وهذا منشأ ضلال من ضل من الأمم قبلنا وهو منشأ البدع.
فإن البدعة لو كانت باطلا محضا،لظهرت وبانت وما قبلت،ولو كانت حقا محضا لا شوب فيه لكانت موافقة للسنة،فإن السنة لا تناقض حقا محضا لا باطل فيه،ولكن البدعة تشتمل على حق وباطل.
ابطال دلالة النص بتضعيفه والطعن فيه وفي ثبوته.
هذا أمر تجده عند من غلب عليه صحة ما هو عليه،فهو يرد كل ما يخالف ما يعتقده،فترى أحدهم يهجم على ابطال دلالة الحديث بتأويله،أو بالطعن في ثبوته بدون وجه حق،بدون إبراز أي سبب علمي لهذا التضعيف أو الطعن.
وهذا حال ظاهر عند أهل الباطل كثيرا.
وهذا من أساليبهم الظاهرة،وقد ذكر الله لنا عن اليهود كيف حرفوا ما أمرهم الله به،قال تبارك وتعالى:{ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَٰذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ ۚ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }البقرة.
فهذا حال أهل الباطل يحرفون النصوص لتوافق ما لديهم، ويصرفوها عن وجهها لتوافق هواهم.
وهؤلاء هم الجهال الذين عناهم الرسول صلى الله عليه وسلم،في قوله فيما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس،ولكن يقبض العلم بقبض العلماء،حتى إذا لم يترك عالما،اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم،فضلوا وأضلوا.أخرجه البخاري ومسلم.
واتخاذهم رؤوسا جهلاء وذلك نتيجة غياب المرجعية وحاجة المرء إلى من يرجع إليه في سؤاله وبحثه،فإذا لم يجد العلماء،لأن صورتهم قد زلزلت في ذهنه،وما عاد يراهم علماء،فإنه ينظر إلى من يبرز على أنه عالم،فيتخذه له مرجعا،حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.
ومن أضرار ضياع حق العلماء: موافقة أهل البدع والأهواء ومشابهتهم،وذلك أن من سنن أهل البدع والأهواء انتقاص العلماء،وانظر ما شئت من الفرق والجماعات المخالفة لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم،ولما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم،تجد هذا فيهم.
فالشيعة أمرهم مشهور،والخوارج حالهم في ذلك مذكور،والمعتزلة شأنهم معروف،والصوفية ونبزهم علماء الشرع أمره ملحوظ.
ولذلك يذم أهل السنة الجدال والخصام والكلام في الدين،ويعنون به مسائل العقيدة كالكلام في الله تعالى،وصفاته والقدر ونحو ذلك،والمراء في مسائل الحلال والحرام،وينهون عن كثرة المسائل وعن أغلوطات المسائل،وعن الإكثار من فرض المسائل قبل وقوع الحوادث.
من وسائل أهل البدع في تقرير باطلهم:
تقعيد القواعد من كلامهم وجعلها أصولا يرجعون إليها.
فهم يتخذون من كلام أئمتهم أصولا يبنون عليها ويفرعون،وكأنه كلام الله أو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عن ابن عباس رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم،خطب الناس في حجة الوداع فقال: يا أيها الناس،إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا: كتاب الله وسنة نبيه.
والكتاب والسنة قد هُدي من تمسك بهما.
قال مالك رحمه الله: السنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك.
تعليق