إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الردُّ الزاهر على فوارق الحائر بين جرح الشيخين ربيع وفركوس -حفظهما الله- في مقالِه الجائر.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الردُّ الزاهر على فوارق الحائر بين جرح الشيخين ربيع وفركوس -حفظهما الله- في مقالِه الجائر.

    <بسملة1>




    الردُّ الزاهر
    على فوارق الحائر بين جرح الشيخين ربيع وفركوس حفظهما الله في مقالِه الجائر
    لأبي أنس بن عبدالقادر
    وفقه الله.

    الحمد لله و الصلاة و السلام على مَنْ لا نبيَّ بعده؛ أمَّا بعد:


    فقَدْ كتب حائرٌ مِنْ ضواحي شرشال مقالًا سمَّاهُ: «الفرقَ الجليَّ بين جرح الشيخ فركوس وجرحِ الشيخ العلَّامة ربيعٍ المدخلي» ونَشَره على صفحات التواصل، وأوَّلُ ما يُلاحِظ المنصفُ على المقال وكاتبِه أنه وَصَف نَفْسَه بالحائر، ثمَّ هو ـ في مقاله ـ يُقرِّر ويؤصِّل سالكًا مسلكَ مَنْ هو عن المسلك القويمِ جائرٌ، وهذا مِنَ العَجَب العُجَاب؛ إذ الحائرُ يَلْزَمه سؤالُ مَنْ يُزيلُ عنه الحيرةَ، ويُنيرُ له الطريقَ، ومِنْ ثَمَّ يأخذ بيده لِيَضَعه على الصراط المستقيم، عملًا بقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: 43؛ الأنبياء: 7]، لا أَنْ يكتب لغيره ويسوِّد صفحاتٍ يخلط فيها خلطًا هو نتيجةُ حيرته، ووصفُه لنفسه بالحيرة كافٍ في إسقاطِ كُلِّ ما كَتَبه وردِّ كُلِّ ما زَعَمه، لأنه حَكَم على نفسه بنفسه، فهل يُعقَل أَنْ يكون الحائرُ مُرشِدًا؟! أو أن يُؤدِّيَ دورَ الناصح! فضلًا عن أَنْ يَلِجَ بابًا عويصًا مِنْ أبواب العلم، وهو بابُ الأسماء والأحكام.
    ولي مع الحائر وقفاتٌ:

    الأولى: إنَّ الحائر مِنْ ضواحي مدينة شرشال أقام الفروقَ بين عالمَيْن ليتوصَّل إلى تحديدِ مَنْ معه الحقُّ ـ في ظنِّه ـ مِنْ خلالِ إقامةِ هذه الفوارق؛ ومبنى الفوارق المزعومة على الترجيح بالأشخاص وتقوية الأحكام المجرَّدة بقائليها دون نظرٍ إلى أدلَّتها وموافقتها للحقِّ في نفس الأمر، ولا شكَّ أنَّ هذا المسلك يتنافى والمنهجَ السلفيَّ، فهو في دعوته لا يعتمد على الرِّجال لمعرفةِ الحقِّ، ولكِنْ كما قِيلَ: «اعْرِفِ الحقَّ تعرف رجالَه»؛ فإنَّ الميزان الشرعيَّ الذي تُوزَنُ به الأقوالُ والأفعال والمُعتقَدات ـ مِنْ حيث صِحَّتُها وضعفُها ـ إنما هو الكتاب والسُّنَّة؛ فمَنْ وافق الكتابَ والسُّنَّةَ أُخِذ بقوله وقُدِّم كلامُه على كلامِ خصمِه ومُخالِفه؛ وإِنْ خالف الميزانَ الشرعيَّ رُدَّ قولُه وأُبْطِلَتْ حُجَّتُه مهما عَلَا كعبُه وسَمَتْ منزلتُه في العلم؛ فالواجبُ اتِّخاذُ الكتاب والسُّنَّة ميزانًا للقَبول والرَّدِّ؛ وممَّا أُثِر ـ في هذا الباب ـ قولُ الإمام مالكٍ ـ رحمه الله ـ: «إنَّما أنا بَشَرٌ أُخطِئُ وأُصيبُ؛ فانْظُروا في رأيي؛ فكُلُّ ما وافق الكتابَ والسُّنَّةَ فخُذُوه؛ وكُلُّ ما لم يُوافِقِ الكتابَ والسُّنَّةَ فاتْرُكوه» [«الجامع» لابن عبد البرِّ (2/ 32)]، وقال ـ أيضًا ـ: «ليس أحَدٌ بعد النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم إلَّا ويُؤخَذُ مِنْ قوله ويُترَك إلَّا النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم». [«الجامع لابن عبد البرِّ (2/91)]
    ويقول ابنُ القيِّم ـ رحمه الله ـ: «فدَعُوا هذه الاحتجاجاتِ الباردةَ وادخُلُوا معنا في الأدلَّة الفارقة بين الحقِّ والباطل؛ لِنَعقِدَ معكم عقدَ الصلحِ اللازم على تحكيم كتاب الله وسُنَّةِ رسوله والتحاكمِ إليهما وتركِ أقوال الرجال لهما، وأَنْ ندور مع الحقِّ حيث كان، ولا نتحيَّز إلى شخصٍ مُعيَّنٍ غيرِ الرسول: نقبل قولَه كُلَّه، ونردُّ قولَ مَنْ خالفه كُلَّه، وإلَّا فاشهدوا بأنَّا أوَّلُ مُنكِرٍ لهذه الطريقة وراغبٍ عنها داعٍ إلى خلافها». [«إعلام الموقِّعين» (2/ 181)]
    والفوارق المذكورة في شُبهته ليست مُنصِفةً؛ لأنَّ لكُلِّ واحدٍ مِنَ الشيخين اختصاصًا مُخالِفًا للآخَرِ؛ فالشيخ ربيع ـ حفظه الله ـ اختصاصُه عِلمُ الحديث ونقدُ الرجال، وعنايتُه بذلك كبيرةٌ وله قدمُ صدقٍ في هذا المجال، أمَّا اختصاصُ الشيخ فركوس ـ حفظه الله ـ فهو الأصول والفقه، وكِلَا العِلْمين حاجةُ العلماء إليهما أكيدةٌ لتصويب استنباط الأحكام مِنَ الأدلة الشرعيَّة الصحيحة، فعِلمُ الحديث ونقدُ الرِّجال يعين على معرفةِ مَنْ يُؤخَذ عنه الحديثُ والأثرُ ومَنْ لا يُؤخَذ، وعلمُ الأصول يعين على معرفة الأوجه الصحيحة للاستنباط مِنَ الأوجه المرذولة، كما يعين على تعيين الراجح مِنَ الأقوال وأولاها بالصواب؛ فلا يُقارَنُ بين هذا وذاك على سبيل الانتقاص مِنْ أحَدِ العِلمين أو الاستغناء عنه، فهُما متكاملان ومتوافقان؛ ويبقى المنهج هو الحاكمَ عند الاختلاف والتنازع في أيِّ شيءٍ كما جاء في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [النساء: 59]، فالمسلك الصحيح يقتضي:
    ـ أوَّلًا ـ ممَّنْ لا يعلم أَنْ يسأل مَنْ يعلم ويَرُدَّ الأمرَ إلى عالِمِه لا أَنْ يتكلَّم في دين الله بدونِ علمٍ.
    ويقتضي ـ ثانيًا ـ عدمَ الافتياتِ على أهلِ العلم أو التقدُّمِ بين أيديهم في المسائل المُشكِلة والنوازل المُعضِلة المتعلِّقة بالأمن أو الخوف، وعدمَ المسارعة بإذاعة الأخبار دون ردِّها إليهم والتثبُّت منهم في توجيهها، ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ﴾ [النساء: 83].
    ويقتضي ـ ثالثًا ـ ردَّ ما تنازع فيه العلماءُ واختلفوا إلى ما يقتضيه كتابُ الله وسُنَّةُ رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم، فما دلَّا عليه فهو الحقُّ الواجبُ اتِّباعُه، و ما دلَّا على بطلانه تُرِك مهما كان قائلُه، فإِنْ كان قائلُه مُجتهِدًا فله أجرُ الاجتهاد وتُحفَظ كرامتُه ولا يُحطُّ مِنْ قدرِه لذلك، وهذا يدخل فيه كُلِّ اجتهادٍ سواءٌ كان في تصحيح طريق التَّلَقِّي مِنَ المصدر أو في فهم النصِّ المتلقَّى منه، فلا يخرج عن ذلك نقدُ الرِّجال وبيانُ أحقِّ الموقفين وأوفقِهما بالمنهج السلفيِّ والمتماشي مع قواعده الصحيحة في الحادثة المعيَّنة، والنظرُ في ذلك إلى الأدلَّة لا إلى مُجرَّدِ مكانة القائل وعِلمِه وتخصُّصه؛ فقَدْ يطَّلِع الأدنى على ما لم يطَّلِع عليه الأعلى كما خَفِيَ على ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه - نسخُ التطبيق في الصلاة مع اختصاصه بالنبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وفضلِه وعلمِه، مع بلوغه لمَنْ أَنكرَه عليه مِنَ التابعين.
    فلو سلَّمْنا جدلًا مِثلَ هذه الفوارقِ المذكورة لَلَزِم انتقاصُ وإسقاطُ الكثير مِنَ العلماء المعروفين الذين أثبتوا مكانتَهم العلميَّة في التأليف والتصنيف، والشرحِ والتحقيق، فالمعيارُ فيهم هو قدرتُهم العلمية ورصيدُهم مِنَ العلوم؛ فمثلًا الشيخ ابنُ بازٍ أو الشيخ العثيمين أو الشيخ العبَّاد لا تجد في تراثهم العلميِّ الكلامَ في المخالفين مثلما تجد عند الشيخ ربيع؛ وقد يخالفونه في الحكم عليهم ـ إمَّا مجتهدين في ذلك، أو لعدم اطِّلاعهم وقراءتِهم إطلاقًا لردِّ الشيخ ربيع على المخالف، فبَنَوْا تعديلَهم إيَّاه وإحسانهم للظنِّ به على الأصل ـ مع أنَّ منهجهم واحدٌ، ومع هذا لا يختلف اثنان بأنَّ المكانةَ العلميةَ لأكثرهم أعلى مِنْ مكانة الشيخ ربيع ونحو، ذلك.
    بل إنَّ السلفيِّين ـ في أيَّامِ فتنة سلمان العودة ـ وغيره مِنَ المُنحرِفين وقفوا مع الشيخ ربيع ـ حفظه الله ـ مُؤيِّدين لجَرْحه، ولم يقبلوا تزكيةَ الشيخ الألبانيِّ ـ رحمه الله ـ له ودفاعَه عنه ـ قبل أَنْ تتَّضِح له حقيقةُ الرَّجلِ وتلبيساتُه ـ ولو طبَّقْنا قاعدةَ الحائر في الترجيح بالأشخاص لَقُلنا: كلام الشيخ الألبانيِّ في سلمان العودة مقدَّمٌ على كلام الشيخ ربيع لأنه أعلمُ منه وأوسعُ معرفةً، ولكنَّ قواعد المنهج السلفيِّ تَلْزَم بترجيح القول المعزَّز بالأدلَّة والحكم المقوَّى بالحُجَج والبراهين، بغَضِّ النظر عن مكانة القائل العلمية ومستواه العلميِّ مقارنةً بمَنْ خالفه في الحكم.
    وهكذا يُقالُ ـ بناءً على القاعدة السلفيَّة ـ: إنَّ الشيخ ربيعًا ـ حفظه الله ـ قد يُثني على أشخاصٍ مُستصحِبًا حالَهم القديمَ بناءً على أصلِ عدالتهم، ويُحذِّر منهم غيرُه كالشيخ فركوس ـ حفظه الله ـ لاطِّلاعه على ما يُدينُهم سلفيًّا لا سيَّما مع اختصاصه بمصاحبتهم ومعرفتِه بمَداخِلهم وصبرِه عليهم ومناصحتِه لهم وعدم اتِّهامِه فيهم بمحاباتهم أو بالحطِّ عليهم، فالقواعدُ السلفية ـ هنا ـ هي الحاكمةُ، دون الالتفات إلى فوارقَ مميِّزةٍ كالسِّنِّ والخبرة والمستوى العلميِّ.
    ولا بأسَ أَنْ أُذكِّرك ـ أيُّها الحائر ـ بشيءٍ لعلَّك نسيتَه، وهو أنَّ الشيخ ربيعًا ـ حفظه الله ـ كان يُحسِن الظنَّ بالمجروح أبي عبد الباري عبد الحميد العربي ـ هداه الله ـ ويُلزِم الموقِّعين على بيان التحذير منه بالاجتماع به وعقدِ الصلح معه، وعدمِ إهدار جهوده كُلِّيَّةً، وعذرُه ـ حفظه الله ـ أنه لم يطَّلِعْ على ما اطَّلَع عليه المجرِّحون والمحذِّرون، مع حرصِه الشديد ـ حفظه الله ـ على لَمِّ الشمل ونبذِ الخلافات الشخصيَّة وعدم إعطاء الخطإ فوق حجمه، وعدمِ مؤاخذة التائب بما تاب منه، لأنَّ الخطأ يصدر مِنْ كُلِّ أحدٍ، وإنما النكيرُ على الإصرار عليه، ولم يَرَ منه ـ فيما بلغه عنه ـ إصرارًا، وحُقَّ له ذلك مع هذه المُعطَيَات ونحن معه على ذلك لو كان الأمرُ كذلك، ولكن ما كُلُّ خطإٍ سواءٌ، وما كُلُّ مُخطئٍ يرجع؛ وبناءً على قاعدتك ـ أيُّها الحائر ـ فإنَّ الشخص المحذَّر منه لا زال سلفيًّا بل معدَّلًا؛ لأنَّ الأعلم في باب الجرح والتعديل قد أثنى عليه ومَنَع مِنَ الطعن فيه، وهذه النتيجةُ يكذِّبها واقعُ الشخص ومآلُه الذي ظَهَر عيانًا وكَشَفه جليًّا حين انخرط في حزبٍ سياسيٍّ يدعو إلى الانتخابات البرلمانيَّة الديموقراطيَّة، وأمَّا القاعدة الصحيحة السلفيَّة فنتيجتُها أنَّ ثناء الشيخ ربيع عنه لا يُغيِّر مِنْ حقيقته شيئًا، وأنَّ المحذِّرين ـ وإِنْ كانوا أقلَّ علمًا مِنَ الشيخ ـ إلَّا أنَّ الصواب معهم؛ فقولهم مقدَّمٌ وحكمُهم صائبٌ بالنظر إلى الأدلَّة والقواعد السلفيَّة، وعلى هذا فقِسْ أيُّها الحائر إِنْ كان للإنصاف عندك نصيبٌ وافرٌ؛ وهذا عينُ ما قرَّره الشيخ ربيع نفسُه حين قال عن بعض المخالفين مِنَ الإخوان المُفلِسين المتستِّرين وغيرهم: لا ينفعهم ولو زكَّاهم أعلمُ الناس، ولو كان أحمد بنَ حنبلٍ ويحيى بنَ معين وعليَّ بنَ المديني، بل الشيخ ربيعٌ ـ حفظه الله ـ ذَكَر أنه هو نفسُه زكَّى أناسًا ثمَّ تبيَّن له ـ فيما بعد مدَّةٍ ـ أنهم ليسوا أهلًا لتزكيته، بل هو نفسه كان يُثني على كثيرٍ ممَّنْ جَرَحه بل ويدافع عنهم وهو مجتهدٌ في ذلك معذورٌ مغفورٌ له مأجورٌ عليه أجرًا واحدًا إِنْ شاء اللهُ تعالى، ثمَّ ظهرت حقيقتُهم فصار إلى تجريحهم؛ والعبرةُ ـ في كُلِّ ذلك ـ ليست بموافقة قول الشيخ ربيعٍ في الشخص أو مخالفته كما قدَّمْنا، بل في موافقة المنهج الذي يدعو إليه الشيخ ربيعٌ ومَنْ سَبَقه وهو اتِّباعُ الدليل وعدمُ التقليد والتعصُّب للرِّجال إذا أمكنك معرفةُ الدليل وفهمُه، بل ننظر ما تقتضيه الأدلَّةُ؛ فلا نهدم المنهجَ ككُلٍّ بالجمود على قولٍ دون دليلٍ لأجلِ أنَّ قائله فلانٌ؛ وإلَّا فما قولُك في موافقة الشيخ ربيع للشيخ فركوس في إنكاره صورةَ العَلَم الجزائريِّ في المجلَّة ـ أوَّلًا ـ وللشيخ جمعة ـ ثانيًا ـ على الكلام في مرابط وحمُّودة ومَنْ على شاكلتهما ـ ممَّنْ لَبِس أكبرَ مِنْ حجمه وتقدَّم بين يدَيْ مشايخه إفسادًا يزعمه إصلاحًا ـ حتَّى لم يكن الشيخ ربيع يقبل مِنْ مشايخ الإصلاح ذبَّهم عنهما، حتَّى سعَوْا إليه بالوسائط بعد تَكرار الترداد، فشوَّهوا صورةَ المشايخ الصادقين بالأكاذيب وما هم منه بُرَآءُ وهو بغيرهم ألصقُ بما عُرِف مِنْ مسلكهم، ولمَّعوا صورةَ أنفُسِهم بما غيرُهم به أَوْلى، أم أنك تخالف الشيخ ربيعًا حين كان الدليلُ مع قوله، وتخالفه حين صار الدليلُ خلافَ رأيه؟! فاللهُ المستعانُ.
    وبهذا يتبيَّن أنَّ هذه الفوارقَ المذكورة ليست معيارًا على معرفة الحقِّ أو تقديم المشايخ بعضِهم على بعضٍ، فضلًا عن تخطئتهم وإسقاطهم.

    الثانية: في قول الحائر: «الشيخ ربيع يحذِّر مِنْ رؤوس المبتدعة...أمَّا الشيخ فركوس فيحذِّر مِنَ السلفيِّين ويرميهم بالبوائق كما رمى وحذَّر مِنْ مشايخ الإصلاح وتلامذتهم كحمُّودة ومرابط»
    الجواب: هل الشيخ ربيع ـ حفظه الله ـ حين حذَّر مِنْ أولئك كان بناءً على أدلَّةٍ أو مجرَّد هوًى وتَشَهٍّ؟ لا أحسب إلَّا أَنْ نتَّفِق على أنَّ تحذيره كان بناءً على أدلَّةٍ وحججٍ، وهل الشيخ فركوس ـ حفظه الله ـ حين حذَّر مِنْ مسلك جماعةِ مجلَّة الإصلاح كان كلامُه وتحذيرُه مُسنَدًا بالأدلَّة والتفسيرات أم كان خاليًا منها؟ الجواب ـ إِنْ كنت لا تعرفه، ولا أخالك تعرفه لأنك حائرٌ ـ تجده في نصيحة الشيخ وتوجيهه لمنتدى التصفية والتربية حيث قال: «فالناظر إلى ما يجري في الساحة الدَّعْوية المحلِّيَّة يجد دفاعًا مستميتًا لتصحيحِ مواقفِ رجالٍ مِنَ الدُّعَاة الذين ركبوا منهجَ التمييع ـ في الجملة ـ وإِنْ نفَوْه عن أَنْفُسهم، ولكنَّه جليٌّ واضحٌ في مواقفهم وصُحبتهم ودعوتهم، وأرادوا فَرْضَه ـ تدريجيًّا ـ على غيرهم مِنَ الدُّعَاة نموذجًا بديلًا عمَّا يُسمُّونه بمنهجِ «الغُلُوِّ والتبديع» ودعَّموه بطُرُقٍ شتَّى، وجنَّدوا له ـ بإملاءاتهم ـ شبابًا مِنْ ذوي العَجَلة، بإشاعة الأخبار والقلاقلِ وترويجِها وإذاعتِها، وعدمِ الانضباط بالقواعد العامَّة في الردِّ على المخالف، ولا الالتزامِ بآدابِ طالب العلم».
    والأدلَّةُ على ركوبهم منهجَ التمييع عاينها السلفيون بأنفسهم، وهي مبثوثةٌ في المواقع والقنوات السلفية مِنْ أدلَّةٍ مسموعةٍ ومرئيَّةٍ ومكتوبةٍ وشهاداتِ الثِّقَات، وما بيانُ براءة الذِّمَّةُ إلَّا خيرُ دليلٍ على انحرافهم عن منهج السلف؛ إذ وقَّعوا على عدمِ رجوعهم عن منهج التمييع، ثمَّ خَتَم الشيخُ نصيحتَه للسلفيِّين بأَنْ يحرصوا على أوقاتهم ويُلازِموا العِلمَ والعمل والتَّقوى والعبادة، فعدمُ إبصارِك ـ أيُّها الحائر ـ الأدلَّةَ لا يعني عدمَ وجودها؛ ولعلَّك تعامَيْتَ عنها لموافقتك رجالَ المجمَّع وغلمانَهم في منهجهم الأفيح، فخفافيشُ الظلام لا تُبصِرُ في ضوء النهار.
    فكيف يُعابُ على الشيخ فركوس ـ حفظه الله ـ مسلكُ عزِّ السلفيِّين ومظهر قُوَّتهم وهو الردُّ على المخالف بالأدلَّة، وهو نفسُ منهج الشيخ ربيع ـ حفظه الله ـ حين حذَّر مِنْ طائفةٍ كانت تَلْبَس لبوسَ السلفية، وتدَّعي المنافحةَ عن المنهج السلفيِّ، ولم يُغنِهم ذلك في شيءٍ، بل ما زال بعضُ أفاضل العلماء ممَّنْ يَكْبر الشيخَ ربيعًا سِنًّا وعلمًا يُحسِنُ ظَنَّه فيهم، ولم يُفِدْهم ـ أي: المجروحين ـ في ردِّ جرحهم؛ لأنَّ الحقَّ أحقُّ أَنْ يُقالَ، وأحقُّ أَنْ يُتَّبَع، والحقُّ مع مَنْ له الحجَّةُ والدليل، مع الإشارة إلى أنَّ بعضَ مَنْ تكلَّم فيهم الشيخ ربيع كان ـ إلى زمانٍ قريبٍ ـ يُعَدُّ مِنَ السلفيِّين، بل منهم مَنِ ابتُلِيَ بعضُ السلفيِّين بهم وبالمنافحة عنهم حتَّى كادوا يجرُّونهم إليهم كالمأربيِّ والحلبيِّ والرمضانيِّ وغيرهم، فهل تجعل موافقةَ الشيخ ربيعٍ ـ حفظه الله ـ للاحتوائيِّين في دعوتهم الظاهرة للاجتماع مع عدم قيامهم بشرطها الذي ذَكَره الشيخ ربيع نفسُه وهو أنَّ مَنْ عنده أخطاءٌ عليه أَنْ يتوب منها ويرجع وليجتمعوا مع إخوانهم، فتجعل هذا شوكةً في حلوق أهل السُّنَّة وسلاحًا يستنصر به علينا ويضربنا به أتباعُ هؤلاء الذين جَرَحهم الشيخ ربيع نفسُه.

    الثالثة: في قول الحائر: «الشيخ ربيع يحذِّر مِنْ رؤوس المبتدعة الذين انتشر شرُّهم كالغزَّالي، حسن المالكي، المليباري، العرعور، المغراوي، المأربي، سيِّد قطب، فالح الحربي، وعبد اللطيف باشميل..»
    الجواب: لا يَلْزَم الشيخَ فركوس ـ حفظه الله ـ الرَّدُّ على جميعِ مَنْ ذَكَرْتَ ممَّنْ ردَّ عليهم الشيخ ربيع؛ لأنَّ الردَّ على أهل الأهواء والبِدَع مِنْ فروض الكفاية، ويسقط الواجبُ الكفائيُّ إذا قام به البعضُ؛ فلو كان لازمًا لَلَزِم العلماءَ الآخَرين أَنْ يتكلَّموا في جميعِ مَنْ ذكَرْتَ، وإلَّا كانوا عندك مُقصِّرين، بل يلزم على ذلك أَنْ يكون الشيخ ربيعٌ مقصِّرًا في الكلام فيمَنْ تكلَّم فيهم غيرُه ولم يتكلَّم هو فيهم، إمَّا لاكتفائه بكلامِ غيره إِنْ كان موافقًا، أو لعدمِ موافقته له، أو لأنه يستأني بالمخالف لعلَّه يرجع، أو لأنه رأى أنَّ خطأه لا يستدعي التحذيرَ منه، أو لأنه لم يظهر له ما ظَهَر للآخَر؛ وكُلٌّ منهم مجتهدٌ في تقدير الأمر، فمَنْ وُفِّق لإصابة الحكم على الشخص فله أجران لاجتهاده وإصابته، ومَنْ فاتَتْه الإصابةُ مِنَ العلماء لم يعدم الصوابَ لاجتهاده وتَحرِّيه الحقَّ والعدل، وتحقُّقِ شرط العلم والتقوى فيه؛ فقَدْ فَعَل الصوابَ بحسبِ ما أَمكنَه ولا يكلِّف اللهُ نفسًا إلَّا وُسعها.
    وزِدْ على ذلك موافقةَ وتأييد الشيخ فركوس للشيخ ربيع في تحذيره مِنْ رؤوس الشرِّ الذين ذَكَرْتَهم، بل إنَّ تحذير الشيخ منهم مشتهرٌ ومعروفٌ عنه سواءٌ في موقعه أو في حلقاته؛ وبعضُ هؤلاء الرؤوس حذَّر منهم الشيخ قبل تحذير الشيخ ربيع، بل ربَّما كان الشيخ ربيع يزكِّيهم وكانوا معدودين مِنَ السلفيِّين، بل مِنْ حَمَلة لواء الجرح والتعديل، وهم كانوا ـ في الحقيقة ـ حدَّاديَّةً يُفسِدون الدعوةَ بإسقاطِ علمائها الراسخين على نحوِ ما يفعل الصعافقةُ الآنَ، وبالمقابل يشيِّخون غلمانًا حُدَثاءَ أسنانٍ سفهاء أحلام فاحِشي لسانٍ، فلا لهم سنٌّ ولا حِلمٌ ولا أدبٌ؛ وأمارةُ ذلك أنَّ كلامهم لم يكن مُنضبِطًا بالشرع بل بالهوى.

    الرابعة: في قول الحائر: «إذا رجعت إلى الموقع فلا تجد جرحًا في أحدٍ مِنَ المخالفين...»
    الجواب: هذه نتيجة الحيرة و الجهل بمحتوى موقعِ الشيخ أبي عبد المُعِزِّ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ فكيف تجرَّأ على نفيِ وجودِ أيِّ جرحٍ مُثبَتٍ فيه، والواقع يكذِّب هذا؛ فموقع الشيخ زاخرٌ بالردود العلمية على الفِرَق والطوائف مِنْ صوفيةٍ وأشعريةٍ وإخوانٍ وجزأرةٍ وإباضيَّةٍ وخوارجَ وأحمدية...، وكذلك الكلام على أفرادِ هذه الفِرَق والجماعات مِنْ أمثالِ القرضاوي ومالك بن نبيّ والبوروبيّ والحجُّوري وسليم الهلالي وبن حنفية وقسُّوم وغيرهم، وبالإضافة إلى حيرتك التي قادَتْك إلى الجهل بمحتوى الموقع فإنَّ تحامُلَك البغيضَ على الشيخ أعمى بصرَك عن مواقعِ هذه الردود في موقعه، وبعضُها مُثبَتٌ في الصفحة الرئيسة، وعلى جانبها زرٌّ رئيسٌ بالخطِّ العريض بعنوان: «ردود وتعقيبات» اضغَطْ عليه لتُبْصِرَ كَذِبَك وتُواجِهَك مثلُ هذه المقالات:
    ـ مواقفُ سلفيَّة في دحضِ دعاوى ابنِ حنفيَّة وشُبُهات الجمعيَّة.
    ـ الحقُّ المبين في كشف شبهاتٍ مِنْ عقائد التجانيين.
    ـ تبرئة الشيخ ابن باديس وأسلاف الجمعية مِنَ الانتساب إلى الأشاعرة والصوفية.
    ـ تعقيب إدارة موقع الشيخ محمد علي فركوس ـ حفظه الله ـ على تصريحات الشيخ يحيى الحجوري ـ هدانا الله وإياه ـ.
    هذا، وكتابات الشيخ ـ حفظه الله ـ ومقالاته العلمية تمتاز بقوَّة الحجَّة والبيان التي أكسبَتِ الرعبَ والخوف والهيبة لمختلف هذه الفِرَق والطوائف حتَّى الإعلاميِّين والصحفيِّين المتشبِّعين بالأفكار المُنحرِفة لِمَا فيها مِنْ إظهار الحقِّ وردِّ الباطل ودحضٍ لشُبُهاتهم، فلو اطَّلَع هذا الحائرُ على الموقع لَزالت حيرتُه، ولكن:
    قَدْ تُنْكِرُ العَيْنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ * وَيُنْكِرُ الفَمُ طَعْمَ المَاءِ مِنْ سَقَمِ
    الخامسة: في قول الحائر: «الشيخ يحذر ممّن خالفه و ردّ عليه خطأه»
    الجواب: كلام الشيخ و كتاباته على المخالفين الّذين لم يرُدوا عليه ممّن ذكرنا سابقا كالقرضاوي و مالك بن نبيّ و سليم الهلالي و بن حنفيّة وقسّوم و غيرهم تردُ هذه الفرية و كذلك جواب الشيخ في حلقاته و ردُّه خطأ المخالف و الموافق من غير معرفته لهم، فكيف يُظنّ انتصار الشيخ لنفسه وقد جمع بين العلم و التّقوى مع تحريه الحقّ و العدل، وإنما ميزان النّقد عند الشيخ الكتاب و السنّة لمن خالف منهج السلف، بل ثبت حلم الشيخ على من طعن فيه بغير حقّ وقد عفى عن كثير منهم لما تبيّن لهم خطأ متبوعيهم و رجعوا إلى الحقّ كأتباع فالح و الحجوري و منهم من قابلهم بالإحسان إليهم، كدعاة المجمّع لما شارك معهم في إنشاء المجلّة، وقد ناصح الشيخَ آنذاك بعض الأفاضل بعدم الإشتراك و التعاون معهم لئلاّ يستغلّوا وجوده معهم لكسبِ مصالحهم و أغراضهم الشخصيّة فصدق حَدْس النّاصحين.
    أمّا مسألة ردّ خطإ الشيخ، فالخطأ وارد و قد يحصل منه الخطأ و النّسيان الذي هو من طبيعة البشر و الشيخ يشكر كل من دلّه على خطئه ومستعدٌ أن يتراجع عنه، و يدلّ على ذلك تراجع الشيخ في موقعه و في مسائل عديدة بناءً على إشكالات واعتراضات متعلِّقة بمسائل عَقَدية ومنهجية وأصولية وفقهية وغيرِها ترِد الموقع الرسميَّ و قد أَدرجَ الشيخ في صفحة موقعه كافَّةَ التوضيحاتِ والأجوبة على الإشكالات ـ القديمة منها والحديثة ـ معنونة بتيسير الباري في توضيح اشكالات و اعتراضات القاري، مع بيانِ وجوه الصواب والخطإ فيها، لأنه ليس كُلُّ اعتراضٍ أو انتقادٍ يُعَدُّ صحيحًا؛ و في هذا المقام يحسن إيراد كلام الشيخ الصريح في مقاله تفنيد شبهة الملبِّسين بإيراد أسماء المخالفين:
    «قد يحصل منِّي الخطأ والنسيان، ويعتريني السهوُ والغلط والتقصير، ونحوُ ذلك مِنَ النقائص التي هي مِنْ طبيعة البشر؛ فقدرتُهم محدودةٌ ـ كما هو معلومٌ ـ مهما علَتْ وارتفعت، ولا أدَّعي لنفسي العصمةَ مِنَ الأخطاء والنقائص؛ فالكمالُ لله وحده، والعصمةُ لمَنْ عَصَمه الله؛ ولذا أُهيبُ بكُلِّ مَنْ وَجَد ـ في مؤلَّفاتي أو تحقيقاتي أو مقالاتي وفتاوايَ ومسالكِ دعوتي ـ خللًا أو تقصيرًا أَنْ يُبصِّرني به، أو عيبًا أو خطأً أو نقصًا أَنْ يُرشِدني إلى صوابه مِنْ غيرِ تضخيمٍ ولا تهويلٍ؛ فالمؤمنون نَصَحةٌ، و«الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ»(٢-[أخرجه أبو داود في «الأدب» بابٌ في النصيحة والحِيَاطة (٤٩١٨) مِنْ حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وحسنه الألباني في «صحيح الجامع» (٦٦٥٦).])، وأنا مُستعِدٌّ تمامَ الاستعداد في أَنْ أتراجع ـ فورًا كما هي عادتي ـ وأعودَ ـ بكُلِّ إيمانٍ وثِقَةٍ واعتزازٍ ـ عن كُلِّ خَللٍ أو خطإٍ أو عيبٍ أصاب الناصحُ ـ في تقويمه ـ عينَ الحقِّ أو وافق الصوابَ، وأنا له مِنَ المُعترِفين الشاكرين».
    لقد كان للشيخ فركوس الفضل ـ بعد فضل الله عزَّ وجلَّ ـ عليك أيُّها الحائر وعلى غيرك في اشتدادِ عُود هذه الدعوةِ المباركة بردِّ أذَى الطاعنين في السلفيِّين وفي دعوتهم، فبدلَ شُكركم للشيخ واعترافِكم بفضله عليكم واجهتموه وتنكَّرْتم له، فكان هذا جزاءَ مَنْ أحسنَ إليكم ومقابلة الإحسان بالإساءة، وهل تتذكَّر أيُّها الحائر المطويَّات التي يوزِّعها موقعُه، والتي فيها الردُّ على الطوائف والفِرَق وبيانُ بِدَعها وشُبَهها، والتي تُطبَع بعشرات الآلاف لتوزيعها في مختلف ربوع البلاد؟ أفبعد كُلِّ هذا تسوِّد مقالًا تزعم فيه خُلُوَّ موقع الشيخ مِنَ الردود العلمية على المخالفين؟ ولقد صَدَق مَنْ قال: «إنَّ هذه الأرضَ أرضُ عقوقٍ، تتنكَّر لأبنائها وأهلِ الفضل فيها».
    ولو جمعتَ جميعَ تُراثِ دُعَاةِ منهج الاحتواء مِنْ رجال المجمَّع وغلمانهم ومَنْ هو على شاكلتهم ما بلغوا الجزءَ اليسير لا مِنْ تراث الشيخ ربيع ولا مِنْ تراث الشيخ فركوس ـ حفظهما الله ـ.
    واعلَمْ أيُّها الحائر أنَّ لحوم العلماء مسمومةٌ وسُنَّةَ الله في مُنتقِصهم معلومةٌ وتطاولك وافترائك على الشيخ ليس مِنْ شِيَمِ الكرام ولا مِنْ أخلاق المؤمنين، بل هو سبيل السفهاء والجَهَلة الأغمار.
    وَمَا مِنْ كَاتِبٍ إِلَّا سَيَفْنَى * وَيَبْقَى ـ الدَّهْرَ ـ مَا كَتَبَتْ يَدَاهُ
    فَلَا تَكْتُبْ بِكَفِّكَ غَيْرَ شَيْءٍ * يَسُرُّكَ فِي القِيَامَةِ أَنْ تَرَاه

    كان السلف رضوان الله عليهم يَعُدُّون التقدُّم بين يدَيْ مَنْ هو أعلمُ منه تحديثًا وتعليمًا: حمقًا وخفَّةَ عقلٍ(1)؛ قال أبو إسحاق الجوزجاني: «سمعتُ يحيى بنَ معينٍ يقول: الذي يحدِّث ببلدٍ به مَنْ هو أَوْلى بالتحديث منه أحمقُ، وإذا رأيتني أحدِّث ببلدٍ فيها مثلُ أبي مسهرٍ [عبد الأعلى بنِ مسهرٍ الغسَّانيِّ]، فينبغي لِلِحيتي أَنْ تُحلَق» [«سِيَر أعلام النُّبَلاء» للذهبي (10/ 231)]
    هذا، لمَنْ كان أهلًا للتحديث والتعليم، فكيف الحال بمَنْ ليس له أهليَّةٌ، ولا يُعرَف عنه تعلُّمٌ ولا تفقُّهٌ ولا مكابدةٌ للعلم ومَشاقِّه؟ يُقِرُّ بالحيرة وينصِّب نفسَه حاكمًا بين العلماء، مُسْقِطًا حيرتَه للفصل في مسائلَ لا يُحسِنها إلا خواصُّ الطلبةِ والمتفوِّقون منهم، ولله درُّ القائل:
    ذَهَبَ الذينَ يُعَاشُ في أكنافِهِم * وَبَقِيتُ فِي خَلفٍ كَجِلْدِ الأَجْرَبِ


    كتبه مِنْ ضواحي مدينة شرشال: أبو أنس بن عبد القادر

    ---------------------------------------------------------------------------------------
    (1 ) قال ابن الأعرابي: الحماقة مأخوذة من حمقت السوقُ إذا كسدت، فكأنه كاسد العقل والرأي فلا يُشاوَر ولا يُلتفَت إليه في أمرِ حربٍ. وقال أبو بكر المكارم: إنما سُمِّيَتِ البقلةُ الحمقاء لأنها تنبت في سبيل الماء وطريق الإبل. قال: ابن الأعرابي: وبها سُمِّيَ الرجلُ أحمقَ لأنه لا يُميِّز كلامَه مِنْ رعونته. [«أخبار الحمقى والمغفَّلين» لابن الجوزي (23)].
    التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر; الساعة 2018-10-03, 01:36 PM.

  • #2
    جزاك الله خيرا أبا عبد الرحمن وبارك فيك، وذب عن وجهك النار وثقل بما نقلت موازينك يوم لا ينفع مال ولا بنون، أنت وكاتب المقال وفقه الله تعالى، وأما القوم فيصدق عليهم قول أبي الطيب المتنبي:
    ومَنْ يَكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مَرِيضٍ *** يَجدْ مُرّاً بهِ المَاءَ الزُّلالا.
    ومن جميل ما قاله الشيخ الهمام محمد بن هادي حفظه الله ووفقه في ذبه عن الشيخ ربيع حفظه الله:
    وقلت عن شيخي وعن علمه***منه لم تر زنة الخردل
    وهل يرى الأعمى الذي حوله***ولو كانت كالأجبل المثل.
    وهل يرى نور الحق، من أعمى الهوى والتعصب بصيرته؟ نسأل الله العفو والعافية.
    التعديل الأخير تم بواسطة مكي المهداوي; الساعة 2018-09-28, 04:02 PM.

    تعليق


    • #3
      بارك الله في كاتب المقال وناشره وجزاهم الله خيرا

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيراً .. وحفظ الله الشيخ العلامة محمد علي فركوس والشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي ..

        تعليق


        • #5
          نسأل الله السلامة والعافية من هذا المسلك الوخيم، الذي قد يورث الشقاق بين العلماء الربانيين، إذ ليس هذا مسلك الناصحين الحريصين على الخير لأمتهم.
          حفظ الله الشيخين وبارك في أعمارهما وأعمالهما، وجزى الله كاتبب هذا المقال وناشره خير الجزاء.
          غفر الله له

          تعليق


          • #6
            جزاك الله خيرا اثلجت قلوبنا ببيان منهج السلف
            رحم الله إمرأ عرف قدر نفسه

            تعليق


            • #7
              جزاك الله خيرا يا من كتبت هذا المقال العلمي الماتع وبارك الله فيك يا ناقل المقال وناشره

              تعليق


              • #8
                جزاك الله خيرا يا عبدالله لقد نصحت وبينت بما يكفي لرفع اللبس وإزالة الحيرة عن الشرشالي وأضرابه وما أكثرهم لكثرة شبهات القوم وتلبيساتهم، والحمد لله الذي سلَّم إخواننا وأبناءنا من هذا البلاء ونجاهم من شره، أسأل الله أن يثبتني وإياهم على الحق المبين

                تعليق


                • #9
                  جزاك الله خيرا..
                  و حفظ الله علماءنا و مشايخنا من كل سوء و بلاء.

                  تعليق

                  الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 0 زوار)
                  يعمل...
                  X