وقفات مع الحلبي ومنها وقوعه في الإرجاء عند تحقيقه لكتاب تمييز المحظوظين عن المحرومين في تجريد الدين وتوحيد المرسلين للعلامة المعصومي
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
فهذا الكتاب السابع من الكتب القديمة التي ألفها وحققها وعلق عليها علي حسن الحلبي - هداه الله – وهو (تمييز المحظوظين عن المحرومين في تجريد الدين وتوحيد المرسلين) للعلامة المعصومي، تخبط فيها ووقع في أخطاء جسام وزلات عظام عقدية ومنهجية، فاستوجب بيان هذه المخالفات نصحا للأمة، وتحذيرا لمن وقع في شراكه ولمن أغرم بكتاباته، وبيان أن الرجل ضعيف في المنهج منذ نعومة أظفاره، ومنهجه الواسع الأفيح ما هو إلا نتيجة لتخبطاته القديمة، وتخرصاته العديدة، بالإضافة إلى ما وقع فيه من إرجاء.
فالحلبي حقق كتاب المعصومي في سنة 1411 هـ ثم اعاد طباعته في دار ابن الجوزي الطبعة الثانية في سنة 1421 هـ بهذه الزلات ومنها اعتمدت على كشف عواره وهتك أستاره، {وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام : 55].
ولي معه ثلاث وقفات:
الوقفة الأولى: وقوعه في الإرجاء.
سبق للحلبي أن وقع في الإرجاء قبل هذا في سنة 1408 هـ عند تحقيقه لـ (الاعتقاد الخالص من الشك والانتقاد) لابن العطار، وذلك بحصره للكفر في الجحود والتكذيب.
ثم بعد ثلاث سنوات يؤكد الحلبي ذلك في تحقيقه لـ (تمييز المحظوظين عن المحرومين في تجريد الدين وتوحيد المرسلين) للعلامة المعصومي.
قال الحلبي في حاشية (ص 267): ((ومسألة الحكم بغير ما أنزل الله من شائك المسائل في هذا العصر، فترى كثيرًا من الشباب المسلم يطلق القول بالكفر على عواهنه، دون تأمل أو تفريق بين الكفر المخرج عن الملة – وهو الجحود -، أو غير المخرج – وهو عدم الفعل فقط)) اهـ.
فحصر الكفر المخرج من الملة في كفر الجحود من الجهل، وفي هذا الحصر أخرج الأقوال والأعمال وباقي أعمال القلب التي يقع بها الكفر من أن يكون بها الكفر، وهذا مذهب المرجئة.
فمذهب السلف يُقرر فيه أن الإيمان يكون بالقلب واللسان والجوارح، فكذلك ما يضاده من كفر يكون بالقلب واللسان والجوارح، فحصر الكفر فيما يقع في القلب من جحود فهو عين قول المرجئة.
فعلى هذا المذهب الضال من سب الله – عز وجل – لا يكون كافرا، ومن وطئ على المصحب وسجد لقبر ودعا الميت لا يكفر وكذلك من وقع الشك والتكذيب والاستكبار والإعراض والنفاق لا يكفر.
وإن كان قصده بحصر الكفر المخرج عن الملة في الجحود في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله، فهذا الحصر فيه ما فيه، فالذي يقول إن حكمه مساوي لحكم الله أو يجوز الحكم بغير ما أنزل الله على قول الحلبي هذا ليس بكفر.
الوقفة الثانية: تشييخ حسن البنا.
ومما وقع فيه الحلبي تشييخ حسن البنا إمام الإخوان المسلمين ومؤسس مذهبهم المنحرف.
قال الحلبي في حاشية (ص 243): ((وقريبا من ذلك فعل الشيخ حسن البنا يغفر الله له في ((مأثوراته)) !!)) اهـ.
سبق أن بينت هذا الخطأ في مقالي ((الحلبي يشيّخ مجموعة من المخالفين)) وذلك في تحقيقه ((مفتاح الجنة لا إله إلا الله)) في حاشية (ص 16) قال: ((وممن تأثر بذلك من المعاصرين الشيخ حسن البنا، كما في: ((مجموع رسائله)) اهـ.
بل يؤكده فيقول الحلبي: ((وتأثر بذلك أيضًا الشيخ حسن البنا، كما في: ((مجموع رسائله))، (274)، ولقد شرح كلامه في ذلك الشيخ سعيد حوى في ((التربية الروحية)) اهـ.
وحسن البنا بين انحرافه كثير من أهل العلم.
قال العلامة ربيع بن هادي عمير المدخلي حفظه الله في ((الذريعة إلى بيان مقاصد كتاب الشريعة)) (3-392): ((أما حسن البنا فلم يُخرج سلفيًّا واحدًا، ومن دخل في تنظيمه من الروافض والخوارج وسائر المذاهب كالصوفية الغلاة لا يتغير أبدًا؛ لأنه اشترط على نفسه أنه ما يتدخل في عقائد من ينضوي تحت رايته، يؤمن بتنظيمه فقط وبالأفكار التي وضعها وبأصوله التي وضعها، ولا شأن له في عقيدة هذا الإنسان، فلم يُصلح أحدًا ممن دخل في تنظيمه ودعوته، بل من دخل من السلفيين في تنظيمه فسد مع الأسف)) اهـ.
الوقفة الثالثة: جعله السيوطي إماما.
قال الحلبي في حاشية (ص 20): ((وللإمام السيوطي رحمه الله جزء في تخريجه طبع بتحقيقي)) اهـ.
وهذا ديدن للحلبي في أكثر من مكان ففي حاشيته على ((الاستئناس لتصحيح أنكحة الناس)) للقاسمي طباعته سنة 1406 هـ (ص 16) قال: وللحافظ الإمام جلال الدين السيوطي رسالة ... إلخ؛ وفي رسالته (عودة إلى السنة) (ص 96): الإمام السيوطي وهو يرشد إلى أحد كتبه وكرر ذلك في (ص 98)، بل جعله بالخط العريض في طرة كتاب ((المصابيح في صلاة التراويح)) أيضًا طباعته سنة 1406 هـ عند تحقيقه.
فالسيوطي جعله إمامًا! وهو الذي تعج مؤلفاته بالخرافات والبدع والضلالات وتحريف صفات الله.
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
يفرن ليبيا: ليلة الخميس 19 ذي الحجة سنة 1439 هـ
الموافق 30 أغسطس 2018 ف