إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

قبران مكذوبان

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • قبران مكذوبان

    <بسملة1>


    قبران مكذوبان

    الحمد لله نَصَبَ التوحيدَ لعباده دينا وأنزل به كتبه، وأرسل بالحنيفية جميع أنبيائه ورسله، ونصلي ونسلم على من كسّر الأصنام، وهدم بالحقّ صروح الجاهلية والأوهام.
    أما بعد:
    فإن الفتنة بالأضرحة والقبور والتعلق بالموتى والصالحين هو أصل مادة الشرك ومبدؤه، وهو دركات متفاوتة، يبدأ السقوط في شراكها من دعاء الله عندها، والظن بأن الدعاء عندها مستجاب، وقصدها لذلك، ثم التوسل الى الله عزّ وجلّ بأصحابها واعتقاد أن من دعا بهم وبجاههم حَظِي بمطلوبه، ونجا من مرهوبه، وقوعاً في أبعدها عن الإسلام وألصقها بالجاهلية وعبادة الأوثان، أن يصير الأموات ممن يُدعى من دون الله وليس فقط يُتوسّل بهم، وسؤالهم بعد ذلك قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، والتنويه بهم عند الشدائد، واتخاذهم أندادا مع الله عزّ وجلّ ، وتسويتهم به محبة، وتعظيما، وخضوعا، وخشوعا، ورغبة ورهبة، تعالى الله عما يشركون.
    وهذا هو الشرك العظيم الذي له
    تكاد السماوات العُلى تتفطّر

    ومما يزيد الفتنة بالقبور والتعلق بها، ويؤججها، ويغري عوامّ المسلمين بها، ويحوطها بهالة من التقديس حتى يتخذها من يتخذها ديناً لا دين سواها؛ ايحاء الشياطين لأربابها بالبناء عليها وتشييدها، واتخاذها مساجد ورفع القباب عليها، والمبالغة في الإطراء والغلو لأهلها، ونسج الحكايات وأنواع الكرامات لساكنيها، وحِياكة الرؤى والمنامات حولهم، ومكايدَ جمّةً يجعلونها عونًا لهم على ترسيخ باطلهم، ويجدون منها سبيلاً الى نفوس الناس وعقولهم.
    ومن أشد ذلك إغواءً، وتزييناً، وتغريراً، وغرساً للتعلق بتلك الأضرحة في النفوس، الزعم بأن المقبور بتلك الأضرحة والمشاهد هو نبي كريم أو صحابيّ أو تابعي جليل وإشاعته وتكريره على المسامع ليصطادوا به الجهال ومن لا علم عنده، ويلهبوا بذلك عواطفهم الدينية ويسوقونهم - أسهل ما يكون - للتعلّق بالخرافة، والتلطّخ بأوضار الشرك، ثم يتوارث ذلك الجيلُ بعد الجيلِ إلا من عافاه الله.
    فكم في بلاد المسلمين من المشاهد المزعومة المدّعاة، والقبور التي لا تضمّ شيئا! ويعتقد السذّج والبسطاء أنها قبور بعض الأنبياء أو الصحابة أو التابعين، ولا يشك من شم رائحة العلم في زيفها، وأنها سخافة لا سند لها إلا الرجم بالغيب، كقبر عليّ رضي الله عنه المزعوم بالعراق، وقبر الحسين رضي الله عنه بالقاهرة، وقبر هود عليه السلام باليمن، وقبر دنيال عليه السلام بإيران.
    وهذه البلاد -طهّر الله أرجاءها بالتوحيد -قد رَسَخَ فيها التصوّف ردحاً من الزمن، وكان لذلك دخلٌ كبير في زرع القبوريّة والخرافة في أوساط العامة فيها والجهلاء، فمن القبور المشرفة والمشاهد المقامة على الأوهام: قبران مكذوبان، أحدها بأدرار يزعمون أنه قبر «أويس القرني»، والآخر بمدينة خالد بسكرة ويزعمون أنه قبر نبي من الأنبياء هو «خالد بن سنان العبسي» وهاك طرفا من خبرهما:
    أما الأول: فهو أقل شهرةً وافتتاناً به، بالمنصوريّة من قرى أدرار، يزعمون كما يزعم أهل زبيد باليمن، وأهل الرَّقَّة بالشام، وأهل سرت بتركيا، وبمصر، وبالعراق وكلّ هؤلاء يجزم... أنه قبر أويس القرني ، وفيه يقول الشيخ سالم موريدة حفظه الله متعجباً في نظمه التبصرة:
    واعجب لمدعٍ بأن القرني
    مدفنه جنب الطريق الوطني

    قد صحّ عن نبينا فيه الخبر
    لذاك جدّ في اللقا به عمر

    فقصد الكوفة كيما يختلي
    ومات في صفين مع جيش علي

    وأويس القرني رحمه الله كان من كبار التابعين، ومن أفضلهم حتى أفرد له مسلم والحاكم بابا في فضائله، ومن مناقبه ما ساقه مسلم رحمه الله بسنده عن أسير بن جابر أن أهل الكوفة وفدوا إلى عمر رضي الله عنه وفيهم رجل ممن كان يسخر بأويس رحمه الله فقال عمر رضي الله عنه: هل هاهنا أحد من القرنيين؟ فجاء ذلك الرجل، فقال عمر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال: إن رجلا يأتيكم من اليمن يقال له أويس لا يدع باليمن غير أم له قد كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدينار أو الدرهم فمن لقيه منكم فليستغفر لكم، وأخبار أويس ذائعة مشهورة.
    وهذا الذي ذكره الشيخ سالم حفظه الله هو المعروف عند عامّة أهل العلم أنه قصد الكوفة مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه في موقعة صفين، وقاتل حتى استشهد، وكان ذلك سنة 37 هـ، واختلف المؤرخون في مدفنه أهو بالعراق أم بالشام؟ لمِاَ قيل إنه غزا أذربيجان فاستشهد بها، والأول أشهر، وأيّا كان بالشام أو بالعراق فليس هو بأدرار، ولا دخلها حيّا ولا ميّتا، ولا روى ذلك عدل ضابط عن مثله، بل أخبار مرسلة لا زمام لها ولا خطام، ولا تقوم على شيء، لولا سلطان الدجل وغلبة العوائد.
    وأما القبر الآخر فيقع على رَبوة بين واديين بطرف بلدة خالد المنسوبة اليه، وأهلها يزعمون أن خالد بن سنان مدفون بناحيتهم، وقد ابتنَوا عليه مسجدا كبيرا كان مشهوداً معظماً مزاراً، والحمد لله لا يرتاده المصلون هذه الأيام لبُعده، وإنما يزورونه أواخر رمضان من كل سنة، وحوله ما يشبه المدرسة، والقبرُ يتوسط غرفةً فسيحةً أرادوا من توسيعها تسهيل الطواف على الزوار من غير عناء، وليس بعيدا عنه حفروا بئراً وأسموه زمزمَ، تقول خرافاتهم أن الجرعة منها شفاء من كل داء، وأن من شرب منها لم يمت بالعطش، ثمّ خالد بن سنان منسوب لبني عبس قوم من العرب وأكثر من روى أخباره ذكروا أنه كان في المدّة التي بين عيسى ونبينا عليهما أفضل الصلاة والسلام، قال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (2/69) :(( فإنه إن كان في زمن الفترة فقد ثبت في صحيح البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال إن أولى الناس بعيسى بن مريم أنا لأنه ليس بيني وبينه نبي وإن كان قبلها فلا يمكن أن يكون نبيا لأن الله تعالى قال لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك وقد قال غير واحد من العلماء إن الله تعالى لم يبعث بعد اسماعيل نبيا في العرب إلا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء الذي دعا به إبراهيم الخليل باني الكعبة المكرمة التي جعلها الله قبلة لأهل الأرض شرعا وبشرت به الأنبياء لقومهم حتى كان آخر من بشر به عيسى بن مريم عليه السلام )) ولا يثبت في نبوته حديث وما يروي في شأنه فهو مما انتقده النقاد وأعلّوه بالنكارة ولا يثبته المحققون ،كما لا يثبتون أن مدفنه بتلك البلاد، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله كما في الاصابة (1/324) : (( وشهادة أهل تلك الناحية مردودة فأين بلاد بني عبس من جبال المغرب)) يقصد جماعة من أهل القيروان تراءوه بناحية جبلٍ، ومثله يقال أين بلاد بني عبس من مدينة خالد؟
    ويشهد لكون ذلك قصةً لا يُعبأ بها، ذكرهم أنّ القبر كان مجهولا، وإنما ظَهر وعُرف بعد أن رأى أحد العامّة في المنام! نواراً ينبعث من تلك البقعة، فأثّرت تلك الأضغاث في الناس وصدقوها، وعملوا بمقتضاها وحسبك أنها منامة!
    دجلٌ ونعوذ الله من قبوريةٍ أفشت الدّجل، وأضاعت الدين والعقل والفطرة، وأشاعت في الناس الوهم، وجرتهم الى أظلم الظلم، أماتها الله ولا أبقاها، ودمدم عليها وسوّاها.
    واليوم وإن خفّت حدّة هذه القبورية في أغلب المناطق، وضعف هيلمانها، وقلّت رغبة الناس فيمن يبتز أموالهم ويخدع قناعاتهم، لكن ما تزال نارها تدبّ تحت الرماد، وهي تتأهّب لتلبي نداء دعاة المرجعية، وتتجمّل بالالتصاق بمذهب مالك رحمه الله نجمِ السنن وإمامِ أهل الحديث في زمانه، والله أغير على دينه، والحمد لله حمداً كثيرا.
    التعديل الأخير تم بواسطة محية هشام; الساعة 2018-09-02, 12:44 AM.

  • #2
    جزاكم الله خيرا أخي هشام على هذا الموضوع الهام جدا والذي يتناول جانبا من جوانب حق الله على العبيد، واختياركم لهذا الموضوع حتى يكون أول مشاركة لكم في هذا الصرح دليل على توفيق الله جل وعلا، فعلى الداعية إلى الله سبحانه وتعالى أن يبدأ بما بدأ به الأنبياء والرسل "ياقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره".

    تعليق


    • #3
      وأنتم، فجزاكم الله خيرا شيخنا نبيل ووفقكم ونفع بكم

      تعليق


      • #4
        جزاك الله خيرا أخي هشام على هذا الموضوع الحساس المهم، فقد أجدت في إيراد التواريخ، فما استعين على بيان كذب الرواة والمؤرخين بمثل التاريخ، قال سفيان الثوري رحمه الله: بالتاريخ يتبين كذب الروات من صدقهم. وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه.

        تعليق


        • #5
          بارك الله فيك أخانا مكي المهداوي
          ووفقنا وإياك

          تعليق


          • #6
            بارك الله فيك اخي وجزاك الله خيرا

            تعليق

            الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 2 زوار)
            يعمل...
            X