إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تنبيه السائل المعجب الممقوت على أنّ جواب الأحمق السكوت

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تنبيه السائل المعجب الممقوت على أنّ جواب الأحمق السكوت

    <بسملة1>


    تَنبِيهُ السَّائِل الـمُعجَبِ الـمَمقُوتِ
    على أنَّ جَوَابَ الأَحـمَقِ السُّـكُوتِ

    الحمدُ للهِ ، وَالصَّلاَة وَالسَّلاَمُ عَلَى رســولِ اللهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحبِهِ وَمَن وَلَاهُ :
    وَلاَ يَزالُ أَبُو خَربَشَةَ يُرابِـطُ حَولَ عُشِّهِ ، وَيُتَرجِـمُ عَن قَلَقَهِ وَاضطرابِ عَيشِهِ ، وَيُؤصِّلُ وَيُدَلِّلُ لِبُنَيَّاتِ طَريقِ طَيشِهِ ، وَيَـجُسُّ النَّبضَ وَيُغَامِرُ ، وَيُضَاعِفُ الرَّكضَ وَيُنَاورُ ، لعلَّه يَظفَرُ بِجَوَابِ شَافٍ من شَيخِهِ ، أو يُوَاصِلُ مِشوَارَ صُرَاخِهِ
    ، لَكِنَّ جَوابَ شَيخِنَا ـــ أَعَزَّه اللهُ ـــ إعرَاضٌ وَسُكوتٌ ، فدَلَّ عَلى أَنَّ السَّائِلَ جَاهِلٌ أَحمَقُ مـَمقُوتٌ ، لاَ أَنَّ شَيخَنَا الـمَسؤُولَ عَاجِزٌ مَبهُوتٌ ، فَلاَ تَتحَامَق يَا نَسَيجَ العَنكبُوتِ .
    قَال الْأَعْمَشُ رَحمه الله : جَوَابُ الْأَحْمَقِ السُّكُوتُ عَنْهُ ...، وَرِضَا الْمُتَجَنِّي غَايَةٌ لَا تُدْرَكُ ، ..، وَمَنْ غَضِبَ عَلَى مَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ طَالَ حُزْنُهُ " اهـ .
    وَمِنَ العُجبِ مَـا قَتلَ
    لَقَدِ استَمرَأَنَا مَا يَأتِي بِهِ ذَلِكَ الْمَمقُوتُ مِنَ العَجَبِ ، وَلاَ رَيبَ أَنَّ الْـمَقتَ ثَـمَرَةُ الْعُجْبِ 1 ، وَهُوَ عَلاَمَــــــــــــةٌ عَلَى الْجَهْلِ ، وَدَلِيلٌ عَلَى ضُعْفِ العَقْلِ ، وَيَهْدِمُ الْمَحَاسِنَ ، وَآفَةُ الْأَلْبَابِ ، والْبَلَاءُ الَّذِي لَا يُرْحَمُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ ، لأَنَّ الْمُعجَبَ : نَافِرٌ مِنَ النَّاسِ مُتَبَاعِدٌ عَنهم ، وَلَا تَرَاهُ إِلَّا طَالِبًا لِلرِّئَاسَةِ ، وَمَا مِنْ أَحَدٍ أَحَبَّهَا إِلَّا حَسَدَ وَبَغَى وَتَتَبَّعَ عُيُوبَ النَّاسِ وَكَرِهَ أَنْ يُذْكَرَ أَحَدٌ بِخَيْرٍ 2 ، فلِذَا هَلَكَ بِالعُجبِ كَثِيرٌ مِنَ العُلَمَاءِ وَالعِبَادِ وَالزُّهَّادِ 3 فاللَّـهُـــمَّ سَلِّـم سَلِّـم .

    وَكَيفَ لاَ يَكونُ السَّائلُ مُعجَـبًا وَهُوَ يَستَعجِلُ الـجَوَابَ قَائِــلاً : ( قَد كَتبتُ قَبلَ مَا يُقَارِبُ الشَّهرَ ..... ، لَكِنَّ لِلأَسَفِ لَـم نَحظَ بجَوابٍ مِنَ الشَّيخِ ) ، وَهَا هُنَا خَمسُ تَنبِيهَاتٍ :
    الأَوَّلُ : قَد صَدَقَ نُصحُ شَيخِنَا ـــ أَعَزَّه الله ـــ : ( جنَّدوا لَـهُ ـ بِإملاَءَاتِهم ـ شَبَابًا مِنْ ذَوِي العَجَلَةِ ) اهـ .
    قَدْ يُدْرِكُ الـمُتَأَنِّي بَعْضَ حَاجَتِهِ ............ وَقَدْ يَكُونُ مِنَ الـمُسْتَعْجِلِ الزَّلَــــلُ
    الثَّانِي : يَا أَيُّهَـا السَّائِلُ : بِـمَا خَصَّك اللهُ وَاصطَفَاكَ حَتَّى يُبَادرَ الشَّيخُ إِلَيكَ جَذلانَ ؟! ، هَل هُو ( لَكَ وَحدَك ، بَل اِعتَقِدُ أَنَّ الَّذِي يَسأَلُ أهلَ العِلمِ فِي اليَومِ العَشَرَاتُ في كُلِّ وَقتٍ ، فَلاَبَدَّ مِن رِعَايَةِ حَالِ أهلَ العِلمِ ، وَالتَأَدُّبِ مَعَهُم ... ) 4 ، وَ كَيفَ يُخَاطِبكُ وَبَينَ يَدَيهِ مَن قَطَعَ مَفَاوِزَ تَحت الدُّجَى وَالصَّقِيعِ ، وَوَقَفَ مَا شَاءَ اللهُ أَن يَقِفَ ، لِيظفَرَ بِجَوابٍ عَن مَسألَةٍ ضَرُوريَّةٍ ، وَرُبـَّمَا يَعُودُ بـِخُفَي حُنَينٍ .
    الثَّالِثُ : هَلِ الشَّهرُ الَّذِي انتَظرته يُعَادِلُ سَنوَاتٍ ضَوئِيَّةً ؟! ، قَالَ ابْنَ عَبَّاسٍ ــ ـــ: كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ عَنِ الـمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ تَظَاهَرَتَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ــ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـــ ، فَمَكَثتُ سَنَةً ، فَلَمْ أَجِدْ لَهُ مَوْضِعًا حَتَّى خَرَجْتُ مَعَهُ حَاجًّا ) ، فَلِـمَاذَا تَتعَجَّلُ مُتَأَسِّفًا ؟ ، لَكنَّ الـمُعجبَ يَرَى غَيرَهُ كالذَرِّ .
    الرّابِـــعُ : ( دَلِيلُ تَأَهُّلِ طَالِبِ العِلمُ لِلتَّفصِيلِ فِي الـجَوَابِ ، وَالإِستِفَادَةِ الكَامِلَةِ مِنَ العَالَـمِ أَن يَكُـونَ مُتَأَدَّبًا مَعَهُ ، مَا يَأتِي مَثَلاً وَيَستَعِمِلُ كَلِمَاتٍ غَيرِ جَيِّدَةٍ ، أَو فِيهَا جَفَاءٌ ، بَل يَتَأَدَّبُ ، وَ يَتَحَيَّنُ الفُرصَةَ الـجَيِّدَةَ لِلعَالِـمِ ، فَيَسأَلُهُ )4 ، فَانظُر أيُّـهَا السَّائِلُ فيِ دَأَبِكَ وَأَدَبِكَ ، كَـم جَفَوتَ شَيخَنَا ، وَقد نَبَّهـكَ ـــ أَعَزَّه الله ـــ قَائلاً : ( عَابُوا كَلامَ أكَابرِهم في السنِّ وَالعِلمِ ، وَالدِّرَايَةِ ، وَالأَدَبِ ، وَتَـجَـرَّؤوا عَلَيهِم ، وَوَصَفُوا بَعضَهُم بِالنُّقصَانِ ، وَالوَسْوَسَةِ مِنْ غيرِ حَياءٍ ، وَلا خَجَلٍ ، وَلاَ اعتذَارٍ ، وَسَفَّهُوا أَقوالَهم ..) اهـ ، وَلاَ تَزَالُ طُعُونُ ( الطَّليعةِ ) حَدِيثَةَ عَهدٍ لَـم تُتلفُ بَعدُ ، وَلاَ زِلتَ ــــ وَأنتَ لاَ تَشعُرُ ــــ تُدلِي بـِحَبلِ سُوءِ الأدَبِ ، وَتُخَاطبُ شَيخَكَ بِلِسَانِ العُجبِ : ( ... تركـتَ الشَّبَابَ ــــ وَأنت لا تَشعُرُ ــــ هَائِمًا ... ) ، فَصَوَّرَهُ عُجبُكَ شَيخًا مُتهَوِّرًا سَطحيًّا مَيِّتًا قَاصِرَ النَّظَرِ ، بل أَظهَرَهُ بَلِيدًا ــــ وَأنتَ لاَ تَشعُرُ ــــ فيِ قَولِكَ البَارِد : (( ... إِعرَاضُكُم عَن الـجَوابِ يَصُبُّ فِي صَالِـحِ مَن جَعَلتَهُم اليَومَ مِن خُصُومِكَ ! ، لأنَّكَ قَد تَظهَرُ فِي صُورَةِ العَاجِزِ ، وَهَذَا الَّذِي فَهِمَهُ الكَثِيرُ ) اهـ ، كيفَ جَازفتَ جازمًـا بَكثرتهم ؟! ، وَكيفَ يفهمُ الكَثيرُ ذَلِكَ وَلاَ يَفـهمهُ الشَّيخُ ؟! ، وَهَل كُلُّ مَن أَعرَضَ دَلَّ عَلَى عَجزِهِ ؟! ، فَدَع عَنكَ الـمُجَازَفَةَ .

    وَلَعلَّ أَحمَقَ خِطِابٍ لَفَظتَهُ ، وَأنتَنَ عُجبٍ عَرضتَهُ ، هُوَ قَولكَ : ( هَذه الفُرصَةُ قَد لاَ تُعَوَّضُ ، فَهِيَ كَفِيلَةٌ بِإظهَارِ مُستَوَى مَن يَعتِقُدُ فِيهِم أَتبَاعُكَ أنّهم غِلمَان أَغمَار ..... ) ، اللهُ أَكبَرُ ، هَل صَارَ العَالِـمُ غَرَضًا لِلإغراءِ وَالـمِرَاء ؟ ، هَل هَذَا مِن أَفَرادِ الـمَصلَحة الـمَنُوطَة بِالردِّ عَلى إشكَالاَتِكِ ؟ ، أَم أَنَّهَا مِن خُزَعَبَلاَتِكَ ؟ هل ضَاقَت العَربِيَّةُ بِـمَا رَحُبَت ، أَم أَنَّ مَشَاعرَ الوَفاء والحبِّ انحرَفَت ، فاختَرت جمَلاً هَابِطَةً ، وَاختِيارُ الـمَرءِ قِطعَةٌ مِنَ عَقلِهِ ، يَدُلُّ عَلَى حُمقِهِ أَو فَضْلِهِ .

    الـخَامسُ : سُئلَ الْمُصطفَى ــ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَقَالَ: « سَأُخْبِرُكُمْ غَدًا عَمَّا سَأَلْتُمْ عَنْهُ » ، وَلَـم يَقُل إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَلَبِثَ عَنْهُ الْوَحْيُ مُدَّةً ، فَأَحْزَنَهُ تَأَخُّرُ الْوَحْيِ عَنْهُ اهـ ، فَلِـمَاذَا لاَ تُرَاجِع عُيوبَك ، وَتَتَهِّمُ ذُنُوبَكَ ؟! ، بل رُبـَّمَا لَو نَابَ غَيرُكَ لَتَحَقَقَّ مَطلُوبَكَ ، لَكِنَّ نَشوةَ العُجبِ أَنستكَ ذِكرَ عَيبِكَ ، فَلَبثتَ في سِجِنِ العُجْبِ ، وَقَال الْـمُعجبُ: " إِنِّي أَرَى غَيري كَالذَرِّ " ، فَأَفْتُونِي في : ( إِشكَالاَتٍ وَأَسئِلَةً ، طَرَحتُهَا عَلَى الشَّيخِ نِيَابَةً عَنِ الكَثِيرِ مِن أَهلِ السُّنَّةِ .. ) اهـ ، وَهَا هُنَا أَيضًا خَمسُ تَنبيهَاتٍ فِي مَعنَى الإسـتِفهامِ :
    الأوَّلُ : هَل تِلكَ النِّيَابَةُ فُطِرتَ عَليهَا ؟! ، أم رَشَّحُــوكَ وَ هَيَّــؤُوكَ لـَها ؟! ، بل أَينَ نَصِيبُ شُيُوخِكَ مِن هَذَهِ النِّيَابَةِ ؟! ، أَم أَنَّ حَضَانَتُـهم للشَبَابِ سَقَطت فَآلت إليكَ ؟! ، فاللَّـهُـمَّ لاَ حَسَدَ .
    الثَّانِي : كَيفَ جَزمتَ بأَنَّـهم من أهلِ السُّنَّةِ ؟! ، وَكَيفَ جَزمتَ بَكثَرتــهـم ؟! ، وَلاَ أَظُنَّه إلاَّ مُنَاوَرةً تحَاكِي قَولَ ذِي الهوَى : ( إنَّ أكثرَ الـمُسلِمِينَ أَشاعرةٌ ) ، وَلَو صَدَقت فاعتَبرْ بِقَولِهِ تَعَالَى : ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ) ، فَدَع عَنكَ مُنَاوراتِ الـنَّوكَى ، وَمجَازفات الْـمُعجَبِينَ الهَلكَى . .
    الثَّالِثُ : كَيفَ عَرفتَ أَنَّ إشكَالاَتِكَ تُـخَالِجُ صدُورَ الكَثِيرِ مِن أَهلِ السُّنَّةِ ؟! أَطَّلَعتَ الْغَيْبَ ؟! ، أَمِ اتَّخَذَتَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ؟ .
    الرَّابِـــــــعُ : يَظهَرُ أنَّ هَؤُلاءِ الكثرةَ كلَّهم يُخَالِفُونَ شَيخَنَا ـــ وفَقه الله ــــ ، لأَنَّـهم يَترَوَاحُونَ بَين نَصير مُؤَيِّدٍ ، وَمتوقفٌ مُتَرَدِّدٍ ، لِقَولِكَ : ( وَصَلتنِي رَسَائِلُ بَعدَ نَشرِ الـحَلقَةِ الأُولَى ، فِيهَا اعتِذَارٌ ، وَتَحَلُّلٌ ، وَتَرَاجُعٌ ، وَقد أَطلَعَنِي إِخوَانِي كَذَلِكَ عَلَى مُحَادَثَاتِهم مَع بَعضِ أَتبَاعِكم أَعلَنُوا فِيهَا تَوَقُّفِهِم فِي القَضِيَّةِ بَعدَ قِرَاءَةِ الْمَقَالِ ) اهـ ،، فَلَمَاذَا تَحومُ حَولَ الشَّيخِ : وَقَدَ لاَحظتَ ــ كَمَا تَزعُمُ ـــ ( أنّهُ ناقَضَ في هَذِهِ الفِتنَةِ الكَثِيرِ مَن تَقرِيرَاتِهِ العِلمِيَّةِ النَّظَرِيَّةِ..) ، ثُـمَّ تَلتَفتُ إليهُ : ( رَاجِيًا أن تَظفَرَ بِجوَابٍ يَرفَعُ عَنكَ اللَّبسَ ) اهـ ؟! أَلَـم تُـخَالِطكَ بَشَاشَةُ الإِطمِئنَانِ ؟ ، وَاصبِر عَلَى مَـا أَصَابَاكَ .

    الـخَامسُ : زَعَمتَ أَنَّ رَبِيع السُّنَّةِ وَحكيمَ أهل السنَّة ــ حفظهما الله ــ يَشُدّان ـــ عَضُدَكَـم ، فَلِـمَاذَا لاَ تَأتوا البُيوتَ مِن أَبوابِها ؟! ، فَتَلتَزِمُـوا نُصحهمَا وَتوجيههما ، حَتَّى يَقضِي اللهُ أَمرًا كَانَ مَفعُولاً ، لكنَّ العُجبَ يأبَى إلاَّ أَن تَختَزلَـهم فِي جملةٍ : ( أَسئَلَتِي يَستَحِيلُ أَن تَكُونَ مِنَ النَّوعِ الَّذِي استَثنَاهُ أَهلُ العِلمِ في مَسأَلَةِ الكِتمَانِ ؛ لِأنَّ الـمَصلَحَةَ مَنُوطَةٌ بِالرَدِّ عَلَيـهَا ) اهـ ، فَلاَ حولَ وَلاَ قوَّةَ إلاَّ باللهِ ، وفي هذَا الـمقام خَمسُ تَنبِيهَاتٍ فَوَائِد :
    الأَوَّلُ : ( الْـحَرِيصَ عَلَى الـخَيرِ يَسأَلُ أَهلَ العِلمِ ، ... لَكِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَسئِلَةِ قَد خَرَجَت عَمَّا يَنبَغِي مِن مُرَاعَاتِهِ مِن تَوقِيرِ أَهلِ العِلمِ ، وَعَدَمِ الإخْلاَلِ بِحَقهِم ، فَتَجِدُ مَن يَخُوضُ فِي سُؤَالِهِ أَهلَ العِلمِ أُمُورًا لاَ يَنبَغِي أَن يَخُوضَ فِيهَا .. وَالأَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ كَثرَةَ الأَسئِلَةِ لِأَهلِ العِلمِ إِنّـمَا ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الْمَكرُوهِ ، إِلاَّ مَا يَـحتَاجُ إِلَيهِ العَبدُ فِيمَا يَأتِي بِضَوَابِطِهِ ) 4ـ
    الثَّاني : ( هُنَاَك أَشيَاءٌ لاَ تُدركها بقراءتكَ لِلكُتُبِ ، وَلِـهَذَا عَابَ بَعضُ أَهلُ العِلمِ بعضَ الفُحُولِ فِي مَسَائِلَ ؛ لِأَنَّهم اقتَصَرُوا عَلى مَا قَرَؤُوا ، أَخطَأَ ابنُ حَزم فِي مَسَائل فِي الـحَجِّ ، لِأَنَّهُ قَرَأَهَا وَمَا حَجَّ ، وَرَأَى الـمَشَاعَرَ ، وَشَيخُ الإسلاَمِ ابنُ تَيمِيَّةَ كَتَبَ مَنسَكًا مِن الْمَنَاسِكِ عَلَى مَا هُوَ مَوجُودٌ عِندَهُ فِي الكُتُبِ ، ثُـمَّ لَـمَّا حَجَّ غَيّرَ رَأيَهُ في مَسَائِلَ كَثيرَةً ، كَذَلِكَ ابنُ القَطَّانِ لَـم يَأخُذ عِلمَ الـحَدِيثِ عَن رِوَايةٍ وعن أهلِ العِلمِ ، وَإنَّـمَا كَانَ – كما ذكر الذهبي- أكثر أخذه لذلك عن طريق القراءة ووقع في أشياء كثيرة لا يقع فيها أمثاله من أهل العلم ) 4 .
    الثَّالِثُ: جَاءَ شباب متحمسين الشيخَ فهد الحميد ـــ رحمه الله ـــ فقالوا له : يا شيخ ما هو رأيك في كذا وكذا ؟ قال لهم : الَّذِي لاَ يُطَاعُ لَيسَ لَهُ رَأيٌ ، قَالُوا : نُرِيدُ رَأيَكَ ، قَالَ : الَّذِي لاَ يُطَاعُ لَيسَ لَهُ رَأيٌ ، وَلَـمَّا ذَهَبُوا سَأَلَهُ تلميذهُ : لِـمَاذَا لَـم تُـجبهم ؟ ، قَالَ : يَأخُذُونَ رَأيِي يَتَفَكَّهُونَ بِهِ ، لاَ هُم يَسمَعُونَ ، وَلاَ هُم مُستَفِيدُونَ ، هَؤلاَءِ أَهلِ فِتنٍ .. ، جَاؤُوا مِن أَجلِ أَن يَقُولُوا : قَالَ كَذَا ، وَ رَدَدنَا عَليهِ كَذَا .. ) 5 ، وَلَعَلَّ هَؤلاَءِ أَيضًا يَستَحِيلُ أَن تَكُونَ مسألتهم مِنَ النَّوعِ الَّذِي استَثنَاهُ أَهلُ العِلمِ في مَسأَلَةِ الكِتمَانِ .
    الرَّابِعُ : ( العُلَمَاءُ يَختَلِفُونَ بَعضُهُم يَكُونُ سَهلَ الجَوَابِ ، وَبَعضُهُم يَكُونُ غَيرَ سَهلٍ ، وَهَذَا رَاجِعٌ إِلَى طَبِيعَتِه ، الَّتي جَعَلَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيهَا ، فَيَنَبَغِي للسَّائِلِ أَن يَلتَمِسَ العُذرَ ، وَيَتَأَدَّبَ وَيُوَقِّرَ العَالـمَ ، وَيَستَفِيدَ مِن عِلمِهِ بِقَدرِ مَا يـُحِبُّ العَالـمُ ، وَلاَ يُقصِيهِ فِي أُمُورِهِ ) 4 ، وَ ( لاَ يَضِيقُ بِالعَالِـمِ إِذَا لَـم يَفتَحْ لَهُ صَدرَهُ دَائِمًا ، بَشَرٌ هُوَ ، أَحيَانًا يَكُونُ عَلَى حَالٍ ، وَأحيَانًا يَكُونُ عَلَى حَالٍ أُخرَى ؛ وَهَذَا لَعَلَّهُ مِن أَسبَابِ عَدَمِ إِكثَارِ الصَّحَابَةِ ـ رضي الله عنهم ــ سُؤَال النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ تَأَدُّبًا مَعَهُ ، وَتَوقِيرًا لَهُ ، وَحَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ أَبَلغُ فِي الأَدَبِ مَعَهُ ـــ عَلَيهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ) 4
    الخَامِسُ : لاَ يـُحرجُ السَّائِلُ العَالـمَ ؛ لِأَنَّهُ قَد يَترُكُ جَوابَ بَعضِ الْمَسَائِلِ لِغَرضٍ شَرعِيٍّ صَحِيحٍ يَرعَاهُ ، وَقَد يَرعَى مِنَ الـمَصَالِـحِ الشَّرعِيَّةِ مَا لاَ يَستَبِينُهُ السَّائِلُ ، فَإذَا أحرَجَهُ السَّائِلُ فِي مِثلِ هَذَا التَّحرِيجِ كَانَ هَذَا فِي غَايَةِ مَا يَكُونِ مِن الإسَاءَةِ .4 ، فَإن كَانَ السَّائِلُ مُـحِبًّا وَفَيًّا لِشَيخِه التَمَسَ لَهُ سبعِينَ عُذرًا ، وَليذكُر قَوَل لْخَلِيلُ يَقُولُ:
    لَوْ كُنْتَ تَعْقِلُ مَا أَقُولُ عَذَرْتَنِي ... أَوْ كُنْتُ أَعْقِلُ مَا تَقُولُ عَذَلْتُكَا
    لَكِنْ جَهِلْتَ مَقَالَتِي فَعَذَلْتَنِي ....... وَعَلِمْتُ أَنَّكَ جَاهِـــلٌ فَعَذَرْتُكَا
    خَاتِـمَةٌ
    بَقِيَت حمَاقَاتٌ وَخُزَعَبَلاَتٌ لاَ تَنفَكُ غَالِبًا عَن كَونِهَا حَربًا نَفسِيَّةً عَلَى شَيَخِنَا وَأَحبَابِهِ ، جُنِّدَ لَـهَا حُمقُ السَّائِل وَأَترَابِهِ ، فَلذَا أَعرَضَ شَيخُنَا ـ وَفَّقَه الله ـ عَن الـمُنَظِّرِينَ وَالـمُجَنَّدِينَ ، وَإنَّـمَا اكتفَى مِنَ القِلَادَةِ مَـا يُحِيطُ بِالعُنُقِ ، حَيثُ نَبَّهَ السَّائلَ مُشفِقًا عَلَيهِ : ( جنَّدوا له ـ بإملاءاتهم ـ شبابًا مِنْ ذوي العَجَلة ، بإشاعة الأخبار والقلاقلِ وترويجِها وإذاعتِها، وعدمِ الانضباط بالقواعد العامَّة في الردِّ على المخالف، ولا الالتزامِ بآدابِ طالب العلم ) .
    يَا أَيُّـهَا السَّائلُ ــ عَفا الله عَنَّا جميعًا ــ : لِـماذَا لاَ يَتَصَدَّرُ رِجِالُ الإصـلاَحِ للرَدِّ حَتَى يَكونَ أَوقَعَ فِي النَّفسِ ، وَأَولَى بالإحتِرَامِ ، وَأَنتَ القَائِلُ : ( الـمُفتَرَضُ أَن يَكُونَ حَجمُ البَيَانِ مُقَارِبًا عَلَى الأَقَلِّ لـحَجمِ شُهرَةِ هَؤُلاَءِ الشُّيُوخِ ) اهـ ، وَأنتَ القَائِلُ لشَيَخِكَ : ( لَـم تَتَحَقَّق فِيَكَ صِفَةُ الأَعلَمِيَّةِ فِي بَعضِ الْمَسَائِلِ ، كَمَسَائِلِ الْمَنهَجِ وَالرِّجَالِ ، وَتَحَقَّقَت عِندَهم هَذِهِ الصِّفَةُ فِي الشَّيخِ عَبدِ الغَنِي ) ؟
    هَل غَابُوا تَواضُعًا ، أم خَوفًا وعَجزًا ؟! ، أَم أنَّ الوَقتَ أَنفسُ ما اعتَنوَا بِـحفظِهِ ؟! ، فإن كَانَ الأَوَّلُ فَعالِـج إِذًا سَرَطَانَ العُجبِ الَّذِي نَخَرَكَ ، وَإن كَانَ الثَّانِي فَتَصَدُّرُكَ إذًا حمقٌ ، وَإن كَانَ الثَّالثُ فَذَاكَ نُصحٌ بَذَلهُ شَيخُنَا قَبَلَ رِجالِ الإصـلاَحِ ، وَقَبلَ أَن تَسأَلَهُ بِإلـحَاحٍ ، حَيثُ قَال: ( ... أنصح إخواني في مُنتَدَى «التَّصفية والتَّربية» أَنْ يحرصوا على أوقاتهم ، ويُنْفِقوها في مَرْضاة الله تعالى، ولا يبدِّدوها في الردود على المُخالِفين... ) اهـ . فَـ ( كِبَارُ أَهلِ العِلـمِ يُعطُونَكَ كَلِمَاتٍ وَجِيزَةً ، وَهُـم يَـمشُونَ أَو يُسرِعُونَ ، لَكِنَّها خُلاَصَةُ تَجرِبَةٍ ) اهـ 5 ، فَلاَ تَتباهَى بالشَفَقَةِ عَلَى الشَّيخِ وَالشَّبَابِ ، وَإنَّمَا تَنَاهَى مُتَحَلِّلاً مِنَ الطعُونِ وسُوءِ الآدَابِ 6 ، الَّتِي تَجاهلتَـهَا وَأنتَ ابنٌ وَفِيٌّ للأَحبَاب ، فَإن قُلتَ : هذَا نَقدٌ وَلاَ مُجَامَلَةَ ، قُلتُ : اللَّهمَّ بَاعِد بَيَنَنَا وَبَينَ العُجبِ ، كَمَا بَاعَدتَ بَينَ الـمَشرِقِ وَالـمَغرِبِ ، وَسُبحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبحمدِكِ أَشهَدُ أَن لاَ إلاَّ أَنتَ أَستغفِرَك وَأَتُوبُ إِلَيكِ .

    ـ................................................. .................................................. ........
    1) أي مَنْ أُعْجِبَ بنفسه مَقَته الناسُ مجمع الأمثال أبو الفضل الميداني
    2) عقد ابن عبد البر فصلاً في ذمِّ العجب جامع بيان العلم وفضله نقلت طائفة منها دون ذكر القائل رعاية للإختصار
    3) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري
    4) أدب السؤال ــ صالح آل الشيخ ـــ
    5) ــ قصةُ نَجَاحِ الشَّيخِ صَالـح ـــ
    6) انظر الطُّعون في ( زجر الـمبرقعين الـحمقى ) .
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2018-12-23, 05:00 PM.

  • #2
    موفّق يا أخانا عبد الرحمن، جعله اللّه في ميزان الحسنات

    تعليق


    • #3
      أحسنت قولا وكتابة أخي عبد الرحمان
      جزاك الله خيرا

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيرا أخي أبا خليل.

        تعليق


        • #5
          جزاك الله خيرا ، فهو بغيض حدادي هو ومن معهم في منتدى الحلبدية المسروق وان نفوه عن أنفسهم -منهج الحدادية و التمييع - .
          بارك الله فيك و رفع قدرك ، فمثل هذا لا يستطيعه العابط " العلم عنه ثقيل فهو لا يحسن غير صناعة المقدمات الإنشائية وهي حظه من العلم ".
          ( لا حلم و لا علم و لا أدب " صعافقة بلدنا أسوء من صعافقة الخارج " ).
          بارك الله فيك و في والديك ابا خليل و حفظ الله مشايخنا .

          تعليق


          • #6
            جزاكم الله خيرا على المرور ، والله أسأل ان يجعل هذا خالصا لله آمين

            تعليق

            الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
            يعمل...
            X