إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رد الجواب على مقال تنبيه الأصحاب

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رد الجواب على مقال تنبيه الأصحاب

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الأنبياء وإمام المتقين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
    جزى الله أخانا عمادا خير الجزاء على ما أبداه لنا من نصح وبيان في مقاله الموسوم بـ:(( تنبيه الأصحاب على ما حوى ـ تنبيه ذوي الألباب ـ من الوهم ومجانبة الصواب))، كما أسأله سبحانه وهو خير مسؤول أن يجعل أعمالنا وأعماله خالصة لوجهه الكريم وأن يجنبنا وإياه الانتصار لأنفسنا، إنه جواد كريم، ولقد حوى تنبيهه لفتات طيبة وتوجيهات قيمة لا غنى لطالب الحق عنها ولا مناص للعبد من قبولها، ولا حيلة لمنصف في ردها، وتعلق جلها بما يحسنه من علوم اللغة والأدب، واعلم أن كل ما لم يذكر في هذه الوقفات من بيان فإنه مما أقررت أخانا عمادا عليه وأستغفر الله منه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
    هذا وليعلم صاحب التنبيه وغيره أنه ما حملني على التعليق على كلامه إلا أنه بلغني أن بعض الناس اغتر بتنبيهه وحسبه شيئا له حاصلا، وردا يسمن ويغني من جوع، فأحببت أن أنبه كل إخواني أن جل ما في هذا المقال كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا.
    وما أثناني عن الرد والتعليق ما علمه كثير من إخواننا ما جرى لنا في هذه الأيام من أمور يتعذر معها الاقدام ويحول وقعها على النفس دون ما يهم به المرء ويريده، فالحمد لله الذي له الحكمة البالغة على ما أجراه وما يجريه علينا مما هو خير إن شاء الله لنا في ديننا ودنيانا.
    قال وفقه الله وزاده من فضله في مطلع تنبيهه: ولا بد أن أنبه على أنني لم يسبق لي أن تكلمت مع الأخ المهداوي ـ وفقه الله ـ ولا أعرف شخصه ولا عينه، ولا خبر لي بمنزلته وسنه.
    أقول: كلنا ذاك الرجل، فإن يسر الله لنا اللقيا في هذه الدنيا فخير، وإلا فأسأل الله عز وجل في هذه الأيام المباركات، باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب، أن يجمعنا بكم في دار كرامته، وأن يثبتنا وإياكم على دينه القويم وصراطه المستقيم، إلى يوم لقياه إنه جواد كريم. آمين
    ولعلي أورد في هذا المقام كلاما طيبا لعلم من أعلام الحديث في هذا الزمن وهو الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله، نعتبر به نحن وإخواننا ليكون سببا معينا لاتساع صدورنا لقبول الحق والاذعان له، قال رحمه الله:
    وما أحب أن أدير مناظرة أو جدالا حول المآخذ التي أخذها علي، فما زعمت قط ولا زعم لي أحذ أني لا أخطئ، وكلنا نخطئ ونصيب، ثم يكون هو أنفذ مني بصرا في الشعر وما إليه وهو كذلك فيما أعتقد، وليس من وراء الجدال من فائدة، إلا المراء وقد نهينا عنه أشد النهي.
    إلى أن قال رحمه الله:
    ولقد زعم كثير من إخواننا، ووصل إلي ذلك: أني ضقت بنقد الأستاذ السيد صقر في المرتين، وما أظن الذي زعم ذلك أو توهمه يعرف شيئا من خلقي، فما ضاق صدري بشيء من نقد قط، لان أو قسا، والعلم أمانة.
    بل إني لأرى أن الضيق بالنقد والتسامي عليه ليس من أخلاق العلماء، وليس من أخلاق المؤمنين، إنما هو الغرور العلمي، والكبرياء الكاذبة، وحسبنا في ذلك قول الله تعالى: (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم)، وما قال أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب، إذ ردت عليه امرأة، وهو على المنبر يخطب خير مجتمع ظهر على وجه الأرض، قال كلمة صريحة بينة: ((امرأة أصابت ورجل أخطأ)) لم تأخذه العزة بالإثم، وتسامى على الكبرياء والغرور العلمي، وعمر هو عمر. اهـ من صدى النقد للعلامة أحمد شاكر رحمه الله. أورده في مقدمة تحقيقه لكتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة. ط دار التوفيقية للكتاب ص 35.
    هذه ذكرى، وإلى المقصود إن شاء الله:
    قال وفقه الله: (لكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض).
    يقال: يعلم الله عز وجل أننا ما انتهضنا لأجل المعارضة كيف وكلنا صاحب سنة، ما أردنا والله يعلم ما نسر وما نعلن، إلا إحقاق الحق ورفع مناره وإبطال الباطل وإخماد ناره، على حسب ما بدا لنا فما كان ينبغي لك أن تورد هذه العبارة لما فيها من سوء الظن بالمسلم، قال عمر رضي الله عنه: لا يحل لامرئ مسلم يسمع من أخيه كلمة يظن بها سوءا، وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجا. الأداب الشرعية لابن مفلح ج 1 ص91.
    وها أنت أخي تجد لنا في الخير مخرجا في قولك: لأنه شدد علي في مواضع بحسب ما اقتضاه المقام عنده لخطر المسألة التي يتناولها، مع أنه لا يلزمني شيء من ذلك كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
    فهلا بنيت على ما قلت واجتنبت سوء الظن كما أمرك الله تبارك وتعالى في قوله: (واجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم) وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله: ـ إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ـ غفر الله لنا ولك وأعاننا وإياك على العمل بما علمنا إنه جواد كريم.
    وأما قولك:
    ـ الثاني: أنك قلت: (وهو نقله لكلام بعض أهل الشأن ...) مع أن الكلام الأول لم أنقله عن أهل الشأن ولم أسنده لأحد بعينه .... إلى قولك فهذا ذهول منك ولا ضير فإن هذا مما لا يسلم منه أحد.
    يقال: جوابا على هذا الذي ذهبت إليه:
    أولا: أنني بنيت ما قلت على بعض من ذكرت قوله من أهل الشأن في بيان علو كعب الكتاب، سواء من ذكرته باسمه أو من أبهمته.
    وثانيا: لا يتصور أن يستشهد بكلام في الحكم على فن ما ممن لا يحسن أو يجهل ذلك الفن، فبان بإذن الله وجه نسبة الأهلية لمن ذكرت ولو لم تسمهم أنت أو غيرك. فلعل هذا ذهول منك ولا ضير فإن هذا مما لا يسلم منه أحد.
    وقال وفقه الله:
    الثالث: أن قولك: (لا ينبغي أن يورد بلا تعليق...) لا بد عليه من وقفة .......إلى قوله: وإنما أطلت الكلام في مثل هذا لأنها نقطة مهمة يغفل عنها الكثير. إلخ
    يقال: لا بد على هذه الوقفة من وقفات:
    الأولى: على قولك: (لست ملزما بالتعليق)، فليعلم كل من تنصب للدعوة ونشر الخير سواء بالكتابة أو الخطابة أو غيرها أنه يجب عليه أن يدل الناس على كل ما علمه من خير وأن يحذرهم من كل ما علم أنه شر وله في النبي صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فما ترك من خير علمه لأمته إلا دلها عليه وما ترك من شر علمه بأبي هو وأمي إلا حذر الأمة منه، هذا وقد كان صلى الله عليه وسلم يغير المنكر وما لا ينبغي بيده ولسانه وقلبه، وأرشد أمته إلى ذلك في قوله: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان رواه مسلم.
    واعلم يا طالب الحق أن الخطأ يرد على قائله كائنا من كان ولا ينبغي إقراره والسكوت عليه فهذا يفتح على الناس باب شر، هذا من جهة ومن جهة أخرى: لا يعارض أمر الله ورسوله بفعل من قل علمه بمقاصد الشريعة ممن اشتغل بالذي هو أدنى وترك الذي هو خير، من أمثال الجاحظ وغيره، فإنما تعرض أقوال القوم وأفعالهم على الكتاب والسنة فمن وافق فذاك، ومن خالف يرد عليه قوله ولو بلغت عمامته عنان السماء.
    قال فضيلة الشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله
    فلا يجوز لأحد أن يقدم على قول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قول أحد من الناس ، وليعلم في هذا الباب أمرين عظيمين ، ويحققهما فإن هو حققهما قد فاز وأفلح وإن هو فرّط فيهما أو في واحد منهما فقد خاب وخسر .
    الأول : أن الله جلّ وعلا إنما افترض علينا طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .
    الثاني : أن الحق هو ما قامت الأدلة من الكتاب والسنّة عليه صريحة وصحيحة وإذا كان كذلك فلا يجوز لك أن تعدل عنه ، ولتعلم أن الرجال يعرفون بالحق ، لا الحق بالرجال .
    قال الشافعي رحمه الله : أجمع الناس على أنّ من استبانت له سنّة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس ، فنحن نعلم أن العلماء إنما هم واسطة وأدلة يدلوننا على شرع الله تبارك و تعالى فيما عجزنا عن فهمه ، فنستعين بآرائهم وأقوالهم وشروحاتهم للأحاديث والآيات القرآنية ، نستعين بها على فهم كتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن أصاب الحق فذلك من فضل الله عليه قبلنا قوله ومن أخطأ الحق وكان من أهل الفضل والصدق والإتباع فهو لا يخلو إن شاء الله من أجر الإجتهاد ونرد عليه قوله الذي أخطأ فيه لأننا على هذه القاعدة نعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال فكل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال الإمام مالك ، إمام دار الهجرة رضي الله عنه ، فإذا نحن سلكنا هذا المسلك ووطنّا أنفسنا عليه وثبتناها على هذا السبيل فلنبشر بالخير ، نعلم أنّ الرجال يُطلب الحجة لأقوالهم لا أنّ أقوالهم تكون حجة على الله ورسوله وفي شرعه لا ، الرجال يطلب لهم الحجة ، يطلب لهم الدليل على ما يقولون فمن جاء بالدليل واضحا على مقاله صريحا صحيحا قُبل ومن لا ، فلا .
    المصدر : مقطع مفرغ من شريط بعنوان وصايا للأندونيسيين [ الدقيقة 19 و55 ثا ] لفضيلة الشيخ محمد بن هادي المدخلي حفظه الله
    الثانية: على قولك: ألا ترى أنهم ينقلون في باب النحو والبلاغة والأدب نقولا وشواهد ظاهرة البطلان ومع ذلك لا يعلقون عليها بشيء.
    فإذا كان الأمر كما تقول ظاهر البطلان أي بينه، فقد يعتذر مورد هذا الأمر الذي هو بين البطلان، بأنه لا يكاد يخفى على أحد من الناس، وهذا عذر مقبول إن شاء الله، ولا يلحق مورده تشنيع ولا ذم، أما ما يشكل على كثير من عوام المسلمين ويدخلهم في دهاليز الشك والريبة فهذا مما لا ينبغي إغفاله والسكوت عنه، لما فيه من الضرر المحقق الذي يلحق الناس في عقائدهم وما يدينون به ربهم سبحانه وتعالى
    الثالثة على قولك: وذلك أن هذا الباب -أي الكتابات الأدبية- مبني على المسامحة والمساهلة، فيتساهلون فيه ما لا يتساهلون في غيره، إما من جهة مخالفتها للشرع أو من جهة مخالفتها للعقل، ويكفيك ذلك أن تنظر شعر الجاهليين فيتبين لك ما أريد.
    يقال: قد تقدم الجواب على أن تساهل القوم لا يخصص نصوص الشرع كما هو معلوم، واعلم يا مريد النجاة والفوز يوم القيامة أن الحق ما شهد له كتاب الله أو سنة رسوله أنه حق، والباطل ما شهد عليه بالبطلان كلام ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، هذا أولا، وثانيا: كلام الجاهليين ظاهر البطلان لما قد علم كل الناس ما كان عليه القوم من كفر وضلال، والشيء من معدنه لا يستغرب كما قيل، وأما قولهم (قرآن النحو) فهذا تعلقه بأصل الدين وهو كلام ربنا فلا يقاس هذا على هذا.
    الرابعة على قولك: فليس لهم هم من إيراد تلك النصوص سوى بيان بلاغة اللغة وطرق تأليف الكلام، فلو كانوا يتوقفون عند كل نص لبينوا ما فيه من مخالفات لخرجوا عن أصل الموضوع.
    يقال: إن إيراد القوم لما تحتج علينا به من تلك النصوص فهو من باب بيان بلاغة اللغة، وطرق تأليف الكلام فهل كلامك كذلك؟ أم ما نقلته تعلقه ببيان علو كعب الكتاب ولا تعلق له ببيان نكت اللغة وطرق تأليف الكلام، فهل يستقيم الاحتجاج به وبين إيراد الكلامين فرق في القصد كما هو ظاهر؟.
    الخامسة على قولك: وعلى هذا درج الأئمة والعلماء، فانظر مثلا صنيع ابن عبد البر في كتابه ”بهجة المجالس”؛ كيف يورد القصص الخيالية والأسطورات الغريبة التي تخالف الشرع والعقل، ويعلم بطلانها ضرورة ولا يعلق عليها بشيء، وأحيانا يقول: (هذه قصة منكرة).
    يقال: تقدم الجواب على قبول عذر من اعتذر بأن ما أورده يعلم بطلانه ضرورة فلا حاجة لنا في إعادته ههنا، وهنا سؤال: ما تعليقك على قوله رحمه الله (هذه قصة منكرة) أليس هذا من البيان والتعليق؟ فإن قلت هو كذلك ولا حيلة لك إلا أن تقول: هو كذلك. فعندها نقول هدمت كل ما بنيته بنقلك لكلام هذا الإمام السني رحمه الله ورفع درجاته في عليين.
    السادسة على قولك: وانظر إن شئت في ”الكامل” للمبرد، و“البيان والتبيين” للجاحظ وسترى العجب، ولا يزال العلماء يوصون بهذه الكتب وأمثالها ويعدونها من أصول الأدب والدواوين المهمة التي ينبغي أن ينظر فيها طالب العلم، ولا ينتقدون ما فيها من النصوص.
    يقال: لا يزال العلماء يوصون بهذه الكتب على أنها كتب لغة وأدب لا تتعدى ذلك، ولا تحمل وصيتهم على أن كل ما في الكتاب صالح ومقبول، ولا يفهم من هذا أنه لا تنتقد الأخطاء الواردة فيها سواء من ناحية صنعة القوم أو العقيدة أوغيرها. والله أعلم.
    السابعة على قولك: وهذا ابن قتيبة يقول في مقدمة كتابه: ”عيون الأخبار”: (ولم أخله مع ذلك من نادرة طريفة، وفطنة لطيفة، وكلمة معجبة وأخرى مضحكة، لئلا يخرج الكتاب عن مذهب سلكه السالكون وعروض أخذه فيها القائلون، ولأروح بذلك عن القارئ من كد الجد وإتعاب الحق، فإن الأذن مجاجة، وللنفس حمضة، والمزح إن كان حقا أو مقاربا ولأحايينه وأوقاته وأسباب أوجبته مشاكلا؛ ليس من القبيح ولا من المنكر ولا من الكبائر ولا من الصغائر إن شاء الله).
    يقال: لو تأملت الكلام لما أوردته لأنه حجة عليك لا لك: فقوله رحمه الله: (ولم أخله مع ذلك من نادرة طريفة، وفطنة لطيفة، وكلمة معجبة وأخرى مضحكة)، لا محذور فيه ولا خطأ وإنما هو نزول من الجد إلى الترويح، وما اشتمل كلامه على كبيرة ولا صغيرة، ولا ما يوجب الرد والبيان، ولا أدل على ذلك من قوله رحمه الله: (والمزح إن كان حقا أو مقاربا ولأحايينه وأوقاته وأسباب أوجبته مشاكلا؛ ليس من القبيح ولا من المنكر ولا من الكبائر ولا من الصغائر إن شاء الله). وقوله رحمه الله: (واعلم أنك إن كنت مستغنيا عنه بتنسكك فإن غيرك ممن يترخص فيما تشددت فيه محتاج إليه، وإن الكتاب لم يعمل لك دون غيرك، فيهيأ على ظاهر محبتك، ولو وقع فيه توقي المتزمتين لذهب شطر بهائه وشطر مائه، ولأعرض عنه من أحببنا أن يقبل إليه معك).
    إلى أن قال: (وإنما مثل هذا الكتاب مثل المائدة تختلف فيها مذاقات الطعوم لاختلاف شهوات الآكلين، وإذا مر بك حديث فيه إفصاح بذكر عورة أو فرج أو وصف فاحشة فلا يحملنك الخشوع أو التخاشع على أن تصعر خدك وتعرض بوجهك، فإن الأسماء لا تؤثم وإنما المأثم في شتم الأعراض وقول الزور...).
    وانظر إلى قوله رحمه الله: (وأحببت أن تجري في القليل من هذا على عادة السلف الصالح من إرسال النفس على السجية والرغبة بها عن لبسة الرياء والتصنع، ولا تستشعر أن القوم قارفوا وتنزهت، وثلموا أديانهم وتورعت). فهو مع هذا يذكر أن له سلفا فيما ذهب إليه من إرسال النفس والترويح عنها.
    فعلى ما أوردته وهو لا يخدمك ولا يمت إلى ما أوردته بصلة؟. بل هو يناقض قولك، ويهدم صرحك، كما تقدم.
    وانظر لصنيعه رحمه الله تعالى، في كتابه الفذ الشعر والشعراء، عندما أورد أبياتا للطرماح بن حكيم الطائي في هجو قبيلة بني تميم:
    أفخرا تميما إذ فتية خبت***ولؤما إذا المشرفية سلت
    ولو خرج الدجال ينشد دينه***لوافت تميم حوله واحزألت
    في أحد عشرة بيتا، ذكرها برمتها تركتها اختصارا، فقال بن قتيبة رحمه الله معلقا: وهذا من الإفراط. اهـ من الشعر والشعراء. ج 2ص492ـ493.ط دار التوفيقية للكتاب. ت أحمد شاكر رحمه الله.
    وعلق على كلام أبي نواس وأبي العتاهية وغيرهما في مواطن عديدة بقوله: ومما أخذ عنه قوله: ثم يذكر ما قاله. وهذا تعقيب وتعليق وهو في كتاب من كتب الأدب، كما لا يخفى عليك.
    وقال وفقه الله:
    الرابع: أن العلماء قد ينقلون نصا لهم فيه غرض فيسكتون عما فيه من المخالفة لئلا يخرج بالقارئ عن ذلك الغرض، فهذا شيخ الإسلام يفعل ذلك في كثير من كتبه، ومن ذلك صنيعه في ”الفتوى الحموية الكبرى” حيث ينقل عن جماعة من أئمة الصوفية والأشاعرة لبيان بطلان مقالة التأويل دون بيان لحال أولئك القوم، وقد يرد في نصوصهم ما هو صريح في مخالفة طريقة السلف، لكن لا ينبه على ذلك لعدم تعلقه بغرضه الذي لأجله ساق تلك النصوص، ثم هو يعتذر لنفسه في الأخير بقوله: (وليعلم السائل أن الغرض من هذا الجواب ذكر ألفاظ بعض الأئمة الذين نقلوا مذهب السلف في هذا الباب، وليس كل من ذكرنا شيئا من قوله من المتكلمين وغيرهم يقول بجميع ما نقول في هذا وغيره، ولكن الحق يقبل من كل من تكلم به...)
    قال متعقبه عفا الله عنه:
    هذا الكلام كسابقه حجة عليك لا لك: والرد عليه من عدة أوجه:
    الأول على قولك: : أن العلماء قد ينقلون نصا لهم فيه غرض فيسكتون عما فيه من المخالفة لئلا يخرج بالقارئ عن ذلك الغرض. ادعاء لا بد له من بينة.
    الثاني على قولك: فهذا شيخ الإسلام يفعل ذلك في كثير من كتبه، ومن ذلك صنيعه في ”الفتوى الحموية الكبرى”. هذه أيضا كسابقتها ويا حبذا لو تذكر لنا أمثلة على ذلك، بشرط الفهم الدقيق لكلام شيخ الاسلام رحمه الله.
    الثالث على قولك: حيث ينقل عن جماعة من أئمة الصوفية والأشاعرة لبيان بطلان مقالة التأويل دون بيان لحال أولئك القوم، وقد يرد في نصوصهم ما هو صريح في مخالفة طريقة السلف، لكن لا ينبه على ذلك لعدم تعلقه بغرضه الذي لأجله ساق تلك النصوص، ثم هو يعتذر لنفسه في الأخير.
    فيقال جوابا على هذا، أولا: نقل شيخ الاسلام رحمه الله لشيء من كلام أئمة التصوف والكلام وغيرهم، إنما هو لبيان الحق الذي أجراه الله على ألسن من يعظمونه ممن هو من أكابرهم، وهذا أدعى لرجوعهم وفيئهم، كما هو معلوم. ثانيا: ما نقله شيخ الاسلام في هذا المعرض إلا لأنه حق، بدليل قوله رحمه الله: (ولكن الحق يقبل من كل من تكلم به...).
    ثالثا: قولك: دون بيان لحال أولئك القوم. مردود بما نقلته من كلامه رحمه الله: (وليعلم السائل أن الغرض من هذا الجواب ذكر ألفاظ بعض الأئمة الذين نقلوا مذهب السلف في هذا الباب، وليس كل من ذكرنا شيئا من قوله من المتكلمين وغيرهم يقول بجميع ما نقول في هذا وغيره، ولكن الحق يقبل من كل من تكلم به...)، فهذا بيان لحال من استشهد بأقوالهم، وهو في غاية الوضوح، فأين دعواك أنه لم يبين حال القوم. فهذا ليس اعتذارا للنفس كما فهمت وإنما هو نصح وبيان منه رحمه الله لكي لا يغتر بهم من رأى شيخ الاسلام يستشهد بكلامهم، وتمعن في قوله رحمه الله: (وليس كل من ذكرنا شيئا من قوله من المتكلمين وغيرهم يقول بجميع ما نقول في هذا وغيره، ولكن الحق يقبل من كل من تكلم به...).
    وقال وفقه الله: واعلم -علمني الله وإياك- أن ثلاثة أفراد هو أقل ما يحصل به الجمع.
    قال متعقبه عفا الله عنه:
    هذا فيه إيهام للسامع أن هذا ما ورد في المسألة على سبيل القطع وهذا غير صحيح. قال أبو الوليد الباجي رحمه الله تعالى: فصل:
    أقل الجمع اثنان عند جماعة من أصحاب مالك رحمه الله تعالى، وحكى القاضي أبو بكر بن الطيب أنه مذهب مالك.
    وقال بعض أصحابنا وأصحاب الشافعي: أقل الجمع ثلاثة. اهـ من الإشارة في معرفة الأصول. ص 216 ت العلامة محمد علي فركوس حفظه الله تعالى.
    فالمسألة محل خلاف كما لا يخفى وهي مبسوطة في كتب النحو وأصول الفقه، ولو قلت: واعلم -علمني الله وإياك- أن ثلاثة أفراد هو أقل ما يحصل به الجمع على الصحيح، لكان أليق وأنسب.
    وقال وفقه الله: فأنت مدرك أن مؤاخذاتك قليلة جدا وضعيفة الحجة، فلم تجد سبيلا إلى تعظيمها وتفخيمها لشد القارئ سوى بالتضخيم والتهويل -غفر الله لك-.
    قال متعقبه عفا الله عنه:
    وهذا من سوء الظن والتخرص الباطل الذي لا طائل من وراءه إلا محض التعريض والتهكم بالغير، ألست أنت القائل: (بحسب ما اقتضاه المقام عنده لخطر المسألة التي يتناولها)، فما الذي يحملك على التحامل على أخيك غفر الله لك، ولسنا والحمد لله ممن يسعى لشد القراء كما سولت لك نفسك، واعلم أنه ما حملنا على الكلام والتعليق إلا غيرتنا على عقيدتنا وديننا، وكلام ربنا، وما كنت أظن أن يتنزل الأمر إلى هذه الدركة المتدنية، غفر الله لنا ولك.
    وقال وفقه الله: ثالثا: حكمك على ما نقل عن ابن محمد عيسى من أنه كان له ورد في ”الكتاب” بالطلان تجاوز ظاهر ومجازفة خطيرة........إلخ.
    يقال جوابا على هذا: قد أبديت التراجع عما فهمت عند تنبيه الأخ منصور كريرات جزاه الله خيرا، وذلك في قولي: وأما ما ذكرته أبا محمد ثالثا فتوجيه طيب ونظرة إن شاء الله موفقة وتعقيب في محله زادك الله من فضله، ولكن فاعله جاوز به الحد، ولعلك توافقني فيما أنقمه وأنكره. فما كان ينبغي أن تحمل علينا وقد بدا لك ما قلنا، ولازلت على أن فاعله جاوز به الحد، كما سيأتي بيانه في محله إن شاء الله.
    وقال وفقه الله: ولا غرابة أن يأخذ إنسان كتابا فيجزئه ويجعل لنفسه وردا فيه، ويحدد له مدة يختمه فيها المرة بعد المرة، كما يجعل لنفسه وردا من القرآن ويحدد مدة من الزمان يختمه فيها المرة بعد المرة، وكلما ختمه استفتحه مرة أخرى.
    يقال جوابا على هذا: إن مما لا يخفي على كل عاقل أهمية الوقت وسرعة انقضاء العمر، ولما كان الأمر كذلك كان لزاما على المسلم أن يغتنمه فيما يعود عليه بالنفع في دنياه وأخراه، وأن يشتغل بالأهم فالأهم، ولقد تظافرت نصوص الكتاب والسنة، وأقوال العلماء في توجيه الناس وصرف هممهم إلى هذا المعنى الشريف ألا وهو اغتنام الوقت وعدم تضييعه، وهذا الأمر لعظيم أهميته وكثرة التنبيه عليه لا يكاد يخفى على أحد من المسلمين، قال الله تعالى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب). وفي قوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الحاكم وصححه الألباني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك.
    قال بن القيم رحمه الله: وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم وهو يمر مر السحاب فما كان من وقته لله وبالله فهو حياته وعمره وغير ذلك ليس محسوباً من حياته وإن عاش فيه عيش البهائم فإذا قطع وقته في الغفلة والسهو والأماني الباطلة وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة فموت هذا خير له من حياته "
    وما أحسن ما قاله بن الجوزي رحمه الله لمن تأمله، وذلك في كتابه القيم تلبيس إبليس:
    ذكر تلبيسه على أهل اللغة والأدب:
    قد لبس على جمهورهم فشغلهم بعلوم النحو واللغة من المهمات اللازمة التي هي فرض عين عن معرفة ما يلزمهم عرفانه من العبادات وما هو أولى بهم من آداب النفوس وصلاح القلوب وبما هو أفضل من علوم التفسير والحديث والفقه فأذهبوا الزمان كله في علوم لا تراد لنفسها بل لغيرها فإن الإنسان إذا فهم الكلمة فينبغي أن يترقى إلى العمل بها إذ هي مراده لغيرها فترى الإنسان منهم لا يكاد يعرف من آداب الشريعة إلا القليل ولا من الفقه ولا يلتفت إلى تزكية نفسه وصلاح قلبه
    ومع هذا ففيهم كبر عظيم وقد خيل لهم إبليس أنكم علماء الإسلام لأن النحو واللغة من علوم الإسلام وبها يعرف معنى القرآن العزيز ولعمري أن هذا لا ينكر ولكن معرفة ما يلزم من النحو لإصلاح اللسان وما يحتاج إليه من اللغة في تفسير القرآن والحديث أمر قريب وهو أمر لازم وما عدا ذلك فضل لا يحتاج إليه وإنفاق الزمان في تحصيل هذا الفاضل وليس بمهم مع ترك المهم غلط وإيثاره على ما هو أنفع وأعلى رتبة كالفقه والحديث غبن ولو اتسع العمر لمعرفة الكل كان حسنا ولكن العمر قصير فينبغي إيثار الأهم والأفضل. ص114ـ115ط دار بن الجوزي.
    وما أكثر ما نسمع من علماء السنة والحديث ممن علم مقاصد الشريعة والحكمة من خلقه: (النحو في الكلام كالملح في الطعام). فهل ما كان كالملح في الطعام يشتغل به حتى يتلى كما يتلى كتاب الله ـ تشبيها للتلاوة بالتلاوة ـ أليس هذا من مجاوزة الحد والاشتغال بما هو أدنى وترك الذي هو خير.
    ثم لا يلزم من كلامنا أننا ننكر على طلاب العلم أن يجعلوا لأنفسهم أورادا لمراجعة أو حفظ المتون، وهذا تحامل ظاهر، وإلزام باطل غفر الله لك.
    وقال غفر الله له: رابعا: اعلم -رحمك الله- أن جادة أهل العلم أن يحكموا على الأخبار بالكذب لا بالبطلان، وأما البطلان فهو للأحكام والعقود والعقائد.
    قال متعقبه عفا الله عنه: جادة أهل العلم أنهم يطلقون البطلان على الأخبار.
    قال محمد بن علي الشوكاني رحمه الله:
    150ـ حديث الأمناء عند الله ثلاثة: أنا وجبريل ومعاوية.
    قال النسائي، وبن حبان والخطيب إنه باطل. وروي من وجه آخر قال فيه النسائي وبن حبان: باطل موضوع. وقال بن عدي: هو باطل من كل وجه.
    إلى أن قال: ورواه الطبراني في الأوسط وفي إسناده من لا يعرف، وقال في الميزان: هذا خبر باطل، وقال بن عدي: باطل. اهـ من الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة. ص404 ط دار الكتب العلمية. ت: المعلمي اليماني رحمه الله.
    فهذا كلام أئمة الشأن كما ترى فهلا سميت لنا من سبقك إلى هذا، وإني لك ناصح وعليك مشفق، إياك أن تطلق أحكاما ليس لك فيها سلف.
    واعمل بما نصحتنا به في قولك: فكما شددت في باب الغلو كذلك شدد في باب القول على الله بغير علم.
    فلا تكن أخي كمن قيل فيه:
    كحامل لثياب الناس يغسلها***وثوبه غارق في الرجس والنجس.
    وقال وفقه الله تعالى:
    خامسا: أن قولهم: (قرآن النحو)، إنما المقصود به المبالغة في المدح، وفرق بين المبالغة في الشيخ والغلو فيه، فالبالغة أن ترفع الشيء عن منزلته وتجعله في منزلة عاليه بعيدة المنال دون أن تخرج به عن حده، بخلاف الغلو فهو إخراج الشيء عن رتبته ومنزلته فتتجاوز به حده.
    وجوابا عليه يقال: إذا كنت ترى أن هذا ليس من مجاوزة الحد ولا من الغلو فيصدق عليك قول القائل:
    يبتلى المرء في أيام محنته***حتى يرى حسنا ما ليس بالحسن.
    وجوابك هذا إلى قولك: (فكل ما ذكرته في الوجه الأول خارج عن الموضوع واستطراد ليس هذا محله، إذ بنيت على ظن وتوهم مخالف للواقع ولإطلاق العرب وقصد البلغاء في التشبيه).
    تكلف ظاهر لا يخفى على كل منصف.
    وقال وفقه الله: سادسا: أن تسمية غير كلام الله بالقرآن أو المصحف قد درج عليه عمل السلف وأهل الحديث، ومن ذلك (نقلا من الشبكة) قول السخاوي في ”فتح المغيث”: (الأعمش الإمام الثقة الذي كان شعبة يسميه لصدقه "المصحف")، وقال في فصل مراتب التعديل منه: (ومن صيغ هذه المرتبة كأنه مصحف).
    وقال الباجي في "التعديل والتجريح": (قال عبد الرحمن: سألت أبي عن مسعر بن كدام إذا خالف الثوري؟ قال: يحكم لمسعر فإنه مصحف).
    بل أصرح من ذلك قول عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن)، فسمت الخلق قرآنا.
    يقال:
    هل أنت تدري ما تكتب وتعي ما تقول؟ ولعلنا نقف وقفات مع كلامك هذا وأصغها سمعك وتدبر القول علك تفهم ما قلت، فيحصل لك بذلك الخير والفلاح، وتفيء إلى جادة الحق والصواب.
    الوقفة الأولى: وهي مع قولك: أن تسمية غير كلام الله بالقرآن أو المصحف قد درج عليه عمل السلف وأهل الحديث.
    يقال أولا: أما كون السلف وأهل الحديث أطلقوا على بعض الأئمة أنهم مصاحف فنعم، وهذا كل ما جاء في الباب، وألفت نظرك ونظر القارئ الكريم إلى قول السخاوي رحمه الله: (الأعمش الإمام الثقة الذي كان شعبة يسميه لصدقه "المصحف")، أنه إنما استحق هذا الوصف لصدقه رحمه الله، ومما يزيد هذا المعنى وضوحا ما روى ابن حبان بسند صحيح في كتاب الثقات(7/508) عن عبد الله بن داود الخريبي أنه قال: كان مسعر بن كدام يسمى المصحف لقلة خطأه وحفظه.
    ثانيا: لم يرد فيما ذكرت من كلام الأئمة إطلاق القرآن على غير كلام الله تعالى، وهذا لدقيق فهمهم رحمهم الله وكبير إحاطتهم، ولعلمهم أن المصحف يطلق على كلام الله وغيره بلا خلاف بينهم. وأما القرآن ففيه كلام سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.
    واعلم أن في كلامك هذا إيهام للقارئ أن القرآن يطلق على غير كلام الله تعالى، وسنحسن بك الظن امتثالا لأمر ربنا أنك ما تعمدته وإنما خفي عليك كما قد يخفى على غيرك. ثم يقال إن باب البحث مفتوح لك كما هو مفتوح لغيرك أن يأتينا من كلام السلف تسميتهم لغير كلام الله قرآن، وسيأتي بإذن الله ما يدل القارئ الكريم على أن هذا منتف حتى في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    ودونك أخي هذا البحث الموثق في بيان معنى القرآن والمصحف لغة واصطلاحا، والفرق بينهما في كلمات مختصرات:
    «القرآن» لغة
    اتَّفق أهلُ اللُّغة - رحمهم الله - على أنَّ لفظ «قرآن» اسمٌ وليس بفعلٍ ولا حرف، لكنَّهم اختلفوا فيه من جهة الاشتقاق أو عدمه، ومن جهة كونه مهموزاً أو غير مهموز، ومن جهة كونه مصدراً أو وَصْفاً، على أقوالٍ عِدَّة، تُجْمَلُ فيما يلي [1]:
    1- أنَّه «اسمٌ عَلَمٌ غير منقول» أي: جامد.
    2- أنه «مهموز» [2] مُشْتَقٌ من: «قَرَأَ» بمعنى: «تلا».
    3- أنه «مهموز» مشتق من: «القَرْء» بمعنى: «الجَمْع».
    4- أنه «غير مهموز» مشتق من: «قَرَنْتُ الشَّيءَ بالشَّيء».
    5- أنه «غير مهموز» مشتق من: «القَرائِن».
    ويظهر - والله أعلم - أنَّ أرجح هذه الأقوال هو القولُ الثَّاني؛ لِقُرْبِ اشتقاقه من كلمة القرآن لفظاً ومعنى [3].
    فالقرآن مصدر «قَرَأَ» بمعنى: «تلا» كالرُّجحان والغفران، ثم نُقِلَ من المصدر وجُعِلَ اسماً للكلام المُنَزَّل على نبيِّنا محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم.
    ويشهد له قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18]. أي: قراءَته.
    وقول حسَّان بن ثابت يرثي عثمانَ -رضي الله عنهما-:
    ضَحَّوا بأشْمَطَ عُنْوانُ السُّجودِ به * يُقَطِّعُ اللَّيلَ تَسْبِيحاً وقُرآناً
    أي قراءةً [4].
    «القرآن» اصطلاحاً:
    ذَكَرَ العلماءُ - رحمهم الله - للقرآن الكريم تعريفاً اصطلاحياً يُقَرِّب معناه ويميِّزه عن غيره، فعرَّفوه بأنَّه: «كَلامُ الله، المُنَزَّلُ على نبيِّه محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم، المُعْجِزُ بِلَفْظِهِ، المُتَعَبَّدُ بِتِلاَوَتِه، المَكْتُوبُ في المَصَاحِفِ، المَنْقُولُ بالتَّواتُرِ».
    وغاية العلماء من ذِكْرِ هذه القيود بشكل عام، هي تحديدُ المُعَرَّفِ، بحيث يكون التَّعريفُ دالاً عليه دلالةً واضحة، مانِعاً من دُخولِ غَيرِه فيه [5].
    ثانياً: معنى المصحف:
    «المصحف» لغة:
    الأصل المشهور في ضبط كلمة: «مُصحف» بضم الميم، ويجوز «مِصْحَفُ» بكسرها، وهي لغة تميم.
    والمصحف لغة: اسمٌ لكلِّ مجموعة من الصُّحُف المكتوبة ضُمَّت بين دفَّتين، وجاء في (اللِّسان) عن الأزهري - رحمه الله: «وإنَّما سُمِّي المصحفُ مصحفاً؛ لأنه أُصْحِفَ، أي جُعل جامعاً للصُّحُفِ المكتوبة بين الدَّفتَّين» [6].
    ومقتضى كلام الفيروزآبادي - رحمه الله: أنَّ المُصحف (بالضم): اسم مفعول من أصْحَفَه إذا جمعه. والمَصحف (بالفتح): موضع الصُّحُف، أي: مجمع الصَّحائف. والمِصحف (بالكسر): آلة تَجْمع الصُّحف [7].
    «المصحف» اصطلاحاً:
    المصحف في اصطلاح العلماء - رحمهم الله: «هو اسمٌ للمكتوب فيه كلام الله تعالى بين الدَّفتَّين» [8].
    ويصدق المصحف على ما كان حاوياً للقرآن كلِّه، أو كان ممَّا يُسمَّى مصحفاً عُرفاً ولو قليلاً كحزب، على ما صرَّح به القليوبي - رحمه الله، أو أقلَّ من ذلك كورقة فيها بعض سورة، أو لوحاً، أو كتفاً مكتوبة [9].
    «وقيل للقرآن مصحف؛ لأنَّه جُمِعَ من الصَّحائِف المتفرِّقة في أيدي الصَّحابة، وقيل: لأنَّه جَمَعَ وحَوَى - بطريق الإجمال - جميعَ ما كان في كتب الأنبياء، وصُحُفِهم، (لا) بطريق التَّفصيل» [10].
    الفرق بين القرآن والمصحف:
    من خلال الاستعراض اللُّغوي للفظ: «قرآن»، ولفظ: «مصحف». وما تبعه من تعريف اصطلاحيٍّ لهما، نستطيع أن ندرك الفرق بينهما، فيقال في الفرق بينهما:
    إنَّ «المصحف»: اسمٌ للمكتوبِ من القرآن الكريم، المجموع بين الدَّفَّتين، و«القرآن»: اسمٌ لكلامِ الله تعالى المكتوبِ في المصاحف [11].
    [1] انظر: معجم مقاييس اللغة (2/396)، المصباح المنير (ص259)، لسان العرب (1/128-131)، القاموس المحيط (ص62)، مختار الصحاح (ص249)، المفردات في غريب القرآن (ص400)، النهاية في غريب الحديث والأثر (4/30-31).
    [2] معنى «مهموز»: أن الهمزة في لفظ «القرآن» أصلية، من: «قرأ».
    [3] انظر: المدخل لدراسة القرآن الكريم، أ.د. محمد أبو شهبة (ص19-23).
    [4] انظر: الإتقان في علوم القرآن (ص137).
    [5] انظر: البحر المحيط في أصول الفقه، للزركشي (1/441)؛ المستصفى (1/64)؛ مباحث في علوم القرآن (ص20)؛ فيض الرحمن في الأحكام الفقهية الخاصة بالقرآن، د. أحمد سالم ملحم (21-29).
    [6] انظر: لسان العرب (7/290-291)، مادة: (صحف).
    [7] انظر: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (1/86).
    [8] انظر: الموسوعة الفقهية، لمجموعة من الباحثين (38/5).
    [9] انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (1/125)؛ حاشية القليوبي على منهاج الطالبين (1/35).
    [10] بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز (1/87).
    [11] انظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني (3/8-9). اهـ من الفرق بين القرآن والمصحف للدكتور محمود بن أحمد الدوسري. نقلا عن الشبكة ليس لنا فيه إلا النسخ واللصق.
    وأما قولك عن حديث عائشة في بيان خلق النبي صلى الله عليه وسلم عندما قالت: كان خلقه القرآن.
    قلت ويا ليتك ما قلت: بل أصرح من ذلك قول عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن) فسمت الخلق قرآنا.
    فعائشة نفسها لم تذهب إلى ما ذهبت إليه، فقد جاء عنها في تمام الحديث الذي أورده الحافظ بن رجب رحمه الله حيث قال: وجاء في رواية عنها: كان خلقه القرآن، يرضى لرضاه ويسخط لسخطه.
    وقال الحافظ رحمه الله: وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن، تعني أنه كان يتأدب بآدابه، ويتخلق بأخلاقه، فما مدحه القرآن كان فيه رضاه، وما ذمه القرآن كان فيه سخطه. اهـ من جامع العلوم والحكم للحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله ـ ج 1 ـ ص 463ـ464.
    قال العلامة المحدث الكبير والناقد النحرير البصير الشيخ الوالد ربيع المدخلي-حفظه الله: وكان سئل رحمه الله بما نصه:
    السؤال : يقول السائل : نسمع بعض الخُطَباء تجري على ألسنتهم في إطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم (كان قرآناً يمشي على الأرض ) أي مطبقا لأحكام القرآن فما حكم هذا ؟
    الجواب :
    ينبغي أن نقول : كان خُلُقُه القرآن كما قالت عائشة - رضي الله عنها - والقرآن كلام الله وليس بمخلوق ومحمد عليه الصلاة والسلام بشر مخلوق وما ينبغي أن نقول مثل هذا الكلام ؛لأننا حاربنا المعتزلة وغيرهم في قولهم القرآن مخلوق ,فكيف نقول مثل هذا الكلام ؟! نقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُطَبِّق القرآن ,كانت أخلاقه مستمدّة من القرآن ,كان خُلُقُه القرآن ,يعمل به ,ويعتقد ما فيه عليه الصلاة والسلام ,هذه والله أعلم تعابير غربية يقلّدون فيها الغرب. اهـ (فتاوى في العقيدة والمنهج ؛ الحلقة الثانية ).
    فإذا انتفى هذا في حق رسول الله فمن كان دونه فمن باب أولى وأحرى، والله أعلم.
    ومما يعضد هذا المعنى أيضا قول أبي الثناء الألوسي رحمه الله في كتابه القيم (روح المعاني): وقد اختلف الناس في تحقيق لفظ القرآن، فالمروي عن الشافعي وبه قال جماعة: أنه اسم علم غير مشتق خاص بهذا الكلام المنزل على النبي المرسل صلى الله عليه وسلم، وهو معرف غير مهموز عنده، كما حكاه عنه البيهقي والخطيب وغيرهما. إلى أن قال رحمه الله:
    قال السيوطي: قلت: والمختار عندي في هذه المسألة ما نص عليه الشافعي رضي الله عنه. انتهى ج1 ص112ـ113.
    يتبع بإذن الله
    والله تعالى أعلم

    وكتبه العبد الفقير إلى عفو ربه المعترف بتقصيره وعظيم ذنبه أبو عبد الرحمن عمر مكي التيهرتي غفر الله له ولوالديه وللمسلمين.
    التعديل الأخير تم بواسطة مكي المهداوي; الساعة 2018-08-26, 10:31 PM.

  • #2
    ما شاءَ اللهُ، هكذا هُم أبناءُ التَّصفيةِ والتَّربيةِ السَّلفيَّةِ، يتذاكرونَ المسائلَ العلميَّةَ، ويملأ كتاباتهم الدُّعاءُ لبعضهم البعض.
    وقد كنتُ قرأتُ تنبيهَ أخينا عماد - وفَّقهُ اللهُ تعالى - ورأيتهُ كفاني مؤنةَ التَّعليقِ، وها أنا اليومَ أقرأُ جوابَ أخينا مكِّي - وفَّقهُ اللهُ تعالى - وقد ظهر لي فيهِ الصَّوابُ في بعضِ الجوانبِ، على أنَّني لا أبحثُ بعدكُما وإنَّما أكتفي بالقراءةِ والتَّعليقِ بما يتيسَّرُ.

    ومعَ أنَّني متشوِّقٌ لقراءةِ باقي الجوابِ، إلَّا أنَّني ألفتُ نظرَ أخي مكِّي - وفَّقهُ اللهُ تعالى - في هذا الجزءِ إلى أنَّ كلامَهُ الَّذي أوردَهُ حولَ أهمِّيَّةِ الحفاظ على الوقتِ والاشتغالِ بما هوَ أنفعُ، وما أنكرهُ العُلماءُ على مَن شغلوا أنفُسَهُم بالنَّحوِ ذلكَ الاشتغالَ الَّذِي تفنى فيه الأعمارُ ويُترَكُ معهُ الاشتغالُ بتحصيلِ ما هوَ أنفعَ للنَّفسِ ليسَ هذا محلَّ إيرادِهِ، إذ هُوَ كلامٌ عامٌّ لا يجوزُ لنا تنزيلهُ إلَّا على مَن كانَ ذلكَ وصفهُ، وليسَ هذا مورِدُهُ كما هوَ ظاهرٌ، فإنَّ اشتغالَ ابنِ محمَّدٍ عيسى بختم الكتابِ كُلَّ خمسَةَ عشرَ يومًا لا يلزمُ منهُ أنَّهُ لا يشتغلُ بغيرهِ أبدًا ممَّا ينفعهُ، وإنَّما هوَ دليلٌ على اهتمامه بهِ، إذ لم يرِد أنَّهُ كانَ شغلهُ الشَّاغلَ طوالَ يومه النَّحوُ أو الكتابُ، وإنَّما هوَ وردٌ كانَ قد جعلهُ لهُ. فتأمَّل.

    وأمَّا ما يتعلَّقُ بتعقيباتكَ على أخينا عمادٍ - وفَّقكُما اللهُ تعالى - حولَ قولهم (قرآنُ النَّحوِ)، فلكَ منها نصيبٌ أصبتَ فيهِ، وهوَ ما بيَّنتهُ من التَّبايُن بينَ لفظي: (القرآن) وَ (المُصحَف)، وهذا قد أحسنتَ فيهِ.
    وأمَّا مُناقشتُكَ لما أورَدُ مِن قولِ أمِّنا عائشةَ - رضيَ اللهُ عنها - وهيَ تصفُ حالَ نبيِّنا - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - بقولها: (كانَ خُلُقُهُ القُرآنَ)، وقد أوردتَ كلامَ الحافظِ ابنِ رجبٍ - رحمهُ اللهُ تعالى - والَّذي جاءَ فيه بيانُ المقصُودِ مِن ذلكَ، وأنَّهُ جاءَ مفسَّرًا في روايةٍ أخرى.
    وأعقبتَ ذلكَ أيضًا بفتوى للعلَّامة ربيعٍ المدخليِّ - حفظهُ اللهُ تعالى - سُئِلَ فيها عن قولِ بعضِ الخُطباءِ: (كانَ قُرآنًا يمشي على الأرضِ) يُطلقُونَ ذلكَ وصفًا لنبيِّنا - صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبهِ وسلَّمَ - بأنَّهُ كانَ يُطبِّقُ أحكامَ القُرآنِ.
    فهذا لا يُسَلَّمُ لكَ، وفيه مُفارقَةٌ لما أوردَهُ أخونَا عمادٌ - وفَّقَكُما اللهُ تعالى -، وبيانُهُ:
    أنَّكَ فيما أوردتَهُ في فتوى العلَّامةٍ ربيعٍ - حفظهُ اللهُ تعالى - كلامٌ مُفارقٌ لكلامِ الحافظِ ابنِ رجبٍ - رحمهُ اللهُ تعالى - ومُفارقٌ لما أوردَهُ أخونا عماد، وذلكَ أنَّ الخطباءَ الَّذينَ أطلقُوا تلكَ العبارةَ إنَّما جعلُوا نبيَّنا - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - قُرآنًا بذاتهِ، وهذا معلومُ البُطلانِ كما بيَّنَ الشَّيخُ في الفتوى، فالقُرآنُ ليسَ بمخلوقٍ، وإنَّما هوَ كلامُ ربِّنا - جلَّ وعلا -.
    وأمَّا ما أوردتَهُ أنتَ - وفَّقكَ اللهُ تعالى - من كلامِ ابنٍ رجبٍ، وما أوردهُ أخونا عمادٌ - وفَّقهُ اللهُ تعالى - من قولهم (قرآنُ النَّحوِ) ففيهِ وصفٌ، ذلكَ أنَّ أمَّنا عاشة - رضيَ اللهُ عنها - كانت تصفُ خُلُقَ نبيِّنا - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - بأنَّهُ كانَ مُستمدًّا منَ القُرآنِ، فهُوَ - عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ - كانَ متخلِّقًا بأخلاقِ القُرآنِ متأدِّبًا بآدابهِ كما بيَّنتَ من كلامِ الحافظ ابنِ رجبٍ.
    وأمَّا قولهُم (قُرآنُ النَّحوِ) فكذلكَ ليسَ معناها أنَّ كتابَ سيبويه هوَ القُرآنُ، بل هُوَ قُرآنُ النَّحوِ، فالأمرُ هُنا تشبيهٌ بالمنزلَةِ والمكانةِ، وهيَ الأصلُ الَّذي يُرجعُ إليهِ، فكما أنَّ القُرآنَ أصلٌ للشَّريعةِ الإسلاميَّةِ تُستمدُّ منهُ الأحكامُ الشَّرعيَّةُ، فكذلكَ الكتابُ لسيبويه أصلٌ في النَّحوِ يُرجعُ إليهِ.
    على أنَّني أصدُقُكَ القولَ كما صدقتُكَ سابقًا بأنَّ هذه العبارةَ ليسَ فيها أدبٌ معَ القُرآنِ، وإنَّما أعلِّقُ لبيانِ أنَّ ما ذهبتَ إليهِ بعيدٌ جدًّا، ولسنا وللهِ الحمدُ والمنَّةُ مِمَّنْ نرى مثلَ هذا المُنكرِ ونسكُتُ عليهِ، وقد أخبرتُكَ أنَّني مُعجبٌ بحرصكَ هذا، أدامَ اللهُ علينا وعليكَ حُبَّ شريعتهِ والغيرةَ عليها والسَّعيَ في الذَّبِّ عنها.

    وأنا في انتظارِ تتمَّةِ جوابكَ الماتعِ - بإذنِ اللهِ تعالى -.

    أخوكَ/ أبو محمَّد منصُور كريرَات
    التعديل الأخير تم بواسطة منصور بن محمد خيرات; الساعة 2018-08-25, 07:16 PM.

    تعليق


    • #3
      جزاك الله خيرا أخي محمد وجعلنا وإياكم من أصفيائه المتقين وحزبه المفلحين، ولعله فاتك قول أبي قيس وفقه الله: بل أصرح من ذلك قول عائشة رضي الله عنها: (كان خلقه القرآن) فسمت الخلق قرآنا. وعائشة وصفت خلق النبي صلى الله عليه وسلم ولم تسم الخلق قرآنا، وفرق بين الوصف والتسمية كما يعلم وسياق كلامه يدل على التسمية، لأنه أورده تحت قوله: سادسا: أن تسمية غير كلام الله بالقرآن أو المصحف قد درج عليه عمل السلف وأهل الحديث. فتنبه وأزيد فأقول إنما أوردت الزيادة التي في حديث عائشة رضي الله عنها وكلام الحافظ بيانا لمعنى كلام عائشة إذ هو وصف وليس تسمية. وفقنا الله وإياك لما فيه رضاه.
      التعديل الأخير تم بواسطة مكي المهداوي; الساعة 2018-08-25, 07:39 PM.

      تعليق


      • #4
        آمين، وجزاكَ اللهُ خيرًا على تنبيهِكَ اللَّطِيفِ، فقد فاتني فعلًا.
        غيرَ أنَّني مُتوافقٌ معكَ في ذلكَ - ابتسامة -، لما أوردتُهُ أنا من أنَّ المقصُودَ هوَ الوصفُ لا التَّسميَةُ، فهُنا أدعُو أخي أبا قَيْسٍ - وفَّقهُ اللهُ تعالى - إلى تقوى اللَّهِ - عزَّ وجلَّ - وقراءَةِ جوابكَ بتأَنٍّ، لعلَّ المقصُودَ يصِلُهُ.

        وإنَّني أرجُو اللهَ - تباركَ وتعالى - أن نأتلفَ ولا نختلفَ أبدًا، واللهُ وحدَهُ المُوَفِّقُ والمُعِينُ.

        تعليق


        • #5
          جزاك الله خيرا أبا محمد ورفع الله قدرك كما رفعت بالحق رأسا، واسمع كلمة مني ما قلتها قبل اليوم لرجل لم أره قط: قد اشتقت لرؤيتك بعد تعليقك هذا فإن لم يحصل وحال بيننا هادم اللذات فأرجوا أن نجتمع بكم على الأرائك عند مليك مقتدر. آمين

          تعليق


          • #6
            آمين، ولكَ بمثلِ ما دعوتَ أخي الفاضلَ مكِّي.
            وأنا أحبُّ أن أجتمعَ معَكَ ومعَ أمثالكَ أخي مكِّي، فإنَّ مجالستكُم لا تُمَلُّ أبدًا.
            حفظَكُمُ البَارِي - جلَّ وعلَا -.

            تعليق


            • #7
              جزى الله خيرا أخي المهداوي على هذا الجواب ويعلم الله أن ردي لم يكن للتهكم ولا للترفع، وإننا كلنا ذلك الرجل الذي يغار على العقيدة الصحيحة ويحق الحق ويبطل الباطل.
              وفرحت بجوابك أشد الفرح إذ أعطيته حقه ومستحقه بخلاف جوابك الأول؛ ابتسامه.
              وقد استفدت منه وظهر لي خطئي في بعض الجوانب وأخرى لا تزال موضع نقاش وأخذ ورد، لكن أظن أنه ينبغي الوقوف عند هذا الحد والاشتغال بما هو أولى وأحسن عائدة علي وعليك، وذلك بعد أن تتم جوابك طبعا.

              وأما قول سراج البلقيني: (لكن الانتهاض لمجرد الاعتراض من جملة الأمراض)، فهذه نصيحة لنفسي قبل غيري، لأحملها على ابتغاء وجه الله بهذا التنبيه لا مجرد الانتهاض للرد.

              وأما قولي: (جادة أهل أن يطلقوا البطلان على الأحكام..)، لا يعني عدم جواز ذلك، وإنما المقصود الغالب والأكثر في صنيعهم ما ذكرت لك، لكن لا بأس فأنا أسحب هذا الكلام وأتراجع عنه.

              وما نقلته عن ابن قتيبة وابن عبد البر هو لبيان أصل المساهلة والمسامحة، فإذا ثبت ذلك علم أنه لا يجب علي في مثل هذا المقام التنقيب والتعليق في كل قضية، وهل ابن عبد البر حكم على قصة؟!
              وأما قولك سكت عن بعض لبيان عدم صحتها ضرورة؛ فهذه حجتي التي احتججت بها عليك، وهو أنه لا يفهم من كلام التشبيه أبدا لأنه كل أحد يعلم أن القرآن كلام الخالق لن يبلغ مرتيته كلام البشر.

              وأما قولي: (يطلق لفظ القرآن على غير كلام الله)؛ فقد استدللت له بكلام عائشة رضي الله عنها، ولم أوهم شيئا رحمك الله.
              والتفريق الذي ذكرته بين المصحف والقرآن لا وجه له، لأن القرآن يطلق مصدرا من قرأ يقرأ فيراد به كلام الله تعالى لأنه مقروء ومتلو، ويطلق علما فيراد به المصحف نفسه، ويراد به كلام الله الذي في المصحف، ولذلك لا يقال لما هو في اللوح مما يتعلق بالخلق وغير ذلك قرآنا، كما لا يقال لتكليم الله تعالى الملائكة مثلا قرآنا، ولا يقال لكلام الله تعالى يوم القيامة قرآنا، فعلم أن القرآن فرد من أفراد الكلام.
              فالقرآن باعتبار العلمية لا فرق بينه وبين المصحف، فلماذا يجوز تسمية غير كلام الله بالمصحف دون القرآن مع أنهما شيء واحد؟

              وأما كون حديث عائشة رضي الله عنها محمول على الوصف دون التسمية فلم أتنبه لذلك، فأنت مشكور على الفائدة، بارك الله فيك.
              وقد أمدتني بحجة لا أخالك تعارضها هذه المرة؛ وهي أن قولهم: قرآن النحو، محمول على الوصف لا التسمية.
              فإذا جاز وصف الخلق بالقرآن فلماذا لا توصف الكتابة به؟

              هذا ما أردت بيانه وأسأل الله تعالى أن يجمعنا في دار كرامته وقبل ذلك أتمنى أن يجمعني وإياك وأخي أبا محمد في مجلس واحد وليكن حينئذ النقاش في مسألة أخرى غير هذه.
              نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف.

              إلى ذلك الحين أسأل الله أن يديم عليكما الصحة والعافية.

              تعليق


              • #8
                آمين، ولكَ بمثلِ ما دعوتَ.
                أعزَّكَ اللهُ أخي عمَاد، ورفعَ قدركَ، وجعلكَ من أهلِ الصِّدْقِ.
                وإنَّني لفي غايةِ السَّعادةِ لما أراهُ منَ المحبَّةِ والتَّآخِي بينَكُم يا أبناءَ التَّصفيةِ، فالَّذي يجمعُكُم هُوَ السُّنَّةُ والعلمُ، أدامَ اللهُ عليكُم الاجتماعَ والتَّآلُفَ والتَّآخِي، وردَّ اللهُ عنكُم كيدَ الأعادِي.

                وأسألُ اللهَ العَظِيمَ أن يجمعنا على خيرٍ في الدُّنيا وفي الآخِرَةِ.

                تعليق


                • #9
                  بسم الله الرحمن الرحيم
                  والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، أما بعد:
                  فيعلم الله الذي لا إله إلا هو مقدار ما أنا فيه من بهجة وسرور، من صنيع أخوي عماد ومنصور، وإني أشكرهما على ما أبديا من خصال كريمة، افتقدناها في هذه السنين الخداعات في كثير ممن كنا نعدهم فينا شيوخ أجلاء وعلماء فضلاء، والله المستعان، ولعل أعظم هذه الخصال منزلة هي مراقبة الله تعالى وخشيته والخوف منه سبحانه، وإني أنبه كل من اطلع على هذا الصنيع الشجاع، من هذين الرجلين، أن هذا لا يطيقه كل أحد، وإن أردت أخي أن تعرف صدق ما أقول فانظر ما عليه جماعة الإصلاح اليوم من كبر ورد حق وكذب وفجور في الخصومة، وما ذاك إلا أنهم أبوا أن يرفعوا بالسنة والحق رأسا فاللهم سلم سلم، فإذا تجلى لك ذلك فاعلم أنه لا يحمل العبد على الرجوع عما قاله وقرره بل واستدل له ونصره بما ظهر له أنه حق، إلا أنه يرج ويحذر، ويطمع ويخاف، وهذا هو صنيع أولياء الله الصالحين وحزبه المفلحين، الذين عزوا على الله فوفقهم، وأخذ بنواصيهم للبر والهدى وأكرمهم بخير رفقة في خير مكان ومستقر جزاء وفاقا، قال الله تعالى: (أولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا) فجزاكما الله خيرا، وأعظم لنا ولكم الأجر والثواب، وثبتنا وإياكم على الحق المبين . آمين.
                  ولعلي أزيد شيئا من التعليق والبيان على ما لا بد منه في كلام أخي عماد وفقه الله تعالى الذي تضمنه تعليقه:
                  فيقال: أما قولك: وما نقلته عن ابن قتيبة وابن عبد البر هو لبيان أصل المساهلة والمسامحة، فإذا ثبت ذلك علم أنه لا يجب علي في مثل هذا المقام التنقيب والتعليق في كل قضية، وهل ابن عبد البر حكم على قصة؟!
                  وأما قولك سكت عن بعض لبيان عدم صحتها ضرورة؛ فهذه حجتي التي احتججت بها عليك، وهو أنه لا يفهم من كلام التشبيه أبدا لأنه كل أحد يعلم أن القرآن كلام الخالق لن يبلغ مرتيته كلام البشر.
                  فالجواب عليه من أوجه:
                  1ـ ما أمرناك بالتنقيب، وإنما طلبنا منك التعليق.
                  2ـ لعلك تريد (حكم على كل قصة) فإن كان نعم، فعدل التعليق. ويقال جوابا: علق رحمه الله على ما لا ينبغي السكوت عنه. والله أعلم.
                  3ـ قولك: (وأما قولك سكت عن بعض لبيان عدم صحتها ضرورة).
                  فيقال: هذا مما يحسن السكوت عليه وتقدم بيان هذا في الرد.
                  4ـ قولك: (فهذه حجتي التي احتججت بها عليك، وهو أنه لا يفهم من كلام التشبيه أبدا لأنه كل أحد يعلم أن القرآن كلام الخالق لن يبلغ مرتيته كلام البشر).
                  يقال: بل هذا يشكل على كثير من الناس، وعلى رأسهم من ابتلي بشبه الجهمية والمعطلة والأشاعرة والكلابية وغيرهم، من النفاة سواء الجزئية أو الكلية، فلا يخفى على مثلك تخليطهم في هذا الباب، فتنبه. واحذر أن تؤتى السنة من قبلك فيقال: قاله عماد وهو صاحب سنة. والله أعلم
                  وأما قولك وفقك الله: والتفريق الذي ذكرته بين المصحف والقرآن لا وجه له، لأن القرآن يطلق مصدرا من قرأ يقرأ فيراد به كلام الله تعالى لأنه مقروء ومتلو، ويطلق علما فيراد به المصحف نفسه، ويراد به كلام الله الذي في المصحف، ولذلك لا يقال لما هو في اللوح مما يتعلق بالخلق وغير ذلك قرآنا، كما لا يقال لتكليم الله تعالى الملائكة مثلا قرآنا، ولا يقال لكلام الله تعالى يوم القيامة قرآنا، فعلم أن القرآن فرد من أفراد الكلام.
                  فالقرآن باعتبار العلمية لا فرق بينه وبين المصحف، فلماذا يجوز تسمية غير كلام الله بالمصحف دون القرآن مع أنهما شيء واحد؟
                  فالجواب عليه أن يقال: بل هو في غاية الوضوح، لأنني ما ذكرته إلا لأجل لفتة لطيفة، ونكتة منيفة، وهي: أن المصحف يطلق على ما حوى القرآن وما حوى غيره من الصحف، على اختلاف الفنون كما تقدم بيانه وهذا لا خلاف فيه بينهم. أما القرآن فالخلاف فيه تقدم، ومر معنا أن الشافعي قال هو خاص بالقرآن ووافقه السيوطي كما تقدم في كلام صاحب (روح المعاني). ومما يزيدك وضوحا فعل السلف الكرام متتابعين أوائلا بأواخر، فإنهم يتورعون عن هذا الإطلاق كما تقدم في فعل أئمة الحديث رحمهم الله تعالى، وفي فتوى الشيخ العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله.
                  فإذا تأملت هذا ورجعت إلى التعاريف بان لك دقيق فهم السلف رحمهم الله تعالى، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
                  وأما قولك وفقك الله: وأما كون حديث عائشة رضي الله عنها محمول على الوصف دون التسمية فلم أتنبه لذلك، فأنت مشكور على الفائدة، بارك الله فيك.
                  وقد أمدتني بحجة لا أخالك تعارضها هذه المرة؛ وهي أن قولهم: قرآن النحو، محمول على الوصف لا التسمية.
                  فإذا جاز وصف الخلق بالقرآن فلماذا لا توصف الكتابة به؟
                  آمين ولك بالمثل.
                  وجوابا يقال: بل هو معارض بما نقلته وفقك الله في قولك: والذي في نسخة عبد السلام هارون (صفحة: 24): (ولقد سماه الناس قديما: قرآن النحو). هذا أولا.
                  وثانيا: جاز وصف الخلق بالقرآن لأنه جملة أفعال طيبة، مستمدة من هذا الكتاب العظيم، صادرة عن نفس شريفة، نفس من هو أعقل الناس وأفضلهم صلى الله عليه وسلم.
                  فكما لا يقال عما هو في اللوح مما يتعلق بالخلق وغير ذلك قرآنا، كما لا يقال لتكليم الله تعالى الملائكة مثلا قرآنا، ولا يقال لكلام الله تعالى يوم القيامة قرآنا، فمن باب أولى أن لا يقال عن الحلم قرآنا، ولا يقال عن العفو قرآنا، إلا مبينا مقرونا بما يدل على المراد كما تقدم في كلام عائشة رضي الله عنها.
                  فإذا بان لك المعنى، علمت أنه لا يقال عن كتاب سيبويه قرآنا. والله أعلم
                  وهنا لفتة طيبة وهي ما كتب في اللوح المحفوظ من القرآن فهو قرآن، ولا يخفى عليك أخي أنه قد جاء عن بعض السلف أنه انزل كاملا في ليلة القدر كما قال تعالى: (إنا أنزلناه في ليلة القدر)، ثم جاء على الأسباب والوقائع كما قال تعالى: (وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ). قال القرطبي رحمه الله: قيل: أنزل القرآن كله إلى السماء الدنيا في هذه الليلة، أي ـ ليلة القدر ـ ثم أنزل نجما نجما في سائر الأيام على حسب اتفاق الاسباب. انظر تفسير القرطبي ج19ص99 ط الرسالة العالمية. على خلاف تجده في موضعه.
                  وأما قولك: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف.
                  فأقول قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا). والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
                  التعديل الأخير تم بواسطة مكي المهداوي; الساعة 2018-08-31, 10:04 AM.

                  تعليق


                  • #10
                    آمين، ولكَ بمثلِ ما دعوتَ، وأسألُ اللهَ العَظِيمَ أن يَشْرَحَ صَدْرَ أخي عمادًا فينتفعَ بما علَّقتَهُ ويحصُلَ المقصُودُ، وأؤكِّدُ على آخرِ ما أوردتَهُ ونصُّهُ:
                    ((وأما قولك: نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأي مختلف.
                    فأقول قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا). والله أعلم وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.)).
                    فهذا تعليقٌ لطيفٌ حُقَّ لَهُ أن يُكتبَ بماءِ الذَّهَبِ، وهُوَ مقصدٌ شرعيٌّ نبيلٌ.

                    نسألُ اللهَ التَّوفيقَ والسَّدادَ، وهُوَ حسبُنا وهُوَ نعمَ الوَكِيل.

                    تعليق


                    • #11
                      وفقكم الله جميعا
                      قلتُ أكتب شيئا هنا لعلّ دعواتكم تُصيبني.

                      تعليق


                      • #12
                        ووفقك الله أبا عائشة، وأرانا الله وإياك الحق حقا ورزقنا اتباعه وأرانا الباطل باطلا ورزقنا اجتنابه، وفتح علينا وإياكم من أبواب فضله ما يكون سببا لسعادتنا في دنيانا وأخرانا، إن ربي لسميع الدعاء وهو على كل شيء قدير. آمين

                        تعليق

                        الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
                        يعمل...
                        X