مُخالَفَةُ توجيهَات و نَصائح العَلَّامَة رَبيع المدخَلي حَفِظه الله
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على نبيِّنا محمد و على آله و صحبه أجمعين، و بعد: فبينما يزداد العقلاء و الشرفاء بصيرة بحال مشايخ المجلة، و يقينًا بتغيُّرهم الذي يشهد عليه واقع حالهم المؤيد بالحجج الواضحة و البراهين الساطعة، لا نرى أبواقهم يزدادون إلا عتوًّا و نفورًا، و عنادًا و تعصُّبًا، و لجوجًا في الباطل و الخصومة، و لسان حالهم: { سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ }؛ فلا يقتنعون بدليل، و لا يرفعون رأسًا بحجة، و لا يُسلِّمون لبرهان مهما بلغ في الوضوح، و قوي في البيان .ترى الرؤوس يؤصلون و يُقعِّدون و الأبواق يصححون و يسوِّغون! .
و ترى الكبراء يزِلُّون و يخطئون، و يعثرون و يتعثَّرون، و الأبواق يُؤولون، و يتكلفون المخارج، و المحامل الحسنة!
فإلى متى يا أبواق الاحتوائيين: أليس منكم رجلٌ رشيد؟!
نأتيكم بقواعد السلف، في تقديم الجرح المفسر على التعديل، و تقديم قول بلدي الرجل في بلديِّه، و أن من علم حجة على من لم يعلم، و أن الناقل عن الأصل مقدم على المبقي على الأصل، و نحو ذلك من القواعد السلفية: فتضربون بها عرض الحائط، و تجعلونها وراءكم ظهريًّا، لأنها تعارضت مع اجتهاد و قول حذام، و هجِّيراكم: إذا قالت حذام فصدقوها فإنَّ القول ما قالت حذامي! .
فإلى متى يا أبواق الاحتوائيين! أليس منكم رجلٌ رشيد؟!
* جعلتم قولَ حذام حاكمًا على الأدلة، فالدليل المعتبر عندكم هو ما اعتبرته حذامي و شهدت بصحته، و ما خالف رأيها و اجتهادها ، فلا قيمة له، و لا اعتبار له، مهما بلغ في الظهور و القوة، و مهما بلغت منزلة من أدلى به، على طريقة المعتزلة الذين جعلوا عقولهم حاكمة على الشرع و ميزانًا للأدلة، و أساسا للقبول و الرد، فلا يقبلون منها إلا ما شهدت بصحته عقولهم، و قعدوا في ذلك قاعدتهم العوجاء:« إذا ورد النقل حكم العقل»، فحكَّموا عقولهم في المنقول، كما حكَّمتم أنتم حذامي في الأدلة، فلا يُقبل منها إلا ما شهدت بصحته حذامي، و نطقت بقبوله، و إلا فهي و المعدوم سواء .
فإلى متى يا أبواق الاحتوائيين! أليس منكم رجلٌ رشيد؟!
* نراكم تُلزمون الناس بالتسليم التام لجروحات بعض العلماء و تحذيراتهم، و إن خلت من الحجج، و عريت عن البراهين، و خويت من الأدلة، فقط لأنها صدرت من حذامي! و تردون و ترفضون جروحات غيرهم –من العلماء- مهما بلغت أدلتهم في الوضوح، و حججهم في النصاعة و البيان و القوة، حصرًا منكم لمصادر تلقي الجرح و التعديل في شيوخٍ معيَّنين، و علماء محدودين، فلا حرفُ باءٍ يجرُّ إلا باؤهم! ما هذا العبث؟ أليس منكم رجلٌ رشيد .
* لم تكتفوا بنفي الكفاية و الكمال عن الأدلة البيِّنات، و البراهين الساطعات، حتى نفيتم عنها الصحة بالكلية، بل ارتقيتم من نفيِ صحتها إلى نفي وجودها من أصلها، فقلتم: ليس عندكم ذرَّة دليل!! في مكابرة خطيرة في المحسوسات، و سفسطة ظاهرة في الواضحات، و أباطيل متبوعيكم الاحتوائيين، و حلفائكم الصعافقة قد فاحت الأرض من نتنها، و أبصرها حتى العميان، أليس منكم رجلٌ رشيد؟!
* جئناكم بشهادات العدول الثقات للتدليل على مخالفات متبوعيكم، و التأكيد على ضلالاتهم، فإن ديننا يقوم على أخبار العدول، -كما قال الشيخ ربيع-، فرفضتموها و رددتموها و ألبستم أصحابها ثياب النمامين المحرشين المغتابين الفتانين لتتوصَّلوا بذلك إلى إسقاطها و إسقاط ما تضمنته من وقائع واضحات و حقائق جليَّات، و أدلة مقنعات، و حجج دامغات، أليس منكم رجلٌ رشيد؟! .
* قلنا لكم: كلُّ يؤخذ من قوله و يُرد، و أن العالم مهما علا كعبه في العلم قد يُخطئ و قد يزل، لأنه بشر، و قد تكون له بطانة سوء تُؤثر فيه وُتصور له الأشياء على غير ما هي عليه، و تُزوِّر له الوقائع، كما هو الواقع! فقلتم حدادية يطعنون في العلماء! مع أننا سُبقنا إلى مثل هذا من قبل العلامتين ربيع و عبيد، حيث قالا مثله في بعض الأئمة، فهل هم بذلك من الطاعنين في العلماء؟! أليس منك رجلٌ رشيد؟ .
* سعيتم بخيلكم و رجلكم لاستجلاب تزكيات من العلماء لشيوخكم لتغطية مخالفاتهم، و سِتر مؤاخذاتهم، مع الاجتهاد في تحسين صورتهم عند العلماء، متواطئين في ذلك مع الصعافقة اللئام، طمعًا في أن يُسهم ذلك في تغيير الموازين على الأرض!، و في الساحة الدعوية، فحصلتم بمكركم على ما أردتم، غير أن ذلك لم يزدكم و مشايخكم إلا سقوطًا و فضيحة، فهلا اعتبرتم بأنه لا ينفع في محو الانحرافات و آثارها، و لا يُسلِّم من مآلاتها الوخيمة إلا التوبة النصوح! أليس منكم رجلٌ رشيد؟!
* عمدتم إلى تشويه صورة مشايخنا و الوشاية بهم عند علمائنا في بلاد الحجاز، بإثارة مسائل جانبية، خارجة عن محلِّ النزاع، وإلى تلفيق التُهم لهم، قصد استخراج صوتيات تجريحية فيهم علَّها تُسهم في صرف وجوه الناس عنهم، و تغيير موازين القوى في الساحة! فحظيتم بكثير مما كنتم له تخططون، و إليه تتطلعون، بيد أنه لم يُغيِّر من الواقع شيئًا! لأن الحق أكبر من الرجال، و هو أبلج، و أوضح من ضوء الشمس، فهل منكم من مدَّكر،؟ أليس منكم رجلٌ رشيد! .
* عيَّرتم السلفيين المتبعين لمشايخهم في الحق الذي بينوه، و في موقفهم من الاحتوائيين، و وصفتموهم بالمقلدة و المتعصبة، و ألبستموهم لباس الصوفية المقدسين للأشخاص، في خلطٍ عجيب بين الاتباع المحمود و التقليد المذموم، إذ التقليد: هو أخذ قول من ليس بحجة بغير حجة، أما أخذه بالحجة فهو اتِّباع، أضف إلى ذلك أن مشايخنا عدول ثقات، و الأخذ بخبر الثقة و قبوله و بناء الأحكام عليه ليس من باب التقديس و التصوف، و تقليد الرجال، بل هو اتِّباعٌ صحيح، و عملٌ بأصلٍ سلفيٍّ عظيم، فما هذا الهذيان؟ أليس منكم رجلٌ رشيد!
* قلتم بأن مشايخكم ينتفون من أخطائهم، و بأن بعضهم حلف على براءته منها، و أنهم لا يُقرون مشايخنا على شيء من هذه المؤاخذات! قلنا: أليس منكم رجلٌ رشيد؟! متى كان إقرار المخالف بمؤاخذاته شرطٌ في معاملته بما يستحق، و بما تقتضيه مخالفاته، و متى كانت العبرة في إقرار المخالف من عدمه؟ بل العبرة في الأدلة و البراهين، فمتى ما ثبتت بأحد أنواع الدلالات قلنا بموجبها، فضلًا عن ثبوتها بأنواع مختلفة من الدلالات المختلفة؟، و لا قيمة حينئذٍ لإنكار المتلبس بها، و لا عبرة بيمينه، إذ اليمين إنما يُصار إليها عند انتفاء البينة، أما مع وجود البينة كما في قضيتنا فهي القاضي، و هي الحكم، و الحقيقة أن مشايخكم زادوا طينهم بِلَّةً بانتفائهم من أخطائهم، حيث جاءت الصوتيات و شهادات العدول فأثبتت ما نفوه و انتفوا منه، كما حصل لمن انتفوا من تزكية عبدين حتى ثبتت بأصواتهم مرات و في مواطن مختلفة، و لمن انتفى من الطعن في الشيخ فركوس حتى فضحه الله بصوته، و لمن انتفى من أن يكون قد أخذ فرنكًا واحدًا على الدعوة، و في مقابل الأعمال الدعوية، فإذا بالصوتيات تُدينه، و تُكذِّبه، و فيها يشهد على نفسه بأنه لا يؤمن بالعمل الدعوي التطوعي، و أن كل شيء عنده(بالخلاص) بالمقابل، و أنه اشترط على جماعة المجلة أن يكون كل شيء (بالخلاص)بالمقابل المالي، و أن المشايخ يسمونه السانديكا يرافع عنهم لرفع أجورهم على أعمالهم الدعوية، و أنه صار معروفًا عندهم و بينهم بهذا الاسم! فهل هذا هو عين الكذب! أليس منكم رجلٌ رشيد؟! .
* قلتم بأنَّ مشايخنا رفضُوا الصُّلح و دعوات العلماء إلى الاجتماع! قلنا: أليس منكم رجلٌ رشيد؟! مشايخنا لم يرفضوا الصلح و الاجتماع الذي نادى به العلماء! و لكنهم اشترطوا له شروطًا تضمن صحته و سلامته، فهي شروط لتصحيح الاجتماع و ليكون على الحق، لا للمنع من حصوله، فشأنها شأن قوانين المرور التي جُعلت لتنظيم السير لا لمنعه و عرقلته! فمن رفض شروط سلامة الاجتماع و صحته هو الذي رفض الاجتماع في الحقيقة، أليس منكم رجلٌ رشيد!
* قلتم بأن مشايخنا رفضوا التحاكم إلى العلماء و امتنعوا من ذلك! و اتهمتموهم بسبب ذلك بالنكول! قلنا: إنَّ المؤاخذات المثبتة على شيوخكم منهجية بحتة، و أدلة ثبوتها ظاهرةٌ متظافرة، و ليس للمخالف في مثل هذه الأحوال إلا التوبة النصوح و التراجع الصريح عن أخطائه، و ما انتُقِد عليه، و إلا فإنَّ مطالبته بالتحاكم إلى العلماء و الحالة هذه، من المهازل الشنيعة التي افتعلتها العصابة العرعورية، كما قاله العلامة ربيع حفظه الله، أليس منك رجلٌ رشيد !
* رأيناكم قدَّمتم قول العلامة ربيع في هذه الخلافات الحاصلة، و قد عارضه فيها علماء فضلاء، فلما سألناكم؟ قلتم: هو الأكبر سنًّا، و الأكثر علمًا، و هو صاحب الاختصاص، و هو إمام الجرح و التعديل و فارس الميدان بلا منازعة!، قلنا: من الذي نازعكم في هذا؟! أتُخاطبون الروافض؟! و لكن هل يلزم من الإقرار بهذا كلِّه اعتقاد العصمة فيمن هذا حاله؟ و الأخذ بأقواله مسلمة في كلِّ قضية و مسألة، و تقديم قوله على قول غيره في كلِّ الأحوال، ولو كانت الحجة مع من خالفه أو خالفوه؟! ولو كانوا من العلماء المشهود لهم بطول الباع في العلم و الصلابة في السنة؟! أليس منكم رجلٌ رشيد!
قال العلامة ربيع حفظه الله: « إنسان يعلم الشريعة وقد يبرز بسبب اهتمامه بالمنهج وما يناقضه ، والذين يخالفونه ، قد يكون عنده اهتمام أكثرـ بارك الله فيكم ـ وذاك الثاني عنده شيء من اهتمام وشيء من الإدراك ولكن بحكم تخصص هذا ـ يمكن ـ ولكن لا يسلَّم أيضا لهذا المتخصص بكل شيء ، لا سيما إذا عارضه آخرون ـ بارك الله فيكم ـ نعم ، هذا التفريق اتركوه ـ هذا التفريق أصله ابتدعه أهل البدع » . [ ضمن أسئلة وُجهت للشيخ ربيع بعد محاضرته التي بعنوان " الحث على المودة والائتلاف والتحذير من الفرقة والاختلاف "] .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تعليق