إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قبضة النَّاطورو في الرَّدِّ على قولة الفلكيِّ بوناطيرو

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قبضة النَّاطورو في الرَّدِّ على قولة الفلكيِّ بوناطيرو

    قبضة النَّاطورو
    في الرَّدِّ على قولة الفلكيِّ بوناطيرو



    بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
    الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على نبيِّه الصَّادق الأمين، نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ وبعد:

    إنَّ الدَّارس لكتب "الملل والنِّحل" وما جاء فيها من جملة تلك الفِرَق الكثيرة والأهواء المتنوِّعة، وكذا ما جاء فيها من الأفكار المارقة والضَّلال المنحرف، يرى جيِّداً أنَّ الجامع بينها هو في تقديم الهوى وتقديس (العقل!!!)، ومخالفة كذا مطلق (الشَّرع!!!) والنَّقل أو في التَّسليم لهما ظاهراً وباطناً، فهما ــ وأعني طبعاً سلطان الهوى وكذا سلطان العقل ــ سبب كلِّ الإنحراف والمروق، وسبب كلِّ الإختلاف والخروق، فضلاً عمَّا قد يترتَّب ــ أو قد ترتَّب ــ عليهما من الزَّندقة والإلحاد، والزَّيغ والكفر وفساد الإعتقاد.
    ومن هذا المنطلق خرج علينا ذاك المدعو (لوط بوناطيرو) بدعواه المريضة، متهجِّماً ومترنِّماً بها على قداسة النُّبوَّة، في وضح النَّهار وعلى مرأى من الملأ، في تخطيء النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في وقوت الصَّلاة وكذا وقت الإمساك، وهذه منه جرأةً لم نعهدها في بلادنا، وتمرُّداً لم يسبق له في إعلامنا؛ فقبَّحها الله من مقولة، وقبَّحه الله إذا أراد ذلك قصداً وعقداً!!!
    لذلك! فلا يعجب القارئ من هذا البتَّة، إذ ما نراه اليوم ونعيشه نحن، هو نفسه ما رآه السَّلف وعايشاه في الأمس، بكلِّ هذه الأحداث والأجداث، وبكلِّ هذه الجهالات والأغلوطات، كما شهد به التَّاريخ وأكَّده لنا تمام التَّأكيد أئمَّة التَّراجم، أنَّه في فترةٍ ما ــ من الفتور والخمول ــ خروج ناعق أو ظهور مارق، يهرف بما لا يعرف، ويتكلَّم بما لا يعلم. فكم من دارسٍ كتاباً خرج غفلاً كما دخل، وكم من متفهِّمٍ لم يفهم؟! ولن يستطيع الفهم إلاَّ من فرَّع قلبه للتفهُّم، كما لا يستطيع الإفهام إلاَّ من صحَّت نيَّته في التَّعليم(1). ثمَّ العالم يعرف الجاهل لأنَّه كان مرَّة جاهلاً، والجاهل لا يعرف العالم لأنَّه لم يكن مرَّة عالماً(2). وصدق من قال:
    ما يبلغ الأعداء من جاهلٍ ... ما يبلغ الجاهل من نفسه
    فلمَّا كانت أقلام ــ أو أقوال من كانت حاله كذلك ــ وكأنَّها أزلامٌ وفتوى، يعمل بها الجاهل فيتوى، ويغترُّ بها المغرور؛ من كاتبٍ وإعلاميٍّ، وذكيٍّ وغبيٍّ، وكذا الرِّعاع أتباع كلَّ ناعقٍ ومارق، كتبنا هذا الرَّدَّ على عجالته وتواضعه، من أجل غاية البيان والتَّبيان، وكذا من أجل غاية الظَّرف الضَّاغط، وقد أسميناه بـ "قبضة النَّاطورو(3) في الرَّدِّ على قولة الفلكيِّ (بوناطيرو!!)".

    فنقـــــــــــــول:

    إنَّ الرَّدَّ على قول المدعو (بوناطيرو) وتفنيد كلامه ــ العاطل الباطل ــ يكون في:
    (أوَّلاً): أنَّ هذا الكلام هو كلام جاهلٍ لا خبرة له بشيءٍ من أمور الدِّين وأحكامه، وهو مع ذلك دليلٌ على النَّذالة والسُّقوط. إذ لو كان كلامه هذا في (الفلك!!) لتركناه وشأنه، وقلنا عندها: لا ينبغي أن يخاطب بخطابٍ ولا يجاوب بجواب، بل يترك وشأنه كما قيل: "اتركوا الجاهل بجهله ولو ألقى الجعر(4) فى رحله"(5). لكن لمَّا كان الأمر يتعلَّق بذات النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم من جهة، وبهيبة الرِّسالة والنُّبوَّة من جهةٍ أخرى؛ وجب حينها الرَّدُّ والتَّفنيد بما يليق لمثله، ووجب أيضاً مناقضة كلَّ ضَالٍّ مروِّج أو إرشاد كلَّ جاهلٍ غيرِ متيقِّن. ولذلك قيل: "قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل". فلا جرم وجب التَّذكير ــ حينها ــ عند المجتمعات العامَّة والخاصَّة لأنَّها تحشُر أصناف النَّاس؛ وهو القصد.
    (ثانياً): أنَّ الإقدام على مثل هذا الكلام أو القول الخطر الوعر، وإشاعته وإذاعته بين النَّاس هكذا من غير ضابطٍ ولا وازع، وصاحبه لا يدري أصوابٌ هو أم خطأٌ؛ يعتبر ــ في حقيقة الأمر ــ جماحٌ، والجماح(6) كما هومعلوم آفة العقل. لذلك قالوا: من ورع الرَّجل أن لا يقول ما لا يعلم، ومن الإرب(7) أن يتثبَّت فيما يعلم(8). وهذا الإقدام المتهوِّر ــ والمماطل ــ يصدق على صاحبه بما قد قيل فيه في المثل: "خرقاءُ ذات نيقةٍ"، وفي آخر: "عاطٍ بغير أنواطٍ"(9).
    (ثالثاً): وهو الأهمُّ هنا وأصل بحثنا هذا؛ ثمَّ هو مبنيٌّ على مقدِّمتين في غاية الدِّقَّة وفي غاية الأهميَّة؛ وهما:
    المقدِّمة الأولى: من جهة الإجمال ومن جهة التَّفصيل:
    أمَّا الإجمال: فهو في من يغضُّ من قدر النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وينتقص من كماله ويقدح في عصمته أو في كريم أحواله، بما منَّ الله عزَّ وجلَّ من فضله عليه، وذلك لمَّا سلَّط الله على سادات المرسلين ــ وبالخصوص نبيِّنا محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم ــ من غثاء هؤلاء المضلِّين الضَّالِّين في كلِّ زمانٍ ومكانٍ؛ من أوباش الدَّكاترة المتطفِّلين على الشَّرع وأحكامه وأوامره زوراً وبهتاناً، وكذا من أراذل المثقَّفين المحسوبين على الإسلام والدِّين كذباً وافتراءً، وكذا من مقلِّدة الغوغاء المجازفين الجاهلين بحقيقة النُّبوَّة والرِّسالة، وما يجوز على أنبياء الله تعالى وما يستحيل، وما يجب على الكافَّة من توقيرهم على أتمِّ الكمال وأعمِّه.
    إذ من خطَّأ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم في أمرٍ من أمور الرِّسالة أو من أمور التَّبليغ، والأمر سيان؛ كما فعل وتجرَّأ عليه ذاك (بوناطيرو!!)، فقد نفى عنه ذاك التَّوقير، وذاك القدر العالي من الكمال الخلقي؛ الذي لابدَّ من وجوده ــ أو وجودها مجتمعة(10) ــ حتَّى يتمَّ له تبليغ رسالة ربِّه: من الصِّدق والأمانة والفطنة والعصمة؛ وهو بقيامه بتخطيئه صلَّى الله عليه وسلَّم فقد نفى عنه ذلك كلِّه، وأثبت له بالمقابل النَّسيان في شيءٍ ــ أو في بعضه ــ ممَّا أرسله الله تعالى في تبليغه إلى النَّاس؛ وهذا مخالفٌ لقوله تعالى لرسوله صلَّى الله عليه وسلَّم: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى}[الأعلى:6]. وأثبت له أيضا الخيانة في تحمُّل رسالة ربِّه، والكذب فيها وفي تبليغها؛ وهما مخالفان لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}[المائدة:67]، وقال تعالى: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}[الحاقة:44ـ47]، وقوله تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}[النور:54]، وقال سبحانه في إبراهيم: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا}[مريم:41]، وقال في إدريس: {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا}[مريم:56]، وقال في وصف إسحاق ويعقوب ابني إبراهيم عليهم السَّلام: {وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا، وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا}[مريم:49و50]، وقال في إسماعيل عليه السَّلام: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا}[مريم:54]، وهذا كلُّه يقتضي تكذيب للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وتكذيبٌ لله تعالى حيث قال: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام:124].
    فهذا (التَّخطيئ) هو بعينه ذاك التَّكذيب الذي جمع الإنكار والإكبار في مسألة "وقوت الصَّلاة" وغيرها، وقد تسوِّل له نفسه المريضة أيضاً ــ هو أو لغيره من أمثاله ممَّن ذكرنا سابقاً ــ أن يعدَّ ذلك دليلُ كذب النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فيفرح بذلك ــ كما فعل في الإعلام ــ كونه هو المكتشف لهذا الخطأ بشطارته وقفازته، ثمَّ يحاول عندها أن يشنِّع عليه فيه كما شاء وبما شاء.
    فمن كان حاله كذلك، أو وقع في قلبه من ذلك أو من الشَّكِّ والرَّيب والشُّبهة من خبر النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فقد وقع في مسمَّى الكفر، ومن المعلوم أنَّ الكفر كما في "العواصم والقواصم"(4/176و177): "هو تكذيبُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، إمَّا بالتَّصريح أو بما يستلزمُه استلزاماً ضرورياً لا استدلالياً". أو وقع في الرَّدَّة أو في النِّفاق. قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة في "الإيمان الأوسط"(ص/180): "فأمَّا النِّفاق المحض الذي لا ريب في كفر صاحبه، فأن لا يرى وجوب تصديق الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم فيما أخبر به، ولا وجوب طاعته فيما أمر به، وإن اعتقد مع ذلك أنَّ الرَّسول عظيم القدر ــ علماً وعملاً ــ وأنَّه يجوز تصديقه وطاعته...".
    وقال الشَّيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب في "مجموعة التَّوحيد"(ص/7): "فأمَّا النِّفاق الإعتقاديُّ فهو ستَّة أنواع: تكذيب الرَّسول، أو تكذيب بعض ما جاء به الرَّسول، أو بغض الرَّسول أو بغض ما جاء به الرَّسول، أو المسرّة بانخفاض دين الرَّسول، أو الكراهية بانتصار دين الرَّسول؛ فهذه الأنواع الستَّة صاحبها من أهل الدَّرك الأسفل من النَّار".
    فـ (التَّخطيئ) هذا إذن؛ يقتضي من صاحبه ــ إن كان قصده فعلاً ــ الرَّدَّة أو الكفر أو النِّفاق، وعلى صاحبه أن يستتاب؛ وهو قول أهل الحقِّ.
    وأمَّا التَّفصيل: فهو من عدَّة أوجه:
    (الأوَّل): في من تسوِّل له نفسه أن يخطِّئ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كما فعل ذاك المدعو (بوناطيرو!!) ــ ومن قبله وإلى حدِّ السَّاعة من هؤلاء غلاة الرَّوافض، وكذا طبقة العلمانيَّة والعقلانيَّة! ــ في هذا التَّخطيئ له صلَّى الله عليه وسلَّم. وهذا التَّخطيئ طبعاً له مسلكان هنا: إمَّا تخطيئه صلَّى الله عليه وسلَّم من جهة الإجتهاد أو من جهة الوحي.
    فأمَّا من جهة الإجتهاد: فقد تقرَّر عند العلماء ــ وبالخصوص منهم أهل الأصول ــ ومع وجود أيضاً طبعاً الأدلَّة الدَّالَّة على هذا الإذن لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في الإجتهاد فيما لم ينزل عليه به وحي؛ ومع وجود أيضاً الحوادث التَّطبيقيَّة التي تؤكِّد ذلك، فمنها ما أصاب فيها ومنها ما أخطأ فيها؛ لأنَّ الإجتهاد محتمل الخطأ. والتي أخطأ فيها قد عاتبه الله عليها؛ ومعنى عتاب الله تعالى لنبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم هو تذكيره في تلطُّفٍ وإشفاقٍ لما يقع من الخطأ في اجتهاده توصُّلاً إلى تصحيح هذا الخطأ الذي يعود به الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم إلى موافقة مراد الله تعالى، وتحقيق المطلوب منه عليه الصَّلاة والسَّلام. وبالتَّالي: عاد الحكم أو الإجتهاد بذلك إلى الوحي(11)؛ فتنبَّه.
    وأمَّا من جهة الوحي: فلا نقاش ولا اعتراض لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم:3و4]، وقوله تعالى: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}[يونس:15].
    حينذاك فلا مكان للتَّخطيئ هنا، لا في باب الإجتهاد ــ كما يظنُّ الجهَّال المغرورين، ولا في باب الوحي على الإطلاق. ومن قام بعد ذلك بالتَّخطيئ للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فقد كذَّبه؛ نعوذ بالله من ذلك.
    (والثَّاني): وهو زيادة على ما ذكرناه آنفاً، في حالة إن تمسَّك هذا (البوناطيرو!!) بهذا التَّخطيئ ــ كغيره من الفرق الضَّالَّة وأصحاب الأهواء ــ وجوَّزه على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بمقتضى قانون: "عنزةٍ ولو طارت!!"، ومن غير أن يراعي في ذلك مسألة (العصمة) وهيبتها وحصانتها، فالرَّدُّ عليه حينها يكون بأمرين اثنين:
    أوَّلاً: أنَّ الأمر لا يستقيم إذا أخطأ الرَّسول في التَّبليغ عن الله تعالى، إذ يترتَّب على ذلك أحد أمرين:
    - إمَّا أن يسكت الوحي عن تصحيح الخطأ الذي وقع من النَّبيِّ، ممَّا يعني أنَّ الله تعالى أراد أن يبلِّغ النَّاس أمراً معيَّناً، ثمَّ رضي تعالى أن يبلِّغ عنه النَّبيِّ غير ما أمره؛ وهذا لا يجوز على الله تعالى.
    - وإمَّا أن ينزل الوحي بالتَّصحيح فيعود الرَّسول ويقول: إنَّ الله أمرني أن أبلِّغكم كذا ولكنِّي أخطأت في التَّبليغ، وهذا هو تصحيح البلاغ. فينتج عن ذلك لا محالة أن يفقد النَّاس الثِّقة به، وكلا الأمرين غير مُتَصَوَّر عن النَّبيِّ لما سبق أن بينَّاه.
    ثانياً: أنَّ الأمر لا يستقيم كذلك إذا أخطأ النَّبيُّ في تنفيذ ما أوحى الله به إليه؛ لأنَّ القدوة تنتفي حينئذٍ ويضطَّرب الأمر في نفوس الأتباع الذين اتَّبعوا الرُّسل، فلا يعرفون أيَّ طريقٍ يسلكون(12).
    قلت: فهذا الكلام هنا في غاية الدِّقَّة والمتانة والوثاقة لمن تمعَّن فيه، وكذا لرفع ودفع ما جاء به هذا (البوناطيرو!!)، ومنبئاً أيضاً عن قرائح صدره وجرائح فؤاده، وإلاَّ فإنَّه هو الهالك فهاهة الجاهل سفاهة؛ نسأل الله السَّلامة.
    (والثَّالث): وإذا علمنا هذا جيِّداً؛ قلنا بعد ذلك أنَّ هذا (التَّخطيئ) للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم يقتضي الكتمان من جهة، ويقتضي أيضاً الخيانة والكذب من جهةٍ أخرى، وحاشاه صلَّى الله عليه وسلَّم أن يكون قد كتم شيئاً من الوحي، أو خانه أو كذب فيه، وقد ذكرنا هذا سابقاً في الإجمال.
    ولا بأس أن نورد هنا أيضاً ما ذكرناه في بحثنا المسمَّى بـ "السَّيل الطُّوفاني" ممَّا رواه البخاريُّ (8/606) ومسلمٌ (1/160) عن مسروقٍ بن الأجدع رحمه الله؛ قال: "قلت لعائشة: يا أمَّتاه! هل رأى محمَّد ربَّه؟ فقالت: لقد قفَّ شعري ممَّا قلت، أين أنت من ثلاثٍ من حدَّثكهنَّ فقد كذب؛...ومن حدَّثك أنَّه كتم فقد كذب؛ ثم قرأت: {يا أيُّها الرَّسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربِّك}...". وزاد مسلمٌ في روايةٍ: "ولو كان محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم كاتماً شيئاً ممَّا أنزل عليه لكتم هذه الآية: {وإذ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}[الأحزاب:37]".
    وأخرج البخاريُّ (13/503) أيضاً تعليقاً في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} عن الزُّهريِّ: "من الله عزَّ وجلَّ الرِّسالة، وعلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم البلاغ، وعلينا التَّسليم".
    فإذا كان الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم مبرَّأً من ذلك ومنزَّهاً بتزكية ربِّه له في قوله: {لقد جاءكم رسولٌ من أنفسكم عزيز عليه ما عَنِتُّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم}[التوبة:128]؛ إذ وصفه بالحرص على أمَّته: أي على هدايتهم، ووصول النَّفع الدَّنيويِّ والأخرويِّ لهم، ذكره ابن كثير في "تفسيره"(2/404): وإذا كان هذا الأمر معلوماً بالإضِّطرار من دين الإسلام عند الخاص والعام، لا يشكُّ فيه من في قلبه أدنى مثقال ذرَّة من إيمان، أنَّ هذا الرَّسول الكريم قد بلَّغ كلَّ ما أُمر به، وكان أحرص ما يكون على أمَّته، بما هو متواتر من جهاده وتضحيته، وأخباره الدَّالة على ذلك. وقد نقل الإجماع على العصمة في هذا أكثر من واحدٍ كما في "مجموع الفتاوى"(10/291) و"لوامع الأنوار البهيَّة"(2/304).
    قلت: وقد يقتضي هذا (التَّخطيئ) أيضا معنى الإستدراك على النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، إمَّا في حكمٍ من الأحكام، وإمَّا في إحداث عبادة أو طاعة لم يفعلها صلَّى الله عليه وسلَّم. وفي هذا يقول الإمام مالك رحمه الله: "من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أنَّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم خان الرِّسالة، لأنَّ الله يقول: {اليوم أكملتُ لكم دينكم}[المائدة:3]"(13).
    (والرَّابع): فيما قد ذكره صاحب كتاب "القائد إلى تصحيح العقائد"(ص/88)؛ فقال: "من المعلوم من الدِّين بالضَّرورة أنَّ الأنبياء صادقون في كلِّ ما أخبروا به عن الله عزَّ وجلَّ، وأنَّ من كذَّب نبياً في خبر من ذلك فقد كفر، ومعلوم أنَّ جميع ما أخبر به الأنبياء في شؤون الدِّين فهو إخبارٌ عن الله عزَّ وجلَّ، وهذا من الوضوح عند المسلمين بحيث يستغني عن إيراد حججه".
    قلت: طبعاً مواقيت الصَّلاة ــ وكذا الإمساك ــ هي من المعلوم من الدِّين بالضَّرورة، عند المخالف والموافق، وعند أهل البدعة وأهل السنَّة، قد تناقلها الجيل المثاليِّ من أهل القرون الثَّلاثة المفضَّلة؛ نقلاً أمينا وتطبيقاً متواتراً، إلى أن وصلت إلينا هكذا؛ من غير زيادة أو نقصان، ومن غير تحريفٍ أو تزييف، ولا يشكُّ في ذلك إلاَّ من به هوسٌ أو مسٌّ من الشَّيطان، أو من به غرورٌ من الكلام ومذاهب أهل الجدل، وكذا أهل التَّنطيع والتَّلفيق والإيهام والتَّطاول. وفي مثله يقول أبا العتاهيَّة:
    فهنـــــاك تعلم مــــــوقنــــــاً ... مـــــا كنت إلاَّ في غــــــــــرور
    (والخامس): وهو في تخطيئ ذاك (البوناطيرو!!) في تخطيئه للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وذلك من جهة النَّقل العلميِّ والفعل العمليِّ، وهو ما قد أخرجه الإمام مالك في كتابه "الموطَّأ"(1/3) عن ابن شهابٍ: "أنَّ عمر بن عبد العزيز أخَّر الصَّلاة يوماً، فدخل عليه عروة بن الزُّبير فأخبره أنَّ المغيرة بن شعبة أخَّر الصَّلاة يوماً ــ وهو بالكوفة، وفي روايةٍ: "بالعراق"(14)، وفي روايةٍ: "وهو أميرٌ بالكوفة"(15)ــ فدخل عليه أبو مسعودٍ الأنصاريُّ؛ فقال: ما هذا يا مغيرة؟ أليس قد علمت أنَّ جبريل نزل فصلَّى؛ فصلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ صلى؛ فصلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ صلَّى؛ فصلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ صلَّى؛ فصلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ صلَّى؛ فصلَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم. فقال: بهذا أمرت. فقال عمر بن عبد العزيز: اعلم ما تحدِّث به يا عروة، أوَ إنَّ جبريل هو الذي أقام لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وقت الصَّلاة؟ قال عروة: كذلك كان بشير بن أبي مسعودٍ الأنصاريُّ يحدِّث عن أبيه".
    قلت: وفي حديث جبريل وإمامته فوائدٌ جليلة لكلِّ مهتدي عاقل، وكذا وهو الأهمُّ هنا والمقصود؛ قرائعٌ وتنبيهاتٌ مذكِّرةٌ لهذا المدَّعي المماطل؛ ومنها على سبيل الحصر:
    (الأولى): فيه ذكر صلاة جبريل بالنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم خمس مرَّات. وقد ذكر الدَّارقطنيُّ والطَّبرانيُّ وابن عبد البرِّ في "التَّمهيد" من طريق أيُّوب بن عتبة، عن أبي بكر بن حزم، عن عروة بن الزُّبير؛ بسنده إلى أبى مسعودٍ الأنصاريُّ: "أنَّ جبريل صلَّى به الخمس مرَّتين في يومين"(16).
    على أنَّه قد ورد من رواية الزُّهريِّ نفسه، فقد أخرج ابن أبي ذئبٍ في "موطَّئه" عن ابن شهابٍ بسنده إلى أبي مسعودٍ؛ وفيه: "أنَّ جبريل نزل على محمَّد صلَّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلَّم، فصلَّى وصلَّى وصلَّى وصلَّى وصلَّى، ثمَّ صلَّى وصلَّى وصلَّى وصلَّى وصلَّى. ثمَّ قال: هكذا أمرت"(17).
    (الثَّانية): وفيه أنَّ الأوقات إنَّما ثبت أصلها بإيقاف جبريل للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم عليها، وتعيينها له(18) ومعلِّماً إيَّاه صلَّى الله عليه وسلَّم مواقيت الصَّلوات المكتوبة. وخاصَّة ما جاء مبيَّناً في حديث جابرٍ؛ قال: "جاء جبريل إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حين زالت الشَّمس؛ فقال: قم يا محمَّد فصلِّ الظُّهر، فقام فصلَّى الظُّهر، ثمَّ جاءه حين كان ظلُّ كلَّ شيء مثله؛ فقال: قم فصلِّ العصر، فقام فصلَّى العصر، ثمَّ جاءه حين غابت الشَّمس؛ فقال: قم فصلِّ المغرب، فقام فصلَّى المغرب، ثمَّ مكث حتَّى ذهب الشَّفق؛ فجاءه فقال: قم فصلِّ العشاء، فقام فصلاَّها، ثمَّ جاءه حين سطع الفجر بالصُّبح؛ فقال: قم يا محمَّد فصلِّ، فقام فصلَّى الصُّبح، وجاءه من الغد حين صار ظلُّ كلَّ شيءٍ مثله؛ فقال: قم فصلِّ الظُّهر، فقام فصلَّى الظُّهر، ثمَّ جاءه حين كان ظلُّ كلَّ شيءٍ مثليه؛ فقال: قم فصلِّ العصر، فقام فصلَّى العصر، ثمَّ جاءه حين غابت الشَّمس وقتاً واحداً لم يزل عنه؛ فقال: قم فصلِّ المغرب، فقام فصلَّى المغرب، ثمَّ جاءه العشاء حين ذهب ثلث اللَّيل؛ فقال: قم فصلِّ العشاء، فقام فصلَّى العشاء، ثمَّ جاءه الصُّبح حين أسفر جداً؛ فقال: قم فصلِّ الصُّبح، فقام فصلَّى الصُّبح؛ فقال: ما بين هذين وقتٌ كلُّه"(19).
    قلت: قال التِّرمذيُّ: "قال محمَّد ــ يعني البخاريُّ ــ: أصحُّ شيء في المواقيت حديث جابر عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم".
    ثمَّ في هذا الحديث وسابقه دليلٌ في أنَّ جبريل صلَّى برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خمس صلواتٍ في أوقاتهنَّ، كما يدلُّ أيضاً على أنَّ جبريل صلَّى برسول الله مرَّتين؛ كلَّ صلاة في وقتين، فتكون عشر صلوات كما في سائر الآثار المرويَّة في إمامة جبريل(20).
    وهذا يعني أنَّ البيان من جبريل للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد تمَّ ــ أو لنقل: كان ــ بالفعل والقول معاً، والأهمُّ المفيد؛ أنَّ الصَّحابة رضي الله عنهم قد صلُّوا بصلاة رسول الله أنذاك ــ أي: لمَّا أمَّه جبريل عليه السَّلام ــ، كما في حديث معمر وبن جريج عن بن شهابٍ في الحديث: "أنَّ النَّاس صلُّوا خلف رسول الله حين صلَّى به جبريل". كذا في "الإستذكار"(1/16)؛ وقال ابن عبد البر: "وقد روي ذلك من غير حديث بن شهاب من وجوه".
    ثمَّ جاء البيان والتَّعليم بعد ذلك من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لأصحابه، فيما يتعلَّق بهذه المواقيت الخاصَّة بالصَّلوت الخمس المفروضة، وقد جاءت مذكورة في كثيرٍ من الأخبار والآثار الصَّريحة والصَّحيحة، وهي منتشرة ومستفيضة في كتب السنَّة وكتب الفقه.
    فإذا كان الأمر كذلك؛ فهل يمكن والحال ذلك أن يخطئ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم في هذه المواقيت؟ وهل يمكن أيضاً أنَّه صلَّى الله عليه وسلَّم لم يستوعب ما علَّمه له جبريل ــ بالرَّغم من إمامته له في المرَّتين كما رأينا آنفاً ـ؟ وهل تلك الأحاديث المتعلِّقة بالباب المرويَّة عنه فيها خطأ؛ وبالتَّالي لا تصلح أن تكون محلُّ الإحتجاج بها؟
    طبعا! أنَّ المسلم العاقل لا يخطر على باله مثل هذه الخواطر الشَّيطانيَّة أبداً، أو مثل هذه الأفكار العقلانيَّة أو الإلحاديَّة؛ بل هو مسلِّمٌ فيها لله ولرسوله تسليماً وتصديقاً جازماً بهذا الوحي المذكور، الذي لا رأي بعده ولا مناقشة ولا محاورة؛ كما قيل: إذا حضر الأثر بطل النَّظر. وأمَّا المدعو (بوناطيرو!!) فهو يناقشها، بل ولا مانع عنده إذا خطَّأ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ نسأل السَّلامة.
    (الثَّالثة): وفيه أيضاً تعريفٌ بكيفيَّة ــ أو بالأحرى صفة ــ الصَّلاة وهيئاتها وأركانها وغيرها.
    (والسَّادس): فإذا عرفنا هذا كلَّه إسهاباً وإطناباً، فقد حان لنا بعدها أن نقول: أنَّ (التَّخطيئ) من جهة المدعو (بوناطيرو!!) هذا يكون من:
    إمَّا هو تخطيئٌ لشخصٍ معيَّنٍ بعينه، وقد يكون هذا المعيَّن هنا مبهم، كما قد يكون شيخٌ من شيوخ الأمَّة الثِّقات، أو إمامٌ من أئمَّة المساجد أو أحد المفتين. فهذا لا بأس به، وهو عمل النَّاس قديماً وحديثاً، لكن بشرط أن يكون ندًّا لهذا (التَّخطيئ)؛ أي أن يكون من الأقران في العلم والمحاورة والمناظرة، أي من نفس الطَّبقة: عالمان في الشَّرع أو عالمان في الفلك وهكذا. فإذا تحقَّق هذا الشَّرط وجب (التَّخطيئ) حينها للطَّرف الآخر؛ وأمَّا المدعو (بوناطيرو) فهو ليس كذلك في باب الشَّرع، حتَّى ولو كان عملاقاً أو نابغة في علم الفلك؛ فالعبرة بالشَّرع وليس بالفلك، كما أنَّنا لسنا بحاجة إلى فلكه أو نجومه في معرفة تلك المواقيت بعدما قد بيَّنها لنا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالبيان الشَّافي والكافي؛ كما زاد أبو داود وغيره من طريق آخر في بيان تفسير الأوقات؛ فقال: قال أبو مسعود: "فرأيت رسول الله يصلِّي الظُّهر حين تزول الشَّمس، وربَّما أخَّرها حين يشتدُّ الحر، ورأيته يصلِّي العصر والشَّمس مرتفعة بيضاء قبل أن يدخلها الصُّفرة، لينصرف الرَّجل من الصَّلاة فيأتي ذا الحليفة قبل غروب الشَّمس، ويصلِّي المغرب حين تسقط الشَّمس، ويصلِّي العشاء حين يسود الأفق، وربَّما أخَّرها حتَّى تجتمع النَّاس، وصلَّى الصُّبح مرَّة بغلسٍ، ثمَّ صلَّى مرَّة أخرى فأسفر بها، ثمَّ كانت صلاته بعد ذلك التَّغليس حتَّى مات لم يعد إلى أن يسفر"(21).
    كما بيَّنها أيضا الخلفاء الرَّاشدين، وعلى سبيل الذِّكر مثلاً عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه، كما جاء ذلك مبيَّنا وموضَّحاً من تلك الزِّيادة في آخر نفس الحديث السَّابق، وهي ما رواه الإمام عبد الرزَّاق في "مصنَّفه": "فلم يزل عمر يعلِّم الصَّلاة بعلامةٍ حتَّى فارق الدُّنيا". وهذا واضح لكلِّ نبيه.
    أو هو تخطيئٌ لهيئة معيَّنة أو إدارة معيَّنة، فلا مانع والحال ذلك؛ إذ الشَّرع ــ كما هو معلوم لكلِّ عاقلٍ فاضلٍ ــ لا تمثِّله هذه الإدارة أو هذه الهيئة.
    أو هو تخطيئٌ للشَّرع أو للنَّبيِّ أو للوحي ــ وهو القصد من كلامنا وبحثنا ــ فهذا لا يكون أبداً في حالٍ من الأحوال، لا لهذا المدَّعي (بوناطيرو!!)، ولا لغيره ممَّن تسوِّل له نفسه ذلك. إذ من كان حاله كذلك ــ أي بذلك التَّخطيئ المذكور ــ فقد وقع في مسمَّى الكفر، وعلى صاحبه أن يستتاب كما بيَّنَّا هذا سابقاً.
    المقدِّمة الثَّانية: وهي في بيان حقيقة قد غابت عن صاحب الدَّعوى في تخطيئه ذاك، والذي يستلزم منه أيضاً تكذيبٌ لجميع الأحاديث التي روت لنا هذه المواقيت، وتكذيب أصحابها ورواتها من الصَّحابة والتَّابعين وتابعيهم، وأنَّهم قد تواطؤوا جميعهم على هذا الكذب أو على رواية هذا الكذب، وتكذيب كذا ما رواه أنس بن مالكٍ عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تجتمع أمَّتي على ضلالة"، أو من حديث ابن عمر؛ قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا يجمع الله أمَّتي على ضلالةٍ أبداً، ويد الله على الجماعة". وتكذيبٌ أيضاً ما رواه ثوبان: "لا تزال طائفةٌ من أمَّتي ظاهرين على الحقِّ لا يضرُّهم من خذلهم حتَّى يأتي أمر الله وهم كذلك". كما أنَّ صلاة هؤلاء جميعاً ــ وأيضاً صلاتنا نحن بدعواه المريضة ــ لم تكن في الوقت المعلوم.
    فمثل هذا (التَّخطيئ) المتهوِّر الجريء، مثل ما جاء من شطارته وشذوذه وتعجُّبا في مقالته أيضا بما يتعلَّق بعدد الشُّهور، والتي قد حسمها الله عزَّ وجلَّ بقوله: {إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كَتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أرْبَعَةٌ حُرُمٌ}[التوبة:36]، أو ما رواه أصحاب الصِّحاح والسُّنن وغيرهم من حديث أبي بكرة، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم؛ قال: "الزَّمان قد استدار كهيئة يوم خلق السَّموات والأرض: السَّنة اثنا عشر شهراً...". لكنَّه راح كعادته يتخبَّط فيها بظنونه وأوهامه، وبفوضويَّته وتعسُّفه التَّائه، وكذا بمجلى هذيانه ومعرِض حماقاته، فأتى فيها ــ كما قد أتى بسابقتها تلك ــ بالعجب العجاب، وهذه سبيل صاحبها فقيرٌ إلى تجاوز ربِّه، وتداركه لمغفرة ذنبه، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله.
    وصلَّى الله على محمَّد وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً.

    كتبع راجي عفو ربِّه:
    أبو حامد الإدريسي
    يوم الإثنين 29 جمادي الأولى 1440هـ الموافق لـ 4 فيفري 2019م
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــ
    (1) أنظر "الحيوان"(5/286) للجاحظ.
    (2) أنظر "أخلاق الوزيرين"(ص/390) لابن العميد.
    (3) زيادة (الواو) فقط لضرورة السجع، والأصل بحذفها "النَّاطور": موظَّف كان في عصر الإقطاع يحرس الأراضي في مناطق بلاد الشَّام؛ وهنا بمعنى: العلم أو الحاكم.
    (4) الجعر: ما يبس من العذرة فى المجعر أى الدُّبر، أو نحو كلِّ ذات مخلبٍ من السِّباع.
    (5) أنظر "أساليب بلاغيَّة"(ص/30) أحمد النَّاصري الصيَّادي.
    (6) الجماح: المبادرة إلى الشَّيء بلا تفكير ولا رويَّة. والجموح من الرِّجال: الذي يركب هواه فلا يمكن ردُّه.
    (7) الإرب، والإربة، والأربة، والأرب: الدهاء والبصر بالأمور، وهو من العقل. يقال: أرب أرابة فهو أريب من قوم أرباء.
    (8) أنظر "الأدب الصَّغير"(ص/55) لابن المقفَّع.
    (9) أنظر "الأمثال"(ص/208) لابن سلام.
    (10) ونعني بها طبعاً! تلك الصِّفات التي يجب على الأنبياء أن يتَّصفوا بها.
    (11) ومن أراد المزيد فيطالع كتاب "آيات عتاب المصطفى صلى الله عليه وسلم في ضوء العصمة والإجتهاد" للدكتور عويد بن عيَّاد المطرفي.
    (12) أنظر "الحاجة إلى الرُّسل"(ص/29).
    (13) أنظر "الإعتصا"(1/48و49) للشَّاطبي و"الإحكام في أصول الأحكام"(6/58) لابن حزم.
    (14) أخرجه الإمام البخاريُّ في "صحيحه"(521) من طريق عبد الله بن مسلمة.
    (15) أخرجه الألباني في "مختصر صحيح البخاري"(278).
    (16) أنظر "المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود"(3/295) لمحمود محمَّد السبكي.
    (17) أنظر نفس المصدر.
    (18) أنظر "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم"(2/232) للإمام القرطبي.
    (19) صحَّحه الألباني في "الإرواء"(250) و"صحيح أبي داود"(419).
    (20) أنظر "الإستذكار"(1/16) للحافظ ابن عبد البر.
    (21) أنظر "التَّوشيح شرح الجامع الصَّحيح"(2/578) للسُّيوطي. وأخرجه البخاريُّ (521) و (3221) ومسلم (610) والنَّسائيُّ (494) وابن ماجَّه (668) بنحوه.

  • #2
    (تنبيه): الأصل في هذا المقال ــ أو هذا البحث "قبضة النَّاطورو" ــ أنَّه قد أتممناه أو أتممنا من تسويده منذ أسبوع، وقبل تاريخ نزوله المذكور، وبسبب عدم تبييضه ــ لكثرة العوائق والإنشغالات ــ لم ننزله في حينه إلاَّ في ذاك التَّاريخ المقيَّد؛ والله المستعان.

    تعليق


    • #3
      ( تنبيــــــــه ):

      لقد خرج علينا البارحة المدعو (بوناطيرو) مرَّة أخرى، بخرجة أقبح من الأولى؛ مدَّعياً فيها ــ وكعادته!! ــ بأنَّه من نسب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنَّ رسول الله قد دعى لمن كان من نسبه أو دريَّته بعدم الوقوع في مسمَّى ( الخطأ!!! ). ولتفنيد هذا الهراء نقول:
      (أوَّلاً): أنَّ الرَّجل في جعبته كثيراً من هذه الترَّهات والخزعبلات العجيبة والغريبة، وكذا من الهلوسات التي أضحكت النَّاس عليه؛ نسأل السَّلامة.
      (ثانيا): كونه من نسب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فهذه منه مجرَّد دعوى بلا برهان، والدَّعاوى لا يعجز عن التنطُّع بها أحدٌ إذا لم يكن له من دينه أو عقله أو حيائه ما يحميه. وقد قيل:
      والدَّعاوى ما لم تقيموا عليها .... بيِّنـــــــــاتٌ أبناؤها أدعيـــــاء

      وخاصَّة إذا علمنا ــ في هذا الزَّمان ــ ممَّن يدَّعي أو يستعمل التَّزوير إذا اقتضت الضَّرورة لذلك في هذا النَّسب الشَّريف، من أصحاب الزَّوايا الفخمة، وكذا من أصحاب الطُّرائق الكثيرة في بلادنا وغيرها، فضلاً عن الحمقى الذين لا علاقة لهم البتَّة بشرع الله؛ لا صفة ولا قولاً ولا فعلاً.
      ولا غريب أن تدَّعيه الشِّيعة الرَّوافض، كما ادَّعاه الخبيث المدَّعي ــ ابن الفاطمي!! ــ مؤسِّس الدَّولة الفاطميَّة الشِّيعيَّة الرَّافضة في بلادنا الجزائر، أو يدَّعيه فلانٌ أو علاَّن؛ وهذا يعلمه الأثبات الثِّقات في علم الأنساب. فلا فرق حينها بين ذاك أو ذاك؛ والله المستعان.
      (ثالثا): في قوله: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم دعى لدريَّته في عدم الوقوع في الخطأ" أو في معناه؛ وهذا ممَّا لا نعرفه ولم نسمع به مطلقاً، وفي الرَّدِّ أن نقول:
      الأوَّل: هذا يحتاج إلى دليل، وحينها هو مطالبٌ به كما في القاعدة: (إن كنت مجتهداً فالدَّليل، وإن كنت ناقلاً فالصِّحَّة). وهيهات له أن يأتينا بنصٍّ أو نقلٍ في صحَّة دعواه العجيبة.
      والثَّاني: وإنَّما الثَّابت تواتراً واستفاضة بين السَّلف، وعند أئمَّة الحديث وفي دواوين السنَّة ومصنَّفاتهم، هو فقط ما رواه أنس بن مالكٍ عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا تجتمع أمَّتي على ضلالة"، أو من حديث ابن عمر؛ قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "لا يجمع الله أمَّتي على ضلالةٍ أبداً، ويد الله على الجماعة".
      وأمَّا ما ادَّعاه فلا وجود له على الإطلاق، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله.

      تعليق


      • #4
        (تنبيه):
        ماذا لوسألنا ذاك المدعو (بوناطيرو!!!) حينها وبمقتضى ما ادَّعاه وتبجَّح به من أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد دعى لدريَّته بعدم الوقوع في (الخطأ)، فكيف يكون هذا صحيحاً والنَّبيُّ قد خطَّئته أنت سابقا؟ فما وقع هو فيه ــ وحاشاه ــ يقع فيه دريَّته أيضا بطريق وقانون التضمُّن واللُّزوم وأنت منهم كما ادَّعيت؛ فكيف يكون جوايه بهذه المعضلة يا ترى؟!!!
        نسأل الله السَّلامة، ونعوذ به من الخزي والخذلان، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله

        تعليق


        • #5
          جزاك الله خيرا وبارك فيك أخي الكريم.
          غفر الله له

          تعليق


          • #6
            وفيك بارك الله أخي ( عبد الله )

            تعليق


            • #7
              جزاك الله خير

              تعليق


              • #8
                وبالمثل جزيت (أبا عبد الواحد) وبارك الله فيك

                تعليق

                الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
                يعمل...
                X