<بسملة1>
التنبيهات السلفيّة الصريحة والتربيّة الشرعيّة الصحيحة
في نقد من يسجل للعلماء وطلاب العلم بدون إذن ويعتبر ذلك من الفضيحة
في نقد من يسجل للعلماء وطلاب العلم بدون إذن ويعتبر ذلك من الفضيحة
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ علىٰ نبيِّنا مُحمّد وعلىٰ آلهِ وصحبهِ أجمعين.
أمّا بعد:
أمّا بعد:
فإنّهُ لمّا أصبح التواصل بأهل العلم وسؤالهم من الأمور اليسيرة، زاحم في ذلك أصحاب القلوب المريضة مما لا همّٙ لهم إلّا بث الشرِّ بين الأحباب والتفريق بين الأخوين و الأصحاب مُعرضين عن النصوص الشرعية من السنة والكتاب في الإذن والاستئذان والأدب مع أهل العلم ذي الفضل والإحسان فلمّا كان ذلك منهم نبهٙ عليه علماء السُّنّة مبينين نصوص الشريعة في ردع الخائنين وسيرًا علىٰ ما كان عليه العلماء السلفيين ونهلًا من بحرهم الزاخر وعلمهم الوافر أحببتُ التنبيه علىٰ هذه القضية فقد تناساها أكثر السلفيين ولعلهُ يكون تنبيهًا للغافلين وردعًا للمجرمين وبهاءً للأوفياء والصالحين.
إنّٙ بعض أهل العلم قد يثق بمن يتصل عليه فيستميله في الحديث وقد تقع منه هفوات أو سقطات ولا يدري الشيخ أن ذلك الشخص يسجل وقد يفيده بما لا يرضىٰ الشيخ نشره فينشره، فتحدث الخيانة والغش.
إنّٙ التسجيل بدون إذن لهو دلالةٌ واضحة علىٰ خيانة المرء وفساد نيّتهِ وعدم استقامتهِ ولا يكمن صلاح هذه الأشياء إلّا بإصلاح النيّة والصِّدق في اتباع نصوص الوحيين وحثُّ النفس علىٰ الأمانة ولزوم ذلك.
وسأذكر في نقاطٍ يسيرة هذه الملاحظات:
أولًا:
[ترك الخيانة والحثّ علىٰ الأمانة]
إنّٙ الخيانة من الأمور العظيمة، وهي مذمومة في نصوص الشريعة، وقد جاء في آياتٍ متعددة أنّٙ الله لا يحبها ولا من هو متصفُُ بها قال تعالىٰ:﴿إنّٙ الله لا يحِبُ كل خوانٍ كفورٍ﴾[الحج،الآية(٣٨)]، وقال:﴿إنّٙ الله لا يُحبُ الخائنين﴾[الأنفال، الآية(٥٨)]، وقال:﴿وأنّٙ الله لا يهدي كيد الخائنين﴾[يوسف، الآية(٥٢)].[ترك الخيانة والحثّ علىٰ الأمانة]
قال ابِنْ سِعْدِي -رحمهُ الله- في [تفسيره للآية ٥٨ من سورة الأنفال] :بل يبغضهُم أشدّٙ البُغض.
وقال القُرطبيُّ -رحمهُ الله-والخيانة: الغَدر وإخفاء الشيء، ومنه: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ﴾ [غافر، الآية(١٩)]، وكان عليه الصلاة والسلام يقول: [اللهمَّ إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنَّه بئس الضَّجيع، ومن الخيانة؛ فإنَّها بئست البطانة]، (أخرجه النسائي من حديث أبي هريرة).
والخيانة هي إحدىٰ صفاتِ المُنافقين فقد جاء في حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنها- أنّٙ من صفات المُنافق:[إذا عاهد غدر] وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنهُ- أن من صفات المُنافق:[إذا ائتمن خان].(رواهما مسلم في كتاب الإيمان باب بيان خصال المنافق).
قال ابنُ عثيمين -رحمهُ الله- كما في:[شرح رياض الصالحين، (٤/٤٨)]:يعني إذا ائتمنه النَّاس على أموالهم أو على أسرارهم أو على أولادهم أو على أي شيء مِن هذه الأشياء فإنَّه يخون -والعياذ بالله-، فهذه مِن علامات النِّفاق.
وعدّٙها الذهبيُّ في [الكبائر، ١٤٩] أنها من الكبائر فقال: والخيانة قبيحة في كلِّ شَيء، وبعضُها شَرٌّ من بعض، وليس من خَانك في فَلْس كمن خانك في أهلك ومالك، وارتكب العظائم.
قال ابنُ بطّالٍ -رحمهُ الله- كما في: [الفتح، (١١/٨٢)]: الذي عليه أهل العلم أنَّ السرَّ لا يباح به إذا كان على صاحبه منه مضرة.
وقال رسُول الله -صلّىٰ اللهُ عليهِ وسلّم- كما في حديث جابر بن عبد الله -رضي الله عنها- أنّهُ قال:[المجالس بالأمانة إلّا ثلاث مجالس سفك دم حرام أو فرج حرام أو اقتطاع مال بغير حق](رواه أبو داود في كتاب الأدب باب نقل الحديث).
قال شيخنا مُحدِّث الجزيرة العلّامة عبد المحسن العبّاد في:[شرح سنن أبي داود، ٥٥٤]:[أي: أن المجالس التي يكون فيها الحديث بين الناس على الإنسان أن يحافظ على تلك الأحاديث، وألا يفشيها ولا يظهرها، لاسيما إذا كانت المجالس المطلوب فيها الإخفاء، كالمجالس الخاصة بأمور معينة، كتلك التي يختص ما يدور فيها بأعضائها ومن يكون داخلاً تحت من يشملهم ذلك المجلس ومن هم مختصون بذلك المجلس، فإن المجالس بالأمانة، لا يجوز لأحد من أعضاء هذه المجالس أن يفشي تلك الأسرار التي تكون في هذه المجالس؛ لأن مثل ذلك يؤدي إلى أن ينتشر كل خبر وكل أمر يكون في هذه المجالس، وقد يكون المطلوب فيها السرية].
فكيف إذا خان وسجل ثم هدد بإفشاء هذا السر.
إنّٙ الأمانة من الأمور العظيمة والصفات الجليلة والنبيلة الذي يتصف بها الصادقون ويذهب علىٰ خطاها المتقون واتصف بها الرسول المأمون وجاءت الشريعة الإسلامية بكل أمر يحث على الإتصاف بها فقال تعالىٰ:﴿إنّٙ عرضنا الأمانة علىٰ السماواتِ والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منه وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولًا﴾[الأحزاب، الآية(٧٢)]
قال ابْن سِعْدِي -رحمهُ الله- في: [تفسيره لهذه الآية]: يعظم الله تعالىٰ شأن الأمانة الّتي ائتمن الله عليها المكلفين.
قال القُرطبيُّ -رحمهُ الله- كما في:[الجامع لأحكام القرآن]:الأمانة تعم جميع وظائف الدِّين علىٰ الصحيح من الأقوال وهو قول الجمهور.
وقال تعالىٰ:﴿والّذين هُم لأماناتهم وعهدهم راعُون﴾[المؤمنون، الآية(٨)].
قال ابِنْ سِعْدِي -رحمهُ الله- كما في: [تفسيره لهذه الآية]: أي: مراعون لها، حافظون مجتهدون على أدائها والوفاء بها، وهذا شامل لجميع الأمانات التي بين العبد وبين ربِّه، كالتَّكاليف السِّرِّيَّة، التي لا يطَّلع عليها إلَّا الله، والأمانات التي بين العبد وبين الخلق، في الأموال والأسرار.
والأمانة هي كُلُّ حقٍّ لزمك أداؤه وحفظهُ، كما قال المناويُّ في:[فيض القدير، (١/٢٨٨)]
ورويٙ عن ابنِ عُيينة كما في:[الدُّر المنثور، (٤/٥٠٠)] أنّهُ قال:مَن لم يكن له رأس مال فليتخذ الأمَانَة رأس ماله.
والأمانة هيٙ أول ما يرفع عن الأمة كما رُويٙ ذلك عن أبي هريرة -رضيٙ الله عنهُ- كما في:[مكارم الأخلاق، (١٧٨)] أنّهُ قال:أوَّل ما يرفع مِن هذه الأمَّة الحياء والأمَانَة، فسلوها الله.
وقد عدّٙها الصحابيُّ الجليل أبِي بكرٍ الصِّديق أنّٙها من أصدقِ الصدق كما روىٰ البيهقي في:[السنن الكبرىٰ، (١٣٠٠٩)] حيث قال: أصدق الصِّدق الأمَانَة وأكذب الكذب الخيانة.
ثانيًا:
[فساد النيّة والحث علىٰ صلاحها]
إنّٙ صلاح السرائر أمرٌ مطلوب وشيءٌ مرغوب وفيهِ صلاح العبد وفلاحهُ في الدنيا والآخرة قال سبحانهُ وتعالىٰ:﴿يا أيُّها النّاس قد جاءتكُم موعظةٌ من ربكم وشفاءٌ لما في الصدور وهدًىٰ ورحمةٌ للمؤمنين ﴾[يونس، الآية(٥٧)][فساد النيّة والحث علىٰ صلاحها]
قال ابنُ كثيرٍ -رحمهُ الله- كما في:[تفسيره لهذه الآية]: أي: زاجر عن الفواحش من الشبه والشكوك.
ومن الأسباب المعينة علىٰ سلامة الصدر ولعل من أهمها أمران وهما: الإخلاص لله، والرضا بما عنده سبحانه.
والإخلاص لله من الأسباب المعينة علىٰ سلامة الصّدر فعن ابن مسعود -رضيٙ الله عنهُ- عن النّبيِّ -صلّىٰ اللهُ عليهِ وسلّم- قال:[ثلاث لا يَغِلُّ عليهنَّ قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة أئمَّة المسلمين، ولزوم جماعتهم؛ فإنَّ الدَّعوة تحيط من ورائهم](رواه الترمذي، وصححهُ الألباني).
قال ابنُ الأثير معلقًا كما في:[النهاية في غريب الحديث والأثر(٣/٣٨١)]:إنَّ هذه الخِلال الثَّلاث تُسْتَصلح بها القلوب، فمن تمسَّك بها طَهُر قلبه من الخيانة والدَّخل والشَّر.
ومن أسباب سلامة القلب أيضًا الرضا بما عند الله فهو وسيلة قوية في دفع الغل عن النفس.
قال ابن القيِّم -رحمهُ الله- كما في:[مدارج السالكين، (٢/٢٠١)]: إنَّ الرِّضا يفتح له باب السَّلَامة، فيجعل قلبه سليمًا نقيًّا من الغشِّ والدَّغل والغلِّ، ولا ينجو من عذاب الله إلَّا من أتىٰ الله بقلب سَلِيم، كذلك وتستحيل سَلَامة القلب مع السَّخط وعدم الرِّضا، وكلَّما كان العبد أشدَّ رضى، كان قلبه أسلم.
ثالثًا:
[الحث علىٰ الصِّدق]
إنّٙ أمر الصِّدق في الإسلام أمرٌ عظيم وقد حثت عليهِ الشريعة الإسلامية وجاءت بذلك الأدلة الشرعية من كتاب الله والسُّنّة النّبويّة.[الحث علىٰ الصِّدق]
قال تعالىٰ:﴿يا أيُّها الّذين ءامنُوا اتقوا الله وكونُوا مع الصّادِقين﴾[التوبة، الآية(١١٩)]
قال الضّحاك كما في:[تفسير القرآن العظيم، (٤/٢٣١)]: مع أبِي بكرٍ وعُمرٙ وأصحابهِما.
وقال تعالىٰ:﴿ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الّذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا﴾[النساء، الآية(٦٩)]
قال الشوكانيُّ -رحمهُ الله- كما في:[فتح القدير، (٢/١٧٢)]:قولهُ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾ كلام مستأنف لبيان فضل طاعة الله والرسول، والإشارة بقوله: فَأُولَئِكَ إلى المطيعين، كما تفيده من ﴿مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمْ﴾ [النساء،الآية (٦٩)] بدخول الجنة، والوصول إلى ما أعدَّ الله لهم، والصدِّيق المبالغ في الصدق، كما تفيده الصيغة، وقيل: هم فضلاء أتباع الأنبياء، والشهداء: من ثبتت لهم الشهادة، والصالحين: أهل الأعمال الصالحة.
وروىٰ الشيخان في [صحيحيهما] من حديث ابن مسعودٍ -رضيٙ الله عنهُ- عن النّبي -صلّىٰ اللهُ عليهِ وسلّم- قال:[إنَّ الصدق يهدي إلى البرِّ، وإنَّ البرَّ يهدي إلى الجنة، وإنَّ الرجل ليصدق حتى يكون صِدِّيقًا، وإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجور يهدي إلى النار، وإنَّ الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذَّابًا].
قال النوويُّ -رحمهُ الله- كما في:[شرحهِ علىٰ صحيح مسلم، (١٦/٢٤١)]: قال العلماء: هذا فيه حث على تحرِّي الصدق، وهو قصده والاعتناء به، وعلى التحذير من الكذب والتساهل فيه؛ فإنَّه إذا تساهل فيه كثر منه، فعرف به، وكتبه الله لمبالغته صِدِّيقًا إن اعتاده، أو كذَّابًا إن اعتاده
قال الأحنف لابنهِ ذات يوم كما ذكر ذلك النويريُّ في:[نهاية الأرب في فنون الأدب، (٣/٢٢٤)]:يا بني، يكفيك من شرف الصدق، أنَّ الصادق يُقبل قوله في عدوه، ومن دناءة الكذب، أن الكاذب لا يُقبل قوله في صديقه ولا عدوه، لكلِّ شيء حِليةٌ، وحليةٌ المنطق الصدق؛ يدلُّ على اعتدال وزن العقل.
وبهذا أختم، واسأل الله -جلّٙ وعلا- أن ينفع بها الجميع، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
كتبهُ/ أبُو مُحمّد بشِيرٌ الطّرٙابُلُسِيُّ
فجر ٢٥/ربيعٍ الأول/١٤٤٠
فجر ٢٥/ربيعٍ الأول/١٤٤٠
تعليق