أيضا، أن الكفار الداعين إلى كفرهم - ونحوهم ممن دعا إلى باطله- ليس عليهم إلا ذنبهم الذي ارتكبوه، دون الذنب الذي فعله غيرهم، ولو كانوا متسببين فيه، قال: [مخبرا عن هذا الوهم] ﴿وَلَیَحمِلُنَّ أَثقَالَهُمۡ وَأَثقَالا مَّعَ أَثقَالِهِمۡۖ وَلَیُسـَٔلُنَّ یَوۡمَ القِیَـٰمَةِ عَمَّا كَانُوا۟ یَفتَرُونَ﴾ [العنكبوت ١٣]
    ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ﴾ أي: أثقال ذنوبهم التي عملوها ﴿وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ وهي الذنوب التي بسببهم ومن جرائهم، فالذنب الذي فعله التابع [لكل من التابع]، والمتبوع حصته منه، هذا لأنه فعله وباشره، والمتبوع [لأنه] تسبب في فعله ودعا إليه، كما أن الحسنة إذا فعلها التابع له أجرها بالمباشرة، وللداعي أجره بالتسبب.
    ﴿وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ من الشر وتزيينه، [وقولهم] ﴿وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ .

    2 ـ وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب عن قوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ} :لا يعارضه قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ} كما تقدم بيانه مستوفى في سورة النحل. (فأثقالهم): أوزار ضلالهم و(الأثقال التي معها) أوزار إضلالهم ولا ينقص ذلك شيئاً من أوزار أتباعهم الضالين.
    قال رحمه الله في تفسيرآية سورة النحل ﴿لِیَحمِلُوۤا۟ أَوۡزَارَهُمۡ كَامِلَةࣰ یَوۡمَ القِیَـٰمَةِ وَمِنۡ أَوۡزَارِ الَّذِینَ یُضِلُّونَهُم بِغَیرِ عِلمٍۗ أَلَا سَاۤءَ مَا یَزِرُونَ﴾ [النحل ٢٥] ، تَنْبِيهٌ :
    فَإنْ قِيلَ: ما وجْهُ تَحَمُّلِهِمْ بَعْضَ أوْزارِ غَيْرِهِمُ المَنصُوصِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَمِن أوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ الآيَةَ [النحل: ٢٥]، وقَوْلِهِ: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أثْقالَهم وأثْقالًا مَعَ أثْقالِهِمْ﴾ الآيَةَ [العنكبوت: ١٣]، مَعَ أنَّ اللَّهَ يَقُولُ: ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ [فاطر: ١٨]، ويَقُولُ - جَلَّ وعَلا -: ﴿وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلّا عَلَيْها﴾ [الأنعام: ١٦٤]، ويَقُولُ ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ ولَكم ما كَسَبْتُمْ ولا تُسْألُونَ عَمّا كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [البقرة: ١٣٤، ٢ - ١٤١]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
    فالجَوابُ - واللَّهُ تَعالى أعْلَمُ - أنَّ رُؤَساءَ الضَّلالِ وقادَتَهُ تَحَمَّلُوا وِزْرَيْنِ: أحَدُهُما: وِزْرُ ضَلالِهِمْ في أنْفُسِهِمْ.
    والثّانِي: وِزْرُ إضْلالِهِمْ غَيْرَهم؛ لِأنَّ مَن سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُها ووِزْرُ مَن عَمِلَ بِها، لا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِن أوْزارِهِمْ شَيْئًا. وإنَّما أُخِذَ بِعَمَلِ غَيْرِهِ؛ لِأنَّهُ هو الَّذِي سَنَّهُ وتَسَبَّبَ فِيهِ، فَعُوقِبَ عَلَيْهِ مِن هَذِهِ الجِهَةِ؛ لِأنَّهُ مِن فِعْلِهِ، فَصارَ غَيْرَ مُنافٍ لِقَوْلِهِ ﴿وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ﴾ الآيَةَ [فاطر: ١٨] .
    وَقالَ مُسْلِمُ بْنُ الحَجّاجِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في صَحِيحِهِ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الحَمِيدِ، عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ مُوسى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، وأبِي الضُّحى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلالٍ العَبْسِيِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قالَ: «جاءَ ناسٌ مِنَ الأعْرابِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهِمُ الصُّوفُ، فَرَأى سُوءَ حالِهِمْ، قَدْ أصابَتْهم حاجَةٌ فَحَثَّ النّاسَ عَلى الصَّدَقَةِ، فَأبْطَؤُوا عَنْهُ حَتّى رُؤِيَ ذَلِكَ في وجْهِهِ، قالَ: ثُمَّ إنَّ رَجُلًا مِنَ الأنْصارِ جاءَ بِصُرَّةٍ مِن ورَقٍ، ثُمَّ جاءَ آخَرُ، ثُمَّ تَتابَعُوا حَتّى عُرِفَ السُّرُورُ في وجْهِهِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”مَن سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَعُمِلَ بِها بَعْدَهُ، كُتِبَ لَهُ مِثْلُ أجْرِ مَن عَمِلَ بِها ولا يَنْقُصُ مِن أُجُورِهِمْ شَيْءٌ. ومَن سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِها بَعْدَهُ، كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَن عَمِلَ بِها ولا يَنْقُصُ مِن أوْزارِهِمْ شَيْءٌ»“ اهـ.
    أخْرَجَ مُسْلِمٌ في صَحِيحِهِ هَذا الحَدِيثَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِن طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ. وأخْرَجَهُ نَحْوَهُ أيْضًا مِن حَدِيثِ أبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «مَن دَعا إلى هُدًى كانَ لَهُ مِنَ الأجْرِ مِثْلَ أُجُورِ مَن تَبِعَهُ لا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِن أُجُورِهِمْ شَيْئًا " . ومَن دَعا إلى ضَلالَةٍ، كانَ عَلَيْهِ مِنَ الإثْمِ مِثْلُ آثامِ مَن تَبِعَهُ لا يُنْقِصُ ذَلِكَ مِن آثامِهِمْ شَيْئًا» اه.
    قالَ مُقَيِّدُهُ عَفا اللَّهُ عَنْهُ: هَذِهِ النُّصُوصُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلى رَفْعِ الإشْكالِ بَيْنَ الآياتِ، كَما تَدُلُّ عَلى أنَّ جَمِيعَ حَسَناتِ هَذِهِ الأُمَّةِ في صَحِيفَةِ النَّبِيِّ ﷺ، فَلَهُ مَثَلُ أُجُورِ جَمِيعِهِمْ؛ لِأنَّهُ - صَلَواتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وسَلامُهُ - هو الَّذِي سَنَّ لَهُمُ السُّنَنَ الحَسَنَةَ جَمِيعَها في الإسْلامِ، نَرْجُو اللَّهَ لَهُ الوَسِيلَةَ والدَّرَجَةَ الرَّفِيعَةَ، وأنْ يُصَلِّيَ ويُسَلِّمَ عَلَيْهِ أتَمَّ صَلاةٍ وأزْكى سَلامٍ.
    وَقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ [النحل: ٢٥]، يَدُلُّ عَلى أنَّ الكافِرَ غَيْرُ مَعْذُورٍ بَعْدَ إبْلاغِ الرُّسُلِ المُؤَيَّدِ بِالمُعْجِزاتِ، الَّذِي لا لُبْسَ مَعَهُ في الحَقِّ، ولَوْ كانَ يَظُنُّ أنَّ كَفْرَهُ هُدًى؛ لِأنَّهُ ما مَنَعَهُ مِن مَعْرِفَةِ الحَقِّ مَعَ ظُهُورِهِ إلّا شِدَّةُ التَّعَصُّبِ لِلْكُفْرِ، كَما قَدَّمْنا الآياتِ الدّالَّةَ عَلى ذَلِكَ في ”الأعْرافِ“؛ كَقَوْلِهِ: ﴿إنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أوْلِياءَ مِن دُونِ اللَّهِ ويَحْسَبُونَ أنَّهم مُهْتَدُونَ﴾ [الأعراف: ٣٠]، وقَوْلُهُ: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكم بِالأخْسَرِينَ أعْمالًا الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهم في الحَياةِ الدُّنْيا وهم يَحْسَبُونَ أنَّهم يُحْسِنُونَ صُنْعًا﴾ [الكهف: ١٠٣ - ١٠٤]، وقَوْلُهُ: ﴿وَبَدا لَهم مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ [الزمر: ٤٧]، وحَمْلُهم أوْزارَهم هو اكْتِسابُهُمُ الإثْمَ الَّذِي هو سَبَبُ تَرَدِّيهِمْ في النّارِ، أعاذَنا اللَّهُ والمُسْلِمِينَ مِنها.
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2019-02-10, 12:10 PM.

  • #2
    قال تعالى : لِّيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (24)
    قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله :
    ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ﴾ [الأحزاب ٢٤]، المنافق مَن؟ هو الذي أظهر الإيمان وأبطن الكفر، مأخوذ من النافِقَاء وهي نافقاء اليربوع التي يجعلها في جُحْرِه، حتى إذا أتاه أحد من بابه خرج من هذه النافقاء.
    ﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ﴾ بأن يميتهم على نفاقهم ، أشار المؤلف في قوله: (بأن يميتهم على نفاقهم) إلى أن تعذيب المنافقين المعلَّق بالمشيئة هنا ليس المعنى أنه إن شاء عذَّبَهم وإن شاء لم يعذبهم وقد ماتوا على النفاق، لا، إذا ماتوا على النفاق فقد أخبرنا الله تعالى أنهم في الدرك الأسفل من النار، وليسوا تحت المشيئة، فيكون قوله: ﴿إِنْ شَاءَ﴾ بأن يبقوا على نفاقهم حتى يموتوا، فإذا بقوا على نفاقهم إلى الموت علمنا أن الله قد شاء تعذيبهم، أما إن هداهم الله فإن المنافقين قد يهتدون، فلهذا قال: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ [الأحزاب ٢٤] بأن يوفِّقَهم للتوبة.
    والصواب كما مَرَّ علينا كثيرًا أن المنافق تصح توبته، وهي نص في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النساء ١٤٥، ١٤٦]
    فقوله: ﴿أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ بأن يَمُنّ عليهم بالتوبة فيتوبوا، وحينئذ لا يُعَذَّبُون.
    _______________

    هداية أصحاب النار ... :

    قال تعالى : (ٱحۡشُرُوا۟ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ وَأَزۡوَ ٰجَهُمۡ وَمَا كَانُوا۟ یَعۡبُدُونَ (٢٢) مِن دُونِ ٱللَّهِ فَٱهۡدُوهُمۡ إِلَىٰ صِرَ ٰطِ ٱلۡجَحِیمِ (٢٣) الصافات
    قال ابن عثيمين رحمه الله :
    ﴿وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ أي: غيره من الأوثان ﴿فَاهْدُوهُمْ﴾ دلوهم وسوقوهم
    وقال :
    أهدوهم أي: دلوهم، وهذه هداية الدلالة، وهذا لا ينافي قوله تعالى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا﴾ [مريم ٨٥، ٨٦]؛ فإن الذي يُساق يُهدى أيضًا، أرأيت الرجل يسوق بعيره ويهديها أو لا؟ يهديها.
    هؤلاء يساقون وفي نفس الوقت يُقال: اذهبوا من هنا، اذهبوا من هنا، اذهبوا من هنا، حتى يصلوا إلى النار.
    وقال صديق حسن خان رحمه الله في فتح البيان :
    (فاهدوهم إلى صراط الجحيم) أي عرفوا هؤلاء المحشورين طريق النار وسوقوهم إليها، يقال: هديته الطريق وهديته إليها أي دللته عليها، وفي هذا تهكم بهم وقال ابن عباس: وجهوهم ودلوهم إلى طريق النار.
    وجاء في التحرير والتنوير لابن عاشور (١٣٩٣ هـ) :
    وعَطْفُ (فاهْدُوهم) بِفاءِ التَّعْقِيبِ إشارَةٌ إلى سُرْعَةِ الأمْرِ بِهِمْ إلى النّارِ عَقِبَ ذَلِكَ الحَشْرِ فالأمْرُ بِالأصالَةِ في القُرْآنِ.
    والهِدايَةُ والهَدْيُ: الدَّلالَةُ عَلى الطَّرِيقِ لِمَن لا يَعْرِفُهُ، فَهي إرْشادٌ إلى مَرْغُوبٍ، وقَدْ غَلَبَتْ في ذَلِكَ؛ لِأنَّ كَوْنَ المَهْدِيِّ راغِبًا في مَعْرِفَةِ الطَّرِيقِ مِن لَوازِمِ فِعْلِ الهِدايَةِ، ولِذَلِكَ تُقابَلُ بِالضَّلالَةِ وهي الحَيْرَةُ في الطَّرِيقِ، فَذَكَرَ (اهْدُوهم) هُنا تَهَكُّمٌ بِالمُشْرِكِينَ.

    متجدد ..

    تعليق


    • #3
      احسن الله اليك

      تعليق


      • #4
        وإياك أخي الكريم مهدي

        تعليق


        • #5
          المحافظة على الصلاة والمداومة عليها تمنع الإنسان من الجزع عند وقوع الشر له ومن حبس الخيرعن الناس .
          ﴿۞ إِنَّ ٱلۡإِنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا (١٩) إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعࣰا (٢٠) وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَیۡرُ مَنُوعًا (٢١) إِلَّا ٱلۡمُصَلِّینَ (٢٢) ٱلَّذِینَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَاۤىِٕمُونَ (٢٣) وَٱلَّذِینَ فِیۤ أَمۡوَ ٰلِهِمۡ حَقࣱّ مَّعۡلُومࣱ (٢٤)﴾ [المعارج: ١٩-٢٤]
          التسهيل لعلوم التنزيل — ابن جُزَيّ (٧٤١ هـ).

          ﴿إِنَّ ٱلإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً﴾ الإنسان هنا اسم جنس بدليل الاستثناء منه، سئل أحمد بن يحيى مؤلف الفصيح، عن الهلوع فقال: قد فسره الله فلا تفسيراً أَبْيَنَ من تفسيره وهو قوله: ﴿إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعاً﴾ وذكره الله على وجه الذم لهذه الخلائق، ولذلك استثنى منه المصلين، لأن صلاتهم تحملهم على قلة الاكتراث بالدنيا، فلا يجزعون من شرها ولا يبخلون بخيرها ﴿ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ﴾ الدوام عليها هو المواظبة بطول العمر، والمحافظة عليها المذكورة بعد ذلك هي أداؤها في أوقاتها وتوفية الطهارة لها ﴿حَقٌّ مَّعْلُومٌ﴾ قد ذكرنا في الذاريات [١٩] معنى حق والسائل والمحروم، ووصفه هنا بالمعلوم؛ إن أراد الزكاة فهي معلومة المقدار شرعاً، وإن أراد غيرها فمعنى المعلوم؛ أن العبد يجعل على نفسه وظيفة معلومة عنده.

          وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي طيب الله ثراه في أضواء البيان :
          ﴿إِلَّا ٱلۡمُصَلِّینَ﴾ [المعارج: ٢٢]
          قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إلّا المُصَلِّينَ﴾ ﴿الَّذِينَ هم عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ﴾
          وَصَفَ اللَّهُ تَعالى مَنِ اسْتَثْناهم مِنَ الإنْسانِ الهَلُوعِ بِتِسْعِ صِفاتٍ:
          اثْنَتانِ مِنها تَخْتَصُّ بِالصَّلاةِ، وهُما الأُولى والأخِيرَةُ؛ مِمّا يَدُلُّ عَلى أهَمِّيَّةِ الصَّلاةِ، ووُجُوبِ شِدَّةِ الِاهْتِمامِ بِها. وهَذا مِنَ المُسَلَّماتِ في الدِّينِ؛ لِمَكانَتِها مِنَ الإسْلامِ، وفي وصْفِهِمْ هُنا بِأنَّهم: (عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ)، وفي الأخِيرِ: (عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) [المعارج: ٣٤] .
          قالَ في الكَشّافِ: الدَّوامُ عَلَيْها المُواظَبَةُ عَلى أدائِها لا يُخِلُّونَ بِها، ولا يَشْتَغِلُونَ عَنْها بِشَيْءٍ مِنَ الشَّواغِلِ.
          وَذَكَرَ حَدِيثَ عائِشَةَ مَرْفُوعًا: ”أحَبُّ الأعْمالِ إلى اللَّهِ أدْوَمُها ولَوْ قَلَّ“ .
          وَيَشْهَدُ لِهَذا الَّذِي قالَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي بُيُوتٍ أذِنَ اللَّهُ أنْ تُرْفَعَ ويُذْكَرَ فِيها اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾ ﴿رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْمًا﴾ [النور: ٣٦ - ٣٧]، وقَوْلُهُ: ﴿ياأيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الجُمُعَةِ فاسْعَوْا إلى ذِكْرِ اللَّهِ وذَرُوا البَيْعَ﴾ [الجمعة: ٩] .
          قالَ: والمُحافَظَةُ عَلَيْها أنْ يُراعُوا إسْباغَ الوُضُوءِ لَها ومَواقِيتَها، ويُقِيمُوا أرْكانَها ويُكْمِلُوها بِسُنَنِها وآدابِها، وهَذا يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾ [المؤمنون: ١ - ٢] .
          وَحَدِيثُ المُسِيءِ صَلاتِهِ، حَيْثُ قالَ لَهُ ﷺ: «ارْجِعْ فَصَلِّ؛ فَإنَّكَ لَمْ تُصَلِّ»، فَنَفى عَنْهُ أنَّهُ صَلّى مَعَ إيقاعِهِ الصَّلاةَ أمامَهُ؛ وذَلِكَ لِعَدَمِ الحِفاظِ عَلَيْها بِتَوْفِيَتِها حَقَّها.
          وَقَدْ بَدَأ اللَّهُ أُولَئِكَ المُسْتَثْنَيْنَ وخَتَمَهم بِالصَّلاةِ، مِمّا يُفِيدُ أنَّ الصَّلاةَ أصْلٌ لِكُلِّ خَيْرٍ، ومَبْدَأٌ لِهَذا المَذْكُورِ كُلِّهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿واسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ والصَّلاةِ وإنَّها لَكَبِيرَةٌ إلّا عَلى الخاشِعِينَ﴾ [البقرة: ٤٥]، فَهي عَوْنٌ عَلى كُلِّ خَيْرٍ.
          وَلِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الفَحْشاءِ والمُنْكَرِ﴾ [العنكبوت: ٤٥]، فَهي سِياجٌ مِن كُلِّ مُنْكَرٍ، فَجَمَعَتْ طَرَفَيِ المَقْصِدِ شَرْعًا، وهُما العَوْنُ عَلى الخَيْرِ والحِفاظُ مِنَ الشَّرِّ، أيْ: جَلْبُ المَصالِحِ ودَرْءُ المَفاسِدِ؛ ولِذا فَقَدْ عُنِيَ بِها النَّبِيُّ ﷺ كُلَّ عِنايَتِها، كَما هو مَعْلُومٌ، إلى الحَدِّ الَّذِي جَعَلَها الفارِقَ والفَيْصَلَ بَيْنَ الإسْلامِ والكُفْرِ في قَوْلِهِ ﷺ: «العَهْدُ الَّذِي بَيْنَنا وَبَيْنَهُمُ الصَّلاةُ، مَن تَرَكَ الصَّلاةَ فَقَدْ كَفَرَ» .

          متجدد

          تعليق


          • #6
            مفردات ومعاني

            قال تعالى: " .. قَالَ یَـٰقَوۡمِ هَـٰۤؤُلَاۤءِ بَنَاتِی هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ .." هود 78.
            (هن أطهر لكم) أي أحل وأنزه والتطهر التنزه عما لا يحل، وليس في صيغة أطهر دلالة على التفضيل، بل هي مثل (الله أكبر) . فتح البيان — صديق حسن خان رحمه الله (١٣٠٧ هـ)

            ﴿قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هن أطهر لكم﴾ أَحَلُّ لَكُمْ مِنَ الرِّجَالِ، قَالَ قَتَادَةُ: أَمَرَهُمْ أَنْ يَتَزَوَّجُوا النِّسَاءَ.
            قَالَ محمدٌ: وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ نَبِيٍّ أَبُو أُمَّتِهِ، وَإِنَّمَا عَنَى بِبَنَاتِهِ: نِسَاءَ أُمَّتِهِ.
            تفسير القرآن العزيز — ابن أبي زمنين رحمه الله (٣٩٩ هـ)

            وأخْرَجَ أبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ( ﴿قالَ يا قَوْمِ هَؤُلاءِ بَناتِي﴾ ) قالَ: ما عَرَضَ لُوطٌ عَلَيْهِ السَّلامُ بَناتِهِ عَلى قَوْمِهِ لا سِفاحًا ولا نِكاحًا إنَّما قالَ: هَؤُلاءِ بَناتِي نِساؤُكم لِأنَّ النَّبِيَّ إذا كانَ بَيْنَ ظَهْرَيْ قَوْمٍ فَهو أبُوهم قالَ اللَّهُ في القُرْآنِ ( وأزْواجُهُ أُمَّهاتُهم وهو أبُوهم ) في قِراءَةِ أُبَيٍّ.
            وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وأبُو الشَّيْخِ، عَنْ مُجاهِدٍ في قَوْلِهِ: ( ﴿هَؤُلاءِ بَناتِي﴾ ) قالَ: لَمْ يَكُنَّ بَناتِهِ ولَكِنْ كُنَّ مِن أُمَّتِهِ وكُلُّ نَبِيٍّ أبُو أُمَّتِهِ.
            وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قالَ: إنَّما دَعاهم إلى نِسائِهِمْ وكُلُّ نَبِيٍّ أبُو أُمَّتِهِ.
            وأخْرَجَ ابْنُ أبِي الدُّنْيا، وابْنُ عَساكِرَ عَنِ السُّدِّيِّ في قَوْلِهِ: ( ﴿هَؤُلاءِ بَناتِي﴾ ) قالَ: عَرَضَ عَلَيْهِمْ نِساءَ أُمَّتِهِ كُلُّ نَبِيٍّ فَهو أبُو أُمَّتِهِ وفي قِراءَةِ عَبْدِ اللَّهِ ( النَّبِيُّ أوْلى بِالمُؤْمِنِينَ مِن أنْفُسِهِمْ وهو أبٌ لَهم وأزْواجُهُ أُمَّهاتُهم ) .
            الدر المنثور — جلال الدين السيوطي رحمه الله (٩١١ هـ)


            معنى فعاقبتم في القرآن :
            الأول من قوله تعالى : ﴿وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُوا۟ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَىِٕن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَیۡرࣱ لِّلصَّـٰبِرِینَ﴾ [النحل: ١٢٦]
            المعنى إن صنع بكم صنع سوء فافعلوا مثله ولا تزيدوا عليه ...
            الثاني من قوله تعالى :﴿وَإِن فَاتَكُمۡ شَیۡءࣱ مِّنۡ أَزۡوَ ٰجِكُمۡ إِلَى ٱلۡكُفَّارِ فَعَاقَبۡتُمۡ فَـَٔاتُوا۟ ٱلَّذِینَ ذَهَبَتۡ أَزۡوَ ٰجُهُم مِّثۡلَ مَاۤ أَنفَقُوا۟ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ ٱلَّذِیۤ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ﴾ [الممتحنة: ١١]
            ﴿عَاقَبْتُمْ﴾ ليس من العقاب على الذنب، وإنما هو من العقبى أي أصبتم عقبى، وهي الغنيمة أو من التعاقب على الشيء، كما يتعاقب الرجلان على الدابة ...
            التسهيل لعلوم التنزيل — ابن جُزَيّ (٧٤١ هـ)

            قال تعالى : ﴿وَلَهُۥ مَن فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا یَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا یَسۡتَحۡسِرُونَ﴾ [الأنبياء: ١٩]
            (ولا يستحسرون)
            أي لا يعيون ولا يتعبون مأخوذ من الحسير وهو البعير المنقطع بالإعياء والتعب يقال حسر البعير يحسر حسوراً أعيي وكَلُّ واستحسر؛ وتحسر مثله وحسرته انا حسراً يتعدى ولا يتعدى، قال أبو زيد: لا يَكِلون، وقال ابن الأعرابي: لا يفشلون، وقال ابن عباس: لا يرجعون، قال الزجاج: معنى الآية أن هؤلاء الذين ذكرتم أنهم أولاد الله عباد الله لا يأنفون عن عبادته ولا يتعظمون عنها، كقوله: (إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته) وقيل: المعنى لا ينقطعون عن عبادته وهذه المعاني متقاربة.
            فتح البيان — صديق حسن خان (١٣٠٧ هـ)

            قال تعالى : ﴿لا تَرى فِيها عِوَجًا ولا أمْتًا﴾[طه: ١٠٧]
            ﴿لاَّ تَرَىٰ فِيهَا عِوَجاً﴾ المعروف في اللغة أن العوج بالكسر في المعاني، وبالفتح في الأشخاص والأرض شخص، فكان الأصل أن يقال فيها بالفتح، وإنما قاله بالكسر مبالغة في نفيه، فإن الذي في المعاني أدق من الذي في الأشخاص، فنفاه ليكون غاية في نفي العوج من كل وجه
            ﴿وَلاۤ أَمْتاً﴾ الأمت: هو الارتفاع اليسير.
            التسهيل لعلوم التنزيل — ابن جُزَيّ (٧٤١ هـ)

            متجدد..

            تعليق


            • #7
              هداية للمؤمنين يوم القيامة

              قال تعالى : ﴿إِنَّ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ یَهۡدِیهِمۡ رَبُّهُم بِإِیمَـٰنِهِمۡۖ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهِمُ ٱلۡأَنۡهَـٰرُ فِی جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِیمِ (٩) دَعۡوَىٰهُمۡ فِیهَا سُبۡحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِیَّتُهُمۡ فِیهَا سَلَـٰمࣱۚ وَءَاخِرُ دَعۡوَىٰهُمۡ أَنِ ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ (١٠)﴾ [يونس
              قال ابن كثير رحمه الله :
              وَهَذَا إِخْبَارٌ عَنْ حَالِ السُّعَدَاءِ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ، وَامْتَثَلُوا مَا أُمِرُوا، بِهِ فَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، بِأَنَّهُ سَيَهْدِيهِمْ بِإِيمَانِهِمْ.
              يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ "الْبَاءُ" هَاهُنَا سَبَبِيَّةً فَتَقْدِيرُهُ: بِسَبَبِ إِيمَانِهِمْ فِي الدنيا يهديهم الله يوم القيامة عَلَى الصِّرَاطِ، حَتَّى يَجُوزُوهُ ويخلصُوا إِلَى الْجَنَّةِ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِعَانَةِ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ قَالَ: [يَكُونُ لَهُمْ نُورًا يَمْشُونَ بِهِ] .(١)
              وَقَالَ ابْنُ جُرَيْج فِي [قَوْلِهِ: ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ قَالَ]: يمثُل لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ وَرِيحٍ طَيِّبَةٍ إِذَا قَامَ مِنْ قَبْرِهِ، يُعَارِضُ صَاحِبَهُ وَيُبَشِّرُهُ بِكُلِّ خَيْرٍ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ. فَيُجْعَلُ لَهُ نُورًا. مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ حَتَّى يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ وَالْكَافِرُ يَمْثُلُ لَهُ عَمَلُهُ فِي صُورَةٍ سَيِّئَةٍ وَرِيحٍ مُنْتِنَةٍ فَيُلَازِمُ صَاحِبَهُ ويلازُّمه حَتَّى يَقْذِفَهُ فِي النَّارِ.
              ويقول الشيخ السعدي رحمه الله :
              ‏ أي‏:‏ جمعوا بين الإيمان، والقيام بموجبه ومقتضاه من الأعمال الصالحة، المشتملة على أعمال القلوب وأعمال الجوارح، على وجه الإخلاص والمتابعة‏.‏
              ‏﴿‏يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ‏﴾‏ أي‏:‏ بسبب ما معهم من الإيمان، يثيبهم الله أعظم الثواب، وهو الهداية، فيعلمهم ما ينفعهم، ويمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية، ويهديهم للنظر في آياته، ويهديهم في هذه الدار إلى الصراط المستقيم وفي الصراط المستقيم، وفي دار الجزاء إلى الصراط الموصل إلى جنات النعيم،‏.‏ ولهذا قال‏:‏ ‏﴿‏تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ‏﴾‏ الجارية على الدوام ‏﴿‏فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ‏﴾‏ أضافها الله إلى النعيم، لاشتمالها على النعيم التام، نعيم القلب بالفرح والسرور، والبهجة والحبور، ورؤية الرحمن وسماع كلامه، والاغتباط برضاه وقربه، ولقاء الأحبة والإخوان، والتمتع بالاجتماع بهم، وسماع الأصوات المطربات، والنغمات المشجيات، والمناظر المفرحات‏.‏ ونعيم البدن بأنواع المآكل والمشارب، والمناكح ونحو ذلك، مما لا تعلمه النفوس، ولا خطر ببال أحد، أو قدر أن يصفه الواصفون .
              وقال القرطبي رحمه الله (٦٧١ هـ) في الجامع لأحكام القرآن :
              قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أَيْ صَدَّقُوا.
              (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ) أَيْ يَزِيدُهُمْ(١) هِدَايَةً، كَقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً﴾(٢) [محمد: ١٧]. وَقِيلَ: "يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ" إِلَى مَكَانٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ. وَقَالَ أَبُو رَوْقٍ: يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ. وَقَالَ عَطِيَّةُ: "يَهْدِيهِمْ" يُثِيبُهُمْ وَيَجْزِيهِمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: "يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ" بِالنُّورِ عَلَى الصِّرَاطِ إِلَى الْجَنَّةِ، يَجْعَلُ لَهُمْ نُورًا يَمْشُونَ بِهِ. وَيُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مَا يُقَوِّي هَذَا أَنَّهُ قَالَ: (يَتَلَقَّى الْمُؤْمِنُ عَمَلَهُ فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ فَيُؤْنِسُهُ وَيَهْدِيهِ وَيَتَلَقَّى الْكَافِرُ عَمَلَهُ فِي أَقْبَحِ صُورَةٍ فَيُوحِشُهُ وَيُضِلُّهُ). هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَجْعَلُ عَمَلَهُمْ هَادِيًا لَهُمْ. الْحَسَنُ: "يَهْدِيهِمْ" يَرْحَمُهُمْ.
              قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ﴾ قِيلَ: فِي الْكَلَامِ وَاوٌ مَحْذُوفَةٌ، أَيْ وَتَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ، أَيْ مِنْ تَحْتِ بَسَاتِينِهِمْ. وَقِيلَ: مِنْ تَحْتِ أَسِرَّتِهِمْ، وَهَذَا أَحْسَنُ فِي النُّزْهَةِ والفرجة.

              متجدد..

              تعليق


              • #8
                قال تعالى : ﴿فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ [فصلت ٦]
                يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
                (استقيموا إليه) أي: اقصدوا؛ ولهذا لم يقل: استقيموا له، بل قال: ﴿إِلَيْهِ﴾ فضمَّن (استقيموا) معنى اقصدوا إليه، فتكون أبلَغ مِن (استقيموا له)؛ لأنَّ المستقيم للشيء قد يستقيم له وهو في مكانه دون أن يسعى إليه، أمَّا إذا قيل: استقيموا إليه فتفيد السعي إلى الله عز وجل وقصْدَه
                وجاء في فتح البيان لصديق حسن خان رحمه الله (١٣٠٧ هـ):
                (فاستقيموا إليه) عداه بإلى لتضمنه معنى: توجهوا والمعنى وجهوا استقامتكم إليه بالطاعة، ولا تميلوا عن سبيله
                _______________

                قال تعالى : (... فَوَیۡل لِّلۡقَـٰسِیَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكۡرِ ٱللَّهِۚ...) [الزمر ٢٢]
                فتح البيان — صديق حسن خان (١٣٠٧ هـ)
                (فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله) قال الفراء والزجاج أي عن ذكر الله كما تقول اتخمت عن طعام أكلته ومن طعام أكلته والمعنى أنه غلظ قلبه وجفا عن قبول ذكر الله والقسوة جمود وصلابة تحصل في القلب، يقال قسى القلب إذا صلب، وقلب قاسٍ أي صلب لا يرق ولا يلين، وقيل المعنى من أجل ذكره الذي من حقه أن تنشرح له الصدور، وتطمئن به القلوب، والمعنى أنه إذا ذكر الله اشمأزوا، والأول أولى، ويؤيده قراءة من قرأ عن ذكر الله، أي إذا ذكر الله عندهم أو آياته ازدادت قلوبهم قساوة، كقوله: (فزادتهم رجساً إلى رجسهم).
                وقيل إن النفس إذا كانت خبيثة الجوهر كدرة العنصر بعيدة عن قبول الحق فإن سماعها لذكر الله لا يزيدها إلا قسوة وكدورة كحر الشمس يلين الشمع ويعقد الملح، فكذلك القرآن يلين قلوب المؤمنين عند سماعه، ولا يزيد الكافرين إلا قسوة.
                زاد المسير — ابن الجوزي (٥٩٧ هـ) :
                قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهم مِن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ قَدْ بَيَّنّا مَعْنى القَساوَةِ في [البَقَرَةِ: ٧٤]
                فَإنْ قِيلَ: كَيْفَ يَقْسُو القَلْبُ مِن ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ؟
                فالجَوابُ: أنَّهُ كُلَّما تُلِيَ عَلَيْهِمْ ذِكْرُ اللَّهِ الَّذِي يُكَذِّبُونَ بِهِ، قَسَتْ قُلُوبُهم عَنِ الإيمانِ بِهِ. وذَهَبَ مُقاتِلٌ في آَخَرِينَ إلى أنَّ "مِن" هاهُنا بِمَعْنى "عَنْ"، قالَ الفَرّاءُ: كَما تَقُولُ: أتْخَمْتُ عَنِ طَعامٍ أكَلْتُهُ، ومِن طَعامٍ أكَلْتَهُ؛ وإنَّما قَسَتْ قُلُوبُهم مِن ذِكْرِ اللَّهِ، لِأنَّهم جَعَلُوهُ كَذِبًا فَأقْسى قُلُوبَهُمْ؛ ومَن قالَ: قَسَتْ قُلُوبُهم عَنْهُ، أرادَ: أعْرَضَتْ عَنْهُ. و [قَدْ] قَرَأ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وابْنُ أبِي عَبْلَةَ، وأبُو عِمْرانَ: "قُلُوبُهم عَنِ ذِكْرِ اللَّهِ" مَكانَ قَوْلِهِ: "مِن" .

                إبن عثيمين رحمه الله (١٤٢١ هـ) :
                وقوله: ﴿مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ أي: عن قبول القرآن، فأفاد المفسر -رحمه الله- أن (من) بمعنى (عن)، وأن المراد بذكر الله القرآن؛ يعني: فويل للذين تقسو قلوبهم عن القرآن، ولكن الأولى إبقاء الآية على ظاهرها.
                ويحتمل أن يكون قوله تعالى : ﴿مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ أي: بذكر الله ن فتكون (مِنْ) للسببية؛ أي: تقسوا قلوبهم بسبب ذكر الله، ويحتمل أن المراد بذكر الله ما هو أعم من القرآن، ويكون المعنى أن هؤلاء كلما ذكر الله قست قلوبهم، ووجه ذلك أنهم لا يريدون ذكر الله، فإذا كرهوا ذكر الله قسا القلب عقوبة لهم، ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة ١٢٤، ١٢٥].

                تعليق


                • #9
                  قال تعالى : "... فَٱبۡعَثُوۤا۟ أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمۡ هَـٰذِهِۦۤ إِلَى ٱلۡمَدِینَةِ فَلۡیَنظُرۡ أَیُّهَاۤ أَزۡكَىٰ طَعَاما فَلۡیَأۡتِكُم بِرِزۡقࣲ مِّنۡهُ وَلۡیَتَلَطَّفۡ وَلَا یُشۡعِرَنَّ بِكُمۡ أَحَدًا﴾ [الكهف ١٩]
                  قالل ابن عثيمين رحمه الله (١٤٢١ هـ) :
                  في هذا أيضا دليل على أنه لا بأس على الإنسان أن يطلب أطيب الطعام؛ لقولهم: ﴿فَلْيَنظُرْ أَيهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾.
                  وفيه دليل أيضًا على ضعف قول الفقهاء: إنه لا يصح الوصف بالأفعل، مفهوم هذا؟ طيب الوصف بالأفعل؛ يعني معناه: لا يجوز أن تقول: أبيعه عليك بُرًّا أطيب ما يكون، قالوا: ما يجوز هذا؛ لأنه ما من طيب إلا وفوقه أطيب منه، ولكن يُقال: إن هذا يرجع إلى العرف؛ فأطيب يعني في ذلك الوقت، في ذلك المكان ﴿فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا﴾ هل من السنة ما يشهد لطلب الأزكى من الطعام؟
                  الجواب: نعم، وذلك «أن النبي ﷺ أقرَّ الصحابة الذين باعوا التمر الرديء بتمر جيد ليطعم النبي ﷺ منه» ، ولم ينههم عن هذا، ما قال: هذا ترفُّه، واتركوا طلب الأطيب، فالإنسان قد فَسَح الله له في أن يختار الأطيب من الطعام أو الشراب، أو المساكن، أو الثياب، أو المراكب ما دام الله أعطاه قدرة على ذلك فلا يُلام.

                  تيسير الكريم الرحمن — السعدي (١٣٧٦ هـ)
                  وأمروه أن يتخير من الطعام أزكاه، أي: أطيبه وألذه،...
                  وذكر فوائدلآية منها:
                  جواز أكل الطيبات، والمطاعم اللذيذة، إذا لم تخرج إلى حد الإسراف المنهي عنه لقوله ﴿فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ﴾ وخصوصا إذا كان الإنسان لا يلائمه إلا ذلك ولعل هذا عمدة كثير من المفسرين، القائلين بأن هؤلاء أولاد ملوك لكونهم أمروه بأزكى الأطعمة، التي جرت عادة الأغنياء الكبار بتناولها.

                  زاد المسير — ابن الجوزي (٥٩٧ هـ)
                  قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلْيَنْظُرْ أيُّها﴾ قالَ الزَّجّاجُ: المَعْنى: أيُّ أهْلُها. ﴿أزْكى طَعامًا﴾ ولِلْمُفَسِّرِينَ في مَعْناهُ سِتَّةُ أقْوالٍ:
                  أحَدُها: أحَلُّ ذَبِيحَةً، قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وعَطاءٌ، وذَلِكَ أنَّ عامَّةَ أهْلِ بَلَدِهِمْ كانُوا كُفّارًا، فَكانُوا يَذْبَحُونَ لِلطَّواغِيتِ، وكانَ فِيهِمْ قَوْمٌ يُخْفُونَ إيمانَهم.
                  والثّانِي: أحَلُّ طَعامًا، قالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. قالَ الضَّحّاكُ: وكانَ أكْثَرُ أمْوالِهِمْ غُصُوبًا. وقالَ مُجاهِدٌ: قالُوا لِصاحِبِهِمْ: لا تَبْتَعْ طَعامًا فِيهِ ظُلْمٌ ولا غَصْبٌ.
                  والثّالِثُ: أكْثَرُ، قالَهُ عِكْرِمَةُ.
                  والرّابِعُ: خَيْرٌ؛ أيْ: أجْوَدُ، قالَهُ قَتادَةُ.
                  والخامِسُ: أطْيَبُ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ ومُقاتِلٌ.
                  والسّادِسُ: أرْخَصُ، قالَهُ يَمانُ بْنُ رَيّابٍ. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: وأصْلُ الزَّكاةِ: النَّماءُ والزِّيادَةُ.

                  متجدد...

                  تعليق


                  • #10
                    لغة

                    من معاني الفعل قام : وقف وتوقّف
                    قال تعالى : " یَكَادُ ٱلۡبَرۡقُ یَخۡطَفُ أَبۡصَـٰرَهُمۡۖ كُلَّمَاۤ أَضَاۤءَ لَهُم مَّشَوۡا۟ فِیهِ وَإِذَاۤ أَظۡلَمَ عَلَیۡهِمۡ قَامُوا۟ۚ ..." [البقرة ٢٠]
                    تفسير القرآن الكريم — ابن عثيمين (١٤٢١ هـ)
                    ﴿قَامُوا﴾ بمعني وقفوا
                    تفسير القرآن العظيم — ابن كثير (٧٧٤ هـ)
                    أَيْ كُلَّمَا ظَهَرَ لَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ شَيْءٌ اسْتَأْنَسُوا بِهِ وَاتَّبَعُوهُ، وَتَارَةً تعْرِض لَهُمُ الشُّكُوكُ أظلمت قلوبَهم فوقفوا حائرين.
                    ]التسهيل لعلوم التنزيل — ابن جُزَيّ (٧٤١ هـ)
                    وقيل: إن المعنى كلما صلحت أحوالهم في الدنيا قالوا هذا دين مبارك؛ فهذا مثل الضوء، وإذا أصابتهم شدّة أو مصيبة عابوا الدين وسخطوا: فهذا مثل الظلمة.

                    تعليق


                    • #11
                      ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾
                      الشيخ ابن عثمين رحمه الله
                      ويدخل في الأسوة الحسنة الدعوة إلى دين الله، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لا شك أنه يدعو إلى دين الله، ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف ١٠٨].
                      وبهذا نعرف أنه ينبغي لطالب العلم أن يكون حركيًّا في مجتمعه، لا نسخة كتاب فقط، بمعنى أن يكون مُحَرِّكًا لضمائر الناس ومشاعرهم وتوجيههم، ويكون لديه عزيمة في إصلاح الخلق حتى لا يكون مجرد نسخة، اللي مجرد نسخة ويش الفائدة منه، يقول: والله أنا حفظت –مثلًا- متن الزاد وحفظت بلوغ المرام وحفظت المنتقى وما أشبه ذلك، لكن (...) ويش الفائدة؟! أو تقول: أبغي أجلس في بيتي إن جاء أحد يسألني علَّمته وإلا ما..
                      لا، يجب نبث الوعي بين المسلمين، ولا سيما في هذا الوقت في عصرنا هذا؛ لأن الناس بدؤوا يتحركون، سئموا الحياة السابقة، وصاروا يتحركون الآن، لكن يحتاجون إلى بداية ودلالة؛ لأنهم قد يتحركون إلى شيء سيئ، إنما إذا تولى طلبة العلم الذين وهبهم الله العلم توجيه الناس إلى هذه الأمور حصل في هذا خير كثير، كما كان نبينا ﷺ يفعل، فالأسوة الحسنة في الرسول يدخل فيها الدعوة إلى دين الله عز وجل.

                      تعليق


                      • #12
                        أهل الباطل يتواصون بالصبر بينهم على باطلهم ، فكن على الحق أصبر منهم .

                        قال تعالى : ( وَٱنطَلَقَ ٱلۡمَلَأُ مِنۡهُمۡ أَنِ ٱمۡشُوا۟ وَٱصۡبِرُوا۟ عَلَىٰۤ ءَالِهَتِكُمۡۖ إِنَّ هَـٰذَا لَشَیۡءࣱ یُرَادُ (٦)﴾ [ص -٦]
                        يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في تفسير هذه الأية ( التعليق على تفسير الجلالين) :
                        فكلما اجتمعوا في مكان وتذاكروا فيما بينهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من التوحيد انطلقوا من هذا المكان وهم يتواصون بالباطل والصبر عليه ولهذا قال : (( وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ )) والملأ هم الأشراف والكبراء والوجهاء ،
                        (( وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ )) يعني احبسوا أنفسكم عليها لا تحيدوا عنها وهذا من باب التواصي بماذا ؟ بالباطل يقول بعضهم لبعض : (( امشوا واصبروا على آلهتكم )) اثبتوا على عبادتها (( إِنَّ هَذَا )) المذكور من التوحيد (( لَشَيْءٌ يُرَادُ )) (( اصبروا على آلهتكم )) يعني اثبتوا عليها في عبادتها والدفاع عنها وعدم قبول كل شيء يبطلها ، اصبروا (( إن هذا لشيء يراد )) (( هذا )) المشار إليه ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من التوحيد (( لشيء يراد )) أي يريده من جاء به وهذا يدل على صدق الرسول عليه الصلاة والسلام يعني معناه أن هذا الرجل قال قولاً يريده فهو جاد في قوله والشيء الذي يراد لا بد أن يسعى مريده بما إيش ؟ بما يحققه بخلاف الإنسان الذي يقول القول باللسان لا بالقلب ولهذا تجد الذي يقول القول باللسان والقلب تجده يصمم ويعزم على أن ينفذ ما قال لكن الذي لا يريد يكون قوله سطحياً ...

                        تعليق


                        • #13
                          قال تعالى ﴿ رَبِّ قَدۡ ءَاتَیۡتَنِی مِنَ ٱلۡمُلۡكِ وَعَلَّمۡتَنِی مِن تَأۡوِیلِ ٱلۡأَحَادِیثِۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ أَنتَ وَلِیِّۦ فِی ٱلدُّنۡیَا وَٱلۡـَٔاخِرَةِۖ تَوَفَّنِی مُسۡلِما وَأَلۡحِقۡنِی بِٱلصَّـٰلِحِینَ﴾ [يوسف ١٠١]
                          قال ابن القيم رحمه الله :
                          جمعت هَذِه الدعْوَة الإقْرار بِالتَّوْحِيدِ والاستلام للرب وإظْهار الافتقار إلَيْهِ والبراءة من مُوالاة غَيره سُبْحانَهُ وكَون الوَفاة على الإسْلام أجلّ غايات العَبْد وأن ذَلِك بيد الله لا بيد العَبْد والِاعْتِراف بالمعاد وطلب مرافقة السُّعَداء.
                          وجاء في تفسير ابن أبي زمنين رحمه الله :

                          ﴿توفني مُسلما وألحقني بالصالحين﴾ يَعْنِي: أَهْلَ الْجَنَّةِ، قَالَ قَتَادَةُ: لَمَّا جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ وَأَقَرَّ عَيْنَهُ، ذَكَرَ الآخِرَةَ فَاشْتَاقَ إِلَيْهَا؛ فَتَمَنَّى [الْمَوْتَ] وَلَمْ يَتَمَنَّهُ نَبِيٌّ قبله.
                          وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره :

                          هَذَا دُعَاءٌ مَنْ يُوسُفَ الصِّدِّيقِ، دَعَا بِهِ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، لَمَّا تَمَّتِ النِّعْمَةُ عَلَيْهِ، بِاجْتِمَاعِهِ بِأَبَوَيْهِ وَإِخْوَتِهِ، وَمَا مَنَّ اللَّهُ بِهِ عَلَيْهِ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْمُلْكِ، سَأَلَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا أَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا أَنْ يَسْتَمِرَّ بِهَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنْ يَتَوَفَّاهُ مُسْلِمًا حِينَ يَتَوَفَّاهُ. قَالَهُ الضَّحَّاكُ، وَأَنْ يُلْحِقَهُ بِالصَّالِحِينَ، وَهُمْ إِخْوَانُهُ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ [عَلَيْهِ و](١) عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
                          وَهَذَا الدُّعَاءُ يُحْتَمَلُ أَنَّ يُوسُفَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَهُ عِنْدَ احْتِضَارِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ جَعَلَ يَرْفَعُ أُصْبُعَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى، اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى"(٢) .
                          وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَأَلَ الْوَفَاةَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّحَاقَ بِالصَّالِحِينَ إِذَا حَانَ أَجْلُهُ، وَانْقَضَى عُمْرُهُ؛ لَا أَنَّهُ سَأَلَ ذَلِكَ مُنْجَزًا، كَمَا يَقُولُ الدَّاعِي لِغَيْرِهِ: "أَمَاتَكَ اللَّهُ عَلَى الْإِسْلَامِ". وَيَقُولُ الدَّاعِي: "اللَّهُمَّ أَحْيِنَا مُسْلِمِينَ وَتُوَفَّنَا مُسْلِمِينَ وَأَلْحَقَنَا بِالصَّالِحِينَ".

                          تعليق

                          الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
                          يعمل...
                          X