إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله اللهم صلي وسلم على محمد وعلى آله و صحبه أجمعين أما بعد:
فإن العقيدة الاسلامية التي جاءت بها الرسالات كلٌها هي بمنزلة عظيمة في الاسلام .إذْ هي أصل الاسلام وقد إهتم علماء الاسلام علماء اهل السنة و الجماعة ببيانها وشرحها والدعوة اليها والذب عنها وقد ألفوا من ذلك مؤلفات تهتم بالعقيدة وبأصولها ولهذا كان الواجب على كل طالب علم أن يهتم بدراسة العقيدة الصحيحة والاصول التي قامت عليها وبضبطها ضبطا جيدا حتى يعرف العقيدة الصحيحة وما يضادها من ظلمات البدع والاهواء حتى لا يضل ولايقع في ضلال والعياذ بالله. وعليه أن يعبد الله ويتقرب إليه بعقيدة صحيحة وسليمة وخالصة من شوائب الشرك وشوائب البدع وشوائب المعاصي فتكون عبادته مع الله جلا وعلا صادقة فيثاب ويؤجر عليها
ومن تلك الاصول التي قامت عليها العقيدة وهو الذي قد يغفل عنه الكثير وخاصة في هذا الوقت الذي ظهرت فيه الفتن وكثر فيه أهل الكلام وأهل الاهواء وأهل الضلال والتصدر وزمن الرويبضات هو ترك الجدال والخصومات في الدين .
فهو أصل عظيم وقد ألفوا علمائنا وأئمتنا مؤلفات تبين مكانة هذا الاصل العظيم كالإمام أحمد والإمام البربهاري والامام المزني والامام الحميدي والامام ابن أبي زمنين رحمهم الله وغيرهم من الائمة .
فهو أصل يحتاجه طالب العلم كثيرا لأنه يورث صاحبه السكينة والطمأنينة والهدى وسلوك الطريق السليم الذي لا إعوجاج فيه بإذن الواحد الأحد.
الجدال : هو المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة وأصله من جدلت الحبل أي أحكمت فتله ومنه الجدال فكان المتجادلين يفتل كل واحد الاخر عن رأيه وقيل الاصل في الجدال الصراع وإسقاط الانسان صاحبه على الجدالة وهؤ أرض صلبة "" مفردات الفاظ القران (1/175)
قال القرطبي رحمه الله :
الجدال وزنه فعٌال من المجادلة
وهي مشتقة من الجدل وهو الفتل ومنه زمام مجدول وقيل هي مشتقة من الجدالة التي هي الارض ""تفسير القرطبي (2/409)
والجدال هو ضرب خادع من المناقشة أساسه إستعمال الحجج السفسطائية ويقال عن أصحابه أنهم يفندون كل شيء دون إثبات أي شيء وجعل المسألة مثار "" معجم الوسيط اللغة العربية ""
ثبت عن أبي أمامة رضي الله عنه أنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتو الجدل )) ثم تلا رسول الله هذه الاية ( ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون ) ""الزخرف 58¨"" (1)
فالنبي صلى الله عليه وسلم بين لنا أن الجدال ضلال وخصومة لذلك هو مذموم في الشريعة إلا اذا كان لبيان الحق والوصول إليه ورد شبهة و إدراك الصواب فهذا يكون بشروطه وبأدابه وبالأحسن كما بينه جل وعلا في قوله تعالى (( أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)) ""العنكبوت 46 ""
قال ابن القيم رحمه الله في تفسيره:
""الحكمة كلها حسنة ولم يقيدها وصف الحسنة وأما الموعظة فقيدها بوصف الاحسان إذ ليس كل موعظة حسنة والجدال قد يكون بالتي هي أحسن وقد يكون بغير ذلك وهذا يحتمل أن يرجع الى حال المجادل وغلظته ولِينه وحِدته ورفقه فيكون مأمورا بمجادلتهم بالحال التي هي أحسن ويحتمل أن يكون صفة لما يجادل به من الحجج والبراهين والكلمات التي هي أحسن شيء وأبينه وأدلٌه على المقصود وأوصله إلى المطلوب ""(2)
ولهذا يجب أن لا يكون الجدال مقابلة الحجة بالحجة ويكون مجادلة ومناظرة ومحاورة وخوصومة والكلام فيما لا ينفع في الشريعة لقصد التعالي أوطلب الغلبة لأنه لا ينفع ولا يجلب إلا المضرة وهو صفة الضالين لأن أهل الضلال شددوا من الجدال تجادلوا في مسائل الدليل فيها واضح .
قال الشيخ عبيد الجابري حفظه الله في شرح أصول السنةللإمام أحمد رحمه الله؛
المجادلة قسمان :
- القسم الاول : لبيان الحق بالدليل هذا سنة والدليل كذا وهذا بدعة والدليل كذا فهذا محمود وهذا الذي يصنعه السلف مع خصومهم من المعتزلة زالاشاعرة والجهمية أو غير ذلك
- القسم الثاني : المحاورات التي يريد كل من الخصمين ثنى صاحبه الى مايرى وهذا الذي يذمه أهل السنة يذمه السلف يذمونه يمقتونه ويشددون النكير على أهله فلم يكن السلف يجلسون الى أهل الاهواء للمحاورة تسمع مني وأسمع منك بل إذا أتاهم من يعلمون أنه صاحب هوى تركوه وقاموا من المجلس حتى يخرج ومن كان مسترشدا طالبا للحق فإنهم يبينوا له الحق بدليله وإن كان له شبهة كشفوها بالدليل (3)
.أخرج الامام أحمد في الزهد .أن الحسن رحمه الله سمع قوم يتجادلون فقال :هؤلاء قوم ملٌوا العبادة وخف عليهم القول وقل ورعهم .(4)
"" قال الشيخ صالح ال الشيخ حفظه الله :أي ملٌوا نشر العلم والعبادات المعروفة وملٌوا الخير إما بالنقاشات في العقيدة أو مما هو ليس مقصود به الحق وإنما المغالبة ""(5).
قال الاوزاعي رحمه الله :"" بلغني أن الله عزوجل إذا أراد بقوم شراً لزمهم الجدال ومنعهم العمل ""(6)
وأخرج إبن بطة رحمه الله في الابانة :أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله قال :"" من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل ""(7)
وقال ابراهيم التيمي رحمه الله في قوله تعالى (( فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء )) (المائدة ظ،ظ¤ )
""قال الخصومات بالجدل في الدين ""(8)
والنصوص في ذم الجدال الممقوت وأهله كثيرة فهي لا تحصى ولا تعد ولهذا ينبغي على طالب العلم ألا يشتغل بالمجادلة التي لا يقصد بها الوصول الى الحق فإذا ناقش أو جادل مع إخوانه أو زمالائه يجب عليه أن لا يفتح سبيلا للشيطان في المجادلة وأن يكون قصده بيان الحق وحل مسألة لا على سبيل الانتصار لرأيه والمغالبة فخيرها ا الصمت لأنه قد يورث التكبر عن الحق .
نسأل الله أن يوفقنا الى الحق وأن يثبتنا وأن يجنبنا الخصومات والمراء والجدال المذموم وأن يبصرنا في الدين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين .



______________________________________
1- أخرجه أحمد في السند (2/252.256)
2- تفسير ابن القيم (سورة النحل)
3- شرح أصول السنة للامام أحمد (ص9)
4- اخرجه أحمد في الزهد (ص 672) وأبو نعيم في الحلية (2/157)
5- شرح أصول الايمان للامام محمد بن عبد الوهاب (ص416)
6- جامع بيان العلم وفضله ابن عبد البر (2/123)
7- جامع بيان العلم وفضله ابن عبد البر (2/128)
8- جامع بيان العلم وفضله (2/124)


كتبه أبو يونس طارق العنابي يوم 15 ذو الحجة 1439هجري