بسم الله الرحمن الرحيم
لقد أصبح معلوما لكل أحد أن خلافا كبيرا واختلافا عظيما وقع بين مشايخنا، ويزداد استفحالا وتوسعا بين كبرائنا، والحقيقة أن لكل أمر سببه الذي يؤدي إليه ويوصل له؛ ومما لا شك فيه أن كل طرف يلقي باللائمة على الطرف الآخر ويعتبره سببا فيما وقع ويقع من الشر، وهذه المحن تقع كثيرا وتتكرر دوما ومعرفة أسبابها يعين على سلوك الطريق الصحيح معها؛ والسبب في هذه الواقعة أن بعض مشايخنا أنكر على البعض الآخر أمورا منهجية ومخالفات للشريعة الإسلامية: كمخالطة المخالفين، والثناء على المنحرفين، والطعن في السلفيين وغير ذلك من المخالفات والسقطات، وكان الواجب على من أُنكرت عليه هذه الأمور ونصح بتركها أن يتركها؛ حرصا على بقاء الاجتماع، واستمرار الدعوة كما كانت دون خلاف ونزاع؛ ولكن للأسف الشديد أصر المنكَر عليه على موقفه، ولم يتزحزح قيد أنملة عنه؛ وهذا غريب وعجيب، وأغرب منه أن ينكر الواضحات الجليات التي تدل عليها الدلائل الكثيرة من صوتيات ومرئيات وشهادات متظافرات، ولقد ذكر شيخنا ووالدنا الكريم أزهر حفظه الله ورعاه في بيانه الأخير - الذي رد به على الشيخ عبد الخالق هدانا الله وإياه – هذا الإنكار والتكذيب وبين حقيقة ما وقع في الزمن البعيد والقريب، وهو إن شاء الله صادق لأن الأدلة تدل على ما قرر وشهادات الإخوة تدعم ما أذيع من حقائق واشتهر، ومن ذلك أن المشايخ نصحوا الشيخ عبد الخالق هدانا الله وإياه وهذا ما فعله الإخوة أيضا في مدينتنا حيث راسلوه بنصيحة تتضمن جملة حقائق وهي النصيحة التي أردنا أن ننشرها لأجل أمور دعتنا لإخراجها وبثها وهي كالتالي:
أولا: تأييدا لكلام شيخنا أزهر حفظه الله الذي رد فيه إنكار الشيخ عبد الخالق هدانا الله وإياه أنه نُصح ووجهت له النصائح.
ثانيا: إدلاء بشهادتنا على بعض ما ينسب إلى الشيخ عبد الخالق وفقه الله للخير والحق ويذكر عنه وهو يتبرأ منه وينكره ويكذب من نقله.
ثالثا: بيانا لأسباب نصرتنا لمشايخنا ووقوفنا معهم؛ وأننا إنما فعلنا ذلك لما رأيناه وعلمناه وشاهدنا وعايشناه، ولسنا ممن يقدس الأشخاص كما يرمينا به من هو واقع فيه؛ لأن فعل المتصوفة هو التعصب للأشياخ مهما رأوا منهم، واطلعوا عليه من مخالفاتهم؛ وهذا حظ من يتعصب للمشايخ وهو على علم بمخالفاتهم، أما نحن والحمد لله إنما اتخذنا موقفنا بناء على حقائق نعلمها، ولا نشك فيها، ونحن مستعدون لمباهلة من يشاء عليها.
رابعا: ردا لطعونات الكثير من المخالفين؛ الذين يزعمون فينا أننا نتكلم بجهل، ونخوض فيما لم نطلع عليه من المسائل، وأقول لهؤلاء: اعلموا هدانا الله وإياكم أن السلفيين والحمد لله رب العالمين حينما يجالسون مشايخهم والدعاة الذين يأتون إليهم يميزون بين من عنده استقامة على منهج السلف في أبواب الدين بأكملها، وبين من عنده خلل في بعض جوانبها؛ ولذلك إذا وقع الخلاف بينهم آووا إلى من يعلمون تمسكه بما يدينون الله به وبخاصة والأدلة معه والبراهين تؤيده، ولم يلتفتوا إلى من كانوا يلاحظون المخالفات عليه، والسقطات في كلماته ومواقفه، وجعلوا ما يعلمونه عن كلا الطرفين شاهدا على صواب المصيب وخطأ المخطئ؛ فهم يستندون في مواقفهم وتصرفاتهم إلى هذين الأمرين:
- الأدلة التي يحتج بها العلماء.
- ما يعلمونه من المواقف والتصرفات والأقوال والأفعال عمن عاشروه وعايشوه من كلا الطرفين.
وإلى نص الرسالة التي بعث الإخوة بها إلى الشيخ عبد الخالق هداه الله ووفقه لمراجعة الحق إنه ولي ذلك والقادر عليه:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه وبعد:
شيخنا الفاضل العزيز عبد الخالق ماضي حفظك الله ورعاك نود أن تقرأ رسالتنا هذه إلى آخرها وأن تغض الطرف عما لا يعجبك فيها رجاء أن يحصل مراد كاتبيْها الذين يكنان لك كل المودة والتقدير والاحترام.
اعلم شيخنا الحبيب حفظك الله ورعاك أن الذي دفعنا إلى كتابة رسالتنا وشجعنا على إبلاغك ما تجيش به نفوسنا أمور نعلمها من ديننا وأخرى نتيقنها من أخلاق شيخنا وهي:
أما ما نعلمه من ديننا فهو: أنه لا يوجد كما هو متقرر في شريعة الإسلام أحد أكبر من أن يُنصح ولا أحد أصغر من أن يَنصح فكلنا ناصح منصوح كما يشير إليه قول الله تعالى:" وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" سورة العصر من الآية 4، وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم:" الدِّينُ النَّصِيحَةُ". قَالُوا لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:" لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" ونحن لحبنا لك وحرصنا عليك وعزمنا على عدم غشك أردنا أن نقدم نصيحة لك بقدر علمنا وعلى حسب مستوانا فلذلك نرجوا منك شيخنا الحبيب أن تنظر إلى مضمونها وتغض الطرف عن قالبها الذي قد لا يكون مناسبا لمقامكم الكريم ولا منزلتكم الرفيعة.
وأما ما نتيقنه من أخلاقك ولا نشك فيه من حسن أدبك: فهو ما عهدناه من تواضع جم فيك وخلق كريم يعلو محياك ولقد تجلى لنا هذا في كثير مواقفك ووقفاتك ومنها:
- ما لاحظه الجيمع يوم أن زارنا الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله حينما قمت تخدمه وتخدمنا ونحن جلوس حوله حتى أخجلنا تصرفك وأسرنا تواضعك ولذلك أذكر أنني قلت لك: شيخنا اجلس ونحن نقوم بهذا عنك فأبيت إلا أن تكون خادم القوم الذي يقدم طعامهم بين أيديهم فعلوت بهذا في أعيننا وازداد مقامك يومها عندنا.
- ومن مواقفك التي أثرت فينا وبلغت شغاف قلوبنا وأشعرتنا بتفرد مشايخ السنة عن كل من سواهم ولله الحمد والمنة تراجعك عن كل هفوة تصدر منك وكل زلة تبدر من لسانك في دروسك ومحاضراتك؛ وهذا وقع لك معي خاصة حيث كنت أنبهك على بعض ذلك فتتراجع في الحصة الأخرى معلنا عنه منبها إلى خطئك فيه بل كنت تقول لي ولغيري أيما شيء تلاحظونه في دروسي فأعلموني به وأخبروني عنه وهذا ما جعلنا نجلك ونعرف لك تواضعك وحرصك على ظهور الحق لا بروز شخصك.
بالإضافة إلى هذا أنك طلبت منا في الآونة الأخيرة أن نصارحك ونبوح لك بكل ما استجد على علاقتنا بك.
فلأجل كل هذا وأمثاله تشجعنا أن نكتب لك ونقوم بمراسلتك بهذه النصيحة الأخوية والتي هي رسالة من متعلم لمعلمه وطالب لشيخه وأستاذه ومتربي لمربيه ومن له الأيادي العظيمة عليه فنقول لك شيخنا طالبين مسامحتك وعفوك وعدم المؤاخذة على ما سنقوله لك ونوجهه من الكلام إليك:
اعلم شيخنا حفظك الله ورعاك أننا والحمد لله إنما أحببناك لله واجتمعنا على دروسك في سبيله وكان غرضنا أن نتعاون معك على البر والتقوى والوصول إلى ما يحب ربنا ويرضا وهو حقيقة اجتماع السنيين حول مشايخهم ولقاءهم بهم.
ولقد استفدنا من مجالسك ودروسك شيئا كثيرا وخيرا عميما: من فقه في الدين واجتماع قلوب الإخوة السلفيين.
وهذه الثمار الطيبة التي كنا نجنيها من بستان دروسك وبساتين دروس من يأتي إلينا من مشايخنا كنا نحاول المحافظة عليها ونحرص على دوامها وبقائها ونتخوف من توقفها وانقطاعها.
وتخوفنا من انقطاعها إنما كان بسبب ما كنا نتلمحه ونحس به من تصدع في الصفوف واختلاف بين المشايخ مخوف:
ونصدقك القول شيخنا العزيز حفظك الله ورعاك:
أننا لم نطلع على ذلك إلا من قِبَلِك، ولم نشعر به إلا من خلالك؛ من تصريحاتك وتلميحاتك وحتى نكون صادقين معك مخلصين النصيحة لك ومجانبين للغش في معاملتك نذكر لك ما كنا ننكره من أقوالك ولكننا لم نتجرأ على تكليمك فيه لأمور:
أولا: لأن هذه المسائل بين المشايخ وهم أدرى بها وأقدر على علاجها وقد تكون لها أسباب تزول مع الزمن وتضمحل كما جرت ببعض ذلك السنن.
ثانيا: قد نكون أقل في عينك وأصغر في نظرك من أن نكلمك في أمور ننكرها عليك فلا تقبل منا ولا تسمع لنا فحينئذ لا يحصل مرادنا ونوغر صدرك علينا فنكون سببا في عزوفك عنا وحرمان إخواننا.
ثالثا: أننا كنا نحاول محاولات محتشمة ليست بالصريحة الواضحة لأجل ما تقدم وسيأتي الإشارة إلى بعض تلك المحولات إن شاء الله.
ومن تلكم الأمور التي كانت تنذر بالشر ولا يمكن أن ينتج عنها شيء من الخير:
ومن أمثلته أننا قادنا الحديث في أوائل ما تعرفنا عليك والتقينا بك على العيد شريفي هداه الله وقلت لك أنا عبد الصمد أنه مبتدع فقلت لي من قال هذا قلت: الشيخ ربيع والشيخ عبيد حفظهما الله، فاعترضت وقلت هو سلفي ومشكلته هي أنه سيء الأخلاق ونحو ذلك مع أن العيد شريفي قال كلاما كثيرا باطلا يُبَدَّعُ الرجل ببعضه فضلا عن كله ويعلم ذلك طلبة العلم فضلا عن غيرهم ممن هو أعلم منهم.
تنبيه: وقبل أن نسترسل في الكلام لابد من بيان مهم وهو: أننا في مدينتنا والحمد لله نسير على طريق واضح بيِّن وهو أننا مهما نسمع من مشايخنا ومهما يقال في حضرتنا نكتمه ولا ننقله ونتستر على صاحبه ولا نفضحه أولا: لعله يستعتب ويتراجع إن كان عن علم يقول. ثانيا: لعله يبلغه من العلم ما كان خافيا عنه وعازبا عن فهمه. ثالثا: ما ذكرته آنفا من اعتقادنا في أن مشايخنا أبصر بما يقال وأعلم بما يذكر، ويصلهم ما لا يصلنا، ويبلغهم ما لا يبلغنا؛ فإذا سكتوا هم فنحن أولى بالسكوت منهم، وإذا كتموا شيئا فكيف لا نكتمه ونزعم اتباعهم والاقتداء بهم. رابعا: لقد وطَّنا أنفسنا والحمد لله أنه إذا وقع شر لأحد من الناس فإننا لا نريد أن نكون سببا فيه ولا طرفا في وقوعه.
وموقفك من العيد بعد تبديع العلماء له شيخنا الحبيب ولا مؤاخذة لم يكن صائبا، وأبعد من ذلك عن الصواب أن تبوح به وتبديه، وتظهره ولا تخفيه، لأنه كما لا يخفاك شيخنا العزيز أنه مع علمك الذي عرف لك ومنزلتك التي بلغتها وأنت أهل لها فإنه لا وجه للمقارنة بينك وبين أهل الرسوخ في العلم وقطعا سيُقدم السلفييون قول العلماء الكبار على قولك وبخاصة والدليل يؤيدهم والبرهان معهم.
1- الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله فكم مرة صرحت بالطعن فيه والانتقاص منه وكم مرة أشرت إليه ولمحت بالكلام عليه:
فمن تصريحاتك قولك لنا أن زين العابدين بن حنيفية أكبر منه سنا وعلما وهذا ما لا يرضاه أحد من السلفيين لأنه تقديم للخلفي على السلفي هذا أولا وثانيا فكل من سمع لهما وقرأ كتبيهما يعلم يقينا أن بين الشيخ محمد وبين الرجل بون شاسع بل لا وجه للمقارنة بينهما.
فقلتَ مثلا كذا مرة لي أنا رزق الله وللأخ لخضر أن الشيخ لا يستطيع أن يلقي محاضرة كاملة.
وقلت لنا عبد الصمد ورزق الله وأيضا سمع هذا الأخ لخضر بارك الله فيك ملمحا في قضية زين العابدين هداه: أن زين العابدين رجل فاضل وله علم وما أدري لماذا يتشدد المشايخ في مسألته وأكثرهم تشددا الشيخ محمد ولا أدري لماذا يتشدد في مسألته كل هذا التشدد؟ وكانت طريقة كلامك تشير إلى أن الشيخ لا يطعن فيه بسبب منهجه وضلالاته وإنما بسبب شيء في نفسه تجاهه.
2- الشيخ عبد الغني حفظه الله: كم مرة سمعنا قولك وأنت تلمح عليه أن الإنسان لا يغرف من بحر ولا بد أن يحضر دروسه قبل أن يلقيها ونحو ذلك وكان الواجب عليك في مثل هذا المقام شيخنا الكريم - وأرجو مسامحتك على هذه الجرأة عليك - أن تنصح له وأن تبلغه رأيك فيه لا أن تتكلم عليه مع عموم السلفيين وتنتقده عند من قد توغر عليه صدره وتجعله ينفر منه ولعله من دعوته التي هي دعوتك.
وقلت مصرحا لي أنا رزق الله وللأخ لخضر: أن دروسه صارت منتقدة ولا يحسن إلا "علمكم نبيكم حتى الخراءة" وأنه يكررها كثيرا، وأنه بسبب كثرة أسفاره صار لا يدري ما يقول في محاضراته وأن بعض الشباب اشتكى لك من ذلك والمفروض شيخنا الحبيب أن تعزر مثل هذا الناقل وتوقفه عند حده.
3- الشيخ أزهر حفظه الله الذي كان له الحظ الأوفر من طعوناتك تصريحا ترة وتلميحا تارة أخرى: فهو لا يحفظ القرآن، ولا علم له، ومقالاته ليست من كتابته وإنما هي من كتابات الأخ خالد الذي يكتب له، وينشر باسمه، وأنه يرضى بغلو الشباب فيه فيصفونه بالوالد والعلامة وغير ذلك وتنتقد عليه حصته في إذاعة التصفية والتربية التي يجيب فيها على أسئلة السائلين واستفسارات المستفسرين وتقول أنه يظن نفسه عالما وينفرد لوحده دون سائر المشايخ في كثير من القضايا المهمة وغير ذلك كثير وهذه أمور توغر الصدور وتنبأ بكثير من الشرور.
4- الشيخ نجيب جلواح حفظه الله: كذا مرة كنت تشير إلى دروسه وتنتقدها عليه فتنتقد منهجيته وطريقة تدريسه وإطالته فيها واسترساله في شرح المتون التي يتناولها وغير ذلك.
وكان الأولى بك والواجب في حقك في مثل هذه المسائل التي تخالفهم فيها وترى خطأهم في تناولهم لها أن تتوجه لهم بالنصيحة والمناقشة الهادفة التي تثمر الخير وتبقي على الأخوة والمحبة وتديم التآلف والتعاون.
أما أن تقولها لأمثالنا وتتكلم بها عند أشباهنا فما أظن أن فيها مصلحة ولا فائدة راجحة بل فيها المفاسد العظيمة والعواقب الوخيمة على دعوتنا.
ومما ينبغي أن نصارحك به شيخنا العزيز ولابد أن يبلغ مسامعك وتكون على دراية به أننا بالمقابل لم نسمع ولا واحدا منهم يطعن فيك شيخنا لا تصريحا ولا تلميحا:
لا الشيخ عبد الغني حفظه الله المشهور بيننا بالصمت الشديد فما عهدناه يتكلم إلا في مسائل العلم أو إذا سئل عن أمر مهم وإلا فالصمت هو الغالب عليه وترك الكلام هو ديدنه فلا يكلمك إلا إذا كلمته ولا يحدثك إلا إذا حدثته بل عهدنا منه الثناء عليك وعلى غيرك من مشايخنا وما المجلس الأخير منا ببعيد.
أما بالنسبة للشيخ أزهر حفظه الله فهو مع انبساطه وانطلاقه في الحديث مع مجالسيه لم نسمعه ولو مرة واحدة يذكرك أو يشير إلى شخصك أو يلمح بالطعن فيك من قريب ولا من بعيد بل عهدناه موقرا لكل مشايخنا مثنيا عليهم متواضعا لهم.
أما الشيخ نجيب حفظه الله فتواضعه بين أيديكم مشهور ومعلوم ومع أنه يكبرك في السن فلم نسمع منه إلا ما يدل على احترامه لك وتوقيره لشخصك واعترافه بمنزلتك بل لقد قال لنا أنه يهابك ولذلك لا يستطيع الكلام في حضرتك.
فهذا هو صنيع هؤلاء المشايخ معك ونشهد الله الذي لا إله إلا هو على ما نقول ونحن نعلم أنا لنا موقفا بين يدي الله سنقفه ونحاسب فيه.
فهل يجدر بك شيخنا الحبيب أن تقابلهم بما كان منك من طعونات قد ذكرناها لك في الوقت الذي تثني فيه على المخالفين المنحرفين عن الصراط المستقيم كمن سيأتي ذكره، هذا ما كان يحز في نفوسنا ويحزننا ويؤسفنا:
ومثاله: ففي الوقت الذي طعن المشايخ في زين العابدين بن حنيفية كنت حفظك الله ورعاك شيخنا الحبيب تثني عليه وتمدحه وتخالف إخوانك وتتعجب من صنيعهم وتحاول أن تبرر أخطاء العابدين التي انتقدوها عليه ولقد كلمتك فيه أنا عبد الصمد مرتين مختلفتين:
ففي المرة الأولى قلتَ عنه أنه رجل فاضل وعنده علم ولا تدري لماذا يتشدد المشايخ معه وأكثرهم تشددا الشيخ محمد وأنك لا تدري لماذا يفعل هذا؟ ثم قلتَ لي أنك كلمته والتقيت به ولم تره إلا كما ذكرت فاضلا عالما؟ ثم اعتذرت له فيما ينتقد عليه من خروجه في المظاهرات بأنه إنما خرج بأمر ولي الأمر حيث أمره أن يخرج معهم ليقوم بتهدئتهم وكذلك فعل فبعد أن خرجوا ووصلوا إلى مكان معين أمرهم بالرجوع هذا اعتذارك له الذي قد تكون سمعته منه أو من بعض محبيه ومتبعيه، وأرجو أن تسامحني مرة أخرى شيخنا الكريم إذا قلت لك: أن هذا ليس بعذر ولا يمكن أن يقبل به طالب علم فضلا عن المشايخ لأمور:
أولا: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فالمظاهرات محرمة سواء أذن فيها ولي الأمر أم لم يأذن.
ثانيا: فإن قلت شيخنا العزيز بارك الله فيك أنه إنما فعلها للثمرة المرجوة من ورائها وهي توقيفها قبل أن يستفحل أمرها فالجواب هو: قد لا يستطيع إيقافها فكيف يفعل حينئذ؟ وأيضا الغاية لا تبرر الوسيلة ومثاله الذي يوضحه: لو أن جماعة من الناس أرادوا أن يشربوا خمرا فهل يجوز لشيخ أن يشرب معهم كأسا أو كأسين ليمنعهم من شربها بعدهما ويريقها بين أيدهم بعد أن شاركهم في شربهما هل يمكن أن يقر الشرع هذا، أو كأن يشرع مع لصوص في سرقة بيت حتى إذا كسروا نوافذه ودخلوه على أهله أمرهم بالخروج منه وعدم سرقته.
ثالثا: ما هو مقدار هذه الثمرة المرجوة من مفسدة اعتقاد عموم الناس جواز المظاهرات في دين الله اعتمادا منهم على خروج شيخ معهم واستدلالا بمشاركته على صحة فعلهم.
أما في المرة الثانية فقد حاولت أن أوصل لك حقيقة الوضع وأن الرجل ليس على الجادة وأن الثناء عليه سبيل للتمكين له وإفساد الصفوف بسببه فقلت لك: أنا الذي أعلمه شيخنا أن الرجل ما دخل مدينة إلا وتفرق السلفييون صفين اثنين وانقسموا إلى فرقتين متناحرتين وضربت لك المثال بمدينة "وادي رهيو" التي كنت أزورها وأقيم الحلق فيها وكان الإخوة على كلمة واحدة فلما دخل عندهم فرق صفوفهم وكل ذلك إشارة مني إلى خطورة الثناء عليه ومدحه وهذا أقصى ما استطعته من تصريح لكم في قضيته لأجل ما ذكرته من الأسباب آنفا.
ومن ذلك أنك كنت أحيانا إذا ذكرت في دروسك التي كنت تقيمها عندنا رجلا من أهل البدع والأهواء تقول: وأنا ليس من عادتي أن أذكر الرجال وأتكلم عليهم بما يشعر أن الكلام على الرجال ليس ممدوحا ولا قربة يتقرب العالم بها ويطلب الثواب من الله عليها.
وهذا مخالف لما أثر عن علماء السنة من الكلام في المجروحين وتحذير المسلمين منهم ببيان ضلالهم وانحرافهم ولأجل هذا كان بعض إخواننا يستغرب ذلك منك ويأتي إلينا مستفسرا حوله فنحاول الاعتذار لك والمحافظة على منزلتك في قلوب السنيين الحاضرين لدروسك.
لأن المتقرر عند السلفيين جميعا أن الكلام في أهل الأهواء لا ينبغي للسني أن يتنصل منه ولا أن يعتذر عن فعله وذلك لأمور:
الأول: أنه طريق السنيين من لدن سلفنا الصالح وإلى علمائنا المعاصرين.
الثاني: أنه سبيل لحفظ الدين وفضح الغشاشين المتلاعبين الذين يمرضون قلوب المسلمين ويفسدون إيمان المؤمنين.
الثالث: أنه منقبة عظيمة لمن قام به فالمتكلم في أهل البدع مجاهد في سبيل الله كما قرر علماء الإسلام وأئمته الأعلام.
الرابع: أن السكوت عليهم طريق للتمكين لهم لأن العالم هو أبصر الناس بهم وأخبر الخلق بحقيقتهم فإذا سكت لم يعلم الناس حالهم ولا أمكنهم أن يتحصنوا من شرهم ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله لمن قال له: إنه يثقل علي أن أقول فلان كذا وفلان كذا. فقال: إذا سكتَّ أنت وسكتُّ أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟.
فهذه بعض الأمور التي كنا ننكرها من كلامك ودفعتنا الأسباب المتقدمة إلى عدم مصارحتك ومشافهتك بها ويعلم الله سبحانه أننا ما تكلمنا بها ولا ذكرناها لأحد من مشايخنا ولا غيرهم من إخواننا ولعلك شيخنا تعرف هذا من أخلاقنا.
والرسالة هذه التي بين يديك شيخنا لم يطلع عليها أحد من الناس لا المشايخ الكرام ولا طلبة العلم ولا عموم الإخوة السلفيين فضلا عن غيرهم وإننا نشهد الله أنه لم يطلع عليها إلا الكاتبان عبد الصمد ورزق الله ولن يطلع عليها أحد غيرهما إلا الموجهة إليه شيخنا العزيز بارك الله فيك.
والخلاصة التي أردناها من خلال رسالتنا هذه:
أنه قد بلغنا كما بلغ غيرنا وإن كان الأمر لم يتضح بعد أن شقاقا وقع بين مشايخنا وتفرقا تطل قرونه يحصل بين كبرائنا وهذا هو الذي كنا نتلمحه ونخاف من وقوعه وإن كنا لا ندري الأسباب الداعية إليه على وجه التفصيل فنقول:
إن كانت الأسباب هي أمثال هذه الأمور التي لاحظناها عليك وسمعناها من كلامك والتي نظن أنه قد سمعها منك غيرنا ممن قد يبلغ المشايخ على خلاف ما فعلنا فلا بأس شيخنا الكريم أن تتنازل عنها وأن تعلن تركك لها وتنصلك من تبعاتها وإن اقتضى الأمر أن تستسمح إخوانك ومن هم على نفس دربك ويدعون إلى عين دعوتك فاستسمحهم واطلب العفو منهم فإن الخسارة في عدم فعل هذا كبيرة والنتائج وخيمة خطيرة ومنها:
- تمزق صفوف السنيين وتفرق الإخوة السلفيين والتي تكون تبعاتها يوم القيامة على من كان سببا فيها قال الله تعالى:" وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)" سورة البقرة.
- ذهاب قوتنا الناتجة عن اجتماع مشايخنا وتعاونهم على تبليغ دعوتنا والتي كان لها الأثر البالغ والنتائج الحسنة قال الله تعالى:" وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)" سورة الأنفال.
- فرح الشيطان الذي وصل إلى ما كان يرنو إليه ويحرص عليه من تفريق بين أهل الحق وتمزيق لصفوف دعاة الصدق قال الله تعالى:" وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)" سورة الإسراء.
- انتعاش أهل البدع والأهواء وشماتتهم فينا وفرحهم بتشتتنا وتشرذمنا.
- طمع المنحرفين عن الصراط المستقيم في استقطاب بعض أهل الحق وقلبهم على إخوانهم واستغلالهم في ضرب الدعوة التي كانوا حملتها والدعاة القائمين بها.
- انحصار دعوة بعض من كان ينفع إخوانه ويبث الخير في صفوف من يثق به ويجلس إليه فنخسر جهودا كنا ننتفع بها وتضيع علينا إمكانيات نحن في حاجة إليها.
وغير ذلك مما أنتم أعلم به منا وأخبر بحقيقته من جميعنا وما مثلنا ونحن نذكر هذه الأمور لكم ونوردها على مسامعكم إلا كمثل من قال فيهم حسان ابن ثابت الأنصاري رضي الله عنه:
فإنا ومنْ يهدي القصائدَ نحونا كمستبضعٍ تمراً إلى أهلِ خيبرا
أما إذا كانت الدواعي إلى هذه الفرقة ما لا نعلمه ولم نطلع عليه فنرجوا من شيخنا أن يسعى إلى لقاء إخوانه ومحاورتهم وتقريب وجهات النظر معهم فالمصيبة عظيمة والنتائج وخيمة كما تقدم.
والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره وسار على دربه إلى يوم الدين.
وكتبه:
أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان وأبو عبد الرزاق رزق الله سليمان
تنبيه: قد يقول القائل كيف أخرجتم النصيحة بعد أن وعدتم بعدم إخراجها فالجواب هو:
أننا استفتينا من نثق بعلمه وفقهه وبصيرته في دين الله سبحانه فأجاب أن المسألة فيها تفصيل وهو:
أن المنصوح إذا تاب لله من أسباب النصيحة الموجهة إليه لم يجز ذكر النصيحة وإخراجها أما إذا أصر على ما هو عليه واستمر على ما نصح بتركه فهنا يتعين إخراجها.
والحمد لله أن هذا الذي أفتانا به الشيخ المشار إليه حفظه الله هو نفسه الذي قرره الشيخ عبد الخالق هداه الله في صوتيته وبيانه حيث قال ص2:" والمسلم الصادق يبذل النصح أولا مع كامل الشفقة على المنصوح، أن يهديه الله، ثم الصبر عليه، فإن رأى منه تعنتا، وجب أن يبين من حال هذا المخالف بقدر ما ينفر منه حتى يرجع ويتوب".
أقول: هذا هو كلامه وهذا هو حكمه ونحن نرضى بحكم القارئين على فعلنا بعد قراءتهم لهذه الرسالة التي لم نخرجها إلا هذا اليوم هل تحققت فينا الضوابط التي ذكرها والقيود التي تحدث عنها؟.
والله الهادي إلى صراطه المستقيم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
تنبيه آخر: نرجوا من كل من كانت عنده شهادة تؤيد كلام مشايخنا، وتؤكد صدق من ناصرناه من علمائنا أن يدلي بها، ويبادر إلى نشرها، نصرة للحق وبيانا للمحق، ودفعا لمشايخنا - الذين نعتقد خطأهم ونتيقن غلطهم في بعض ما يذهبون إليه ويسيرون عليه من أمور ظهرت عليهم وصارت منهجا لهم - حتى يجلسوا لإخوانهم موافقين على شروطهم؛ لترجع المياه إلى مجاريها، وتعود الأمور إلى سالف عهدها، والأمر الآن بين أيديهم نسأل الله أن يوفقهم، ووالله لن يزيدهم الرجوع إلى الحق إلا شرفا وكرما وعلوا ورفعة، ونحن ننتظر ذلك منهم نسأل الله التوفيق والسداد للجميع إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وكتب:
أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان موافقا له أخوه وابن عمه أبو عبد الرزاق رزق الله سليمان
لقد أصبح معلوما لكل أحد أن خلافا كبيرا واختلافا عظيما وقع بين مشايخنا، ويزداد استفحالا وتوسعا بين كبرائنا، والحقيقة أن لكل أمر سببه الذي يؤدي إليه ويوصل له؛ ومما لا شك فيه أن كل طرف يلقي باللائمة على الطرف الآخر ويعتبره سببا فيما وقع ويقع من الشر، وهذه المحن تقع كثيرا وتتكرر دوما ومعرفة أسبابها يعين على سلوك الطريق الصحيح معها؛ والسبب في هذه الواقعة أن بعض مشايخنا أنكر على البعض الآخر أمورا منهجية ومخالفات للشريعة الإسلامية: كمخالطة المخالفين، والثناء على المنحرفين، والطعن في السلفيين وغير ذلك من المخالفات والسقطات، وكان الواجب على من أُنكرت عليه هذه الأمور ونصح بتركها أن يتركها؛ حرصا على بقاء الاجتماع، واستمرار الدعوة كما كانت دون خلاف ونزاع؛ ولكن للأسف الشديد أصر المنكَر عليه على موقفه، ولم يتزحزح قيد أنملة عنه؛ وهذا غريب وعجيب، وأغرب منه أن ينكر الواضحات الجليات التي تدل عليها الدلائل الكثيرة من صوتيات ومرئيات وشهادات متظافرات، ولقد ذكر شيخنا ووالدنا الكريم أزهر حفظه الله ورعاه في بيانه الأخير - الذي رد به على الشيخ عبد الخالق هدانا الله وإياه – هذا الإنكار والتكذيب وبين حقيقة ما وقع في الزمن البعيد والقريب، وهو إن شاء الله صادق لأن الأدلة تدل على ما قرر وشهادات الإخوة تدعم ما أذيع من حقائق واشتهر، ومن ذلك أن المشايخ نصحوا الشيخ عبد الخالق هدانا الله وإياه وهذا ما فعله الإخوة أيضا في مدينتنا حيث راسلوه بنصيحة تتضمن جملة حقائق وهي النصيحة التي أردنا أن ننشرها لأجل أمور دعتنا لإخراجها وبثها وهي كالتالي:
أولا: تأييدا لكلام شيخنا أزهر حفظه الله الذي رد فيه إنكار الشيخ عبد الخالق هدانا الله وإياه أنه نُصح ووجهت له النصائح.
ثانيا: إدلاء بشهادتنا على بعض ما ينسب إلى الشيخ عبد الخالق وفقه الله للخير والحق ويذكر عنه وهو يتبرأ منه وينكره ويكذب من نقله.
ثالثا: بيانا لأسباب نصرتنا لمشايخنا ووقوفنا معهم؛ وأننا إنما فعلنا ذلك لما رأيناه وعلمناه وشاهدنا وعايشناه، ولسنا ممن يقدس الأشخاص كما يرمينا به من هو واقع فيه؛ لأن فعل المتصوفة هو التعصب للأشياخ مهما رأوا منهم، واطلعوا عليه من مخالفاتهم؛ وهذا حظ من يتعصب للمشايخ وهو على علم بمخالفاتهم، أما نحن والحمد لله إنما اتخذنا موقفنا بناء على حقائق نعلمها، ولا نشك فيها، ونحن مستعدون لمباهلة من يشاء عليها.
رابعا: ردا لطعونات الكثير من المخالفين؛ الذين يزعمون فينا أننا نتكلم بجهل، ونخوض فيما لم نطلع عليه من المسائل، وأقول لهؤلاء: اعلموا هدانا الله وإياكم أن السلفيين والحمد لله رب العالمين حينما يجالسون مشايخهم والدعاة الذين يأتون إليهم يميزون بين من عنده استقامة على منهج السلف في أبواب الدين بأكملها، وبين من عنده خلل في بعض جوانبها؛ ولذلك إذا وقع الخلاف بينهم آووا إلى من يعلمون تمسكه بما يدينون الله به وبخاصة والأدلة معه والبراهين تؤيده، ولم يلتفتوا إلى من كانوا يلاحظون المخالفات عليه، والسقطات في كلماته ومواقفه، وجعلوا ما يعلمونه عن كلا الطرفين شاهدا على صواب المصيب وخطأ المخطئ؛ فهم يستندون في مواقفهم وتصرفاتهم إلى هذين الأمرين:
- الأدلة التي يحتج بها العلماء.
- ما يعلمونه من المواقف والتصرفات والأقوال والأفعال عمن عاشروه وعايشوه من كلا الطرفين.
وإلى نص الرسالة التي بعث الإخوة بها إلى الشيخ عبد الخالق هداه الله ووفقه لمراجعة الحق إنه ولي ذلك والقادر عليه:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه وبعد:
شيخنا الفاضل العزيز عبد الخالق ماضي حفظك الله ورعاك نود أن تقرأ رسالتنا هذه إلى آخرها وأن تغض الطرف عما لا يعجبك فيها رجاء أن يحصل مراد كاتبيْها الذين يكنان لك كل المودة والتقدير والاحترام.
اعلم شيخنا الحبيب حفظك الله ورعاك أن الذي دفعنا إلى كتابة رسالتنا وشجعنا على إبلاغك ما تجيش به نفوسنا أمور نعلمها من ديننا وأخرى نتيقنها من أخلاق شيخنا وهي:
أما ما نعلمه من ديننا فهو: أنه لا يوجد كما هو متقرر في شريعة الإسلام أحد أكبر من أن يُنصح ولا أحد أصغر من أن يَنصح فكلنا ناصح منصوح كما يشير إليه قول الله تعالى:" وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ" سورة العصر من الآية 4، وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم:" الدِّينُ النَّصِيحَةُ". قَالُوا لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ:" لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ" ونحن لحبنا لك وحرصنا عليك وعزمنا على عدم غشك أردنا أن نقدم نصيحة لك بقدر علمنا وعلى حسب مستوانا فلذلك نرجوا منك شيخنا الحبيب أن تنظر إلى مضمونها وتغض الطرف عن قالبها الذي قد لا يكون مناسبا لمقامكم الكريم ولا منزلتكم الرفيعة.
وأما ما نتيقنه من أخلاقك ولا نشك فيه من حسن أدبك: فهو ما عهدناه من تواضع جم فيك وخلق كريم يعلو محياك ولقد تجلى لنا هذا في كثير مواقفك ووقفاتك ومنها:
- ما لاحظه الجيمع يوم أن زارنا الشيخ عبد الرزاق البدر حفظه الله حينما قمت تخدمه وتخدمنا ونحن جلوس حوله حتى أخجلنا تصرفك وأسرنا تواضعك ولذلك أذكر أنني قلت لك: شيخنا اجلس ونحن نقوم بهذا عنك فأبيت إلا أن تكون خادم القوم الذي يقدم طعامهم بين أيديهم فعلوت بهذا في أعيننا وازداد مقامك يومها عندنا.
- ومن مواقفك التي أثرت فينا وبلغت شغاف قلوبنا وأشعرتنا بتفرد مشايخ السنة عن كل من سواهم ولله الحمد والمنة تراجعك عن كل هفوة تصدر منك وكل زلة تبدر من لسانك في دروسك ومحاضراتك؛ وهذا وقع لك معي خاصة حيث كنت أنبهك على بعض ذلك فتتراجع في الحصة الأخرى معلنا عنه منبها إلى خطئك فيه بل كنت تقول لي ولغيري أيما شيء تلاحظونه في دروسي فأعلموني به وأخبروني عنه وهذا ما جعلنا نجلك ونعرف لك تواضعك وحرصك على ظهور الحق لا بروز شخصك.
بالإضافة إلى هذا أنك طلبت منا في الآونة الأخيرة أن نصارحك ونبوح لك بكل ما استجد على علاقتنا بك.
فلأجل كل هذا وأمثاله تشجعنا أن نكتب لك ونقوم بمراسلتك بهذه النصيحة الأخوية والتي هي رسالة من متعلم لمعلمه وطالب لشيخه وأستاذه ومتربي لمربيه ومن له الأيادي العظيمة عليه فنقول لك شيخنا طالبين مسامحتك وعفوك وعدم المؤاخذة على ما سنقوله لك ونوجهه من الكلام إليك:
اعلم شيخنا حفظك الله ورعاك أننا والحمد لله إنما أحببناك لله واجتمعنا على دروسك في سبيله وكان غرضنا أن نتعاون معك على البر والتقوى والوصول إلى ما يحب ربنا ويرضا وهو حقيقة اجتماع السنيين حول مشايخهم ولقاءهم بهم.
ولقد استفدنا من مجالسك ودروسك شيئا كثيرا وخيرا عميما: من فقه في الدين واجتماع قلوب الإخوة السلفيين.
وهذه الثمار الطيبة التي كنا نجنيها من بستان دروسك وبساتين دروس من يأتي إلينا من مشايخنا كنا نحاول المحافظة عليها ونحرص على دوامها وبقائها ونتخوف من توقفها وانقطاعها.
وتخوفنا من انقطاعها إنما كان بسبب ما كنا نتلمحه ونحس به من تصدع في الصفوف واختلاف بين المشايخ مخوف:
ونصدقك القول شيخنا العزيز حفظك الله ورعاك:
أننا لم نطلع على ذلك إلا من قِبَلِك، ولم نشعر به إلا من خلالك؛ من تصريحاتك وتلميحاتك وحتى نكون صادقين معك مخلصين النصيحة لك ومجانبين للغش في معاملتك نذكر لك ما كنا ننكره من أقوالك ولكننا لم نتجرأ على تكليمك فيه لأمور:
أولا: لأن هذه المسائل بين المشايخ وهم أدرى بها وأقدر على علاجها وقد تكون لها أسباب تزول مع الزمن وتضمحل كما جرت ببعض ذلك السنن.
ثانيا: قد نكون أقل في عينك وأصغر في نظرك من أن نكلمك في أمور ننكرها عليك فلا تقبل منا ولا تسمع لنا فحينئذ لا يحصل مرادنا ونوغر صدرك علينا فنكون سببا في عزوفك عنا وحرمان إخواننا.
ثالثا: أننا كنا نحاول محاولات محتشمة ليست بالصريحة الواضحة لأجل ما تقدم وسيأتي الإشارة إلى بعض تلك المحولات إن شاء الله.
ومن تلكم الأمور التي كانت تنذر بالشر ولا يمكن أن ينتج عنها شيء من الخير:
أولا: مخالفتك للعلماء الكبار في أحكامهم وتبنيك لرأي يصادم آراءهم في مسائل لا يحسن فيها مخالفة العلماء إلا بدليل واضح وضوح الشمس في كبد السماء ليس دونها سحاب ولا غبار أو ضباب:
ومن أمثلته أننا قادنا الحديث في أوائل ما تعرفنا عليك والتقينا بك على العيد شريفي هداه الله وقلت لك أنا عبد الصمد أنه مبتدع فقلت لي من قال هذا قلت: الشيخ ربيع والشيخ عبيد حفظهما الله، فاعترضت وقلت هو سلفي ومشكلته هي أنه سيء الأخلاق ونحو ذلك مع أن العيد شريفي قال كلاما كثيرا باطلا يُبَدَّعُ الرجل ببعضه فضلا عن كله ويعلم ذلك طلبة العلم فضلا عن غيرهم ممن هو أعلم منهم.
تنبيه: وقبل أن نسترسل في الكلام لابد من بيان مهم وهو: أننا في مدينتنا والحمد لله نسير على طريق واضح بيِّن وهو أننا مهما نسمع من مشايخنا ومهما يقال في حضرتنا نكتمه ولا ننقله ونتستر على صاحبه ولا نفضحه أولا: لعله يستعتب ويتراجع إن كان عن علم يقول. ثانيا: لعله يبلغه من العلم ما كان خافيا عنه وعازبا عن فهمه. ثالثا: ما ذكرته آنفا من اعتقادنا في أن مشايخنا أبصر بما يقال وأعلم بما يذكر، ويصلهم ما لا يصلنا، ويبلغهم ما لا يبلغنا؛ فإذا سكتوا هم فنحن أولى بالسكوت منهم، وإذا كتموا شيئا فكيف لا نكتمه ونزعم اتباعهم والاقتداء بهم. رابعا: لقد وطَّنا أنفسنا والحمد لله أنه إذا وقع شر لأحد من الناس فإننا لا نريد أن نكون سببا فيه ولا طرفا في وقوعه.
وموقفك من العيد بعد تبديع العلماء له شيخنا الحبيب ولا مؤاخذة لم يكن صائبا، وأبعد من ذلك عن الصواب أن تبوح به وتبديه، وتظهره ولا تخفيه، لأنه كما لا يخفاك شيخنا العزيز أنه مع علمك الذي عرف لك ومنزلتك التي بلغتها وأنت أهل لها فإنه لا وجه للمقارنة بينك وبين أهل الرسوخ في العلم وقطعا سيُقدم السلفييون قول العلماء الكبار على قولك وبخاصة والدليل يؤيدهم والبرهان معهم.
ثانيا: طعنك في مشايخ السنة في بلدنا الجزائر تصريحا وتلميحا ومنهم:
1- الشيخ محمد علي فركوس حفظه الله فكم مرة صرحت بالطعن فيه والانتقاص منه وكم مرة أشرت إليه ولمحت بالكلام عليه:
فمن تصريحاتك قولك لنا أن زين العابدين بن حنيفية أكبر منه سنا وعلما وهذا ما لا يرضاه أحد من السلفيين لأنه تقديم للخلفي على السلفي هذا أولا وثانيا فكل من سمع لهما وقرأ كتبيهما يعلم يقينا أن بين الشيخ محمد وبين الرجل بون شاسع بل لا وجه للمقارنة بينهما.
فقلتَ مثلا كذا مرة لي أنا رزق الله وللأخ لخضر أن الشيخ لا يستطيع أن يلقي محاضرة كاملة.
وقلت لنا عبد الصمد ورزق الله وأيضا سمع هذا الأخ لخضر بارك الله فيك ملمحا في قضية زين العابدين هداه: أن زين العابدين رجل فاضل وله علم وما أدري لماذا يتشدد المشايخ في مسألته وأكثرهم تشددا الشيخ محمد ولا أدري لماذا يتشدد في مسألته كل هذا التشدد؟ وكانت طريقة كلامك تشير إلى أن الشيخ لا يطعن فيه بسبب منهجه وضلالاته وإنما بسبب شيء في نفسه تجاهه.
2- الشيخ عبد الغني حفظه الله: كم مرة سمعنا قولك وأنت تلمح عليه أن الإنسان لا يغرف من بحر ولا بد أن يحضر دروسه قبل أن يلقيها ونحو ذلك وكان الواجب عليك في مثل هذا المقام شيخنا الكريم - وأرجو مسامحتك على هذه الجرأة عليك - أن تنصح له وأن تبلغه رأيك فيه لا أن تتكلم عليه مع عموم السلفيين وتنتقده عند من قد توغر عليه صدره وتجعله ينفر منه ولعله من دعوته التي هي دعوتك.
وقلت مصرحا لي أنا رزق الله وللأخ لخضر: أن دروسه صارت منتقدة ولا يحسن إلا "علمكم نبيكم حتى الخراءة" وأنه يكررها كثيرا، وأنه بسبب كثرة أسفاره صار لا يدري ما يقول في محاضراته وأن بعض الشباب اشتكى لك من ذلك والمفروض شيخنا الحبيب أن تعزر مثل هذا الناقل وتوقفه عند حده.
3- الشيخ أزهر حفظه الله الذي كان له الحظ الأوفر من طعوناتك تصريحا ترة وتلميحا تارة أخرى: فهو لا يحفظ القرآن، ولا علم له، ومقالاته ليست من كتابته وإنما هي من كتابات الأخ خالد الذي يكتب له، وينشر باسمه، وأنه يرضى بغلو الشباب فيه فيصفونه بالوالد والعلامة وغير ذلك وتنتقد عليه حصته في إذاعة التصفية والتربية التي يجيب فيها على أسئلة السائلين واستفسارات المستفسرين وتقول أنه يظن نفسه عالما وينفرد لوحده دون سائر المشايخ في كثير من القضايا المهمة وغير ذلك كثير وهذه أمور توغر الصدور وتنبأ بكثير من الشرور.
4- الشيخ نجيب جلواح حفظه الله: كذا مرة كنت تشير إلى دروسه وتنتقدها عليه فتنتقد منهجيته وطريقة تدريسه وإطالته فيها واسترساله في شرح المتون التي يتناولها وغير ذلك.
وكان الأولى بك والواجب في حقك في مثل هذه المسائل التي تخالفهم فيها وترى خطأهم في تناولهم لها أن تتوجه لهم بالنصيحة والمناقشة الهادفة التي تثمر الخير وتبقي على الأخوة والمحبة وتديم التآلف والتعاون.
أما أن تقولها لأمثالنا وتتكلم بها عند أشباهنا فما أظن أن فيها مصلحة ولا فائدة راجحة بل فيها المفاسد العظيمة والعواقب الوخيمة على دعوتنا.
ومما ينبغي أن نصارحك به شيخنا العزيز ولابد أن يبلغ مسامعك وتكون على دراية به أننا بالمقابل لم نسمع ولا واحدا منهم يطعن فيك شيخنا لا تصريحا ولا تلميحا:
لا الشيخ عبد الغني حفظه الله المشهور بيننا بالصمت الشديد فما عهدناه يتكلم إلا في مسائل العلم أو إذا سئل عن أمر مهم وإلا فالصمت هو الغالب عليه وترك الكلام هو ديدنه فلا يكلمك إلا إذا كلمته ولا يحدثك إلا إذا حدثته بل عهدنا منه الثناء عليك وعلى غيرك من مشايخنا وما المجلس الأخير منا ببعيد.
أما بالنسبة للشيخ أزهر حفظه الله فهو مع انبساطه وانطلاقه في الحديث مع مجالسيه لم نسمعه ولو مرة واحدة يذكرك أو يشير إلى شخصك أو يلمح بالطعن فيك من قريب ولا من بعيد بل عهدناه موقرا لكل مشايخنا مثنيا عليهم متواضعا لهم.
أما الشيخ نجيب حفظه الله فتواضعه بين أيديكم مشهور ومعلوم ومع أنه يكبرك في السن فلم نسمع منه إلا ما يدل على احترامه لك وتوقيره لشخصك واعترافه بمنزلتك بل لقد قال لنا أنه يهابك ولذلك لا يستطيع الكلام في حضرتك.
فهذا هو صنيع هؤلاء المشايخ معك ونشهد الله الذي لا إله إلا هو على ما نقول ونحن نعلم أنا لنا موقفا بين يدي الله سنقفه ونحاسب فيه.
فهل يجدر بك شيخنا الحبيب أن تقابلهم بما كان منك من طعونات قد ذكرناها لك في الوقت الذي تثني فيه على المخالفين المنحرفين عن الصراط المستقيم كمن سيأتي ذكره، هذا ما كان يحز في نفوسنا ويحزننا ويؤسفنا:
- ثالثا: ثناؤك على بعض المنحرفين وخلافك لإخوانك في الحكم عليهم ومعاملتهم:
ومثاله: ففي الوقت الذي طعن المشايخ في زين العابدين بن حنيفية كنت حفظك الله ورعاك شيخنا الحبيب تثني عليه وتمدحه وتخالف إخوانك وتتعجب من صنيعهم وتحاول أن تبرر أخطاء العابدين التي انتقدوها عليه ولقد كلمتك فيه أنا عبد الصمد مرتين مختلفتين:
ففي المرة الأولى قلتَ عنه أنه رجل فاضل وعنده علم ولا تدري لماذا يتشدد المشايخ معه وأكثرهم تشددا الشيخ محمد وأنك لا تدري لماذا يفعل هذا؟ ثم قلتَ لي أنك كلمته والتقيت به ولم تره إلا كما ذكرت فاضلا عالما؟ ثم اعتذرت له فيما ينتقد عليه من خروجه في المظاهرات بأنه إنما خرج بأمر ولي الأمر حيث أمره أن يخرج معهم ليقوم بتهدئتهم وكذلك فعل فبعد أن خرجوا ووصلوا إلى مكان معين أمرهم بالرجوع هذا اعتذارك له الذي قد تكون سمعته منه أو من بعض محبيه ومتبعيه، وأرجو أن تسامحني مرة أخرى شيخنا الكريم إذا قلت لك: أن هذا ليس بعذر ولا يمكن أن يقبل به طالب علم فضلا عن المشايخ لأمور:
أولا: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق فالمظاهرات محرمة سواء أذن فيها ولي الأمر أم لم يأذن.
ثانيا: فإن قلت شيخنا العزيز بارك الله فيك أنه إنما فعلها للثمرة المرجوة من ورائها وهي توقيفها قبل أن يستفحل أمرها فالجواب هو: قد لا يستطيع إيقافها فكيف يفعل حينئذ؟ وأيضا الغاية لا تبرر الوسيلة ومثاله الذي يوضحه: لو أن جماعة من الناس أرادوا أن يشربوا خمرا فهل يجوز لشيخ أن يشرب معهم كأسا أو كأسين ليمنعهم من شربها بعدهما ويريقها بين أيدهم بعد أن شاركهم في شربهما هل يمكن أن يقر الشرع هذا، أو كأن يشرع مع لصوص في سرقة بيت حتى إذا كسروا نوافذه ودخلوه على أهله أمرهم بالخروج منه وعدم سرقته.
ثالثا: ما هو مقدار هذه الثمرة المرجوة من مفسدة اعتقاد عموم الناس جواز المظاهرات في دين الله اعتمادا منهم على خروج شيخ معهم واستدلالا بمشاركته على صحة فعلهم.
أما في المرة الثانية فقد حاولت أن أوصل لك حقيقة الوضع وأن الرجل ليس على الجادة وأن الثناء عليه سبيل للتمكين له وإفساد الصفوف بسببه فقلت لك: أنا الذي أعلمه شيخنا أن الرجل ما دخل مدينة إلا وتفرق السلفييون صفين اثنين وانقسموا إلى فرقتين متناحرتين وضربت لك المثال بمدينة "وادي رهيو" التي كنت أزورها وأقيم الحلق فيها وكان الإخوة على كلمة واحدة فلما دخل عندهم فرق صفوفهم وكل ذلك إشارة مني إلى خطورة الثناء عليه ومدحه وهذا أقصى ما استطعته من تصريح لكم في قضيته لأجل ما ذكرته من الأسباب آنفا.
رابعا: كلام استنكره منك الشباب السلفي بسبب مخالفته لما اعتادوه من كلام علمائهم وهديهم ومذهبهم:
ومن ذلك أنك كنت أحيانا إذا ذكرت في دروسك التي كنت تقيمها عندنا رجلا من أهل البدع والأهواء تقول: وأنا ليس من عادتي أن أذكر الرجال وأتكلم عليهم بما يشعر أن الكلام على الرجال ليس ممدوحا ولا قربة يتقرب العالم بها ويطلب الثواب من الله عليها.
وهذا مخالف لما أثر عن علماء السنة من الكلام في المجروحين وتحذير المسلمين منهم ببيان ضلالهم وانحرافهم ولأجل هذا كان بعض إخواننا يستغرب ذلك منك ويأتي إلينا مستفسرا حوله فنحاول الاعتذار لك والمحافظة على منزلتك في قلوب السنيين الحاضرين لدروسك.
لأن المتقرر عند السلفيين جميعا أن الكلام في أهل الأهواء لا ينبغي للسني أن يتنصل منه ولا أن يعتذر عن فعله وذلك لأمور:
الأول: أنه طريق السنيين من لدن سلفنا الصالح وإلى علمائنا المعاصرين.
الثاني: أنه سبيل لحفظ الدين وفضح الغشاشين المتلاعبين الذين يمرضون قلوب المسلمين ويفسدون إيمان المؤمنين.
الثالث: أنه منقبة عظيمة لمن قام به فالمتكلم في أهل البدع مجاهد في سبيل الله كما قرر علماء الإسلام وأئمته الأعلام.
الرابع: أن السكوت عليهم طريق للتمكين لهم لأن العالم هو أبصر الناس بهم وأخبر الخلق بحقيقتهم فإذا سكت لم يعلم الناس حالهم ولا أمكنهم أن يتحصنوا من شرهم ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله لمن قال له: إنه يثقل علي أن أقول فلان كذا وفلان كذا. فقال: إذا سكتَّ أنت وسكتُّ أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟.
فهذه بعض الأمور التي كنا ننكرها من كلامك ودفعتنا الأسباب المتقدمة إلى عدم مصارحتك ومشافهتك بها ويعلم الله سبحانه أننا ما تكلمنا بها ولا ذكرناها لأحد من مشايخنا ولا غيرهم من إخواننا ولعلك شيخنا تعرف هذا من أخلاقنا.
والرسالة هذه التي بين يديك شيخنا لم يطلع عليها أحد من الناس لا المشايخ الكرام ولا طلبة العلم ولا عموم الإخوة السلفيين فضلا عن غيرهم وإننا نشهد الله أنه لم يطلع عليها إلا الكاتبان عبد الصمد ورزق الله ولن يطلع عليها أحد غيرهما إلا الموجهة إليه شيخنا العزيز بارك الله فيك.
والخلاصة التي أردناها من خلال رسالتنا هذه:
أنه قد بلغنا كما بلغ غيرنا وإن كان الأمر لم يتضح بعد أن شقاقا وقع بين مشايخنا وتفرقا تطل قرونه يحصل بين كبرائنا وهذا هو الذي كنا نتلمحه ونخاف من وقوعه وإن كنا لا ندري الأسباب الداعية إليه على وجه التفصيل فنقول:
إن كانت الأسباب هي أمثال هذه الأمور التي لاحظناها عليك وسمعناها من كلامك والتي نظن أنه قد سمعها منك غيرنا ممن قد يبلغ المشايخ على خلاف ما فعلنا فلا بأس شيخنا الكريم أن تتنازل عنها وأن تعلن تركك لها وتنصلك من تبعاتها وإن اقتضى الأمر أن تستسمح إخوانك ومن هم على نفس دربك ويدعون إلى عين دعوتك فاستسمحهم واطلب العفو منهم فإن الخسارة في عدم فعل هذا كبيرة والنتائج وخيمة خطيرة ومنها:
- تمزق صفوف السنيين وتفرق الإخوة السلفيين والتي تكون تبعاتها يوم القيامة على من كان سببا فيها قال الله تعالى:" وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281)" سورة البقرة.
- ذهاب قوتنا الناتجة عن اجتماع مشايخنا وتعاونهم على تبليغ دعوتنا والتي كان لها الأثر البالغ والنتائج الحسنة قال الله تعالى:" وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)" سورة الأنفال.
- فرح الشيطان الذي وصل إلى ما كان يرنو إليه ويحرص عليه من تفريق بين أهل الحق وتمزيق لصفوف دعاة الصدق قال الله تعالى:" وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا (53)" سورة الإسراء.
- انتعاش أهل البدع والأهواء وشماتتهم فينا وفرحهم بتشتتنا وتشرذمنا.
- طمع المنحرفين عن الصراط المستقيم في استقطاب بعض أهل الحق وقلبهم على إخوانهم واستغلالهم في ضرب الدعوة التي كانوا حملتها والدعاة القائمين بها.
- انحصار دعوة بعض من كان ينفع إخوانه ويبث الخير في صفوف من يثق به ويجلس إليه فنخسر جهودا كنا ننتفع بها وتضيع علينا إمكانيات نحن في حاجة إليها.
وغير ذلك مما أنتم أعلم به منا وأخبر بحقيقته من جميعنا وما مثلنا ونحن نذكر هذه الأمور لكم ونوردها على مسامعكم إلا كمثل من قال فيهم حسان ابن ثابت الأنصاري رضي الله عنه:
فإنا ومنْ يهدي القصائدَ نحونا كمستبضعٍ تمراً إلى أهلِ خيبرا
أما إذا كانت الدواعي إلى هذه الفرقة ما لا نعلمه ولم نطلع عليه فنرجوا من شيخنا أن يسعى إلى لقاء إخوانه ومحاورتهم وتقريب وجهات النظر معهم فالمصيبة عظيمة والنتائج وخيمة كما تقدم.
والله من وراء القصد وهو يهدي إلى سواء السبيل
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره وسار على دربه إلى يوم الدين.
وكتبه:
أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان وأبو عبد الرزاق رزق الله سليمان
تنبيه: قد يقول القائل كيف أخرجتم النصيحة بعد أن وعدتم بعدم إخراجها فالجواب هو:
أننا استفتينا من نثق بعلمه وفقهه وبصيرته في دين الله سبحانه فأجاب أن المسألة فيها تفصيل وهو:
أن المنصوح إذا تاب لله من أسباب النصيحة الموجهة إليه لم يجز ذكر النصيحة وإخراجها أما إذا أصر على ما هو عليه واستمر على ما نصح بتركه فهنا يتعين إخراجها.
والحمد لله أن هذا الذي أفتانا به الشيخ المشار إليه حفظه الله هو نفسه الذي قرره الشيخ عبد الخالق هداه الله في صوتيته وبيانه حيث قال ص2:" والمسلم الصادق يبذل النصح أولا مع كامل الشفقة على المنصوح، أن يهديه الله، ثم الصبر عليه، فإن رأى منه تعنتا، وجب أن يبين من حال هذا المخالف بقدر ما ينفر منه حتى يرجع ويتوب".
أقول: هذا هو كلامه وهذا هو حكمه ونحن نرضى بحكم القارئين على فعلنا بعد قراءتهم لهذه الرسالة التي لم نخرجها إلا هذا اليوم هل تحققت فينا الضوابط التي ذكرها والقيود التي تحدث عنها؟.
والله الهادي إلى صراطه المستقيم وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين.
تنبيه آخر: نرجوا من كل من كانت عنده شهادة تؤيد كلام مشايخنا، وتؤكد صدق من ناصرناه من علمائنا أن يدلي بها، ويبادر إلى نشرها، نصرة للحق وبيانا للمحق، ودفعا لمشايخنا - الذين نعتقد خطأهم ونتيقن غلطهم في بعض ما يذهبون إليه ويسيرون عليه من أمور ظهرت عليهم وصارت منهجا لهم - حتى يجلسوا لإخوانهم موافقين على شروطهم؛ لترجع المياه إلى مجاريها، وتعود الأمور إلى سالف عهدها، والأمر الآن بين أيديهم نسأل الله أن يوفقهم، ووالله لن يزيدهم الرجوع إلى الحق إلا شرفا وكرما وعلوا ورفعة، ونحن ننتظر ذلك منهم نسأل الله التوفيق والسداد للجميع إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وكتب:
أبو عبد السلام عبد الصمد سليمان موافقا له أخوه وابن عمه أبو عبد الرزاق رزق الله سليمان
تعليق