تغريد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله،وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه،أما بعد:فقد جاءت أحاديث فيها نقل الحمى عن المدينة،وأخرى فيها بقاؤها فيها.
روى البخاري 1889 عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ»
وروى أحمد في مسنده 20767 وصححه الألباني كما في الصحيحة 761 عن أبي عَسِيبٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَانِي جِبْرِيلُ بِالْحُمَّى، وَالطَّاعُونِ، فَأَمْسَكْتُ الْحُمَّى بِالْمَدِينَةِ، وَأَرْسَلْتُ الطَّاعُونَ إِلَى الشَّامِ، فَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِأُمَّتِي، وَرَحْمَةٌ، وَرِجْسٌ عَلَى الْكَافِرِ
والجمع بين الحديثين من ثلاثة أوجه:
الأول:قال ابن حجر في الفتح 10/191:( الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ كَانَ فِي قِلَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَدَدًا وَمَدَدًا وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ وَبِئَةً كَمَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ثُمَّ خُيِّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرَيْنِ يَحْصُلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الْأَجْرُ الْجَزِيلُ فَاخْتَارَ الْحُمَّى حِينَئِذٍ لِقِلَّةِ الْمَوْتِ بِهَا غَالِبًا بِخِلَافِ الطَّاعُونِ ثُمَّ لَمَّا احْتَاجَ إِلَى جِهَادِ الْكُفَّارِ وَأُذِنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ كَانَتْ قَضِيَّةُ اسْتِمْرَار الْحمى بِالْمَدِينَةِ أَنْ تُضْعِفَ أَجْسَادَ الَّذِينَ يَحْتَاجُونَ إِلَى التَّقْوِيَةِ لِأَجْلِ الْجِهَادِ فَدَعَا بِنَقْلِ الْحُمَّى مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْجُحْفَةِ فَعَادَتِ الْمَدِينَةُ أَصَحَّ بِلَادِ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ بِخِلَافِ ذَلِكَ ثُمَّ كَانُوا مِنْ حِينَئِذٍ مَنْ فَاتَتْهُ الشَّهَادَةُ بِالطَّاعُونِ رُبَّمَا حَصَلَتْ لَهُ بِالْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ حَصَلَتْ لَهُ الْحُمَّى الَّتِي هِيَ حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنَ النَّارِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ تَمْيِيزًا لَهَا عَنْ غَيْرِهَا لِتَحَقُّقِ إِجَابَةِ دَعَوْتِهِ وَظُهُورِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ الْعَظِيمَةِ بِتَصْدِيقِ خَبَرِهِ هَذِهِ الْمُدَّةَ الْمُتَطَاوِلَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ)
فتبين أن الأمر في الأول كانت الحمى ممسكة فيها ثم جاء رفعها لأجل قوة الأجساد على الجهاد في سبيل الله.
الثاني:وجمع ابن رجب بجمع آخر فقال:( فإن المراد بالحمى في هذا الحديث الوباء، وهو وخم الأرض وفسادها وفساد مائها وهوائها، المقتضي للمرض، وقد نقل ذلك من المدينة إِلَى الجحفة، كما في "صحيح البخاري" عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ المَدِينَةِ حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةٍ" -وَهِيَ الجُحْفَةُ- فَأَوَّلْتُهَا وَبَاءَ المَدِينَةِ يُنْقَلُ إِلَى الجُحْفَةِ» وأما الحمى المعتادة فهي التي أمسكها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وهي التي تكون بالأرض الطيبة، والبلاد الهنيئة الصحيحة هواؤها وماؤها.)البشارة العظمى للمؤمن بأن حظه من النار الحمى لابن رجب.2/383
فذكر أن الحمى الباقية هو حمى المرض النافعة لصاحبها التي تكون في الأرض الطيبة والهواء الطيب،والتي نقلت هي حمى الوباء.
الثالث: ذكر السمهودي في وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى 1/55 :( والأقرب أنه صلّى الله عليه وسلّم لما سأل ربه تعالى لأمته أن لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعه ذلك فقال في دعائه: «فحمى إذا أو طاعونا» أراد بالدعاء بالحمى للموضع الذي لا يدخله طاعون كما سنشير إليه في الفصل الآتي؛ فيكون ما بالمدينة اليوم ليس هو حمى الوباء، بل حمى رحمة بدعائه صلّى الله عليه وسلّم كما سنوضحه، والله أعلم.)أي أن الحمى تكون رحمة وهي الباقية في المدينة،وأما حمى العذاب فنقلت عنها،والله الموفق.
روى البخاري 1889 عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَفِي مُدِّنَا، وَصَحِّحْهَا لَنَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا إِلَى الجُحْفَةِ»
وروى أحمد في مسنده 20767 وصححه الألباني كما في الصحيحة 761 عن أبي عَسِيبٍ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَتَانِي جِبْرِيلُ بِالْحُمَّى، وَالطَّاعُونِ، فَأَمْسَكْتُ الْحُمَّى بِالْمَدِينَةِ، وَأَرْسَلْتُ الطَّاعُونَ إِلَى الشَّامِ، فَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِأُمَّتِي، وَرَحْمَةٌ، وَرِجْسٌ عَلَى الْكَافِرِ
والجمع بين الحديثين من ثلاثة أوجه:
الأول:قال ابن حجر في الفتح 10/191:( الْحِكْمَةَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَخَلَ الْمَدِينَةَ كَانَ فِي قِلَّةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَدَدًا وَمَدَدًا وَكَانَتِ الْمَدِينَةُ وَبِئَةً كَمَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ ثُمَّ خُيِّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَمْرَيْنِ يَحْصُلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا الْأَجْرُ الْجَزِيلُ فَاخْتَارَ الْحُمَّى حِينَئِذٍ لِقِلَّةِ الْمَوْتِ بِهَا غَالِبًا بِخِلَافِ الطَّاعُونِ ثُمَّ لَمَّا احْتَاجَ إِلَى جِهَادِ الْكُفَّارِ وَأُذِنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ كَانَتْ قَضِيَّةُ اسْتِمْرَار الْحمى بِالْمَدِينَةِ أَنْ تُضْعِفَ أَجْسَادَ الَّذِينَ يَحْتَاجُونَ إِلَى التَّقْوِيَةِ لِأَجْلِ الْجِهَادِ فَدَعَا بِنَقْلِ الْحُمَّى مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى الْجُحْفَةِ فَعَادَتِ الْمَدِينَةُ أَصَحَّ بِلَادِ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ بِخِلَافِ ذَلِكَ ثُمَّ كَانُوا مِنْ حِينَئِذٍ مَنْ فَاتَتْهُ الشَّهَادَةُ بِالطَّاعُونِ رُبَّمَا حَصَلَتْ لَهُ بِالْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَنْ فَاتَهُ ذَلِكَ حَصَلَتْ لَهُ الْحُمَّى الَّتِي هِيَ حَظُّ الْمُؤْمِنِ مِنَ النَّارِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ تَمْيِيزًا لَهَا عَنْ غَيْرِهَا لِتَحَقُّقِ إِجَابَةِ دَعَوْتِهِ وَظُهُورِ هَذِهِ الْمُعْجِزَةِ الْعَظِيمَةِ بِتَصْدِيقِ خَبَرِهِ هَذِهِ الْمُدَّةَ الْمُتَطَاوِلَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ)
فتبين أن الأمر في الأول كانت الحمى ممسكة فيها ثم جاء رفعها لأجل قوة الأجساد على الجهاد في سبيل الله.
الثاني:وجمع ابن رجب بجمع آخر فقال:( فإن المراد بالحمى في هذا الحديث الوباء، وهو وخم الأرض وفسادها وفساد مائها وهوائها، المقتضي للمرض، وقد نقل ذلك من المدينة إِلَى الجحفة، كما في "صحيح البخاري" عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «رَأَيْتُ امْرَأَةً سَوْدَاءَ ثَائِرَةَ الرَّأْسِ خَرَجَتْ مِنَ المَدِينَةِ حَتَّى قَامَتْ بِمَهْيَعَةٍ" -وَهِيَ الجُحْفَةُ- فَأَوَّلْتُهَا وَبَاءَ المَدِينَةِ يُنْقَلُ إِلَى الجُحْفَةِ» وأما الحمى المعتادة فهي التي أمسكها النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وهي التي تكون بالأرض الطيبة، والبلاد الهنيئة الصحيحة هواؤها وماؤها.)البشارة العظمى للمؤمن بأن حظه من النار الحمى لابن رجب.2/383
فذكر أن الحمى الباقية هو حمى المرض النافعة لصاحبها التي تكون في الأرض الطيبة والهواء الطيب،والتي نقلت هي حمى الوباء.
الثالث: ذكر السمهودي في وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى 1/55 :( والأقرب أنه صلّى الله عليه وسلّم لما سأل ربه تعالى لأمته أن لا يلبسهم شيعا ولا يذيق بعضهم بأس بعض فمنعه ذلك فقال في دعائه: «فحمى إذا أو طاعونا» أراد بالدعاء بالحمى للموضع الذي لا يدخله طاعون كما سنشير إليه في الفصل الآتي؛ فيكون ما بالمدينة اليوم ليس هو حمى الوباء، بل حمى رحمة بدعائه صلّى الله عليه وسلّم كما سنوضحه، والله أعلم.)أي أن الحمى تكون رحمة وهي الباقية في المدينة،وأما حمى العذاب فنقلت عنها،والله الموفق.