إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

صفعة في وجوه الصعافقة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • صفعة في وجوه الصعافقة

    بسم الله الرحمن الرحيم


    صفعة في وجوه الصعافقة


    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، ولا عدوان إلا على الظالمين، أما بعد.

    فإن العلم والفهم درجات ومراتب يؤتيها الله من يشاء من عباده، ولذلك تجد طالبين درسا نفس العلوم ولازما نفس الشيوخ وتصاحبا في الطلب إلا أن أحدهما فتح عليه في فهم دقيق الفقه ولطيف العلم ما لم يفتح على صاحبه، قال تعالى: {نرفع درجات من نشاء ولا نضيع أجر المحسنين}، وقال سبحانه: {ولقد ءاتينا داود وسليمان علما}، وقال: {ففهمناها سليمان وكلا ءاتينا حكما وعلما}، وقال عز وحل: {فوجدا عبدا من عبادنا ءاتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما}، وغيرها من النصوص التي تدل على أن العلم والفهم رزق من أرزاق الله يؤتيه من يشاء من عباده.

    هذا وإن من دقيق الفقه الذي لم تبلغه أفهام الصعافقة مقولة: (فلان لا يتكلم في الرجال بالهوى)، وكيف لهم أن يفهموا المسائل الدقيقة وهم الذين يجهلون مبادئ العلوم، فتجد أحدهم لا يفرق بين الصفة والمخلوق، ولا بين نصوص الصفات ونصوص غيرها، ولا علم له بمواطن الإجماع ومواطن الخلاف من كلام العلماء، ويجهل طرق الاستدلال، فترى أحدهم يستدل على صفتي اليد والقدم بالحديث القدسي: (كنت يده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي عليها) الذي لا يدل على صفتي اليد والقدم ولو بالملابسة البعيدة لأنه قال: يده وقدمه، فأضاف اليد والقدم إلى المخلوق ولا تقاس صفات الله بصفات المخلوق، وهذا مع كثرت النصوص الصريحة الواضحة المتظافرة في الباب! وآخر يستدل بهذا الحديث على أن الله تعالى يبصر عن المخلوق! ومعلوم أن هذه عقيدة أهل الحلول والاتحاد، بل منهم من لا يفرق بينهما ويفسر وحدة الوجود بأن الله غير موجود! وآخر يستدل على صفة النزول بقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، وآخر ينكر على العلماء استدلالهم على صفة النزول بقوله تعالى: {وجاء ربك}، ويجعل هذا تكييفا، ولا ندري هل يعرف معنى التكييف أو أنه سيفسره بالغلط لو سئل عنه! وهم جاهلون بمبادئ اللغة حتى قال أحدهم: السين في قوله تعالى: {استوى} للاستقبال! وآخر لا يفرق بين الاسم والفعل، ولا بين (نجي) و(نج)! وآخر لا يكاد يقيم جملة دون لحن ظاهر حتى قال له الشيخ عبيد -حفظه الله-: (سكن تسلم)، وأعظم من ذلك كله اتفاقهم عن قصد أو غير قصد على سب الصحابة رضي الله عنهم، والتنقص من حقهم ومنزلتهم؛ بل حتى وصل الأمر بأحدهم إلى إساءة الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأقول إساءة الأدب حتى لا يلزم القائل ما هو مخرج من الملة، وغير ذلك من الأخطاء التي لا يقع فيها صغار طلبة العلم فضلا عمن تصدر للتدريس وتوجيه الأمة، ثم ترى من يردد ما يلقنه له الصعافقة بقوله: أين الأدلة؟ إن لم تكفيك هذه الأدلة التي بين عينيك فلا تسأل عنها.

    ثم لو ادعيتم أن الخطأ يقع من كل أحد وهم قد تراجعوا عما وقعوا فيه؛ قلنا: هذه الأخطاء التي وقعوا فيها دليل على ضعف تأصيلهم وعدم أهليتهم لتعليم الناس وتوجيهم فضلا عن الكلام في النوازل وحشر أنفسهم بين العلماء، حتى جعل أحدهم نفسه مفتيا لأهل الإسلام في بلد الكفر وصار يبيح لهم ما حرم الله من المعاملات جهلا منه بمسائل الفقه -{ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون}--{أتقولون على الله ما لا تعلمون ¤ قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون}.
    ففرض هؤلاء المتعالمين الجلوس عندك العلماء ولزوم حلقاتهم حتى يتأصلوا التأصيل الصحيح ويضبطوا مبادئ العلوم فيكون لهم بذلك تصور صحيح لمسائل العلم وفنونه.
    وقد سئل الشيخ صالح الفوزان -حفظه الله- عن رجل صدرت منه أخطاء في العقيدة مع تراجعه عنها؛ أيصلح للتدريس أم لا، فأجاب -حفظه الله-:
    (هذا مشَكِّك؛ يشكك الناس في أمور عقيدتهم...، ولا يجوز أن يدرس عنده، ولا أن يتلقى العلم منه، لأن هذا من أهل الضلال، يشكك الناس ويظهر عقيدته الباطلة، فإذا رأى الناس استنكروا عليه أظهر التراجع خديعة، فلا يجوز قبول هذا الشخص، ولا التتلمذ عليه، ويجب الحذر منه).

    وعودا إلى ذي بدء؛ فإن من دقيق العلم الذي لم تتصوره عقول الصعافقة أن مقولة: (فلان لا يتكلم في الرجال عن هوى)، ليست معارضة لقوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى}، إذ المراد هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلم عن هوى مطلقا، وعلة ذلك {إن هو إلا وحي يوحى}، ونحن لم نقل: فلان لا يتكلم عن هوى مطلقا، وإنما قيدنا ذلك بمسائل الشرع وأخص مسائلها ما يتعلق بأعراض الرجال، فإن ذلك يدعو إلى مزيد تثبت وتنقيب، والتحلي بالتقوى والورع والعدل، مما يحمله على تتبع الأدلة والتحقق من صحتها، ولا تنافي بين هذا وبين الآية، فإن هذا العالم الفلاني يجوز في حقه الهوى كما يجوز في حق سائر البشر غير الأنبياء، فإذا تعلق الأمر بمسائل الشرع وبباب الجرح والتعديل خصوصا فإن ورعه وتقواه يحملانه على التثبت والتريث، وعلى التنقيب والتفتيش، وعلى مدافعة الهوى وحظوظ النفس، واتباع الدليل الواضح الذي لا لبس فيه، فإذا اجتمعت عنده الأدلة وتيقن بالحكم أو غلب على ظنه أنه على حق وصواب تكلم بما عنده، وأصدر حكمه عن دليل وورع لا عن هوى.

    ومما ينبغي الإشارة إليه أن الصعافقة أحدثوا قواعد كثيرة في هذه الفتن ليس عليها رائحة العلم، من جنس قولهم: ردك لجرح العالم جرح له، وتجريحك لطلبة الشيخ تجريح له، وأن الشيخ الفلاني لا تكون بطانته إلا صالحة! بالله عليكم لما قيل لكم بطانة الشيخ ابن باز وابن عثيمين والألباني والفوزان والعباد والوادعي بطانات طالحة مجرمة؛ قبلتم ذلك دون أدنى نقاش، والآن صرتم تناقشون في البديهيات!
    فمن تلك القواعد الباطلة التي أحدثوها محاولة إسقاط أحكام العلماء وردها بحجة أن البشر لا يسلمون من الهوى! فيا ليت شعري ما الذي يجعل رد شيخ الإسلام ابن تيمية -مثلا- غير مبني على الهوى ورد غيره مبنيا على الهوى؟! وقس على ذلك، فعلى هذا القول لا ينفذ حكم أي عالم ولا يقبل تجريح أي جارح ولا رد أي عالم؛ أنه يجوز أن يكون قد حكم في تلك القضية بالهوى.

    فإن كنت تعتقد أن الشيخ فركوسا -حفظه الله- تكلم في دعاة المجلة عن هوى في النفس فما دليلك على ذلك؟ وما هي القرينة التي توصلت بها إلى هذا الحكم؟ حتى ننظر في كلام غيره من العلماء المتأخرين والمتقدمين هل هم أيضا تكلموا عن علم أم عن هوى!

    ثم نحن نقلب عليك استدلالك الباطل وأنت الذي تدعو إلى تقليد الشيخ ربيع -حفظه الله- وطرح كلام من سواه، ولسان حالك أنه -{وما ينطق عن الهوى}- ونسألك: هل الشيخ رييع يجوز في حقه الهوى أو لا؟
    فإن قلت: لا، فقد نزلته منزلة الأنبياء ووقعت فيما أنكرته على غيرك، مع فرق في الحالين حيث إن ذلك الغير لم يدع أن شيخه لا يتكلم عن هوى مطلقا، وإنما قال أنه يتكلم في مسائل الشرع والأعراض خصوصا بالدليل المنافي للهوى.
    وإن قلت: نعم، فما وجه الإنكار حينئذ على من قال: (فلان لا يتكلم في الرجال عن هوى)، وهو عين ما تقوله أنت في الشيخ ربيع -حفظه الله-؟
    أم أنكم أنتم من يملكون مفاتيح قلوب البشر فتطلعون عليها وتعلمون أن الشيخ فركوسا -حفظه الله- يتكلم عن هوى وغيره يتكلم عن علم ودليل؟

    ونشير إلى أن هذا من باب إلزام هؤلاء الصعافقة الحدادية المبتدعين لقواعد جديدة ما أنزل الله بها من سلطان؛ لأجل إسقاط العلماء الكبار وحماية المميعين من أصحابهم وجلسائهم وغيرهم ممن ثبتت مخالفتهم لطريقة السلف، وإلا فحاشا الشيخ ربيعا -حفظه الله- أن يتكلم في باب من أبواب العلم عن هوى، وحاشا غيره من العلماء الكبار أمثال الشيخ محمد بن هادي -حفظه الله- والشيخ فركوسا -حفظه الله- وغيرهم من العلماء أن يتكلموا في دين الله عن جهل أو هوى، فلم يبلغوا الدرجة التي خولهم الله إلا بسبب تقواهم وورعهم وخشيتهم {يرفع الله الذين ءامنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}، {إنما يخشى الله من عباده العلماء}، فهل صاحب الخشية يتكلم في دين الله بالهوى مع أن الخشية مرتبة أعلا من مجرد الخوف؟!

    ثم أمرك غريب جدا! تقول: إن هذه المقولة غلو في حق الشيخ فركوس وإطراء له وإنزال له فوق منزلته وهو مخالف لقوله تعالى: {وما ينطق عن الهوى}، وفي المقابل تسكت عن عرفات الذي ادعى العصمة المطلقة للشيخ ربيع -حفظه الله- حيث قال: إن الشيخ ربيعا لم يخالف الحق في مسألة واحدة!! بل تثني على دروسه في السيرة التي طعن فيها في مسلمة الفتح، ولما سئل الشيخ رييع -حفظه الله- عن ذلك قال: قاتله الله، هذه مقالة فيها رفض.
    فإما أن تنكر هذه المقولة وترد عليها وإما أن تلزمك لأنك رددت على من قالها في غير الشيخ ربيع -حفظه الله- ، مع أن غيرك لم يدع أن الشيخ فركوسا لا يخطئ ولا يجانب الصواب كما ادعاه صاحبك، بل نقول يتكلم عن دليل ثم قد يصيب وقد يخطئ، أما صاحبك فيدعي أن الشيخ ربيعا -حفظه الله- يتكلم عن دليل ولا يخطئ أبدا!
    فأي الفريقين أحق بوصف الصوفية نحن أم أنتم؟ ومن أحق بوصف الرافضة نحن أم أنتم الذين يدافعون عمن يسب الصحابة؟

    وهذا الذي كان يقول بالأمس عن الشيخ أبي المعز إنه من أهل التقوى والورع ومن الحريصين على التدين بالسنة واتباع طريقة السلف في نفسه وحمل أهله على ذلك، يقول عنه اليوم إنما يتكلم في الرجال عن هوى خفي لأن الجماعة لم يحترموه!
    فهل كنت كاذبا في شهادتك الأولى أم أنك كاذب في شهادتك الثانية؟ أم أنك شهدت في إحداهما بالهوى؟ كما صرت تثني بالهوى عمن يتخبط في مسائل العقيدة ويسب زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟

    هذا وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    كتبه:
    عماد أبو قيس البجائي.
    ليلة الإثنين 10 ذو القعدة 1439.
    الموافق 23 جويلية 2018.
الاعضاء يشاهدون الموضوع حاليا: (0 اعضاء و 1 زوار)
يعمل...
X