إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الفُرُوقُ العِلمِيَّةُ فِي المسَائِلِ المنهَجِيَّة (الحلقة الأولى)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الفُرُوقُ العِلمِيَّةُ فِي المسَائِلِ المنهَجِيَّة (الحلقة الأولى)

    الفُرُوقُ العِلمِيَّةُ فِي المسَائِلِ المنهَجِيَّة (الحلقة الأولى)

    بِسمِ الله الرَّحمَن الرَّحيم

    الحمد لله، نحمده و نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، و بعد:
    فهذه مجموعةٌ طيِّبةٌ من الفروق العلمية المتعلِّقةِ بالمسائل المنهجية، كتبتها إفادةً لنفسي و لإخواني، تأسِّيًا بمن كتب في الفروق في مختلف فنون العلم، كالقرافي صاحب الكتاب المشهور " أنوار البروق في أنواء الفروق "، جمع فيه عددًا لابأس به من الفروق العلمية المهمة، المتعلِّقة بمسائل الفقه و أصوله و قواعده، و كذا أبو هلال العسكري في كتابه " الفروق في اللغة " حيث جمع فيه فروقًا طيبة لكثيرٍ من المفردات اللغوية المستعملة في مختلف العلوم .
    قال في مقدمته: « ثم أني ما رأيت نوعًا من العلوم وفنًّا من الآداب إلا وقد صُنِّف فيه كتبٌ تجمعُ أطرافه، وتنظم أصنافَه، إلا الكلام في الفرق بين معانٍ تقاربت حتى أشكل الفرق بينها.. نحو العلم والمعرفة والفطنة والذكاء والارادة والمشيئة .. و ما شاكل ذلك، فإني ما رأيت في الفرق بين هذه المعاني و أشباهِها كتابًا يكفي الطالب ويقنع الراغب، مع كثرة منافعه فيما يؤدِّي إلى المعرفة بوجوه الكلام والوقوف على حقائق معانية، والوصول إلى الفرض فيه، فعملتُ كتابي هذا مشتملًا على ما تقع الكفاية به، من غير إطالة ولا تقصير »انتهى .
    و هذا الذي دفعني أنا أيضًا إلى كتابة هذه الرسالة، حيث لم أجد من أفرد ذكر الفروق المنهجية بالتأليف و الكتابة، مع عِظم نفعها، و كبير فائدتها، في تجلية كثيرٍ من المسائل المنهجية، التي بتصوُّر الفرق الصحيح فيها، تزول إشكالات عسيرة، و تُصحَّحُ فهومٌ ليست باليسيرة، و تُضبط قواعدُ و أصولٌ كثيرة .
    فاستعنت الله تعالى على جمع شتات هذه المسائل من بطون كتب أهل السنة، العقدية و المنهجية، و كتب الردود العلمية، فاجتمع لي من ذلك شيءٌ حسن، فعزمت على نشره بعد استخارة الله تعالى، في صفحات هذا المنتدى المبارك، على شكلِ حلقاتٍ تباعًا بعضها في إثر بعض، إلى أن يتم جمعها كلها بمشيئة الله تعالى في رسالة مفردة بعد الفراغ من نشر جميعها إذا يسَّر الله ذلك.
    و الله الموفق و الهادي إلى سواء السبيل، أسأله سبحانه و تعالى الإخلاص في القول و العمل، و في كلِّ ما آتي و أذر، و أن يجعل عملي كلُّه خالصًا لوجهه موافقًا لشرعه و لمرضاته .
    و إلى المقصود، و نستهلُّ كلامنا بالفصل الأول من هذا الجمع:

    الفصل الأول
    الفَرقُ بَينَ مَنهَجِ أَهلِ السُّنَّةِ و بَينَ المناهِجِ البِدعِيَّة المخَالِفَة و مَعَهُ فُرُوقٌ فِي مَسَائِلَ عَامَّةٍ ذَاتِ صِلَة

    و قد اشتمل على جملةٍ من المطالب، على النحو التالي:
    المطلب الأول
    الفَرقُ بينَ النيَّة الصَّحيحَة و النيَّة الفَاسِدَة

    وإنما بدأت بذكر الفرق بين النيَّة الصحيحة والفاسدة تذكيرًا لنفسي بوجوب تصحيح النيَّة قبل الشروع في كتابة الرسالة، فإن الإنسان إنما يؤجر ويثاب على عمله إذا أخلصه لله، ولذلك أوصى كثير من السلف بافتتاح الكتب والمؤلفات بحديث:« الأعمال بالنيَّات» المُخرَّج في " البخاري" برقم (1) وفي مواضع كثيرة من صحيحه، و مسلم برقم (1907) عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه .
    قال الإمام ابن رجب رحمه الله في "جامع العلوم والحكم"(ص61) في شرحه لهذا الحديث:« واتَّفقَ العُلماءُ على صحَّته وَتَلَقِّيهِ بالقَبولِ، وبه صدَّر البخاريُّ كتابَه " الصَّحيح "، وأقامه مقامَ الخُطبةِ له، إشارةً منه إلى أنَّ كلَّ عملٍ لا يُرادُ به وجهُ الله فهو باطلٌ، لا ثمرةَ له في الدُّنيا ولا في الآخرةِ، ولهذا قال عبدُ الرَّحمانِ بنُ مهدي: «لو صنَّفتُ الأبوابَ، لجعلتُ حديثَ عمرَ في الأعمالِ بالنِّيَّةِ في كلِّ بابٍ»، وعنه أنَّه قال:« مَنْ أَرادَ أنْ يصنِّفَ كتاباً، فليبدأ بحديثِ « الأعمال بالنيات »انتهى .
    وأما بالنسبة للفرق بين النية الصحيحة والفاسدة، فيقال في بيانه: إن النِّية الصحيحة مرادفة للإخلاص الذي معناه: أن يقصد المرء بعمله وجه الله عز وجل، والدار الآخرة، فإن أراد وقصد بعمله غير وجه الله تعالى، كأن يعمله رياء وسمعة، وطلبًا لمحمدة الناس وثنائهم مثلًا، فهذه هي حقيقة النية الفاسدة .
    قال الفضلُ بنُ زيادٍ كما في " جامع العلوم والحكم"(ص64): سألتُ أبا عبد الله - يعني: أحمدَ - عَنِ النِّيَّةِ في العملِ، قلت: كيف النيةُ؟ قالَ: « يُعالجُ نفسَه، إذا أراد عملاً لا يريدُ به النَّاس »انتهى .
    وقال الحافظ ابن رجب:« النِّيَّةُ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ تَقَعُ بِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فذكره، ثم قال:
    وَالْمَعْنَى الثَّانِي: بِمَعْنَى تَمْيِيزِ الْمَقْصُودِ بِالْعَمَلِ، وَهَلْ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَمْ غَيْرُهُ، أَمِ اللَّه وَغَيْرُهُ » [ " جامع العلوم والحكم"(ص65)] .
    ومن الآثار المترتبة على النِّيتين الصحيحة والفاسدة أنَّ «الْعَمَل فِي نَفْسِهِ صَلَاحهُ وَفَسَادهُ وَإِبَاحَتهُ بِحَسَبِ النِّيَّةِ الْحَامِلَةِ عَلَيْهِ، الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُودِهِ، وَثَوَابُ الْعَامِلِ وَعِقَابُهُ وَسَلَامَتُهُ بِحَسَبِ النِّيَّةِ الَّتِي بِهَا صَارَ الْعَمَلُ صَالِحًا أَوْ فَاسِدًا أَوْ مُبَاحًا »[" جامع العلوم والحكم"(ص65) ].
    أعاذنا الله من النِّيَّات الفاسدة، و وفقنا لإصلاح نيَّاتنا ومقاصدنا .

    المطلب الثاني
    الفرقُ بينَ الدَّعوةِ السَّلفيَّة و بين الدَّعواتِ البِدعيَّة المُحدَثة.

    ثمَّة فروقٌ كثيرةٌ بين الدَّعوة السَّلفية وبين غيرها من الدعوات البدعية المحدثة نقتصر منها على ثلاثة فروقٍ أساسية:
    الفرق الأوَّل: في باب الانتساب، فإن الدعوة السلفية لا تنتسب إلى شخص إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم و سُنَّته، ولا إلى منهج، إلا إلى منهج السلف الصالح الذين هم الصحابة والتابعون وتابعوهم بإحسان، بخلاف غيرها من الدعوات المحدثة فإنك تجدها منتسبةً إما إلى أشخاص كالجهمية: نسبة إلى الجهم بن صفوان، و القاديانية: نسبةً إلى الميرزا أحمد القادياني، وإما إلى بدعهم كالخوارج: نسبة إلى بدعة الخروج على الحكام، و المرجئة نسبةً إلى بدعة الإرجاء، وهكذا .
    قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله : « قيل لهم: أهل السنة والجماعة وأهل الحديث؛ لانتسابهم لسُنَّتِه دون المقالات كلِّها – لا ينتسبون إلى الجهمية، والأشعرية، والصوفية، والكلام الفارغ، هؤلاء يتنسبون لأهل الحديث وإلى السنة..؛ لأنَّ الإنسان لا ينسب لشيء إلاَّ لاتِّصاله به، بخلاف غيرهم فإنَّهم تباينت نسبتهم » [ رسالة "الفرقة الناجية أصولها وعقائدها"(ص:59-60)] .
    و في " الانتقاء " لابن عبد البر(ص 35) أن رجلا جاء إلى الإمام مالك، فقال: يا أبا عبد الله، أسألك عن مسألة أجعلك حجة فيما بيني وبين الله عز وجل، قال مالك: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، سل، قال: من أهل السنة؟، قال: « أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به، لا جهمي، ولا قدري، ولا رافضي » .
    الفرق الثَّاني: في المؤسِّس، فإنَّ الدعوة السلفية « لم يؤسِّسها أحد من البشر في أيِّ زمان أو مكان، فلم يكن الشيخ محمد بن عبد الوهاب المجدد الثالث للسلفية مع أخيه الإمام محمد بن سعود رحم الله الجميع مؤسِّسين للسلفية، ولا من قبلهما من أهل العلم وأئمة الدين ودعاة الحق إلى هذه الملة الحنيفية مؤسِّسين لها مثل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلامذته، ومن قبله كالأئمة الأربعة، ومن سمَّينا من الأئمة، ولا التابعون، ولا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، ولا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولا من مضى من قبله من النَّبيِّين والمرسلين مؤسِّسين للسلفية، بل هي من عند الله جاءت، فالنَّبيُّون والمرسلون بلَّغوا عن الله ما أراده من الشرع، ومن بعدهم دعاة إلى الله وفق هذه الشَّرْعِية » [" أصول وقواعد في المنهج السلفي" (ص7) للعلامة عبيد الجابري حفظه الله] .
    فالدعوة السلفية ليس لها مُؤسِّسٌ من البشر، وأعلامها مجدِّدون للسلفية و ليسوا لها بمُؤسِّسين، قال العلامة البشير الإبراهيمي رحمه الله: « إنَّ السنَّةَ لا تُسمَّى باسْمِ مَنْ أحياها »[ " آثار الإمام محمَّد البشير الإبراهيمي " (ظ،/ ظ،ظ¢ظ¤) ] .
    و ذلك بخلاف الدعوات البدعية، فلها مُؤسِّسون من البشر مما يدل على أنها محدثة وباطلة، فالدعوة الإخوانية مثلًا، أسَّسها: حسن البنا الصوفي .
    و الدعوة التبليغية أسَّسها: محمد إلياس الكاندهلوي الصوفي، وقس على ذلك، و فرقٌ واسعٌ و بونٌ شاسعٌ بين دعوةٍ نزل بها القرآن و جاء بها الرسول، و بين دعوة اختلقها بعضُ المنحرفين من بني آدم!.
    قال العلامة عبد المحسن العباد حفظه الله:« عقيدةَ أهل السنَّة والجماعة تمتازُ بالصّفاءِ والوضوحِ والخلوِّ مِن الغموض والتعقيد، وهي مستمدَّةٌ مِن نصوصِ الوحي كتاباً وسنَّةً، وكان عليها سلفُ الأمّة، وهي عقيدةٌ مطابقةٌ للفطرة، ويقْبَلُها العقلُ السليمُ الخالي مِن أمراضِ الشُّبهات، وذلك بخلاف العقائد الأخرى المتلقَّاةِ مِن آراء الرِّجال وأقوالِ المتكلِّمين، ففيها الغموضُ والتعقيدُ والخبطُ والخلط، وكيف لا يكون الفرقُ كبيراً والبَونُ شاسعاً بين عقيدةٍ نزل بها جبريلُ مِن الله إلى رسولِه الكريم، وبين عقائد متنوِّعة مختلفة خرج أصحابُها المبتدعون لها مِن الأرض، وخلقهم اللهُ من ماءٍ مهينٍ.
    فعقيدةُ أهل السنَّة والجماعة بَدَتْ وظهرتْ مع بعثة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ونزولِ الوحي عليه مِن ربِّه تعالى، وسار عليها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابُه الكرام ومَن تبعهم بإحسان، والعقائدُ الأخرى لا وجود لها في زمن النبوَّة، ولم يكن عليها الصحابةُ الكرام، بل قد وُلد بعضُها في زمانهم، وبعضُها بعد انقراض عصرهم، وهي مِن محدثاتِ الأمور التي حذّر منها الرسولُ صلى الله عليه وسلم، فقال: « وإيَّاكم ومحدَثاتِ الأمور؛ فإنَّ كلَّ محدَثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة »، وليس مِن المعقول ولا المقبول أن يُحجب حقٌّ عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، ويُدَّخَر لأُناسٍ يجيئون بعد أزمانهم، فتلك العقائد لو كان شيءٌ منها خيرًا لسبق إليه الصحابةُ، ولكنَّها شرٌّ حفِظهم اللهُ منه، وابتُليَ به مَن بعدَهم.
    والحقيقة الواضحة الجليَّة أنَّ الفرقَ بين عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة المتلقَّاة من الوحي، وبين عقائد المتكلِّمين المبنيَّة على آراء الرجال وعقولهم، كالفرق بين الله وخَلقه، ومثل ذلك ما يكون به القضاء والحكم، فإنَّه يُقال فيه: إنَّ الفرقَ بين الشريعة الإسلامية الرفيعة المنَزَّلة من الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وبين القوانين الوضعيَّة الوضيعة التي أحدثها البشر، كالفرق بين الله وخَلقه، { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } ، فما بال عقول كثير من الناس تغفلُ عن هذه الحقيقة الواضحة الجليَّة فيما يُعتقد، والحقيقة الواضحة الجليَّة فيما يُحكم به، فيستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟! »[ " قطف الجنى الداني شرح مقدمة ابن أبي زيد القيرواني "(ص: 1-2)] .
    هذا؛ و من أدلِّ الدلائل على بطلان الدعوات المخالفة لدعوة أهل السنة، و فسادها: أنها أُسِّست بعد أن لم تكن! و أنها لم تكن يومئذٍ دينًا! و لا عرفها الصحابة و التابعون، و لا كان عليها أئمة الإسلام، و قد قيل: و كلُّ خيرٍ في اتِّباع من سلف، و كلُّ شرٍّ في ابتداع من خلف .
    و من أقوال الإمام مالك المشهورة: « و ما لم يكن يومئذ دينًا لا يكون اليوم دينًا، و لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها »[ " التمهيد "] .
    و لسان حال المؤسِّس أنه أهدى سبيلًا من السابقين، و أن الأمة كانت في عماية و ضلال حتى ظهر فيها هذا المُحدِث فهداها الله بدعوته المُحدثة إلى الحقِّ المبين و الصراط المستقيم! و ما أحسن ما قاله الأذرميُّ في مناظرته لابن أبي دؤاد المعتزلي بحضرة الخليفة الواثق بالله، في مسألة خلق القرآن، حيث خاطبه مُستفسرًا إيَّاه عن بدعته و ضلالته: « هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، أو لم يعلموها ؟ قال: لم يعلموها ، قال : فشيء لم يعلمه هؤلاء علمته أنت ؟ قال الرجل : فإني أقول : قد علموها ، قال: فوسعهم أن لا يتكلموا به ، ولا يدعوا الناس إليه ، أم لم يسعهم ؟ قال : بلى وسعهم ، قال فشيء وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه لا يسعك أنت ؟ فانقطع الرجل، فقال الواثق: لا وسَّع الله على من لم يسعه ما و سعهم »[ " سير أعلام النبلاء "(11/312)، و " تاريخ بغداد "(10/75)، و القصة في " لمعة الاعتقاد " لابن قدامة، بألفاظ متقاربة ].
    الفرق الثالث: في مصادر التَّلقي، فإنَّ مصادر التلقي عند أهل السنة السلفيين الكتاب والسنة والإجماع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " العقيدة الواسطية " عن أهل السنة:« وَلِهَذَا سُمُّوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَسُمُّوا أَهْلَ الْجَمَاعَةِ؛ لأَنَّ الْجَمَاعَةَ هِيَ الاِجْتِمَاعُ، وَضِدُّهَا الْفُرْقَةُ، وَإِنْ كَانَ لَفْظُ الْجَمَاعَةِ قَدْ صَارَ اسْمًا لِنَفْسِ الْقَوْمِ الْمُجْتَمِعِينَ، وَالإِجِمَاعُ هُوَ الأَصْلُ الثَّالِثُ الَّذِي يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ وَالدينِ، وَهُمْ يَزِنُونَ بِهَذِه الأُصُولِ الثَّلاثَةِ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ النَّاسُ مِنْ أَقْوَالٍ وَأَعْمَالٍ بَاطِنَةٍ أَوْ ظَاهِرَةٍ مِمَّا لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدِّينِ »انتهى .
    و قال العلامة عبيد الجابري حفظه الله:« السلفية..، من عند الله..، و لهذا فإنه ليس لها مستند سوى النص والإجماع، فجميع أقوال الناس وأعمالهم ميزانها عندنا شيئان: النص والإجماع » [ رسالة " أصول وقواعد في المنهج السلفي" (ص7) ] .
    وأما بالنسبة لمصادر التلقي عند المخالفين لمنهج أهل السنة فتختلف باختلاف أصولهم و مذاهبهم، و يمكن تلخيصها عمومًا في: « تقديم الآراء والأهواء و العقول والكشف ونحو ذلك على النقل والشرع »[ انظر: " أصول مسائل العقيدة عند السلف و عند المبتدعة " (1/27) ] .
    قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله: « ميزات أهل الحديث؛ الذين علاقتهم بالله قائمة على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... معتقداتهم في جميع أبواب الدين مبنية على كتاب الله وعلى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وليس بناءً على العقول والآراء... .
    خلافًا للخوارج والروافض ومن سار على نهجهم؛ فإنهم لا يلتفتون إلى كتاب الله ولا لسنة رسول الله في عقائدهم، ولا في عباداتهم، ولا في مناهجهم، ولا في التعامل مع الحكام ولا مع العلماء ولا حتى مع المسلمين؛ تعاملاتهم تقوم على حسب الأهواء والعياذ بالله» [ "مجموعة الكتب و الرسائل " (2/240)] .
    و قال شيخنا العلامة محمد علي فركوس حفظه الله:« فكان هذا الصِّراطُ القويمُ المتمثِّلُ في طلبِ العلمِ بالمطالبِ الإلهيّةِ عن طريق الاستدلالِ بالآياتِ القرآنيّةِ والأحاديثِ النّبويّةِ، والاسترشادِ بفهمِ الصّحابةِ والتّابعين ومَن التزم بنهجِهم من العلماءِ، من أعظمِ ما يتميَّز به أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ عن أهلِ الأهواءِ والفُرقةِ.
    ومن مميِّزاتِهم الكبرى: عدمُ معارضتِهم الوحيَ بعقلٍ أو رأيٍ أو قياسٍ وتقديمُهم الشّرعَ على العقلِ . . .
    تلك هي أهمُّ قواعدِ المنهجِ السّلفيّ وخصائصِه الكبرى، التي لم يتَّصفْ بها أحدٌ سواهم؛ ذلك لأنَّ مصدرَ التّلقِّي عند مخالفيهم من أهلِ الأهواءِ والبدعِ هو العقلُ الذي أفسدتْه تُرَّهاتُ الفلاسفةِ، وخُزَعْبَلاتُ المناطقةِ، وتَمَحُّلاَت المتكلِّمين، فأفرطوا في تحكيمِ العقلِ وردِّ النّصوصِ ومعارضتِها به، وغيرِ ذلك مِمّا هو معلومٌ من مذهبِ الخلَفِ »[ من مقال منشور في الموقع الرسمي للشيخ بعنوان " العلاقة التلازمية بين العقيدة والمنهج " ] .

    المطلب الثالث
    الفَرقُ بينَ السَّلَف و الخَلَف

    إذا أُطلق لفظ السَّلف والخلف فالمراد بالسلف « صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأئمة الهدى من أهل القرون الثلاثة الأولى رضي الله عنهم »[ " فتاوى اللجنة الدائمة" (2/165)] .
    وأما الخلف فهم « من جاء بعد القرون المفضلة وسلك طريقة المبتدعين » [ " التحفة المهدية " (ص31)] .
    و قد يكون الرُّجل من الخلفِ من جهة الزَّمن لكونه ليس من القرون الثلاثة المفضلة، لكنه من السلف من جهة نهجه و معتقده، و لكونه سلفًا لمن جاء بعده كالإمام أحمد و شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، و تلاميذه، و غيرهم من أئمة السنة، فهم سلفٌ للمتأخرين من أهل السنة .
    كما أنَّ الرجل قد يكون من السلف من حيث الزمن لكونه عاش في أحد القرون الثلاثة الخيِّرة، لكنه من الخلف في معتقده و منهجه، كالجعد بن درهم، و الجهم بن صفوان، و واصل بن عطاء الغزال، و غيرهم من رؤوس الضلال .
    والواجب على المسلم الحذر من طريقة الخلف البدعية، و اتباع طريقة السلف في جميع أبواب الدين، قال الإمام الأوزاعي رحمه الله:« اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل فيما قالوا، وكف عما كفوا، واسلك سبيل سلفك الصالح ، فإنه يسعك ما وسعهم » ["الإبانة الكبرى" (1210)] .
    و قد عدَّ أئمة الإسلام اتباع السلف والاقتداء بهم و الحذر من بدع الخلف من الأصول الكبار التي يقوم عليها منهجهم.
    قال الإمام أحمد رحمه الله: في " مقدمة رسالته أصول السنة " : « أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، و الاقتداء بهم و ترك البدع » .
    المطلب الرابع
    الفرق بين انتسابِ أهل السُّنَّة و بين الانتِسَابِ إلى أهل السنة

    نقصِد بانتسابِ أهل السنة، أي من حيث كونهم جماعة إلى من ينتسبون؟ و قد سبق بيان ذلك في المطلب الأول .
    و أما الانتساب إلى أهل السنة و الجماعة السلفيين، فنعني به انتساب الأفراد إلى هذه الجماعة، و إلى هذه الدعوة، و هذا الانتساب قد يكون صحيحًا و قد يكون باطلًا، فليس كلُّ من انتسب إلى السُّنة صحَّت نسبته إليها، و ليس كلُّ من ادَّعى السلفية سُلِّم له في دعواه .
    فمن كان في عقيدته أو منهجه مخالفًا لما عليه أهل السنة، فلا يُقبل منه انتسابه إلى السنة، و هو مذمومٌ بذلك، و لا قيمة لدعواه و لا كرامة لأنَّ الدعاوى مالم تُقَم عليها البيِّنات فأهلها أدعياء.
    و أما من كان مستقيمًا على السنة في نفس الأمر، مطابقًا لها في عقيدته و منهجه و سائر شُئونِه، فقد أخذ النسبة التي ادَّعاها بحقِّها، فهنيئًا له، و لا ينبغي لأحدٍ أن يُنكِر عليه انتسابه إلى السنة و السلفية و حالته هذه .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى"(4/149): « لا عيبَ على من أظهر مذهب السلف، وانتسب إليه، واعتزى إليه؛ بل يجب قَبول ذلك منه اتفاقًا؛ فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقا »انتهى .
    فالانتساب إلى السنة و السلفية ممن كان صادقًا في انتسابه: مشروعٌ، لا عيب في إظهاره و الصَّدع به، و لا لوم على من فعله، بل قد صار ذلك من شعارات أهل الحق و السنة، كما أن ترك انتحال السنة و الاستنكاف عن الانتساب لمذهب السلف قد صار علامةً من علامات أهل البدع و الأهواء .
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في " الفتاوى"(4/155): « فَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ الْمَشْهُورِينَ مِنْ الطَّوَائِفِ - بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ - الْعَامَّةِ بِالْبِدْعَةِ لَيْسُوا مُنْتَحِلِينَ لِلسَّلَفِ، بَلْ أَشْهَرُ الطَّوَائِفِ بِالْبِدْعَةِ: الرَّافِضَةُ حَتَّى إنَّ الْعَامَّةَ لَا تَعْرِفُ مِنْ شَعَائِرِ الْبِدَعِ إلَّا الرَّفْضَ، وَالسُّنِّيَّ فِي اصْطِلَاحِهِمْ: مَنْ لَا يَكُونُ رافضيًا، وَذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مُخَالَفَةً لِلْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَلِمَعَانِي الْقُرْآنِ وَأَكْثَرُ قَدْحًا فِي سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَطَعْنًا فِي جُمْهُورِ الْأُمَّةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ فَلَمَّا كَانُوا أَبْعَدَ عَنْ مُتَابَعَةِ السَّلَفِ كَانُوا أَشْهَرَ بِالْبِدْعَةِ،
    فَعُلِمَ أَنَّ شِعَارَ أَهْلِ الْبِدَعِ: هُوَ تَرْكُ انْتِحَالِ اتِّبَاعِ السَّلَفِ..، إلى أن قال: « أَمَّا أَنْ
    يَكُونَ انْتِحَالُ السَّلَفِ مِنْ شَعَائِرِ أَهْلِ الْبِدَعِ: فَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا »انتهى.

    المطلب الخامس
    الفرقُ بين فهمِ السَّلفِ للنُّصوصِ و بين فهمِ غيرِهم .

    الفرق بين فهمِ السَّلف وبين فهمِ غيرِهم ممن جاء بعدهم للنصوص الشرعية كالفرق بين السلف وبين من بعدهم في الفضل!، و فضلهم على من بعدهم قد شهدت به النصوص و العقول، ومن هنا قُدِّم فهمهم على فهم من جاء بعدهم .
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله :« فَتَاوَى الصَّحَابَةِ أَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهَا مِنْ فَتَاوَى التَّابِعِينَ، وَفَتَاوَى التَّابِعِينَ أَوْلَى مِنْ فَتَاوَى تَابِعِي التَّابِعِينَ، وَهَلُمَّ جَرًّا..
    فَإِنَّ التَّفَاوُتَ بَيْنَ عُلُومِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ كَالتَّفَاوُتِ الَّذِي بَيْنَهُمْ فِي الْفَضْلِ وَالدِّينِ » .
    وقال رحمه الله مُبيِّنًا سِرَّ تقديم فهم السلف على غيرهم:« فَصْلٌ فِي الرَّأْيِ الْمَحْمُودِ، وَهُوَ أَنْوَاعٌ :
    النَّوْعُ الْأَوَّلُ: رَأْيُ أَفْقَهِ الْأُمَّةِ، وَأَبَرِّ الْأُمَّةِ قُلُوبًا، وَأَعْمَقِهِمْ عِلْمًا، وَأَقَلِّهِمْ تَكَلُّفًا، وَأَصَحِّهِمْ قُصُودًا، وَأَكْمَلِهِمْ فِطْرَةً، وَأَتَمِّهِمْ إدْرَاكًا، وَأَصْفَاهُمْ أَذْهَانًا، الَّذِي شَاهَدُوا التَّنْزِيلَ، وَعَرَفُوا التَّأْوِيلَ، وَفَهِمُوا مَقَاصِدَ الرَّسُولِ؛ فَنِسْبَةُ آرَائِهِمْ وَعُلُومِهِمْ وَقُصُودُهُمْ إلَى مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُول صلى الله عليه وسلم، كَنِسْبَتِهِمْ إلَى صُحْبَتِهِ؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي ذَلِكَ كَالْفَرْقِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ فِي الْفَضْلِ؛ فَنِسْبَةُ رَأْيِ مَنْ بَعْدَهُمْ إلَى رَأْيِهِمْ كَنِسْبَةِ قَدْرِهِمْ إلَى قَدْرِهِمْ.
    قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي " رِسَالَتِهِ الْبَغْدَادِيَّةِ" الَّتِي رَوَاهَا عَنْهُ الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الزَّعْفَرَانِيُّ، وَهَذَا لَفْظُهُ: « وَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي الْقُرْآنِ وَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، وَسَبَقَ لَهُمْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، مِنْ الْفَضْلِ مَا لَيْسَ لِأَحَدٍ بَعْدَهُمْ، فَرَحِمَهُمْ اللَّهُ وَهَنَّأَهُمْ بِمَا آتَاهُمْ مِنْ ذَلِكَ بِبُلُوغِ أَعْلَى مَنَازِلِ الصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، أَدَّوْا إلَيْنَا سُنَنَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَشَاهَدُوهُ وَالْوَحْيُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ فَعَلِمُوا مَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، عَامًّا وَخَاصًّا وَعَزْمًا وَإِرْشَادًا، وَعَرَفُوا مِنْ سُنَّتِهِ مَا عَرَفْنَا وَجَهلِنَا، وَهُمْ فَوْقَنَا فِي كُلِّ عِلْمٍ وَاجْتِهَادٍ وَوَرَعٍ وَعَقْلٍ وَأَمْرٍ اُسْتُدْرِكَ بِهِ عِلْمٌ وَاسْتُنْبِطَ بِهِ، وَآرَاؤُهُمْ لَنَا أَحْمَدُ، وَأَوْلَى بِنَا مِنْ رَأْيِنَا عِنْدَ أَنْفُسِنَا..، إلى أن قال: « والمقصود أن أحدًا ممن بعدهم لا يساويهم في رأيهم..»[ "إعلام الموقعين " (1/63/64)] .
    المطلب السادس
    الفرقُ بينَ عُلماءِ أَهلِ السُّنة و الجماعة و بينَ عُلماءِ أَهلِ البِدعِ و الضَّلال

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم " منهاج السنة "(5/158): « وأهل السنة، نقاوةُ المسلمين فهم خيرُ النَّاس للنَّاس » .
    فإذا كان أهل السنة هم نقاوة المسلمين، فلاشكَّ أن علماءهم هم صفوة هذه النقاوة، بل هم خيار هذه الصفوة النقيَّة! و قد شهد لهم بهذا المخالف، قبل الموافق، إلا من كابر منهم .
    و من الفروق بين علماء أهل السنة و علماء أهل البدع و هي كثيرةٌ جدًّا، أن علماء السنة مظاهِر، و علماءُ البِدعة مصادر!
    علماء السنة مظاهر، ظهرت بهم السنة، و ظهرت عليهم السنة، في أقوالهم و أفعالهم، و دعوتهم، فهم لها مظاهر .
    و علماء البدعة مصادر، عنهم صدرت البدعة، و الفرقة [ " من محاضرة سمعية للعلامة محمد بن هادي المدخلي حفظه الله بعنوان: " نصيحة لطلاب الجامعة الإسلامية " ] .
    * علماء السنة علماء مِلَّة ينشرون الإسلام و السنة، و يفتون بالعلم، لا يبالون أوافق أهواء الناس أم خالفها .
    و علماء البدعة، علماء أُمَّة، يُفتون بما يُرضي الناس، و يُحرِّفون نصوص الكتاب و السنة لِتُوافِق أهواء الناس، [" شرح رياض الصالحين" للعلامة العثيمين (4/307)] .
    * علماء السنة يُقدِّمون النصوص الشرعية على أقوالهم، و على اجتهاداتهم و اجتهادات غيرهم، و علماء البدعة يُقدِّمون أهواءهم و تخرُّصاتهم على النَّص .
    قال الحافظ ابن رجب رحمه الله :«..فلهذا كان أئمة السلف المجمع على علمهم وفضلهم..، يُوصون أصحابهم وأتباعهم بقبول الحق إذا ظهر في غير قولهم..،
    وكان الشافعيُّ يبالغُ في هذا المعنى، ويوصي أصحابه باتِّباع الحقِّ، وقبول السُّنة إذا ظهرت لهم على خلاف قوله، وأن يُضرب بقوله حينئذٍ الحائط» [ " الفرق بين النصيحة و التعيير"] .
    * علماء السنة يقولون: إذا وردَ النَّقلُ سلَّم العقلُ، و علماء البدعة يقولون: إذا ورد النَّقلُ حكم العقل، فيجعلون عقولهم حاكمةً على الشَّرع، و لا يُعوِّلون على النصوص الشرعية في بناء عقائدهم و مناهجهم كما يفعله علماء السنة، بل على أذواقهم، و عقولهم و أهوائهم، و مزاجهم .
    قال أ أَبُو المظفر السَّمْعَانِي رحمه الله كما في" الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة "(1/347):« وَاعْلَم: أَن فصل مَا بَيْننَا وَبَين المبتدعة هُوَ مَسْأَلَة الْعقل فإِنهم أسَّسوا دينهم عَلَى الْمَعْقُول، وَجعلُوا الِاتِّبَاع والمأثور تبعًا للمعقول، وَأمَّا أهل السُّنة؛ قَالُوا: الأَصْل فِي الدِّين الِاتِّبَاع والمعقول تبع، وَلَو كَانَ أساس الدِّين عَلَى الْمَعْقُول لَا استغنى الخلق عَنِ الْوَحْي، وَعَن الْأَنْبِيَاء، ولبطل معنى الْأَمر وَالنَّهْي، ولقال من شَاءَ مَا شَاءَ » اهـ
    * علماء السنة يتقيَّدون بفهم السلف الصالح للنصوص الشرعية، أما علماء البدعة فإنَّهم لا يرفعون رأسًا بفهم السلف للنصوص، بل يعتدُّون بأفهامهم القاصرة، وعقولهم الفاسدة، و ينتقصون السلف، و يُخالفون فهمهم السليم، بأفهامهم المُعوجَّة .
    قال الحافظ ابنُ رَجَب رحمه الله: «وقد ابتلينا بجَهَلةٍ من النَّاس يعتقدون في بعض من توسع في القول من المتأخرين أنه أعلم ممن تقدم؛ فمنهم من يظن في شخص أنه أعلم من كلِّ من تقدَّم من الصحابة ومن بعدهم لكثرة بيانه ومقاله، ومنهم من يقول هو أعلم من الفقهاء المشهورين المتبوعين..،. وهذا تنقُّص عظيم بالسلف الصالح وإساءة ظنٍّ بهم ونسبته لهم إلى الجهل وقصور العلم..، فلا يوجد في كلام من بعدهم من حق إلَّا وهو في كلامهم موجود بأوجز لفظ وأخصر عبارة، ولا يوجد في كلام من بعدهم من باطل إلَّا وفي كلامهم ما يُبين بطلانه لمن فهمه وتأمله، ويوجد في كلامهم من المعاني البديعة والمآخذ الدقيقة ما لا يهتدي إليه من بعدهم ولا يلم به، فمن لم يأخذ العلم من كلامهم فاته ذلك الخير كلِّه مع ما يقع في كثير من الباطل متابعةً لمن تأخر عنهم »[ " فضل علم السلف على علم الخلف" ].
    و قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله :« نحن يجب علينا أن نأخذ بفهمهم، وإذا خالفنا فهمهم هلكنا؛ ولهذا أول من هلك الخوارج، وسماهم الرسول صلى الله عليه وسلم: « كلاب النار..، شرُّ الخلق و الخليقة..، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم.. » لماذا؟ لأنهم احتقروا فهم الصحابة، واعتمدوا على أفهامهم السقيمة، فضلوا وأضلوا، وأهلكوا أنفسهم، وخلفوا في الأمة شرًّا وبلاءً عظيماً .
    فلابد من احترام فهم السلف، والثبات عليه، والتمسك به، والعض عليه بالنواجذ » [ " مجموعة الكتب و الرسائل "(15/30) ] .
    * علماء السنة يقِفون عند النصوص الشرعية من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لا يتعدَّونها، و لا يتعمَّدون مخالفتها، و لا يحصل منهم ذلك إلا على سبيل الخطأ، بخلاف علماء أهل البدع، فإنهم لا يتقيَّدون بنصوص الكتاب و السنة، كما لا يتقيَّدون بفهم السلف لها، و يُحِّرفونها عن معانيها الصحيحة بالتفسيرات الباطلة، و التَّأويلات البعيدة .
    قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله: « للأئمة خلافات لبعض الأحاديث الصحيحة؛ لكن ليس ذلك منهم تعمدًا، ومن ظنَّ أن عالماً من أئمة الإسلام المعتبرين عند الأمة ولهم قدم الصدق في الإسلام، أو اعتقد فيهم أنهم يتعمدون مخالفة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهذا قد أساء إلى الإسلام وإلى المسلمين! لا يجوز أن يظن بهم هذا .
    ولهذا ألف شيخ الإسلام رحمه الله في هذه القضية كتابا سماه: «رفع الملام عن الأئمة الأعلام» وجاء فيه بأعذار للأئمة في الأحاديث التي خالفوها... .
    لهذا يجب أن نفرق بين أئمة السنة المشهود لهم بالسنة والإمامة في الدين وبين أهل الأهواء، أهل الأهواء يتعمدون مخالفة الكتاب والسنة! والأئمة الأعلام الراسخون في العلم المجتهدون بحق؛ هؤلاء لا يخالفون ولا يتعمدون مخالفة نصوص الكتاب والسنة رحمهم الله تعالى »[ " مجموعة الكتب و الرسائل " (2/107-108) ] .
    المطلب السابع
    الفرقُ بينَ لَفظِ السَّلف مِن حَيثُ الزَّمن، وَ بَينَ لَفظِ السَّلف مِن حَيثُ المعتَقَد
    .
    السَّلف من حيث الزمن هم القرون الثلاثة الأولى المفضلة التي شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخيرية كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري (2087)، و مسلم (1606) عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: « خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته »، وأما السَّلف من جهة المعتقد فهم كل من اعتقد عقيدة السلف الصالح في كل زمان ومكان إلى قيام الساعة [ انظر: " الاستقامة " لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (1/105) و " شرح الواسطية " (ص54) للعلامة العثيمين رحمه الله] .
    قال شيخنا العلامة محمد علي فركوس حفظه الله:« و بهذا يُعلم أن السلفية نسبةٌ إلى السلف الصالح الذي لا يُطلق على مرحلة السبق الزمني فحسب، بل هو اصطلاح جامعٌ لمعانٍ متكاملة تُطلق- من جهة- للدلالة على منهج السلف الصالح في تلقي الإسلام و فهمه و العمل به، كما تُطلق - من جهة أخرى –
    للدلالة على من حافظ على سلامة العقيدة و اتِّباع التشريع و العبادة و العمل بها وفق ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه »[ " مجالس تذكيرية "(ص292)].
    و قال حفظه الله:« السلفيةَ تُطلَقُ ويرادُ بها أحد المعنيين:
    الأوَّل: مرحلةٌ تاريخيةٌ معيَّنةٌ تختصُّ بأهل القرون الثلاثة المفضَّلة، لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» [ متفق عليه]، وهذه الحِقبة التاريخيةُ لا يصحُّ الانتساب إليها لانتهائها بموت رجالها.
    والثاني: الطريقةُ التي كان عليها الصحابةُ والتابعون ومَن تبعهم بإحسانٍ مِن التمسُّك بالكتاب والسُّنَّة وتقديمِهما على ما سواهما، والعملِ بهما على مقتضى فهم السلف الصالح، والمرادُ بهم: الصحابة والتابعون وأتباعهم من أئمَّة الهدى ومصابيحِ الدُّجَى، الذين اتَّفقتِ الأُمَّة على إمامتهم وعدالتهم، وتَلَقَّى المسلمون كلامَهم بالرِّضا والقَبول كالأئمَّة الأربعة، والليثِ ابنِ سَعْدٍ، والسُّفيانَين، وإبراهيمَ النَّخَعِيِّ، والبخاريِّ، ومسلمٍ وغيرِهم، دون أهلِ الأهواء والبدعِ ممَّن رُمي ببدعةٍ أو شُهِرَ بلقبٍ غيرِ مرضيٍّ، مثل: الخوارج والروافض والمعتزلة والجبرية وسائر الفِرَق الضالَّة. وهي بهذا الإطلاق تُعَدُّ منهاجًا باقيًا إلى قيام الساعة، ويصحُّ الانتسابُ إليه إذا ما التُزِمت شروطُهُ وقواعِدُهُ، فالسلفيون هم السائرون على نهجهم المُقْتَفُونَ أثرَهم إلى أن يَرِثَ اللهُ الأرضَ ومَن عليها، سواءٌ كانوا فقهاءَ أو محدِّثين أو مفسِّرين أو غيرَهم، ما دام أنهم قد التزموا بما كان عليه سلفُهم من الاعتقاد الصحيح بالنصِّ من الكتاب والسنَّة وإجماع الأمَّة والتمسُّك بموجبها من الأقوال والأعمال لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»[ أخرجه مسلم ] »[ الكلمة الشهرية رقم:(22) "السلفية منهجُ الإسلام وليسَتْ دعوةَ تحزُّبٍ وتفرُّقٍ وفساد" نقلًا عن الموقع الرسمي للشيخ حفظه الله].
    المطلب الثامن
    الفرقُ بينَ المعنَى العَام لمصطلَحِ أَهلِ السُّنةِ وبينَ معناهُ الخَاص

    سُئل العلامة ربيع المدخلي حفظه الله: هل لكلمة « أهل السنة والجماعة » معنيان، عام وخاص؟
    فأجاب: « العام اصطلاح العوام، وأشار ابن تيمية إلى ذلك، يعني العوام إذا ذكر عندهم أهل البدع لا يتبادر إلى ذهنهم إلا الروافض، وأما أهل السنة فهم الطائفة المنصورة الذين هم على ما عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، وأما الأشاعرة والصوفية وعباد القبور وغيرهم ممن ينتسبون إلى السنة، فهؤلاء ليسوا من أهل السنة، بل هم أهل بدع» [ " مجموعة كتب ورسائل الشيخ ربيع" (14-169)] .
    وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الذي أشار إليه العلامة ربيع المدخلي حفظه الله في تفريق العوام بين المعنى العام و المعنى الخاص لمصطلح أهل السنة هو في " مجموع الفتاوى " (3/356) حيث قال رحمه الله:« فجمهور العامة لا تعرف ضد السُّنِّي إلا الرَّافضي؛ فإذا قال أحدهم: أنا سُنِّي فإنَّما؛ معناه: لست رافضيًّا » .
    و قال رحمه الله في " منهاج السنة "(2/104):« فلفظ أهل السنة يراد به من أثبت خلافة الخلفاء الثلاثة، فيدخل في ذلك جميع الطوائف إلا الرافضة، وقد يراد به أهل الحديث والسنة المحضة فلا يدخل فيه إلا من يثبت الصفات لله تعالى ويقول إن القرآن غير مخلوق، وإن الله يرى في الآخرة، ويثبت القدر، وغير ذلك من الأصول المعروفة عند أهل الحديث والسنة
    وهذا الرافضي -يعني المصنف- جعل أهل السنة بالاصطلاح الأول، وهو اصطلاح العامة، كل من ليس برافضي قالوا هو من أهل السنة.. . » .
    و قال شيخنا العلامة محمد علي فركوس حفظه الله:« فمِنَ المعلوم أنَّ مُصطلَحَ «أهلِ السُّنَّة والجماعة» ـ بالمعنى العامِّ ـ يُطلَقُ على ما يُقابِل الشيعة؛ فتدخل الفِرَقُ المُنتسِبةُ إلى الإسلام في مفهوم أهل السنَّة، الذي يُرادُ به: « مَنْ أَثبتَ خلافةَ الخلفاء الثلاثة؛ فيدخل في ذلك جميعُ الطوائف إلَّا الرافضة » .
    أمَّا إطلاقُ مُصطلَحِ «أهل السنَّة» ـ بالمعنى الخاصِّ ـ فإنما يُرادُ به ما يُقابِل أهلَ البِدَع والأهواء؛ فلا يدخل في مفهومِ أهلِ السنَّة إلَّا مَنْ يُثبِتُ الأصولَ المعروفة عند أهل الحديث والسنَّة، دون أصحاب المقالات المُحدَثة مِنْ أهل الأهواء والبِدَع »[ من مقال " تسليط الأضواء على أنَّ مذهبَ أهلِ السُّنَّة لا يَنتسِبُ إليه أهلُ الأهواء"، و فيه عزا أصل الكلام لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ] .

    المطلب التاسع
    الفرقُ بين ما يُضاف إلى أهل السنة من أسماءٍ و ألقابٍ

    لأهل السنة والجماعة عددٌ من الألقاب منها ما هو مرضيٌّ عندهم، و منها ما ليس كذلك .
    أمَّا الألقاب المرضية عند أهل السنة فهي الألقاب التي اشتهروا بها وتميَّزوا بها عن أهل البدع والأهواء، ومنها: أهل الحديث، والطائفة المنصورة، والفرقة الناجية، و السَّلفيُّون، و الغرباء..، و ما إلى ذلك، وكلها أسماء لمسمًّى واحد، وأوصاف لموصوف واحد، و كلها شرعية مستمدة من نصوص الشرع .
    قال شيخنا العلامة محمد علي فركوس حفظه الله:« هذا، وللسلفية ألقابٌ وأسماءٌ تُعْرَف بها، تنصبُّ في معنًى واحدٍ، فهي تتَّفق ولا تفترق وتأتلف ولا تختلف» .
    ثم بيَّن حفظه الله مصدر هذه الألقاب و الأسماء و استمدادها، فقال:
    « منها: «أصحاب الحديث والأثر» أو «أهل السُّنَّة» لاشتغالهم بحديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وآثار أصحابه الكرام رضي الله عنهم مع العمل على التمييز بين صحيحِها وسقيمها وفهمها وإدراك أحكامها ومعانيها، والعملِ بمقتضاها، والاحتجاجِ بها. وتسمَّى ï؛‘ «الفرقة الناجية» لأنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إِنَّ بَنِي إِسرائيلَ افْتَرَقُوا على إِحْدَى وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً» فقيل له: ما الواحدة ؟ قال: «مَا أَنَا عَلَيْهِ اليَوْمَ وَأَصْحَابِي»[" السلسلة الصحيحة " (ظ،/ ظ¤ظ*ظ§)]، وتسمَّى ـ أيضًا ـ ï؛‘ «الطائفة المنصورة» لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ»[ مسلم (ظ،ظ©ظ¢ظ*)]، وتسمَّى ï؛‘ «أهل السُّنَّة والجماعة» لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «يَدُ اللهِ مَعَ الجَمَاعَةِ»[صحَّحه الألباني في «المشكاة» الهامش رقم (ظ¥)]، وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً»[ البخاري (ظ§ظ*ظ¥ظ¤)، ومسلم (ظ،ظ¨ظ¤ظ©)]، وفي قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: «كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ الجَمَاعَةُ»[ " السلسلة الصحيحة " (ظ¢ظ*ظ¤)]، والمراد بالجماعة هي الموافِقةُ للحقِّ الذي كانت عليه الجماعةُ الأولى: جماعةُ الصحابة رضي الله عنهم »[ الكلمة الشهرية رقم:(22) "السلفية منهجُ الإسلام وليسَتْ دعوةَ تحزُّبٍ وتفرُّقٍ وفساد" نقلًا عن الموقع الرسمي للشيخ حفظه الله].
    فالحاصل أن هذه الألقاب التي اشتهر بها أهل السنة كلُّها ألقابٌ شرعية، مستمدة من الكتاب والسنة، وهي مرضية ومقبولة عندهم، لا يتحرَّجون ألبتة في التَّسمي بها، و لا في تلقيبهم بها .
    قال الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله:« إنها ألقاب، منها ما هو ثابت بالسنة الصحيحة، و منها ما لم يبرز إلا في مواجهة أهل الأهواء و الفرق الضالة لردِّ بدعتهم، و التمييز عنهم، و إبعاد الخلطة بهم و لمُنابذتهم، فلما ظهرت البدعة تميَّزوا بالسنة، و لمَّا حُكِّم الرَّأي تميَّزوا بالحديث و الأثر، و لمَّا فشت البدع و الأهواء في الخلوف تميَّزوا بهدي السلف »[ " حكم الانتماء "(ص27)] .
    و أمَّا الألقاب الغير مرضية عندهم فهي الألقاب التي نبزهم بها خصومهم من أهل البدع والأهواء، بهتانًا وزورًا، و هي ليست بألقاب شرعية، بل هي من جنس ما كان المشركون يُلقِّبون به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز تسميتهم وتلقيبهم بها بحال من الأحوال، لأنَّ ذلك من الإفك و الظلم و العدوان .
    و من تلك الألقاب: ما ذكره الإمام الصابوني في " عقيدة السلف وأصحاب الحديث" و غيره: كالحشوية، و المجسمة، و النواصب، و المرجئة، و النابتة و المجبرة، و من الألقاب المُعاصرة: الوهابية و الجامية و المدخلية و نحو ذلك من هذه الألقاب الباطلة .
    قال العلامة ربيع المدخلي حفظه الله:« أهل السنة لا ينتسبون إلا للكتاب والسنة، لا يتنسبون إلى فلان وفلان، ويحاولوا أن يرمونا بهذه الألقاب، وهابي، جامي، فلان..هذا كذب، نحن دعاة إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
    ونسمي أنفسنا أهل الحديث، نسبة إلى أهل الحديث، ونسمي أنفسنا أهل السنة، ولا نقول، لا جامية، ولا بازية، ولا ألبانية، ولا ربيعية، ولا ولا ...، وهذه من الأ كاذيب .
    والذي ينسب أهل السنة إلى فلان وفلان فقد ظلم وافترى» [" مجموع كتب و رسائل الشيخ ربيع" (15/186) ] .
    و قال شيخنا العلامة محمد علي فركوس حفظه الله:« إنَّ استصغارَ أهلِ السُّنَّة والجماعة والتنقُّصَ من قدرهم بنبزهم «بالوهَّابية» تارةً، و «علماء البَلاط» تارةً، و «الحشوية» تارةً، و «أصحاب حواشٍ وفروع» تارةً، و«علماء الحيض والنفاس» تارةً، و «جهلة فقه الواقع» تارةً، و «تَلَفِيُّون أتباع ذنب بغلة السلطان» تارةً، و «العُملاء» تارةً، و «علماء السلاطين»، ما هي إلَّا سُنَّة المبطلين الطاعنين في أهل السُّنَّة السلفيين، ولا تزال سلسلة الفساد متَّصلةً لا تنقطع يجترُّها المرضى بفساد الاعتقاد، يطلقون عباراتهم الفَجَّة في حقِّ أهل السُّنَّة والجماعة، ويلصقون التهم الكاذبة بأهل الهدى والبصيرة، لإبعاد الناس عن دعوتهم، وتنفيرهم عنها وصدِّهم عمَّا دعَوْا إليه، والنظر إليهم بعين الاحتقار والسخط والاستصغار » [الكلمة الشهرية رقم:(21) " نقد وتوضيح في تحديد أهل الإصلاح وسبب تفرق الأمة "] .
    و من جنس هذه الألقاب الباطلة التي يُلقِّب المُخالفون بها أهل السنة: بعض التقسيمات الاصطلاحية الفاسدة التي أحدثها المُغرضون المبغضون لدعوة الحق، تشويهًا لهذه الدعوة و تنفيرًا عنها و عن أهلها .
    قال شيخنا العلامة محمد علي فركوس حفظه الله في مقاله الفذ " الدعوة السلفية السنِّيَّة وعقباتٌ في طريق النهوض بها ": « ...ومِنْ هذه العَقَبات.. » فذكر منها ثلاثًا، ثم قال:
    « رابعًا: تَسلُّلُ تقسيماتٍ اصطلاحيةٍ باطلةٍ ابتدعها المُغْرِضُونَ للدعوة السلفية والمُناوِئون لها، وأهلُ أحزاب المَناهِجِ الدعوية وشِيعَتُهم يعملون على تفعيلها في وسط الساحة الدعوية: كتقسيم السلفية إلى: سلفيةٍ وطنيةٍ، أي: المُوالِية للسلطة، وتُقابِلها: السلفية الجهادية، أي: المُعادِية لها؛ وسلفيةٍ تجديديةٍ أي: الداخلة في مُعْترَكِ السياسة والأحزاب، وتُقابِلُها: سلفيةٌ تقليـديةٌ وهي السلفية العلمية، ناهيـك عن الألقاب والنعوت والمَعايِبِ الكاذبة التي ما أَنْزَلَ اللهُ بها مِنْ سلطانٍ، وأَكْثَرُها انتشارًا كلمةُ: «الوهَّابية»؛ بغيةَ إضعافِ تأثيرِ الدعوة السلفية في نفوس المَدْعُوِّينَ، وتنفيرِ العامَّة وإبعادِهم عنها، وشَقِّ الصفِّ السلفيِّ؛ جريًا على القاعدة الاستعمارية: فَرِّقْ تَسُدْ»[ الكلمة الشهرية رقم: (104) نقلًا عن " الموقع الرسمي للشيخ حفظه الله" ] .
    فإن قيل: لماذا لا يكتفي أهل السنة بتسمية أنفسهم بما سماهم الله به؟ لماذا تسمَّوا بهذه الأسماء و لقَّبوا أنفسهم بهذه الألقاب؟ أليس فيما سماهم الله و وصفهم به غنية عن هذه الأسماء و الألقاب؟
    قلنا : الجواب على هذا، قد أجمله الشيخ بكر أبو زيد رحمه الله فقال:« و قد كان المسلمون –و هم الصحابة رضي الله عنهم- قبل بزوغ بذرة التفرُّق و الانشقاق ليس لهم اسمٌ يتميزون به؛ لأنهم كما ذكر يُمثلون الإسلام، و الامتداد الطبعي له، لكن لما حصلت تلك الفرق الضالة..، منتسبة إلى الإسلام منشقة عن العمود الفقري للمسلمين ظهرت ألقابهم الشرعية المميِّزة لجماعة المسلمين، لنفي الفرق و الأهواء عنهم، سواء ما كان من الأسماء ثابتًا لهم بأصل الشرع:
    الجماعة، جماعة المسلمين، الفرقة الناجية، الطائفة المنصورة، أو بواسطة التزامهم بالسنن أمام أهل البدع، و لهذا حصل الربط لهم بالصدر الأول فقيل لهم: السلف، أهل الحديث، أهل الأثر، أهل السنة و الجماعة .
    و هذه الألقاب الشريفة تُخالف أي لقب كان لأيِّ فرقة كانت » إلى أن قال: « و من الملاحظ أنه لو كانت الأمة في قالب الإسلام الصحيح، خالية من البدع و الأهواء كما كان الصدر الأول، و مقدمة السلف الصالح لغابت هذه الألقاب المُميِّزة لعدم وجود المناهض لها »[ " حكم الانتماء "(ص26-27)] .
    و قال شيخنا العلامة محمد علي فركوس حفظه الله:« واللهُ سبحانه وتعالى إِذْ سَمَّى في كتابه الكريمِ الرعيلَ الأوَّلَ «المسلمين» فلأنَّ هذه التسميةَ جاءت مطابقةً لِما كانوا عليه من التزامهم بالإسلام المصفَّى عقيدةً وشريعةً، فلم يكونوا بحاجةٍ إلى تسميةٍ خاصَّةٍ إلَّا ما سمَّاهم اللهُ به تمييزًا لهم عمَّا كان موجودًا في زمانهم من جنس أهل الكفر والضلال، لكنَّ ما أحدثه الناس بعدهم في الإسلام من حوادثَ وبدعٍ وغيرها ممَّا ليس منه، سلكوا بها طُرُقَ الزيغ والضلال، فتفرَّقت بهم عن سبيل الحقِّ وصراطه المستقيم، فاقتضى الحالُ ودَعَتِ الحاجةُ إلى تسميةٍ مُطابقةٍ لِمَا وَصَفَ به النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم الفرقةَ الناجيةَ بقوله: «مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي»، ومتميِّزةٍ عن سُبُل أهل الأهواء والبدع ليستبين أهلُ الهدى من أهل الضلال »[ الكلمة الشهرية رقم:(22) "السلفية منهجُ الإسلام وليسَتْ دعوةَ تحزُّبٍ وتفرُّقٍ وفساد" نقلًا عن الموقع الرسمي للشيخ حفظه الله].
    و قال العلامة أمان الجامي رحمه الله: « عند ما نطلق كلمة السلف إنما نعني بها من الناحية الاصطلاحية: أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين حضروا عصره فأخذوا منه هذا الدِّين مباشرةً غضًّا طريًّا في أصوله وفروعه، كما يدخل في هذا الاصطلاح التابعون لهم الذين ورثوا علمهم قبل أن يطول عليه الأمد، والذين شملتهم شهادة الرسول لهم وثناؤه عليهم بأنهم « خير الناس ».. ، كما يشمل الاصطلاح تابعي التابعين.
    وهو لفظ مصطلح عليه، وقد ظهر هذا الاصطلاح، واشتهر حين ظهر النزاع ودار حول أصول الدين بين الفرق الكلامية، وحاول الجميع الانتساب إلى السلف وأعلن أن ما هو عليه هو ما كان عليه السلف الصالح، فإذاً لا بد أن تظهر والحالة هذه أسس وقواعد واضحة المعالم وثابتة للاتجاه السلفي حتى لا يلتبس الأمر على كل من يريد الاقتداء بهم، وينسج على منوالهم »[ " الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه" (ص 43)] .


    المطلب العاشر
    الفرقُ بينَ مَنهجِ أَهلِ السُّنة و الجماعَة و بَين أَفرادِه الملتَزمِين بِه .

    منهج أهل السنة من حيث هو منهجٌ، يُمثِّلُ الإسلام الصحيح الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، و هو منهجٌ معصوم؛ لأنه دين الله الذي شرعه لعباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
    وليس كذلك الشأن في أتباعه الملتزمين به، فهم ليسوا بمعصومين كعصمة المنهج الذي ينتمون إليه، بل يخطئون ويصيبون، فإذا أخطأ الواحد منهم ولو كان من كُبرائهم، فلا ينسب خطؤه إلى المنهج السلفي، بل هو قاصرٌ على صاحبه لا يتعداه، و لا يتحمَّله إلا هو شخصيًّا؛ لأنَّ المنهج السلفي لا يتحمل أخطاء أتباعه الغير معصومين، بل إن خطأ الواحد من السلفيين لا يتحمله سلفيٌّ آخر، فكيف يُحمَّل المنهج السلفي أخطاء بعض أفراده ؟!
    قال شيخنا العلامة محمد علي فركوس حفظه الله:« أمَّا من شذَّ من أهل السُّنَّة فداهن حاكمًا بباطلٍ، أو مدحه على معصيةٍ بنفاقٍ، فإنه لا يُمثِّل فيه سوى نفسه، وأهلُ السُّنَّة برآءُ من شذوذه ومخالفته للحقِّ والدِّين، فلا يقبلون صنيعَهُ ولا يرضَوْن سلوكه، ومع ذلك يتعقَّبونه بالنصح والتذكير حتى يتبيَّن خطؤه، ثمَّ الهجر والتحذير إذا أصرَّ على بدعته أو معصيته وأعلن عنها وجاهر بها»[الكلمة الشهرية رقم:(21) " نقد وتوضيح في تحديد أهل الإصلاح وسبب تفرق الأمة "].
    و نحن نرى كثيرًا من أهل الأهواء والبدع يطعنون في المنهج السلفي، لأجل بعض الأخطاء التي تصدر من بعض أتباعه، يُحاولون من خلالها التوصل إلى الطعن في المنهج ذاته، و يُحمِّلون تبعاتها هذا المنهجَ المعصوم! ولا شك في بطلان هذا السبيل للفرق الواضح بين المنهج وأتْباعه كما سبق، ولو صحَّ لهم ما فعلوه، للزِمهم عدم الإنكار على الكافر الذي يطعن في دين الإسلام مُحتجًّا بمخالفات بعض المسلمين لتعاليم الإسلام، وهم لا يُسلِّمون بهذا إن شاء الله، وهو لازمٌ باطلٌ لطريقتهم لا محيد لهم عنه، و بطلان اللازم يدل على بطلان الملزوم .
    جاء في " مسائل الجاهلية التي خالف فيها النبي صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية " لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله (المسألة التاسعة): « قَدْحُهُمْ فِي بَعْضِ الصَّالِحِينَ بِفِعْلِ بَعْضِ المُنْتَسِبِينَ إِلَيْهِمْ؛ كَقَدْحِ اليَهُودِ فِي عِسى، وَقَدْحِ اليَهُودِ فِي عِيسى، وَقَدْحِ اليَهُودِ وِالنَّصَارَى فِي مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم .
    قال العلامة الفوزان حفظه الله عند هذه المسألة ضمن شرحه لمسائل الجاهلية: « قدحهم في الصالحين بما يفعله بعض المنتسبين إليهم من الأفعال السيئة، فينسبون أفعال الأتباع إلى المتبوعين، وهم منها برآء، كقدح اليهود في عيسى بانحراف أتباعه من الصليبيين، والمعتقدين أن الله ثالث ثلاثة، أو أن المسيح هو الله، أو ابن الله، وكذلك من يقدح في محمدٍ صلى الله عليه وسلم، بما يفعله بعض المنتسبين إلى دينه من القبورية، و من الجهمية والمعتزلة والخوارج.
    فنقول لمن يقدح في هؤلاء الأنبياء: ليس هذا هو دين موسى عليه السلام، وليس هذا دين عيسى عليه السلام، وليس هذا دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم .
    وإذا كان عند الأتباع انحراف فإنه لا ينسب إلى هذا الأصل، وإنما ينسب إلى من يصدر منه هذا الشيء، فلا تعاب رسالة موسى عليه السلام بأن اليهود حرَّفوا وبدَّلوا وغيَّروا، ولا يُنسب ما عند النصارى من الشرك والصليبية والكفر القبيح إلى دين عيسى عليه السلام، ولا يُنسب إلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ما عند القبوريين الذين يدَّعون الإسلام، أو الملاحدة من الرافضة والباطنية، وإن تسمَّوا بالإسلام، هذا لا ينسب إلى دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم، إنما ينسب إلى النبي من اتَّبعه وآمن به، وينسب إلى الصالحين من اقتدى بهم واتبعهم، كما قال تعالى: { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ }[التوبة: 100]، وقال تعالى: { إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاَللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ }[آل عمران: 68] .
    وكذلك لا ينسب إلى الأئمة الأربعة ما عند المنتسبين إليهم من انحراف في العقيدة ومخالفة للدليل » انتهى .
    و الحمد لله أوَّلًا و آخرًا .
    يتبع بالفروق العلمية في مسائل الجرح و التعديل، ثم يُتبع بأخرى ...بمشيئة الله تعالى .

  • #2
    جزاك الله خيرا أخونا الشيخ ابراهيم وبارك فيك و نفع الله بما قدمت وستقدم بإذن الله لإخوانك ولهذه الدعوة السلفية الصافية النقية ،
    سدد الله خطاك على الحق و ثبتك عليه.
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو إكرام وليد فتحون; الساعة 2018-09-27, 06:11 PM.

    تعليق


    • #3
      بارك الله فيكم ونفع بكم

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيرا أبا بسطام وبارك فيك، وأسأل الله عز وجل كما جمعنا في هذه الدنيا على هذا النهج القويم أن يجمعنا بكم ومشايخنا وكل أهل السنة في دار النعيم. آمين

        تعليق


        • #5
          جزاك الله خيراً شيخنا إبراهيم

          تعليق


          • #6
            جزاك الله خيرا وبارك فيك

            تعليق


            • #7
              جزاك الله خيرًا أخي الحبيب على هذا المقال النافع

              تعليق


              • #8
                الإخوة الأفاضل: وليد، خالد، بلال، مكي،عباس، يوسف جزاكم الله خيرا على مروركم، و طيب تعليقاتكم وفقنا الله و إياكم لسلوك سبيل المؤمنين و ثبتنا و إياكم على الحق المبين .

                تعليق

                الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
                يعمل...
                X