<بسملة1>
النبراس
في الإخبار عمن يمدح كتب أهل البدعة والإفلاس
ويثني على من حققها ونشرها بين الناس
[الجزء الثاني]
النبراس
في الإخبار عمن يمدح كتب أهل البدعة والإفلاس
ويثني على من حققها ونشرها بين الناس
[الجزء الثاني]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أما بعد:
فقد فاتني في المقال السابق أن أذكر أن من بين تناقضات حمودة -رزقه الله العدل والإنصاف- الكثيرة تشويشه حول دعوة الشيخ فركوس -حفظه الله- بتهميش الاحتوائيين، وصار يصف ذلك ببدعة التهميش! وبأنها طريقة الروافض!!
فأذكر حمودة -رزقه الله العدل والإنصاف- أن أول من استعمل هذه البدعة هو شيخهم عبد الغني عوسات -الذي خذل الدعوة في ربوع الوطن- لما كان يسأل عن الشريفي وأتباعه، وهو اليوم يشجعهم على الرد على العلماء وكأن قلمه جبنت عن الكتابة وصحفه جفت لضعف الحجة! وكما استعملها أيضا رأس البلاء والمفرقين عرفات المحمدي كما جاء في موقعه الرسمي: (واتفق مشايخ اليمن عمليا على تهميش الحجوري واقصائه)، فتشجع قليلا يا حمودة والبس لباس الصدق والعدل ولو مرة واحدة في حياتك ثم انتقدهما واكتب المقالات والتغريدات للرد على بدعتهما التي هي من طرائق الروافض!
وعودا إلى موضوعنا فإن حمودة -رزقه الله العدل والإنصاف- قد أثنى على مجموعة أخرى من المحققين وجعلهم (ممن حقق فجود)، وذكر منهم: عائشة عبد الرحمن بنت الشاطئ! وهي دكتوراة في الفلسفة! ومفكرة! وصحافية، وبنت الشاطئ هو اسمها المستعار الذي كانت تكتب به في جريدة الأهرام وغيرها.
ثناء حمودة على محمد أبا الفضل إبراهيم
محقق كتب الروافض والمعتزلة
محقق كتب الروافض والمعتزلة
ذكر حمودة -رزقه الله العدل والإنصاف- من أولئك الذين حققوا فجودوا محمدا أبا الفضل إبراهيم، ومن أهم أعماله:
-تحقيق كتاب ”نهج البلاغة” للشريف الرضي الشيعي الرافضي، وقد سبق الكلام عليه في المقال الأول.
-تحقيق كتاب ”شرح نهج البلاغة” لابن أبي الحديد، وكتاب ”الصناعتين” لأبي هلال العسكري، وكتاب ”الأمالي” للشريف المرتضى، ويعرف باسم: ”غرر الفوائد ودرر القلائد”، وكتاب ”مفاتيح الغيب” للرازي.
فأما ابن أبي الحديد فهو عز الدين عبد الحميد بن هبة الله بن محمد، أبو حامد، قال عنه الذهبي في ”السير” عند ترجمته لأخيه الموفق: (...فرثاه أخوه عز الدين عبد الحميد، وكان من كبار الفضلاء وأرباب الكلام والنظم والنثر والبلاغة، والموفق أحسنها عقيدة، فإن العز معتزلي أجارنا الله).
وقال عنه ابن كثير في ”البداية والنهاية”: (الكاتب الشاعر المطبق، الشيعي الغالي... وكان حظيا عند الوزير ابن العلقمي لما بينهما من المناسبة والمقاربة والمشابهة في التشيع والأدب والفضيلة).
ويقول هو عن نفسه:
أحب الاعتزال وناصريه *** ذوي الألباب والنظر الدقيق
فأهل العدل والتوحيد أهلي *** ونعم فريقهم أبدا فريقي
ويقول أيضا في مدح علي رضي الله عنه:
رأيت دين الاعتزال وإنني *** أهوى لأجلك كل متشيع.
وكان لا يفوت أي فرصة للدفاع عن المعتزلة ونشر ضلالاتهم والتقعيد لشبهاتهم والطعن في أهل السنة، وقد جاء في أول كتابه ”شرح نهج البلاغة”: (القول فيما يذهب إليه أصحابنا المعتزلة في الإمامة والتفضيل والبغاة والخوارج).
وممن اعتمد عليهم في كتابه هذا: الجاحظ، وهشام ابن الكلبي، وأبو الفرج الأصفهاني، والراوندي الزنديق، وأبو عبيدة معمر المثنى الخارجي...
وله في علم الكلام ونصرة الاعتزال: ”شرح الغور” لأبي الحسين البصري المعتزلي، و“الاعتبار على كتاب الذريعة في أصول الشريعة” للشريف المرتضى المعتزلي، و“شرح الياقوت” لأبي إسحاق، و“تقرير الطريقتين” و ”الرسالة النظامية” و ”الرسالة الشرفية في كشف الفلسفة الخفية”، وغيرها.
وأما العسكري فهو الحسن بن عبد الله بن سهل، أبو هلال، رمي بالاعتزال.
وقد ردد في كتابه ”الصناعتين” مبادئ الاعتزال الأساسية حيث قال في المقدمة: (فينبغي من هذه الجهة أن يقدم التماس هذا العلم على سائر العلوم، بعد توحيد الله تعالى، ومعرفة عدله، ووعده ووعيده...).
وفيه أيضا: (وقال بعضهم لأبي علي محمد بن عبد الوهاب: ما الدليل على أن القرآن مخلوق؟ قال: إن الله قادر على مثله، فما حار السائل جوابا). قلت: ما أغبى هذا السائل! ألم يكن بوسعه أن يقول له: أليس الله بقادر على الكلام بصوت وحرف دون آلة ودون أن يكون كلامه ككلام المخلوقين؟ فسيبقى أبو علي حائرا -كما تحير المتكلمون قبله- ولن يجد جوابا، لأنه لو قال: ليس بقادر على ذلك فقد كفر إذ نسب العجز لله سبحانه وتعالى {وهو على كل شيء القدير}، وهذا من الممكنات التي تتعلق به قدرة الله تعالى، ولو قال: بلى هو قادر على ذلك، فقد رد على نفسه بالقول بخلق القرآن!
وفي كتابه هذا أيضا اعتبر سجود الحيوانات وتسبيحها من باب الدلالة على الله بصنعه لا أن هذه المخلوقات تسجد أو تسبح حقيقة، وهو قول المعتزلة.
ونفى فيه رؤية الله يوم القيامة وأول قوله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة}الآيتين، بأن النظر لا يفيد الرؤية وليست الرؤية من أحد محتملاته، وذكر شبه وخزعبلات وجهالات.
بل زعم أن أصول الاعتزال مأخوذة من كلام علي رضي الله عنه حيث قال: (اعلم أن أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام وخطبه وأنها تتضمن من ذلك ما لا مزيد عليه ولا غاية وراءه).
وقال في كتابه: ”الأوائل” يمدح واصل بن عطاء: (وقد علمنا أن دعاة واصل في الآفاق، وكان قد جهز إلى أفريقية وخراسان والجبال وإلى السند والثغور والحجاز رجالا يدعون إلى مقاله، فهجروا الأوطان، وخلفوا الأزواج والولدان، وأهملوا الأمول، وصبروا على مجالسة الإخوان، وليس هذا بصفة غزال ولا أحد ممن يعالج الحرف).
وعلى كل حال فكتبه مليئة بالدفاع على المعتزلة والثناء عليهم. (انظر: ”مناهج اللغويين”، ”التفسير والمفسرون”).
وأما الشريف المرتضى فهو علي بن الحسين بن موسى الشيعي المعتزلي، وكتابه ”الأمالي” عبارة عن دروس أملاها في متشابه القرآن، ويذكر فيه تأويل الآيات علىطريقة المعتزلة والأشاعرة ثم يذكر مذهب الإمامية!
قال عنه الذهبي في ”الميزان”: (المتكلم الرافضي المعتزلي)، وقال في ”السير”: (كان من الأذكياء الأولياء المتبحرين في الكلام والاعتزال، والأدب والشعر، لكنه إمامي جلد نسأل الله العفو).
فانظر كيف أن حمودة -رزقه الله العدل والإنصاف- يثني على من ملأ المكتبة الإسلامية بكتب أهل البدعة من الروافض والمعتزلة باسم إحياء التراث!
وأما الرازي فهو محمد بن عمر بن الحسين بن علي، أبو المعالي، إمام المتكلمين وهو عندهم بمنزلة شيخ الإسلام ابن تيمية عند أهل السنة، وإذا أطلق لفظ الإمام في التفسير فالمراد به الرازي، وهو أشعري المعتقد وإن كان قد وافق المعتزلة في كثير من المسائل، وقد تأثر كثيرا بفلسفة أرسطو وابن سينا وغيرهما، وجمع في ذلك كتاب ”المطالب العالية”، وذكر شيخ الإسلام أن أغلب الحجج والتأويلات التي يذكرها الرازي هي عين تأويلات بشر المريسي التي نسب بسببها إلى الزندقة، بل وصفه في ”المجموع” بضعف الحجة وموافقة الدهرية حيث قال: (ولهذا صار كثير من المصنفين في هذا الباب كالرازي ومن قبله من أئمة الكلام والفلسفة كالشهرستاني ومن قبله من طوائف الكلام والفلسفة لا يوجد عندهم إلا العلة الفلسفية أو القادرية المعتزلية أو الإرادية الكلامية، وكل من الثلاثة منكر في العقل والشرع ولهذا كانت بحوث الرازي في مسألة القادر المختار في غاية الضعف من جهة المسلمين، وهي على قول الدهرية أظهر دلالة).
قال في ”شذرات الذهب”: (هو أحد أئمة الأشاعرة الكبار وعلى كلامه يعتمد من جاء بعده من الأشاعرة، وكانت له زلات وسقطات عظيمة، فقد مزج الفلسقة بعلم الكلام وكان كثير الحيرة والاضطراب والتناقض [-كحال جميع من يترك سبيل السلف، وحيرتهم بحسب مخالفتهم له-]، حتى وصل به الأمر إلى أن ألف كتابا في السحر وعبادة النحوم سماه ”السر المكتوم في السحر ومخالطبة النجوم”، وهو الكتاب الذي حكم عليه بعض العلماء بسببه أنه كفر وارتد عن الإسلام، غير أنه تاب ورجع إلى الإسلام، وندم على ما كان منه من الدخول في علم الكلام والفلسفة، وأخبر في وصيته أنه يموت على العقيدة التي يقررها القرآن والسنة النبوية).
وقال الذهبي في ”السير”: (كبير الأذكياء والحكماء والمصنفين، كان يتوقد ذكاء، وقد بدت منه في تواليفه بلايا وعظائم، وسحر وانحراف عن السنة، والله يعفو عنه فإنه توفي على طريقة حميدة والله يتولى السرائر).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ”بيان تلبيس الجهمية”: (من العجب أن يذكر -يعني: الرازي- عن أبي معشر ما يذم به عبادة الأوثان، وهو الذي اتخذ أبا معشر أحد الأئمة الذين اقتدى بهم في الأمر بعبادة الأوثان لما ارتد عن دين الإسلام وأمر بالإشراك بالله تعالى وعبادة الشمس والقمر والكواكب والأوثان في كتابه الذي سماه ”السر المكتوم في السحر ومخاطبة النجوم”).
إلى أن قال: (كيف يصلح أن يذم أهل التوحيد الذين يعبدون الله تعالى لا يشركون به شيئا، ولم يعبدوا لا شمسا ولا قمرا ولا كوكبا ولا وثنا؟! بل يرون الجهاد لهؤلاء المشركين الذين ارتد إليهم أبو معشر والرازي وغيرهما مدة، وإن كانوا رجعوا عن هذه الردة إلى الإسلام فإن سرائرهم عند الله، لكن لا نزاع بين المسلمين أن الأمر بالشرك كفر وردة إذا كان من مسلم، وأن مدحه والثناء عليه والترغيب فيه كفر وردة إذا كان من مسلم).
وقال في ”المجموع”: (وأبلغ من ذلك أن منهم من يصنف في دين المشركين والردة عن الإسلام كما صنف الرازي كتابه في عبادة الكواكب والأصنام، وأقام الأدلة على حسن ذلك ومنفعته ورغب فيه، وهذه ردة عن الإسلام باتفاق المسلمين، وإن كان قد يكون تاب منه وعاد إلى الإسلام).
ولقد اهتم كثيرا شيخ الإسلام بالرد على الرازي نظرا لمكانته عند المتكلمين والأشاعرة، فرد على كتابه ”تأسيس التقديس” فقرة فقرة في كتابه العظيم الذي لا مثيل له ”بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية”، ويسمى أيضا ”نقض تأسيس الجهمية”، وقال عنه ابن عبد الهادي في ”العقود الدرية”: (وهو كتاب جليل القدر معدوم النظير، كشف الشيخ فيه أسرار الجهمية وهتك أستارهم، ولو رحل طالب العلم لأجل تحصيله إلى الصين لما ضاعت رحلته).
وقال عنه ابن القيم:
وكذلك التأسيس أصبح نقضه *** أعجوبة للعالم الرباني
وقال ابن تيمية في ”المجموع”: (وقد كتبت في هذا ما يجيء عدة مجلدات ذكرت فيها مقالات الطوائف جميعا وحججها الشرعية والعقلية، واستوعبت ما ذكره الرازي في كتابه ”تأسيس التقديس” و“نهاية العقول” وغير ذلك حتى أتيت على مذاهب الفلاسفة المشائين أصحاب أرسطو وغير المشائين، متقدميهم ومتأخريهم).
وقد خصصه له أيضا جزء كبيرا للرد عليه في كتابه المشهور الذي لا يقل عظمة من سابقه ألا وهو ”درء تعارض العقل والنقل”.
وكتابه ”مفاتيح الغيب” قد حذر من أهل العلم لما فيه من تقرير شبهات المعتزلة بطريقة قوية بحيث لو أرادوا هم بأنفسهم أن يقرروها مثل تقريره ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، ومع ذلك فإنه يضعف عن رد تلك الشبهات التي يقررها بقوة، أو يقررها ثم يؤخر الرد عليها بعد صفحات وأحيانا بعد أجزاء! فتبقى الشبهة عالقة في الذهن.
واستطرد كثيرا في المسائل العقلية والكونية والطبيعية والحساب ونحو ذلك، حتى قال أبو حيان في ”البحر المحيط”: (جمع الإمام الرازي في تفسيره أشياء كثيرة طويلة لا حاجة بها في علم التفسير، ولذلك قال بعض العلماء -وتنسب لشيخ الإسلام-: فيه كل شيء إلا التفسير)، وقال السبكي الذي نصب العداء لشيخ الإسلام وطلابه منتقدا هذه العبارة: (بل فيه التفسير وكل شيء)، عامله الله بعدله وهو حسيبه.
قال ابن حجر في ”اللسان”: (كان يعاب بإيراد الشبهة الشديدة ويقصر في حلها حتى قال بعض المغاربة: يورد الشبهة نقدا ويحلها نسيئة).
وقال أيضا: (يورد شبهات المخالفين في المذهب والدين على غاية ما يكون في التحقيق ثم يورد مذهب أهل السنة -أي الأشاعرة- على غاية من الوهاء).
وكان ينتصر لمذهب الأشاعرة ويطعن في أهل السنة، ويقول عن ”كتاب التوحيد” لابن خزيمة: (كتاب الشرك)!!
ثناء حمودة على إبراهيم الأبياري محقق
كتاب ”الأغاني” للأصفهاني و“العقد الفريد” لابن عبد ربه الشيعي
كتاب ”الأغاني” للأصفهاني و“العقد الفريد” لابن عبد ربه الشيعي
وذكر حمودة -رزقه الله العدل والإنصاف- من أولئك المحققين المجودين إبراهيم الأبياري، ومن أهم أعماله:
-تحقيق كتاب ”الأغاني” لأبي الفرح الأصفهاني، وقد تقدم الكلام عليه في المقال الأول.
-وتحقيق كتاب ”العقد الفريد” لابن عبد ربه الشيعي.
وهو أحمد بن محمد بن عبد ربه، أبو عمر، قال عنه ابن كثير في ”البداية والنهاية”: (كتابه ”العقد” يدل على فضائل جمة وعلوم كثيرة مهمة، ويدل كثير من كلامه على تشيع فيه وميل إلى الحد من بني أمية، وهذا عجيب منه لأنه أحد مواليهم، وكان الأولى به أن يكون ممن يواليهم لا ممن يعاديهم).
وقال أيضا: (كان فيه تشيع شنيع ومعاداة في أهل البيت).
ومن بلايا هذا الكتاب أنه أباح شرب النبيذ وسماع الغناء، وملأه بالأحاديث الضعيفة، وأعظم من ذلك كله ما حواه من الطعن في الصحابة الكرام كطعنه في عثمان رضي الله عنه؛ حيث قال تحت عنوان (من ارتج عليه في خطبته): (أول خطبة خطبها عثمان بن عفان ارتج عليه)، وقال في موضع آخر: (لما ولي قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه وتشهد ثم ارتج...)، ولعله أخذ هذه القصة من الجاحظ الزنديق في كتابه ”البيان والتبين”، وقد بينا بطلان هذه القصة والرد عليها من كلام ابن كثير عند الكلام على معظم حمودة -رزقه الله العدل والإنصاف- شيخ المحققين عبد السلام هارون.
وكذلك طعنه في حسان بن ثابت رضي الله عنه حيث ذكر عنه أنه سمع الغناء في بيت رجل من الأنصار فبكى!
وكذلك طعنه في ابن عمر رضي الله عنه حيث نقل عنه أنه شرب الخمر في مصر فحده عمرو بن العاص سرا، فلما قدم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلده حدا آخر علانية!! نسأل الله العفو العافية، سبحانك هذا بهتان عظيم!
وكذلك طعنه في معاوية رضي الله عنه، وهو الذي أخذ النصيب الأوفر من طعن الشيعة في الصحابة رضي الله عنهم، فذكر عنه أنه كان يمنع الغناء لأنه لا يستهويه ولا تميل إليه نفسه -أي كان يتبع هواه-، وحين سمع أحد المغنيين يلحن أبياتا يعشقها قلبه جعل يضرب برجله الأرض طربا، وأجازه وأمر أن تضرب الأوتار!
ونسب لمعاوية رضي الله عنه ما لا يليق من الألفاظ وكذلك لعلي وعمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين.
ويقال أن من المصادر التي اعتمدها في كتابه هذا: التوراة والإنجيل!
فكيف لك يا حمودة أن تثني على من يحقق مثل هذا الكتاب الذي من حقه الإماتة وتصفه بالتجويد والإتقان! وأين غيرة الهابط شيخ لوحة المفاتيح على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!
ثناء حمودة على حسين مؤنس المفكر
ذكر حمودة -رزقه الله العدل والإنصاف- من أولئك المحققين المجودين حسينا مؤنسا، وهو من المفكرين وله كتاب ”ابن بطوطة ورحلته”.
وابن بطوطة هو الذي نسب فرية التجسيم والتشبيه لابن تيمية رحمه الله حتى صار كل أعدائه يشنعون عليه بسببها، كما جاء في ”تحفة النظام”: (وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو -أي ابن تيمية- يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلى السماء الدنيا كنزولي هذا ونزل درجة من درج المنبر، فعارضه فقيه مالكي يقال له ابن الزهراء وأنكر ما تكلم به...).
وقد در شيخنا العلامة محمد علي فركوس حفظه الله هذه الفرية وبين بطلانها في رسالة اسمها ”دعوى نسبة التشبيه والتجسيم لابن تيمية وبراءته من ترويج المغرضين لها”.
ثناء حمودة على إحسان عباس الفيلسوف
ذكر حمودة -رزقه الله العدل والإنصاف- من أولئك الذين حققوا فجودوا إحسانا عباسا، وهو فيلسوف وله كتاب ”أبو حيان التوحيدي” وكتاب ”الشريف الرضي” وقد عرفت حالهما مما سبق في المقال الأول، وكذلك حقق كتاب ”الأغاني” للأصفهاني.
وله اعتناء بترجمة كتب الكفار، كترجمته لكتاب ”فن الشعر” لأرسطو، فأما أرسطوا يا حمودة فوالله لا أجد ما أقول!!
وكتاب ”فلسفة الحضارة” أو ”المقال في إنسان” لأرنست كاسيرر، وأرنست هذا فيلسوف ألماني ينتمي إلى مدرسة ماربورج (في الفلسقة الكانطية الجديدة)، واشتهر كأبرز شارح للفلسفة النقدية الكانطية في القرن العشرين!
وكتاب ”أرنست همنغواي” لكارلوس بيكر الكاتب الروائي، وكتابه هذا عبارة عن السيرة الذاتية لهمنغواي، وباختصار هو مراسل عسكري، وكاتب روائي ومسرحي، وصحافي، وفنان، وشارك في الحربين العالميتين، وشارك كذلك في الحرب الأهلية الإسبانية، وقد قتل نفسه ببندقية، ومما يذكر أن عائلته لها تاريخ طويل مع الانتحارات، فقد اتنحر أبوه وأختاه غير الشقيقتين وحفيدته.
وكتاب ”ت.س.إليوت” لمائين، وهو أيضا كتاب روائي يذكر فيه السيرة الذاتية لتوماس ستيرنز إليوت، وهو مستشرق حداثي، وشاعر ناقد، وأدبي مسرحي، ولا أدري ما شأن حمودة مع الأدباء المسرحيين!
وكتاب ”موبي ديك” لهرمان ملفيل، روائي شاعر كاتب محاضر، وبحار ومفتش الجمارك!
فهؤلاء هم الرجال الذين تأثر بهم إحسان عباس الذي يمدحه حمودة -رزقه الله العدل والإنصاف- ويثني عليه، وهذه هي الكتب التي قدمها للناس وأثرى بها المكتبة الإسلامية! فهل يرى حمودة منفعة في هذه الكتب وأنها قدمت شيئا للأمة الإسلامية؟!
ثناء خالد حمودة على محمود الطناحي محقق
كتاب السبكي الأشعري الصوفي وكتاب أبي عبد الرحمن السلمي الصوفي
كتاب السبكي الأشعري الصوفي وكتاب أبي عبد الرحمن السلمي الصوفي
ذكر حمودة -رزقه الله العدل والإنصاف- من أولئك المحققين المجودين محمودا الطناحي، ومن أهم أعماله تحقيق كتاب” طبقات الشافعية الكبرى” وكتاب ”ذكر النسوة المتعبدات الصوفيات” لأبي عبد الرحمن السلمي.
أما السبكي فهو تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي، أبو نصر، المتكلم الأشعري الصوفي.
وكان شديد الطعن في شيخ الإسلام وتلامذته كابن القيم والذهبي والمزي، ونقل في كتابه ”طبقات الشاقغية الكبرى” وحقيق أن يسمى ”طبقات الأشاعرة الكبرى” رسالة ابن جهبل الجهمي في الرد على ”الفتوى الحموية” لشيخ الإسلام ابن تيمية!
وكان حاملا لواء الدفاع عن الأشاعرة في كتابه هذا والذب عنهم والطعن في أهل السنة والحط منهم، وجعل في بداية كتابه فصلا كاملا يقرر فيه عقيدة الأشاعرة، وكذلك كتابه ”جمع الجوامع” ختمه بتقرير عقيدة الأشاعرة.
وجعل طريقة الأشاعرة هي طريقة السلف حيث قال في ”طبقات الأشاعرة”: (إن أبا الحسن الأشعري لم ينشيء مذهبا ولم يبدع رأيا، وإنما هو مقرر لمذهب السلف، مناضل عما كانت عليه الصحاية، وأن الانتساب إلى الأشعري إنما هو باعتبار أنه عقد على طريقة السلف نطاقا وتمسك به، وأقام الحجج والبراهين عليه، فصار المقتدي به في ذلك السالك سبيله في الدلائل يسمى أشعريا).
وقال في ”معيد النعم ومبيد النقم”: (وهؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة ولله الحمد في العقائد يد واحدة، كلهم على رأي أهل السنة والجماعة (=الأشاعرة)، يدينون الله تعالى بطريقة الشيخ أبي الحسن الأشعري رحمه الله، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الاعتزال، ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم، وبرأ الله المالكية فلم نر مالكيا إلا أشعريا عقيدة، وبالجملة عقيدة الأشعري هي ما تضمنته عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها علماء المذاهب بالقبول ورضوها عقيدة).
وقال أيضا: (وهذه المذاهب الأربعة ولله الحمد في العقائد يد واحدة إلا من لحق منها بأهل الاعتزال أو التجسيم، وإلا فجمهورهم على الحق يقررون عقيدة أبي جعفر الطحاوي التي تلقاها العلماء سلفا وخلفا بالقبول، ويدينون الله برأي شيخ السنة أبي الحسن الأشعري الذي لم يعارضه إلا مبتدع)!!
ولا أدري هل حمودة -رزقه الله العدل والإنصاف- يوافق السبكي على هذا التلبيس والتغليط العجيب فلذلك أثنى تناء عطرا على من حقق كتابه فجوده؟ أو أنه كان يروج له دون أن يعلم ما في كتبه؟ (وهو مسبعد)، أو أنه علم ما فيها وعلم حاله ومع ذلك خان القراء وروج له دون أدنى إشارة إلى ضلاله وانحرافه؟
وكان كثيرا ما يتعقب في ”طبقاته” شيخه الإمام الذهبي ويعده كثير الواقعة في أئمة الأشاعرة، وتتبعه في كثير من المواضع ورد عليه بردود قبيحة جدا، فانظر مثلا ترجمته لأبي الحسن الأشعري والجويني والرازي وغيرهم من رؤوس المتكلمين، بل وصل به الحقد على أهل السنة حقا وصدقا أن قال في ”معيد النعم”: (الذهبي أستاذنا والحق أحق أن يتبع، لا يحل لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يعتمد عليه في الضعة من الأشاعرة).
بل نظم قصيدة نونية يرد فيها على ابن القيم ويدافع عن الأشاعرة والماتردية، وقد احتفى بها أهل منتديات الأصلين الذي يحب حمودة زيارته والاستدلال بما فيه على فساد منهج السلفيين! والعجيب أن حمودة -رزقه الله العدل والإنصاف- يرد على الشيخ عبد المجيد لأن أهل الأصلين احتفوا بمؤلف حقق له الشيخ عبد المجيد كتابا في الفقه، وفي المقابل يثني على محمود الطناحي الذي حقق كتابا للسبكي فيه الدفاع عن الأشاعرة والطعن في أهل السنة، وأهل الأصلين قد فرحوا بقصيدة له يرد فيها على ابن القيم ويرمي والدته بالزنى!!! هل بعد هذا التناقض تناقض؟! وهل حمدوة يحكم بالعلم والعدل والإنصاف؟!
فاسمع يا حمودة -رزقك الله العدل والإنصاف، وعصمك من اتباع الهوى- ما يقوله السبكي في ”طبقات الأشاعرة” ولعلك قد اطلعت عليه قبلي لأنك نقلت عنه نقولا بصفة العارف بما فيه والمطالع له، قال السبكي: (ولي قصيدة نونية جمعت فيها هذه المسائل وضمنت إليها مسائل اختلفت الأشاعرة فيها، مع تصويب بعضهم بعضا في أصل العقيدة ودعواهم أنهم أجمعين على السنة)، فهكذا يجعل الأشاعرة والماتردية على السنة وطريقة السلف وأما أهل السنة فهم المجسمة المبتدعة!
إلى أن قال: (وهذه القصيدة على وزان قصيدة لابن زفيل رجل من الحنابلة وهي ستة آلاف بيت...)، وابن زفيل هو جد ابن القيم من جهة أمه والمراد منه نبزه بذلك، ويقول في مطلعها:
كذب ابن فاعلة يقول بجهله *** الله جسم ليس كالجسمان
والفاعلة تعريض بالزنا، فهذا رمي للمحصنة وقذف يستوجب الحد، عامل الله بما يستحق، فأين غيرتك على السلفيين وعلى أئمة السلف يا حمودة؟! وأين هي غيرة الصعافقة على عرض المسلمين حيث ذهبوا يتهمون الشيخ محمدا بن هادي بقذف المسلم ويتباكون على عرض أبي أيوب بكاء التماسيح، مع أن الشيخ محمدا لم يزد على ذكر ما اعترف له به أبو أيوب، والاقرار سيد الأدلة، لكنكم كشفتكم مواطن الامتحان عاملكم الله بعدله جميعا.
ومما يدل على تصوفه دفاعه عن الصوفية ومدحهم وثناؤه عليهم وتأثره بشركياتهم، كقوله في ”معيد النعم”: (الصوفية حياهم الله وبياهم وجمعنا في الجنة وإياهم)، وقال: (والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين ترجى الرحمة بذكرهم، ويستنزل الغيث بذكرهم، فرضي الله عنهم وعنا بهم)، وقال أيضا: (وقد جربنا فلم نجد فقيها ينكر على الصوفية إلا ويهلكه الله تعالى وتكون عاقبته وخيمة)، أقول: كذبت ورب الكعبة! ولذلك ابتلاك الله ببلاء لم يبتل به قاض قبلك، وحصل لك من الذل والهوان ما لم يحصل لغيرك ممن كان في منزلتك من القضاء. (ينظر في ذلك فتنته عند توليه منصب القضاء).
وقال في قصيدته النونية:
لم لا يتابع هؤلاء وشيخه *** الشيخ الجنيد السيد الهمداني
عنه التصوف قد تلقى فاغتذى *** وله به وبعلمه نوران
...
وكذا أصحاب الطريقة بعده *** ضبطوا عقائده بكل عنان
...
ونبينا خير الخلائق أحمد *** ذو الجاه عند الله ذي السلطان
...
فاسأل إلهك بالنبي محمد *** متوسلا تظفر بكل أمان
وله أيضا في علم الكلام: ”قواعد الدين وعمدة الموحدين”، ”رفع الحوبة في وضع التوبة”، ”السيف الشهور في شرح عقيدة أبي منصور” وهو في شرح عقيدة الماتريدي.
وله أيضا في التراجم: ”طبقات الأبدال”، فلم يرض بإفراد الأشاعرة بالطبقات حتى أفرد الصوفية كذلك!
وأما السلمي فهو محمد بن الحسين بن محمد، أبو عبد الرحمن، قال عنه الذهبي في ”السير”: (شيخ خرسان وكبير الصوفية أبو عبد الرحمن النيسابوري الصوفي...قال عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي في ”سياق التاريخ”: أبو عبد الرحمن شيخ الطريقة في وقته، الموفق في جميع علوم الحقائق ومعرفة طريق التصوف، وصاحب التصانيف المشهورة العجيبة، ورث التصوف من أبيه وجده).
ثم قال: (قال الخطيب: قال لي محمد بن يوسف القيان النيسابوري: كان أبو عبد الرحمن السلمي غير ثقة، وكان يضع للصوفية الأحاديث.
قلت -الذهبي-: وللسلمي سؤالات للدراقطني عن أحوال المشايخ الرواة سؤال عارف، وفي الجملة ففي تصانيفه أحاديث وحكايات موضوعة، وفي ”حقائق تفسيره” أشياء لا تسوغ أصلا، عدها بعض الأئمة من زندقة الباطنية، وعدها بعضهم عرفانا وحقيقة، نعوذ بالله من الضلال ومن الكلام بهوى، فإن الخير كل الخير في متابعة السنة والتمسك بهدي الصحابة والتابعين رضي الله عنهم).
وقال: (قال الإمام تقي الدين ابن الصلاح في ”فتاويه”: (وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحدي المفسر رحمه الله أنه قال: صنف أبو عبد الرحمن السلمي ”حقائق التفسير:” فإن كان اعتقد أن ذلك تفسيرا فقد كفر. قلت: واغوثاه! واغربتاه!)
وقال الذهبي في موضع آخر: (وله كتاب يقال له ”حقائق التفسير” وليته لم يصنفه، فإنه تحريف وقرمطة، ودونك الكتاب فسترى العجب).
وجعله السيوطي في ”طبقات المفسرين” ضمن من صنف في التفسير من المبتدعة وقال: (وإنما أوردته في هذا القسم لأن تفسيره غير محمود).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في ”منهاج السنة النبوية”: (وما ينقل في ”حقائق السلمي” عن جعفر الصادق عامته كذب على جعفر كما قد كذب عليه في غير ذلك). انظر: ”التفسير والمفسرون”.
ففي الجملة هؤلاء هم المحققون الذي أثنى عليهم حمودة ومدحهم، فأعمالهم تدور ما بين الاعتناء بكتب الزندقة والمبتدعة أو الاعتناء بكتب الكفار وترجمة أدبهم ليتأثر به المسلمون ويسلكوا سبيلهم!
ولم نر لحمودة -رزقه الله العدل والإنصاف- أي تنبيه أو بيان فيما يخص عقيدة هؤلاء المؤلفين ومنهجهم وما حوته كتبهم من ضلالات ومحاربة للسنة وأهلها، بل رضي أن يروج لها وأن تنتشر بين الناس! فلا ندري هل تولدت له غيرة بعدما فضح الاحتوائيون وصبيانهم؟ أم هي غيرة مصطنعة خانته في ساعة الامتحان؟
وكذلك ذكر حمودة -رزقه الله العدل والإنصاف- محققين آخرين منهم: علي بن محمد العمران الإخواني، وعبد الله عبد المحسن التركي الإخواني كذلك!
وأثنى على جهود بكر أبي زيد دون أي إشارة أو تنبيه على تغيره ودفاعه عن سيد قطب وطعنه في الشيخ ربيع حفظه الله، أم أن ورقة الطعن في الشيخ ربيع حفظه الله سارية المفعول مع مشايخ الجزائر فقط؟! ولذلك تراه يدافع عن الاحتوائيين الذين سكتوا عن طعن عبد المالك في الشيخ ربيع والشيخ عبيد بل طالبوا منه المسامحة! ولحد الساعة يأبون إخراج صوتية المجلس -إن كان المجلس قد سجل حقا- أو كتابة بيان بذكر تفاصيل ما جرى، ولعلهم يخافون فضيحة أخرى من عبد المالك.
وأثنى حمودة على جهود مؤسسة الشيخ ابن عثيمين الخيرية دون أي تنبيه على انحراف منهجهم وتلاعبهم بكلام الشيخ بحذف وإسقاط ما يخالف هواهم!
وكذلك كتب حمودة -رزقه الله العدل والإنصاف- مقالة يثني فيها على ولد التلاميد ولم يشر ولو بأدنى إشارة إلى عقيدته أو منهجه.
وكذلك أفرد مقالة للكلام على رسالة لابن جزي وترجم له دون أي إشارة إلى عقيدته ومنهجه.
فهذه الكأس التي سقيت بها غيرك يا حمودة! فتجرع مرارة ما فيها.
آخره والحمد لله رب العالمين.
يتبع...
بيضه
أبو قيس عماد البجائي.
يوم: الخميس 15 ربيع الأول 1440 الموافق 22 نوفمبر 2018.
أبو قيس عماد البجائي.
يوم: الخميس 15 ربيع الأول 1440 الموافق 22 نوفمبر 2018.
تعليق