بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فإن العبد إذا تجرد للحق وفق لمعرفته، قال الله تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين) [69 العنكبوت]، فمن جاهد في معرفة الحق ووفق إليه كان لزاما عليه أن يحرص على موافقته والعمل به ودعوة الناس إليه، والصبر على ما يعقب العلم والعمل والدعوة من الأذى الذي يرفع الله به من شاء من عباده (والله واسع عليم) [البقرة 247]، ولا يكون همه وشغله إلا أن يستقيم على ما بان له أنه حق بأدلته، ولا يحل له بعد اليقين أن ينثني عنه أو يتركه، إلا إذا بان أو بين له وجه الخطأ فيه فيرجع وقتئذ عنه ديانة لله رب العالمين، وخوفا من سؤال الله له يوم الفزع الأكبر قال الله تعالى: (ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين*فعميت عليهم الأنباء يومئذ فهم لا يتساءلون)،[65ـ66 القصص] أي: لم يحيروا عن هذا السؤال جوابا، ولم يهتدوا إلى الصواب، ومن المعلوم أنه لا ينجي في هذا الموضع إلا التصريح بالجواب الصحيح.(1)
وهذا الأصل العظيم وإن كثر اللهج به في هذه الأيام فما أكثر من يخالفه ويحيد عنه حين ما يعرض له العمل به، فيلحن كثير من الناس في تطبيقه بعد أن أعرب أكثرهم في قوله إلا من رحم ربك وقليل ما هم، وعجب المرء لا يكاد ينقطع من فعل أقوام يظهرون السنة وطلب العلم، ترى الواحد منهم يكذب على خير عباد الله في هذا الزمن، وهم أهل السنة بل يكذب على خيرهم وهم العلماء، ووالله إنه لفي قرارة نفسه يعلم أنه كذاب أثيم، ثم يقول بعد أن خذله الله تعالى: (والموعد الله)، وهذا من أقبح ما رأيت مذ عقلت من أولئك الذين ينتسبون إلى السنة، وقائل هذا في غاية الجرأة الوقاحة .
يا ليت لي من جلد وجهك رقعة***فأقد منها حافرا للأدهم
فيقال لمن هذا حاله وهذه أفعاله: بأي حق وبأي فعل ترج أن تقابل الله رب العالمين؟ أبما علم الله أنه كذب وعلمت في قرارة نفسك أنه كذب! واعلم يا طالب الحق أن هذا الفعل إن دل إنما يدل على ضعف إيمان العبد وقليل خشيته لله تعالى، وما أكثر هؤلاء وما أقل (الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون).
إن الناظر المتأمل في منشأ هذه الفتنة الحاصلة اليوم بين علمائنا وجماعة الإصلاح أصلحهم الله، ليعلم علما يفيد اليقين أن كثيرا من الحقائق طمست، وغيرت وبدلت، بالكذب والروغان والأيمان الكاذبة، والتظاهر بمظهر المظلوم الناصح المريد للخير، وهذا إنما ينطلي على من أعمى الله بصيرته بسبب نصرته للباطل وأهله، أو على من كان في معزل عما يجري في بلدنا الحبيب، إلا ما بلغه من طريق من هو على شاكلة القوم ومن أضرابهم، وإلا فما علمنا من علماء هذه الامة الكريمة إلا القول بالحق والحكم به على مر هذه السنين الطوال.
وعودا بأهل السنة إلى زمن غير بعيد وهو قبل شهور من اليوم ذلكم اليوم الذي أدلى فيه عز الدين رمضاني بشهادته التي وافقت كلام الشيخ أبي عبد الله لزهر سنيقرة حفظه الله، في بيان أن عبد المالك رمضاني طعن على الشيخين ربيع بن هادي المدخلي والشيخ عبيد بن عبد الله الجابري حفظهما الله تعالى، وأنه قال عن الشيخ ربيع (يكذب) وعن الشيخ عبيد (مافيا)، وأن تنصله باطل وأقل أحواله إن أحسن به الظن أنه قالها ثم نسي على حد قول عز الدين أصلحه الله.
وعلى إثر هذا البيان جاء تعقيب وبيان للشيخ لزهر حفظه الله، الذي شكر فيه سعي عز الدين ببيانه للحق والصدع به، وتعجب وفقه الله تعالى وحق له أن يتعجب، من تأخر البيان عن وقته، مما قد يؤدي إلى الرجوع باللائمة على من علمه وأخفاه إلى هذا الوقت المتأخر، ومما زاد من ألم جرح الشيخ لزهر أن عبد المالك رمضاني يكذب الشيخ لزهر في قوله: عبد الملك يطعن في الشيخين ربيع بن هادي وعبيد الجابري حفظهما الله تعالى وختم لنا ولهما بخير، فجاء على إثر هذا التعقيب والبيان بيان آخر لعز الدين أصلحه الله يظهر فيه أن من حق الشيخ لزهر أن يلومهم على فعلهم ويعتذر لنفسه وإخوانه، بما بان لكثير من أهل السنة أن القوم أخطأوا إذ تستروا على كلام عبد المالك ولا أظن عاقلا يقول أنهم اجتهدوا فأصابوا، وذلك لأمور منها:
1ـ خالفوا أمر الله تعالى في قوله:( ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه والله بما تعملون عليم)[البقرة 283].
2ـ مخالفة أمر الله ورسوله بترك إنكار المنكر قال الله تعالى:( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة 71]، وقال صلى الله عليه وسلم من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:
وإذا سمع المسلم أو المسلمة من يغتاب يرد عليه ويقول: يا أخي! اتق الله تقول له: يا أخي! اتق الله، يقول له الرجل: يا أخي! اتق الله أو يا فلانة! اتقي الله هذا لا يجوز الغيبة محرمة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: من رد عن عرض أخيه في الغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة، ولأن هذا من إنكار المنكر، الله جل وعلا أمر بإنكار المنكر قال جل وعلا: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ [آل عمران:104]، وقال سبحانه: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ [التوبة:71]، وقال عليه الصلاة والسلام: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. نعم. اهـ من موقع الشيخ على الشبكة.
3ـ تأييد عبد المالك في تكذيبه للشيخ لزهر حفظه الله وذلك بالسكوت مع القدرة على الكلام وإظهار الحق، إذ من المعلوم أن السكوت يدل على الموافقة.
• قال الباجي -رحمه الله- في [ص 282]:
«إِذَا قَالَ الصَّحَابيُّ أَوْ الإِمَامُ قَوْلاً أَوْ حَكَمَ بحُكْمٍ وَظَهَرَ ذَلِكَ وَانْتَشَرَ انْتِشَارًا لاَ يَخْفَى مِثْلُهُ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ مُنْكِرٌ فَإِنَّهُ إِجْمَاعٌ وَحُجَّةٌ قَاطِعَةٌ».
[م] هذه المسألة معروفة عند الأصوليِّين بالإجماع السُّكوتي، وقد اختلف العلماء في كونه إجماعًا وحُجَّةً، فالذي عليه جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة أنَّ الإجماع السكوتي حُجَّة وإجماع، وعند الشافعية حُجَّة وفي تسميته إجماعًا قولان، وفي أحد النَّقلين عن الشافعي أنه حُجَّة وليس بإجماع، وبه قال أبو هاشم(1) والصيرفي، واختاره الآمدي وابن الحاجب، خلافًا لمن يرى أنه ليس بإجماع ولا حُجَّة وهو مذهب داود الظاهري وابنه أبي بكر والباقلاني وغيرِهم، وهو الرواية الأخرى عن الشافعي، واختارها الغزالي والفخر الرازي، وفي المسألة أقوال أخرى.
والصحيحُ ما ذهب إليه المصنِّفُ من أنَّ الإجماع السكوتي إجماعٌ وحُجَّة تقريرًا لمذهب الجمهور. (2)
وموضع الشاهد من الكلام المنقول قول الباجي رحمه الله: قَوْلاً أَوْ حَكَمَ بحُكْمٍ وَظَهَرَ ذَلِكَ وَانْتَشَرَ انْتِشَارًا لاَ يَخْفَى مِثْلُهُ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مُخَالِفٌ وَلَمْ يُسْمَعْ لَهُ مُنْكِرٌ فَإِنَّهُ إِجْمَاعٌ وَحُجَّةٌ قَاطِعَةٌ. اهـ وما زاد فإنما نقلته لتتم الفائدة.
4ـ التستر على أهل البدع وذلك بالتستر على عبد المالك طيلة هذه المدة.
5ـ قبول الطعن في أئمة الاسلام والسنة وترك التحذير ممن يطعن على علماء هذه الأمة بحجة المحافظة على ثمرات ذلكم المجلس.
6ـ التستر على من رافق عبد المالك الذي ترجى من حضر ذلكم المجلس أن لا يظهروا ما دار فيه، حفاظا على هذه الثمرة زعم، وترك تسميته وبيان حاله.
7ـ غش المسلمين الذي لا يحل بحال لقوله صلى الله عليه وسلم: lمن غشنا فليس منا، وذلك بتشكيك العامة في كلام كبرائهم، والتستر على أعدائهم، وإدخالهم في دهاليز الشك والريبة.
كل هذا صدر من الجماعة ترفقا وتلطفا وخوفا على عبد المالك خشية أن ينفر بعد أن أظهر لهم الحسنى بسبه للشيخين في المجلس، ولموافقته للحق والعدل بعد ذهابه، فأورثهم ذلك الحرص على هدايته ولو على حساب الشرع والدين.
ـ وبعد هذا يقال لمن يظهر نفسه في مظهر الناصح المشفق على هذه الأمة، أليس للشيخ الفاضل السلفي المعروف بالذب عن السنة وأهلها محمد بن هادي المدخلي حق في الصبر عليه إن كان مخطئا، بل أليس له حق كمسلم في حرمة الكذب عليه حفظه الله والتوقيع على الكذب وذلك في بيان (براءة الذمة) الذي علم كل من اطلع عليه أنه محض كذب وافتراء، وما يعرف لمن وقع تراجع وهذه هي العزة بالإثم.
ـ أليس للشيخ فركوس حفظه الله حق في الذب عن عرضه والدفاع عنه، بعد أن وصفه ذلكم السفيه الكذاب بأنه (موسوس)، حتى وصل بكم الأمر إلى أن تبرأتم من الشيخ فركوس ومن إخوانه الشيخ محمد بن هادي والشيخ عبد المجيد والشيخ لزهر حفظ الله الجميع في مدة لا تبلغ ربع المدة التي صبرتم فيها على ذلكم المفرق الأفاك عبد المالك الجاني.
ـ وها أنتم كلكم علم أن بعضكم يماشي بعض أهل البدع ويجالسهم ويجيب دعوتهم بل ويمدحهم وينصح بالجلوس لهم، بل وصل الأمر إلى أن فضل عبد الخالق ابن حنفية على الشيخ فركوس حفظه الله، ويقول هو أكبر منه سنا وعلما، ويقول هو مني وأنا منه! وقائل هذا كمفضل العصا على السيف،فأين الغيرة على دين الله وما صنعت النصيحة للمسلمين.
ـ وكلكم علم جهل عبد الخالق وتخبطه في مسائل المعتقد والمنهج، ورأى بذاءته وسيء خلقه، فأين الغيرة على دين الله وما صنعت النصيحة للمسلمين.
ـ وكلكم علم أن التوفيق عمروني يكذب على إخوانه، ويسعى لتفريق أبناء هذا البلد الطيب بالكذب والتلفيق، فأين الغيرة على دين الله وما صنعت النصيحة للمسلمين.
فهل تعدون ما أنتم عليه من الحرص على لم الشمل ورأب الصدع؟ وهل ما أنتم عليه اليوم في تعاملكم مع إخوانكم كالذي حرصتم عليه بالأمس القريب مع ذلكم المفتون الكذاب عبد المالك الجاني؟ نبئونا بعلم إن كنتم صادقين.
وما هذا إلا غيض من فيض، وتذكير وتنبيه وإلا فأنتم أعلم بما أنتم فيه. هدانا الله وإياكم سواء السبيل.
وأقول مسليا لأهل السنة قاطبة:
عسى فرج يأتي به الله إنه***له كل يوم في خليقته أمر
وأقول مسليا لشيوخ أهل السنة الذين هم:
مطاعين في الهيجا ميامين في الندى ... أكارم شجعان مصابيح ظلمة
ولم يرهبوا في الله لومة لائم ... ولا بطش خصم موعد بالأذية
إذا سمعوا قول الرسول تفتحت ... قلوبهم للحق في كل لحظة
أناس تولى الله شرح صدورهم ... وطهرها من كل رجس وبدعة
ومن شرح الرحمن للحق صدره ... فلن يظفر الشيطان منه بنزغة
ومن ينصر القرآن والسنة التي ... أتت عن رسول الله يحظى بنصرة
ولا بد أن يلقى شدائد جمة ... كما لقي المختار في بطن مكة
وأصحابه الغر الكرام ومن قفا ... سبيلهم المثلى بعزم وقوة
وعقباهم فتح ونصر مؤزر ... ومن شك في هذا اقتفى أهل ردة
وقد مست البأساء خير صحابه ... وقالوا متى يا رب نحظى بنجدة
أجابهم الله الكريم ألا اصبروا ... تنالوا قريبا جل نصر وعزة
وذي سنتي في الأصفياء جميعهم ... ومن ذا الذي يسطيع تبديل سنتي
وكتب:
العبد الفقير إلى عفو ربه
أبو عبد الرحمن عمر مكي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
هم نصروا الدين الحنيف وعظموا ... حديث رسول الله خير البرية
وقالوا لداعي الحق لبيك إذ دعا ... وقالوا لداعي الشر أبشر بخيبةولم يرهبوا في الله لومة لائم ... ولا بطش خصم موعد بالأذية
إذا سمعوا قول الرسول تفتحت ... قلوبهم للحق في كل لحظة
أناس تولى الله شرح صدورهم ... وطهرها من كل رجس وبدعة
ومن شرح الرحمن للحق صدره ... فلن يظفر الشيطان منه بنزغة
ومن ينصر القرآن والسنة التي ... أتت عن رسول الله يحظى بنصرة
ولا بد أن يلقى شدائد جمة ... كما لقي المختار في بطن مكة
وأصحابه الغر الكرام ومن قفا ... سبيلهم المثلى بعزم وقوة
وعقباهم فتح ونصر مؤزر ... ومن شك في هذا اقتفى أهل ردة
وقد مست البأساء خير صحابه ... وقالوا متى يا رب نحظى بنجدة
أجابهم الله الكريم ألا اصبروا ... تنالوا قريبا جل نصر وعزة
وذي سنتي في الأصفياء جميعهم ... ومن ذا الذي يسطيع تبديل سنتي
وكتب:
العبد الفقير إلى عفو ربه
أبو عبد الرحمن عمر مكي
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
------------------------------
(1)ـ تفسير سورة القصص للإمام عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى
(2)ـ الإنارة شرح كتاب الإشارة » باب الإجماع وأحكامه » فصْلٌ [في الإجماع السكوتي] من موقع الشيخ الفركوس على الشبكة.
(3) الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة لعلامة المغرب تقي الدين الهلالي رحمه الله تعالى ص 124ـ125.
تعليق